أقضية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم

محمّد بن فرج المالكي القرطبي

أقضية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم

المؤلف:

محمّد بن فرج المالكي القرطبي


المحقق: الشيخ طالب عوّاد
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ٠
ISBN: 9953-27-352-9
الصفحات: ١٤٤

كتاب النكاح

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في الثيب يزوجها أبوها بغير رضاها

في الموطأ والبخاري ومسلم والنسائي ومصنف عبد الرزاق عن خنساء ابنة جذام الأنصارية : أن أباها زوجها وهي ثيب ، فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرد نكاحه (١).

ووقع في مصنف عبد الرزاق أنها تزوجت بعده أبا لبابة الأنصاري. وكنية جذام : أبو وريعة (٢).

ووقع أيضا فيه عن مهاجر بن عكرمة : أن بكرا أنكحها أبوها ـ وهي كارهة ـ فجاءت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرد إليها أمرها (٣). وحدثنا ابن جريج عن أيوب عن عكرمة ، وعن يحيى بن أبي كثير : أن ثيبا وبكرا أنكحهما أبوهما ـ وهما كارهتان ـ فجاءتا إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرد نكاحهما (٤).

وعن عبد الله بن بريدة أنه قال : جاءت امرأة بكر إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : يا رسول الله إن أبي زوجني ابن أخ له يرفع خسيسته بي ، ولم يستأمرني فهل لي في نفسي أمر؟ فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعم». فقالت له : ما كنت لأرد على أبي شيئا صنعه ، ولكن أحببت أن تعلم النساء أن لهن في أنفسهن أمرا أم لا (٥).

وفيه أيضا وفي الواضحة : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا أراد أن يزوج امرأة من بناته جاء إلى الخدر فقال : «إن فلانا يخطب فلانة». فإن حركت الخدر لم يزوجها. وقال في الواضحة : فإن

__________________

(١) رواه البخاري (٥١٣٨) و (٦٩٤٥) ، ومالك في الموطأ (٢ / ٥٣٥) في النكاح. باب جامع ما لا يجوز من النكاح. والنسائي (٦ / ٨٦) من حديث خنساء بنت خذام الأنصارية رضي‌الله‌عنها.

(٢) رواه عبد الرزاق في المصنف (١٠٣٠٧) من حديث نافع بن حبير. وهو تابعي والحديث مرسل. كما قال البيهقي في السنن (٧ / ١١٩).

(٣) رواه عبد الرزاق في المصنف (١٠٣٠١) وهو حديث مرسل. من حديث مهاجر بن عكرمة. وقال الحافظ في التقريب مقبول.

(٤) رواه عبد الرزاق في المصنف (١٠٣٠٦) من حديث يحيى بن أبي كثير الطائي وهو تابعي ثقة ثبت كما قال الحافظ في التقريب. والحديث مرسل.

(٥) رواه أحمد في المسند (٦ / ١٣٦) ، وابن ماجه (١٨٧٤) في النكاح من حديث عبد الله بن بريدة بن الحصيب عن أبيه. وقال البوصيري في الزوائد : إسناده صحيح.

٦١

طعنت في الستر بإصبعيها لم يزوجها ، وإن سكتت زوجها (١).

وفي المدونة عن الحسن البصري أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زوج عثمان بن عفان ابنتيه ولم يستشرهما هكذا في رواية ابن وضّاح. وقال الحسن البصري : له أن يزوج ابنته الثيب بغير رضاها. وقال إسماعيل : وله وجه حسن من الفقه إلا أن الإجماع على خلاف ذلك. قال غيره ، وقال إبراهيم النخعي : إذا كانت في عياله. قال إسماعيل القاضي : زوج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعض بناته قبل الهجرة وزوج بعضهن بعد الهجرة ، وإنما ثبتت الأحكام بعد الهجرة وأبرمت ولا يعلم أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم زوج بنتا له بعد الهجرة لم يكن لها زوج قبل ذلك ـ إلا فاطمة ـ من علي لأن رقية كانت عند عتبة ابن أبي لهب فطلقها بمكة ، فزوجها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من عثمان بمكة ، ويشبه أن يكون ما روى الحسن أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنكح عثمان ابنتيه ولم يستشرهما أن تكون أم كلثوم لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يزوج بعد الهجرة غيرها ، وغير فاطمة رضي‌الله‌عنهما ، فتدل رواية إسماعيل على خلاف رواية ابن وضاح التي روى ابنتيه.

وذكر ابن قتيبة في المعارف : أن عثمان تزوج رقية بالمدينة ، ثم تزوج بعدها أم كلثوم بالمدينة أيضا ، وأن عتبة تزوج رقية ، وعتيبة تزوج أم كلثوم ، وطلقاهما قبل أن يدخلا بهما.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في نكاح التفويض بموت الزوج قبل الدخول

وما روي عن علي وزيد في ذلك في كتاب النسائي ، ومصنف عبد الرزاق ، عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود : أنه سئل عن رجل تزوج امرأة فلم يفرض لها ولم يدخل بها حتى مات فرددهم شهرا لا يفتيهم ، ثم قال : اللهم إني أقول جوابي فإن كان صوابا فمن الله ، وإن كان خطأ فمني. وقال في النسائي : فمن الشيطان أرى أن يكون لها صداق امرأة من نسائها ، لا وكس ولا شطط ، ولها الميراث وعليها العدة أربعة أشهر وعشر. فقام ناس من أشجع فقالوا : نحن نشهد أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قضى بمثل الذي قضيت به في بروع ابنة واشق (٢).

قال في مصنف عبد الرزاق : بنت واشق من بني رؤاس وبني رؤاس حي من بني عامر بن صعصعة ، والذي شهد قضاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم معقل بن سنان الأشجعي ، ونفر من قومه. وقال علي ابن أبي طالب : لا صداق لها ، وكذلك قال زيد ، وبهذا أخذ مالك. وأخذ سفيان والحسن وقتادة بقول ابن مسعود فقال : لا تصدق الأعراب على قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ووقع في الكتابين : فما فرح ابن مسعود بشيء كما فرح بذلك حين وافق قضاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣).

__________________

(١) رواه عبد الرزاق في المصنف رقم (١٠٢٧٧) عن المهاجر بن عكرمة الطائي. وهو حديث مرسل.

(٢) رواه النسائي في الكبرى (٨ / ٤٥٧) ، وأبو داود رقم (٢١١٤) في النكاح ، وابن ماجه (١٨٩١) ، والنسائي في السنن (٦ / ١٢٢) في النكاح وإسناده صحيح.

(٣) رواه عبد الرزاق في المصنف (١٠٨٩٩) ، والبيهقي في السنن (٧ / ٢٤٥) وإسناده صحيح.

٦٢

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

فيمن تزوج امرأة فوجدها حبلى وفي نفقة المطلقة وعدتها وسكناها

في مصنف عبد الرزاق عن سعيد بن المسيب عن رجل من الأنصار يقال له بصرة قال : تزوجت امرأة بكرا في سترها فدخلت عليها فإذا هي حبلى! فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لها الصداق بما استحلّ من فرجها والولد عبد لك وإذا ولدت فاجلدوها». وفرّق بينهما (١).

وفي الموطأ والبخاري ومسلم عن فاطمة بنت قيس : أن أبا عمر بن حفص طلقها البتة. وفي كتاب مسلم والنسائي آخر تطليقة بقيت له فيها وهو غائب بالشام ، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته. فقال : والله ما لك علينا من شيء. وقال في كتاب النسائي : فأرسل إليها الحارث بن هشام بن أبي ربيعة بنفقتها فسخطتها فقال : والله ما لك علينا نفقة إلا أن تكوني حاملا ولا أن تسكني في مسكننا إلا بإذننا. وفي كتاب مسلم فأرسل خمسة أصوع شعيرا أو خمسة أصوع تمرا فجاءت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فذكرت له ذلك ، فقال : «ليس لك نفقة» (٢).

ووقع في كتاب مسلم قالت فاطمة : خاصمته إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في السكنى والنفقة فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة. وذكر النسائي : وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ، ثم قال : «تلك امرأة يغشاها أصحابي ، اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك فإذا حللت فأذنيني». فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني. ووقع في موطأ يحيى أبا جهم بن هشام وهو غلط ليس في الصحابة أبو جهم بن هشام ، وإنما هو أبو جهم بن صخر ابن عدي قرشي. ويقال : أبو جهم بن حذيفة بن غانم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه ، وأما معاوية فصعلوك لا مال له. انكحي أسامة بن زيد». فكرهته ، ثم قال «انكحي أسامة» فنكحته فجعل الله في ذلك خيرا واغتبطت به (٣).

قال الخطابي : قول فاطمة : خاصمته إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة. كان إخبارها على أحد الأمرين علما وهو أن لا نفقة لها ، وعن الآخر وهو السكنى وهما وذلك أنه ذهب عليها معرفة السبب في نقله إياها عن بيت أهلها فتوهمته إبطالا لسكناها فقالت : فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة.

وقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اعتدي عند ابن أم مكتوم» يوجب لها السكنى ، فيه من الفقه : إباحة

__________________

(١) رواه عبد الرزاق (١٠٧٠٤) والبيهقي السنن (٧ / ١٥٧) ، والدارقطني (٣ / ٢٥١) ، وأبو داود (٢١٣١) و (٢١٣٢) وإسناده ضعيف.

(٢) رواه مالك في الموطأ (٢ / ٥٨٠ و ٥٨١) في الطلاق ، ومسلم (١٤٨٠) و (٣٧) في الطلاق ، والنسائي (٦ / ٧٥) في النكاح ، وأبو داود (٢٢٨٨) ، وابن حبان (٤٠٤٩) من حديث فاطمة بنت قيس رضي‌الله‌عنها.

(٣) رواه مسلم (١٤٨٠) و (١٣٦) ، والنسائي (٦ / ٧٤). من حديث فاطمة بنت قيس رضي‌الله‌عنها.

٦٣

خطبة رجلين امرأة ، ونكاح المولى قرشية لأن فاطمة بنت قيس هى أخت الضحاك بن قيس : قرشية فهرية ، وأنه لا غيبة فيمن سئل عن النكاح أن يذكر بما فيه ، وإن كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يذكر إلا ضرب أبا جهم للنساء ، وفقر معاوية ، إلا أن أهل العلم أجازوا ذلك في النكاح وفيمن سئل عنه بعد أن شهد على أحد وفيمن يتخذ إماما.

وفيه : أن يوصف الرجل بأكثر ما فيه ، وقد كان أبو جهم ينام ويأكل ويجلس ، فوصفه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه لا يضع عصاه عن عاتقه.

وفيه : إباحة خروج المطلقة من بيتها إذا آذت أهل الزوج بلسانها ، وبذت عليهم كما فعلت فاطمة بأهل زوجها ، وهي الفاحشة التي قال الله عزوجل : (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) [الطّلاق : الآية ١]. ذكر ذلك ابن رزين ، وغيره وقيل : إنما شكت رداءة المنزل إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأذن لها.

وفيه : أن لا نفقة للمبتوتة ، وقال بعض أهل العلم : إنها ليس لها أيضا سكنى بهذا الحديث.

وفيه : زيارة الرجال المرأة الصالحة.

وفيه : القضاء على الغائب لأن أبا عمرو طلقها وهو غائب بالشام وحولت وهو غائب وأمرها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالنكاح. قاله الأصيلي ، وفي مصنف أبي داود قال عمر بن الخطاب : لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري أحفظت أم لم تحفظ (١).

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

للزوجة بالنفقة على زوجها وهو غائب

وكيف تكون الخدمة عليهما جميعا

في البخاري ومسلم عن عائشة أنها قالت : جاءت هند بنت عتبة فقالت : إن أبا سفيان رجل ممسك. وفي حديث آخر : شحيح ، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خذي ما يكفيك بالمعروف» (٢).

فيه من الفقه : القضاء على الغائب ، وكذلك ترجم عليه البخاري القضاء على الغائب ، وترجم عليه أيضا من رأى للقاضي أن يحكم بعلمه في أمر الناس إذا لم يخف الظنون والتهمة ، وكان أمرا مشهورا وأنه من منع أحدا حقه وظفر له بمال فله أن يأخذ منه بقدر حقه بغير علمه ،

__________________

(١) رواه أبو داود (٢٢٩١) في الطلاق. باب في نفقة المبتوتة. وهو حديث صحيح موقوف على عمر رضي‌الله‌عنه.

(٢) رواه أحمد في المسند (٦ / ٣٩) ، والبخاري رقم (٢٢١١ و ٥٣٧٠ و ٧١٨٠) ، ومسلم (١٧١٤) و (٧) ، وأبو داود (٣٥٣٢) من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها.

٦٤

وفي هذا الوجه اختلاف بين أصحاب مالك. وفي الواضحة : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حكم بين علي بن أبي طالب وزوجته فاطمة رضي‌الله‌عنهما حين اشتكيا إليه الخدمة ، فحكم على فاطمة بالخدمة الباطنة : خدمة البيت وحكم على علي بالخدمة الظاهرة.

قال ابن حبيب : والخدمة الباطنة : العجن ، والطبخ ، والفرش ، وكنس البيت ، واستقاء الماء ، إذا كان الماء معها وعمل البيت كله.

وذكر البخاري ومسلم والنسائي : أن فاطمة أتت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحا وبلغها أنه جاءه رقيق فلم تصادفه ، فذكرت ذلك لعائشة فلما جاء أخبرته عائشة ، قال علي : فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم ، فقال : «مكانكما» ، فجاء فقعد بيننا حتى وجدت برد رجليه على بطني فقال : «ألا أدلكما على ما هو خير لكما مما سألتما إذا أخذتما مضاجعكما وآويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين ، وحمدا ثلاثا وثلاثين ، وكبرا أربعا وثلاثين ، فهو خير لكما من خادم». فما تركتها بعد. قيل : ولا ليلة صفين! قال : ولا ليلة صفين (١).

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في الصداق وأقل ما يكون وذكر صداق بناته وزوجاته عليه‌السلام

في كتاب النسائي ومصنف عبد الرزاق وأبي داود : أن علي بن أبي طالب أصدق فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم درعه الحطمية (٢) ، قال عكرمة في الواضحة : فبيعت بخمسمائة درهم. وفي غير الواضحة : فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعضها في طيب.

وفي مصنف عبد الرزاق أيضا : أن علي بن أبي طالب أصدق فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اثنتي عشرة أوقية (٣) ، وذكر النسائي عن علي بن أبي طالب أنه قال : جهز رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاطمة في خميل وتربة ووسادة أدم حشوها إذخر (٤). وذكر ابن أبي زيد أن ذلك النكاح كان في السنة الأولى من الهجرة ، ويقال في السنة الثانية على رأس اثنين وعشرين شهرا ، ولم يختلف أن بناء

__________________

(١) رواه أحمد في المسند (١ / ٩٦) ، والبخاري (٣١١٣ و ٥٣٦١) ، ومسلم (٢٧٢٧) ، وأبو داود (٥٠٦٢) من حديث علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه.

(٢) رواه أحمد في المسند (١ / ٨٠) و (٣٦٠) ، والحميدي (٣٨) ، والنسائي (٦ / ١٢٩ و ١٣٠) من حديث علي رضي‌الله‌عنه. وإسناده ضعيف. ورواه أبو داود (٢١٢٦) من طريق كثير بن عبيد الحمصي حدثنا أبو حيوة عن شعيب بن أبي حمزة ، حدثني غيلان بن أنس حدثني محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن رجل أن عليا رضي‌الله‌عنه. وهذا إسناد ضعيف.

(٣) رواه عبد الرزاق في المصنف (١٠٤٠٢) من حديث صفوان بن سليم : أن عليا أصدق فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكره. وهو حديث مرسل.

(٤) رواه النسائي في السنن (٦ / ١٣٥) و (٣٣٨٤) من حديث علي رضي‌الله‌عنه. وإسناده ضعيف.

٦٥

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعائشة كان في السنة الأولى على رأس ثمانية أشهر من الهجرة في شوال. وفي الموطأ والبخاري ومسلم والنسائي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جاءته امرأة فقالت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إني قد وهبت نفسي لك. فقامت قياما طويلا ، فقام رجل فقال : يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هل عندك من شيء تصدقها إياه؟» فقال : ما عندي إلا إزاري هذا. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إن أعطيتها اياه جلست بلا إزار لك فالتمس شيئا». فقال : ما أجد شيئا فقال : «التمس ولو خاتما من حديد» ، فلم يجد شيئا ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هل معك من القرآن شيء؟» قال : نعم سورة كذا وكذا لسور سماها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قد أنكحتها بما معك من القرآن» (١). يقال هذه المرأة كانت خولة بنت حكيم ويقال أم شريك.

وفيه من الفقه : أن السلطان وليّ من لا وليّ له.

وفيه إباحة النكاح بالعروض ، وكذلك في نكاح علي فاطمة رضي‌الله‌عنها.

وفيه إجازة الأجرة على تعليم القرآن ، وهذا الحديث منسوخ عند ابن حبيب. وقال غيره : هذا من خواص النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم يأخذ به أحد من الصحابة ولا التابعين ولا الفقهاء غير الشافعي ، ولعل المرأة قد كانت تحفظ تلك السورة بعينها وهي إنما كانت رضيت بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وله وهبت نفسها ، ولم يتزوج أحد من الصحابة بأقل من خمسة دراهم ، وهو عبد الرحمن بن عوف تزوج بزنة نواة من ذهب ، وهي خمسة دراهم (٢). وذكر ابن المنذر في الأشراف أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم تزوج أم سلمة على متاع يساوي عشرة دراهم. وفي وثائق ابن العطار : أربعمائة درهم. وفي النوادر وغيرها أن النبيّ عليه الصلاة والسلام تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان وأمهرها أربعة آلاف درهم.

وفيه أيضا أنه أمهرها أربعمائة دينار ذهبا.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في منع علي بن أبي طالب أن يتزوج على فاطمة رضي‌الله‌عنها

في البخاري ومصنف أبي داود والواضحة : أن علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل بن هشام فاستأذن بنو هشام ابن المغيرة في ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم يأذن لهم ، وخرج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم مغضبا حتى رقى المنبر ، واجتمع الناس إليه ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : «أما بعد فإن بني هشام ابن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن لهم ، ثم لا آذن إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي وينكح ابنتهم ، فإنما ابنتي بضعة مني يريا بني ما أرابها ،

__________________

(١) رواه البخاري (٢٣١٠ و ٥١٣٥) ، ومسلم (١٤٢٥) ، والموطأ (٢ / ٥٢٦) ، والترمذي (١١١٤) ، والنسائي (٦ / ١١٣) من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي‌الله‌عنه.

(٢) رواه أحمد في المسند (٣ / ٢٢٧ و ٢٧١) ، والبخاري رقم (٥١٥٥) ، ومسلم (١٤٢٧) ، وأبو داود (٢١٠٩) ، وابن حبان (٤٠٩٦) من حديث أنس رضي‌الله‌عنه.

٦٦

ويؤذيني ما آذاها ، ولن تجتمع بنت نبي الله مع بنت عدو الله. إني أخاف أن تفتن فاطمة في دينها ، وإني لست أحرّم حلالا ، ولا أحلّ حراما ، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وابنة عدو الله في مكان واحد أبدا» (١).

قال ابن حبيب : فإن احتج محتج في إجازة اتخاذ الشروط بهذا الحديث فلا حجة له فيه لأن هذا من خواص النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في المجوسي يسلم والمرأة تسلم قبل زوجها ثم يسلم

في المدونة وغيرها : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لغيلان بن سلمة الثقفي ـ حين أسلم وتحته عشر نسوة ـ : «اختر أربعا ، وفارق سائرهن» (٢). وقال فيروز الديلمي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إني أسلمت وتحتي أختان ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «طلق أيتهما شئت» (٣). وفي مصنف أبي داود : أن امرأة أسلمت على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتزوجت فجاء زوجها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله إني قد أسلمت وعلمت بإسلامي. فانتزعها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من زوجها الآخر وردها إلى زوجها الأول (٤). معنى ذلك أنه ثبت ذلك عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في المعترض ونكاح المتعة

في الموطأ والبخاري والنسائي : أن رفاعة بن سموأل طلّق امرأته تميمة بنت وهب ثلاثا في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنكحت عبد الرحمن بن الزبير ، فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسّها ففارقها ، فأراد رفاعة أن ينكحها وهو زوجها الأول الذي كان طلقها ، فذكر ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنهاه عن تزويجها وقال : «لا تحل لك حتى تذوق العسيلة» (٥). وفي غير الموطأ : «حتى يذوق عسيلتها وتذوق عسيلته».

__________________

(١) رواه البخاري (٥٢٣٠) ، ومسلم (٢٤٤٩ و ٩٣) ، وأبو داود (٢٠٧١) ، وابن حبان (٦٩٥٥ و ٦٩٥٦) من حديث المسور بن مخرمة رضي‌الله‌عنه.

(٢) رواه أحمد في المسند (٢ / ١٤) ، والترمذي (١١٢٨) ، وابن ماجه (٥٣٣٥) ، والحاكم (٢ / ١٩٢ و ١٩٣) من حديث ابن عمر رضي‌الله‌عنهما وهو حديث صحيح.

(٣) رواه أبو داود (٢٢٤٣) ، والترمذي (١١٣٠) ، وابن ماجه (١٩٥١) ، وابن حبان (٤١٥٥) من حديث الضحاك بن فيروز عن أبيه وهو حديث حسن.

(٤) رواه أبو داود (٢٢٣٩) من حديث ابن عباس رضي‌الله‌عنهما وإسناده ضعيف.

(٥) رواه مالك في الموطأ (٢ / ٥٣١) (١٤٩٢) ، والبخاري (٢٦٣٩) في الشهادات و (٥٧٩٢) في اللباس ، ومسلم (١٤٣٣ و ١١١) ، والنسائي (٦ / ٩٣) ، والترمذي (١١١٨) في النكاح من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها.

٦٧

وفيه من الفقه : أن الزوجة إذا أتاها وهي نائمة لا تشعر ، أو سعى إليها لا تحس باللذة لم تحل للزوج الأول.

وفي الحديث الثابت من طرق عن الربيع بن ميسرة الجهني عن أبيه قال : قدمنا مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة عام الفتح فأذن لنا أن نستمتع من النساء ، فانطلقت أنا وصاحب لي من بني عامر إلى امرأة كأنها بكرة عيطاء (١) ، فعرضنا عليها أنفسنا ببردينا ، قال : وعلى صاحبي برد خير من بردي ، وأنا أشب منه فجعلت تنظر إليّ وإلى صاحبي. فقال لها صاحبي : بردي خير من برده ، فقالت : قد رضيناه على ما كان من برده. فمكثت معها ثلاثا ثم إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى عن المتعة بعد ثلاث وقال : «إن الله حرمها» (٢).

قال في مسند ابن أبي شيبة : «إلى يوم القيامة. فمن كان عنده منهن شيء فليدعها ، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا» (٣). وفي حديث شعبة الذي أغرب به على سفيان قال : فكان الأجل بيني وبينها : عشرة أيام. قال : فبت عندها ، ثم أصبحت غاديا فإذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قائم بين الركن والباب ، فكان من كلامه أن قال : «إني كنت قد أذنت لكم في الاستمتاع من هذه النسوة وإن الله حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده شيء فليخل سبيلهن ، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا» (٤). واختلف الرواة في تحريم المتعة فقيل : كان عام خيبر ، وقيل : عام القضية سنة سبع من الهجرة. قال أبو عبيد : وقال عام الفتح ، وقال أبو عبيد في حديثه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فما أحسب رجلا منكم يخلو بالمرأة ثلاثا إلا ولّاها الدبر».

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في نكاحه ميمونة

في البخاري ومسلم عن جابر بن زيد قال : أخبرنا ابن عباس قال : تزوج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو محرم (٥). وذكر أيضا مسلم عن يزيد بن الأصم : لما تزوجها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة عام عمرة القضية أبت حلال قال : وكانت خالتي وخالة ابن عباس (٦) ، وكذلك في الواضحة وغيرها : أنه كان

__________________

(١) عيطاء ـ الشابة القوية ـ الطويلة العنق في اعتدال وحسن قوام.

(٢) رواه أحمد في المسند (٢ / ٤٠٤ و ٤٠٥) ، ومسلم (١٤٠٦ و ٢٤) ، وأبو داود (٢٠٧٢ و ٢٠٧٣) ، وابن حبان (٤١٤٦) من حديث مسيرة الجهني رضي‌الله‌عنه.

(٣) رواه ابن أبي شيبة (٤ / ٢٩٢) ، وعبد الرزاق في المصنف (١٤٠٤١) وإسناده صحيح.

(٤) رواه ابن حبان (٤١٤٧) ، ومسلم (١٤٠٦ و ٢١) ، والحميدي (٨٤٧) ، وابن ماجه (١٩٦٢) باب النهي عن نكاح المتعة.

(٥) رواه البخاري (٥١١٤) ، ومسلم (١٤١٠ و ٤٧) من حديث ابن عباس رضي‌الله‌عنهما.

(٦) رواه مسلم (١٤١١ و ٤٨) ، وابن ماجه (١٩٦٤) ، وابن حبان (٤١٣٦) من حديث ميمونة رضي‌الله‌عنها.

٦٨

حلالا وبنى بها بسرف. قال مالك رحمه‌الله في كتاب ابن المواز : لما تزوجها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة عام عمرة القضية أبت قريش أراد أن يبتني بها بمكة فخرج فبنى بها بسرف (١).

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في القسم بين الزوجات

في الحديث الثابت : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما تزوج أم سلمة وأقام معها ثلاثا ، أراد الخروج ، فأخذت بثوبه فقال : «ليس بك على أهلك هوان فإن شئت سبّعت عندك وسبعت عندهن ، وإن شئت ثلثت عندك». ثم درت فقالت بل ثلّث (٢). قال : وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتحرى العدل بين نسائه تكرما منه من غير أن يكون ذلك واجبا عليه ، لأن الله عزوجل قال في كتابه : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ) [الأحزاب : الآية ٥١].

وروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس والضحاك أن هذه الآية نسخت الآية التي بعدها وهي قوله تعالى : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ) [الأحزاب : الآية ٥٢]. وهذا قليل أن ينسخ الأول الثاني ، وإنما الكثير أن ينسخ الثاني الأول ، ويشبه هذا النسخ نسخ الحول بالأربعة أشهر وعشر في سورة البقرة وهو قبله في التلاوة في سورة واحدة.

وفي الموطأ والمدونة عن ابن شهاب أن رافع بن خديج تزوج جارية شابة وعنده بنت محمد بن مسلمة وكانت قد تخلت فاثر الشابة فاستأذنت عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «يا رافع اعدل بينهما وإلا ففارقها». فقال لها رافع في آخر ذلك : إن أحببت أن تقري على ما أنت عليه من الأثرة قررت وإن أحببت فارقتك قال : فنزل القرآن : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) [النّساء : الآية ١٢٨]. قال فرضيت بذلك الصلح ، وقرت معه (٣). وهذا لفظ المدونة ، ولم يقع في الموطأ أن في ذلك نزل القرآن وذكره النحاس.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في الرضاع بشهادة امرأة واحدة

في البخاري عن أم حبيبة قالت : قلت : يا رسول الله هل لك في بنت أبي سفيان؟ قال : «فأفعل ما ذا؟» قلت : تنكح. قال : «أتحبين؟» قلت : «لست لك بمخلية وأحبّ من شركتني فيك

__________________

(١) رواه ابن حبان (٤١٣٤) ، والترمذي (٨٤٥) ، والبيهقي (٧ / ٢١١) وإسناده صحيح.

(٢) رواه أحمد في المسند (٦ / ٢٩٢) ، ومسلم (١٤٦٠ و ٤١) ، وأبو داود (٢١٢٢) ، وابن ماجه (١٩١٧) من حديث أم سلمة رضي‌الله‌عنها.

(٣) رواه مالك في الموطأ (١٥٥٧) من حديث رافع بن خديج الأنصاري. وهو حديث صحيح.

٦٩

أختي». قال : «إنها لا تحل لي» ، قلت : بلغني أنك تخطب درة ، قال : «أبنت أم سلمة؟» قلت : نعم ، فقال : «لو لم تكن ربيبتي ما حلّت لي ، إنها ابنة أخي من الرضاعة : أرضعتني وأباها أبا سلمة ثويبة فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن» (١).

قال عروة : وثويبة مولاة لأبي لهب ، كان أبو لهب أعتقها ، وأرضعت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله بشر خيبة. قال : ما ذا لقيت؟ قال أبو لهب : لم ألق بعدهم غير أني سقيت في هذه. يعني في ثويبه.

حدثني عبيد بن أبي مريم عن عقبة بن الحارث قال : وقد سمعته من عقبة ، لكني بحديث عبيد أحفظ. قال : تزوجت امرأة فجاءتنا امرأة سوداء فقالت : إني قد أرضعتكما ، فأتيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : تزوجت فلانة بنت فلان فجاءتنا امرأة سوداء فقالت : إني قد أرضعتكما وهي كاذبة ، فأعرض عني ، فأتيت من قبل وجهه فقلت : إنها كاذبة. قال : «كيف بها وقد زعمت أنها أرضعتكما دعها عنك» (٢).

ووقع في المدونة أن عمر بن الخطاب لم يجز شهادة امرأة واحدة في الرضاع. وأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبر عن رضاع امرأة فتبسم وقال : «وكيف وقد قيل». ووقع أيضا في البخاري : «كيف وقد قيل» ففارقها ونكحت زوجا غيره (٣).

__________________

(١) رواه البخاري (٥١٠١) و (٥١٠٦) من حديث أم سلمة رضي‌الله‌عنها.

(٢) رواه أحمد في المسند (١٦١٤٨) ، والبخاري (٥١٠٤) ، وأبو داود (٣٦٠٤) ، والترمذي (١١٥١) من حديث عبيد بن أبي مريم رضي‌الله‌عنه.

(٣) رواه أحمد في المسند (١٦١٤٩) ، والبخاري (٨٨) في العلم ، والبغوء في شرح السنة (٢٢٨٦) ، والنسائي في الكبرى (٦٠٢٧) من حديث عقبة بن الحارث رضي‌الله‌عنه.

٧٠

كتاب الطلاق

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في طلاق الحائض

في الموطأ والبخاري ومسلم والنسائي عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسأل عمر بن الخطاب عن ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ، ثم تحيض ، ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق قبل أن يمس. فتلك العدّة التي أمر الله عزوجل أن يطلق لها النساء». انتهى حديث الموطأ (١).

في الكتب المذكورة عن ابن عمر أنه قال : حسبت طلقة. هكذا روى أصحاب نافع عنه عن ابن عمر (٢).

وروى الزهري عن محمد بن عبد الرحمن عن سالم عن أبيه ويونس بن جبير عن ابن عمر. وروى زيد بن أسلم وابن سيرين عن ابن عمر وابن الزبير عن عمر وسعيد بن جبير عن ابن عمر وأبو وائل عن ابن عمر قالوا في روايتهم : «مره فليراجعها ويمسكها حتى تطهر ، ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق» (٣). ولم يقولوا ثم تحيض ثم تطهر والزيادة مقبولة من الثقة ، وقع هذا الحرف من الحديث في كتاب مسلم ورواية من زاد أصح.

وفيه من الفقه أن الرجعة لا تصح بالوطء فإذا وطئها لم يجز أن يطلق في طهر قد مسّ فيه ، وأيضا فلو أمر بطلاقها إذا طهرت من تلك الحيضة التي طلقها فيها كان كأنه قد أمر بارتجاعها ليطلقها فأشبهه النكاح إلى أجل. وروى قاسم بن أصبغ ، عن إبراهيم بن عبد الرحيم ، عن يعلى ابن عبد الرحمن الواسطي ، عن عبد الحميد ، عن محمد بن قيس ، عن ابن عمر : أنه طلّق امرأته وهي حائض فأمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يراجعها فإذا طهرت مسّها حتى إذا طهرت مرة أخرى إن شاء طلق ، وإن شاء أمسك (٤). فزاد في هذا الحديث أن يمسها ولم يذكره أحد من أصحاب المصنفات إلا قاسم. ووقع في مصنف عبد الرزاق عن ابن جريج عن أبي الزبير عن ابن عمر أنه قال : ردّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يرها شيئا (٥). وتعلق بهذا بعض أصحاب الظاهر ورأوا أن الطلاق

__________________

(١) رواه مالك في الموطأ (١٦٥٥) ، والبخاري (٥٢٥١) ، ومسلم (١٤٧١ و ١).

(٢) رواه البخاري (٥٢٥٢) ، ومسلم (١٤٧١ و ٤) من حديث ابن عمر رضي‌الله‌عنهما.

(٣) رواه مسلم (١٤٧١ و ١٤) في الطلاق من حديث ابن عمر رضي‌الله‌عنهما.

(٤) ذكره عن قاسم بن أصبغ. والإسناد ضعيف. وفيه من لم نقف له على ترجمة.

(٥) رواه عبد الرزاق (١٠٩٦٠) وإسناده صحيح.

٧١

في الحيض لا يلزم إلا من طلّق ثلاثا أو آخر تطليقة فإنه يلزم بإجماع من العلماء كلهم.

والصحيح ما ذكره البخاري ومسلم في الحديث أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ألزم ابن عمر الطلقة الواحدة التي طلق فى الحيض ، لأن الرجعة لا تكون إلا من طلاق. وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مره فليراجعها». وقد روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «من طلّق في بدعة ألزمناه بدعته» (١) ، فبطل بذلك قول من يقول : لا يلزم الطلاق في الحيض.

وقال الشافعي في قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء» دليل على أن العدة هي القرء والطهر ، وكذلك يقول مالك : إن الأقراء الأطهار. ووقع في حديث ابن عمر في غير المصنفات المذكورة في أول الباب مثل رواية شعيب بن زريق : أن عطاء الخراساني حدثهم عن الحسن قال : حدثنا عبد الله بن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض ثم أراد أن يتبعها تطليقتين عند القرأين فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «يا ابن عمر ما هكذا أمرك الله ، إنك قد أخطأت السنة ، والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء». فأمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فراجعتها وقال : «إذا هي طهرت فطلّق عند ذلك أو أمسك». فقلت : يا رسول الله لو كنت طلقتها ثلاثا كان لي أن أراجعها؟ فقال : «لا ، كانت تبين ، ويكون معصية» (٢). وتكلم أهل العلم في شعيب بن زريق فضعفه بعضهم.

ووقع أيضا في كتاب النسائي عن محمد بن عبد الرحمن مولى أبي طلحة في حديث ابن عمر : فليراجعها ثم ليطلقها وهي طاهر أو حامل (٣). قال النسائي : لا نعلم أحدا تابع محمد بن عبد الرحمن مولى أبي طلحة على قوله : أو حامل ، ومحمد بن عبد الرحمن لا بأس به. وفي مصنف أبي داود أن ركانة طلق امرأته سهيمة البتة فأخبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك فقال للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «والله ما أردت إلا واحدة. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «والله ما أردت إلا واحدة؟» فقال ركانة : والله ما أردت إلا واحدة ، فردها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤). وعن عبد الله بن الوليد عن إبراهيم عن داود عن عبادة بن الصامت قال : طلق جدي امرأة له ألف تطليقة فانطلقت به إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فذكرت له ذلك فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما اتقى الله جدك أما ثلاث فله وأما تسعمائة وسبع وتسعون فعدوان وظلم إن شاء عذبه وإن شاء غفر له» (٥).

__________________

(١) رواه البيهقي في السنن (٧ / ٣٢٧) من حديث معاذ رضي‌الله‌عنه وإسناده ضعيف.

(٢) رواه البيهقي في السنن (٧ / ٣٣٤) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٤ / ٣٣٦) وقال : رواه الطبراني وفيه علي بن سعيد الرازي قال الدارقطني : ليس بذاك. وعظمه غيره وبقية رجاله ثقات من حديث ابن عمر رضي‌الله‌عنهما.

(٣) رواه مسلم (١٤٧١ و ٥) ، والترمذي (١١٧٦) ، والنسائي في السنن (٣٣٩٧) و (٦ / ١٤١) من حديث ابن عمر رضي‌الله‌عنهما.

(٤) رواه أبو داود (٢٢٠٦) ، والترمذي (١١٧٧) في الطلاق وإسناده ضعيف.

(٥) ذكره السيوطي في الدر المنثور (١ / ٢٨٦) من حديث عبادة بن الصامت. وإسناده ضعيف.

٧٢

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في الخلع

في الموطأ والبخاري والنسائي : أن حبيبة بنت سهل كانت تحت ثابت بن قيس بن شمّاس ، وأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج إلى الصبح ، فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من هذه؟» قالت : أنا حبيبة بنت سهل. قال : «ما شأنك؟» قالت : لا أنا ولا ثابت ابن قيس لزوجها ، فلما جاء زوجها ثابت بن قيس قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هذه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر» ، فقالت حبيبة : يا رسول الله كل ما أعطاني عندي ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لثابت : «خذ منها» ، فأخذ منها ، وجلست في أهلها (١).

هذا اللفظ في الموطأ والنسائي ، والذي وقع في البخاري ومسلم : أن امرأة ثابت بن قيس ابن شماس قالت : ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أتردين عليه حديقته؟» قالت : نعم. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اقبل الحديقة وطلقها تطليقة» (٢).

والذي وقع في الحديث الأول : وجلست في أهلها يقال : إنه من لفظ المحدّث ، ويحتمل أنه كان سكناها معه قبل الخلع في أهلها ، ويحتمل أن تكون جلست في أهلها ، ولم تعتد في البيت الذي كان يسكن زوجها لخيفة شر يقع بينها وبين أهلها ، أو لغير ذلك من العذر.

ووقع في كتاب ابن المنذر : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمرها أن تعتد بحيضة واحدة. وقال به عثمان بن عفان ، وعبد الله بن عمر ، وبه أخذ ابن المنذر ، والذي عليه الأكثر : أن عدتها كعدة المطلقة ثلاثة قروء ، وفي مصنف ابن السكن : أن ثابت بن قيس بن شماس ضرب امرأته فكسر يدها ، وهي حبيبة بنت عبد الله بن أبي ، فأتى بها أخوها يشتكيه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فبعث إلى ثابت فقال : «خذ الذي لها عليك وخل سبيلها». قال : نعم. فأمرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن تتربص حيضة واحدة وتلحق بأهلها (٣).

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في الأمة تعتق تحت زوج

في الموطأ والبخاري ومسلم والنسائي عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : كانت في بريرة ثلاث سنن ، فكانت إحدى السنن أنها عتقت فخيّرت في زوجها ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الولاء

__________________

(١) رواه مالك في الموطأ (١٦١٠) باب ما جاء في الخلع ، وأبو داود (٢٢٢٧) ، والنسائي (٦ / ١٦٩) في الخلع. وإسناده صحيح.

(٢) رواه البخاري (٥٢٧٣) ، وابن ماجه (٢٠٥٦) ، والنسائي (٦ / ١٦٩) ورواه البخاري مرسلا وموصولا.

ووصله الإسماعيلي أيضا.

(٣) رواه أبو داود رقم (٢٢٢٨) باب في الخلع. من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها. وهو حديث صحيح.

٧٣

لمن أعتق» ، ودخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والبرمة تفور بلحم فقرّب إليه خبز وأدم من أدم البيت فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألم أر برمة فيها لحم؟» فقالوا : بلى يا رسول الله ولكنه لحم تصدق به على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هو عليها صدقة وهو لنا هدية» (١).

وفي الواضحة وغيرها كان في بريرة : أربع سنن. فذكر هذه الثلاث ، والرابعة أمرها أن تعتد بثلاث حيض. وقال أحمد بن خالد : الرابعة أن بيعها لم يكن طلاقا.

ووقع في الكتب الثلاثة البخاري ومسلم والنسائي : أن زوج بريرة كان عبدا أسود يقال له (٢) : مغيث. وفي رواية أخرى في الكتب بعينها : أن زوجها كان حرا. وقال عروة : لو كان حرا ما خيّرت فيه ، والأول أكثر في الرواية ، والأصح أنه كان عبدا.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في المرأة تقيم شاهدا عدلا على طلاق زوجها والزوج منكر

روى أحمد بن خالد عن ابن أبي وضّاح عن ابن أبي مريم ، عن عمرو بن أبي سلمة ، عن زهير بن محمد ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا ادعت المرأة طلاق زوجها ، فجاءت على ذلك بشاهد واحد عدل استحلف زوجها ، فإن حلف بطلت عنه شهادة الشاهد ، وإن نكل فنكوله بمنزلة شاهد آخر وجاز طلاقه» (٣). قال ابن أبي مريم : كنت أقول بقول ابن القاسم حتى وجدت الأثر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخذت به ، وهو قول أشعب وروايته عن مالك.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في التخيير

في المدونة وغيرها عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : لما أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال : «إني ذاكر لك أمرا فلا عليك ألّا تستعجلي حتى تستأذني أبويك» ، قالت : وقد علم أن أبواي لم يكونا ليأمراني بفراقه ، ثم قرأ : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (٢٨) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (٢٩)) [الأحزاب : الآية ٢٨ ، ٢٩]. فقلت

__________________

(١) رواه البخاري (٥٢٧٩) ، ومسلم (١٥٠٤) ، والموطأ (١٦٠٥) ، والنسائي (٦ / ١٦٢ و ١٦٣). من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها.

(٢) رواه البخاري (٥٢٨٢) من حديث ابن عباس رضي‌الله‌عنهما.

(٣) رواه ابن ماجه (٢٠٣٨) ، والدارقطني (٤ / ٦٤ و ١٦٦) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

وإسناده ضعيف.

٧٤

له : في هذا أستأمر أبواي؟ فإني أريد الله ، ورسوله ، والدار الآخرة. قالت عائشة : ثم فعل أزواج النبيّ ـ عليه الصلاة والسلام ـ مثل ما فعلت فلم يكن ذلك طلاقا (١).

وقال ربيعة وابن شهاب : وكانت فاطمة بدنة. قال عمرو بن شعيب : وهي ابنة الضحاك العامري رجعت إلى أهلها ، وقيل : إنه لم يكن دخل بها. قال ابن حبيب : قد كان دخل بها ـ واسمها فاطمة ـ فكانت تلقط بعد ذلك البعر وتقول : أنا الشقية. هذا قول أكثر العلماء إذا خيرات المرأة فاختارت زوجها أنه لا يكون طلاقا حتى تختار الطلاق ، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب ، وزيد بن ثابت ، وابن مسعود ، وغيرهم.

واختلف في ذلك عن علي بن أبي طالب فروى عنه مثل ذلك ، وروى عنه : إذا اختارت زوجها فهي واحدة ، وإن اختارت نفسها فهي البتة ، وذكر عنه عبد الرزاق : إذا اختارت نفسها فهي واحدة بائنة ، وإن اختارت زوجها فهي واحدة وتملك الرجعة (٢).

وذكر ابن سلام في تفسيره عن قتادة ، ومصنف عبد الرزاق عن الحسن : أن الله عزوجل إنما خيرهن بين الدنيا والآخرة ولم يخيرهن في الطلاق (٣).

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في يمينه فيمن حرم ملك اليمين

في معاني الزجاج والنحاس : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يمكث عند زينب ابنة جحش ، ويشرب عندها عسلا فقالت عائشة : فتواصيت أنا وحفصة أينا جاءها فلتقل : إني أجد منك ريح مغافير. قال الزجاج : وهو صمغ متغير الرائحة ، وقيل : إنه بقلة. وفي غير الكتابين وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يكره أن يوجد منه ريح ، فجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى دارها فقالت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إني أشم منك ريح المغافير ، ثم جاء إلى الأخرى فقالت له مثل ذلك. فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قد كان ذلك ولا أعود» (٤). قال النحاس والزجاج : إنه حرّمه. وقيل : إنه حلف على ذلك ، وجاء في التفسير وهو الأكثر.

وذكر النحاس أيضا أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم خلا بجاريته مارية أم إبراهيم في يوم عائشة. قال النحاس : في بيت حفصة ، فوقفت على الباب وهو مغلق فجلست حتى فتح الباب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) رواه البخاري (٤٧٨٥ و ٤٧٨٦) ، ومسلم (١٤٧٥) ، والترمذي (٣٢٠٢) ، والنسائي (٦ / ١٥٩ و ١٦٠) من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها.

(٢) رواه عبد الرزاق في المصنف (١١٩٧٤) من حديث علي رضي‌الله‌عنه موقوفا عليه وإسناده صحيح.

(٣) رواه عبد الرزاق في المصنف رقم (١١٩٨٣) من حديث الحسن رضي‌الله‌عنه موقوفا عليه.

(٤) رواه البخاري (٤٩١٢) ، وأبو داود (٣٧١٤) ، والبيهقي في السنن (٧ / ٣٥٣) من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها.

٧٥

قال النحاس : فقالت حفصة : حقّرتني يا رسول الله ، وقال غيره قالت : يا رسول الله أما كان في نسائك أهون عليك مني! فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تخبري عائشة بذلك» ، فقالت له : لست أفعل ، وحرم مارية على نفسه (١). وقيل : إنه حلف على ذلك أيضا فأعلمت حفصة عائشة الخبر واستكتمتها إياه فأطلع الله عزوجل نبيه على ذلك قال الله عزوجل : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) [التّحريم : الآية ٣]. وقرئت «عرف ببعضه ، وأعرض عن بعض». فأعلم الله عزوجل أن التحريم على هذا التفسير لا يحرّم فقال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ) [التّحريم : الآية ١]. فلم يجعل الله لنبيه أن يحرم ما أحل الله له ، فعلى التفسيرين ليس لأحد أن يحرم ما أحل الله له ، فقال الله عزوجل : (قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ) [التّحريم : الآية ٢] (٢) ، يعني الكفارة لأنه قد روي أنه مع ذلك التحريم حلف. وقال قوم : إن الكفارة كفارة التحريم ، قال المفضل : وقاله قتادة.

وروي عن ابن عباس أنه قال : الحرام يمين (٣). وقاله الحسن وإبراهيم وقال مسروق :

حلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ألا يقربها وهي عليّ حرام فنزلت الكفارة ليمينه ألا يقربها ، وأمر أن لا يحرم ما أحل الله. وقال الشافعي أيضا وكذلك روى مالك عن زيد بن أسلم في تفسيرها ، وفي تفسير ابن سلام : قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم يعني ما في سورة المائدة قوله تعالى : (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ) (٤).

وقال الحسن : التحريم في الإماء يمين وفي الحرائر طلاق. قال الفراء : عتق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رقبة في مارية ، وهذا في الأمة فأما في الحرة فإذا قال لها : أنت حرام ، فهي عند مالك وأصحابه ثلاث إذا دخل بها ولا ينوي. وقال أهل الكوفة : إن نوى الطلاق فهي تطليقة بائنة. وقال الشافعي : هي طالق تطليقة يملك الرجعة ، وإن أراد اليمين فهي يمين. وقال الفراء في قراءة من قرأ عرف بعضه : يقولون غضب منه وجازى عليه كما يقول للرجل هي إليك والله لأعرفن لك ذلك وقد لعمري جازى حفصة بطلاقها. وقال الحسن : عرف بعضه أقر ببعضه يعني

__________________

(١) رواه الدارقطني (٤ / ٤٢) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٥ / ١٧٨) وقال : رواه الطبراني وفيه إسماعيل ابن عمرو البجلي ضعيف. والضحاك بن مزاحم لم يسمع من ابن عباس. وبقية رجاله ثقات نقول إسناده ضعيف. ومنقطع وله شواهد.

(٢) رواه الدارقطني (٤ / ٤٢) من حديث ابن عباس رضي‌الله‌عنهما. وله شواهد وهو حديث صحيح بشواهده.

(٣) رواه الدارقطني (٤ / ٤٢) في السنن من حديث ابن عباس رضي‌الله‌عنهما موقوفا عليه.

(٤) ذكره القرطبي في تفسير سورة التحريم (ج / ١٨ / ١١٨) وقال : رواه ابن وهب عن مالك عن زيد بن أسلم موقوفا عليه.

٧٦

ما كان منه إلى مارية وأعرض عن بعض ما كان إلى حفصة أن تكتم عليه : أن الخليفة من بعده أبو بكر ثم بعده عمر.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

فيمن طلق دون الثلاث ثم راجعها

بعد زوج أنها على بقية الطلاق

في مصنف عبد الرزاق ، ومالك ، وسفيان بن عيينة عن الزهري عن ابن المسيب وحميد بن عبد الرحمن ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، وسليمان بن يسار كلهم يقولون : سمعت أبا هريرة يقول : سمعت عمر يقول : أيما امرأة طلقها زوجها تطليقة أو تطليقتين ، ثم تركها حتى تنكح زوجا غيره فيموت عنها أو يطلقها ، ثم ينكحها زوجها الأول فإنها عنده على ما بقي من طلاقها (١).

وعن علي بن أبي طالب ، وأبي بن كعب : مثل قول عمر. وعن عمران بن الحصين ، وأبي هريرة مثله. وابن المبارك عن عثمان بن مقسم : أنه أخبره أنه سمع أبيّ بن كعب يحدث عن رجل من قومه عن رجل من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قضى فيها : أنها على ما بقي من الطلاق. وبهذا أخذ مالك.

وذكر أيضا عبد الرزاق عن ابن التيمي عن أبيه عن أبي مخلد عن ابن عباس وشريح قالا : نكاح جديد ، وطلاق جديد. وعن ابن عمر وابن عباس مثله ، وعن ابن مسعود وعطاء مثله ، «وقال» الثوري ومعمر : قول الفريقين كليهما إن لم يصبها الآخر فهي على ما بقي من الطلاق. قال معمر : قاله النخعي ولم أسمع فيه اختلافا وهو فقه حسن.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في الحضانة وأن الأم أحق بالولد وأن الخالة بمنزلة الأم

في مصنف عبد الرزاق عن عبد الله بن عمرو بن العاصي : أن امرأة طلقها زوجها ، وأراد أن ينتزع ولدها منها ، فجاءت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء ، وثديي له سقاء ، وفخذي له حواء ، وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنت أحق به ما لم تتزوجي» (٢). وفي المدونة مثله ، وفي مصنف عبد الرزاق عن أبي هريرة : كانت أم وأب يختصمان في ابن لهما فقالت للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن زوجي يريد أن يذهب بابني ، وقد

__________________

(١) رواه مالك في الموطأ (١٦٩٤) موقوفا على عمر رضي‌الله‌عنه. قال مالك : تلك السنة التي لا خلاف فيها.

(٢) رواه عبد الرزاق في المصنف (١٢٥٩٦ و ١٢٥٩٧) ، والبيهقي في السنن (٨ / ٥) ، والدارقطني (٢ / ١٥٥) بلفظ المؤلف ورواه أبو داود (٢٢٧٦) ، والحاكم (٢ / ٢٠٧) بنحوه. وصححه ووافقه الذهبي.

٧٧

أسقاني من بئر أبي عتبة. فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا غلام هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت» ، فأخذ بيد أمه فانطلقت به (١).

وفي البخاري ومسلم : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما اعتمر عمرة القضاء ، وانقضى الأجل الذي كان قاضى عليه أهل مكة ، أتوا عليا فقالوا : قل لصاحبك أخرج عنا ، فخرج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتبعته ابنة حمزة تنادي : يا عم ، فتناولها علي وقال لفاطمة : دونك ابنة عمك ، فاختصم فيها علي وزيد وجعفر فقال علي : أنا آخذها وهي ابنة عمي ، وقال جعفر : ابنة عمي وخالتها تحتي ، وقال زيد : بنت أخي ، فقضى بها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لخالتها وقال : «الخالة بمنزلة الأم» ، وقال لعلي : «أنت مني وأنا منك» ، وقال للآخر : «أشبهت خلقي وخلقي» ، وقال لزيد : «أنت أخونا ومولانا» (٢).

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في الظهار وبيان ما أنزل الله عزوجل فيه

من معاني الزجاج وغيرها : أن خولة بنت ثعلبة الأنصارية جاءت إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : يا رسول الله إن أوس بن الصامت تزوجني وأنا شابة مرغوب فيّ ، فلما خلا سني ونثرت بطني ـ أي كثر ولدي ـ جعلني عليه كأمّه. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما عندي في أمرك شيء» ، فشكت إلى الله عزوجل وقالت : اللهم إني أشكو إليك. وروي أنها قالت للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما قالت : إن لي صبية صغارا إن ضممتهم إليّ جاعوا ، فأنزل الله عزوجل كفارة الظهار (٣).

وذكر المفضل أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال له : «هل تستطيع أن تعتق رقبة؟» قال : لا والله ، قال : «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» قال : لا والله ، قال : «فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا؟» قال : لا والله ما عندي ، فأعانه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بخمسة عشر صاعا ، وأعانه آخر بخمسة عشر صاعا ، فأعطاها ستين مسكينا لكل مسكين نصف صاع (٤). وفي حديث آخر أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعلي : «ائتني بمكتل فيه ستون مدا من تمر» ، فأتاه فقال : «أطعمه ستين مسكينا عن نفسك وأهلك».

قال أوس : بأبي وأمي أنت يا رسول الله ما يمسي ولا يصبح أحد أحق بهذا المكتل مني ومن أهلي ، فضحك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : «كله أنت وأهلك» (٥).

__________________

(١) رواه عبد الرزاق في المصنف (١٢٦١١) ، والترمذي (١٣٥٧) ، وسعيد بن منصور (٢٢٦١) من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه وهو حديث صحيح.

(٢) رواه البخاري (٢٦٩٩) و (٤٢٥١) ، ومسلم (١٧٨٣) من حديث البراء رضي‌الله‌عنه.

(٣) رواه ابن ماجه (٢٠٦٣) ، والحاكم في المستدرك (٢ / ٤٨١) وصححه ووافقه الذهبي. من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها.

(٤) رواه الدارقطني في السنن (٣ / ٣١٦) وأبو داود بنحوه (٢٢١٤) من حديث خولة بنت مالك رضي‌الله‌عنها. وإسناده حسن.

(٥) رواه البيهقي في السنن (٧ / ٣٩٢) ، وأبو داود مختصرا (٢٢١٧) وهو حديث حسن بشواهده.

٧٨

وفي المدونة وغيرها : كان الطعام الذي أعطاه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم شعيرا (١). قال مالك : إطعام الظهار مد بمد هشام وهو مدان إلا ثلث بمد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقال الشافعي : مد لكل مسكين حنطة أو غيرها. وقال أبو حنيفة : نصف صاع من حنطة أو دقيق أو صاع من تمر أو شعير ، وحجة الشافعي : الحديث الآخر ، وحجة أبي حنيفة : الحديث الأول ، وكذلك اختلفوا في عتق رقبة غير مؤمنة ، فقال مالك والشافعي : لا يجزئ إلا مؤمنة ، وقال أبو حنيفة : يجزئ اليهودي والنصراني.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في اللعان وإلحاق الولد بأمه

في الموطأ والبخاري والنسائي عن الزهري : أن سهل بن سعد الساعدي أخبرهم : أن عويمر العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له : أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ سل لي يا عاصم عن ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسأل عن ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكره عليه‌السلام مسألة السائل حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر فقال : يا عاصم ما ذا قال لك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المسألة التي سألته عنها؟ فقال عاصم لعويمر : لم تأتني بخير قد كره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المسألة التي سألته عنها. فقال عويمر : والله لا أنتهي حتى أسأله عنها. فأقبل عويمر حتى أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسط الناس فقال : يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك». وفي البخاري : «قد قضى الله فيك وفي امرأتك فاذهب فأت بها». قال سهل : فتلاعنا ، زاد في البخاري : في المسجد وأنا مع الناس عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما فرغا من تلاعنهما قال عويمر : كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها ، فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال مالك : قال ابن شهاب : فكانت تلك بعد سنة المتلاعنين (٢). قال ابن شهاب : وفي البخاري وكان ابنها يدعى بها ، ثم جرت السنة في ميراثه أنه يرثها وترث منه ما فرض الله لها (٣). وقال سهل عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إن جاءت به أحمر قصيرا كأنه وحرة (٤) فلا أراها إلا قد صدقت وكذب عليها ، وإن جاءت به أسود أعين ذا أليتين فلا أراها إلا قد صدق عليها». فجاءت به على المكروه (٥). وفي كتاب الخطابي : «وإن جاءت به أسحم أحتم فهو للمكروه».

__________________

(١) رواه البيهقي في السنن (٧ / ٣٩٢ و ٣٩٣). وقال : وروينا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أعانه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بخمسة عشر صاعا. من شعير ـ وقال أبو زيد المدني : أن امرأة جاءت بشطر أوسق من شعير فأعطاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقال البيهقي فهذه روايات مختلفة وأكثرها مرسلة.

(٢) رواه البخاري مختصرا (٤٢٣ و ٤٧٤٥ و ٥٢٥٩) ، ومسلم (١٤٩٢) في أول اللعان ـ وأبو داود (٢٢٤٥) في الطلاق من حديث سهل بن سعد الساعدي.

(٣) رواه البخاري (٤٧٤٦) من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي‌الله‌عنه.

(٤) الوحرة ـ بفتحات دويبة صغيرة تلزق بالأرض.

(٥) رواه البخاري (٤٧٤٥ و ٤٧٤٦) من حديث سهل بن سعد رضي‌الله‌عنه.

٧٩

الأحتم الأسود ، ومنه سمي الغراب حاتما لسواده ، وقيل : سمي حاتما لأنه يحتم بالفراق.

وفي البخاري عن ابن عمر : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لهما : «حسابكما على الله أحدكما كاذب ، فهل منكما تائب؟» قال ذلك ثلاث مرات ففرق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١) بينهما.

وفي المستخرجة في سماع أصبغ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال للرجل قبل اللعان : «اتق الله أنزع عما قلت تجلد وتتوب إلى الله يتوب الله عليك». فقال : لا والذي بعثك بالحق أربع مرات يرددها عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم أقبل على المرأة فقال : «يا فلانة اتقي الله وبوئي بذنبك يرحمك الله أو تتوبي إلى الله يتوب الله عليك» ، فقالت : لا والذي بعثك بالحق لقد كذب فقال لها ذلك أربع مرات ، فنزل القرآن : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ) [النّور : الآية ٦]. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا فلان قم فتشهد». قال : أقول ما ذا يا رسول الله؟ قال : «قل : أشهد بالله أني لمن الصادقين» أربع مرات ، ثم قال له : «خمس» قال له : يا رسول الله فما ذا أقول؟ قال : «قل لعنة الله عليّ إن كنت من الكاذبين» ، ثم دعا المرأة فقال أتشهدين أو نرجمك؟ قالت : بل أشهد قال : قولي أشهد بالله إنه لمن الكاذبين أربع مرات ، ثم : «خمّسي» قالت : يا رسول الله ما أقول؟ قال : «قولي : غضب الله عليّ إن كان من الصادقين» ، ففعلت فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قوما فقد فرقت بينكما ، ووجبت النار لأحدكما ، والولد للمرأة».

وفي مصنف أبي داود : فلما التعنت المرأة أربعا. وبقيت الخامسة قيل لها : اتقي الله هذه الموجبة توجب عليك العذاب ، فتلكأت ساعة ثم قالت : والله لا أفضح قومي. فشهدت الخامسة ، ففرق رسول الله بينهما وقضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لا يدعى ولدها لأب ولا ترمى ولا يرمى ولدهما ، ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد ، وقضى ألّا بيت لها ولا قوت من أجل أنهما مفترقان من غير طلاق ولا متوفى عنها ، وقال : «إن جاءت به أصيهب أوشح أثيبج حمش الساقين فهو لهلال بن أمية ، وإن جاءت به أورق أجعد جماليا خدلج الساقين سابغ الأليتين فهو للذي رميت به». فجاءت به على المكروه (٢).

قال عكرمة فكان بعد ذلك أميرا على مصر ولا يدعى لأب.

وفي البخاري : أن عاصم بن عدي لاعن أيضا زوجته وقال : ما ابتليت بهذا الأمر إلا بكلام تكلمات (٣). وفي غير البخاري : وكان سهل بن سعد إذ حضر ذلك ابن خمس عشرة سنة ، وعاش بعد ذلك خمسا وثمانين سنة ، ومات ابن مائة سنة ، وهو آخر من مات بالمدينة من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم يكن بالمدينة بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعان إلا في أيام عمر بن عبد العزيز رحمه‌الله.

__________________

(١) رواه البخاري (٥٣١١ و ٥٣٥٠) من حديث ابن عمر رضي‌الله‌عنهما.

(٢) رواه أبو داود (٢٢٥٦) من حديث ابن عباس رضي‌الله‌عنهما وإسناده ضعيف.

(٣) رواه البخاري (٥٣١٠) من حديث ابن عباس رضي‌الله‌عنهما.

٨٠