أقضية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم

محمّد بن فرج المالكي القرطبي

أقضية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم

المؤلف:

محمّد بن فرج المالكي القرطبي


المحقق: الشيخ طالب عوّاد
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ٠
ISBN: 9953-27-352-9
الصفحات: ١٤٤

أبيحت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» ، ثم قال ـ عليه‌السلام ـ «لا تغزى قريش أبدا ولا يقتل قرشي صبرا أبدا» (١) يعني : على كفر.

قال ابن قتيبة : لا يقتل قرشي صبرا بضم اللام ، ومن رواه جزما أوجب ظاهر الكلام للقرشي أن لا يقتل إن ارتد ولا يقتص منه إن قتل ، ومن رواه رفعا انصرف التأويل إلى الخبر عن قريش أن لا يرتد منها أحد عن الإسلام فيستحق القتل.

قال ابن حبيب : أقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يومئذ بمكة خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة (٢).

وفي البخاري عن ابن عباس : أقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة : تسعة عشر يوما يقصر (٣).

وعن أنس : أقمنا مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشرة نقصر (٤). قال ابن عباس : ونحن نقصر ما بيننا وبين تسعة عشر فإذا زدنا أتممنا (٥). وقال المزّني عن الشافعي : أقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة حين افتتحها ثمان عشرة ليلة يقصر (٦).

وفي مصنف أبي داود عن جابر : أقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة (٧). وهذا خلاف قول ابن عباس.

قال أبو عبيد : قال ميمون بن مهران : حاصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهل خيبر ما بين عشرين ليلة إلى ثلاثين ليلة ، ثم أخذوا الأمان على أن لا يكتموا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شيئا ـ قال غيره : كنزا ـ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا بني الحقيق ـ قال أبو عبيد هكذا قال وإنما هم بني أبي الحقيق ـ وقد عرفتم عداوتكم لله ورسوله ثم لم يمنعني ذلك من أن أعطيتكم ما أعطيت أصحابكم. وقد أعطيتموني عهدا أنكم إن كتمتم شيئا أحلّت لنا دماؤكم. ما فعلت آنيتكم؟» قالوا : استهلكناها في حربنا.

__________________

(١) رواه أحمد في المسند (٣ / ٤١٢) ، والترمذي رقم (١٦١١) في السير ، والحميدي رقم (٥٨٢) ، والطبراني في الكبير رقم (٣٣٣٣) من حديث الحارث بن مالك ابن البرصاء رضي‌الله‌عنه واسناده صحيح.

(٢) رواه النسائي في السنن (٣ / ١٢١) باب المقام الذي يقصر فيه الصلاة. من حديث ابن عباس رضي‌الله‌عنهما. بلفظ (إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقام بمكة خمسة عشر يصلي ركعتين ركعتين)

(٣) رواه البخاري (١٠٨٠) و (٤٢٩٨) ، والترمذي (٥٤٩) من حديث ابن عباس رضي‌الله‌عنهما.

(٤) رواه البخاري (١٠٨١) و (٤٢٩٧) في المغازي من حديث أنس رضي‌الله‌عنه.

(٥) رواه البخاري (٤٢٩٩) من حديث ابن عباس رضي‌الله‌عنهما.

(٦) رواه أبو داود (١٢٢٩) من حديث عمران بن حصين رضي‌الله‌عنه بلفظ (غزوت مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وشهدت معه الفتح. فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين ويقول يا أهل البلد صلّوا أربعا فإنا سفر).

(٧) رواه أبو داود (١٢٣٥) من حديث معمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان.

وفيه عنعنة يحيى بن أبي كثير. وهو مدلس ـ وقال أبو داود : غير معمر لا يسنده. وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود. وذكر البيهقي أنه غير محفوظ.

٤١

قال : فأمر أصحابه فأتوا المكان الذي فيه الانية فاستثاروها. قال : ثم ضربت أعناقهم (١).

وفي كتاب ابن عقبة : أخذوا الأمان على أن لا يكون لهم شيء إلا ما على ظهورهم من الثياب ، وإنهم إن كتموا شيئا فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسوله.

قال أبو عبيدة : حدثنا يزيد عن هشام عن الحسن قال : عاهد حيي بن أخطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أن لا يظاهر عليه أحدا ، وجعل الله عليه كفيلا ، فلما كان يوم قريظة أتي به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبابنه سلمى. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أوف الكيل» فضرب عنقه ، وعنق ابنه (٢).

وذكر أيضا أبو عبيد : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجه نفرا إلى ابن أبي الحقيق ليقتلوه فقتلوه (٣).

وذكر الخطابي عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال : كان من مال أبي الحقيق كنز يقال : مسك الجمل كان يليه الأكبر فالأكبر ، فغيّبوه وكتموه فقتلهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنقضهم العهد. قال الواقدي : عدده عشرة آلاف دينار.

ومن كتاب الأموال قال أبو عبيد : حدثنا عبد الله بن صالح ، عن الليث بن سعد ، عن عقيل ابن خالد ، عن ابن شهاب قال : كانت وقعة الأحزاب بعد أحد بسنتين ، وذاك يوم حفر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الخندق ، ورئيس الكفار يومئذ أبو سفيان بن صخر بن حرب فحاصروا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشر ليال فلحق إلى المسلمين الكرب ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما أخبرني سعيد بن المسيب : «اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك ، اللهم إن تشأ لا تعبد». فلم يلبث إلا يسيرا حتى أرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رسولا إلى عيينة بن حصن ـ وهو يومئذ رئيس الكفار من غطفان ، وهو مع أبي سفيان ـ فعرض عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلث ثمر نخل المدينة على أن يخذل الأحزاب ، وينصرف بمن معه من غطفان. فقال عيينة : بل أعطني شطر ثمرها ، ثم أفعل ذلك ، فأرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى السعدين : سعد بن معاذ ـ وهو سيد الأوس ـ ، وسعد بن عبادة ـ وهو سيد الخزرج ـ فقال : «إن عيينة قد سألني نصف ثمر نخلكم على أن ينصرف بمن معه من غطفان ، ويخذل الأحزاب وأني أعطيته الثلث وأبى إلا النصف فما تريان؟» فقالا : يا رسول الله إن كنت أمرت بشيء فافعله. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو أمرت بشيء لم أستأمركما فيه ، ولكن هذا رأي أعرضه عليكما». قالا : فإنا لا نرى أن نعطيهم إلا السيف. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فنعم» (٤)

__________________

(١) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال (٤٥٨) من حديث ميمون بن مهران. وهو حديث مرسل ورجاله ثقات.

(٢) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال رقم (٤٦١) باب أهل الصلح ، والعهد ينكثون ، متى تستحل دماؤهم.

وهو حديث مرسل.

(٣) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال (٤٦٠) من حديث ابن كعب بن مالك. وهو مجهول والحديث مرسل ويشهد له ما قبله.

(٤) رواه ابن عساكر في تاريخه (١ / ١١٣) ، وابن سعد في الطبقات (٢ / ٥٦) ، وفي إسناده عبد الله بن ـ

٤٢

وفي كتاب ابن عقبة : أن اليهود أخذوا الأمان أن لا يكون لهم شيء إلا ما على ظهورهم من الثياب ، وإنهم إن كتموا شيئا فقد برئتا منهم : ذمة الله وذمة رسوله. وقتل من أصحاب خالد عند فتح مكة رجلان : كرز بن جابر الفهري ، وخالد بن أخفش الخزاعي. قال ابن حبيب : وقتل من المشركين ثلاثة وعشرين رجلا. وقال ابن هشام : اثنا عشر ، أو ثلاثة عشر.

قال أبو عبيد : اختلف العلماء في مصالحة المشركين ، ومهادنتهم لمدة معلومة على ثلاثة أقوال : فقالت طائفة : مصالحتهم جائزة لقول الله عزوجل (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها) [الأنفال : الآية ٦١]. وقوله تعالى : (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ) [محمّد : الآية ٣٥]. الآيتان محكمتان إذا دعا المشركون إلى الصلح أجيبوا ، ولا يدعوهم إليه المسلمون إذا كانوا في قوة. وهذا قول مالك ـ رحمه‌الله ـ. وقالت طائفة : لا يصالحوا على حال ، وإنما هو قتالهم حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية. وجعلوا الآية التي في الأنفال منسوخة بآية القتال. وروي ذلك عن ابن عباس. وقالت طائفة : يجوز أن يصالحوا على مال يعطيه المسلمون إياهم إذا ضعفوا عن قتالهم. وروي أن معاوية بن أبي سفيان وعبد الملك بن مروان فعلوا ذلك. ذكر ذلك الأوزاعي. وحجة مالك في إجازة الصلح أيضا قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لصفوان بن أمية إذ بعث إليه وهب ابن عمير بردائه أمانا لصفوان شهرين ، ثم قال له أنزل أبا وهب قال : لا أنزل حتى تبين لي ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بل لك أن تسيّر أربعة أشهر» (١). وذكر الأوزاعي أن عبد الملك بن مروان كان يؤدي إلى طاغية الروم كل يوم ألف دينار ، ذكره الوليد بن مسلم عن الأوزاعي ، وقال : فعل ذلك معاوية أيام صفين ، وعمله عبد الملك زمان ابن الزبير.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في السهمان وسهمان الغائب وما تعطى المرأة من الغنيمة

في البخاري وغيره : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جعل للفرس سهمين ، وللراجل سهما (٢) ، هذا هو الثابت عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأجمع العلماء على العمل به ، إلا أبا حنيفة ـ رضي‌الله‌عنه ـ فإنه قال :

__________________

صالح كاتب الليث. قال الحافظ في التقريب. صدوق كثير الغلط. وكانت فيه غفلة وباقي رجال السند ثقات. ورواه أبو عبيد (٤٤٥) في باب الصلح والمهادنة.

(١) رواه مالك في الموطأ (١٥٤٧) في النكاح. باب نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته قبله ثم أسلم. وهو حديث مرسل. وقال ابن عبد البر : لا أعلمه يتصل من وجه صحيح وهو حديث مشهور معلوم عند أهل السير. وابن شهاب إمام أهلها. وشهرة هذا الحديث أقوى من إسناده ورواه البيهقي في السنن (٧ / ١٨٦ و ١٨٧). وهو مرسل كذلك.

(٢) رواه البخاري (٢٨٦٣) و (٤٢٢٨) ، ومسلم (١٧٦٢) ، وأبو داود (٢٧٣٣) من حديث ابن عمر رضي‌الله‌عنهما.

٤٣

للفارس سهمان : سهم له ، وسهم لفرسه ، واحتج بحديث رواه مجمّع بن حارثة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قسم يوم خيبر لمائتي فرس ، فأعطى الفارس سهمين ، وأعطى الراجل سهما (١). واحتج أيضا برواية ابن المبارك قال : حدثنا عبد الله بن المبارك عن نافع عن ابن عمر أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم جعل للفارس سهمين ، وللراجل سهما (٢). ولا حجة له في شيء من ذلك لأن ابن عباس روى في قسمة خيبر خلاف ذلك. وأكثر أصحاب عبد الله بن عمر خالفوا روايته ، وكانت خيبر لأهل الحديبية خاصة ألف وأربعمائة ، ولم يغب من أهل الحديبية إلا جابر بن عبد الله ، فقسم له رسول الله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سهمه (٣) ، ومضى على ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في مغازيه كلها : للفرس سهمين ، وللراكب سهم

قال ابن إسحاق. وكانت الخيل يوم بني قريظة : ستة وثلاثين فرسا. كذلك وقع في المدوّنة ، وكانت أول فيء وجبت فيه السهمان ، وأخرج منه الخمس ومضت به السنة. وقال أيضا إسماعيل القاضي : قال إسماعيل وأحسب أن بعضهم قال : ونزل أمر الخمس بعد ذلك ، ولم يأت في ذلك من الحديث بيان شاف ، وإنما جاء ذكر الخمس يقينا في غنائم حنين وهي آخر غنيمة حضر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حربها.

قال الواقدي في كتاب المفضل : أول خمس خمّس في غزوة بني قينقاع بعد بدر بشهر وثلاثة أيام ، حاصرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خمس عشرة ليلة ، فنزلوا على حكمه ، فصالحهم على أن له ـ عليه‌السلام ـ أموالهم ، ولهم النساء والذرية ، فأخذ عليه‌السلام من سلاحهم ثلاث قسي ودرعين وثلاثة أسياف وخمّس أموالهم.

قال البزار في مسنده : وكان المسلمون يوم بدر : ثلاثمائة وثلاثة عشر ، من المهاجرين : سبعة وسبعون ، ومن الأنصار : مائتان وستة وثلاثون ، ولواء المهاجرين مع علي ، ولواء الأنصار مع سعد بن عبادة (٤) ، وكان فيهم عشرون من الموالي (٥) وكان معهم ثلاثة أفراس : فرس الزبير ،

__________________

(١) رواه أحمد في المسند (٣ / ٤٢٠) و (١٥٤٧٠) ، وأبو داود (٢٧٣٦ و ٣٠١٥) ، والحاكم (٢ / ١٣١) ، والبيهقي في السنن (٦ / ٣٢٥) وإسناده ضعيف. وقال الحافظ في الفتح. في إسناده ضعف. وانظر نصب الراية (٣ / ٤١٦ و ٤١٧).

(٢) رواه الدارقطني في السنن (٤ / ١٠٦) ـ وقال : قال أحمد كذا لفظ نعيم. عن ابن المبارك والناس يخالفونه ـ قال النيسابوري ـ ولعل الوهم من نعيم لأن ابن المبارك من أثبت الناس.

(٣) رواه ابن هشام في السيرة (٣ / ٣٤٩) ذكر مقاسم خيبر وأموالها وقال : قال ابن اسحاق. وذكره.

(٤) رواه البزار رقم (١٧٨٣). وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٦ / ٩٢) وقال : رواه البزار وفيه الحجاج بن أرطأة وهو مدلس. وقال البزار : لا نعلم له إسنادا أحسن من هذا الإسناد وإبراهيم الكوفي مشهور. روى عنه يحيى بن اليمان ، وابن الأصبهاني ، وأبو غسان وغيرهم.

(٥) رواه البزار (١٧٨٥) ، والطبراني (١٧٨٥) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٦ / ٩٣) وقال : رواه البزار والطبراني. وفيه يحيى بن عبد الحميد الحماني ضعيف.

٤٤

وفرس المقداد ، وفرس مرثد بن أبي مرثد ، وسبعون بعيرا يعتقبونها ، فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلي ومرثد يعتقبون بعيرا ، وحمزة وزيد بن حارثة وأبو كبشة ، وأنيسة موليا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعتقبون بعيرا ، وأبو بكر وعمر وعبد الرحمن يعتقبون بعيرا (١). وقال ابن هشام : ثلاثمائة وأربعة عشر : ثلاثة وثمانون من المهاجرين ، ومن الأوس : واحد وستون ، ومن الخزرج : مائة وسبعون (٢). وذكر البخاري : أن جميع من شهد بدرا من قريش ممن ضرب له بسهم أحد وثمانون رجلا (٣). وذكر إسماعيل القاضي : أن عبادة بن الصامت قال : خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى بدر فلما هزم الله المشركين تبعتهم طائفة يقتلونهم ، وأحدقت طائفة برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واستولت طائفة على العسكر والنهب ، فلما رجع الذين طلبوهم قالوا : لنا النفل نحن طلبنا العدو. وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : نحن أحق به لأننا أحدقنا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لا ينال العدو منه غرة ، وقال الذين استولوا على العسكر : هو لنا نحن حويناه. فأنزل الله عزوجل (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ). فقسمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على فواق ـ يعني على سرعة ـ ويقال : فواق وفواق بالفتح والضم قبل أن ينزل : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) [الأنفال : الآية ٤١] (٤). وقال إسماعيل : إنما قسم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم النضير بين المهاجرين وثلاثة من الأنصار : سهل بن حنيف ، وأبي دجانة ، والحارث بن الصمة لأن المهاجرين حين قدموا المدينة شاطرتهم الأنصار ثمارهم فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن شئتم قسمت أموال بني النضير بينكم وبينهم وأقمتم على مواساتكم في ثماركم ، وإن شئتم أعطيتها المهاجرين دونكم وقطعتم عنهم ما كنتم تعطونهم من ثماركم». فقالوا : بل تعطيهم دوننا ونمسك ثمارنا ، فأعطاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المهاجرين فاستغنوا مما أخذوا ، واستغنى الأنصار بما رجع إليهم من ثمارهم. وهؤلاء الثلاثة من الأنصار شكوا حاجة (٥).

__________________

(١) رواه الطبراني في الكبير (١٢١٠٥) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٦ / ٦٩) وقال : رواه الطبراني في الكبير والأوسط. وفيه أبو شيبة إبراهيم بن عثمان ضعيف. وذكره ابن هشام في السيرة (١ / ٦١٤) باب عدد إبل المسلمين في بدر. وقال : قال ابن اسحاق. وذكره بدون سند ورواه أحمد في المسند رقم (٣٩٠١) من حديث عبد الله بن مسعود قال : كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير. وكان أبو لبابة ، وعلي بن أبي طالب زميلي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وسنده حسن.

(٢) ذكره ابن هشام في السيرة (١ / ٦٨٥) باب عدد من شهد بدرا من المهاجرين وذكره بدون سند.

(٣) رواه البخاري (٣٩٥٦) باب عدة أصحاب بدر. من حديث البراء رضي‌الله‌عنه.

(٤) رواه أحمد في المسند (٥ / ٣٢٣ و ٣٢٤) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٦ / ٩٢) وقال : رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات. ورواه الترمذي رقم (١٥٦١) مختصرا في السير. وقال الترمذي : حديث عبادة حسن.

(٥) ذكره في عيون الأثر ابن سيد الناس (٢ / ٥٠). وقال : وذكر أبو عبد الله الحاكم في كتاب الإكليل له بإسناده إلى الواقدي. عن معمر بن راشد ، عن الزهري عن خارجة بن زيد عن أم العلاء وذكره ـ وفي الإسناد معمر بن راشد قال الحافظ في التقريب : مقبول. وقال الذهبي في الميزان : قال يحيى بن معين : هو من أثبتهم في الزهري وهذا منه.

٤٥

وذكر ابن هشام وابن سحنون وابن حبيب والبرقي : أن طلحة بن عبيد الله ، وسعد بن زيد لم يشهدا بدرا ـ كانا غائبين بالشام ـ فقسم لهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سهميهما. قالا : وأجورنا يا رسول الله قال : «وأجوركما» (١).

ذكر البخاري : أن عقبة بن عامر الأنصاري شهد بدرا (٢). وقال يحيى بن معين : لم يشهدها وإنما شهد العقبة. وذكر ابن سحنون وابن حبيب : أن أبا لبابة ، والحارث بن حاطب ، وعاصم بن عدي ، خرجوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فردّهم وأمّر أبا لبابة على المدينة (٣). قال ابن حبيب : وابن أم مكتوم على الصلاة ، وسهم لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسهمه ، والحارث بن الصمة كمن بالروحاء فضرب له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسهمه. قال ابن هشام : وخوات بن جبير بن النعمان ضرب له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسهمه (٤) ، ولم يختلف أحد أن عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنه تخلف على امرأته رقية بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فضرب له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسهمه. قال : وأجري يا رسول الله. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وأجرك» (٥). قال ابن حبيب : وهذا خاص النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأجمع المسلمون بعده : أن لا يقسم لغائب ، وروى ابن وهب وابن نافع عن مالك : إذا بعث الإمام أحدا في مصالح الجيش فله سهمه ، وروي عن مالك أنه لا سهم له. قال سحنون : وبالأول أقول.

وفي البخاري وغيره : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم رد ابن عمر يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة ، وأجازه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة (٦) ، وأجاز زيد بن ثابت ، والبراء بن عازب يوم الخندق

__________________

(١) رواه الطبراني في الكبير (١٨٩) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٩ / ١٤٨) وقال : رواه الطبراني. وهو مرسل حسن الإسناد بلفظ عن عروة قال : طلحة بن عبيد الله كان بالشام فقدم وكلّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سهم فضرب له سهمه ـ قال : وأجري يا رسول الله ـ قال : وأجرك. يعني يوم بدر. ورواه الطبراني (٣٣٨ و ٣٢٩) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٩ / ١٥٥) وقال : رواه الطبراني وإسناده حسن. وروي عن الزهري مثله بلفظ عن عروة قال : سعيد بن زيد قدم من الشام بعد ما رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من بدر فكلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فضرب له بسهم قال : وأجري يا رسول الله ـ قال : وأجرك.

(٢) رواه البخاري في المغازي. باب تسمية من سمي من أهل البدر. في الجامع الذي وضعه أبو عبد الله على حروف المعجم. وذكر منهم عقبة بن عامر الأنصاري.

(٣) ذكره ابن هشام في السيرة (ج / ١ / ٦٨٨) وقال : وزعموا أن أبا لبابة بن عبد المنذر والحارث بن حاطب خرجا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فردهما. وأمر أبا لبابة على المدينة. وذكره بدون سند.

(٤) ذكره ابن هشام في السيرة (ج / ١ / ٦٩٠) وقال : قال ابن اسحاق : والحارث بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس بن ثعلب. وخوات بن جبير بن النعمان ضرب له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسهم مع أصحاب بدر سبعة نفر.

(٥) ذكره ابن هشام في السيرة (ج / ١ / ٦٧٨). وقال : ومن بني عبد شمس بن عبد مناف : عثمان بن عفان تخلف على امرأته رقية بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فضرب له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسهم قال : وأجري يا رسول الله قال : وأجرك.

(٦) رواه البخاري (٢٦٦٤) و (٤٠٩٧) من حديث ابن عمر رضي‌الله‌عنهما.

٤٦

وهما ابنا خمس عشرة سنة. وقال ابن حبيب : لم يكن صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسهم للنساء والصبيان والعبيد ولكن كان يحذيهم من الغنيمة ، ولم ير مالك أن يحذوا. وفي البخاري : قسم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إبلا وغنما فعدّل عشرة من الغنم ببعير (١).

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

بالسلب للقاتل يوم حنين ، وهل تخمس الأسلاب

وذكر الأنفال في الموطأ والبخاري ومسلم عن أبي قتادة قال : خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام حنين ، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين ، فاستدرت له حتى أتيته من ورائه فضربته بالسيف على حبل عاتقه فأقبل عليّ فضمني ضمة وجدت فيها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني ، فلقيت عمر بن الخطاب فقلت : ما بال الناس؟ قال : أمر الله. ثم أن الناس رجعوا ، وجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه» ، فقمت فقلت : من يشهد لي؟ ثم جلست ، ثم قال الثانية : «من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه» فقمت فقلت : من يشهد لي؟ ثم جلست ، ثم قال الثالثة مثله قال : فقمت ، فرآني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما لك يا أبا قتادة؟» فاقتصصت عليه القصة فقال رجل : صدق يا رسول الله وسلب ذلك القتيل عندي فأرضه منه. فقال أبو بكر الصديق ـ رضي‌الله‌عنه ـ لاها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه. ويروى يعمد بغير لا (٢).

وفي البخاري في كتاب الأحكام : قال أبو بكر : كلا لا يعطه أصيبغ من قريش ، ويدع أسدا من أسد الله. فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صدق فأعطه إياه» فبعت الدرع فابتعت به خرافا فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام (٣) ، قال ابن الأعرابي : سلمة بكسر اللام في الأزد وسلمة بفتحها في قشير.

ذكر البخاري أن السلب الذي للقاتل إنما هو من غير الخمس من رأس الغنيمة وأن الأسلاب لا تخمّس (٤). وقال مالك وأصحابه : لا يكون إلا من الخمس ، واحتج بعض أصحاب مالك بقول الله عزوجل : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) [الأنفال : الآية ٤١]. وجعل الأربعة الأخماس لمن غنمها ، فلا يجوز أن يؤخذ منها شيء بالاحتمال. وقولنا إنما نفّل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الخمس.

__________________

(١) رواه البخاري (٢٤٨٨) و (٣٠٧٥) من حديث رافع بن خديج رضي‌الله‌عنه.

(٢) رواه البخاري و (٤٣٢١) ، ومسلم (١٥٧١) ، والموطأ (٢ / ٤٥٤) من حديث أبي قتادة رضي‌الله‌عنه.

(٣) رواه البخاري (٢١٠ و ٧١٧٠) من حديث أبي قتادة رضي‌الله‌عنه.

(٤) رواه البخاري (١٨) باب من لم يخمّس الأسلاب. وقال : ومن قتل قتيلا فله سلبه من غير أن يخمس.

٤٧

أولا : لأن الله عزوجل فوّض إليه النظر في الخمس بالاجتهاد. ودليل آخر أن الآية نزلت في شأن خيبر والنضير فلم يكن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يؤخر البيان فيه إلى يوم حنين وقاله بعد أن برد القتال ، ولو كان أمرا متقدما لعلمه أبو قتادة فارس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن كبراء أصحابه فلم يطلب ذلك حتى أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ينادي من قتل قتيلا فله سلبه ولم يكن هذا ليخفى.

ودليل آخر أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعطاه إياه بشهادة واحد بلا يمين فلو كان من رأس الغنيمة لم يخرج حق من مغنم إلا بما تخرج به الأملاك من البينات أو شاهد ويمين.

وشيء آخر أنه لو وجب للقاتل ولم يجد بينة لكان توقف كاللقطة ولا يقسم وهو إذا لم تكن بينة تقسم ، فخرج من معنى التملك ، ودل ذلك أنه خارج باجتهاد الإمام يخرجه من الخمس الذي يجعل في غير وجه. قال مالك : لم يبلغنا أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ذلك ولا فعله في غير يوم حنين ، ولا فعله أبو بكر ولا عمر. قال ابن الموّاز : ولم يعط غير البراء بن مالك سلب قتيله وخمسه. وذكر عبد الرزاق في مصنفه أن البراء قتل مائة قتيل مبارزة سوى من شارك في قتله (١).

وذكر البخاري : أن معاذ بن عمرو بن الجموح ، ومعاذ بن عفراء الأنصاريين ضربا أبا جهل ابن هشام يوم بدر بسيفيهما حتى قتلاه ، فانصرفا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبراه فقال : «أيكما قتله؟» فقال كل واحد منهما : أنا قتلته. فقال : «هل مسحتما سيفيكما؟» قالا : لا. فنظر في السيفين فقال : «كلاكما قتله ، سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح» (٢). وفي غير البخاري أن عبد الله بن مسعود وجده وهو صريع يذبّ الناس عنه بسيفه فوطئ على رقبته فقال : هل أخزاك الله يا عدوّ الله؟ فقال له أبو جهل : لقد ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم. فضربه عبد الله بسيفه فلم يغن شيئا ، فأخذ السيف من أبي جهل فاحتز به رأسه ، وجاء به إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنفله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم السيف. وكان الذي ضربه أولا معاذ بن عمرو بن الجموح ، فقطع رجله وضرب ابنه عكرمة يد معاذ فطرحها ، ثم ضربه معاذ بن عفراء حتى أثبته ثم تركه وبه رمق ثم ذفف عليه ابن مسعود ـ يعني أجهز عليه. وذفف بالذال المنقوطة ـ (٣).

__________________

(١) رواه عبد الرزاق في المصنف (٩٤٦٩) ، وفي الإصابة (١ / ١٤٣) وهو حديث صحيح.

(٢) رواه البخاري (٣١٤١) ، ومسلم (١٧٥٢) من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي‌الله‌عنه.

(٣) رواه البخاري مختصرا (٣٩٦١) من حديث عبد الله بن مسعود رضي‌الله‌عنه و (٣٩٦٢) من حديث أنس رضي‌الله‌عنه. ورواه أحمد في المسند (٣٨٢٤) و (٣٨٥٦ و ٤٢٤٧) ، والبزار (١٧٧٥) ، والطبراني في الكبير (٨٤٦٩) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٦ / ٧٩) وقال : رواه أحمد البزار باختصار وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه ـ وبقية رجاله رجال الصحيح.

٤٨

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

فيما حازه المشركون من أموال المسلمين

ثم ظهروا عليه وأسلم عليه المشركون

في البخاري : أن فرسا لعبد الله بن عمر ذهب فأخذه العدو فظهر عليهم المسلمون فردّ عليه في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأبق عبد له فلحق بالروم فظهر عليهم المسلمون ، فردّه إليه خالد بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في زمن أبي بكر (١). وفي المدونة والواضحة وغيرهما : أن رجلا من المسلمين وجد بعيرا له في المغانم ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن وجدته لم يقسم فخذه ، وإن وجدته قد قسم فأنت أحق بالثمن إن أردته» (٢).

وفي البخاري ومسلم ومصنف أبي داود : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قيل له يوم الفتح : أين تنزل يا رسول الله؟ فقال : «وهل ترك لنا عقيل منزلا» (٣). ووقع في البخاري أيضا : أن أسامة بن زيد قال للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حجته : أين تنزل غدا يا رسول الله؟ فقال : «وهل ترك لنا عقيل منزلا؟» ثم قال بعد ذلك : «نحن نازلون غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة بالمحصّب حيثما انتهينا» ، وذلك أن بني كنانة حالفت قريشا على بني هاشم : أن لا يبايعوهم ، ولا يؤووهم (٤).

قال الزهري : والخيف الوادي. ولم يقل يونس في حجته ولا زمن الفتح. ووقع في غير الكتب أن عقيلا لما هاجر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذ دورهم فحازها وحوى عليها ، ثم أسلم وهي في يده ، وقضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنه من أسلم على شيء فهو له.

وفي كتاب الخطّابي أنه باع دور عبد المطلب لأنه وارث لأبي طالب ولم يرثه علي لتقدم إسلامه لموت أبيه ولم يكن لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها لأن أباه عبد الله مات. وكان أبوه عبد المطلب حيا وهلك أكثر أولاده ولم يعقبوا أحدا فحاز رباعه أبو طالب ، وحازها بعد موته عقيل. وقد كان كفار قريش يعتدون على من هاجر من المسلمين فيبيعون داره وعقاره.

وفي البخاري أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهديت له أقبية ديباج مزوّدة بالذهب فقسمها في ناس من أصحابه ، وعزل منها واحدا لمخرمة بن نوفل ، فجاء ومعه ابنه المسور بن مخرمة فقام على الباب فقال : أدعه لي. فسمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم صوته فأخذ قباء فتلقاه به واستقبله بإزاره فقال : «يا أبا المسور

__________________

(١) رواه البخاري (٣٠٦٧ و ٣٠٦٨) ، والموطأ (٢ / ٤٥٢) في الجهاد ، وأبو داود (٢٦٩٨ و ٢٦٩٩) من حديث ابن عمر رضي‌الله‌عنهما.

(٢) لم نجده بهذا اللفظ فيما بين أيدينا من المصادر.

(٣) رواه البخاري (١٥٨٨) ، ومسلم (١٣٥١) و ١٤٤) ، وأبو داود (٢٩١٠) ، وابن حبان (٥١٤٩) من حديث أسامة بن زيد رضي‌الله‌عنه.

(٤) رواه البخاري (٣٠٥٨) من حديث أسامة رضي‌الله‌عنه.

٤٩

خبأت لك هذا» (١). وذكر النسائي في كتاب الأسماء والكنى أن مخرمة قال للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أين نصيبي من الثياب التي قسمت؟ قال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هذا قباء خبأته لك يا أبا صفوان». فأخذه وقال : وصلتك رحم (٢).

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

فيما أهدى إليه معاهد أو حربي

وفي كتاب ابن سحنون : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل الهدية من أبي سفيان ، ومن أهل الذمّة ومن دحية ، ومن المقوقس ، والأكيدر ، وأهدى إلى بعضهم. ولم يقبل هدية عياض المجاشعي ، وكانت هدية المقوقس : مارية أم إبراهيم ، وسيرين وبغلة شهباء وحمارا ، فاتخذ مارية لنفسه ، وأمسك البغلة والحمار حتى مات عنهما. وجاء بالهدية من عند المقوقس ملك الإسكندرية : حاطب بن أبي بلتعة كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرسله إليه سنة ست ويقال : كانت الهدية ثلاث جوار : وهب واحدة لجهم بن حذيفة واسمها طرفا ، وأعطى سيرين لحسان بن ثابت فولد له منها عبد الرحمن وكانت أخت مارية.

وفي كتاب مسلم : أن فروة بن نفاثة الجذامي أهدى لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بغلة بيضاء وركبها يوم حنين (٣). قال سحنون : وإذا أهدى ملك الروم هدية إلى الإمام فلا بأس بقبولها وتكون له خاصة. وقال الأوزاعي : تكون للمسلمين ويكافئه بثمنها من بيت المال. قال سحنون : وليس عليه أن يكافئه.

قال سحنون : والرسول إلى الطاغية يجاز بجائزة فهي له دون المسلمين ولا خمس في ذلك ، وإذا جاء رسول من الطاغية لا ينبغي لأمير المؤمنين أن يجازيه بشيء إلا أن يرى لذلك وجها يرى فيه صلاح للمسلمين فيجتهد. وفي البخاري : أهدى ملك أيلة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بغلة بيضاء ، وكساه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بردة وكتب له ببحيرة ، وفي حديث آخر وكتب له ببحيرتهم ، وذلك في غزوة تبوك (٤). وقال عمرو بن الحارث : ما ترك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضا تركها صدقه (٥). قالت عائشة : وترك درعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير (٦). وفي البخاري

__________________

(١) رواه البخاري (٣١٢٧) من حديث عبد الله بن أبي مليكة رضي‌الله‌عنه.

(٢) ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (ج / ٩) (٢٥٦٣٧) من حديث المسور بن مخرمة. وقال : رواه ابن عساكر في التاريخ.

(٣) رواه مسلم رقم (١٧٧٥) في الجهاد. باب غزوة حنين. من حديث العباس رضي‌الله‌عنه.

(٤) رواه البخاري تعليقا رقم باب (٢٨) باب قبول الهدية من المشركين ـ وقال : قال أبو هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقال أبو حميد : أهدى ملك إيلة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بغلة بيضاء فكساه بردا.

(٥) رواه البخاري (٢٨٧٣) و (٤٤٦١) من حديث عمرو بن الحارث رضي‌الله‌عنه.

(٦) رواه البخاري (٢٩١٦) ، ومسلم (١٦٠٣) ، والنسائي (٧ / ٢٨٨) من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها.

٥٠

أيضا : ما ترك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم دينارا ولا درهما ، ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضا جعلها صدقة (١). وفي رواية الأصيلي شاة مكان شيئا.

ذكر ابن حبيب وغيره أن المقوقس صاحب مصر.

قال أبو عبيد في كتاب الأموال إن عامر بن مالك ملاعب الأسنة أهدى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرسا فرده وقال : «إنا لا نقبل هدية مشرك» (٢). وكذلك قال لعياض المجاشعي : «إنا لا نقبل زبد المشركين» (٣) يعني رفدهم. وقال أبو عبيد : إنما قبل هدية أبي سفيان لأنها كانت في مدة الهدنة بينه وبين أهل مكة (٤) ، وكذلك المقوقس صاحب الإسكندرية إنما قبل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم هديته لأنه أكرم رسوله إليه حاطب بن أبي بلتعة وأقرّ بنبوته ، ولم يؤيسه من إسلامه فثبت أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يقبل هدية مشرك محارب (٥) ، ثم قدم خالد بن الوليد بأكيدر على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان نصرانيا فحقن له دمه وصالحه على الجزية وخلى سبيله فرجع إلى قريته (٦).

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في قسمة ما أفاء الله عليه على حسب

ما رآه ، وإباحة أكل شحوم المشركين

ترجم البخاري باب ما كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ، رواه عبد الله بن زيد عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال الزهري : أخبرني أنس أن ناسا من الأنصار قالوا للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء فطفق يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل فقالوا : يغفر الله لرسوله يعطي قريشا ويدعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم. فقال أنس : فحدّث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمقالتهم ، فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم ولم يدع معهم أحدا ، فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «ما كان حديثا بلغني عنكم؟» فقال له فقهاؤهم : أمّا ذوو رأينا فلم يقولوا شيئا ، وأما أناس منا حديثة أسنانهم فقالوا : يغفر الله لرسوله يعطي قريشا ويترك

__________________

(١) رواه البخاري (٢٩١٢) من حديث عمرو بن الحارث رضي‌الله‌عنه.

(٢) رواه أبو عبيد (٦٣٢) ، والبزار (١٩٣٣) موصولا و (١٩٣٤) مرسلا. والطبراني (٢١٨٢). وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٤ / ١٥٢) وقال : رواه البزار. ورجاله رجال الصحيح خلا شيخ البزار إبراهيم ابن عبد الله بن الجنيد وهو ثقة ورواه من طريق عن عبد الرحمن بن كعب. أن عامر بن مالك والطريق الأولى عن عبد الرحمن بن كعب عن عامر بن مالك. وقد وصله ابن المبارك. أقول وهو حديث صحيح بشواهده.

(٣) رواه أبو داود (٣٠٥٧) ، والترمذي (١٥٧٧) وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.

(٤) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال (٦٣٣) من كلام عكرمة موقوفا عليه.

(٥) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال (٦٣٤). وقال : يروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكره.

(٦) ذكره ابن الأثير في أسد الغاية (١ / ١٣٥) بدون سند.

٥١

الأنصار وسيوفنا تقطر من دمائهم. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنما أعطي رجالا حديثي عهد بكفر ، أما ترضون أن يرجع الناس بالأموال وترجعوا إلى رحالكم برسول الله ما تنقلبون به خير مما ينقلبون به». قالوا : بلى يا رسول الله قد رضينا. فقال لهم : «إنكم ستجدون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض» (١).

وفي مصنف أبي داود عن جبير بن مطعم قال : لما كان يوم خيبر وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سهم ذي القربى في بني هاشم وبني عبد المطلب ، وترك بني نوفل وبني عبد شمس فانطلقت أنا وعثمان إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلنا : يا رسول الله لا ننكر فضل بني هاشم لموضعهم منك فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وقرابتنا واحدة فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنا وبني المطلب لا نفترق في جاهلية ولا في إسلام ، إنما نحن وهم شيء واحد وشبك بين أصابعه» (٢). ويقال إن هذا خصوص من فعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لآل المطلب كونهم من بني هاشم بني أخوة أشقاء. ويقال إن عبد شمس وهاشما توأمان. وفي بعض الروايات : «فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض». هكذا رواه أبو زيد ، وكان الذي آثرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأعطاهم مائة من الإبل : الأقرع بن حابس ، وعيينة بن حصن وغيرهم. وذكر ابن هشام وغيره : أبا سفيان ، وابنه معاوية ، وحكيم بن حزام والحارث بن هشام ، وسهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى ، والعلاء بن حارثة ، ـ وعيينة ابن حصن ، والأقرع بن حابس ـ ومالك بن عوف ، وصفوان بن أمية ، هؤلاء أصحاب المئين ، وأعطى جماعة أقل من مائة ، وأعطى جماعة خمسين خمسين. وقال قائل : يا رسول الله أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة مائة ، وتركت جميل بن سراقة الضمري ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أما والذي نفس محمد بيده لجميل بن سراقة خير من طلاع الأرض كلهم مثل عيينة والأقرع ولكني تألفتهما ليسلما ووكلت جميل بن سراقة إلى إسلامه» (٣).

وفي البخاري : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إني لأعطي قوما أتألف ظلعهم وجزعهم ، وأكل قوما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الخير والغنى منهم عمرو بن تغلب». قال عمرو : فما أحب أن لي بكلمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما أظلته الخضراء (٤). وفي هذه القسمة في غزوة حنين قال رجل : والله إن هذه القسمة ما عدل فيها وما أريد بها وجه الله. وهو من بني تميم يقال له ذو الخويصرة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ويحك فمن يعدل إذا لم أعدل» (٥) ، وذكر الحديث بطوله ،

__________________

(١) رواه البخاري (٣١٤٧) في فرض الخمس من حديث أنس رضي‌الله‌عنه.

(٢) رواه أبو داود (٢٩٨٠) والنسائي (٧ / ١٣٠ و ١٣١) وهو حديث صحيح.

(٣) ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (٤ / ٣٦٠). وقال : وقد ذكر ابن اسحاق الذين أعطاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يومئذ مائة من الإبل. وهم أبو سفيان إلى آخر الحديث. وقد ذكره بدون إسناد.

(٤) رواه البخاري (٣١٤٥) في فرض الخمس. من حديث عمرو بن تغلب رضي‌الله‌عنه.

(٥) رواه البخاري (٣١٥٠) في فرض الخمس. من حديث عبد الله بن مسعود رضي‌الله‌عنه.

٥٢

واسمه الحرقوص بن زهير قاله ابن سعد صاحب الواقدي. وذكر المبرد في الكامل عن إبراهيم بن محمد التيمي في إسناد ذكره أن عليّا وجّه إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذهيبة من اليمن فقسمها أرباعا فأعطى الربع الأقرع بن حابس ، وأعطى الربع زيد الخيل ، والربع علقمة بن علاثة ، وعيينة بن حصن الفزاري ، فقام إليه رجل مضطرب الخلق غائر العينين ناتئ الجبهة ، وذكر غيره محلوق الرأس ، فقال له : لقد رأيت قسمة ما أريد بها وجه الله ، فغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكر الحديث (١). وفي حديث آخر في الكامل : بينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقسم غنائم خيبر إذ قام رجل أسود فقال : ما عدلت منذ اليوم. وذكر الحديث. والحديث في البخاري (٢) : وشك في الرابع أن يكون علقمة أو عامر بن الطفيل. وروى ابن وهب أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما حاصر خيبر جاءه بعض الناس فسألوه أن يعطيهم فلم يجدوا عنده شيئا ، فافتتحوا بعض حصونها فأخذ رجل من المسلمين جرابا مملوءا من شحم فبصر به صاحب المغانم وهو : كعب بن عمرو بن زيد الأنصاري فأخذه فقال الرجل : لا والله لا أعطيكه حتى أذهب به إلى أصحابي. فقال : أعطنيه أقسمه بين الناس. فأبى فتنازعا فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خل بين الرجل وجرابه يذهب به إلى أصحابه». قال مالك في مختصر عبد الحكم الكبير : ولا أحبّ أكل شحوم اليهود من غير أن أراه حراما. قال ابن أبي زيد : واحتج بعض أصحابنا لذلك بالحديث في الذي غنم جرابا فيه شحم من خيبر وذكر الحديث.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في أموال بني النضير وقسمة خيبر. وقد تقدم بعض خبرهم

ذكر البخاري وأبو عبيد : أن أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف به من خيل ولا ركاب ، وكانت لرسول الله خاصة ينفق على أهله منها نفقة سنة ، ثم يجعل ما بقي في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله كلها من أموال بني النضير ولم تخمس لأنها كانت صافية (٣) ، وخمّس قريظة لأنها كانت بقتال ، وكانت وقعة النضير فيما ذكر أبو عبيد على رأس ستة أشهر من وقعة بدر. وكذلك ذكر البخاري (٤). وذكر ابن أبي زيد في مختصر المدونة عن ابن شهاب : أنها كانت في المحرم سنة ثلاث ، وذكر غير ابن شهاب : سنة أربع ، وفيهم نزلت سورة الحشر (٥). وقد تقدم ذكرها.

__________________

(١) رواه البخاري (٣٣٤٤) و (٤٣٥١) من حديث أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه.

(٢) رواه البخاري مختصرا (٤٢١٤) ، ومسلم (١٧٧٢ و ٧٣). من حديث عبد الله بن مغفّل رضي‌الله‌عنه.

وذكره ابن هشام في السيرة (٢ / ٣٢٩) باب ابن مغافل وجراب شحم أصابه وقال : قال ابن اسحاق ، حدثني من لا أتهم.

(٣) رواه البخاري (٢٩٠٤) و (٤٨٨٥) من حديث عمر رضي‌الله‌عنه.

(٤) رواه البخاري (١٤) باب حديث بني النضير. وقال : قال الزهري. عن عروة بن الزبير كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل وقعة أحد.

(٥) رواه البخاري (٤٠٢٩) بلفظ عن سعيد بن جبير. قال : قلت لابن عباس سورة الحشر قال : قل سورة النضير.

٥٣

قال مالك في الكتابين : افتتحت خيبر بقتال يسير وخمّست إلا ما كان منها عنوة أو صلحا وهو يسير فإنه لم يخمّس (١). قلت : العنوة والقتال واحد. قال : إنما أردت الصلح ، وسمعت ابن شهاب يقول : افتتحت خيبر عنوة ، ومنها بقتال وما أدري ما أراد بذلك.

قال مالك : قسمت خيبر ثمانية عشر سهما على ألف وثمانمائة رجل لكل مائة رجل سهم. قال أبو عبيد : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قسم خيبر على ستة وثلاثين سهما جمع كل سهم منها مائة سهم وعزل نصفها لنوائبه وما ينزل به ، وقسم النصف بين المسلمين وسهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما قسم الشق (٢) والنطاة (٣) وما حيز معها وكان مما وقف : الكتيبة والوطحة والسلام. فلما صارت الأموال في يد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يكن له من العمال ما يكفون عمل الأرض فدفعها إلى اليهود يعملونها على النصف (٤). وفي الواضحة : الحوائط السبعة التي وقف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانت من أموال بني النضير ، وسيأتي ذكرها بعد هذا في الأخماس. وقال عمر بن الخطاب ـ رضي‌الله‌عنه ـ : لو لا آخر الناس ما افتتحت قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خيبر (٥).

وذكر مالك وأبو عبيد أن بلالا وأصحابه سألوا عمر أن يقسم بينهم ما افتتح بالشام وكان بلال أشدهم ، فدعا عمر عليهم فقال : اللهم اكفنيهم ـ وقال أبو عبيد وفي رواية : (اللهم اكفني بلالا وذويه) ـ فما حال الحول والواحد حي (٦). قال ابن هشام : وكانت خيبر في صفر سنة ست من الهجرة. قال مالك : وكانت في برد شديد فقال أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنا لا نستطيع القتال فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لم؟» فقالوا : البرد والجوع والعري. فقال رسول الله : «اللهم افتح عليهم اليوم أكثرها طعاما وودكا» ففتح عليهم خيبر.

قال ابن هشام : وقسمت خيبر على أهل الحديبية من شهد خيبر ومن غاب عنها ، ولم يغب عنها إلا جابر بن عبد الله فقسم له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كسهم من حضرها (٧). قال المفضل : وأطعم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ناسا مشوا بينه وبين أهل فدك في الصلح منهم محيصة بن مسعود ، وأعطاه ثلاثين وسقا من الشعير.

__________________

(١) ذكره ابن القيم في زاد المعاد (٣ / ٣٢٨ و ٣٢٩) بدون سند.

(٢) الشق : بفتح الشين : حصن من حصون خيبر.

(٣) النطاة : ـ قيل حصن بخيبر ـ وقيل عين بها تسقي بعض نخيلها.

(٤) رواه أبو داود (٣٠١٠ و ٣٠١٢) في الخراج. باب ما جاء في حكم أرض خيبر وإسناده حسن. ورواه أبو عبيد في كتاب الأموال (١٤٢) من حديث بشير بن يسار وهو تابعي ثقة وحديثه مرسل.

(٥) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال (١٤٨) من كلام عمر رضي‌الله‌عنه. وإسناده صحيح.

(٦) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال (١٤٧) من حديث عمر رضي‌الله‌عنه.

(٧) ذكره ابن هشام في السيرة (٢ / ٣٤٩) باب ذكر مقاسم خيبر وأموالها.

٥٤

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في الرسول أن لا يقتل والوفاء بالعهد

للكفار وما نزل في ذلك من القرآن

في مصنف أبي داود عن نعيم بن مسعود الأشجعي قال : كتب مسيلمة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسمعته يقول لرسوليه حين قرأ الكتاب : ما تقولان أنتما؟ فقالا : نقول كما قال. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أما والله لو لا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما» (١).

وعن أبي رافع قال : بعثتني قريش إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ألقي في قلبي الإسلام فقلت : يا رسول الله إني لا أرجع إليهم أبدا. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد ولكن ارجع فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن فارجع». قال : فذهبت ، ثم أتيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأسلمت (٢).

وفي مصنف البخاري : أن أبا جندل أقبل يرسف في الحديد ، وفي حديث آخر يحجل في قيوده فردّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى مكة للعهد الذي كان عاهدهم أن يرد إليهم من جاء منهم. قال أبو سفيان الخطابي في شرح غريب الحديث : لم يخف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أبي جندل شيئا لأنه ردّه إلى أبيه وأهله ولم يرد من جاء من النساء لأن الله عزوجل قال «فلا ترجعوهن إلى الكفار» (٣). وفيه حجة لمن رأى نسخ السنة بالقرآن وكذلك قال في البخاري : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما رد أبا جندل إلى أبيه سهيل بن عمرو وهو الذي كان عاهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الحديبية على ثلاثة أشياء : على أنّ من أتى من المشركين رده إليهم ، وما أتاهم من المسلمين لم يردوه ، وعلى أن يدخلها من قابل ويقيم بها ثلاثة أيام ولا يدخلها إلا بجلبّان السلاح السيف والقوس ونحوه (٤). وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «والعهد بيننا كشرج العتبة» يعني : إن انحل بعضه انحل كله. وكان إقبال أبي جندل قبل أن يبرح سهيل بن عمرو وقبل أن يكتب العهد.

ووقع أيضا في كتاب البخاري في كتاب الشروط وكان سهيل هذا من جملة من أسر يوم بدر. وذكر المفضل أن يوم الحديبية جاءت سبيعة الأسلمية مسلمة من مكة فأقبل زوجها في طلبها فقال : يا محمد ردّ عليّ امرأتي فهذه طينة كتابك لم تجف بعد. فأنزل الله عزوجل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ) [الممتحنة : الآية ١٠] فاستحلفها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالله الذي

__________________

(١) رواه أبو داود (٢٧٦١) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٥ / ٣١٥) وقال : رواه الطبراني. من طريق ابن إسحاق ، قال : حدثني شيخ من أشجع ولم يسمه. وسماه أبو داود سعد بن طارق. وبقية رجاله ثقات.

(٢) رواه أبو داود (٢٧٥٨) من حديث أبي رافع رضي‌الله‌عنه. وإسناده صحيح.

(٣) رواه البخاري رقم (٢٧٠٠ و ٤١٨١) من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها.

(٤) رواه البخاري (٢٧٠٠) في الصلح. باب الصلح مع المشركين. من حديث البراء رضي‌الله‌عنه.

٥٥

لا إله إلا هو ما أخرجها إليه إلا رغبة في الإسلام وحب له وحرص عليه ، وما أخرجها حرب أحدثته في قومها ولا بغض لزوجها فحلفت على ذلك ، فأعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زوجها مهرها والذي أنفق عليها ، ولم يردها عليه. قال النحاس وغيره : وهذا منسوخ.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في الأمان وفي أمان المرأة

في تفسير ابن سلام قال الكلبي : إن ناسا من المشركين ممن لم يكن لهم عهد ولم يوافوا الموسم بلغهم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر بقتال المشركين ممن لا عهد له إذا انسلخ الأشهر الحرم ، فقدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليجددوا حلفا وذلك بعد ما انسلخ المحرّم فلم يصالحهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا على : الإسلام ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة. فأبوا فخلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سبيلهم حتى بلغوا مأمنهم ، وكانوا نصارى من بني قيس بن ثعلبة فلحقوا باليمامة؟ حتى أسلم الناس فمنهم من أسلم ومنهم من أقام على نصرانيته.

وفي مسند ابن أبي شيبة وفي السير : أن سرية أصابت مالا كان عند أبي العاصي زوج زينب ابنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهرب أبو العاصي ، ثم جاء في الليل إلى بيت زينب في طلب المال واستجار به ، فلما كبّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في صلاة الصبح صرخت زينب ـ من صفة النساء ـ : أيها الناس إني قد أجرت أبا العاصي. فلما سلّم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقبل على الناس فقال : «هل سمعتم ما سمعت؟» قالوا : نعم ، قال : «أما والذي نفسي بيده ما علمت بشيء حتى سمعت ما سمعتم. إنه يجير على المسلمين أدناهم». ثم دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «أكرمي مثواه ولا يخلص إليك فإنك لا تحلّين له». ثم قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن تحسنوا وتردوا عليه المال فهو الذي يحب ، وإن أبيتم فهو فيء الله أنتم أحق به» ، قال : فردوه إليه أجمع ، ثم احتمل إلى مكة فأدى إلى كل رجل من قريش ماله فقالوا : جزاك الله خيرا فقد وجدناك وفيا كريما. فقال : أشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمدا رسول الله ، والله ما منعني من الإسلام عنده إلّا مخافة أن تظنوا أني إنما أردت أكل أموالكم فلما أداها الله إليكم أسلمت ، ثم خرج حتى قدم على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

وفي غير السير قال قائل : لما أشار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الأنصار الذين أسروا العباس يوم بدر ، قالوا : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ائذن فلنترك لابن أختنا العباس فداءه. فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تدعوا منه درهما» (٢).

وقال للأنصار إذ بعثت زينب ابنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في فداء أبي العاصي بمال ، وبعثت بقلادة

__________________

(١) رواه ابن سعد في طبقاته (٨ / ٢٦) و (٤٠٩٨) باب مناقب زينب بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وإسناده ضعيف.

(٢) رواه البخاري (٢٥٣٧ و ٣٠٤٨) من حديث أنس رضي‌الله‌عنه.

٥٦

لها كانت أمها خديجة أدخلتها بها على أبي العاصي حين بنى عليها : «إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها فافعلوا» ، قالوا : نعم يا رسول الله. فأطلقوه وردوا عليها المال والقلادة (١).

قيل : إنما فعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذا في زينب لأنه رقّ لها إذ لم يكن تمام الفداء إلا بقلادة كانت لأمها خديجة جهزتها بها ، ولم يكن لأبي العاصي مال وإنما كانت عنده أموال لقريش وبضائع يتجهز بها ردها إليهم كلها على ما تقدم ذكره. وقال للأنصار : «لا تدعوا من فداء العباس درهما» لأنه كان غنيا ، وذلك أنه ذكر ابن قتيبة وغيره أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال للعباس : «افد نفسك وابني أخويك عقيلا ونوفلا ، وحليفك فإنك ذو مال». فقال : إني مسلم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الله أعلم بإسلامك إن كان ما تقول حقا فالله يجزيك ، وأما ظاهر أمرك فقد كان علينا». فقال : إنه ليس لي مال. قال : «فأين المال الذي وضعته عند أم الفضل بمكة حين خرجت وليس معكما أحد ثم قلت إن أصبت في سفري هذا فللفضل كذا ولعبد الله كذا». قال : والذي بعثك بالحق ما علم بهذا أحد غيرها ، وإني أعلم أنك رسول الله ، ففدى نفسه بمائة أوقية وكل واحد بأربعين أوقية. هكذا قال ابن القاسم وابن إسحاق وقال : تركتني أسأل الناس في كفي ، وأسلم العباس وأمر عقيلا فأسلم ، ولم يسلم من الأسارى غيرهما (٢).

وفي معاني النحاس قال العباس : أسرت ومعي عشرون أوقية فأخذت مني فعوضني الله منها عشرين عبدا ، ووعدني المغفرة. وفي الهداية : لما أسرت ومعي أربعون أوقية كل أوقية من أربعين مثقالا فعوضني الله أربعين عبدا ، ووعدني المغفرة.

وفي موطأ مالك عن أبي النضر : أن أبا مرة مولى أم هانئ بنت أبي طالب ، واسمها فاختة قاله ابن وضّاح. وقيل : هند. قاله ابن هشام. وقيل : رحلة. قال البرقي أخبره أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب تقول : ذهبت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل ، وفاطمة ابنته تستره بثوب. قالت : فسلمت فقال : «من هذه؟» فقلت : أنا أم هانئ بنت أبي طالب فقال : «مرحبا بأم هانئ» ، فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات متلحفا في ثوب واحد ثم انصرف فقلت : يا رسول الله زعم ابن أمي علي أنه قاتل رجلا أجرته فلان ابن هبيرة. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قد

__________________

(١) رواه أبو داود (٢٦٩٣) ، والحاكم (٣ / ٢٣٦ و ٣٢٤) ، والبيهقي في السنن (٦ / ٣٢٢) من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها وهو حديث حسن.

(٢) رواه أحمد في المسند (٣٣١٠) ، والطبراني في الكبير (١١٣٩٨) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٧ / ٢٨) وقال : رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار ورجال الأوسط رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع. ورواه الحاكم في المستدرك (٣ / ٣٢٤) ، والبيهقي في السنن (٦ / ٣٢٢) وصححه الحاكم وقال الذهبي في التلخيص : صحيح على شرط مسلم. من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها ويشهد له ما عليه.

٥٧

أجرنا من أجرت يا أم هانئ». قالت أم هانئ : وذلك ضحى (١). وأما هبيرة بن أبي وهب وهو زوج أم هانئ وهو مخزومي فقال حين بلغه إسلام أم هانئ :

شاقتك هند أم أتاك سؤالها

كذاك التوى أسبابها وانفتالها

وفي هذا الشعر يقول :

وإنّ كلام المرء في غير كنهه

لكالنبل تهوي ليس فيها نصالها

فإن كنت قد تابعت دين محمد

وعطفت الأرحام منك حبالها

فكوني على النخل السحيق بهضبة

ململمة غبرا يبّس تلالها

وفي كتاب ابن سحنون والواضحة قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يجير على المسلمين أدناهم ويرد عليهم أقصاهم». وفي غير الكتابين : «وهم يد على من سواهم» (٢).

قال ابن حبيب : معنى يجير عليهم أدناهم : أي الدني من حرّ أو عبد أو امرأة أو صبي يعقل الأمان يجوز أمانهم ، ومعنى ويرد عليهم أقصاهم : أي ما غنموا في أطراف بلادهم يجعل خمسه في بيت مالهم.

قال ابن الماجشون : لا يجوز الأمان إلا لولي الجيش أو لولي السرية دون غيره. قال ابن شعبان القرطبي : قول ابن الماجشون خلاف قول الناس.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في الجزية بأمر الله عزوجل ومقدارها

وممن تقبل وممن لا يقبل منه إلا الإسلام

قال ابن حبيب : أول ما بعث الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالدعوة ، بعثه بغير قتال ولا جزية ، فأقام على ذلك عشر سنين بمكة بعد نبوته يؤمر بالكف عنهم ، ثم أنزل الله عليه (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) [الحجّ : الآية ٣٩] ، وأمره بقتال من قاتله والكف عمن لم يقاتله ، فقال الله عزوجل (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً) [النّساء : الآية ٩٠]. ثم نزلت براءة لثمان سنين من الهجرة فأمره بقتال جميع من لم يسلم من العرب : من قاتله أو كف عنه ، إلا من عاهده ولم ينقض من عهده شيئا ، فقال : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [النّساء : الآية ٨٩] إلى أن قال : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ) [التّوبة : الآية ٥] فلم يستثن على العرب الذين لم يتعلقوا إلى

__________________

(١) رواه مالك في الموطأ (٤٠٣) ، والبخاري (٢٠٨ و ٣٥٧) ، ومسلم (٣٣٦) و (٧٠) ، والترمذي (٢٧٣٥) وابن حبان (١١١٨) من حديث أم هانئ رضي‌الله‌عنها.

(٢) رواه أحمد في المسند (٢ / ٢١٥) رقم (٢٠١٧) ، وأبو داود (٢٧٥١) ، وابن الجارود (١٠٧٣) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وهو حديث حسن.

٥٨

الإسلام. وأمره تعالى بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا ، أو يؤدوا الجزية. فقال تعالى (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) [التوبة : الآية ٢٩]. قد دخل في ذلك من تعلق من العرب بدين أهل الكتاب ، فأخذ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الجزية من أهل نجران وأيلة وهم نصارى من العرب ، ومن أهل دومة الجندل وهم نصارى وأكثرهم عرب ، ولم يستثن الله تعالى أخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ، وأمر نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتال غيرهم ، ثم نسخ من ذلك المجوس على لسان نبيه عليه‌السلام فيما بين لهم من سنته بغير تنزيل قرآن فأحل لهم أخذ جزية من مجوس العجم إذ رضوا بها ، وأقر مشركي العرب وهم عبدة الأوثان على أن يقاتلهم حتى يدخلوا في الإسلام بلا جزية استثناها فيهم إكراما للعرب.

والذي ذكر ابن حبيب من نسخ القرآن بالسنة اختلف العلماء فيه فأجازه أصحاب مالك واحتجوا بقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا وصية لوارث» (١). ناسخ لقول الله عزوجل : (الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) [البقرة : الآية ١٨٠]. واحتج الذين منعوا منه بأن القرآن معجزة والسنة غير معجزة فلا تنسخ السنة القرآن إنما تبينه ، ولقوله عزوجل : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ) [النّحل : الآية ١٠١]. ولقوله لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) [يونس : الآية ١٥].

وذكر عبد الرزاق في مصنفه وأبو عبيد في كتاب الأموال : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر معاذ بن جبل أن يأخذ من أهل اليمن الجزية من كل حالم وحالمة. زاد أبو عبيد : عبدا أو أمة : دينارا أو قيمته معافر (٢) ، وبهذا أخذ الشافعي ، وأخذ مالك بما فرض عمر بن الخطاب ـ رضي‌الله‌عنه ـ أربعة دنانير على أهل الذهب وأربعون درهما على أهل الورق ولا جزية على النساء والعبيد ، ومعنى الحديث عند بعض أهل العلم أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم علم ضعف أهل اليمن ، وعمر علم غنى أهل الشام وقوتهم ، وقال أشهب (٣). في الأمم كلها إذا بذلت الجزية قبلت منهم فأهل الكتابين بكتاب الله والمجوس بالسنة ، وقال ابن وهب : إنما قاتل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قريشا على الإسلام أو السيف فمن كان من العرب من تغلب وتنوخ وغيرهم لم يدخل في ملة لم يقبل منه الجزية ويقاتلون على الإسلام ، ومن دخل منهم في دين أحد من أهل الكتب قبلت منه الجزية.

__________________

(١) رواه الترمذي (٢١٢١) ، وأبو داود (٣٥٦٥) من حديث أبي أمامة رضي‌الله‌عنه. وقال الترمذي : حديث حسن.

(٢) رواه عبد الرزاق في المصنف (٦٨٤١) ، والطيالسي (٥٦٧) ، وأبو داود (٣٠٣٨) وقال ابن عبد البر في التمهيد (٢ / ٢٧٥) : وقد روي هذا الخبر عن معاذ بإسناد متصل صحيح ثابت. ذكره عبد الرزاق.

(٣) أشهب هو ابن عبد العزيز بن داود الإمام الثقة. مفتي مصر. أبو عمرو القيسي العامري يقال اسمه مسكين. وأشهب لقب له. سمع مالك بن أنس ، والليث بن سعد ، ويحيى بن أيوب. قال فيه الشافعي : ما أخرجت مصر أفقه من أشهب لو لا طيش فيه. كان على خراج مصر وكان صاحب أموال وحشم توفي لثمان بقين من شعبان سنة أربع ومائتين.

٥٩

قال سحنون : ما أعرف هذا وقد قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» (١). وكتب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أهل هجر وإلى المنذر بن ساوى يدعوهم إلى الإسلام وقال في الكتاب : «ومن أبى فعليه الجزية» (٢). ولم يفرق بين عربي وغيره وكان فيهم مجوس وغيرهم.

__________________

(١) رواه مالك في الموطأ (١ / ٢٧٨) في الزكاة من حديث عبد الرحمن بن عوف. ورجاله ثقات لكنه منقطع. محمد بن علي لم يلق عمر. وله شاهد من حديث مسلم بن العلاء الحضرمي من رواية الطبراني. بلفظ (سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب في أخذ الجزية فقط) ذكره الشوكاني في نيل الأوطار. وهو حديث حسن

(٢) ذكره ابن القيم في زاد المعاد (٣ / ٦٩٢) وقال : وكتب إلى المنذر بن ساوى. فذكر الواقدي بإسناده عن عكرمة. قال : وجدت هذا الكتاب في كتب ابن عباس بعد موته فنسخته. فإذا فيه فذكره.

٦٠