أقضية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم

محمّد بن فرج المالكي القرطبي

أقضية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم

المؤلف:

محمّد بن فرج المالكي القرطبي


المحقق: الشيخ طالب عوّاد
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ٠
ISBN: 9953-27-352-9
الصفحات: ١٤٤

وعن عروة بن الزبير وسليمان بن يسار أنهما قالا : أيما رجل مر إلى غلام يزعم أنه ابن له ، وإنه زنى بأمه ، ولم يدع ذلك الغلام أحد فهو يرثه.

واحتج سليمان بأن عمر بن الخطاب كان يليط أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام (١).

وفي مصنف عبد الرزاق قال عمرو بن شعيب : زاد في مصنف أبي داود عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قضى : أن من كان مستلحقا ادعي بعد أبيه ، ادعاه ورثته فقضى أنه إن كان من أمة أصابها وهو يملكها فقد لحق بمن استلحقه ، وليس له من ميراث أبيه الذي يدّعى له شيء ، إلا أن يورثه من استلحقه في نصيبه ، وأنه إن كان من ميراث ورثوه بعد أن ادعى فله نصيبه منه ، وقضى أنه إن كان من أمة لا يملكها أبوه الذي يدّعى له هو ادعاه فإنه ولد زنا لأهل أمة كانت حرة أو أمة والولد للفراش وللعاهر الأثلب يعني : الحجر (٢).

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

بإثبات علم الفاقة وتجويز حكم علي رضي‌الله‌عنه في ذلك

في البخاري ومسلم عن عائشة قالت : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل عليّ ذات يوم تبرق أسارير وجهه ، فقال : «ألم تري أن مجززا نظر آنفا إلى زيد بن حارثة ، وأسامة بن زيد ، وعليهما قطيفة قد غطيا رءوسهما ، وبدت أقدامهما؟ فقال : إن هذه الأقدام بعضها من بعض». (٣) من اختلاف العلماء للمروزي الذين يقولون بالقافة والحكم بهم مالك والليث والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق ، واستدل الشافعي بما معناه : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أثبته ولم ينكر ، ولو كان خطأ لأنكره لأن في ذلك قذف المحصنات ونفي الأنساب.

وفي الدلائل للأصيلي عن زيد بن أرقم : أن علي بن أبي طالب حين كان باليمن أتي بثلاثة رهط اشتركوا في ولد ، فأقرع بينهم وضمن الذي أصابته القرعة بثلثي القيامة لصاحبيه ، وجعل الولد له. قال علي : فقدمت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبرته بقضائي فضحك حتى بدت نواجذه (٤).

وفي مصنف أبي داود ونحوه من كتاب محمد بن نصر المروزي : روى يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس قال : «قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في دية مكاتب يقتل بدية الحر بقدر ما أعتق منه» (٥).

__________________

(١) رواه مالك (٢ / ٤٦٤) وإسناده منقطع.

(٢) رواه عبد الرزاق (١٩١٣٨) مرسلا ، وأبو داود (٢٢٦٥) موصولا في الطلاق. باب في ادعاء ولد الزنا.

من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وهو حديث حسن.

(٣) رواه البخاري (٣٥٥٥) ، ومسلم (١٤٥٩) ، والترمذي (٢١٣) من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها.

(٤) رواه أبو داود (٢٢٦٩) و (٢٢٧٠). من حديث زيد بن أرقم رضي‌الله‌عنه. وهو حديث صحيح.

(٥) رواه النسائي (٨ / ٤٥ و ٤٦) (٤٨٠٨ و ٤٨٠٩). وهو حديث صحيح.

١٢١

وقال ابن عباس : ويقام على المكاتب حد المملوك ، وعن حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة أن مكاتبا قتل على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يؤدي ما أدى دية الحر ، وما رق منه دية المملوك (١).

وكذلك وقع في مصنف أبي داود من كتاب ابن نصر سفيان بن عيينة عن عمر بن عوسجة عن ابن عباس : أن رجلا مات على عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم يجد له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا عبدا أعتقه ، فدفع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ميراثه إليه (٢).

حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار : أن رجلا مات ولم يدع أحدا يرثه ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ابتغوا» ، فلم يجدوا أحدا يرثه ، فدفع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ميراثه إلى رجل أعتقه الميت ، وقضى بذلك عمر بن الخطاب (٣).

وعن سليمان بن يسار قال : أتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بميراث رجل من الحبشة لم يترك ورثا ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «انظروا من كان هاهنا من مسلمة الحبشة فادفعوا ميراثه إليه» (٤).

وفي مصنف عبد الرزاق عن عمرو بن شعيب قال : قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن من كان حليفا في الجاهلية فهو على حلفه وله نصيبه من العقل والنصر يعقل عنه من حالفه وميراثه لعصبته من كانوا وقال : «لا حلف في الإسلام ، وتمسكوا بحلف الجاهلية ، فإن الله لم يزده في الإسلام إلا شدة» (٥).

وفي مصنف عبد الرزاق عن ابن جريج قال : سمعت ابن أبي حسين يقول : خاصم رجل أباه إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إن أبي يأكل من مالي ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنت ومالك لأبيك» ، ثم أمر له به ، وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «انطلق به فإن أبى عليك فأطلعني على ذلك أعنك عليه» (٦).

حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال : أخبرني عبد الكريم أن رجلا قال : يا رسول الله إن أبي يسألني مالي. قال : «فأعطه إياه». قال : إنه يريد أن أخرج له منه ، قال : «فاخرج له منه». قال ـ وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لرجل وهو يوصيه : «لا تعصى والديك وإن سألاك أن تخرج لهما من دنياك فانخلع لهما منها» (٧).

__________________

(١) رواه النسائي (٨ / ٤٦) (٤٨١٢). وهو حديث صحيح.

(٢) رواه أبو داود (٤٥٨١) من حديث ابن عباس رضي‌الله‌عنه وإسناده صحيح.

(٣) ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (٢٩٧٠٨) وقال : رواه عبد الرزاق في مصنفه.

(٤) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (١١ / ٤١٤). وهو حديث مرسل.

(٥) رواه عبد الرزاق في المصنف (١٩٢٠٠). وهو حديث منقطع.

(٦) رواه عبد الرزاق (١٦٦٣٥) مرسلا. وقد رواه ابن حبان رقم (٤١٠) من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها أن رجلا أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخاصم أباه في دين عليه : فقال نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنت ومالك لأبيك» وهو حديث صحيح.

(٧) رواه عبد الرزاق (١٦٦٣٦). وهو حديث منقطع. وابن جريج مدلس.

١٢٢

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في ميراث ذوي الأرحام

في مصنف عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم قال : جاء رجل إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له : رجل توفي وترك عمته ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الخالة والعمة» ، يرددها كذلك ، ينتظر الوحي فيهما ، فلم يأته فيهما شيء ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لم يأتني فيهما شيء» (١).

وفي حديث آخر عن صفوان بن سليم : أن رجلا جاء إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله رجل ترك خالته وعمته ما ذا لهما؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم رجل ترك خالته وعمته» ، فلم يقل في ذلك شيئا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليس لهما شيء» (٢).

وفي حديث آخر معمر عن ابن طاوس قال : سمعت بالمدينة أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الله ورسوله مولى من لا مولى له ، والخال وارث من لا وارث له» (٣). رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وفي الدلائل للأصيلي : سئل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ميراث العمة والخالة ـ وهو على جمل يسير إلى بني عمرو بن عوف ـ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «احبسوا الجمل» ثم رفع رأسه فقال : «اللهم رجل مات وترك عمته وخالته» ، ثم قال في الثانية : «أين السائل؟» ليس لهما شيء (٤). وفي حديث آخر : سئل فسار هنيهة ثم قال : «حدثني جبريل عليه‌السلام : أنه لا ميراث لهما».

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

بمنع القاتل الميراث ومن تأول أنه في قتل العمد

قال أبو محمد بن أبي زيد : لما منع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم القاتل الميراث بما أحدث من القتل ، امتنع أن يكون المريض ما بقي لزوجته من عدّتها شيء أن يمنعها من الميراث بما أحدث من الطلاق.

قال غيره : روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ليس لقاتل من

__________________

(١) رواه عبد الرزاق رقم (١٩١٠٩) والبيهقي في السنن (٦ / ٢١٢) مرسلا. وقال ابن التركماني : روى النسائي في سنته عن زيد بن أسلم لا أجد لهما شيئا. وعلى تقدير صحته معناه أنه لم ينزل عليه فيهما شيء ثم نزل.

(٢) رواه عبد الرزاق في المصنف (١٩١١١) من حديث صفوان بن سليم. وهو حديث مرسل.

(٣) رواه عبد الرزاق في المصنف (١٩١٢٢) عن ابن طاوس. وهو حديث منقطع. ورواه رقم (١٩١٢٤) عن عائشة رضي‌الله‌عنها موقوفا وهو أصح.

(٤) رواه بنحوه الحاكم في المستدرك (٤ / ٣٤٤) من حديث عبد الله بن عمر رضي‌الله‌عنهما. وفي إسناده عبد الله بن جعفر المدني : ضعيف. أقول : وله شواهد.

١٢٣

الميراث شيء» (١). قال مالك : إذا قتله خطأ ورث من المال ، ولم يرث من الدية ، وإذا قتله عمدا لم يرث من المال ولا من الدية.

وأجمع العلماء على أن قاتل العمد لا يرث شيئا من مال المقتول ، ولا من ديته ، وإنما اختلفوا في قتل الخطأ كما تقدم الذكر.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في وصية مسلم شهد عليه نصراني وفي غلام قطعت

أذنه وفي إقطاع الصلح وفيمن وجد مع امرأته رجلا

في تفسير ابن سلام قال الكلبي : كان رجل مولى لبني سهم انطلق في تجارة ومعه تميم الداري ورجل آخر ، قال ـ في الدلائل للأصيلي ـ وهو ابن براء ، قال في التفسير : وهما نصرانيان فلما حضر السهمي الموت كتب وصية وجعلها في متاعه ، ثم دفعها إليهما فقال : بلّغا هذا أهلي. فانطلقا لوجههما الذي توجها إليه ، وفتشا متاع الرجل بعد موته ، فأخذا ما أعجبهما منه ، ثم رجعا بالمال إلى أهل الميت ، فلما فتش القوم المال فقدوا بعض ما خرج به صاحبهم معه ، ونظروا في الوصية فوجدوا المال تاما ، فكلّموا تميما وصاحبه فقالوا : هل باع صاحبنا شيئا؟ فقالا : لا ، فقالوا : هل مرض فطال مرضه فأنفق على نفسه؟ فقالا : لا ـ علم لنا بما كان في وصيته ، ولكنه دفع إلينا المال فبلّغناكموه. فرفعوا الأمر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنزلت هذه الآية : (إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ) [المائدة : الآية ١٠٦] إلى آخرها. فحلفا عند منبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم دبر صلاة العصر ، ثم خلّى سبيلهما ، فاطلع على إناء من فضة منقوش مموّه بذهب عند تميم ـ قال في الدلائل : وجد بمكة ، وقال غيره : بيع بألف درهم ، فأخذ تميم خمسمائة ، وعدي بن براء خمسمائة ـ فقالوا : هذا من آنية صاحبنا الذي بدا بها معه ، وقد زعمتما أنه لم يبع شيئا ولم يشتره ، فقالا : إنا كنا قد اشتريناه ونسينا أن نخبركم به ، فرفع أمرهما إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأنزل الله عزوجل : (فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) [المائدة : الآية ١٠٧]. فقام رجلان من أولياء الميت وهما : عبد الله بن عمرو ، والمطلب بن أبي وداعة فحلفا : أن ما في وصيته حق ، ولقد خانه تميم وصاحبه ، فأخذ تميم وصاحبه بما وجد في وصيته لما اطلع الله عليه من خيانتهما (٢).

__________________

(١) رواه الدارقطني (٤ / ٩٦ و ٢٣٧) ، والبيهقي (٦ / ٢٢) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي‌الله‌عنهم. وهو حديث حسن.

(٢) رواه بنحوه الترمذي (٣٠٥٩) وقال : هذا حديث غريب. وليس إسناده بصحيح. من حديث ابن عباس. وانظر ابن كثير (ج / ١ / ١١١) باب قوله تعالى : (إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ) [المائدة : الآية ١٠٦].

١٢٤

وفي معاني القرآن للزجاج يروي أن رجلا من الأنصار كان يقال له : أبو طعمة سرق درعا وجعله في غرارة من دقيق ، وكان فيها خرق فانتثر الدقيق من مكان سرقته إلى منزله ، فظن أنه سارق الدرع ، وخيض في أمره ، فمضى بالدرع إلى رجل من اليهود فأودعها إياه ، ثم سار إلى قومه فأعلمهم أنه اتهم بالدرع واتبع أثرها فعلم أنها عند اليهودي ، وأن اليهودي سارقها ، فجاء قوم الأنصاري إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسألوه أن يعذره عند الناس ، وأعلموه أن اليهودي سرق الدرع ، فهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يعذره فأوحى الله إليه وعرّفه قصة الأنصاري أنه خائن ونهاه أن يجادل عنه ، وأمره بالاستغفار مما هم به ، وأن يحكم بما أنزل الله في كتابه. فقال : (وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) [النّساء : الآية ١٠٧]. يعني أبا طعمة ومن عاونه من قومه وهم يعلمون أنه سارق. ويروى أن أبا طعمة هرب إلى مكة وارتد عن الإسلام ، ونقب حائطا بمكة ليسرق أهله فسقط الحائط عليه فقتله (١).

وفي مصنف أبي داود : حدثنا أحمد بن حنبل ، حدثنا معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن أبي نصرة عن عمران بن حصين : أن غلاما لأناس فقراء قطع أذن غلام لأناس أغنياء ، فأتى أهله إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : يا رسول الله انا أناس فقراء. فلم يجعل عليه شيئا (٢).

وفي كتاب أبي عبيد ، قال أبو عبيد : في حديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن أبيض بن جمال المأربي استقطعه ماء الثلج بمأرب فأقطعه إياه ، فلما ولّى قال رجل : يا رسول الله أتدري ما اقتطعه إنما اقتطعه للماء العدّ. قال : فرجعه منه (٣).

وفي الموطأ : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم اقتطع لبلال بن الحارث (٤) في كتاب ابن سحنون ، وذكره ابن أبي زيد في النوادر : أنها لم تكن خطة لأحد وكانت بفلاة ، وقال الأصيلي : هي بقرب المدينة وكانت متملكة.

__________________

(١) ذكره الزجاج في معاني القرآن قوله تعالى (وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) وصدّره بقوله يروى وهو علامة ضعف. وذكره الترمذي بنحوه مطولا رقم (٣٠٣٦) وقال : هذا حديث غريب لا نعلم أحدا أسنده غير محمد بن مسلمة الحراني. وروى يونس بن بكير. وغير واحد هذا الحديث عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر عن قتادة مرسلا.

(٢) رواه أبو داود (٤٥٩٠) من حديث عمران بن الحصين رضي‌الله‌عنه وإسناده صحيح.

(٣) رواه أبو عبيد (٦٨٤) ، وأبو داود (٣٠٦٤) ، والترمذي (١٣٨٠) في الأحكام وهو حديث حسن بطرقه وشواهده.

(٤) رواه مالك في الموطأ (١ / ٢٤٨) ، وأبو داود (٣٠٦١) في الخراج والإمارة. وهو حديث مرسل ـ قال الزرقاني في شرح الموطأ : وصله البزار من طريق عبد العزيز الدراوردي عن ربيعة عن الحارث بن بلال ابن الحارث المزني عن أبيه. أقول : قال الذهبي في (الميزان) عن هذا السند في ترجمة الحارث قال أحمد بن حنبل ليس إسناده بالمعروف. وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود رقم (٢٩٣٨) وقال أبو عمر. هكذا في الموطأ عن جميع الرواة مرسلا.

١٢٥

وفي مصنف أبي داود والواضحة عن ابن عباس : أن رجلا أتى إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله إن امرأتي لا تمنع يد لامس. فقال : «طلقها» ، وفي المصنف : «غربها» ، فقال : أخاف أن تتبعها نفسي. وفي الواضحة : لا أستطيع أن أصبر عنها قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فاستمتع منها» (١). وفي حديث سعد بن عبادة أنه قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أقتله أم أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كفى بالسيف شا» ، أراد أن يقول : شاهدا فأمسك ، ثم قال : «لو لا أن يتتابع الغيران والسكران». قال أبو عبيد : التتابع : التهافت (٢).

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في الكلاب

في أحكام ابن زياد القاضي ، وكتب إليه بعض القضاة يسأله عن الكلاب فهّمنا ـ وفق الله القاضي ـ ما كشف عنه من أمر الكلاب المتخذة في الحضر ، فإنها ربما آذت وعقرت وأحدثت من جرح الصبيان ما كان ضررا ، وربما شكى إليك من ذلك ، وكثرة الشكوى ممن ابتلى ، فكتب إليه : فالذي يجب في ذلك ـ وفق الله القاضي ـ أن يأمر بقتل الكلاب إلا ما كان لصيد أو زرع أو ماشية ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من اقتنى كلبا إلا كلب صيد أو ماشية أو زرع أحبط الله من أجره قيراطا» (٣). وجاء عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه أمر بقتل الكلاب (٤).

وقد أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتل الكلاب ، فبلغ المأمور بيت امرأة عمياء لها كلب ، فأراد قتله فاعترضت المرأة وقالت : إني كما تراني عمياء فهو يطرد عني السباع ويؤذنني بالأذان ، فعاد إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأعلمه أمرها ، فأمر بقتله ، ولم ير لها عذرا فيما اعتذرت به ، ثم قال بذلك محمد بن عمر بن لبابة ومن حضر من أهل العلم (٥).

__________________

(١) رواه أبو داود (٢٠٤٩) ، والنسائي (٦ / ٦٧) وقال النسائي : هذا الحديث ليس بثابت. وذكر أن المرسل فيه أولى بالصواب : أقول : ذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره في أول تفسير سورة النور. وجوّد إسناده ثم قال : وقد اختلف الناس في هذا الحديث ما بين مضعّف له كما تقدم عن النسائي ومنكر كما قال أحمد. وانظر ما قاله الحافظ ابن حجر في التلخيص (٣ / ٢٥٣) حول هذا الحديث.

(٢) رواه أبو داود (٤٤١٧) ، وابن ماجه (٢٦٠٦) من حديث عبادة بن الصامت رضي‌الله‌عنه. وفي إسناده ضعف.

(٣) رواه البخاري (٢٣٢٢) ، ومسلم (١٥٧٥) من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه.

(٤) رواه البخاري (٣٣٢٣) ، ومسلم (١٥٧٠) و (٤٣) ، وابن ماجه (٣٢٠٢) من حديث ابن عمر رضي‌الله‌عنهما.

(٥) رواه البيهقي بنحوه في السنن (٦ / ٨) من حديث ابن عمر رضي‌الله‌عنهما. وإسناده صحيح.

١٢٦

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في حريم الماء

في النوادر لابن أبي زيد قال ابن نافع : بلغني في حريم البئر العادية خمسون ذراعا ، وفي البئر البادية خمس وعشرون ذراعا. أخبرنيه ابن أبي ذئب (١) عن ابن شهاب ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال أشهب : وقد ذكر هذا الحديث عن سفيان ، عن ابن شهاب ، عن ابن المسيب ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «في حريم بئر الزرع خمسمائة ذراع».

قال ابن شهاب : لا أدري حريم بئر الزرع هو في الحديث ، أو من قول سعيد ، وذكر ابن وهب الحديث عن يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب ، وذكره في البئر العادية والبئر البادية مثل ما تقدم من نواحيها. وقال : «في بئر الزرع ثلاثمائة ذراع من نواحيها» (٢).

قال ابن شهاب : وسمعت أنهم يقولون حريم العيون خمسمائة ذراع ، وكان يقال : الأنهار ألف ذراع. وكان بئر الزرع بالناضج ثلاثمائة ذراع ، وقال ابن شهاب عمن أدرك من العلماء : كانوا يقضون في غياض العيون في رفاق من الأرض تسعمائة ذراع ، فإن كانت صلبة من الأرض فأربعمائة ذراع وخمسون ذراعا.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في الوكيل يربح فيما وكل على ابتياعه أن الربح لصاحب المال

في الواضحة : وحدثني ابن المغيرة عن سفيان الثوري ، عن أبي حصين عن حكيم بن حزام : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث معه بديا نار يشتري به له أضحية ، فاشتراها بديا نار وباعها بديا نارين ، واشترى له أضحية أخرى بديا نار ، فجاء بها والديا نار الفاضل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فتصدق به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ودعا بالبركة في تجارته (٣).

قال في غير الواضحة : فلو اشترى ترابا لربح فيه.

وفي البخاري في باب سؤال المشركين أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر في كتاب بينات النبوة (٤).

وفي كتاب ابن شعبان : أن عروة البارقي أعطاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دينارا يشتري له بها أضحية ،

__________________

(١) رواه البيهقي (٦ / ١٥٥) من حديث سعيد بن المسيب موقوفا عليه.

(٢) رواه البيهقي (٦ / ١٥٦) مرفوعا. وهو حديث مرسل.

(٣) رواه البيهقي (٦ / ١١٢ و ١١٣) وفي إسناده رجل مجهول. ويشهد له حديث عروة الآتي بعده.

(٤) رواه البخاري (٣٦٣٦) من حديث عبد الله بن مسعود و (٣٦٣٧) من حديث أنس رضي‌الله‌عنه و (٣٦٣٨) من حديث ابن عباس رضي‌الله‌عنهما. وهو حديث متواتر.

١٢٧

فاشترى به أضحيتين فباع إحداهما بديا نار وجاءه بالديانار وبالأضحية. قال : فدعا له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالبركة في بيعه ، فكان لو اشترى التراب لربح فيه (١).

وذكر ابن شعبان عن حكيم نحوه بخلاف ما وقع في الواضحة عن حكيم ، والأصح عن حكيم ما وقع في الواضحة ، وأجمع المسلمون على إجازة الوكالة على تقاضي مال وجب للموكل ، أو على دفع مال وجب على دافعه والأصل في ذلك إرسال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم السعاة لقبض الصدقات ، وإرساله الولاة لقبض أموال المسلمين الواجبة لهم ، وأن بلالا كان على نفقات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في معان مختلفة

في البخاري ومسلم أن رجلا اطلع في حجر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وفي حديث آخر ـ في حجرة في دار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مذرى يحك به رأسه ، فلما رآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «لو أعلم أنك تنظرني لطعنت به في عينيك ، إنما جعل الإذن من قبل البصر» (٢). وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة فقلعت عينه ، لم يكن عليك جناح» (٣).

وثبت أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم نفى الحكم بن أبي العاصي والد مروان عن المدينة ، وصار إلى الطائف حتى قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبقي كذلك مدة خلافة أبي بكر ، فلما ولي عمر نفاه أيضا إلى أبعد من المكان الذي كان نفاه إليه أبو بكر ، وبقي مدة خلافة عمر ، فلما ولي عثمان رده إلى المدينة ، فلما دخل عليه قال عثمان : مرحبا بالغريب القريب.

وذكر المبرد في كتابه الكامل : أن عثمان استأذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الحكم في ردّه متى أفضى إليه الأمر. وروى ذلك الفقهاء وذكر أحمد بن خالد : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما تزوج أم سلمة قال لها : «إني أهديت إلى النجاشي حلّة وأواقي مسك ، ولا أرى النجاشي إلا قد مات ، فإن ردت علي فهي لك» ، فكان كما قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأعطى كل امرأة من نسائه أوقية مسك ، وأعطى أم سلمة باقي المسك والحلة (٤).

__________________

(١) رواه البخاري (٣٦٤٢) ، وأحمد (٤ / ٣٧٦) ، والبيهقي (٦ / ١١٢). من حديث عروة البارقي رضي‌الله‌عنه.

(٢) رواه البخاري (٥٩٢٤) ، ومسلم (٢١٦٥) ، والترمذي (٢٧١٠) ، والنسائي (٧ / ٦٠ و ٦١) من حديث سهل بن سعد رضي‌الله‌عنه.

(٣) رواه البخاري (٦٨٨٨ و ٢١٥٨) ، وأبو داود (٥١٧٢) من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه.

(٤) رواه الحاكم (٢ / ١٨٨) وصححه وقال الحافظ في التلخيص : منكر. ومسلم الزنجي ضعيف. ورواه أحمد (٦ / ٤٤٠) ، وذكره الهيثمي (٤ / ١٤٧ و ١٤٨) وقال : رواه أحمد والطبراني. وفيه مسلم بن خالد ـ

١٢٨

قال أحمد : وفي هذا دليل على الرجوع في الهبة إذا لم تقبض ، والرجوع في الصدقة لا يحل لنهي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذلك.

ووقع في البخاري أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «العائد في هبته كالكلب يقيئ ثم يعود في قيئه» (١).

ووقع أيضا في المدونة والواضحة وفي البخاري وغيره عن أبي هريرة قال : بعثنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بعث وقال لنا : «إن لقيتم فلانا وفلانا» لرجلين من قريش سماهما «تحرقوهما بالنار» ، ثم أتيناه نودعه حين أردنا الخروج فقال : «إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا بالنار ، وإن النار لا يعذب بها إلا الله فإن أخذتموهما فاقتلوهما». وأحد الرجلين : هبار بن الأسود ، والآخر : نافع ابن عبد عمر (٢).

وفيما ذكره البزار في مسنده ، وذكره ابن إسحاق في السير : إن اسمه نافع بن عبد شمس الفهري ، وكانا قد اتبعا زينب ابنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد وقعة بدر في خروجها إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة من مكة في جملة من قريش تبعوها ، فأول من لحقها : هبّار وصاحبه بذي طوى ، وهي حامل في هودج على بعير ، فنخس هبار البعير فسقطت زينب وألقت ما في بطنها ، وكان حموها كنانة بن الربيع أخو زوجها أبي العاصي بن الربيع خرج معها يقود بها ومعه قوسه وكنانته ، فلما أدركوه ترك كنته ، ونثر كنانته ، ثم قال : والله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهما ، فتكركر الناس عنه. وأتى أبو سفيان في جملة من قريش فقال : أيها الرجل كف عني نبلك حتى أكلمك. فأقبل أبو سفيان حتى وقف عليه فقال : إنك لم تصب ، خرجت بالمرأة على رءوس الناس علانية وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا ، وما دخل علينا من محمد فيظن الناس إذا خرجت بابنته علانية على رءوس من بين أظهرنا أن ذلك من ذل أصابنا عن معصيتنا التي كانت ، وإن ذلك منا عن ضعف ووهن. فو الله ما لنا في تخلّيها عن أبيها من حاجة ، وما لنا في ذلك من ثورة ، ولكن ارجع بالمرأة حتى إذا هدأت الأصوات وتحدّث الناس : أن قد رددناها ، فسلّها سرا ، وألحقها بأبيها ، ففعل ، فأقامت ليالي حتى إذا هدأت الأصوات ، خرج بها ليلا حتى أسلمها إلى زيد بن حارثة وصاحبه ، وكانا قد خرجا معه وكمنا ببعض تلك الشعب ، فقدما بها على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣).

وفي السير : أول من رمى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الإسلام بالمنجنيق أهل الطائف. دخل نفر من

__________________

الزنجي وثقه ابن معين وغيره. وضعفه جماعة. وأم موسى بن عقبة لم أعرفها. وباقي رجاله ثقات من حديث أم كلثوم بنت أم سلمة رضي‌الله‌عنها.

(١) رواه البخاري (٢٥٨٩) ، ومسلم (١٦٢٢) ، والترمذي (١٢٨٩) من حديث ابن عباس رضي‌الله‌عنهما.

(٢) رواه البخاري (٢٩٥٤) معلقا ، و (٣٠١٦) موصولا ، وأبو داود (٢٦٧٤) ، والترمذي (١٥٧١) من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه.

(٣) رواه ابن أبي شيبة (١٢ / ٣٨٩) ، وابن عساكر من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه.

١٢٩

أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تحت دبابة ثم زحفوا بها إلى جدار الطائف ليخرقوه ، فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار ، فخرجوا من تحتها فرمتهم ثقيف بالنبل فقتلوا منهم رجالا ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقطع أعناب ثقيف ، فوقع الناس فيها يقطعون ، وتقدم أبو سفيان والمغيرة بن شعبة إلى الطائف فنادى : يا ثقيف أن آمنوا حتى نكلّمكم ، فامنوهما فدعا من قريش وبني كنانة ليخرجن إليهما وهما يخافان عليهما السبي فأتين منهن : آمنة بنت أبي سفيان كانت عند عروة بن مسعود له منها داود بن عروة بن مسعود فولدت له داود بن أبي مرة ، فلما أتين عليهما قال لهما ابن الأسود بن مسعود : يا أبا سفيان ويا أبا مغيرة ألا أدلكما على خير مما جئتما له ، إن مال بني الأسود حيث قد علمنا ـ وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينه وبين الطائف نازلا بواد يقال له العقيق ، إنه ليس بالطائف مال أبعد رشاء ، ولا أشد مئونة ، ولا أبعد عمارة من مال بني الأسود ، وأن محمدا كان أقطعه لم يعمره أبدا ـ فكلماه فليأخذه لنفسه ، أو ليدعه لله والرحم. وأن بيننا وبينه من القرابة ما لا يجهل ، فزعموا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تركه ونزل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في إقامته ـ وكان محاصرا بالطائف ـ عبيد فأسلموا فأعتقهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتكلم نفر من أهل الطائف بعد ما أسلموا في أولئك العبيد فقال : «هم عتقاء الله» (١).

وفي البخاري أن مروان والمسور بن مخرمة أخبرا عروة أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قام حين جاء وفد هوازن فسألوه أن يردّ عليهم أموالهم وسبيهم ، فقال : «إن معي من ترون وأحب الحديث إليّ أصدقه ، فاختاروا إحدى الطائفتين ، إما المال وإما السبي ، وقد كنت استأنيت بهم» ـ وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم استأنى بهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف ـ فلما تبين لهم أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين قالوا : فإنّما نختار سبينا ، فقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله. ثم قال : «أما بعد : فإن إخوانكم جاءونا تائبين وإني رأيت أن أرد إليهم سبيهم ، فمن أحب منكم أن يطيب بذلك فليفعل ، ومن أحب أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل» ، فقال الناس : طبنا ، فقال : «إنا لا ندري من أذن منكم ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم» فرجع الناس ، فكلمهم عرفاؤهم ثم رجعوا إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبروه أنهم طيبوا وأذنوا فهذا الذي بلغنا عن سبي هوازن (٢).

من الفقه هبة الشيء للغائب ذكره البخاري ، اختلاف العلماء في أوامر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونواهيه قال أصحاب الظاهر وبعض أهل الحديث : أوامر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرض ، ونواهيه حرام. جعلوا قوله كالقرآن ، وقال آخرون : أوامره على ما تلقاها العلماء فما حملوه على الفرض فهو فرض ، وما حملوه على السنة أو على الندب فهو كذلك ، ونواهيه حرام وهذا مذهب أصحاب مالك.

ويؤيد ذلك أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه ثلاثا قبل أن

__________________

(١) رواه الطبري (٣ / ٨٢) ، وابن هشام (٢ / ٣٠٢ و ٣٠٣) ، ومغازي الواقدي (٩٢٢) ، وابن سعد (٢ / ١٢٠).

(٢) رواه البخاري (٢٥٣٩ و ٢٥٤٠) ، وأبو داود (٢٦٩٣).

١٣٠

يدخلها في وضوئه فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» (١).

وقال عليه‌السلام : «من توضأ فليستنثر ومن استجمر فليوتر» (٢).

وليس غسل اليدين عند القيام من النوم والاستنثار بفرض عند أكثر العلماء ، ومثل هذا من أوامره عليه‌السلام كثير ليست فرضا كقوله : «وإذا قال الامام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد» (٣).

وفي حديث آخر : «إذا أمن الإمام فأمنوا (٤) وإذا سمعتم المؤذن يؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن» (٥) وكأمره بإغلاق الباب ، وإيكاء السقاء ، وإكفاء الإناء وإطفاء المصباح (٦).

وكقوله : «أعطوا السائل ولو جاء على فرس» (٧).

وكقوله : «إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين» (٨) إنما هي آداب ورغائب : وأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد قال : «إذا أمرتكم بأمر أو قال بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه كله» (٩).

ومما يؤيد مذهب مالك ـ رحمه‌الله ـ أن أوامر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ما تلقاها الصحابة ـ رضي‌الله‌عنهم ـ ما رواه أبو هريرة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يمنع أحدكم جاره خشبة يغرزها في جداره» ، ثم

__________________

(١) رواه أحمد (٢ / ٢٤١) ، ومسلم (٢٧٨) ، والترمذي (٢٤) ، وابن ماجه (٣٩٣) من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه.

(٢) رواه أحمد (٢ / ٤٠١) ، والبخاري (١٦١) ، ومسلم (٢٣٧ و ٢٢) ، وابن ماجه (٤٠٩) ، وأبو داود (١٤٠) ، وابن حبان (١٤٣٨) من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه.

(٣) رواه أحمد (٢ / ٤٥٩) ، والبخاري (٧٩٦ و ٣٢٢٨) ، ومسلم (٤٠٩) ، وأبو داود (٨٨٤) ، والترمذي (٢٦٧) ، وابن حبان (١٩٠٧) من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه.

(٤) رواه البخاري (٧٨٠) ، ومسلم (٤٠٩ و ٤١٠) ، وأبو داود (٩٣٤ و ٩٣٥) ، والترمذي (٢٥٠) من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه.

(٥) رواه مسلم (٣٨٤) ، وأبو داود (٥٢٣) ، وابن خزيمة (٤١٨) ، وابن حبان (١٦٩١) من حديث عبد الله ابن عمرو بن العاص رضي‌الله‌عنهما.

(٦) رواه البخاري (٣٢٨٠) ، ومسلم (٢٠١٢) ، وأبو داود (٣٧٣١) و (٣٧٣٢) ، والترمذي (١٨٦٣) من حديث جابر رضي‌الله‌عنه.

(٧) رواه مالك (٩٩٦) من حديث زيد بن أسلم. وهو مرسل ورواه ابن عدي في الكامل (٤ / ١٨٧) في ترجمة عبد الله بن زيد بن أسلم. من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه. وفي إسناده عبد الله بن زيد بن أسلم ضعيف. وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال رقم (٦٢٥٠) من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه. وفي إسناده عمر بن يزيد الأزدي منكر الحديث كما قال ابن عدي. وللحديث شواهد فهو بها حسن.

(٨) رواه مسلم (٢٠٩٧) ، والموطأ (٢ / ٩١٦) ، وأبو داود (٤١٣٩) من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه.

(٩) رواه أحمد (٢ / ٤٨٢) ، والنسائي (٥ / ١١٠) من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه وهو حديث صحيح.

١٣١

يقول أبو هريرة : ما لي أراكم عنها معرضين ، والله لأرمين بها بين أظهركم (١) ، وأمره عليه‌السلام : بغسل الجمعة ولم يتلق ذلك الصحابة على الفرض.

ونهيه عن الخليطين (٢) ، ونهيه عن القران في التمر (٣) ، وعن الأكل من رأس الثريد ، وعن التعريس على الطريق (٤) ، وشبه ذلك من نواهيه عليه‌السلام.

ومما تلقاه العلماء على التحريم من نواهيه عليه‌السلام : نهيه عن الذهب بالفضة إلى أجل (٥).

ونهيه عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها (٦) ، ونهيه عن بيع الطعام حتى يستوي ، وعن بيع ما في البطون (٧) ، وعن بيع العربون (٨) ، وعن بيع المزابنة ، وعن المحاقلة والمخابرة (٩) ، ونهيه عن أن تصبر البهائم (١٠) ، وعن المثلة (١١) ، وعن التحريش بين البهائم (١٢) ، وعن تعبير النجوم ، وعن التصاوير إلا ما كان رقما في ثوب. وعن صيام يوم الفطر والأضحى (١٣) والشك (١٤) ، وغير ذلك كثير.

__________________

(١) رواه البخاري (٢٤٦٣) ، ومسلم (١٦٠٩) ، وأبو داود (٣٦٣٤) من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه.

(٢) رواه البخاري (٥٦٠١) ، ومسلم (١٩٨٦) ، وأبو داود (٣٧٠٣) من حديث جابر رضي‌الله‌عنهما بلفظ (نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الزبيب والتمر والبسر والرطب أن يجمع).

(٣) رواه البخاري (٢٤٨٩) ، ومسلم (٢٠٤٥) ، وأبو داود (٣٨٣٤) من حديث عبد الله بن عمر رضي‌الله‌عنهما.

(٤) رواه مالك في الموطأ (٢ / ٩٧٩) وهو حديث مرسل. قال الزرقاني في شرح الموطأ ـ قال ابن عبد البر.

هذا الحديث مسند من وجوه كثيرة. وهي أحاديث شتى محفوظة. أقول : وللحديث شواهد منها ما رواه مسلم رقم (١٩٢٦) في الإمارة.

(٥) رواه البخاري (٢١٨٠) ، ومسلم (١٥٨٩) من حديث زيد بن أرقم رضي‌الله‌عنه بلفظ (نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن بيع الذهب بالورق دينا).

(٦) رواه البخاري (٢١٨٣) ، ومسلم (١٥٣٤) من حديث ابن عمر رضي‌الله‌عنهما.

(٧) رواه البيهقي (٥ / ٣٣٨). من حديث أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه. وإسناده ضعيف.

(٨) رواه مالك في الموطأ (٢ / ٦٠٩) ، وأبو داود (٣٥٠٢) ، وابن ماجه (٢١٩٢) قال الحافظ في التلخيص (٣ / ١٧) : وفيه راو لم يسم وسمي في رواية ضعيفة لابن ماجه (٢١٩٣) عبد الله بن عامر الأسلمي.

وقيل ابن لهيعة. وهما ضعيفان.

(٩) رواه البخاري (٢١٨٦) ، ومسلم (١٥٤٦) من حديث أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه.

(١٠) رواه البخاري (٥٥١٣) ، ومسلم (١٩٥٦) من حديث أنس رضي‌الله‌عنه.

(١١) رواه البخاري (٢٤٧٤) من حديث عبد الله بن زيد الأنصاري رضي‌الله‌عنه.

(١٢) رواه أبو داود (٢٥٦٢) ، والترمذي (١٧٠٨) من حديث ابن عباس رضي‌الله‌عنهما وإسناده ضعيف.

(١٣) رواه ابن ماجه (١٧٣١) من حديث أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه وهو حديث صحيح.

(١٤) رواه الترمذي (٦٨٦) ، والنسائي (٤ / ١٥٣) ، وابن خزيمة (١٩١٤) من حديث عمار بن ياسر رضي‌الله‌عنه. وهو حديث صحيح.

١٣٢

ومما اختلفوا فيه : نهيه عن الشغار (١) ، ونهيه عن أكل كل ذي ناب من السباع (٢) ، وعن الوصال (٣) ، وعن اشتمال الصماء (٤) ، وعن المتعة (٥) ، وعن تلقي الركبان للبيع (٦) ، وعن الحكرة (٧) ، وعن ثمن الكلب (٨) ، وعن الانتباذ في الدباء والمزفت (٩). فتلقاه أكثرهم على التحريم إلا اشتمال الصماء إذا كان عليه ثوب فهو أخف ، وأختلف فيه قول مالك : فإن لم يكن عليه ثوب آخر فهو حرام لأن فيه انكشاف العورة ، ويبينه نهيه عليه‌السلام عن أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء.

وفي البخاري في كتاب البيوع عن أبي هريرة قال : نهى عن لبستين : عن اشتمال الصماء ، وعن أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ثم يرفعه على منكبيه (١٠).

ونهيه عن أكل لحوم الحمر الأهلية (١١) ، قال عبد الله بن أبي أوفى فقلنا : إنما نهى عليه‌السلام عنها لأنها لم تخمّس ، وقال آخرون حرّمها البتة ، وسألت سعيد بن جبير فقال : حرّمها البتة. ذكره البخاري في كتاب الجهاد.

(نسب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم)

محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

__________________

(١) رواه البخاري (٥١١٢) ، ومسلم (١٤١٥ و ٥٧) ، وأبو داود (٢٠٧٤) ، وابن ماجه (١٨٨٣) من حديث ابن عمر رضي‌الله‌عنهما.

(٢) رواه مسلم (١٩٣٤) ، والبغوي (٢٧٩٥) ، وابن حبان (٥٢٨٠) من حديث ابن عباس رضي‌الله‌عنهما.

(٣) رواه البخاري (١٩٦٣) ، وأبو داود (٢٣٦١) من حديث أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه.

(٤) رواه البخاري (٣٦٧) ، ومسلم (١٥١٢) ، والنسائي (٨ / ٢١٠) من حديث أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه.

(٥) رواه البخاري (٤٢١٦) ، ومسلم (١٤٠٧ و ٢٩) ، والنسائي (٦ / ١٢٦) من حديث علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه.

(٦) رواه البخاري (٢١٦٥) ، ومسلم (١٥١٧) ، وأبو داود (٣٤٣٦) من حديث ابن عمر رضي‌الله‌عنهما.

(٧) رواه ابن عدي في الكامل (٣ / ١٣٥) في ترجمة الربيع بن حبيب من حديث علي رضي‌الله‌عنه وفي إسناده الربيع بن حبيب ـ قال النسائي : منكر الحديث.

(٨) رواه البخاري (٥٣٤٦) ، ومسلم (١٥٦٧) ، وأبو داود (٣٤٢١) من حديث أبي مسعود رضي‌الله‌عنه.

(٩) رواه البخاري (٥٥٩٤) ، ومسلم (١٩٩٤) من حديث علي رضي‌الله‌عنه.

(١٠) رواه البخاري (٢١٤٥) ، من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه.

(١١) رواه البخاري (٥٥٢١) ، ومسلم (٥٦١) ، والنسائي (٧ / ٢٠٣) من حديث عبد الله بن عمر رضي‌الله‌عنهما.

١٣٣

قال الفاكهي (١) : البيت الذي ولد فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة كان في دار محمد بن يوسف أخي الحجاج ، فلم يزل على حاله حتى قدمت أم الخليفتين موسى وهارون وهي الخيزران فجعلته مسجدا يصلّى فيه ، وأخرجته من الدار.

وذكر بعض المكيين : أن ناسا سكنوا هذا البيت ثم انتقلوا منه فقالوا : والله ما أصابتنا فيه جائحة ولا حاجة ، فلما خرجنا منه اشتد علينا الزمان.

قال عبد الله بن العباس : بعثني أبي العباس إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فبت عنده ، فسمعته يدعو : اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي ، وتجمع بها شملي ، وتلم بها شعثي ، وترد بها الفتن عني ، وتصلح بها حالي ، وتحفظ بها غائبي ، وترفع بها شاهدي ، وتبيض بها وجهي ، وتزكي بها عملي ، وتلهمني بها رشدي ، وتعصمني بها من كل سوء. اللهم أعطني إيمانا صادقا ، ويقينا ليس بعده كفر ، ورحمة أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة ، اللهم إني أسألك الفوز عند القضاء ، ونزل الشهداء وعيش السعداء ، ومرافقة الأنبياء ، والنصر على الأعداء (٢).

ولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الإثنين بمكة ، لثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول عام الفيل يوم عشرين من نيسان ، ونبئ يوم الإثنين وهو ابن أربعين سنة. قاله مالك وغيره من أهل العلم.

قال البرقي محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم ويقال : أنزل عليه القرآن وهو ابن ثلاث وأربعين سنة.

قال مالك توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول ، وهو ابن ستين سنة. رواه مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس (٣).

وذكر البخاري عن عروة عن عائشة : أنه توفي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ابن ثلاث وستين سنة. أقام بمكة خمس عشرة سنة ، وبالمدينة عشرا (٤). وزاد ابن عبد البر في كتاب التمهيد : أن الوليد بن مسلم روى عن شعيب عن عطاء الخراساني عن عكرمة عن ابن عباس أن عبد المطلب ختن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم سابعه ، وجعل له مأدبة وسماه محمدا. وفيما روي عن ابن وضاح فقالت قريش : لم سميته محمدا وتركت اسمك وأسماء آبائك؟ فقال : ليحمده أهل السموات والأرض.

__________________

(١) الفاكهي ـ هو أبو محمد الفاكهي ـ عبد الله بن محمد بن العباس المكي. صاحب أبي يحيى بن أبي ميسرة ـ كان أسند من بقي بمكة توفي رحمه‌الله سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة ه.

(٢) رواه الترمذي (٣٤١٩) في الدعوات مطولا بنحوه. وقال الترمذي : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي ليلى من هذا الوجه. وابن خزيمة (١١١٩) وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى سيّئ الحفظ جدا. كما قال الحافظ.

(٣) رواه مالك في الموطأ (١٩٢٥) من حديث أنس رضي‌الله‌عنه وهو حديث صحيح.

(٤) رواه البخاري (٤٤٦٦) ، والترمذي (٣٦٥٤) من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها.

١٣٤

(ذكر ما كفن فيه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم)

ومن غسله ولحده

في الموطأ وغيره أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كفّن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة ، ويقال أحدهما حبرة (١) ذكره ابن أبي زيد في النوادر ، وسحول قرية من قرى اليمن. وقالت عائشة : أحدها الثوب الذي مرّض فيه ـ رواه ابن مفرّح عن أبي منصور محمد بن سعد عن سفيان بن موسى عن أيوب عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن عائشة ـ وإنهم لما أرادوا غسله أرادوا أن ينزعوا القميص الذي كان عليه ، فسمعوا صوتا : لا تنزعوا القميص. فغسل وهو عليه (٢).

وفي الواضحة وغيرها : أن الزهري روى عن سعيد بن المسيب : أن الذين غسلوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأدخلوه في قبره : وعلي بن أبي طالب ، والفضل بن العباس ، وشقران مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. واسم شقران صالح ، وقال الشعبي : الرابع عبد الرحمن بن عوف ، وقال موسى ابن عقبة : الرابع أسامة بن زيد (٣).

وفي السير لابن هشام أن علي بن أبي طالب ، والعباس ، والفضل بن العباس ، وقثم بن العباس ، وأسامة بن زيد ، وشقران ، مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هم تولوا غسله. وأن علي بن أبي طالب أسنده إلى صدره ، والعباس والفضل وقثم يقلبونه معه ، وأسامة وشقران يصبان الماء عليه ، وعلي يغسله وعليه قميص يدلكه به من ورائه لا يفضي يده إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وعلي يقول : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما أطيبك حيا وميتا. وغسل من بئر لسعيد بن جثامة بقباء يقال لها : بئر القدس (٤).

وقال ابن إسحاق : وكفّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ثوبين صحاريين وبرد حبرة أدرج فيها إدراجا (٥).

وفي الموطأ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم توفي يوم الإثنين ، ودفن يوم الثلاثاء ، وصلى الناس عليه أفرادا لا يؤمهم أحد فقال ناس : يدفن عند المنبر ، وقال آخرون : بالبقيع ، فجاء أبو بكر فقال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «ما دفن نبيّ قط إلا في مكانه الذي توفي فيه». فحفر له وكان

__________________

(١) رواه مالك (١ / ٣٩٩) من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها.

(٢) رواه مالك (٩٧١) وإسناده صحيح.

(٣) رواه ابن سعد (٢ / ٢١٢) وهو حديث مرسل.

(٤) ذكره ابن هشام (ج / ٢ / ٦٦٢) ـ وقال : وقال ابن إسحاق. وذكره بدون سند.

(٥) ذكره ابن هشام (٢ / ٦٦٣) وذكره بدون سند.

١٣٥

بالمدينة رجلان أحدهما يلحد والآخر لا يلحد فقالوا : أيهما جاء أولا عمل عمله ، فجاء الذي يلحد فلحد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

وفي غير الموطأ : الذي يلحد أبو طلحة الأنصاري ، والذي لا يلحد أبو عبيدة بن الجراح.

وفي السير : فرفع فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فحفر له تحته ثم دخل الناس على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلون عليه أرسالا : الرجال حتى فرغوا ، ثم دخل النساء حتى إذا فرغ النساء دخل الصبيان ، ثم دفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢).

وفي مختصر ابن أبي زيد في آخر كتاب الجامع قال ابن عقبة : توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وشرف وكرم في بيت عائشة وفي يومها وعلى صدرها حين اشتد الضحى.

قال مالك يوم الإثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول ودفن يوم الثلاثاء ، وقيل : دفن حين زاغت الشمس ، وغسله العباس وعلي والفضل بن العباس وشقران مولاه ، ويقال صالح مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونزلوا في حفرته ويقال : ومعهم أسامة وأوس بن خولة ، وبدأ وجعه في بيت ميمونة ابنة الحارث يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من شهر صفر ، ثم انتقل إلى عائشة فمرّض عندها حتى مات صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وصلى أبو بكر بالناس في مرضه بأمره عليه الصلاة والسلام سبع عشرة صلاة ، وفي كتاب الآجرّيّ تسعة أيام.

__________________

(١) رواه مالك (٩٧٢) وهو حديث مرسل.

(٢) ذكره ابن سعد (٢ / ٢٢٠) ، وابن هشام (٢ / ٦٦٣).

١٣٦

[مصادر الكتاب وأسانيده]

قال الفقيه أبو عبد الله محمد بن فرج ـ أكرمه الله ـ : الذي حملني على جمع هذا الكتاب أنني وجدت لأبي بكر بن أبي شيبة صاحب المسند ـ رحمه‌الله ـ كتابا من تصنيفه ترجمه بكتاب : أقضية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم يذكر فيه إلا أقضية قليلة وهو كتاب صغير ، ورأيت فيما روى أبو محمد الباجي عن أحمد بن خالد عن ابن وضاح قال : سمعت أبا بكر بن أبي شيبة يقول : نظرنا فيما قضى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأمر بالقضاء فيه فلم نجده إلا نحو مائة حديث. فرأيت أن أتتبع أقضيته صلى‌الله‌عليه‌وسلم تبركا بها ومحبة فيها ، حرصا على الاقتداء بها ، ووقوفا عند أوامره ونواهيه لقول الله تعالى : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر : الآية ٧] ، وقال الله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [النّور : الآية ٦٣].

فاستخرجتها من موطأ ابن أنس رحمه‌الله ، وتفسير ابن سلام ، ومعاني الزجاج ، والنحاس ، والمفضل ، والأحكام لإسماعيل القاضي ، والهداية لمكي ، ومن مصنف البخاري ، وكتاب مسلم ، ومصنف عبد الرزاق ، ومصنف أبي داود ، ومصنف النسائي ، ومسند أبي شيبة ، ومسند البزار ، والسير لابن هشام ، وشرح الحديث لأبي عبيد ، وللخطابي ، والكامل ، والمدونة ، ومختصر المدونة ، والمستخرجة ، والواضحة ، والنوادر ، وكتاب ابن شعبان ، والدلائل للأصيلي ، وأحكام ابن زياد ، وتاريخ ابن أبي خيثمة ، وشرف المصطفى ، وكتاب الأموال لأبي عبيد ، وكتاب الأموال لإسماعيل القاضي ، وكتاب محمد بن نصر المروزي ، وتفسير الموطأ لابن مزين ، وللداودي ، وللقنازعي. فذلك أربعة وثلاثون ديوانا والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وسلم تسليما.

فما وقع فيه من الموطأ فحدثني به القاضي بقرطبة يونس بن عبد الله بن مغيث ، عن أبي عيسى يحيى بن عبد الله بن أبي عيسى ، عن عمه ، عن أبيه عبيد الله بن يحيى ، عن أبيه يحيى بن يحيى ، عن مالك.

وحدثني بمصنف النسائي القاضي يونس المذكور عن القرشي أبي بكر محمد بن معاوية المعروف بابن الأحمر ، عن النسائي أحمد بن شعيب.

وحدثني بمصنف البخاري أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عابد ، عن أبي محمد عبد الله ابن إبراهيم الأصيلي ، عن أبي زيد محمد بن أحمد المروزي ، عن أبي عبد الله محمد بن يوسف العزبري ، عن أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري.

وحدثني بكتاب مسلم الفقيه المقرئ أبو محمد مكي بن أبي طالب ، عن أبي العباس

١٣٧

أحمد بن محمد بن زكريا النسوي ، عن محمد بن إبراهيم بن محمد بن سفيان ، عن أبي الحسين مسلم بن الحجاج.

وحدثني بمصنف أبي داود أبو محمد الفقيه عبد الله بن الوليد الأندلسي القرطبي بمصر إجازة سيقت لي من عنده. قال : حدثني أبو موسى عيسى بن حنيف القروي بالقيروان ، عن أبي بكر محمد بن راسة ، عن أبي داود.

وحدثني بمصنف عبد الرزاق أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عابد ، عن القاضي أبي عبد الله محمد بن مفرج قاضي مانقه ، عن القاضي بصنعا عبد الأعلى بن محمد عن إسحاق بن إبراهيم بن عباد الديري قال : قرأنا على عبد الرزاق بن همام.

وحدثني بمسند ابن أبي شيبة الفقيه أبو القاسم حاتم بن محمد الطرابلسي ، عن أحمد بن محمد المقرئ الطلمنكي ، عن ابن عون الله عن قاسم بن أصبغ ، عن ابن وضاح ، عن عبد الله ابن محمد بن أبي شيبة بن أبي بكر.

وحدثني بمسند البزار الفقيه المذكور حاتم بن محمد الطلمنكي بن مفرج القاضي المعافري ، عن الصموت ، عن البزار أحمد بن عمرو بن عبد الخالق.

وحدثني بالسير لابن هشام : أبو محمد بن الوليد المذكور ، عن أبي محمد عبد الله بن محمد القروي اللمامي ، عن عبد الله بن جعفر بن الوليد ، عن عبد الرحيم البري ، عن ابن هشام ، وحدثني ابن الوليد المذكور بغريب الحديث لأبي عبيد ، عن الحسن بن إبراهيم عن أبي بكر أحمد بن أبي الموت المكي ، عن علي بن عبد العزيز ، عن أبي عبيد القاسم بن سلام.

وحدثني بمعاني الزجاج عن أحمد بن علي بن الحسن المعروف بالكسائي قال : قرأت على أبي الحسن أحمد بن محمد الحسين المقرئ البغدادي قال : قال أبو إسحاق : قال أبو العباس :

وحدثني بها أيضا أبو علي السنوي عن الزجاج.

وحدثني ابن الوليد بمعاني النحاس ، عن أبي الحسن علي بن إبراهيم الحوفي ، عن أبي بكر محمد بن علي الأدفوي عن النحاس.

وحدثني بكتاب الأموال لإسماعيل القاضي ، عن ابن عمر أحمد بن محمد بن سعد عن الأبهري محمد بن عبد الله عن أبي عمر القاضي ، عن إسماعيل القاضي.

وحدثني بكتاب ابن شعبان أبو عمر وأحمد بن محمد بن جمهور المرشاي ، عن محمد بن أحمد الوشاء ، عن ابن شعبان.

وحدثني بكتاب الشرف : أبو عمرو المذكور ، عن مؤلفه أبي سعيد عبد الملك ابن أبي عثمان النيسابوري. وحدثني بالمدونة : الشيخ أبو علي الحداد الحسن بن أيوب عن محمد بن عبدون ، عن ابن وضاح ، عن سحنون.

١٣٨

وحدثني بالمستخرجة الفقيه أبو المطرف عبد الرحمن بن سعد بن جريج عن ابن أبي مزين عن أبي إبراهيم عن أبي لبابة محمد بن عمر عن محمد بن أحمد العتبي.

وحدثني أيضا ببعض المستخرجة القاضي يونس بن عبد الله عن أبي عيسى يحيى بن عبد الله بن أبي عيسى عن محمد بن عمر بن لبابة العتبي ، وهي عندي إجازة عن مكي المقرئ عن ابن أبي زيد ، عن أبي بكر بن محمد بن اللباد ، عن يحيى بن عبد العزيز عن العتبى محمد بن أحمد.

وحدثني بمختصر ابن أبي زيد مكي المقرئ عن ابن أبي زيد عبد الله بن محمد.

وحدثني بتاريخ ابن أبي خيثمة معاوية بن محمد عن ابن بابل عن قاسم بن أصبغ ، عن ابن أبي خيثمة.

وحدثني أيضا بكتاب الخطابي عن الأسفاقسي عن الخطابي.

وحدثني بالواضحة مكي بن أبي طالب عن ابن أبي زيد عبد الله بن محمد بن مسرور ، عن يوسف بن يحيى المعامي عن عبد الملك بن حبيب.

فهذا ما انتهى إليّ من أسانيدهم وروايتهم على حسب الاجتهاد والله الموفق لا رب غيره وصلى الله على سيدنا محمد وآله وعترته الطاهرين وسلم تسليما.

وقد وقع الفراغ من كتابته في ليلة الجمعة الحادي والعشرين من شهر رجب الفرد الحرام من شهور سنة ست وستين ومائتين وألف من هجرة سيدنا خير البرية عليه أفضل صلاة وأكمل تحية. كتبه بيده الفانية أضعف العباد وأحوجهم إلى غفران ربه في المعاد العبد الفقير : عبد الله ابن عمر بن مصطفى بن إسماعيل بن العارف القدسي الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي الحنفي غفر الله له ذنوبه ، وستر عيوبه ولوالديه وللمسلمين حامدا ومصليا والحمد لله رب العالمين. وقد وقع تكملة هذا الكتاب على يد الفقير عبد الغني عبد الفتاح ، وذلك في غرة محرم الحرام سنة ١٣٢٨ غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين آمين.

تم بحمد الله

تحقيق هذا الكتاب وتخريج أحاديثه على يد العبد الفقير لله

طالب العواد غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين يوم يقوم الحساب

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

١٣٩
١٤٠