أقضية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم

محمّد بن فرج المالكي القرطبي

أقضية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم

المؤلف:

محمّد بن فرج المالكي القرطبي


المحقق: الشيخ طالب عوّاد
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ٠
ISBN: 9953-27-352-9
الصفحات: ١٤٤

كتاب الوصايا

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في الوصية وأنها مقصورة على الثلث

في الموطأ والبخاري ومسلم عن الزهري ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص أنه قال : جاءني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتدّ بي ، فقلت : يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي. أفأتصدق بثلثي مالي؟ ورواه مالك ، وسفيان بن عيينة ، وإبراهيم بن سعد عن الزهري ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه بلفظ : أتصدق. ورواه عبد العزيز ابن أبي سلمة ، ومعمر ، عن الزهري ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه ، بلفظ : أوصي. وكذلك رواه عروة ، وعائشة ، عن سعد. واللفظان في البخاري ومسلم. ووقع أيضا فيهما : أفأوصي بمالي كله؟ قال : «لا». قال : فالثلثين؟ قال : «لا». قال : فالنصف؟ قال : «لا». قال : فالثلث؟ قال : «الثلث ، والثلث كثير».

رجعنا إلى لفظ الموطأ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا» ، قلت : فالشطر؟ قال : «لا» ، ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الثلث ، والثلث كثير ، إنك أن تذر ورثتك أغنياء ، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ، وأنك لن تنفق نفقة تبتغي وجه الله إلا أجرت» (١).

وفي الموطأ يحيى بن يحيى : «إلا أجرت حتى ما تجعل في في امرأتك» ، فقلت : يا رسول الله أخلف بعد أصحابي. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنك لن تخلف فتعمل عملا صالحا».

زاد في مسلم : «تبتغي به وجه الله إلا ازددت بها درجة ورفعة ، ولعلك أن تخلف حتى تنتفع بك أقوام ، ويضر بك آخرون. اللهم امضي لأصحابي هجرتهم ، ولا تردهم على أعقابهم». لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن مات بمكة (٢).

ذكر ابن مزين في تفسيره للموطإ : أنه أقام بمكة حتى مات ، ولم يهاجر ، فكره له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك ، ورثي له ، وهو وهم من ابن مزين لأن سعد بن خولة قد هاجر وشهد بدرا ، وإنما رثى له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لرجوعه بعد الهجرة إلى مكة ، وموته بها. ذكره البخاري وغيره ، وذكره أيضا مسلم وهو قرشي (٣).

__________________

(١) رواه البخاري (١٢٩٦ و ٢٧٤٢ و ٣٩٣٦) ، والموطأ (٢ / ٧٦٣) ، ومسلم (١٦٢٨) ، والترمذي (٩٧٥) ، وأبو داود (٢٨٦٤).

(٢) رواه مسلم (١٦٢٨ و ٥).

(٣) انظر شرح الحديث لفؤاد عبد الباقي (١٦٢٨) في فاتحته. فإنه شرحه شرحا وافيا.

١٠١

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في الأحباس

في الواضحة عن الواقدي عن الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ قال : سألنا عن أول حبس حبس في الإسلام فقال قائل : أحباس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو قول الأنصار (١). وقال المهاجرون : حبس عمر بن الخطاب أول حبس كان في الإسلام ، وذلك أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما قدم المدينة وجد أرضا واسعة : لزهرة ، وأهل رايج ، وحسيكة (٢) ، وقد كانوا جلوا عن المدينة قبل مقدم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيسير ، ومنهم من انجلى عن أرضه بعد مقدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتركوا أرضا واسعة فيها براح ، ومنها رديء لا تسقى يقال له : الخشاشير. وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد أعطى عمر بعضها : ثمغ (٣) ، ثم اشترى عمر بن الخطاب ـ رضي‌الله‌عنه ـ إلى ما أعطاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قوم يهود ، فكان مالا معجبا فقال عمر : يا رسول الله إن مالي مال معجب ، وأنا أحبه. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «حبّس أصله ، وسبّل ثمرته». ففعل عمر (٤).

مطرف عن العمري عن نافع عن ابن عمر قال : ثمغ أول صدقة تصدق بها في الإسلام وأن عمر يوم أراد أن يتصدق بها قال : أشر عليّ يا رسول الله في صدقتي كيف أصنع فيها؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «حبّس أصلها ، وسبل ثمرتها» (٥).

وعن المسور بن رفاعة عن محمد بن كعب القرظي قال : أول صدقة كانت في الإسلام صدقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأمواله الموقوفة. قال : فقلت : فإن الناس يقولون صدقة عمر. قال : قتل مخيريق بأحد على رأس اثنين وعشرين شهرا من مهاجرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأوصى إن أصبت فأموالي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يضعها حيث أراه الله ، فتصدق بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صدقة حبس ، وهي : سبعة حوائط. وإنما تصدق عمر بثمغ بعد ما رجع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من خيبر سنة سبع من الهجرة ، وكانت خيبر سنة ست (٦).

وقال الزهري : صدقة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحوائط السبعة من أموال بني النضير بعد أن رجع رسول

__________________

(١) الواقدي محمد بن عمر بن واقد الأسلمي ـ متروك مع سعة علمه. كما قال الحافظ في التقريب. وحصين ابن عبد الرحمن ضعفه أحمد وذكره ابن حبان في ثقات أتباع التابعين فكأن روايته عن الصحابة مرسلة.

(٢) حسيكة : موضع في المدينة كان بها يهود من يهودها.

(٣) ثمغ : مال كان لعمر بن الخطاب فوقفه رضي‌الله‌عنه.

(٤) رواه النسائي (٦ / ٢٣٠) ، وابن ماجه (٢٣٩٧) ، والبيهقي (٦ / ١٦٢) من حديث عمر رضي‌الله‌عنه. وإسناده صحيح.

(٥) رواه أحمد (٢ / ١٥٦ و ١٥٧) من حديث ابن عمر رضي‌الله‌عنهما. وهو حديث صحيح.

(٦) رواه ابن سعد (١ / ٣٨٨) ذكر صدقات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وابن كثير (٣ / ٢٣٧) من كلام محمد بن كعب القرظي موقوفا عليه.

١٠٢

الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أحد ففرق أموال مخيريق (١). وعن محمد بن سهل بن أبي جثامة قال : كانت صدقات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أموال بني النضير وهي الحوائط السبعة : الأعراف ، والصافية ، والدلال ، والمثبت ، وبرقة ، وحسني ، ومشربة أم إبراهيم ، وإنما سميت : مشربة أم إبراهيم لأنها كانت تسكنها. وكان ذلك المال لسلام بن مشكم النضري (٢).

وقال الواقدي : لم يختلف أنها سبعة حوائط وأن هذه أسماؤها.

وفي النسائي عن قتيبة بن سعيد ، عن أبي الأخوص ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن الحارث قال : ما ترك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة إلا بغلته الشهباء التي كان يركبها ، وسلاحه ، وأرضا جعلها في سبيل الله عزوجل (٣).

وقال قتيبة بن سعيد في المسند الكبير للنسائي مرة أخرى : صدقة (٤). وكذلك ذكر النسائي أن صدقة عمر كانت من الأرض التي أصاب بخيبر. وقال في صدقة لا يباع أصلها ولا توهب ولا تورث ، وهي للفقراء والقربى والرقاب وفي سبيل الله والضيف وابن السبيل ، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ، ويطعم ضيفا نزل به أو صديقا غير متمول فيه (٥).

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في الصدقة والهبة والثواب عليها والعمرى

في موطأ مالك : أنه بلغه أن رجلا من الأنصار من بني الحارث بن الخزرج تصدق على أبويه بصدقة ، فهلكا ، فورث ابنهما المال ، وهو : نخل. فسأل عن ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «قد أجرت في صدقتك ، وخذها بميراثك» (٦).

وفي كتاب أقضية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من مصنف ابن أبي شيبة ، عن جابر قال : قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في امرأة من الأنصار أعطاها ابنها حديقة من نخل فماتت ، فقال ابنها : إنما أعطيتها حياتها وله أخوة ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هي لها حياتها وموتها» قال : فإني كنت تصدقت بها عليها. قال : «فذلك أبعد لك» (٧).

__________________

(١) رواه ابن سعد (١ / ٣٨٨) وقال : أخبرنا محمد بن عمر. حدثني الضحاك بن عثمان من الزهري قال : هذه الحوائط السبعة من أموال بني النضير.

(٢) رواه ابن سعد (١ / ٣٨٨) وقال : أخبرنا محمد بن عمر حدثني موسى بن عمر الحارثي ، عن محمد بن سهل بن أبي حثمة قال : كانت صدقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أموال بني النضير. وهي سبعة. وذكرها.

(٣) رواه النسائي (٦ / ٢٢٩) من حديث عمرو بن الحارث الخزاعي رضي‌الله‌عنه وإسناده صحيح.

(٤) رواه النسائي (٦ / ٢٢٩) و (٣٥٩٤). من كلام قتيبة بن سعيد رحمه‌الله.

(٥) رواه النسائي (٦ / ٢٣٠) و (٣٥٩٩) عن عمر رضي‌الله‌عنه. وهو حديث صحيح.

(٦) رواه مالك (٣٠٠١) باب صدقة الحي عن الميت. بلاغا.

(٧) رواه ابن أبي شيبة (١٠ / ١٨٣) ، وأبو داود (٣٥٥٧) ، والبيهقي (٦ / ١٧٤) من حديث جابر رضي‌الله‌عنه.

١٠٣

وفي الموطأ والبخاري ومسلم عن النعمان بن بشير : أن أباه أتى به إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يشهده على عبد وهبه له ، فقال : يا رسول الله إني نحلت ابني غلاما كان لي. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أكلّ ولدك» وفي حديث يونس ومعمر «أكل بنيك» ـ ذكره مسلم ـ «نحلته مثل هذا؟». قال : لا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فارتجعه» (١).

وفي كتاب مسلم : «اتقوا الله ، واعدلوا في أولادكم» (٢). وكانت أم النعمان : عمرة ابنة رواحة قالت لبشير : أشهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على هبتك ، وكان قد لواها سنة ، ثم وهبه لها فقالت : لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا أشهد على جور» (٣). وهذا أصل في حيازة الأب لابنه الصغير ، وأما إذا وهب أو تصدق على ابنه الكبير ، أو على أجنبي فلا بد من قبض الموهوب له أو التصدق عليه. والأصل في ذلك قول أبي بكر الصديق لعائشة : لو كنت حزتيه كان لك ، وإنما هو اليوم مال وارث (٤). وقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما نزلت ألهاكم التكاثر قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يقول ابن آدم : مالي مالي ، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت» (٥) ، فقد شرط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الصدقة الإمضاء. والإمضاء هو : الإقباض كالعارية والسلف لا يتم ذلك إلا بالقبض وكالوصية لا تتم إلا بموت الموصي.

وفي مصنف عبد الرزاق عن طاوس قال : وهب رجل هبة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأثابه ، فلم يرض فزاده قال : لا أحسبه قال ذلك إلا ثلاث مرات ، فلم يرض فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لقد هممت ألّا أقبل هبة» وربما قال معمر : «ألّا أقبل إلا من قرشي ، وأنصاري ، أو ثقفي» (٦). وفي حديث أبي هريرة «أو دوسي» (٧).

وفي الدلائل للأصيلي أهدي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقحة ، فأثابه بست بكرات فلم يرض ، وذكر الحديث في البخاري حدثنا عبد الله بن يوسف ، عن عبد الله بن وهب ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن أنس بن مالك قال : لما قدم المهاجرون المدينة من مكة وليس بأيديهم شيء ،

__________________

(١) رواه البخاري (٢٥٨٦) ، ومالك (٢ / ٧٥١ و ٧٥٢) ، ومسلم (١٦٢٣ و ٩) ، والنسائي (٦ / ٢٥٨) من حديث النعمان بن بشير رضي‌الله‌عنه.

(٢) رواه مسلم (١٦٢٣ و ١٣) من حديث النعمان رضي‌الله‌عنه.

(٣) رواه البخاري (٢٦٥٠) ، ومسلم (١٦٢٣ و ١٤) من حديث النعمان رضي‌الله‌عنه.

(٤) رواه عبد الرزاق (١٦٥٠٧) ، والبيهقي (٦ / ١٧٠) وإسناده صحيح.

(٥) رواه مسلم (٢٩٥٨) ، والترمذي (٢٣٤٢) ، وابن حبان (٧٠١) من حديث عبد الله بن الشخير رضي‌الله‌عنه.

(٦) رواه عبد الرزاق (١٦٥٢١) عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه فذكره مرسلا.

(٧) رواه أحمد (٢ / ٢٩٢) ، والترمذي (٣٩٤٥) ، والبخاري (٥٩٦) ، وأبو داود (٣٥٣٧) من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه. وإسناده حسن.

١٠٤

وكانت الأنصار أهل الأرض والعقار فقاسمهم الأنصار على أن يعطوهم ثمار أموالهم كلّ عام ويكفوهم العمل والمؤنة ، وكانت أمه أمّ أنس بن مالك أم سليم وكانت أم عبد الله بن أبي طلحة ، فكانت أعطت أم أنس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عذاقا فأعطاهنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أم أيمن مولاته أم أسامة بن زيد.

قال ابن شهاب : فأخبرني أنس بن مالك : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما فرغ من قتال أهل خيبر ، وانصرف إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم من ثمارهم ، فردّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أمه يعني أم أنس بن مالك عذاقها وأعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أم أيمن مكانهن من حائطه رواه مسلم أيضا ، وزاد أنه أعطاها عشرة أمثاله أو قريبا من عشرة أمثاله (١).

قال ابن شهاب : وكان من شأن أم أيمن أم أسامة بن زيد أنها كانت وصيفة لعبد الله بن عبد المطلب وكانت من الحبشة فلما ولدت آمنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد ما توفي أبوه ، فكانت أم أيمن تحضنه حتى كبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأعتقها ، ثم أنكحها زيد بن حارثة ، ثم توفيت بعد ما توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بخمسة أشهر.

قال الواقدي : واسمها بركة ولم يرو هذا الحديث عن الزهري أحد إلا يونس. وقع هذا في طرة كتاب الأصيلي في الموطأ : عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أيما رجل أعمر عمرى (٢) له ولعقبه فإنها للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها أبدا لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث» (٣).

وفي كتاب مسلم عن جابر من رواية يحيى ، عن مالك ، ولم يذكر أبدا.

وفيه عن يحيى ومحمد وصح عن الليث ، عن ابن سهل ، عن أبي سلمة ، عن جابر بن عبد الله أنه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من أعمر رجلا عمرى له ولعقبه فقد قطع قوله حقه فيها ، وهي لمن أعمر وعقبه» (٤).

وفي حديث آخر عن إسحاق بن إبراهيم ، وعبد بن حميد ، واللفظ لعبد قالا : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن جابر ، قال : إنما العمرى التي أجازها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن تقول هي لك ولعقبك ، فأما إذا قال : هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها (٥).

__________________

(١) رواه البخاري (٢٦٣٠) ، ومسلم (١٧٧١) من حديث أنس رضي‌الله‌عنه.

(٢) عمرى : يقال أعمرته دارا أو أرضا ، إذا أعطيته إياها وقلت له : هي لك عمري أو عمرك : فإذا مات رجعت إليه.

(٣) رواه مالك (٢ / ٧٥٦) و (٢٩٥٣) من حديث جابر رضي‌الله‌عنه. وهو حديث صحيح.

(٤) رواه مسلم (١٦٢٥ و ٢١) من حديث جابر رضي‌الله‌عنه.

(٥) رواه مسلم (١٦٢٥ و ٢٣) من حديث جابر رضي‌الله‌عنه.

١٠٥

قال معمر : وكان الزهري يفتي به ، وروى أبو سلمة عن جابر قال : «قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيمن أعمر عمرى له ولعقبه فهى له بتلة (١) لا يجوز للمعطى فيها شرط ولا ثنيا». قال أبو سلمة : لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث ، فقطعت المواريث شرطه (٢).

وفي حديث آخر عن جابر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «العمرى لمن وهبت له» (٣). قال ابن أبي زيد : ومعنى قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا ترجع إلى الذي أعطاها» إنما ذلك ما بقي أحد من عقب المعمر ، فإذا انقرضوا رجعت العمرى إلى صاحبها.

وقوله عليه‌السلام : «فإنها للذي يعطاها» يعني : النفع ، لا الأصل ، ودل ذلك أنه ليس كوارث الأصل أن الزوجة لا تدخل فيه ، ولا من ليس من العقب المعروف ، وعمرتك إنما هو مأخوذ من العمر ، ولا فرق بين أجل مضروب وعمر مشترط. وبهذا جرى العمل بالمدينة ، وبه أخذ مالك انتهى قول ابن أبي زيد.

وتأوّل الشافعي وغيره الحديث المذكور أن العمرى إذا كانت للمعمر ولعقبه أنها لا ترجع إلى المعمر وإن انقرض المعمر وعقبه وليس ذلك في الحديث مكتوبا.

وقد روي عن أبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري ، وأحمد بن حنبل : أن العمرى كالهبة ، وهي ملك لمن أعمرها كانت معقبة أو لم تكن شرط المعمّر أن ترجع إليه أو لم يشترط ، وشرطه باطل لا ترجع إليه أبدا ويبيعها المعمّر إن شاء كسائر ماله.

فصح في العمرى ثلاثة أقوال : قول أبي حنيفة ، والشافعي ، ومالك ، ومن ذكر معهم. كما قضى طارق بشهادة جابر والثالث من فرق بين المعقبة وحياة المعمر خاصة فقال في المعقبة : لا ترجع أبدا إلى المعمر ، وإذا لم تكن معقبة ترجع إليه إذا مات المعمر ، والله عزوجل أعلم بما أراد نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلا أن في كتاب مسلم عن جابر أيضا قال : أعمرت امرأة بالمدينة حائطا لها ابنا لها ثم توفّي وتوفيت بعده ، وتركت ولدا ، وله أخوة بنون للمعمرة ، فقال ولد المعمرة : رجع الحائط إلينا ، وقال بنو المعمر : بل كان لأبينا حياته وبعد موته ، فاختصموا إلى طارق ـ مولى عثمان ـ فدعا جابرا فشهد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه حكم بالعمرى لصاحبها ، فقضى بذلك طارق ، ثم كتب إلى عبد الملك فأخبره ذلك ، وأخبره بشهادة جابر ، فقال عبد الملك : صدق جابر فأمضى ذلك طارق. وإن ذلك الحائط لبني المعمر حتى اليوم. وليس في هذا الحديث أنها أعمرت ابنها وعقبه كما وقع في الأحاديث المتقدمة (٤).

__________________

(١) بتلة : أي عطية ماضية غير راجعة إلى الواهب.

(٢) رواه مسلم (١٦٢٥ و ٢٤) ، والنسائي (٦ / ٢٧٦) و (٢٧٤٧) من حديث جابر رضي‌الله‌عنه.

(٣) رواه مسلم (١٦٢٥ و ٢٥) من حديث جابر رضي‌الله‌عنه.

(٤) رواه مسلم (١٦٢٥ و ٢٨) من حديث جابر رضي‌الله‌عنه.

١٠٦

وقد تقدم عن جابر أنه قال : إذا قال هي لك ما عشت فإنما ترجع إلى صاحبها الذي أعمرها.

وفي رواية مسدد عن يحيى عن سفيان عن حميد الأعرج عن محمد بن إبراهيم التيمي عن جابر : أن رجلا من الأنصار أعطى أمه حديقة له حياتها فماتت ، وذكر الحديث كما ذكره مسلم وهذا يقوي مذهب مالك (١).

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في المشبهات

في الموطأ والبخاري ومسلم عن عائشة زوج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنها قالت : كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص : أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه إليك. قالت : فلما كان عام الفتح أخذه سعد وقال : ابن أخي ـ قد كان عهد إليّ فيه ـ فقام عبد بن زمعة وقال : أخي وابن وليدة أبي ، ولد على فراشه. فتساوقا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال سعد : يا رسول الله ابن أخي ، وقد كان عهد إليّ فيه. وقال عبد بن زمعة : أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هو لك يا عبد بن زمعة» ، ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الولد للفراش وللعاهر الحجر». ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لسودة بنت زمعة : «احتجبي منه» لما رأى من شبهه بعتبة بن أبي وقاص ، قالت : فما رآها حتى لقي الله عزوجل (٢). وكانت سودة زوج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يذكر مالك هذا في الموطأ.

في هذا الحديث من الفقه : إنفاذ وصية الكافر لأن عتبة مات كافرا ، وذلك أنه هو الذي. كسر رباعيته صلى‌الله‌عليه‌وسلم في يوم أحد ، فدعا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لا يحول عليه الحول حتى يموت كافرا ، فما حال عليه الحول حتى مات كافرا. ذكره عبد الرزاق في مصنفه ، وكذلك ذكر ابن أبي حثمة : أنه مات كافرا.

وفيه : استلحاق الأخ ، وفي ذلك اختلاف ولا خلاف في استلحاق الابن وفيه حجة المالك في الحكم بقطع الذرايع لأن قطع الذرايع أن يمنع من المباح لئلا يوقع في الحرام ، ومثل قول الله عزوجل : (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَ) [النّور : الآية ٣١]. ومثل نهيه تعالى المؤمنين أن يقولوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «راعنا» ، وهم لا يريدون الإذاية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنهاهم الله عن ذلك بسبب قول اليهود للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : راعنا يريدون بذلك : يا أرعن.

ومثل هذا نهى الله أهل السبت عن الصيد فيه ، فأخذ بعضهم حيتانا في غير السبت فجعل كصيدهم في السبت وعذبوا على ذلك.

__________________

(١) رواه أبو داود (٣٥٥٧) من حديث جابر رضي‌الله‌عنه. وهو حديث صحيح.

(٢) رواه البخاري (٢٠٥٣) ، ومسلم (١٤٥٧) ، والموطأ (٢ / ٧٣٩) من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها.

١٠٧

فكذلك حكم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لسودة : أن ابن زمعة أخوها إذ ولد على فراش أبيها ، وجعله أجنبيا في أن لا يراها فحكم بحكمين : حكم في الظاهر ، وحكم في الباطن ، واتبع الشافعي في ذلك إبطال الحكم بقطع الذرايع ، وأن يكون حكما واحدا حتى قال : إن للرجل أن يمنع زوجته من رؤية أخيها. وأن قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «احتجبي عنه» إنما هو على وجه التنزه والاختيار ، وهذا خلاف لما أمر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عائشة في أفلج أخي ابن القعيس ، إذ قال لها : «إنه عمّك فليلج عليك» (١) ، وكان عمها من الرضاعة ، فكيف أن يمنع المرأة من رؤية أخيها.

وأدخل البخاري هذا الحديث في باب تفسير المشبهات مع الحديث : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» (٢). وهو أيضا يقوي مذهب مالك ، ويخالف قول الشافعي.

وقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وللعاهر الحجر» يعني : نفي الولد عن الزاني ، وأنه لا شيء له فيه ، ولا ينسب إليه. كقول العرب : بفمك الحجر. أي : لا شيء لك.

وقال الداودي : للعاهر الحجر : يعني الرجم للزاني المحصن ، ومذهب الشافعي أن الحرام لا يحرّم الحلال ، وكذلك قال : إن أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لسودة بالاحتجاب تنزه واختيار ، ومذهب أبي حنيفة أن الزنا يحرم ـ واختلف في ذلك قول مالك ـ فمرة قال : إن الحرام لا يحرّم الحلال ، ومرة قال : إنه يحرّم ، والأغلب من مذهبه ومذهب أصحابه أنه لا يحرّم.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في العتق والوصية بالقرعة وحكم

ذات الزوج والتدبير وأمهات الأولاد والكتابة

في مصنف عبد الرزاق عن علي بن أبي طالب قال : شهدت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقضي بالدين قبل الوصية ، وأنتم تقولون : من بعد وصية يوصي بها أو دين (٣).

ولا خلاف بين العلماء أن الدين قبل الوصية.

في الموطأ وغيره عن الحسن ، وعن محمد بن سيرين : أن رجلا في زمان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعتق عبيدا له ستة عند موته ، فأسهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينهم فأعتق ثلث تلك العبيد (٤).

__________________

(١) رواه البخاري (٥٢٣٩) من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها.

(٢) رواه أحمد (١ / ٢٠٠) ، والترمذي (٢٥١٨) ، والنسائي (٨ / ٣٢٧) ، وابن حبان (٧٢٢) من حديث الحسن ابن علي رضي‌الله‌عنه. وهو حديث صحيح.

(٣) رواه عبد الرزاق (١٩٠٣) ، وأحمد (١ / ٧٩) ، والترمذي (٢٠٩٥) ، وأبو يعلى (٣٠٠) وإسناده حسن من حديث علي رضي‌الله‌عنه.

(٤) رواه مالك (٢ / ٧٧٤) و (٢٧٢٠) وهو حديث مرسل. ورجاله ثقات ووصله مسلم (١٦٦٨) ، والترمذي (١٣٦٤) من حديث عمران بن الحصين رضي‌الله‌عنه.

١٠٨

قال مالك : وقد بلغني أنه لم يكن لذلك الرجل مال غيرهم. وهذا الحديث مسند في غير الموطأ عن الحسن وابن سيرين عن عمران بن حصين ، وقال فيه : فغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ذلك وقال : «لقد هممت ألّا أصلي عليه».

وفي مصنف عبد الرزاق فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو أدركته ما دفن مع المسلمين» ، فأقرع بينهم فأعتق اثنين ، واسترقّ أربعة (١).

وفي حديث آخر : أنّ امرأة من الأنصار أعتقت ستة أعبد ، فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بستة أقداح ، فأقرع بينهم ، فأعتق اثنين (٢).

وفي غير المصنف أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم جزأهم ثلاثة أجزاء اعتق اثنين ، وأرقّ أربعة (٣).

قال إسماعيل : وهذا يدل أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قوّمهم. وقال سليمان بن موسى : لم يبلغني أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قوّمهم فإن صح قول سليمان فمعناه أن قيمتهم كانت سواء وإلا فلا بد من التقويم لئلا يزاد على الثلث. ويسند أيضا الحديث الأول عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة في كتاب مسلم عن عمران بن حصين.

في هذا الحديث من الفقه : إنفاذ الوصية بالثلث ، وفيه العتق بالقرعة ، وفيه أن من عال على الثلث صرف إلى الثلث. وفيه أن بتل العتق في المرض كالوصية ، وفيه أن الحاكم يقوّم بنفسه ما كان بحضرته ولا يوليه غيره.

وفيه : أن يحكم بين الرجل وعبده فيما يدعو إليه العبد من حقوقه على سيده.

وفيه إجازة الوصية بالثلث لغير القرابة ، بخلاف ما روي عن طاوس وغيره : أن من أوصى لغير قرابته ولم يوص لهم لم تبطل وصيته. وقالت طائفة : من أوصى لغير قرابته أعطي ثلث الوصية لقرابته.

في مصنف عبد الرزاق عن عكرمة : «قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لا وصية لوارث ، ولا يجوز لامرأة في مالها شيء إلا بأذن زوجها» (٤).

__________________

(١) رواه عبد الرزاق (١٦٧٤٩) ، والبيهقي (١٠ / ٢٨٦) من حديث عمران بن الحصين رضي‌الله‌عنه وهو حديث صحيح.

(٢) رواه عبد الرزاق (١٦٧٥١) ، والبيهقي (١٠ / ٢٨٦) عن ابن جريج. قال : أخبرني قيس بن سعد أنه سمع مكحولا يقول : سمعت ابن المسيب يقول : اعتقت امرأة أو رجل ستة أعبد لها عند الموت لم يكن لها مال غيرهم فأتي في ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فأقرع بينهم فأعتق اثنين.

(٣) رواه النسائي (٤ / ٦٤) من حديث عمران بن الحصين رضي‌الله‌عنه. وهو حديث صحيح.

(٤) رواه عبد الرزاق (١٦٦٠٨) من حديث عكرمة رضي‌الله‌عنه. وفيه جهالة الرجل الراوي عن عكرمة رضي‌الله‌عنه. بلفظ : (قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه ليس لذات زوج وصية في مالها شيئا إلا بإذن زوجها).

١٠٩

وفي رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه باع مدبرا لرجل. وفي حديث آخر لمسلم : لم يكن له مال غيره.

وفي كتاب ابن شعبان عن جابر قال : أعتق رجل من الأنصار غلاما له عن دبر وكان محتاجا وكان عليه دين ، فباعه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بثمانمائة درهم ، فأعطاه وقال : «اقض دينك وأنفق على عيالك» (١).

وتأول مالك وغيره أن الحديث الأول هو أصح. إن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه باع المدبر بعد موت الذي دبّره أو في حياته لدين عليه قبل التدبير.

قال ابن أبي زيد : حديث جابر يدل على أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما باع المدبر في دين لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا به ، فقال : «من يشتره؟» فلما بطل أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يبعه لغير معنى لم يبق إلا أنه حكم وأنه لينفذ ما لزم.

وقد روي عن جابر أنه قال : لم يكن له مال غيره ، فمات. فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من يشتره؟» واختلف فيه. عن جابر فروي أنه أعتق رجل ، وروي أنه دبر.

وفي مختصر ابن أبي زيد : روى الخدري أنهم لما أصابوا سبيا يوم أوطاس قالوا : يا رسول الله ما ترى في العزل فإنا نحب الثمن. دليل أنها إذا ولدت بطل الثمن. وهذا دليل بيّن مع ما روي أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في أم إبراهيم : «أعتقها ولدها» (٢).

وفي الواضحة عن ابن المسيب : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر بعتق أمهات الأولاد وقال : «لا يجعلن في وصية ، ولا دين». قال مسلم : قلت لسعيد بن المسيب : كيف كان رأي عمر في عتق أمهات الأولاد؟ قال : ليس عمر أعتقهن ، وإنما أمر بعتقهن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، «وأن لا يخرجن في ثلث ، ولا يبعن في دين» (٣).

وفي كتاب رجال الموطأ للبرقي عن سعيد بن عبد العزيز : أن مارية أم إبراهيم اعتدت ثلاثة أشهر. قال البرقي : وتوفيت سنة ست عشرة. وفي الحديث الثابت : أن بريرة دخلت على عائشة تستعينها شيئا. وفي حديث آخر في البخاري : جاءت تستعينها وعليها خمس أواق نجّمت في خمس سنين (٤). وجميع الأحاديث عن عروة عن عائشة إلا حديثا واحدا عن عمرة عن عائشة.

__________________

(١) رواه أحمد (٣ / ٣٠٥) ، وأبو داود (٣٩٥٧) ، والنسائي (٧ / ٣٠٤) ، والطحاوي في مشكل الآثار (٤٩٣٢) وانظر طرقه هناك.

(٢) رواه ابن ماجه (٢٥١٦) ، والبيهقي (١٠ / ٣٤٦) من حديث ابن عباس رضي‌الله‌عنهما وإسناده ضعيف.

(٣) رواه البيهقي (١٠ / ٣٤٤) وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم قال الحافظ في التقريب : ضعيف في حفظه. وهو رجل صالح.

(٤) رواه البخاري (٢٥٦٠) في العتق من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها.

١١٠

وفي الموطأ والبخاري فقالت عائشة : إن أحبّ أهلك أن أعدّها لهم ويكون لي ولاؤك فعلت. فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت ذلك لهم ، فأبوا عليها ، فجاءت من عند أهلها ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قاعد فقالت لعائشة : إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا على أن يكون الولاء لهم. فسمع ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ أخبرته عائشة فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خذيها واشترطي لهم الولاء ، فإنما الولاء لمن أعتق» ، ففعلت عائشة ، ثم قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «أما بعد : فما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله! كلّ شرط ليس في كتاب الله ـ وفي حديث آخر في الموطأ : ما كان من شرط ليس في كتاب الله ـ فهو باطل ، وإن كان مائة شرط. قضاء الله أحق وشرط الله أوثق ، وإنما الولاء لمن أعتق» (١).

معنى قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كل شرط ليس في كتاب الله» أي : خالف كتاب الله ، ومعنى قوله لعائشة : «اشترطي لهم الولاء» أي : اشترطي عليهم الولاء. قال الله عزوجل : (أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [الرّعد : الآية ٢٥]. أي عليهم.

وقد تقدم ما فيه من السنن في الأمة تعتق تحت زوج في كتاب الطلاق وإنما اشترتها عائشة بعد أن عجزت عن كتابتها. قاله مطرف وغيره.

وفي كتاب ابن شعبان : أول مكاتب في الإسلام كان سلمان الفارسي كاتب أهله على مائة ودية (٢) نجّمها لهم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا غرستها فاذنّي» ، فلما غرسها آذنه ، فدعا له فيها فلم تمت منها ودية واحدة (٣). وقد قيل إن أول مكاتب في الإسلام كان يكنى : أبا مؤمّل ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أعينوا أبا مؤمل» فأعين فقضى كتابته ، وفضلت عنده فضلة فاستفتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «أنفقها في سبيل الله».

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في عتق من مثّل به أو لطم وجهه

في المدوّنة عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : كان لزنباغ عبد يسمى : سندرا ، أو ابن سندر ، فوجده يقبّل جارية له فأخذه وجدع أذنه وأنفه ، فأتى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأرسل إلى زنباغ فقال : «لا تحملوهم ما لا يطيقون ، وأطعموهم مما تأكلون ، واكسوهم مما تلبسون ، وما

__________________

(١) رواه البخاري (٢١٦٨) عن ابن المسيب ، ومسلم (١٥٠٤) ، والموطأ (٢ / ٧٨٠) من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها.

(٢) رواه الحاكم (٢ / ١٦) وصححه ووافقه الذهبي من حديث بريدة رضي‌الله‌عنه. ورواه أحمد في المسند (٥ / ٣٥٤) والبزار رقم (٢٦ ٢٧). وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٩ / ٣٣٧) وقال : رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح.

(٣) الودية «غصن» يخرج من النخل ثم يقطع منه فيغرس.

١١١

كرهتم فبيعوا ، وما رضيتم فأمسكوا ، ولا تعذبوا خلق الله». ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من مثّل به ، أو أحرق بالنار فهو حر ، وهو مولى لله ورسوله». فأعتقه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال : يا رسول الله أوص بي فقال : «أوصي بك كل مسلم» (١).

وفي كتاب مسلم عن سويد بن مقرن : أن جارية له لطمها إنسان ، فقال له سويد : أما علمت أن الصورة محرّمة ، لقد رأيتني وإني لسابع أخوة لي مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما لنا غير خادم واحد ، فعمد أحدنا فلطمه فأمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن نعتقه. وذكر الحديث (٢).

وزاد في حديث آخر : أنهم قالوا : يا رسول الله ليس لنا غيره ، قال : «استخدموه فإذا استمتعتم به فخلوا سبيله» (٣) ، وقال عبد الله ابن عمر : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من ضرب غلاما له حدا لم يأته ، أو لطمه فإن كفارته أن يعتقه» (٤).

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في اللقطة

في الموطأ والبخاري ومسلم : أن رجلا جاء إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسأله عن اللقطة فقال : «اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرّفها سنة ، فإن جاء صاحبها ، وإلا فشأنك بها». قال فضالة : والغنم؟ قال : «لك أو لأخيك أو للذئب» ، وفي غير الكتب «فردّ على أخيك ضالته». قال فضالة : الإبل ، قال في البخاري ومسلم : فغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى احمرت وجنتاه ، أو احمر وجهه. وفي حديث : فتغير وجهه وقال : «ما لك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ، ترد الماء ، وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها» (٥). ذكر ابن عبد البر هذه الزيادة من غير رواية مالك : «فردّ على أخيك ضالته». قال الطحاوي : ولم يوافق مالكا أحد من العلماء على قوله في الشاة الضالة إن أكلها لم يضمنها إذا وجدها في موضع مخوف. قال : واحتجاجه بقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هي لك أو لأخيك أو للذئب» لا معنى له ، لأن قوله لك لم يرد به التمليك لأن الذئب يأكلها على ملك صاحبها.

وفي البخاري ومسلم عن سويد بن غفلة قال : لقيت أبيّ بن كعب فقال : وجدت صرّة فيها مائة دينار فأتيت بها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال «عرّفها حولا» ، فعرّفتها فلم أجد من يعرفها ، ثم أتيته بها فقال : «احفظ وعاءها وعددها ووكاءها ، فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها» ، فاستمتعت بها

__________________

(١) رواه ابن سعد (٧ / ٣٥٠) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي‌الله‌عنهم. وهو حديث حسن.

(٢) رواه مسلم (١٦٥٨ و ٣٣) من حديث سويد بن مقرّن رضي‌الله‌عنه.

(٣) رواه مسلم (١٦٥٨ و ٣١) من حديث سويد بن مقرّن رضي‌الله‌عنه.

(٤) رواه مسلم (١٦٥٧) في الإيمان من حديث ابن عمر رضي‌الله‌عنهما.

(٥) رواه البخاري (٩١ و ٢٤٢٧ و ٢٤٢٨) ، ومسلم (١٧٣٢) ، والموطأ (٢ / ٧٥٧) من حديث زيد بن خالد الجهني.

١١٢

فلقيته بعد بمكة فقال : لا أدري بعد ثلاثة أحوال أو حولا واحدا (١). وفي البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : لما فتح الله على رسوله مكة قام في الناس خطيبا : فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «إن الله حبس عن مكة الفيل ـ هكذا في البخاري في رواية الأصيلي ـ وفي رواية القابسي : القتل ، وسلط عليها رسوله والمؤمنين ، وإنها لم تحل لأحد قبلي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار ، وإنها لن تحل لأحد بعدي ، ولا ينفّر صيدها ، ولا يعضد شجرها». وفي حديث آخر : «ولا يعضد عضاهها». وفي آخر : «لا يختلى شوكها ، ولا تحلّ لقطتها». وفي آخر : «لا تحل ساقطتها إلا لمنشد». وفي آخر : «إلا لمعرّف ، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يفدي وإما أن يقيد» ، فقال العباس : إلا الإذخر فإنه لقبورنا وصاغتنا (٢).

وفي حديث أبي هريرة لقبورنا وبيوتنا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إلا الإذخر» ، فقام أبو شاه رجل من أهل اليمن فقال : أكتب لي يا رسول الله. قال : فكتب له هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣).

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

فيمن قال حائطي صدقة في سبيل الله إنه على الأقارب

وتوقيف مال الغائب والتوكيل على القسمة

في الموطأ والبخاري ومسلم عن أنس قال : كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا من نخل ، وكان أحب أمواله إليه : بيرحاء ، وكانت مستقبلة المسجد ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيّب. قال أنس : فلما نزلت هذه الآية : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران : الآية ٩٢]. قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله إن الله يقول في كتابه (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران : الآية ٩٢]. وإن أحب أموالي إلى بيرحاء ، وإنها صدقة لله أرجو برّها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث شئت. قال : فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بخ ذلك مال رابح ـ ويروى رابح ـ ذلك مال رائح قد سمعت ما قلت فيها وإني أرى أن تجعلها في الأقربين». فقال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه (٤). وفي حديث آخر للبخاري : «اجعلها لفقراء قرابتك». قال أنس : فجعلها لحسّان بن

__________________

(١) رواه البخاري (٢٤٢٦ و ٢٤٣٧) ، ومسلم (١٧٢٣) ، وأبو داود (١٧١٠) من حديث سويد بن غفلة رضي‌الله‌عنه.

(٢) رواه البخاري (١١٢ و ٢٤٣٤) ، ومسلم (١٣٥٥) ، وأبو داود (٢٠١٧) من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه.

(٣) رواه البخاري (٢٤٣٤) ، ومسلم (١٣٥٥ (٤٤٧) ، والترمذي رقم (١٤٠٥).

(٤) رواه البخاري (١٤٦١ و ٢٣١٨) ، ومسلم (٩٩٨) ، والموطأ (٢ / ٩٩٥ و ٩٩٦) ، وأبو داود (١٦٨٩) من حديث أنس رضي‌الله‌عنه.

١١٣

ثابت ، وأبيّ بن كعب ، وكانا أقرب إليه مني (١).

وفيه من الفقه أن من قال داري صدقة ولم يبين : للفقراء أو غيرهم فهو جائز ويضعها في الأقربين أو حيث أراد. وقال بعضهم : لا يجوز حتى يبيّن لمن ، والأول أصح.

وفيه إذا تصدق بأرض ولم يبيّن الحد فهي جائزة إذا كانت مشهورة وهذا كله في البخاري.

في موطأ مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال : أخبرني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن عمر بن طلحة عن عبيد الله بن عمير بن سلمة الضمري عن البهزي واسمه زيد بن كعب أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج يريد مكة وهو محرم حتى إذا كان بالروحاء إذا حمار وحشي عقير ، فذكر ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «دعوه فإنه يوشك أن يأتي صاحبه» ، فجاء البهزي ـ وهو صاحبه ـ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شأنكم بهذا الحمار. فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا بكر فقسمه بين الرفاق ثم مضى حتى إذا كان بالإثابة بين الرويبة والعرج إذا ظبي واقف في ظل وفيه سهم فزعم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر رجلا يقف عنده لا يريبه أحد من الناس حتى يجاوزه (٢). فيه من الفقه : إباحة أكل الصيد للمحرم إذا لم يصدّ من أجله وهبة المشاع ، بخلاف قول أبي حنيفة ، وابن أبي ليلى ، وفضل أبي بكر ـ رضي‌الله‌عنه ـ على جميع الصحابة ، وحرز مال الغائب والتوكيل على القسمة ، وقبول الإمام الهدية.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في الودائع والأمانات

في أحكام ابن زياد أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ليس على أمين غرم» (٣). وقال أهل العلم : إلا أن يعدي. وفي غير الأحكام : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «على كل يد رد ما قبضت» (٤) ، وتأول ذلك بعض العلماء : أن الأمانة تضمن لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على كل يد قيم ، ولقول الله عزوجل : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) [النّساء : الآية ٥٨].

وذكر ابن سلام وغيره : أن هذه الآية نزلت في ولاية الكعبة إذ طلب العباس من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) رواه البخاري معلقا باب رقم (١٠) باب إذا وقف أو أوصى لأقاربه ، ومن الأقارب بعد رقم (٢٧٥١) في الوصايا. وقد قال الحافظ في الفتح : وقد أخرجه ابن خزيمة ، والطحاوي جميعا عن أبي مرزوق. وأبو نعيم في (المستخرج) من طريقه والبيهقي من طريق أبي حاتم الرازي كلاهما عن الأنصاري بتمامه.

(٢) رواه مالك في الموطأ (١١٣٩) ، والنسائي (٥ / ١٨٢ و ١٨٣) و (٧ / ٢٠٥) وإسناده صحيح. قال الحافظ في الفتح (٤ / ٢٨) : أخرجه مالك وأصحاب السنن. وصححه ابن خزيمة وغيره.

(٣) لم نجده بهذا اللفظ.

(٤) رواه أبو داود (٣٥٦١) ، والترمذي (١٢٦٦). من حديث الحسن عن سمرة. والحسن مختلف في سماعه من سمرة. وقال الترمذي : هذا حديث حسن بلفظ (على اليد ما أخذت حتى تؤديه).

١١٤

مفتاح الكعبة ، فأنزل الله عزوجل : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) [النّساء : الآية ٥٨] ، فدفع المفتاح إلى عثمان بن طلحة. وفي حديث آخر : إلى شيبة بن عثمان ، والقول الأول قول مالك وهو أشهر.

وروي أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم نادى : «أين عثمان؟» فتطاول له عثمان بن عفان فقال : «أين عثمان بن طلحة؟» وكان عثمان بن طلحة قصيرا فحمله رجل من بني الحضرمي فدفع إليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم المفتاح ، وكان مغطى فغطاه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : «دونكموها يا بني أبي طلحة تالدة خالدة لا يظلمكموها إلا ظالم» (١).

وفي رواية أخرى : «إلا كافر». وكان ذلك عام حجة الوداع ، وكان طلحة والد عثمان هذا قتله علي بن أبي طالب يوم أحد مبارزة ، فصار المفتاح عند أم ولده سلافة أم عثمان بن طلحة. واختلف أبو حنيفة والشافعي ومالك في تحليف الأمين إذا ادعى التلف ، فقال أبو حنيفة والشافعي : يحلف وإن كان أمينا ، وقال مالك : لا يحلف إلا أن يكون متهما.

قال ابن المنذر في الأشراف : اليمين أصح وأحسن. وروى ابن نافع عن مالك في (المبسوط) : إذا ادعى المقارض أن المال تلف أو بعضه حلف كان متهما أو غير متهم ، وبه قال ابن المواز.

وفي الواضحة : لا يحلف إلا أن يكون متهما أو غير أمين.

وفي المبسوط في تلف الوديعة كذلك يحلف على كل حال ، وكذلك في المدونة لابن القاسم عن مالك يحلف متهما كان أو غير متهم.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في ضمان العارية التي يغلب عليها

في الموطأ عن مالك عن ابن شهاب أنه بلغه أن نساء كن في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرسلن في أرضهن ، وهن غير مهاجرات ، وأزواجهن حين أسلمن كفار ، منهن : بنت الوليد بن المغيرة وكانت تحت صفوان بن أمية ، فأسلمت يوم الفتح ، وهرب زوجها صفوان بن أمية من الإسلام ، فبعث إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ابن عمه وهو : وهب بن عمير برداء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمانا لصفوان بن أمية ، ودعاه رسول الله إلى الإسلام وأن يقدم عليه فإن رضي أمرا قبله وإلا سيّره شهرين ، فلما

__________________

(١) رواه ابن ابي شيبة (١٤ / ٤٧٨). وابن كثير في التفسير باب قوله تعالى (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) (ج / ١ / ٥١٥) وقال ابن كثير. وقال محمد بن اسحاق في غزوة الفتح : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير بن عبد الله بن أبي ثور ، عن صفية بنت شيبة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما نزل بمكة واطمأن. وذكره. وصفية بنت شيبة ـ قال الحافظ في التقريب : لها رؤية. حدثت عن عائشة وغيرها. وفي البخاري التصريح بسماعها من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ومحمد بن جعفر بن الزبير قال الحافظ : ثقة.

١١٥

قدم صفوان إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بردائه ناداه على رءوس الناس فقال : يا محمد إن هذا وهب بن عمير جاءني بردائك وزعم أنك دعوتني للقدوم عليك ، فإن رضيت أمرا قبلته وإلا سيرتني شهرين. قال : فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بل لك أن تسير أربعة أشهر» ، ثم إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج قبل هوازن بحنين ، فأرسل إلى صفوان بن أمية يستعير أداة وسلاحا عنده ، فقال صفوان : أطوعا أم كرها؟ قال : «بل طوعا» ، فأعاره الأداة والسلاح الذي عنده.

وفي رواية يحيى : ثم رجع وهو غلط. والصواب ثم خرج ـ وكذلك سائر الرواة ـ مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو كافر فشهد حنينا والطائف وهو كافر وامرأته مسلمة ، ولم يفرق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينه وبين امرأته حتى أسلم صفوان واستقرت امرأته عنده بذلك النكاح ، وكان بين إسلامهما نحوا من شهر (١).

وفي مصنف عبد الرزاق عن بعض بني صفوان بن أمية قال : استعار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من صفوان عاريتين : إحداهما بضمان والأخرى بغير ضمان (٢).

وفي السير وغيرها ، وذكره ابن شعبان : أن العارية كانت مائة درع بما يكفيها من السلاح ، وزعموا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سأله أن يكفيهم حملها ففعل. وفي كتاب النسائي : حملها على ثلاثين جملا (٣) ، وفي غير الموطأ : أن صفوان بن أمية قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما سأله السلاح : أغصبا يا محمد؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بل عارية مؤداة» (٤) ، فأصحاب الكلام يرون العارية في ضمان المستعير حتى يؤديها إلى صاحبها وإن تلفت وعرف تلفها لم يسقط الضمان لظاهر الحديث. ومالك ـ رحمه‌الله ـ وغيره أيضا يقولون : إذا قامت بينة بهلاك العارية سقط الضمان ، فإن كانت مما لا يغاب عليه : كالحيوان ، فلا ضمان عليه ، وهو مصدّق في ادعاء التلف مع يمينه ما لم يظهر كذبه.

وفي مصنف أبي داود أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يا صفوان هل عندك من سلاح؟» قال : أعارية أم غصب؟ قال : «بل عارية» ، فأعاره ما بين الثلاثين إلى الأربعين درعا ، وغزا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حنينا فلما هزم المشركون جمعت دروع صفوان ففقد منها أدراعا ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لصفوان : «إنا فقدنا من دروعك أدراعا فهل نغرم لك» ، فقال : لا يا رسول الله لأن في قلبي اليوم ما لم

__________________

(١) رواه مالك (٢ / ٥٤٣ و ٤٤٤) بلاغا وإسناده منقطع ـ قال ابن عبد البرّ : لا أعلمه يتصل من وجه صحيح.

وهو حديث مشهور معلوم عند أهل السير. وابن شهاب إمام أهلها. وشهده هذا الحديث أقوى من إسناده. وقد روى بعضه مسلم.

(٢) رواه عبد الرزاق (١٤٧٨٩) وفيه جهالة الرجل. الراوي عنه معمر رحمه‌الله.

(٣) رواه النسائي (٥٧٧٦) و (٥٧٧٧) ، والدارقطني (٣ / ٣٩) من حديث يعلى بن أمية رضي‌الله‌عنه. وهو حديث صحيح.

(٤) رواه الدارقطني (٣ / ٣٩ و ٤٠) من حديث يعلى بن أمية وهو حديث حسن.

١١٦

يكن يومئذ. وقال أبو داود : وكان أعاره إياها قبل أن يسلم (١). وفي الدلائل للأصيلي قال مالك : لا ضمان في عارية إلا ما يغاب ويخفى هلاكه فإن علم هلاكه بغير سبب المستعير فلا ضمان عليه. وقال أبو حنيفة : لا ضمان في عارية خفي هلاكها أو لم يخف. وقال الشافعي : تضمن العارية على كل حال ، وإن قيل أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «على اليد رد ما أخذت». قيل : هذا الحديث يروى عن الحسن ، عن سمرة ، والحسن عن سمرة غير حجة أيضا فإن الحسن لا يرى تضمين العارية ، فإن قيل : إن في حديث صفوان بل عارية مضمونة فيقال لهم : لو ثبت هذا اللفظ ما لزم أن تكون العارية بذلك مضمونة كما كان. زعم الشافعي أن استعارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من صفوان قبل إسلام صفوان فالتزم له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ضمان العارية لمكان الوفاء منه لصفوان ، ولما أعطاه من ألزمه في نفسه وما لزم به لأهل الكفر لا يستدل به في أحكام الدين.

وروى قاسم بن أصبغ عن ابن وضاح عن سحنون عن ابن قيس عن حمزة بن أبي حمزة الضبي يرفع الحديث إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «من بنى في ربع قوم بإذنهم فأرادوا إخراجه فله قيمته ومن بنى في ربع قوم بغير إذنهم فليس له إلا النقض» (٢). وتكلّم في عمرو بن قيس وحمزة الضبي.

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

في المواريث

في معاني القرآن للنحاس : روى جابر بن عبد الله الأنصاري : أن امرأة سعد بن الربيع أتت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : يا رسول الله إن زوجي قتل معك ، وإنما يتزوج النساء للمال. وخلّفني وخلف ابنتين وأبا وهو الربيع ، فأخذ الأب المال فدعاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «ادفع إليها الثمن وإلى البنتين : الثلثين ولك ما بقي» (٣).

وذكر محمد بن سحنون في كتاب الفرائض من تأليفه أنها لما قالت للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قد علمت أن النساء إنما ينكحن لأموالهن. قال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قد يرى الله مكانهما وإن يشأ أنزل فيهما» ، فمكث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أياما ، ثم أرسل إلى امرأة سعد أن تعالي فقد أنزل الله فيك وفي ابنتيك ، فتلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه الآية : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) [النّساء : الآية ١١]. فأعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الزوجة : الثمن ،

__________________

(١) رواه أبو داود (٣٥٦٣) عن أناس من آل عبد الله بن صفوان وإسناده صحيح.

(٢) رواه الدارقطني (٤ / ٢٤٣) ، والبيهقي (٦ / ٩١) ، وابن عدي (٥ / ٨) ترجمة عمر بن قيس المكي. وفي إسناده عمر بن قيس قال الدارقطني : تركه أحمد والنسائي. وقال يحيى : ليس بثقة. وقال البخاري : منكر الحديث.

(٣) ذكره النحاس في معاني القرآن. من حديث جابر رضي‌الله‌عنه بدون سند ويشهد له ما بعده.

١١٧

والابنتين : الثلثين ، والأب ما بقي. قال : فهذا أول ميراث قسم في الإسلام ، ميراث : سعد بن الربيع الأنصاري. أخبرنيه سحنون عن ابن وهب ، عن داود بن قيس ، وغيره عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب عن جابر بن عبد الله : أن امرأة سعد (١).

وفي البخاري : قال هذيل بن شرحبيل : سئل أبو موسى عن رجل توفّي ، وترك ابنة ، وابنة ابن ، وأختا ، فقال : للابنة النصف ، وللأخت النصف ، وائت ابن مسعود فسيتابعني. فسئل ابن مسعود وأخبر بقول أبي موسى فقال : لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين ، أقضي بينهم بما قضى به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : للابنة النصف ، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين ، وما بقي فللأخت ، فأتيا أبا موسى فأخبراه بقول ابن مسعود فقال : لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم (٢).

وفي البخاري ومسلم عن ابن عباس : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأول رجل ذكر» (٣). وتأول هذا عند أهل العلم في العصبة الذين لا يرثون إلا أن يكونوا رجالا مثل : العمّات والأعمام ، وبني الأخوة ، وبني الأعمام ، وإنما يؤخذ ما بقي من هؤلاء الرجال دون النساء ، وأما لو ترك الميت ابنة وأختا شقيقة كان للابنة النصف ، والنصف بين الأخوين للذكر مثل حظ الأنثيين ، وكذلك ابنة وأخا وأختا للأب. الجواب فيها سواء ، ولا يقال في هذا : الذكر أولى من أخته. وفي غير البخاري ومسلم عن ابن عباس وابن الزبير في ابنة وأخت قالا : للابنة النصف ، وللعصبة النصف ، ولا شيء للأخت. قيل لابن عباس : إن ابن عمر كان يرى للابنة النصف ، وللأخت النصف. فقال ابن عباس : أنتم أعلم أم الله؟ قال معمر : فلم أدر ما وجه ذلك حتى أتيت ابن طاوس فأخبرني عن أبيه أنه سمع ابن عباس يقول : قال الله عزوجل : (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ) [النّساء : الآية ١٧٦]. قال ابن عباس : فقلتم أنتم أن لها النصف وإن كان له ولد.

قال ابن طاوس : كان أبي يذكر عن ابن عباس عن رجل عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها شيئا ، وكان طاوس لا يرضى ذلك الرجل ، وكان يشك فيها فلا يقول فيها شيئا (٤).

__________________

(١) رواه أحمد (١٤٧٩٨) ، والترمذي (٢٠٩٢) ، وأبو داود (٢٨٩١ و ٢٨٩٢) ، والبيهقي (٦ / ٢١٦) و (٢٢٩) ، والدارقطني (٤ / ٧٨ و ٧٩) ، والحاكم (٤ / ٣٣٣) من حديث جابر رضي‌الله‌عنه. وفي إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل. قال الحافظ : صدوق في حديثه لين يقال تغير بآخره. أقول : وللحديث شواهد يتقوى بها.

(٢) رواه البخاري (٦٧٣٦ و ٦٧٤٢). من حديث أبي مولى رضي‌الله‌عنه.

(٣) رواه البخاري (٦٧٣٥) ، ومسلم (١٦١٥) ، وأبو داود (٢٨٩٨) من حديث ابن عباس رضي‌الله‌عنهما.

(٤) ذكره ابن كثير في تفسير قوله تعالى (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ) وقال : وقد نقل ابن جرير وغيره عن عبد الله بن الزبير وابن عباس أنهما كانا يقولان وذكره. هكذا بدون سند (ج / ١ / ٥٩٣).

١١٨

وفي الموطأ عن ابن شهاب عن عثمان بن أبي إسحاق بن حرشة عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال : جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها فقال أبو بكر : ما لك في كتاب الله من شيء ، وما علمت لك في سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شيئا فارجعي حتى أسأل الناس. فقال المغيرة بن شعبة : حضرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعطاها السدس ، فقال أبو بكر : هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال المغيرة ، فأنفذ لها أبو بكر الصديق ، ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر بن الخطاب تسأله ميراثها فقال لها : ما لك في كتاب الله شيء وما كان القضاء الذي قضي به إلا لغيرك ، وما أنا بزائد في الفرائض شيئا ، ولكنه ذلك السدس فإن اجتمعتما فيه فهو بينكما وأيتكما خلت به فهو لها (١).

وفي مصنف عبد الرزاق عن منصور عن إبراهيم قال : حدّثت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أطعم ثلاث جدات السدس ، قلت لإبراهيم : وما هنّ؟ قال : جدتا أبيه أم أمه وأم أبيه وجدته أم أمه (٢).

وفي كتاب الفرائض من ديوان محمد بن سحنون قال : حدثني أبو محمد بن عمر عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب أنه قال : قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أن الأخ للأب والأم أولى من الأخ للأب ، ثم الأخ للأب أولى من ابن الأخ للأب والأم ، فإذا كان بنو الأب والأم وبنو الأب بمنزلة واحدة إلى نسب واحد فبنو الأب والأم أولى من بني الأب ، وإذا كان بنو الأب أرفع من بني الأب والأم بأب فبنو الأب أولى ، وإذا استووا في النسب فبنو الأب والأم أولى من الأب.

قال : وقد قضى أن العم للأب والأم أولى من العم للأب ، وأن العم للأب أولى من بني العم للأب والأم ، فإذا كان بنو الأب والأم وبنو الأب بمنزلة واحدة إلى نسب واحد فبنو الأب والأم أولى من بني الأب ، ولا يرث عم ولا ابن عم مع أخ ولا ابن أخ وقضى أنه ما كان له عصبة من المجردين فلهم ميراثه على فرائضهم في كتاب الله تعالى (٣).

قال محمد بن سحنون : وهذا الحديث مجمع عليه عند العلماء. روى حماد بن سلمة : أن ثابت بن الدحداح مات ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعاصم بن عدي : «هل تعلم له نسبا في العرب؟» فقال : لا إن عبد المنذر تزوج أخته فولدت له أبا لبابة ، وهو ابن أخته (٤). من كتاب محمد بن النصر

__________________

(١) رواه مالك (٢ / ٥١٣) ، والترمذي (٢١٠١) ، وأبو داود (٢٨٩٤) وإسناده منقطع رواية قبيصة بن ذؤيب عن أبي بكر مرسلة. وحديث الباب يدل على أن فرض الجدة السدس. وكذلك فرض الجدتين والثلاث. وقد نقل محمد بن نصر من أصحاب الشافعي اتفاق الصحابة والتابعين على ذلك حكى ذلك عنه البيهقي. وانظر (الفتح) (١ / ١٢ / ١٥ و ١٦).

(٢) رواه عبد الرزاق (١٩٠٧٩) ، والبيهقي (٦ / ٢٣٦) ، والدارمي (٢ / ٣٥٨) (٢٩٧٧) من طريق منصور عن إبراهيم بن زيد النخعي. وإسناده معضل.

(٣) هذا حديث منقطع. وفي إسناده ابن جريج قال الحافظ. كان يرسل ويدلس.

(٤) رواه البيهقي (٦ / ٢١٥). وإسناده منقطع.

١١٩

المروزي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن رجلا رمى رجلا بسهم فقتله ولا وارث له إلا خاله كتب بذلك أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر فكتب عمر : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الله ورسوله مولى من لا مولى له ، والخال وارث من لا وارث له» (١).

حدثنا وكيع عن أبي خالد عن الشعبي أن مولى لابنة حمزة توفي وترك ابنته وابنة حمزة ، فأعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ابنته النصف وابنة حمزة النصف (٢).

قال الشعبي. لا أدري أكان هذا قبل الفرائض أم بعدها ، وابنة حمزة إنما أخرجها علي من مكة سنة سبع عام عمرة القضاء ، والفرائض إنما نزلت بعد أحد بقليل.

قال ابن أبي نصر وقال بعضهم : إنما خرجت من مكة وهي غير مدرك فإن كان ذلك فقد أمكن إدراكها وعتقها وموت مولاها في هذه المدة بعد نزول الفرائض. وفي هذا رد على من يورثه بالرد. وقد روي أن المولى كان لحمزة والصحيح كان لابنته. روى وائلة بن الأسقع أبو صافة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ترث المرأة ثلاثة مواريث : عتيقها ولقيطها والولد الذي لاعنت له» (٣).

«حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم»

بالولد للفراش ومن استلحق بعد موت أبيه

من كتاب ابن نصر (٤) المروزي : اتفق أهل العراق والحجاز والشام ومصر : على أن الزاني لا يلحق به نسب ، وكان إسحاق بن راهواه يذهب إلى أن المولود من الزنا إن لم يكن مولودا على فراش يدعيه صاحبه فلا يرثه ، إذا ادّعاه الزاني ألحق به ، وتأول قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الولد للفراش وللعاهر الحجر» (٥) على ذلك ، واحتج بما روي عن الحسن في رجل زنى بامرأة فولدت ولدا فادعى ولدها قال : يجلد ، ويلزمه الولد.

__________________

(١) رواه البيهقي (٦ / ٢١٤) مطولا ، والترمذي (٢١٠٤) في الفرائض وهو حديث حسن.

(٢) رواه البيهقي (٦ / ٢٤١). وإسناده منقطع.

(٣) رواه البيهقي (٦ / ٢٤٠). وفي إسناده عمر بن روبة وقال : هذا غير ثابت. قال : البخاري عمر بن روبة التغلبي عن عبد الواحد النصري فيه نظر. بلفظ (تحوز المرأة ثلاثة مواريث لقيطها. وعتيقها. وولدها الذي لا عنت له). ورواه الحاكم في المستدرك (٤ / ٣٤١) وقال الذهبي في التلخيص : هو من السنن الأربع من طريق عمر بن روبة عن عبد الواحد بن عبد الله عن واثلة رضي‌الله‌عنه.

(٤) ابن نصر : هو أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي الفقيه العابد العالم. كان عالما بالحديث والفقه ـ قال أبو محمد الثقفي : سمعت جدي يقول : جالست أبا عبد الله المروزي أربع سنين فلم أسمعه طول تلك المدة يتكلم في غير العلم. توفي رحمه‌الله سنة (٢٩٤ ه‍ (.

(٥) رواه البخاري (٦٨١٨) ، ومسلم (١٤٥٨) ، والترمذي رقم (١١٥٧) من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه.

١٢٠