كتاب سيبويه - ج ١

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]

كتاب سيبويه - ج ١

المؤلف:

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٨٢

المصدر كأنه قال أظنّ ذاك الظنّ أو أظنّ ظنى ، وانما يضعف هذا اذا ألغيت لان الظنّ يلغى في مواضع أظن حتى يكون بدلا من اللفظ به فكره إظهار المصدر هيهنا كما قبح أن يظهر ما انتصب عليه سقيا وسترى ذلك ان شاء الله مبيّنا وهو ذاك أحسن لانه ليس بمصدر وانما هو اسم مبهم يقع على كل شيء ، ألا ترى أنك لو قلت زيد ظنى منطلق لم يجز أن تضع ذاك مكانها وترك ذاك في أظنّ اذا كان لغوا أقوى منه اذا وقع على المصدر لان ذاك اذا كان مصدرا فانك لا تجىء به لان المصدر يقبح أن تجىء به هيهنا فاذا قبح فمجيئك بذاك أقبح لانه مصدر وأظنّ بغير الهاء أحسن لئلا يلتبس بالاسم وليكون أبين في أنه ليس يعمل ، فاما ظننت أنه منطلق فاستغنى بخبر أنّ تقول أظنّ أنّه فاعل كذا وكذا فتفسر ، وانما يقتصر على هذا اذا علم أنه مستغن بخبر أنّ وقد يجوز أن تقول ظننت زيدا اذا قال من تظنّ أي من تتّهم فتقول ظننت زيدا كأنه قال اتّهمت زيدا وعلى هذا قيل ظنين أي متّهم ولم يجعلوا ذاك في حسبت وخلت وارى لان من كلامهم أن يدخلوا المعنى في الشىء لا يدخل في مثله ، وسألته عن أيّهم لم لم يقولوا أيّهم مررت به فقال لان أيّهم هو حرف الاستفهام لا يدخل عليه الالف وانما تركت الالف استغناء فصارت بمنزلة الابتداء ، ألا ترى أن حدّ الكلام أن تؤخّر الفعل فتقول أيّهم رأيت كما تفعل ذلك بالالف فهي نفسها بمنزلة الابتداء فان قلت أيّهم زيدا ضرب قبح كما قبح في متى ونحوها وصار أن يليها الفعل هو الاصل لانها من حروف الاستفهام ولا يحتاج الى الالف فصارت كمتى وأين ، وكذلك من وما لانّهما تجريان معها ولا تفارقانها تقول : من أمة الله ضربها ، وما أمة الله أتاها ، نصب في كلّ ذا لانه أن يلي هذه الحروف الفعل أولى كما أنه لو اضطّرّ شاعر في متى زيدا ضربته.

[باب من الاستفهام يكون الاسم فيه رفعا لانك تبتدئه لتنبّه المخاطب ثم تستفهم بعد]

وذلك قولك زيد كم مرّة رأيته ، وعبد الله هل لقيته ، وعمرو هلا لقيته ، وكذلك سائر حروف الاستفهام فالعامل فيه الابتداء كما أنك لو قلت أرأيت زيدا هل لقيته كان أرأيت هو العامل وكذلك اذا قلت قد علمت زيدا كم لقيته كان علمت هو

٨١

العامل فكذلك هذا فما بعد المبتدأ من هذا الكلام في موضع خبره ، فان قلت زيد كم مرة رأيت فهو ضعيف إلا أن تدخل الهاء كما ضعف في قوله كلّه لم أصنع ، ولا يجوز أن تقول زيدا هل رأيت إلا أن تريد معنى الهاء مع ضعفه فترفع لانك قد فصلت بين المبتدأ وبين الفعل فصار الاسم مبتدأ والفعل بعد حرف الاستفهام ولو حسن هذا أو جاز لقلت قد علمت زيد كم ضرب ولقلت أرأيت زيد كم مرة ضرب على الفعل الآخر فكما لا تجد بدّا من إعمال الفعل الأول ، كذلك لا تجد بدّا من إعمال الابتداء لانك انما تجيء بالاستفهام بعد ما تفرغ من الابتداء ولو أرادوا الاعمال لما ابتدؤا بالاسم ألا ترى أنك تقول : زيد هذا أعمر وضربه أم بشر ، ولا تقول عمرا أضربت فكما لا يجوز هذا لا يجوز ذلك ، فحرف الاستفهام لا يفصل فيه بين العامل والمعمول ثم يكون على حاله اذا جاءت الالف أولا وانما يدخل على الخبر ، ومما لا يكون الا رفعا قولك أأخواك اللذان رأيت لأن رأيت صلة للذين وبه يتمّ اسما فكأنك قلت أأخواك صاحبانا ، ولو كان شيء من هذا ينصب شيئا في الاستفهام لقلت في الخبر زيدا الذي رأيت فنصبت كما تقول زيدا رأيت ، واذا كان الفعل موضع الصفة فهو كذلك وذلك قولك أزيد أنت رجل تضربه وأكلّ يوم ثوب تلبسه فاذا كان وصفا فأحسنه أن يكون فيه الهاء لانه ليس بموضع إعمال ولكنه يجوز كما جاز في الوصل لأنه في موضع ما يكون من الاسم ، ولم تكن لتقول أزيدا أنث رجل تضربه وأنت اذا جعلته وصفا للمفعول لم تنصبه لأنه ليس بمبنى على الفعل ولكن الفعل في موضع الوصف كما كان في موضع الخبر ، فمن ذلك قول الشاعر : [رجز]

(١) أكلّ عام نعم تحوونه

يلقحه قوم وتنتجونه

__________________

(١٠٢) الشاهد في رفع نعم لان قوله تحوونه في موضع وصفه فلا يعمل فيه لان النعت من تمام المنعوت فهو كالصلة من الموصول فكما لا يعمل فيه لا يكون تفسيرا لفعل مضمر في معناه* وصف قوما بالاستطالة على عدوهم وشن الغارة فيهم فكلما ألقح عدوهم ابلهم أغاروا عليها فنتجت عندهم ، والا لقاح الحمل على الناقة حتى تلقح أي تحمل ، ويقال نتجت الناقة أنتجها وأنتجتها اذا نتجت عندك فكأنك وليت ذلك منها ، ونصب كل عام على الظرف وان كان بعده النعم وهو جثة لان المعنى أتحوون النعم كل عام فالظرف على الحقيقة انما هو للاحتواء لا للنعم ويجوز أن يكون التقدير أكل عام حدوث نعم محوي فحذف اختصارا لعلم السامع كما يقال الليلة الهلال أي طلوعه وحدوثه.

٨٢

وقال زيد الخيل : [طويل]

(١) أفي كلّ عام مأتم تبعثونه

على محمر ثوّبتموه ومارضا

وقال جرير فيما ليست فيه الهاء [وافر]

أبحت حمى تهامة بعد نجد

وما شيء حميت بمستباح (٢)

وقال الشاعر [وهو الحارث بن كلدة] [وافر]

فما أدري أغيّرهم تناء

وطول العهد أم مال أصابوا (٣)

ومما لا يكون فيه الا الرفع أعبد الله أنت الضاربه لانك انما تريد معنى أنت الذي ضربه فهذا لا يجري مجرى يفعل ، ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول ما زيدا أنا الضارب ولا زيدا أنت الضارب وانما تقول الضارب زيدا على مثل قولك الحسن وجها ألا ترى أنك لا تقول أنت المائة الواهب كما تقول أنت زيدا ضارب ، وتقول هذا ضارب كما ترى فيجيء على معنى هذا يضرب وهو يعمل في حال حديثك وتقول هذا ضارب فيجيء على معنى هذا سيضرب واذا قلت هذا الضارب فانما تعرّفه على معنى الذي يضرب فلا يكون الا رفعا ، كما أنك لو قلت أزيد أنت ضاربه اذا لم ترد بضاربه الفعل وصار معرفة رفعت فكذلك هذا الذي لا يجيء الا على هذا المعنى فانما يكون بمنزلة الفعل نكرة وأصل وقوع الفعل صفة للنكرة كما لا يكون الاسم كالفعل إلا نكرة ، ألا ترى أنك لو قلت أكلّ يوم زيدا تضربه لم يكن الا نصبا لانه ليس بوصف فاذا كان وصفا فليس بمبنى عليه الأول كما انه لا يكون الاسم مبنيا عليه في الخبر فلا يكون ضارب بمنزلة يفعل وتفعل إلا نكرة ، وتقول أذكر أن

__________________

(١٠٣) الشاهد في رفع مأتم لان تبعثونه في موضع الوصف له فلا يعمل فيه كما تقدم* وصف فرسا أهدى اليه ثوابا عن يد كانت منه الى مهديه ، فيقول ندمتم على ما أهديتم الينا وحزنتم حزن من فقد حميما فجمع له مأتما ، والمأتم النساء يجتمعن في الخير والشر وأراد به هيهنا اجتماعهن في الشر خاصة ، ثم وصف أن ذلك الفرس محمر أي هجين أخلاقه كاخلاق الحمير ، ومعنى ثوبتموه جعلتموه لنا ثوابا ، ورضا بمعنى رضى وهي لغة طيىء يكرهون مجىء الياء بعد الكسرة متحركة فيفتحون ما قبلها لتنقلب الى الألف لخفتها.

(١) قد تقدم تفسيرهما وشرحهما في ص ٥٩ رقم ٧٥ ـ ٧٦ فأغنى ذلك عن اعادتهما

٨٣

تلد ناقتك أحبّ اليك أم انثى ، كأنه قال أذكر نتاجها أحبّ اليك أم انثى فان تلد اسم وتلد به يتمّ الاسم كما يتمّ الذي بالفعل فلا عمل له هنا كما ليس يكون لصلة الذي عمل وتقول أزيد أن يضربه عمرو أمثل أم بشر كأنه قال أزيد ضرب عمرو إياه أمثل أم بشر ، فالمصدر مبني على المبتدأ وأمثل مبني عليه ولم ينزل منزلة يفعل فكأنه قال أزيد ضاربه خير أم عمرو ، وذلك أنك ابتدأته فبنيت عليه فجعلته اسما ولم يلتبس زيد بالفعل اذ كان صلة له كما لم يلتبس به الضاربه حين قلت زيد أنت الضاربه الا أن الضاربه في معنى الذي ضربه والفعل تمام هذه الاسماء فالفعل لا يلتبس بالاول اذا كان هكذا وتقول أأن تلد ناقتك ذكرا أحبّ اليك أم انثى لانك حملته على الفعل الذي هو صلة أن فصار في صلة أن مثل قولك الذي رأيت أخاه زيد ولا يجوز أن تبتدأ بالاخ قبل الذي تعمل فيه رأيت أخاه زيد ، فكذلك لا يجوز النصب في قولك أذكر أن تلد ناقتك أحبّ اليك أم أنثى وذلك أنكّ لو قلت أخاه الذي رأيت زيد لم يجز وأنت تريد الذي رأيت أخاه زيد ، ومما لا يكون في الاستفهام الا رفعا قولك أعبد الله أنت أكرم عليه أم زيد ، وأعبد الله أنت له أصدق أم بشر كأنّك قلت أعبد الله أنت أخوه أم عمرو ، ولانّ أفعل ليس بفعل ولا اسم يجري مجرى الفعل ، وانما هو بمنزلة شديد وحسن ونحو ذلك ، ومثله أعبد الله أنت له خير أم بشر ، وتقول أزيد أنت له أشدّ ضربا أم عمرو فانما انتصاب الضّرب كانتصاب زيد في قولك ما أحسن زيدا وانتصاب وجه في قولك حسن وجه الاخ ، فالمصدر هيهنا كغيره من الاسماء كقولك أزيد أنت أطلق له وجها أم فلان وليس له سبيل الى الإعمال وليس له وجه في ذلك ، ومما لا يكون في الاستفهام الا رفعا قولك أعبد الله إن تره تضربه ، وكذلك إن طرحت الهاء مع قبحه فقلت أعبد الله إن تر تضرب فليس للآخر سبيل على الاسم لانه جزم وهو جواب الفعل الاول وليس للفعل الاول سبيل لانه مع إن بمنزلة قولك أعبد الله حين يأتيني أضرب فليس لعبد الله في يأتيني حظّ لانه بمنزلة قولك أعبد الله يوم الجمعة أضرب ، ومثل ذلك زيد حين أضرب يأتيني لان المعتمد على زيد آخر الكلام وهو يأتيني ، وكذلك اذا قلت زيدا اذا أتاني أضرب انما هي بمنزلة حين فان لم تجزم الآخر نصبت وذلك قولك أزيدا

٨٤

أن رأيت تضرب وأحسنه أن تدخل في رأيت الهاء لانه غير مستعمل فصارت حروف الجزاء في هذا بمنزلة قولك زيد كم مرّة رأيته فاذا قلت إن تر زيدا تضرب فليس الا هذا لانه بمنزلة قولك حين ترى زيدا يأتيك لانه صار في موضع المضمر حين قلت زيد حين تضربه يكون كذا وكذا ، ولو جاز أن تجعل زيدا مبتدأ على هذا الفعل لقلت القتال زيدا حين تأتي ، تريد القتال حين تأتي زيدا ، وتقول في الخبر وغيره إن زيدا تره تضرب تنصب زيدا ، الا أن الفعل أن يلي إن أولى كما كان ذلك في حروف الاستفهام وهو أبعد من الرفع لانه لا يبنى فيها الاسم على مبتدإ ، وانما أجازوا تقديم الاسم في إن لانها أمّ الجزاء ولا تزول عنه فصار ذلك فيها كما صار في ألف الاستفهام ما لم يجز في الحروف الأخر ، وقال النّمر بن تولب : [كامل]

(١) لا تجزعى إن منفسا أهلكته

واذا هلكت فعند ذلك فاجزعى

وإن اضطّرّ شاعر فجازى باذا أجراها في ذلك مجرى إن فقال أزيد اذا تر تضرب إن جعل تضرب جوابا ، وان رفعها نصب لانه لم يجعلها جوابا ويرفع الجواب حين يذهب الجزم من الاول في اللفظ والاسم هيهنا مبتدأ اذا جزمت نحو قولهم «أيّهم يأتك تضرب» اذا جزمت لانّك جئت بتضرب مجزوما بعد أن عمل الابتداء في أيّهم فلا سبيل له عليه ، وكذلك هذا حيث جئت به مجزوما بعد أن عمل فيه الابتداء ، وأما الفعل الاول فصار مع ما قبله بمنزلة حين وسائر الظروف ، وان قلت زيد اذا يأتيني أضرب تريد معنى الهاء ولا تريد زيدا أضرب اذا يأتيني ولكنك تضع أضرب هيهنا مثل أضرب ادا جزمت وان لم يكن مجزوما لأن المعنى معنى المجازاة في قولك أزيد إن يأتك أضرب ولا تريد به أضرب زيدا فيكون على أول الكلام رفعت عنده فجيد كما لم ترد بهذا أوّل الكلام ، وكذلك حين إذا قلت أزيد حين يأتيك تضرب ، وانما رفعت الاول

__________________

(١٠٤) الشاهد في نصب منفس باضمار فعل دل عليه ما بعده لأن حرف الشرط يقتضي الفعل مظهرا أو مضمرا* وصف أن امرأته لامته على اتلاف ماله جزعا من الفقر فقال لها لا تجزعي من أهلاكي لنفيس المال فاني كفيل باخلافه بعد التلف واذا هلكت فاجزعي فلا خلف لك مني.

٨٥

في هذا كله لانك جعلت تضرب وأضرب جوابا فصار كأنه من صلته اذا كان من تمامه ولم يرجع الى الاول وانما تردّه الى الاول فيمن قال «إن تأتني آتيك» وهو قبيح وانما يجوز في الشعر ، وإذا قلت أزيد إن يأتك تضربه فليس تكون الهاء الا لزيد ويكون الفعل الآخر جوابا للاول ، ويدلك على أنها لا تكون الا لزيد أنك لو قلت «أزيد إن تأتك أمة الله تصربها» لم يجز لانك ابتدأت زيدا ولا بدّ من خبر ولا يكون ما بعده خبرا له حتى يكون فيه ضميره واذا قلت زيدا لم أضرب أو زيدا لن أضرب لم يكن فيه الا النصب لانك لم توقع بعد لم ولن شيئا يجوز لك أن تقدّمه قبلهما فيكون على غير حاله بعدهما كما كان ذلك في الجزاء ولن أضرب نفي لقوله سأضرب كما أن لا تضرب نفي لقوله اضرب ولم أضرب نفي لضربت وتقول كلّ رجل يأتيك فاضرب نصب لان يأتيك هيهنا صفة فكأنّك قلت كلّ رجل صالح اضرب وان قلت أيّهم جاءك فاضرب رفعته لأنه جعل جاءك في موضع الخبر وذلك لأن قوله فاضرب في موضع الجواب وأيّ من حروف المجازاة وكلّ رجل ليست من حروف المجازاة ومثله زيد إن أتاك فاضرب إلا أن تريد أوّل الكلام فتنصب ويكون في حدّ قولك زيدا إن يأتك تضرب وأيّهم يأتك تضرب فيصير بمنزلة الذي ، وتقول زيدا اذا أتاك فاضرب فان وضعته في موضع «زيد إن يأتك تضرب» رفعت فارفع اذا كانت تضرب جوابا ليأتك وكذلك حين ، والنصب في زيد أحسن اذا كانت الهاء يضعف تركها ويقبح كما أن الفعل يقبح اذا لم يكن معه مفعول مضمر أو مظهر فأعمله في الأول وليس هذا في القياس ، يعني اذا لم تجزم بها لأنها تكون بمنزلة حين ، واذا وحين لا يكون واحدة منهما خبرا لزيد ، ألا ترى أنك لا تقول زيد حين يأتيني لأن حين لا تكون ظرفا لزيد وتقول الحرّ حين تأتيني فيكون ظرفا لما فيه من معنى الفعل ، وجميع ظروف الزمان لا تكون ظروفا للجثث ، فان قلت زيدا يوم الجمعة أضرب لم يكن فيه النصب لانه ليس هيهنا معنى جزاء ولا يجوز الرفع إلا على قوله* كلّه لم أصنع* ألا ترى أنك لو قلت زيد يوم الجمعة فأنا أضربه لم يجز ولو قلت زيد اذا جاءني فانا أضربه كان جيّدا يدلّك على انه يكون على غير قوله زيدا أضرب حين يأتيك.

٨٦

[باب الامر والنهي]

الامر والنهي يختار فيهما النصب في الاسم الذي يبني عليه الفعل ويبنى على الفعل كما اختير ذلك في باب الاستفهام لانّ الامر والنهي انما هما للفعل كما أنّ حروف الاستفهام بالفعل أولى وكان الاصل فيها أن يبدأ بالفعل قبل الاسم فكذا الامر والنهى لانهما لا يقعان إلا بالفعل مظهرا أو مضمرا ، وهما أقوى في هذا من الاستفهام لأنّ حروف الاستفهام قد تستعمل وليس بعدهما إلا الاسماء كقولك «أزيد أخوك ، ومتى زيد منطلق ، وهل عمرو ظريف» ، والامر والنهى لا يكونان الا بفعل وذلك قولك «زيدا أضربه وعمرا امر ربه وخالدا اضرب أباه وزيدا اشتر له ثوبا» ، ومثل ذلك أما زيدا فاقتله وأما عمرا فاشتر له ثوبا وأما خالدا فلا تشتم أباه وأما بكرا فلا تمرر به ، ومنه زيدا ليضربه عمرو ، وبشرا ليقتل أباه بكر لانه أمر للغائب بمنزلة افعل للمخاطب ، وقد يكون في الامر والنهي أن يبنى الفعل على الاسم وذلك قولك عبد الله اضربه ابتدأت عبد الله ورفعته بالابتداء ونبّهت المخاطب له ليعرفه باسمه ثم بنيت الفعل عليه كما فعلت ذلك في الخبر ، ومثل ذلك أما زيد فاقتله فاذا قلت زيد فاضربه لم يستقم أن تحمله على الابتداء ، ألا ترى أنك لو قلت زيد فمنطلق لم يستقم فهذا دليل على انه لا يجوز أن يكون مبتدأ فان شئت نصبته على شيء هذا تفسيره كما كان ذلك في الاستفهام ، وان شئت على عليك كأنك قلت عليك زيدا فاقتله وقد يحسن ويستقيم أن تقول عبد الله فاضربه اذا كان مبنيّا على مبتدإ مظهر أو مضمر فاما في المظهر فقولك هذا زيد فاضربه ، وان شئت لم تظهر هذا ويعمل كعمله اذا كان مظهرا وذلك قولك الهلال والله فانظر اليه كأنّك قلت هذا الهلال ثم جئت بالامر ، وممّا يدلّك على حسن الفاء هيهنا أنك لو قلت هذا زيد فحسن جميل كان كلاما جيّدا ، ومن ذلك قول الشاعر [طويل]

(١) وقائلة خولان فانكح فتاتهم

وأكرومة الحيّين خلو كما هيا

__________________

(١٠٥) الشاهد في قوله خولان فانكح فتاتهم فرفع خولان عنده على معنى هؤلاء خولان لامتناعه من أن يكون مبتدأ والفاء داخلة على خبره لانه لا يجوز زيد فمنطلق على الابتداء والخبر والقول عندي أن رفعه على الابتداء والخبر في الفاء وما بعدها لانه في معنى ـ

٨٧

فهذا سمع من العرب تنشده ، وتقول هذا الرجل فاضربه اذا جعلته وصفا ولم تجعله خبرا وكذلك هذا زيدا فاضربه اذا كان معطوفا على هذا أو بدلا ، وتقول اللّذين يأتيانك فاضربهما تنصبه كما نصبت زيدا وان شئت رفعته على أن يكون مبنيّا على مظهر أو مضمر ، وان شئت كان مبتدءا لأنه يستقيم أن تجعل خبره من غير الأفعال بالفاء ، ألا ترى انك لو قلت الذي يأتيني فله درهم والذي يأتيني فمكرم محمول كان حسنا ، ولو قلت زيد فله درهمان لم يجز ، وانما جاز ذلك لأن قوله الذي يأتيني فله درهم في معنى الجزاء فدخلت الفاء في خبره كما تدخل في خبر الجزاء ومن ذلك قوله عزوجل (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ومن ذلك قولهم «كلّ رجل يأتيك فهو صالح ، وكلّ رجل جاء فله درهمان» لأن معنى الحديث الجزاء ، وأمّا قول عديّ بن زيد : [خفيف]

(١) أرواح مودّع أم بكور

أنت فانظر لأيّ ذاك تصير

__________________

ـ المنصوب اذا قلت خولان فانكح فتاتهم والفاء داخلة على فعل الامر دلالة على تعلقه بأول الكلام لأن حكم الامر أن يصدر به فمن حيث جازت الفاء مع النصب جازت مع الرفع ولو جاز زيدا فضربت لجاز زيد فضربته وقد بينت علة هذا في كتاب النكت* يقول رب قائلة حضتني على نكاح هذة المرأة من خولان وهي قبيلة من مذحج ، والا كرومة اسم للكرم كالأحدوثة اسم للحدث فوصف المرأة به على معنى ذات اكرومة وضعها موضع كريمة ونسبها الى الحيين كأنه يريد حي أبيها وحي أمها والخلو التي لا زوج لها وقوله كما هي أي كما عهدت بكرا في أول حالتها.

(١٠٦) الشاهد في قوله أنت فانظر وتقديره على ثلاثة أوجه أحدها أن يكون أنت محمولا على فعل مضمر يفسره ما بعده فيكون في المرفوع على حده في المنصوب اذا قلت زيدا فاضربه والوجه الثاني أن يكون مبتدأ وخبره مضمر والتقدير أنت الهالك فانظر ، والوجه الثالث أن يكون خبر مبتدإ مضمر كانه قال الهالك أنت وقد بين سيبويه الاوجه الثلاثة ويجوز عندي أن يكون أنت مبتدأ وخبره فانظر كما هو لأن معنى أنت فانظر وأنت انظر سواء والفاء زائدة مؤكدة لمعنى تعلق الامر بأول الكلام كما بينت في قوله خولان فانكح فتاتهم ويجوز أن يكون التقدير أرواح أنت على معنى أذو رواح أنت* وصف أن الموت لا يفوته شيء ـ

٨٨

فانه على أن يكون في الذي يرفع على حال المنصوب في الذي ينصب على أنه على شيء هذا تفسيره تقول ترفع أنت على فعل مضمر لان الذي من سببه مرفوع وهو الاسم المضمر الذي في انظر ، وقد يجوز أن يكون أنت على قوله أنت الهالك ، كما يقال اذا ذكر انسان لشيء قال الناس زيد وقال الناس أنت ، ولا يكون على أن تضمر هذا لانك لا تشير للمخاطب الى نفسه ولا تحتاج الى ذلك وانما تشير له الى غيره ، ألا ترى أنك لو أشرت له الى شخصه فقلت هذا أنت لم يستقم ، ويجوز هذا أيضا على قولك شاهداك اي شاهداك ما يثبت لك او ما يثبت لك شاهداك قال الله تعالى (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) فهو مثله ، فاما أن يكون أضمر الاسم وجعل هذا خبره فكأنه قال أمرى طاعة وقول معروف أو يكون أضمر الخبر فقال طاعة وقول معروف أمثل.

واعلم أن الدعاء بمنزلة الامر والنهي وانما قيل دعاء لانه استعظم أن يقال أمر او نهي ، وذلك قولك (اللهمّ زيدا فاغفر ذنبه وزيدا فأصلح شأنه وعمرا ليجزه الله خيرا) وتقول (زيدا قطع الله يده وزيدا أمرّ الله عليه العيش) لأن معناه معنى زيدا ليقطع الله يده ، وقال أبو الأسود الدّؤلي : [طويل]

(١) أميران كانا آخياني كلاهما

فكلّا جزاه الله عنّى بما فعل

ويجوز فيه من الرفع ما جاز في الامر والنهي ويقبح فيه ما يقبح في الامر والنهي ، وتقول أمّا زيد فجدعا له وأمّا عمرا فسقيا له ، لأنك لو أظهرت الذى انتصب عليه سقيا وجدعا لنصبت زيدا وعمرا فاضماره بمنزلة إظهاره كما تقول أمّا زيدا فضربا ، وتقول أمّا زيد فسلام عليه ، وأمّا الكافر فلعنة الله عليه لأن هذا ارتفع بالابتداء ، وأمّا قوله

__________________

ـ وان لم يفجأ رواحا فجيء بكورا ولا بد من المصير الى الهلاك في أحد الوقتين ولم يرد الوقتين خاصة وانما في ليل أو نهار وجعل التوديع للرواح اتساعا والمعني أنت ذو رواح تودع فيه أم ذو بكور ، وهو مثل قوله عزوجل (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) أى يبصر فيه واذا ودع فيه فهو ذو توديع فجرى على لفظ الفاعل لذلك.

(١٠٧) الشاهد في نصب كل باضمار فعل فسره ما بعده كما تقدم* وصف رجلين من امرأة قريش آخياء وأحسنا اليه فدعا لهما بحسن الجزاء.

٨٩

عزوجل (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) وقوله تعالى (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) فانّ هذا لم يبن على الفعل ولكنه جاء على مثل قوله تعالى (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) ثمّ قال بعد فيها كذا وكذا ، فانما وضع المثل للحديث الذي بعده ، وذكر بعد أخبار وأحاديث ، فكأنه على قوله ومن القصص مثل الجنّة أو مما يقصّ عليكم مثل الجنّة فهو محمول على هذا الاضمار ونحوه والله أعلم ، وكذلك الزّانية والزّاني كأنه لمّا قال (سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها) قال في الفرائض الزّانية والزّاني ، أو الزانية والزاني في الفرائض ، ثم قال فاجلدوا فجاء بالفعل بعد أن مضى فيهما الرفع كما قال* وقائلة خولان فانكح فتاتهم* فجاء بالفعل بعد أن عمل فيه المضمر ، وكذلك والسّارق والسّارقة ، كأنه قال وفيما فرض الله عليكم السارق والسارقة والسارق والسارقة فيما فرض عليكم فانما جاءت هذه الاشياء بعد قصص وأحاديث وحمل على نحو من هذا ، ومثل ذلك والّلذان يأتيانها منكم فآذوهما ، وقد يجري هذا في زيد وعمرو علي هذا الحدّ اذا كنت تخبر بأشياء أو توصي ثم تقول زيد أي زيد فيمن أوصي به فأحسن اليه وأكرمه ، وقد قرأ ناس والسارق والسارقة والزانية والزاني وهو في العربيّة على ما ذكرت لك من القوة ، ولكن أبت العامّة إلا القراءة بالرفع ، وانما كان الوجه في الامر والنهي النصب لأن حدّ الكلام تقديم الفعل وهو فيه أوجب اذ كان ذلك يكون في ألف الاستفهام لأنهما لا يكونان إلا بفعل ، وقبح تقديم الاسم في سائر الحروف لأنها حروف تحدث قبل الفعل وقد يصير معنى حديثهنّ الى الجزاء والجزاء لا يكون ألا خبرا وقد يكون فيهنّ الجزاء في الخبر وهي غير واجبة كحروف الجزاء فأجريت مجراها ، والأمر ليس يحدث له حرف سوى الفعل فيضارع حروف الجزاء فيقبح حذف الفعل منه كما يقبح حذف الفعل بعد حروف الجزاء ، وإنما قبح حذف الفعل واضماره بعد حروف الاستفهام لمضارعتها حروف الجزاء ، وانما قلت زيدا اضربه لأن اضربه مشغولة بالهاء والمأمور لا بدّ له من آمر والأمر والنهي لا يكونان إلا بالفعل فلم يستغن عن الاضمار اذا لم يظهر.

[باب حروف اجريت مجرى حروف الاستفهام وحروف الامر والنهي]

وهي حروف النفي شبّهوها بالف الاستفهام حيث قدّم الاسم قبل الفعل لأنهن غير

٩٠

واجبات كما أن الالف وحروف الجزاء غير واجبة وكما أن الأمر والنهي غير واجبين ، وسهل تقديم الاسماء فيها لأنها نفي واجب وليست كحروف الاستفهام والجزاء انما هي مضارعة وانما تجيء لخلاف قوله قد كان ، وذلك قولك ما زيدا ضربته ولا زيدا قتلته ، وما عمرا لقيت أباه ، ولا عمرا مررت به ، ولا بشرا اشتريت له ثوبا ، وكذلك اذا قلت ما زيدا أنا ضاربه اذا لم تجعله اسما معروفا ، قال هدبة بن الخشرم العذرى : [طويل]

(١) فلا ذا جلال هبنه لجلاله

ولا ذا ضياع هنّ يتركن للفقر

وقال زهير : [بسيط]

(٢) لا الدّار غيّرها بعدي الأنيس ولا

بالدّار لو كلّمت ذا حاجة صمم

وقال جرير : [وافر]

(٣) فلا حسبا فخرت به لتيم

ولا جدّا اذا ازدحم الجدود

وان شئت رفعت والرفع فيه أقوى إذ كان يكون في ألف الاستفهام لأنهن نفي واجب يبتدأ بعدهن ويبني على المبتدإ بعدهن ولم يبلغن أن يكنّ مثل ما شبّهن به ، فان جعلت ما بمنزلة ليس في لغة أهل الحجاز لم يجز إلا الرفع لأنك تجيء بالفعل بعد أن يعمل فيه ما هو

__________________

(١٠٨) الشاهد في نصب ذي جلال وذي ضياع باضمار فعل على ما تقدم لأن حروف النفي تقتضى الفعل مظهرا أو مضمرا* وصف المنايا وعمومها للخلق فيقول لا يتركن الجليل هيبة لجلاله ولا الضائع الفقير اشفاقا لضياعه وفقره.

(١٠٩) الشاهد في نصب الدار باضمار فعل على ما تقدم* وصف دارا خلت من أهلها ولم يخلفهم غيرهم فيها فيغيروا ما عهد من آثارها ورسومها ، ويروى بعد الانيس أي هي باقية الآثار كما عهدتها لم يغيرها بعد من عهدت من الانيس فيها والانيس من يؤنس به من الناس ، ثم قال وقفت بها فسألتها وناديتها بمقدار ما أسمعها لو أجابت ولكنها لم تجب فكأن بها صمما.

(١١٠) الشاهد في نصب الحسب باضمار فعل على ما تقدم والفعل المقدر هنا فعل واصل الى المفعول بذاته في معنى الفعل الظاهر والتقدير ولا ذكرت حسبا فخرت به ونحوه* يخاطب عمر بن لجأ وهو من تيم عدي فيقول لم تكسب لهم حسبا يفخرون به ولا لك جد شريف تعوّل عليه عند ازدحام الناس للمفاخر أي ليس لك قديم ولا حديث.

٩١

بمنزلة فعل يرفع كأنك قلت ليس زيد ضربته ، وقد أنشد بعضهم هذا البيت رفعا قول مزاحم العقيلي : [طويل]

(١) وقالوا تعرّفها المنازل من منى

وما كلّ من وافى منى أنا عارف

فان شئت حملته على ليس وان شئت حملته على «كلّه لم أصنع» وهو أبعد الوجهين ، وقد زعموا أن بعضهم يجعل ليس كما وذلك قليل لا يكاد يعرف فقد يجوز أن يكون منه ليس خلق مثله أشعر منه وليس قالها زيد ، وقال حميد الأرقط : [بسيط]

(٢) فأصبحوا والنّوى عالى معرّسهم

وليس كلّ النّوى يلقي المساكين

وقال هشام أخوذي الرّمّة : [بسيط]

(٣) هي الشّفاء لدائى لو ظفرت بها

وليس منها شفاء الداء مبذول

هذا كلّه سمع من العرب ، والحدّ والوجه أن تحمله على أنّ في ليس إضمارا وهذا مبتدأ كقولك إنه أمة الله ذاهبة إلا أنهم زعموا أن بعضهم قال ليس الطيب إلا المسك وما كان الطيب إلا المسك وان قلت ما أنا زيد لقيته رفعت إلا في قول من نصب زيدا لقيته ، وان كانت ما التي هي بمنزلة ليس فكذلك كأنك قلت لست زيد لقيته لأنك شغلت الفعل بأنا وهذا الكلام في موضع خبره وهو فيه أقوى لأنه عامل في الاسم الذي بعده ، وألف الاستفهام وما في لغة تميم يفصلن فلا يعملن ، فاذا اجتمع أنك تفصل وتعمل الحرف فهو أقوى ، وكذلك إني زيد لقيته وأنا عمرو ضربته وليتني عبد الله مررت به لأنه انما هو اسم مبتدأ ثم ابتدىء بعده أو اسم قد عمل فيه عامل ثم ابتدىء بعده والكلام في موضع خبره ، فأما قوله عزوجل (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) فانما جاء على زيدا ضربته وهو عربيّ كثير ، وقد قرأ بعضهم (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) إلا أن القراءة لا تخالف لأنها السّنّة ، وتقول كنت عبد الله لقيته لأنه ليس من الحروف التي ينصب ما بعدها كحروف الاستفهام وحروف الجزاء ولا ما شبّه بها وليس بفعل ذكرته ليعمل في شيء فينصبه أو يرفعه ثم يضمّ الى الكلام الاول الاسم بما يشرك

__________________

(١١١) تقدم تفسيره في ص ٤٩ رقم ـ ٥٨

(١١٢) تقدم شرحه في ص ٤٨ رقم ـ ٥٥

(١١٣) تقدم تفسيره في ص ٤٩ رقم ـ ٥٧.

٩٢

به كقولك زيدا ضربت وعمرا مررت به ولكنه شيء عمل في الاسم ، ثم وضعت هذا في موضع خبره مانعا له أن ينصب كقولك كان عبد الله أبوه منطلق ، ولو قلت كنت أخاك وزيدا مررت به نصبت لأنه قد انفذ الى مفعول ونصب ثم ضممت اليه اسما وفعلا ، واذا قلت كنت زيد مررت به فقد صار في موضع أخاك ومنع الفعل أن يعمل وكذلك حسبتني عبد الله مررت به لأن هذا المضمر المنصوب بمنزلة المرفوع في كنت لأنه يحتاج الى الخبر كاحتياج الاسم في كنت واحتياج المبتدإ فانما هذا في موضع خبره كما كان في موضع خبر كان فانما أراد أن يقول كنت هذه حالي وحسبتني هذه حالى ، كما قال لقيت عبد الله وزيد يضربه عمرو فانما قال لقيت عبد الله وزيد هذه حاله ولم يعطفه على الحديث الاول ليكون في مثل معناه ولم يرد أن يقول فعلت وفعل وكذلك لم يرده في الاول ، ألا ترى أنه لم ينفذ الفعل في كنت الى المفعول الذي به يستغني الكلام كاستغناء كنت بمفعوله فانما هذه في مواضع الاخبار وبها يستغني الكلام ، واذا قلت زيدا ضربت وعمرا مررت به فليس الثاني في موضع خبر ولا تريد أن يستغني به شيء لا يتمّ الا به فانما حاله كحال الأول في أنه مفعول ، وهذا الثاني لا يمنع الاول مفعوله أن ينصبه لانه ليس في موضع خبره فكيف يختار فيه النصب وقد حال بينه وبين مفعوله وصار في موضعه الا أن ينصبه على قولك زيدا ضربته ومثل ذلك قد علمت لعبد الله أضربه فدخول اللام يدلّك أنه انما أراد به ما أراد اذا لم يكن قبله شيء لأنها ليست مما يضمّ به الشيء الى الشيء كحروف الاشتراك وكذلك ترك الواو في الاول هو كدخول اللام هيهنا وان شاء نصب ، كما قال الشاعر وهو المرّار الاسدي : [طويل]

(١) ولو أنّها إياك عضّتك مثلها

جررت على ما شئت نحرا وكلكلا

__________________

(١١٤) الشاهد فيه نصب اياك باضمار فعل فسره ما بعده واذا مثلته لزمك أن تجعله بعد اياك لأنه ضمير منفصل لا يجوز اتصاله بالفعل كما هو فيقول فلو أنها اياك عضت عضتك مثلها* وصف داهية شديدة لا يضطلع بها فيقول لمن يخاطبه لو عضك مثلها لكبك لوجهك فجررت على ما قابلت في صرعتك نحرك وكلكلك وهو الصدر.

٩٣

[باب من الفعل يستعمل في الاسم ثم تبدل مكان ذلك الاسم اسما آخر]

«فيعمل فيه كما عمل في الأول»

وذلك قولك : رأيت قومك أكثرهم ، ورأيت بني زيد ثلثيهم ، ورأيت بني عمك ناسا منهم ، ورأيت عبد الله شخصه ، وصرفت وجوهها أولها ، فهذا يجيء على وجهين على أنه أراد رأيت أكثر قومك ورأيت ثلثي قومك وصرفت وجوه أولها ولكنه ثنىّ الاسم توكيدا كما قال (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) وأشباه ذلك ، فمن ذلك قوله عزوجل (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) وقال الشاعر : [رجز]

(١) وذكرت تقتد برد مائها

وعتك البول على أنسائها

ويكون على الوجه الآخر الذي أذكره لك وهو أن يتكلم فيقول رأيت قومك ثم يبدو له أن يبين ما الذي رأى منهم فيقول ثلثيهم أو ناسا منهم ، ولا يجوز أن تقول رأيت زيدا أباه والاب غير زيد لانك لا تبينه بغيره ولا بشيء ليس منه وكذلك لا تثنى الاسم توكيدا وليس بالاول ولا شيء منه فانما تثنيه وتؤكده مثنى بما هو منه أو هو هو ، وانما يجوز رأيت زيدا أباه ورأيت زيدا عمرا إما أن يكون أراد أن يقول رأيت أباه فغلط أو نسي ثم استدرك كلامه ، وإما أن يكون أضرب عن ذلك فنحّاه وجعل عمرا مكانه ، فأما الأول فجيد عربي ، مثله قوله عزوجل (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) لأنهم من الناس ، ومثله إلا أنهم أعادوا حرف الجر (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) ومن هذا الباب قولك بعت متاعك أسفله قبل أعلاه ، واشتريت متاعك أسفله أسرع من اشترائي أعلاه ، واشتريت متاعك بعضه

__________________

(١١٥) الشاهد في نصب برد مائها على البدل من تقتد لاشتمال الذكر عليها* وصف ناقة بعد عهدها بورود الماء لادمانها السير في الفلاة فيقول ذكرت برد ماء تقتد وهو موضع بعينه وأثر بولها على انسائها ظاهر بين لخثارته واذا قل ورودها للماء خثر بولها وغلظ واشتدت صفرته ، وعتك البول أن يضرب الى الحمرة ، ومنه قوس عاتكة اذا قدمت واحمرت ، ويروى وعبك البول وهو اختلاطه بوبرها وتلبده به ، والانساء جمع نسا وهو عرق يستبطن الفخذ والساق.

٩٤

أعجل من بعض ، وسقيت إبلك صغارها أحسن من سقي كبارها ، وضربت الناس بعضهم قائما وبعضهم قاعدا ، فهذا لا يكون فيه الا النصب لأن ما ذكرت بعده ليس مبنيا عليه فيكون مبتدأ وانما هو من نعت الفعل زعمت أن بيعه أسفله كان قبل بيعه أعلاه ، وأن الشّراء كان في بعضه أعجل من بعض ، وسقيه الصغار كان أحسن من سقيه الكبار ، ولم تجعله خبرا لما قبله من المبدل ومن ذلك مررت بمتاعك بعضه مرفوعا وبعضه مطروحا فهذا لا يكون مرفوعا لانك حملت النعت على المرور فجعلته حالا للمرور ولم تجعله مبنيا على مبتدإ وان لم تجعله حالا للمرور جاز الرفع ، ومن هذا الباب «ألزمت الناس بعضهم بعضا وخوّفت الناس ضعيفهم قويهم» ، فهذا معناه في الحديث المعنى الذي في قولك خاف الناس ضعيفهم قويّهم ولزم الناس بعضهم بعضا ، فلما قلت ألزمت وخوفت صار مفعولا وأجريت الثاني على ما جرى عليه الاول وهو فاعل فصار فعلا يتعدى الى مفعولين ، وعلى ذلك دفعت الناس بعضهم ببعض على قولك دفع الناس بعضهم بعضا ، ودخول الباء هيهنا بمنزلة قولك ألزمت كأنك قلت في التمثيل أدفعت ، كما أنك تقول ذهبت به من عندنا ، وأذهبته من عندنا وأخرجته معك وخرجت به معك وكذلك ميّزت متاعك بعضه من بعض ، وأوصلت القوم بعضهم الى بعض فجعلته مفعولا على حد ما جعلت الذي قبله وصار قوله الى بعض ومن بعض في موضع مفعول منصوب ، ومن ذلك فضّلت متاعك أسفله على أعلاه ، فانما جعله مفعولا من قوله خرج متاعك أسفله على أعلاه ، كأنه في التمثيل فضل متاعك أسفله على أعلاه فعلى أعلاه في موضع نصب ، ومثل ذلك صككت الحجرين أحدهما بالآخر على أنه مفعول من اصطكّ الحجران أحدهما بالآخر ، ومثل ذلك قوله عزوجل (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) وهذا ما يجري منه مجرورا كما يجري منصوبا وذلك قولك عجبت من دفع الناس بعضهم ببعض اذا جعلت الناس مفعولين كان بمنزلة قولك عجبت من اذهاب الناس بعضهم بعضا لانك لو قلت أفعلت استغنيت عن الباء ، واذا قلت فعلت احتجت الى الباء وجرى في الجرّ على قولك دفعت الناس بعضهم ببعض ، وان جعلت الناس فاعلين قلت عجبت من دفع الناس بعضهم بعضا جرى في الجرّ على حد مجراه في

٩٥

الرفع كما جرى في الاول على مجراه في النصب وهو قولك دفع الناس بعضهم بعضا وكذلك جميع ما ذكرنا اذا أعملت فيه المصدر يجرى مجراه في الفعل.

ومن ذلك قولك عجبت من موافقة الناس أسودهم أحمرهم جرى على قولك وافق الناس أسودهم أحمرهم وتقول سمعت وقع أنيابه بعضها فوق بعض جرى على قولك وقعت أنيابه بعضها فوق بعض ، وتقول عجبت من إيقاع أنيابه بعضها فوق بعض على حدّ قولك أوقعت أنيابه بعضها فوق بعض ، هذا وجه اتّفاق الرفع والنصب في هذا الباب واختيار النصب واختيار الرفع تقول رأيت متاعك بعضه فوق بعض اذا جعلت فوقا في موضع الاسم المبنىّ على المبتدإ وجعلت الاول مبتدءا كأنك قلت رأيت متاعك بعضه أحسن من بعض ، وفوق في موضع أحسن ، وان جعلته حالا بمنزلة قولك مررت بمتاعك بعضه مطروحا وبعضه مرفوعا نصبته لانك لم تبن عليه شيئا فتبتدئه ، وإن شئت قلت رأيت متاعك بعضه أحسن من بعض فيكون بمنزلة قولك رأيت بعض متاعك الجيّد فتوصله الى مفعولين ، لانك أبدلت فصرت كأنك قلت رأيت بعض متاعك ، والرفع في هذا أعرف لانهم شبهوه بقولك رأيت زيدا أبوه أفضل منه لانه اسم هو للأول ومن سببه كما أن هذا له ومن سببه والآخر هو الاول المبتدأ كما أن الآخر هيهنا هو المبتدأ الاول وان نصبت فهو عربيّ جيد ، فمما جاء رفعا قوله عزوجل (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) ومما جاء في النصب أنا سمعنا من يوثق بعربيته يقول «خلق الله الزّرافة يديها أطول من رجليها» وحدّثنا يونس أنّ العرب تنشد هذا البيت وهو لعبدة بن الطيب : [طويل]

(١) فما كان قيس هلكه هلك واحد

ولكنّه بنيان قوم تهدّما

وقال رجل من بجيلة أو خثعم : [وافر]

__________________

(١١٦) الشاهد في رفع هلك واحد ونصبه على جعل هلكه بدلا من قيس أو مبتدأ وخبره فيما بعد* رثى في البيت قيس بن عاصم المنقري وكان سيد أهل الوبر من تميم فيقول كان لقومه وجيرته مأوى وحرزا فلما هلك تهدم بنيانهم وذهب عزهم.

٩٦

(١) ذريني إنّ أمرك لن يطاعا

وما ألفيتني حلمي مضاعا

وقال آخر في البدل : [رجز]

(٢) إن علىّ الله أن تبايعا

تؤخذ كرها أو تجيء طائعا

هذا عربي حسن ، والاول أعرف وأكثر ، وتقول جعلت متاعك بعضه فوق بعض فله ثلاثة أوجه في النصب ، ان شئت جعلت فوق في موضع الحال ، كأنه قال عملت متاعك وهو بعضه على بعض أي في هذه الحال ، كما فعلت ذلك في رأيت من رؤية العين ، وان شئت نصبته على ما نصبت عليه رأيت زيدا وجهه أحسن من وجه فلان تريد رؤية القلب ، وان شئت نصبته على أنك اذا قلت جعلت متاعك يدخل فيه معنى ألقيت فيصير كأنك قلت ألقيت متاعك بعضه فوق بعض لأن ألقيت ، كقولك أسقطتّ متاعك بعضه على بعض وهو مفعول من قولك سقط متاعك بعضه على بعض فجرى كما جرى صككت الحجرين أحدهما بالآخر فقولك بالآخر ليس في موضع اسم هو الأول ولكنه في موضع الاسم الآخر في قولك صكّ الحجران أحدهما الآخر ولكنك أوصلت الفعل بالباء كما أن مررت بزيد الاسم منه في موضع اسم منصوب ، ومثل هذا طرحت المتاع بعضه على بعض لان معناه أسقطتّ فأجرى مجراه وان لم يكن من لفظه فاعل وتصديق ذلك قوله عزوجل :(وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى).

والوجه الثالث أن تجعله مثل ظننت متاعك بعضه أحسن من بعض والرفع أيضا فيه عربي كثير تقول جعلت متاعك بعضه على بعض فوجه الرفع فيه على ما كان في رأيت وتقول

__________________

(١١٧) الشاهد في حمل الحلم على الضمير المنصوب بدلا منه لاشتمال المعنى عليه* يخاطب عاذلته على اتلاف ماله فيقول ذريني من عذلك فاني لا أطيع أمرك فالحلم وصحة التمييز والعقل يأمرنني باتلافه في اكتساب الحمد ولا أضيع.

(١١٨) الشاهد في حمل تؤخذ على تبايع لأنه مع قوله أو تجيء تفسير للمبايعة اذ لا تكون إلا أحد الوجهين من اكراه أو طاعة ، وأراد بقوله الله القسم ، والمعنى ان على والله فلما حذف الجار نصب.

٩٧

أبكيت قومك بعضهم على بعض وحزّنت قومك بعضهم على بعض فأجريت هذا على حد الفاعل اذا قلت بكى قومك بعضهم على بعض وحزن قومك بعضهم على بعض فالوجه هيهنا النصب لانك اذا قلت أحزنت قومك بعضهم على بعض وأبكيت قومك بعضهم على بعض لم ترد أن تقول بعضهم على بعض في عون ولا أن أجسادهم بعضها على بعض فيكون الرفع الوجه ، ولكنك أجريته على قولك بكى قومك بعضهم بعضا فانما أوصلت الفعل الى الاسم بحرف الجر والكلام في موضع اسم منصوب ، كما تقول مررت على زيد ، ومعناه مررت زيدا فان قلت حزّنت قومك بعضهم أفضل من بعض وأبكيت قومك بعضهم أكرم من بعض ، كان الرفع الوجه لان الآخر هو الأول ولم يجعله في موضع مفعول هو غير الاول ، وان شئت نصبته على قولك حزّنت قومك بعضهم قائما وبعضهم قاعدا على الحال لانك قد تقول «رأيت قومك أكثرهم ، وحزّنت قومك بعضهم» فاذا جاز هذا أتبعته ما يكون حالا ، وان كان مما يتعدّى الى مفعولين أنفذته اليه لانه كأنه لم يذكر قبله شيئا وكأنك قلت رأيت قومك وحزّنت قومك الا ان أعربه وأكثره اذا كان الآخر هو الأول أن يبتدأ ، وان أجريته على النصب فهو عربي جيد.

[باب من الفعل يبدل فيه الآخر من الاوّل ويجرى على الاسم كما يجرى]

«أجمعون على الاسم وينصب بالفعل لانه مفعول»

فالبدل أن تقول ضرب عبد الله ظهره وبطنه ، وضرب زيد الظهر والبطن ، وقلب عمرو ظهره وبطنه ، ومطرنا سهلنا وجبلنا ، ومطرنا السّهل والجبل ، وان شئت كان على الاسم بمنزلة أجمعين توكيدا ، وان شئت نصبت فقلت ضرب زيد الظهر والبطن ، ومطرنا السهل والجبل ، وقلب زيد ظهره وبطنه ، فالمعنى أنهم مطروا في السهل والجبل ، وقلب على الظهر والبطن ولكنهم أجازوا هذا ، كما أجازوا قولهم دخلت البيت وانما معناه دخلت في البيت والعامل فيه الفعل ، وليس المنتصب هيهنا بمنزلة الظرف لانك لو قلت قلب هو ظهره وبطنه وأنت تعني شيئا على ظهره لم يجز ولم يجيزوه في غير السهل والجبل والظهر والبطن كما لم يجز دخلت عبد الله فجاز هذا في ذا وحده كما لم يجز دخلت

٩٨

الا في الأماكن في مثل دخلت البيت واختصّت بهذا كما أنّ لدن مع غدوة لها حال ليست في غيرها من الاسماء ، وكما أن عسى لها في قولهم «عسى الغوير أبؤسا» حال لا تكون في سائر الاشياء ، ونظير هذا ايضا في أنهم حذفوا حرف الجر ليس الا قولهم نبّئت زيدا قال ذاك انما يريد عن زيد الا أن معنى الأول معنى الأماكن ، وزعم الخليل رحمه‌الله أنهم يقولون مطرنا الزّرع والضّرع ، وان شئت رفعت على البدل وعلى أن تصيّره بمنزلة أجمعين توكيدا ، فان قلت ضرب زيد اليد والرّجل جاز على أن يكون بدلا وأن يكون توكيدا ، وان نصبته لم يحسن لان الفعل انما انفذ في هذه الاسماء خاصة الى المنصوب اذا حذفت منه حرف الجر الا أن تسمع العرب تقول في غيره وقد سمعناهم يقولون مطرتهم ظهرا وبطنا ، وتقول مطر قومك الليل والنهار على الظرف وعلى الوجه الآخر ، وان شئت رفعته على سعة الكلام كما قال صيد عليه الليل والنهار ، وكما قال نهاره صائم وليله قائم ، وكما قال جرير : [طويل]

(١) لقد لمتنا يا امّ غيلان في السّرى

ونمت وما ليل المطّي بنائم

فكأنه في كل هذا جعل الليل بعض الاسم ، وكما قال الشاعر :

(٢) أمّا النهار ففي قيد وسلسلة

والليل في قعر منحوت من السّاج

فكأنه جعل النهار في قيد والليل في جوف منحوت أو جعله الاسم أو بعضه ، وان شئت قلت ضرب عبد الله ظهره ومطر قومك سهلهم على قولك رأيت القوم أكثرهم ورأيت عمرا شخصه كما قال الأعشي : [كامل]

__________________

(١١٩) الشاهد في الاخبار عن الليل بالنوم اتساعا ومجازا ، والمعنى وما المطي بنائم في الليل* وصف أنه عذل في ادمان ومواصلة سري الليل فقال يلومنا في ذلك من ينام عنه ونصلي شدته دونه لما نرجو من الفائدة في غبه فلا نصغي الى لومه فيه وعذله.

(١٢٠) الشاهد في اخباره عن النهار بكونه في سلسلة ، وعن الليل باستقراره في جوف منحوت اتساعا ومجازا* وصف محبوسا يقيد بالنهار ويغل في سلسلة ويوضع بالليل في خشبة منحوتة والنحت حفر في خشبة أو حجر ، والساج شجر معروف من شجر الهند.

٩٩

(١) وكأنّه لهق السّراة كأنّه

ما حاجبيه معيّن بسواد

يريد كأن حاجبيه فأبدل حاجبيه من الهاء التي في كأنه وما زائدة ، وقال الجعدي [كامل]

(٢) ملك الخورنق والسّدير ودانه

ما بين حمير أهلها وأوال

يريد ما بين أهل حمير فأبدل الاهل من حمير ومثل ذلك قولهم صرفت وجوهها أولها ومثله مالي بهم علم أمرهم ، وأما قول جرير : [كامل]

(٣) مشق الهواجز لحمهنّ مع السّرى

حتّى ذهبن كلاكلا وصدورا

فانما هذا على قوله ذهب قدما وذهب اخرا ، وقال عمرو بن عمار النهدي : [طويل]

__________________

(١٢١) الشاهد في بدل الحاجبين من الضمير المتصل بكأن وما زائدة مؤكدة للكلام ورد قوله معين بسواد على الضمير لا على الحاجبين وهو في المعنى خبر عنهما لأن الخبر انما يكون عن البدل لا عن المبدل منه لأن المبدل منه ساقط في التقدير فكأنه لغو* وصف ثورا وحشيا شبه به بعيره في حذقه ونشاطه فيقول كأنه ثور لهق السراة أي أبيض أعلى الظهر وسراة الظهر أعلاه أسفع الخدين كانما عين بسواد وكذلك بقر الوحش بيض كلها الاسفعة في خدودها ومغابنها وأكارعها ويقال للابيض لهق ولهق.

(١٢٢) الشاهد في بدل الاهل من حمير ، وأراد بحمير البلدة سماها باسمه لنزوله بها* أخبر عن بعض ملوك لخم فيقول ملك الخورنق والسدير وهما قصران بالعراق بقرب الحيرة ، ودانه أي طاع له والدين الطاعة ما بين بلاد حمير باليمن وأوال وهي بلدة بعينها مما يلي الشام.

(١٢٣) الشاهد في نصب الكلا كل والصدور بقوله ذهبن نصب التمييز لا نصب الشبيه بالظرف في قولهم مطرنا السهل والجبل ونحوه من مسائل الباب ، وعبر سيبويه عما أراد من نصب هذا ونحوه على التمييز بذكره الحال لما بين التمييز والحال من المناسبة لوقوعهما نكرتين بعد تمام الكلام وتبيينهما للشيء المقصود من النوع أو النصبة كما فعل في قوله هذه «جبتك خزا» فسمى الخز حالا وانما هو تمييز لانه جرى في التنزيل والنصب مجرى قولك «هذه جاريتك منطلقة» وذلك انك تقول جبتك خز كما تقول جاريتك منطلقة ، ثم تقول هذه جبتك كما تقول هذه جاريتك ثم تميز بين جنس الجبة فتقول هذه جبتك خزا كما تميز نصبة الجارية فتقول هذه جاريتك منطلقة فكذلك تقول ذهب زيد ظهرا وصدرا وتغير وجها وجسما تريد ذهب ظهره وصدره وتغير وجهه وجسمه ثم تشغل الفعل باسمه فتنصب هذه الاعضاء على التمييز ، كما ـ

١٠٠