كتاب سيبويه - ج ١

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]

كتاب سيبويه - ج ١

المؤلف:

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٨٢

وقد يبتدأ فيحمل على مثل ما يحمل عليه وليس قبله منصوب وهو عربي وذلك قولك : لقيت زيدا وعمرو كلمته كأنّك قلت لقيت زيدا وعمرو أفضل منه فهذا لا يكون فيه الّا الرفع لانّك لم تذكر فعلا فاذا جاز أن يكون في المبتدإ بهذه المنزلة جاز أن يكون بين الكلام ، وأقرب منه الى الرفع عبد الله لقيت وعمرو لقيت أخاه ، وخالدا رأيت وزيد كلّمت أباه ، فهو هنا الى الرفع أقرب كما كان في الابتداء من النصب أبعد ، وأما قوله عزوجل (يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) فانما وجّهوه على انه يغشى طائفة منكم وطائفة في هذه الحال كأنه قال اذ طائفة في هذه الحال فانما جعله وقتا ولم يرد أن يجعلها واو عطف انما هي واو الابتداء ومما يختار فيه النصب لنصب الاول قوله ما لقيت زيدا ولكن عمرا مررت به وما رأيت زيدا بل خالدا لقيت أباه تجريه على قولك : ضربت زيدا وعمرا لم ألقه يكون الآخر في أنّه يدخله في الفعل بمنزلة هذا حيث لم يدخله لأن بل ولكن لا تعملان شيئا وتشركان الآخر مع الأول لانهما كالواو وثمّ والفاء فأجرهما مجراهن فيما كان فيهن النصب الوجه وفيما جاز فيه الرفع.

[باب يحمل فيه الاسم على اسم بني عليه الفعل مرّة ويحمل]

«مرّة اخرى على اسم مبني على الفعل»

أي ذلك فعلت جاز فان حملته على الاسم الذي بني عليه الفعل كان بمنزلته اذا بنيت عليه الفعل مبتدءا يجوز فيه ما يجوز فيه اذا قلت زيد لقيته وان حملته على الذي بني على الفعل اختير فيه النصب كما اختير فيما قبله وجاز فيه ما جاز في الذي قبله ، وذلك قولك عمرو لقيته وزيد كلمته ، ان حملت الكلام على الأول وان حملته على الآخر قلت عمرو لقيته وزيدا كلمته ، ومثل ذلك قولك زيد لقيت أباه وعمرا مررت به ان حملته على الاب وان حملته على الأول رفعت ، والدليل على ان الرفع والنصب جائز كلاهما انّك تقول زيد لقيت أباه وعمرا ، إن أردت انّك لقيت عمرا والاب ، وان زعمت أنك لقيت أبا عمرو ولم تلقه رفعت ، ومثل ذلك زيد لقيته وعمرو ، إن شئت رفعت وان شئت قلت زيد لقيته وعمرا ، وتقول أيضا زيد ألقاه وعمرو وعمرا ، فهذا يقوّي أنك بالخيار في الوجهين

٦١

وتقول زيد ضربني وعمرو مررت به ان حملته على زيد فهو رفع لأنه مبتدأ والفعل مبني عليه وان حملته على المنصوب قلت زيد ضربني وعمرا مررت به فالوجه النصب لان زيدا ليس بمبني عليه الفعل مبتدءا ، وانما هو هيهنا بمنزلة التاء في ضربته ودكرت المفعول الذي يجوز فيه النصب في الابتداء فحملته على مثل ما حملت عليه ما قبله وكان الوجه اذ كان يكون ذاك فيه في الابتداء ، واذا قلت مررت بزيد وعمرا مررت به ونصبت وكان الوجه لأنك بدأت بالفعل ولم تبتدىء اسما تبنيه عليه ولكنك قلت فعلت ثم بنيت عليه المفعول وان كان الفعل لا يصل اليه الا بحرف الاضافة فكأنك قلت مررت زيدا ولو لا أنه كذلك ما كان وجه الكلام أزيدا مررت به وقمت وعمرا مررت به ، ونحو ذلك قولك خشّنت بصدره فالصدر في موضع نصب والباء قد عملت ومثله (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) انما هو كفى الله ولكنك لما أدخلت الباء عملت والموضع موضع نصب والمعنى معنى النصب ، وهذا قول الخليل رحمه‌الله ، واذا قلت عبد الله مررت به أجريت الاسم بعده مجراه بعد زيد لقيته لأن مررت بعبد الله تجريه مجرى لقيت عبد الله ، وتقول هذا ضارب عبد الله وزيدا يمرّ به ان حملته على المنصوب فان حملته على المبتدإ وهو هذا رفعت فان ألقيت النون وأنت تريد معناها فهو بتلك المنزلة وذلك قولك هذا ضارب زيد غدا وعمرا سيضربه ، ولو لا أنه كذلك لما قلت أزيدا أنت ضاربه وما زيدا أنا ضاربه فهذا نحو مررت بزيد لأن معناه منوّنا وغير منون سواء كما انك اذا قلت مررت بزيد فكأنك قلت مررت زيدا وتقول ضربت زيدا وعمرا أنا ضاربه تختار هذا كما تختار في الاستفهام ، ومما يختار فيه النصب قول الرجل من رأيت وأيّهم رأيت فتقول زيدا رأيته تنزله منزلة قولك كلمت عمرا وزيدا لقيته ألا ترى أن الرّجل يقول من رأيت فتقول زيدا على كلامه فيصير هذا بمنزلة قولك رأيت زيدا وعمرا فيجري على الفعل كما جرى الآخر بالواو على الأول ، ومثل ذلك قولك أرأيت زيدا فتقول لا ولكن عمرا مررت به ألا ترى أنه لو قال لا ولكن عمرا لجرى على أرأيت فان قال من رأيته وأيّهم رأيته فأجبته قلت زيد رأيته إلا في قول من قال زيدا رأيته في الابتداء لأن هذا كقولك أيّهم منطلق ومن رسول فتقول فلان ، وان قال أعبد الله مررت به أم زيدا قلت زيدا مررت به كما فعلت ذلك في الأول فان قلت لا بل زيدا فانصب أيضا كما تقول زيدا اذا قال من أتيت لأن

٦٢

مررت به تفسيره لقيته ونحوها فانما تحمل الاسم على ما يحمل عليه السائل كأنهم قالوا أيّهم أتيت فقلت زيدا. ولو قلت مررت بعمرو وزيدا لكان عربيا فكيف هذا لأنه فعل والمجرور في موضع مفعول منصوب ومعناه أتيت ونحوها فيحمل الاسم اذا كان العامل الأول فعلا وكان المجرور في موضع المنصوب على فعل لا ينقض معناه ، كما قال جرير : [بسيط]

(١) جئني بمثل بنى بدر لقومهم

أو مثل اسرة منظور بن سيّار

ومثله قول العجاج : [رجز]

(٢) يذهبن في نجد وغورا غائرا

كأنه قال ويسلكن غورا غائرا ، لأن معنى يذهبن فيه يسلكن ، ولا يجوز أن تضمر فعلا لا يصل إلا بحرف جر لأن حرف الجر لا يضمر وسترى بيان ذلك ولو جاز ذلك لقلت زيد تريد مرّ بزيد ، ومثل هذا وحورا عينا في قراءة ابي بن كعب فان قلت قد لقيت زيدا ، وأما عمرو فقد مررت به ولقيت زيدا فاذا عبد الله يضربه عمرو فالرفع إلا في قول من قال زيدا رأيته وزيدا مررت به لأن أمّا واذا يقطع بهما الكلام وهما من حروف الابتداء يصرفان الكلام الى الابتداء إلا أن يدخل عليهما ما ينصب ولا يحمل بواحد منهما آخر على أول كما يحمل بثمّ والفاء ، ألا ترى أنهم قرأو (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) وقبله نصب وذلك لأنها تصرف الكلام الى الابتداء إلا ان يقع بعدها

__________________

(٧٨) استشهد به لحمل الاسم المعطوف على موضع الباء وما عملت فيه لأن معنى قوله جثي بمثل بني بدر هاتني مثلهم فكأنه قال هات مثل بني بدر أو مثل اسرة منظور* يخاطب الفرزدق فيفخر عليه بسادات قيس لانهم أخواله وبنو بدر من فزارة وفيهم شرف قيس عيلان ، وبنو سيار من سادات فزارة أيضا وفزارة من ذبيان من قيس وأسرة الرجل رهطه الادنون اليه واشتقاقه من أسرت الشيء اذا شددته وقويته لان الانسان يقوى برهطه على العدو ويعز.

(٧٩) استشهد به لما يجوز بعد حتى في عطف عمل الفعل بعضه على بعض لنصب غورا حملا على موضع نجد وما عمل فيه لان معنى يذهبن في نجد ويسلكن نجدا واحد ، فكأنه قال يسلكن نجدا وغورا غائرا* وصف ظعائن منتجعات يأتين مرة نجدا وهو ما ارتفع مع بلاد العرب ومرة الغور وهو تهامة وهي ما انخفض من بلادها.

٦٣

فعل نحو أما زيدا فضربت ، وان قلت إنّ زيدا فيها أو إنّ فيها زيدا وعمرو أدخلته أو دخلت به رفعته الا في قول من قال زيدا أدخلته وزيدا دخلت به لأن إن ليس بفعل ، وإنما هو مشبّه به ، ألا ترى أنه لا يضمر فيه فاعل ولا يؤخّر فيه الاسم ، وانما هو بمنزلة الفعل كما أن عشرين درهما وثلاثين رجلا بمنزلة ضاربين عبد الله وليس بفعل ولا فاعل وكذلك ما أحسن عبد الله وزيد قد رأيناه فانما أجريته يعني أحسن في هذه المواضع مجرى الفعل في عمله وليس كالفعل ولم يجىء على أمثلته ولا اضماره ولا تقديمه ولا تأخيره ولا تصرّفه وانما هو بمنزلة لدن غدوة ، وكم رجلا فقد عملا عمل الفعل وليسا بفعل ولا فاعل ، ومما يختار فيه النصب لنصب الاوّل ويكون الحرف الذي بين الاوّل والآخر بمنزلة الواو والفاء وثمّ قولك لقيت القوم كلّهم حتى عبد الله لقيته ، وضربت القوم حتى زيدا ضربت أباه ، وأتيت القوم أجمعين حتّى زيدا مررت به ، ومررت بالقوم حتّى زيدا مررت به ، فحتّى تجرى مجرى الواو وثمّ وليست بمنزلة أمّا لأنّها انما تكون على الكلام الذي قبلها ولا تبتدا ، وتقول رأيت القوم حتّى عبد الله وتسكت فانما معناه أنّك قد رأيت عبد الله مع القوم كما كان رأيت القوم وعبد الله على ذلك وكذلك ضربت القوم حتى زيدا أنا ضاربه ، وتقول هذا ضارب القوم حتى زيدا يضربه اذا أردت معنى التنوين فهي كالواو ، إلا أنك تجرّ بها اذا كانت غاية والمجرور مفعول كما أنك قد تجر في قولك هذا ضارب زيد غدا وتكفّ النون وهو مفعول بمنزلته منصوبا منونا ما قبله ، ولو قلت هلك القوم حتى زيدا أهلكته اختير النصب ليبنى على الفعل كما بني ما قبله مرفوعا كان أو منصوبا كما فعل ذلك بعد ما بني على الفعل وهو مجرور فان قلت انما هو لنصب اللفظ فلا تنصب بعد مررت بزيد وانصب بعد إن فيها زيدا وان كان الاول لأنه في معنى الحديث مفعول فلا ترفع بعد عبد الله اذا قلت عبد الله ضربته اذا كان بعده ، وزيدا مررت به ، وقد يحسن الجرّ في هذا كله وهو عربي وذلك قولك لقيت القوم حتى عبد الله لقيته فانما جاء بلقيته توكيدا بعد أن جعله غاية كما تقول مررت بزيد وعبد الله مررت به ، قال الشاعر (وهو ابن مروان النحوي) :

٦٤

(١) ألقى الصّحيفة كي يخفّف رحله

والزاد حتى نعله ألقاها

والرفع جائز كما جاز في الواو وثم وذلك قولك لقيت القوم حتى عبد الله لقيته جعلت عبد الله مبتدأ وجعلت لقيته مبنيّا عليه كما جاز في الابتداء كأنك قلت لقيت القوم حتى زيد ملقي وسرحت القوم حتى زيد مسرّح وهذا لا يكون فيه إلا الرفع لأنك لم تذكر فعلا فاذا كان في الابتداء زيد لقيته بمنزلة زيد منطلق جاز هيهنا الرفع.

[باب ما يختار فيه النصب وليس قبله منصوب بنى على الفعل وهو باب الاستفهام]

وذلك أنّ من الحروف حروفا لا يذكر بعدها إلّا الفعل ولا يكون الذي يليها غيره مظهرا أو مضمرا فممّا لا يليه الفعل إلا مظهرا قد وسوف ولمّا ونحوهنّ فان اضطرّ شاعر فقدّم الاسم وقد أوقع الفعل على شيء من سببه لم يكن حدّ الاعراب الا النّصب وذلك نحو لم زيدا أضربه اذا اضطرّ شاعر فقدّم لم يكن الا النصب في زيد ليس غير لو كان في شعر لانه يضمر الفعل اذا كان ليس ممّا يليه الاسم كما فعلوا ذلك في في مواضع ستراها ان شاء الله ، وأما ما يجوز فيه الفعل مظهرا ومضمرا ومقدّما ومؤخّرا ولا يجوز أن يبتدأ بعده الاسماء فهلّا ولو لا ولو ما وألا لو قلت هلّا زيدا

__________________

(٨٠) استشهد به لما يجوز بعد حتى في عطف عمل الفعل بعضه على بعض في الرفع والنصب والجر كقولك ضربت القوم حتى زيدا ضربته وحتى زيد بالجر والنصب لان حتى من حروف العطف فكأنه قال زيدا ضربته والرفع على القطع وجعل حتى بمنزلة واو الابتداء كأنه قال وزيد مضروب والخفض بحتى لانها غاية بمنزلة الى فكأنه قال فأنهيت الضرب الى زيد ويكون ضربته توكيدا مستغنى عنه وكذلك تفسير الفعل بعد حتى* وصف راكبا جهدت راحلته فخاف ان تقوم عليه وتقطع به أو كان خائفا من عدو يطلبه فخفف رحله بالقاء ما كان عنده من صحيفة وهي الكتاب وزاد ونعل وهذا من الافراط في الوصف والمبالغة في الدلالة على شدة الجهد أو طلب القوة وكان الواجب في الظاهر ان يقول القى الزاد كي يخفف رحله والنعل حتى الصحيفة فيبدأ بالاثقل محملا ثم يتبعه الاخف فلم يمكنه ، أو يكون قدم الصحيفة لأن الزاد والنعل أحق عنده بالابقاء لان الزاد يبلغه الوجه الذي يريده والنعل يقوم له مقام الراحلة ان عطبت فاحتاج الى المشي فقد قالوا كاد المنتعل ان يكون راكبا وكأن البيت عني به المتلمس حين رمى صحيفته وفر الى ملوك الشام.

٦٥

ضربت ، ولو لا زيدا ضربت ، وألّا زيدا قتلت ، ولو قلت ألا زيدا وهلا زيدا على إضمار الفعل ولا تذكره جاز ، وانما جاز ذلك لأنّ فيه معنى التحضيض والامر فجاز فيه ما جاز في ذلك ، ولو قلت سوف زيدا أضرب لم يحسن أو قد زيدا لقيت لم يحسن لانها انما وضعت للافعال إلا أنه جاز في تلك الاحرف التأخير والاضمار لما ذكرت لك من التحضيض والامر ، وحروف الاستفهام كذلك بنيت للفعل إلا أنهم قد توسّعوا فيها فابتدؤا بعدها الأسماء والأصل غير ذلك ، ألا ترى أنهم يقولون هل زيد منطلق وهل زيد في الدار وكيف زيد آخذ ، فان قلت كيف زيدا رأيت وهل زيد يذهب قبح ولم يجز إلا في شعر لأنه لما اجتمع الفعل والاسم حملوه على الاصل ، فان اضطرّ شاعر فقدّم الاسم نصب كما كنت فاعلا ذلك بقد ونحوها وهو في هذه أحسن لانه يبتدأ بعدها الاسماء وانما فعلوا هذا بالاستفهام لأنه كالأمر في أنه غير واجب وانه يريد به من المخاطب أمرا لم يستقرّ عند السائل ألا ترى أن جوابه جزم فلهذا اختير النصب وكرهوا تقديم الاسم لأنها حروف ضارعت بما بعدها ما بعد حروف الجزاء ، وجوابها كجوابه ، وقد يصير معنى حديثها اليه وهى غير واجبة كالجزاء فقبح تقديم الاسم لهذا إلا أنك اذا قلت أين عبد الله آته فكأنك قلت حيثما يكن آته ، فأما الالف فتقديم الاسم فيها قبل الفعل جائز كما جاز ذلك في هلا ، وذلك لأنها حرف الاستفهام الذي لا يزول عنه الى غيره وليس للاستفهام في الاصل غيره ، وانما ترك الالف في من ومتى وهل ونحوهن حيث أمنوا الالتباس ، ألا ترى أنك تدخلها على من اذا تمّت بصلتها كقول الله عزوجل (أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ) وتقول أم هل فانما هي بمنزلة قد ولكنّهم تركوا الالف استغناء اذا كان هذا الكلام لا يقع إلا في الاستفهام وستراه إن شاء الله مبينا أيضا فهي هيهنا بمنزلة إن في باب الجزاء فجاز تقديم الاسم فيها كما جاز في قولك إن الله أمكنني فعلت كذا وكذا ، ويختار فيها النصب لأنك تضمر الفعل فيها لأنّ الفعل أولى اذا اجتمع هو والاسم ، وكذلك كنت فاعلا في إن لأنها انما هي للفعل وسترى بيان ذلك إن شاء الله ، فالالف اذا كان معها فعل بمنزلة لو لا وهلا إلا

٦٦

أنك إن شئت رفعت فيها والرفع مع الالف أمثل منه في متى ونحوها لأنه قد صار فيها مع أنك تبتدىء بعدها الاسماء أنك تقدّم الاسم قبل الفعل والرفع فيها على الجواز ولا يجوز ذلك في هلا ولو لا لأنه لا يبتدأ بعدها الأسماء وليس جواز الرفع في الالف مثل جواز الرفع في ضربت زيدا وعمرا كلمته لأنه ليس هيهنا حرف هو بالفعل أولى وانما اختير هذا على الجواز وليكون معنى واحدا فهذا أقوى والذي يشبهه من حروف الاستفهام الالف.

واعلم أن حروف الاستفهام كلها يقبح أن يصيرّ بعدها الاسم اذا كان الفعل بعد الاسم لو قلت هل زيد قام وأين زيد ضربته لم يجز إلا في الشعر فاذا جاء في الشعر نصبته الا الألف فانه يجوز فيها الرفع والنصب لان الالف قد يبتدأ بعدها الاسم فان جئت في سائر حروف الاستفهام باسم وبعد ذلك الاسم اسم من فعل نحو ضارب جاز في الكلام ولا يجوز فيه النصب الا في الشعر لو قلت هل زيد أنا ضاربه لكان جيدا في الكلام لان ضاربا اسم وان كان في معنى الفعل ، ويجوز النصب في الشعر.

[باب ما ينتصب في الالف]

تقول أعبد الله ضربته وأزيدا مررت به وأعمرا قتلت أخاه وأعمرا اشتريت له ثوبا ففي كل هذا قد اضمرت بين الالف والاسم فعلا هذا تفسيره كما فعلت ذلك فيما نصبته في هذه الاحرف في غير الاستفهام ، وقال جرير : [وافر]

(١) أثعلبة الفوارس أم رياحا

عدلت بهم طهيّة والخشابا

فاذا أوقعت عليه الفعل أو على شيء من سببه نصبته ، وتفسيره هيهنا هو التفسير الذي فسّر في الابتداء أنك تضمر فعلا هذا تفسيره إلا أنّ النصب هو الذي يختار هيهنا وهو حدّ الكلام فأما الانتصاب ثمّ وهيهنا فمن وجه واحد ، ومثل ذلك أعبد الله

__________________

(٨١) استشهد به لنصب ثعلبة باضمار فعل دل عليه ما بعده فكأنه قال اظلمت ثعلبة عدلت بهم طهية ونحوه من التقدير* خاطب الفرزدق فاخرا عليه برهطه الادنى اليه من تميم لان ثعلبة ورياحا من بني يربوع بن حنظلة وجرير بن كليب بن يربوع وطهية ، والخشاب من بني مالك بن حنظلة ، والفرزدق من بني دارم بن مالك بن حنظلة فهم أدنى اليه ، وانما قال الفوارس لان فرسان تميم معدودون في بني يربوع بن حنظلة.

٦٧

كنت مثله لأن كنت فعل ، والمثل مضاف اليه وهو منصوب ، ومثله أزيدا لست مثله لأنه فعل فصار بمنزلة قولك أزيدا لقيت أخاه وهو قول الخليل ، ومثل ذلك ما أدري أزيدا مررت به أم عمرا ، وما ابالي أعبد الله لقيت أخاه أم عمرا ، لأنه حرف الاستفهام وهي تلك الالف التي في قولك أزيدا لقيته أم عمرا وتقول أعبد الله ضرب أخوه زيدا ، لا يكون إلا الرفع لأن الذي من سبب عبد الله مرفوع فاعل ، والذي ليس من سببه مفعول فيرتفع اذا ارتفع الذي من سببه كما ينتصب اذا انتصب ويكون المضمر ما يرفع كما اضمرت في الاول ما ينصب فانما جعل هذا المظهر بيان ما هو مثله ، فان جعلت زيدا الفاعل قلت أعبد الله ضرب أخاه زيد ، وتقول أعبد الله ضرب أخوه غلامه اذا جعلت الغلام في موضع زيد حيث قلت أعبد الله ضرب أخوه زيدا ، فيصير هذا تفسير الشىء رفع عبد الله لأنه يكون موقعا الفعل بما هو من سببه كما يوقعه بما ليس من سببه كأنه قال في التمثيل ، وان كان لا يتكلم به أعبد الله أهان غلامه أو عاقب غلامه أو صار في هذه الحال عند السائل وان لم يكن ثم فسّر ، وان جعلت الغلام في موضع زيد حين رفعت زيدا نصبت فقلت أعبد الله ضرب أخاه غلامه ، كأنه جعله تفسيرا لفعل غلامه أوقعه عليه لانه قد يوقع عليه الفعل ما هو من سببه كما يوقعه هو على ما هو من سببه ، وذلك قولك أعبد الله ضرب أباه وأعبد الله ضربه أبوه ، فجرى مجرى أعبد الله ضرب زيدا وأعبد الله ضربه زيد كأنه في التمثيل تفسير لقوله أعبد الله أهان أباه غلامه وأعبد الله ضرب أخاه غلامه ولا عليك أقدّمت الأخ أم أخّرته أم قدّمت الغلام أم أخرته أيّهما ما جعلته كزيد مفعولا فالاول رفع وان جعلته كزيد فاعلا فالأول نصب وتقول آلسوط ضرب به زيد وهو كقولك آلسوط ضربت به ، وكذلك آلخوان اكل اللحم عليه ، وكذلك أزيدا سميت به أو سمي به عمرو ، لأن هذا في موضع نصب وإنما تعتبره بانك لو قلت آلسوط ضربت فكان هذا كلاما أو آلخوان اكلت لم يكن إلا نصبا ، كما أنك لو قلت أزيدا مررت فكان كلاما لم يكن إلا نصبا ، فمن ثمّ صار هذا الفعل الذي لا يظهر تفسيره تفسير ما ينصب ، فاعتبر ما أشكل عليك من هذا بذا فان قلت أزيد ذهب به أو أزيد انطلق به لم يكن إلا رفعا لا أنك لو لم تقل به فكان كلاما لم يكن إلا رفعا كما قلت أزيد ذهب أخوه لأنك لو قلت أزيد ذهب لم يكن إلا رفعا ، وتقول أزيدا ضربت أخاه لانك لو

٦٨

ألقيت الأخ ، قلت أزيدا ضربت فاعتبر هذا بهذا ثم اجعل كلّ واحد جئت به تفسير ما هو مثله واليوم والظروف بمنزلة زيد وعبد الله اذا لم يكن ظروفا ، وذلك قولك أيوم الجمعة ينطلق فيه عبد الله كقولك أعمرا تكلم فيه عبد الله ، وأيوم الجمعة ينطلق فيه كقولك أزيد يذهب به ، وتقول أأنت عبد الله ضربته تجريه هاهنا مجرى أنا زيد ضربته لأن الذي يلي حرف الاستفهام أنت ثم ابتدأت هذا وليس قبله حرف استفهام ولا شيء هو بالفعل وتقديمه أولى إلا أنك إن شئت نصبته كما نصبت زيدا ضربته فهو عربي جيد وأمره هاهنا على قولك زيد ضربته ، فان قلت أكلّ يوم زيدا تضربه فهو نصب كقولك أزيدا تضربه كلّ يوم لأن الظرف لا يفصل في قولك ما اليوم زيد ذاهبا وإن اليوم عمرا منطلق فلا يحجز هاهنا كما لم يحجز ثمّة وتقول أعبد الله أخوه تضربه ، كما فعلت ذلك في قولك أأنت زيد ضربته لان الاسم هاهنا بمنزلة مبتدإ ليس قبله شيء ، وان نصبته على قولك زيدا ضربته قلت أزيدا أخاه تضربه لانك نصبت الذي من سببه يفعل هذا تفسيره ، ومن قال زيدا ضربته قال أزيدا أخاه تضربه ، وانما نصبت زيدا ، لأن ألف الاستفهام وقعت عليه والذي من سببه منصوب ، وقد يجوز الرفع في أعبد الله مررت به على ما ذكرت لك وأعبد الله ضربت أخاه ، وأما قولك أزيدا مررت به فبمنزلة قولك أزيدا ضربته ، والرفع في هذا أقوى منه في أعبد الله ضربته وهو أيضا قد يجوز اذا جاز هذا كما كان ذلك فيما قبله من الابتداء ، وما جاء بعد ما بني على الفعل وذلك أنه ابتدأ عبد الله وجعل الفعل في موضع المبنى عليه فكأنه قال أعبد الله أخوك فمن زعم انه اذا قال أزيدا مررت به انما ينصبه بهذا الفعل فهو ينبغي له أن يجرّه لأنه لا يصل الا بحرف اضافة ، واذا عملت العرب شيئا مضمرا لم يخرج عن عمله مظهرا في الجر ، والنصب ، والرفع ، تقول وبلد تريد وربّ بلد وتقول زيدا ، تريد عليك زيدا ، وتقول الهلال تريد هذا الهلال فكلّه يعمل عمله مظهرا ، ومما يقبح بعده ابتداء الاسماء ويكون الاسم بعده اذا أوقعت الفعل على شيء من سببه نصبا في القياس اذا وحيث ، تقول اذا عبد الله تلقاه فأكرمه وحيث زيدا تجده فأكرمه لانهما يكونان في معنى حروف المجازاة ويقبح ابتداء الاسم بعدهما اذا كان بعده الفعل لو قلت اجلس حيث زيد جلس ، أو اجلس اذا زيد يجلس ، كان أقبح من قولك اذا جلس

٦٩

زيد ، واذا يجلس وحيث يجلس وحيث جلس ، والرفع بعدهما جائز لأنك قد تبتدىء الاسماء بعدهما فتقول اجلس حيث عبد الله جالس واجلس اذا عبد الله جلس ، ولإذا موضع آخر يحسن فيه ابتداء الاسماء بعدها تقول نظرت فاذا زيد يضربه عمرو لانك لو قلت نظرت اذا زيد يذهب لحسن ، وأما إذ فيحسن ابتداء الاسم بعدها فتقول جئت اذ عبد الله قائم وجئت اذ عبد الله يقوم إلا أنها في فعل قبيحة نحو قولك جئت إذ عبد الله قام ولكنّ اذ انما يقع في الكلام الواجب فاجتمع فيها هذا ، وأنك تبتدىء الاسم بعدها فحسن الرفع ، ومما ينصب أوله لان آخره ملتبس بالاول قوله أزيدا ضربت عمرا وأخاه وأزيدا ضربت رجلا يحبّه وأزيدا ضربت جاريتين يحبّهما فانما نصبت الاوّل لان الآخر ملتبس به اذ كانت صفته ملتبسة به ، واذا اردت أن تعلم التباسه به فأدخله في الباب الذي تقدّم فيه الصفة فما حسن تقديم صفته فهو ملتبس بالاول ومالا يحسن فليس ملتبسا به ، ألا ترى أنك تقول مررت برجل منطلقة جاريتان يحبّهما ومررت برجل منطلق زيد وأخوه لأنك لما أشركت بينهما في الفعل صار زيد ملتبسا بالاخ فالتبس برجل ، ولو قلت أزيدا ضربت عمرا وضربت أخاه لم يكن كلاما لان عمرا ليس من سبب الأول ولا ملتبسا به ألا ترى أنك لو قلت مررت برجل قائم عمرو وقائم أخوه لم يجز لأن أحدهما ملتبس بالأول والآخر ليس ملتبسا.

[باب ما جرى في الاستفهام من أسماء الفاعلين والمفعولين مجرى الفعل]

«كما يجرى في غيره مجرى الفعل»

وذلك قولك أزيدا أنت ضاربه ، وأزيدا أنت ضارب له ، وأعمرا أنت مكرم أخاه ، وأزيدا أنت نازل عليه كأنك قلت أنت ضارب وأنت مكرم وأنت نازل كما كان ذلك في الفعل لانه يجري مجراه ويعمل في المعرفة كلّها والنكرة مقدّما ومؤخّرا ومظهرا ومضمرا وكذلك الدّار أنت نازل فيها وتقول أعمرا أنت واجد عليه وأخالدا أنت عالم به وأزيدا أنت راغب فيه لأنك لو ألقيت عليه وبه وفيه مما هاهنا لتعتبر لم تكن لتكون الا مما ينتصب كأنه قال أعبد الله أنت ترغب فيه وأعبد الله أنت تعلم به وأعبد الله أنت تجد عليه فانما استفهمته عن علمه به ورغبته في حال مسئلتك ، ولو قال آلدّار أنت نازل فيها

٧٠

فجعل نازلا اسما رفع كأنّه قال آلدار أنت رجل فيها ، ولو قال أزيد أنت ضاربه فجعله بمنزلة قولك أزيد أنت أخوه جاز ، ومثل ذلك في النصب أزيدا أنت محبوس عليه وأزيدا أنت مكابر عليه ، وإن لم يرد به الفعل وأراد به وجه الاسم رفع ، وكذلك جميع هذا فمفعول مثل يفعل وفاعل مثل يفعل ، ومما تجريه مجرى أسماء الفاعلين فواعل أجروه مجرى فاعلة حيث كانوا جمعوه وكسّروه عليه كما فعلوا ذلك بفاعلين وفاعلات ، فمن ذلك قولهم هنّ حواجّ بيت الله ، وقال أبو كبير الهذلىّ : [كامل]

(١) ممّن حملن به وهنّ عواقد

حبّك النطاق فشبّ غير مهبّل

وقال العجّاج : [رجز]

أو الفا مكّة من ورق الحمى

وقد جعل بعضهم فعّالا بمنزلة فواعل فقالوا قطّان مكّة وسكّان البلد الحرام لأنه جمع كفواعل وأجروا اسم الفاعل اذا أرادوا أن يبالغوا في الامر مجراه اذا كان على بناء فاعل لأنه يريد به ما أراد بفاعل من إيقاع الفعل إلا أنه يريد أن يحدّث عن المبالغة ، فمما هو الاصل الذي عليه أكثر هذا المعنى فعول ومفعال وفعل وقد جاء فعيل كرحيم وعليم وقدير وسميع وبصير يجوز فيهنّ ما جاز في فاعل من التقديم والتأخير والاظهار والاضمار ، لو قلت هذا ضروب رؤوس الرجال وسوق الابل على وضروب سوق الابل

__________________

(٨٢) الشاهد في نصب حبك النطاق بعواقد لانه جمع عاقدة ، وعاقدة تعمل عمل الفعل المضارع لانها في معناه فجري جمعها في العمل مجراها ونوّن عواقد مضطرا* وصف رجلا شهم الفؤاد ماضيا في الرجال فذكر أنه ممن حملت به النساء مكرهات فغلب عليه شبه الآباء وخرج مذكرا وكان العرب تفعل ذلك يغضب الرجل منهم المرأة ويعجلها حل نطاقها ويقع بها فيغلب ماؤه على مائها فينزع الولد اليه في الشبه ، وحبك النطاق مشتدة واحدها حباك وهو من حبكت الشيء اذا شددته وأحكمته ، والنطاق ازار تشده المرأة في وسطها وترسل أعلاه على أسفله تقيمه مقام السراويل ، والمهبل الثقيل ويقال هو الذي يدعى عليه بالهبل فيقال هبلته أمه أي فقدته ونظير البيت ما أنشده بعد هذا للعجاج وهو قوله* أو الفامكة من ورق الحمى* وقد مر تفسيره تحت رقم ١ ص ١٦

٧١

جاز كما يقول هذا ضارب زيد وعمرا تضمر وضارب عمرا ، ومما جاز فيه مقدّما ومؤخّرا على نحو ما جاء في فاعل ، قول ذي الرّمة : [طويل]

(١) هجوم عليها نفسه غير أنه

متى يرم في عينيه بالشّبح ينهض

وقال أبو ذؤيب الهذلي : [طويل]

(٢) قلى دينه واهتاج للشّوق إنها

على الشّوق إخوان العزاء هيوج

وقال القلاخ بن حزن المنقرى : [طويل]

(٣) أخا الحرب لبّاسا اليها جلالها

وليس بولّاج الخوالف أعقلا

وسمعنا من يقول أمّا العسل فأنا شرّاب ، وقال :

__________________

(٨٣) الشاهد في نصب النفس بهجوم لانه تكثير هاجم وهاجم يعمل عمل يهجم فجرى تكثيره مجراه* وصف ظليما فيقول يهجم نفسه على بيضة أي يلقيها عليها حاضنا لها فاذا جاء شخص وهو الشبح فارق بيضه وشرد ونهض فارا ويقال للشخص شبح وشبح ومعنى قوله يرم في عينيه بالشبح يفاجئه بسرعة فينظر اليه فجعل مفاجأته لنظره كشيء واحد رمي به وهو من بديع الكلام وفصيحه.

(٨٤) الشاهد في نصب اخوان العزاء بهيوج لانه تكثير هائج وعمل فيه مقدما كعمله فيه مؤخرا لقوته وجريه مجرى الفعل في عمله* وصف امرأة بالحسن واستمالة الرجال فيقول لو نظر اليها راهب لقلى دينه أي أبغضه وتركه واهتاج شوقا اليها ، ثم قال إنها لافراط حسنها وجمالها تهيج اخوان العزاء على مثلها وتحملهم على الصبا واللهو ، ويقال هجت الشيء فاهتاج اذا هيجته ولا يقال أهجت.

(٨٥) الشاهد في نصب جلالها بقوله لباسا لانه تكثير لابس فعمل عمل فعله* وصف رجلا بالشجاعة والاعداد للحرب فيقول هو أخوها لملازمته لها معد لآلتها لابس لعدتها وجعل ما يلبسه لها من السلاح كالدرع ونحوها جلالا وهي جمع ، حل على طريقة المثل والاستعارة ، والولاج الكثير الولوج في البيوت المتردد فيها لضعف همته نفي ذلك عنه والخوالف جمع خالفة وهي عمود في مؤخر البيت ويقال هي شقة في أسفل مؤخر البيت ، والا عقل الذي تصطك ركبتاه عند المشي خلقة أو ضعفا.

٧٢

(١) بكيت أخا لأواء يحمد يومه

كريم رؤس الدار عين ضروب

وقال أبو طالب بن عبد المطلّب : [طويل]

(٢) ضروب بنصل السّيف سوق سمانها

اذا عدموا زادا فإنك عاقر

وقد جاء في فعل وليس ككثرة ذلك قال الشاعر (وهو ابن الأحمر) : [كامل]

(٣) أو مسحل شنج عضادة سمحج

بسراتها ندب له وكلوم

وقال إنه لمنحار بوائكها ، وفعل أقلّ من فعيل بكثير وأجروه حين بنوه للجمع يعنى فعولا كما كان اجرى في الواحد ليكون كفواعل حين اجرى مثل فاعل من ذلك قول طرفة : [رمل]

__________________

(٨٦) الشاهد في نصب الرؤوس بضروب وقد تقدم نظيره* وصف رجلا شجاعا كريما فقده فبكى عليه فيقول بكيت رجلا أخا لأواء أي كافيا لها دافعا لمعرتها واللأواء الشدة ، ثم بين أنه مقدم على الاقران ضروب لرؤوسهم بالسيف واذا نال منهم الرؤوس فقد بلغ النهاية من الاقدام عليهم ، ومعنى قوله يحمد يومه أي ان تولي يوما من أيام الحرب أو العطاء والبذل حمد ، وجعل الفعل لليوم مجازا واتساعا.

(٨٧) الشاهد في نصب سوق بضروب على ما تقدم* مدح رجلا بالكرم فيقول يضرب بسيفه سوق السمان من الابل للاضياف ادا عدموا الزاد ولم يظفروا بجواد لشدة الزمان وكلبه وكانوا اذا أرادوا نحر الناقة ضربوا ساقها بالسيف فخرت ثم نحروها.

(٨٨) الشاهد في نصب عضادة بشنج لانه تكثير شانج ، وشانج في معنى ملازم ، وفعله شنجته كلزمته على ما حكاه البصريون وذلك غير مشهور في اللغة وقد خولف سيبويه في هذا وجعل نصب عضادة على الظرف والتقدير شنج في عضادة سمحج ، وعضادتها ناحيتها فكأنه قال منقبض في ناحية من الاتان ، وشنج في معنى منقبض على هذا التأويل وهو غير متعد ، والصحيح قول سيبويه ، وعليه معنى الشعر لانه وصف المسحل وهو غير الفلاة بالنشاط والهياج والحمل على أتانه ، فهى ترمحه وتكلمه أي تجرحه ، وشبه ناقته به في هذه الحال ولو كان المعنى على التفسير الآخر لقصره في وصف ناقته وتشبيهها به ، السمحج الطويلة على وجه الارض ، والسراة أعلى الظهر ووسطه ، والندب آثار الجراحات واحدتها ندبة ، والكلوم الجراحات واحدها كلم.

٧٣

(١) ثم زادوا أنّهم في قومهم

غفر ذنبهم غير فخر

ومما جاء على فعل ، قول الشاعر : [كامل]

(٢) حذر امورا لا تضير وآمن

ما ليس منجيه من الأقدار

ومن هذا الباب قول رؤبة : [رجز]

(٣) برأس دمّاغ رؤوس العزّ

ومنه قول ساعدة بن جؤيّة : [بسيط]

__________________

(٨٩) الشاهد في نصب ذنبهم بغفر لانه جمع غفور ، وغفور تكثير غافر وعامل عمله فجرى جمعه على العمل مجراه* مدح قومه فيقول لهم فضل على الناس وزيادة عليهم بانهم يغفرن ذنب المذنب اليهم ولا يفخرون بذلك سترا لمعروفهم ويروي غير فجر بالجيم أي يغفرون الذنب ويعفون عن الفحشاء والرواية الاولى أصح وأحسن.

(٩٠) الشاهد في نصب أمور بحذر لانه تكثير حاذر وحاذر يعمل عمل فعله المضارع فجرى حذر عند سيبويه مجراه في العمل لانه عنده مغير من بنائه للتكثير كما كان ضروب وضراب وغيرهما من الامثلة ، وقد خولف سيبويه في تعدي فعل وفعيل لانهما بناآن لما لا يتعدى كبطروا شر وكريم ولئيم ، وسيبويه رحمه‌الله لا يراعي موافقته بناء ما لا يتعدى اذا كان منقولا عن فاعل المتعدي للتكثير وهو القياس مع اثباته بالشاهد وأن كان قد رد عليه استشهاده بالبيت وجعل مصنوعا ، ونسب الى أبي الحسن الاخفش وزعم الراد عنه انه قال سألني سيبويه عن تعدي فعل فوضعت له حذر أمورا لا تخاف وان كان صحيحا فلا يضر ذلك سيبويه لأن القياس يعضده وقد ألفيت في بعض ما رأيت لزيد الخيل بن مهلهل الطائي بيتا في تعدي فعل وهو قوله :

أتاني انهم مزقون عرضي

جحاش الكرملين لها فديد

فقال مزقون عرضي كما ترى واجراه مجرى ممزقين وهذا لا يحتمل غير هذا التأويل فقد ثبت صحة القياس بهذا الشاهد القاطع.

(٩١) الشاهد فيه نصب رؤس العز بدماغ لانه تكثير دامغ وهو الذي يبلغ بالشجة الى الدماغ وأراد رؤوس أهل العز فحذف كما قال الله عزوجل (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ).

٧٤

(١) حتى شآها كليل موهنا عمل

باتت طرابا وبات الليل لم ينم

وقال الكميت : [بسيط]

(٢) شمّ مهاوين أبدان الجزور مخا

ميص العشيّات لا خور ولا قزم

ومنه قدير وعليم ورحيم لأنه يريد المبالغة في الفعل وليس هذا بمنزلة قولك حسن وجه الاخ لأن هذا لا يقلب ولا يضمر وانما حدّه أن يتكلّم به في الالف واللام أو

__________________

(٩٢) الشاهد في نصب الموهن بكليل لأنه بمعنى مكل مغير منه لمعنى التكثير ، وقد ردّ هذا التأويل على سيبويه لما قدمنا من أن فعيلا وفعلا بناآن لما لا يتعدى في الاصل وجعل الراد نصب موهن على الظرف ، والمعنى عنده أن البرق ضعيف الهبوب كليل في نفسه وهذا الرد غير صحيح اذ لو كان كليلا لم يقل عمل وهو الكثير العمل ولا وصفه بقوله وبات الليل لم ينم ، والمعنى على مذهب سيبويه انه وصف حمارا وأتنا نظرت الى برق مستطير دال على الغيث بكل الموهن بروقه وتوالى لمعانه كما يقال أتبعت ليلك أي سرت فيه سيرا حثيثا متعبا متواليا والموهن وقت من الليل فشآها ذلك البرق أى ساقها وأزعجها من موضعها الى الموضع الذي كان منه البرق فباتت طرية اليه منتقلة نحوه وفعيل في معنى مفعل موجود كثيرا يقال بصير في معنى مبصر وعذاب أليم بمعني مؤلم وداع سميع بمعنى مسمع كما قال عمرو ابن معد يكرب* أمن ريحانة الداعي السميع* أي المسمع وكذلك كليل في معنى مكل واذا كان بمعناه عمل عمله لأنه مغير منه للتكثير كما تقدم.

(٩٣) الشاهد في نصب ابدان الجزور بقوله مهاوين لأنه جمع مهوان ، ومهوان تكثير مهين كما كان منحار ومضراب تكثير ناحر وضارب فعمل الجمع عمل واحده كما تقدم* وصف قوما بالعزة والكرم فيقول هم شم الانوف أعزة فجعل الشمم كناية عن العزة والانفة كما يقال للعزيز شامخ الانف وللذليل خاشع الانف ، ثم قال يهينون للاضياف والمساكين أبدان الجزور وهو جمع بدنة وهي الناقة المتخذة للنحر المسمنة وكذلك الجزور وقوله مخاميص العشيات أي يؤخرون العشاء تربصا على ضيف يطرق فبطونهم خميصة في عشياتهم لتأخيرهم الطعام ، والخور الضعفاء عند الشدة ، والقزم الحقراء الارذال وأصل القزم أرذال الغنم ويروي أبداء الجزور وهو أفضل أعضائها اذا فصلت ، واحدها بدء ، ومنه قيل للسيد بدء لفضله.

٧٥

نكرة ولا تعني به أنك أوقعت فعلا سلف منك إلى أحد ولا يحسن أن تفصل بينهما فتقول هو كريم فيها حسب الاب ، ومما اجرى مجرى الفعل من المصادر قول الشاعر : [طويل]

(١) يمرّون بالدّهنا خفافا عيابهم

ويرجعن من دارين بجر الحقائب

على حين ألهى الناس جلّ أمورهم

فندلا زريق المال بذل الثّعالب

كأنه قال اندل ، وقال المرّار الأسدي : [كامل]

(٢) أعلاقة أمّ الولّيد بعد ما

أفنان رأسك كالثّغام المخلس

__________________

(٩٤) الشاهد في نصب المال بقوله ندلا لأنه بدل من قولك اندل كما تقول ضربا زيدا بمعنى اضرب زيدا ولك في نصب ندلا تقديران ، ان شئت جعلت الفعل المضمر هو العامل فيه وندلا دال عليه مؤكد له وان شئت جعلت نصبه بفعل آخر كأنه قال أوقع ندلا ونحوه من التقدير فيكون العامل فيه غير فعله* وصف تجارا وقيل لصوصا فيقول يمرون بالدهنا وهي رملة من بلاد تميم خفافا عيابهم لا شىء فيها ثم قال ويخرجن من دارين فأخبر عن رواحلهم فلذلك أنث ودارين اسم سوق ينسب اليه المسك فيقال مسك داري والبجر الممتلئة وأصل البجرة نتوء السرة ، والحقائب جمع حقيبة وهي ما يحتقبه الراكب خلفه من سفرة وعيبة ونحو ذلك ثم قال* على حين ألهي الناس جل أمورهم* فدل هذا على أنهم لصوص يفترصون الناس عند ما يعنيهم من أمورهم فيلهون به عن حفظ أموالهم وان كانوا تجارا فيقول هم مواظبون على التجارة والكسب وان كان الناس في شغل عن ذلك لما هم فيه من اختلاف أهوائهم وتشعب أمورهم ، وزريق اسم قبيلة وهو منادى ، والندل هنا الاخذ باليدين ومنه اشتقاق المنديل ، والندل أيضا السرعة في السير ويقال في المثل هو أكسب من ثعلب لأنه يدخر لنفسه ويأتي على ما يعدو عليه من الحيوان اذا أمكنه والدهنا تمد وتقصر.

(٩٥) الشاهد في نصب الام بقوله علاقة لانها بدل من لفظ تعلق فعملت عمله* وصف كبره وان الشيب قد شمله فلا يليق به الصبا واللهو ، وأفنان الرأس خصل شعره ، وأصل الفنن الغصن ، والثغام شجر اذا يبس ابيض ويقال هو نبت له نور أبيض فشبه بياض الشيب في سواد الشعر ببياض النور في خضرة النبت ، والمخلس ما اختلط فيه البياض بالسواد يقال أخلس الشعر والنبت اذا كان فيه لونان ، والعلاقة والعلق أن يعلق الحب بالقلب ومنه نظرة ـ

٧٦

وقال : [وافر]

(٩٦) ـ بضرب بالسّيوف رؤس قوم

أزلنا هامهنّ عن المقيل

وتقول أعبد الله أنت رسول له ورسوله لأنك لا تريد بفعول هيهنا ما تريد به في ضروب لأنك لا تريد أن توقع منه فعلا عليه وانما هو بمنزلة قولك أعبد الله أنت عجوز له ، وتقول أعبد الله أنت له عديل وأعبد الله أنت له جليس لأنك لا تريد مبالغة في فعل ولم تقل مجالس فيكون كفاعل فانما هو اسم بمنزلة قولك أزيد أنت وصيف له أو غلام له ، وكذلك آلبصرة أنت عليها أمير ، فأما الاصل الاكثر الذي جرى مجرى الفعل من الاسماء ففاعل وانّما جاز في التي بنيت للمبالغة لأنها بنيت للفاعل من لفظه والمعنى واحد وليست بالابنية التي هي في الاصل أن تجري مجرى الفعل يدلّك على ذلك أنها قليلة فاذا لم يكن فيها مبالغة الفعل فانما هي بمنزلة غلام وعبد ، لأن الاسم على فعل يفعل فاعل ، وعلى فعل يفعل مفعول فاذا لم يكن واحد منهما ولا الذي لمبالغة الفاعل لم يكن فيه إلا الرفع وتقول أكلّ يوم أنت فيه أمير ترفعه لأنه ليس بفاعل وقد خرج كلّ من أن يكون ظرفا فصار بمنزلة عبد الله ألا ترى أنك إذا قلت أكلّ يوم ينطلق فيه صار كقولك أزيد يذهب به ولو جاز أن تنصب كلّ يوم وأنت تريد بالامير الاسم لقلت أعبد الله عليه ثوب فان جوّزت النصب لأنك تقول أكلّ يوم لك ثوب فيكون نصبا ، فاذا شغلت الفعل نصبت فقلت أكلّ يوم لك فيه ثوب.

[باب الأفعال التي تستعمل وتلغى]

فهي ظننت وحسبت وخلت وأريت ورأيت وزعمت وما يتصرّف من أفعالهن فاذا جاءت مستعملة فهي بمنزلة رأيت وضربت وأعطيت في الاعمال والبناء على الأول

__________________

ـ من ذي علق أي من ذى هوى قد علق قلبه ، وأولى بعد ما الجملة في قوله بعد ما أفنان رأسك ، وبعد لا تليها الجمل ، وجاز ذلك لان ما وصلت بها لتهيأ للجملة بعدها كما فعل بقلما وربما ، وما مع الجملة في موضع جر باضافتها اليها ، والمعنى بعد شبه رأسك بالثغام المخلس وصغر الوليد ليدل على سنّ المرأة لان صغير وليدها لا يكون إلا في عصر شبابها وما يتصل به من زمان ولادتها.

٧٧

وفي الخبر والاستفهام وكلّ شيء ، وذلك قولك أظنّ زيدا منطلقا وأظنّ عمرا ذاهبا وزيدا أظنّ أباك وعمرا زعمت أخاك وتقول زيدا أظنه ذاهبا ، ومن قال عبد الله ضربته نصب فقال عبد الله أظنه ذاهبا ، وتقول أظنّ عمرا منطلقا وبكرا أظنه خارجا كما قلت ضربت زيدا وعمرا كلمته ، وان شئت رفعت على الرفع في هذا فان الغيت قلت عبد الله أظنّ ذاهب ، وهذا إخال أخوك وفيها ارى أبوك وكلما أردتّ الالغاء فالتأخير أقوى وكلّ عربيّ جيد ، قال الشاعر وهو اللّعين [المنقرى ، يهجو العجاج) : [بسيط]

(١) أبا الأراجيز يا ابن اللؤم توعدني

وفي الأراجيز خلت اللّؤم والخور

أنشدناه يونس مرفوعا عنهم ، وانما كان التأخير أقوى لأنه إنما يجيء بالشك بعد ما يمضي كلامه على اليقين أو بعد ما يبتدىء وهو يريد اليقين ثم يدركه الشكّ كما تقول عبد الله صاحب ذاك بلغني ، وكما قال من يقول ذاك تدري فأخّر ما لم يعمل في أول كلامه وانما جعل ذلك فيما بلغه بعد ما مضى كلامه على اليقين وفيما يدري فاذا ابتدأ كلامه على ما في نيته من الشك أعمل الفعل قدّم أو أخرّ كما قال زيدا رأيت ورأيت زيدا وكلما طال الكلام ضعف التأخير اذا أعملت وذلك قولك زيدا أخاك أظنّ فهذا ضعيف كما يضعف زيدا قائما ضربت لأن الحدّ أن يكون الفعل مبتدءا اذا اعمل ، ومما جاء في الشعر معملا في زعمت قول الشاعر وهو أبو ذؤيب الهذلي : [طويل]

(٢) فان تزعميني كنت أجهل فيكم

فاني شريت الحلم بعدك بالجهل

وقال النابغة الجعدي : [طويل]

__________________

(٩٧) الشاهد في رفع اللؤم والخور بعد خلت لما تقدم عليها من الخبر ، وينوي فيها من التأخير والتقدير ، وفي الاراجيز اللؤم والخور خلت ذلك* وصف أنه راجز لا يحسن القصيد والتصرف في أنواع الشعر فجعل ذلك دلالة على لؤم طبيعته وخور نفسه والخور الضعف.

(٩٨) الشاهد في اعمال تزعمين فيما بعده لانه مقدم عليه فلا يحسن الغاؤه* وصف انه رجع من الصبا بعد خوضه فيه لما وعظه من الشيب الزاجر له فيقول ان كنت تزعمين اني كنت أجهل في هواي لكم وصبوتي اليكم فقد شريت بذلك الجهل والصبا حلما وعقلا ورجعت عما كنت عليه.

٧٨

(١) عددت قشيرا اذ فخرت فلم أسأ

بذاك ولم أزعمك عن ذاك معزلا

وتقول أين ترى عبد الله قائما ، وهل ترى زيدا ذاهبا لان هل ، وأين كأنك لم تذكرهما لان ما بعدهما ابتداء فكأنك قلت أترى زيدا ذاهبا ، وأتظنّ عمرا منطلقا ، فان قلت أين ، وأنت تريد أن تجعلها بمنزلة فيها إذا استغنى بها الابتداء قلت أين ترى زيد وأين ترى زيدا ، واعلم ان قلت في كلام العرب انما وقعت على أن يحكى بها وانما يحكى بعد القول ما كان كلاما لا قولا نحو قلت زيد منطلق ألا ترى أنه يحسن أن تقول زيد منطلق ، فلما أوقعت قلت على ألّا يحكى بها إلا ما يحسن أن يكون كلاما وذلك قولك قال زيد عمرو خير الناس وتصديق ذلك قوله عزوجل (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ) ولو لا ذلك لقال أن الله ، وكذلك جميع ما تصرّف من فعله إلا تقول في الاستفهام شبهوها بتظنّ ولم يجعلوها كأظنّ ويظنّ في الاستفهام لانه لا يكاد يستفهم المخاطب عن ظن غيره ولا يستفهم هو الا عن ظنه فانما جعلت كتظن كما ان ما كليس في لغة أهل الحجاز ما دامت في معناها فاذا تغيرت عن ذلك أو قدم الخبر رجعت الى القياس وصارت اللغات فيها كلغة تميم ولم يجعل قلت كظننت لانها انما أصلها عندهم الحكاية فلم تدخل في باب ظننت بأكثر من هذا كما أن ما لم تقو قوة ليس ولم تقع في جميع مواضعها لأن أصلها عندهم أن يكون مبتدءا ما بعدها وسترى ان شاء الله ما يكون بمنزلة الحرف في شيء ثم لا يكون معه على أكثر أحواله وقد بين بعضه فيما مضى ، وذلك قولك متى تقول زيدا منطلقا وأتقول عمرا ذاهبا وأكلّ يوم تقول عمرا منطلقا لا يفصل بها كما لم يفصل بها في أكلّ يوم زيدا تضربه فان قلت أأنت تقول زيد منطلق رفعت لانه فصل بينه وبين حرف الاستفهام كما

__________________

(٩٩) الشاهد في نصب الضمير في قوله لم أزعمك لتقدم الزعم عليه ، ونصب معزل على المفعول الثاني والتقدير ولم أزعمك ذا معزل عن ذلك ويجوز أن يكون نصبه على الظرف الواقع موقع المفعول الثاني لانك تقول أنت معزلا عن ذاك تريد في معزل منه وبمعزل كما تقول أنت مني مرءا او مسمعا تريد بمرآى ومسمعى* وصف أن رجلا من قشير وهي قبيلة من بني عامر فاخره بكثرة سادات قشير وعددهم فدكر النابغة وهو من بني جعدة وجعدة أخت قشير من بني عامر أن قومه أكثر منهم وأعز فلم يسؤه ما عدده القشيري من قومه ولم يخله بمعزل عن ذلك فيفجؤه من فخره بهم وتعديده لهم ما يسوءه.

٧٩

فصله في قوله أنت زيد مررت به فصارت بمنزلة أخواتها واقرّت على الاصل قال الكميت : [وافر]

(١) أجهالا تقول بنى لؤىّ

لعمر أبيك أم متجاهلينا

وقال عمر بن أبي ربيعة : [كامل]

(٢) أما الرحيل فدون بعد غد

فمتى تقول الدار تجمعنا

وان شئت رفعت بما نصبت فجعلته حكاية وزعم أبو الخطاب وسألته عنه غير مرّة أنّ ناسا من العرب يوثق بعربيتهم وهم بنو سليم يجعلون باب قلت أجمع مثل ظننت.

واعلم أن المصدر قد يلغى كما يلغى الفعل وذلك قولك متى زيد ظنّك ذاهب ، وزيد ظنّى أخوك ، وزيد ذاهب ظنى ، فان ابتدأت فقلت ظنى زيد ذاهب كان ضعيفا لا يجوز البتّة كما ضعف أظنّ زيد ذاهب وهو في متى وأين أحسن اذا قلت متى ظنّك زيد ذاهب ومتى تظنّ عمرو منطلق لأنّ قبله كلاما وانما يضعف هذا في الابتداء كما يضعف غير شك زيد ذاهب وحقا عمرو منطلق ، وان شئت قلت متى ظنّك زيدا أميرا كقولك متى ضربك زيدا وقد يجوز أن تقول عبد الله أظنّه منطلق تجعل هذه الهاء على ذاك كأنك قلت زيد منطلق أظنّ ذاك لا تجعل الهاء لعبد الله ولكنّك تجعلها ذاك

__________________

(١٠٠) الشاهد في اعمال تقول عمل الظن لانها بمعناها ولم يرد قول اللسان انما أراد اعتقاد القلب والتقدير أتقول بني لؤي جهالا أي أتظنهم كذلك وتعتقده فيهم وأراد ببني لؤي جمهور قريش وعامتها لان أكثرها ينته في النسبة الى لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو أبو قريش كلها ، وهذا البيت من قصيدة يفخر فيها على اليمنى ويذكر فضل مضر عليهم فيقول أتظن قريشا جاهلين أم متجاهلين حين استعملوا اليمانيين في ولاياتهم وآثروهم على المضربين مع فضلهم عليهم ، والمتجاهل الذي يستعمل الجهل وان لم يكن من أهله.

(١٠١) الشاهد في نصب الدار بتقول لخروجها الى معنى الظن كما تقدم ، يقول قد حان رحيلنا عمن نحب ومفارقتنا له في غد وعبر عن ذلك بقوله دون بعد غد فمتى تجمعنا الدار فيما نقدر ونعتقد ولم يرد بالدار دارا بعينها وانما أراد موضعا يحلونه منتجعين فيجمعه ومن يحب فكل موضع يحلون فيه فهو لهم دار ومستقر.

٨٠