كتاب سيبويه - ج ١

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]

كتاب سيبويه - ج ١

المؤلف:

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٨٢

[باب ما يرتفع بين الجزمين وينجزم بينهما]

فأما ما يرتفع بينهما فقولك إن تأتني تسألني أعطك وإن تأتني تمشي أمش معك وذلك لأنك أردت أن تقول ان تأتني سائلا يكن ذلك وان تأتني ماشيا فعلت.

وقال زهير : [طويل]

(١) ومن لا يزل يستحمل النّاس نفسه

ولا يغنها يوما من الدهر يسأم

انما أراد من لا يزل مستحملا يكن من أمره ذاك ولو رفع يغنها جاز وكان حسنا كأنه قال من لا يزل لا يغني نفسه ، ومما جاء أيضا مرتفعا قول الحطيئة : [طويل]

(٢) متى تأته تعشو الى ضوء ناره

تجد خير نار عندها خير موقد

وسألت الخليل عن قوله : [طويل]

(٣) متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا

تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا

قال تلمم بدل من الفعل الأوّل ونظيره في الأسماء مررت برجل عبد الله فأراد أن يفسّر الاتيان بالالمام كما فسّر الاسم الآخر ، ومثل ذلك أيضا قوله أنشدنيهما الأصمعي عن أبي عمرو لبعض بني أسد : [كامل]

(٤) إن يبخلوا أو يجبنوا

أو يغدروا لا يحفلوا

يغدوا عليك مرجّلين

كأنّهم لم يفعلوا

__________________

(٦٧٢) الشاهد فيه رفع يستحمل لأنه ليس بشرط ولا جزاء وانما هو معترض بينهما خبرا عن يزل أي من لا يزل مستحملا للناس نفسه ملقيا اليهم بنوائبه يسام.

(٦٧٣) الشاهد فيه رفع تعشو لوقوعه موقع الحال ، والمعنى متى تأته عاشيا أي في الظلام وهو العشاء تجد خير نار أي تجد ناره معدة للضيف الطارق.

(٦٧٤) الشاهد في جزم تلمم لأنه بدل من قوله تأتنا وتفسير له لأن الالمام اتيان ولو أمكنه رفعه على تقدير الحال لجاز وقوله تأججا خبر عن الحطب والنار ، ويجوز أن يكون خبرا عن العار وحدها فيذكرها لأن تأنيثها غير حقيقي ضرورة ويجوز أن يريد تتأججن بالنون الخفيفة والوقف عليها بالألف.

(٦٧٥) الشاهد فيه جزم يغدوا على البدل من قوله لا يحفلوا كما هو لأن غدوّهم ـ

٥٢١

فقوله يغدوا بدل من لا يحفلوا وغدوّهم مرجّلين يفسّر أنهم لم يحفلوا ، وسألته هل يكون إن تأتنا تسألنا نعطك فقال هذا يجوز على غير أن يكون مثل الأوّل لأن الأوّل الفعل والآخر تفسير له وهو هو والسّؤال لا يكون الاتيان ولكنه يجوز على الغلط والنّسيان ثم يتدارك كلامه ونظير ذلك في الأسماء مررت برجل حمار كأنه نسى ثم تدارك كلامه ، وسألته عن قوله عزوجل (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ) فقال هذا كالأوّل لأنّ مضاعفة العذاب هو لقيّ الآثام ، ومثل ذلك من الكلام إن تأتنا نحسن اليك نعطك ونحملك ، تفسّر الاحسان بشيء هو هو وتجعل الآخر بدلا من الأول ، فان قلت إن تأتني آتك أقل ذاك كان غير جائز لأنّ القول ليس بالاتيان إلا أن تجيزه على ما جاز عليه تسألنا.

وأمّا ما ينجزم بين المجزومين فقولك إن تأتني ثمّ تسألني أعطك وإن تأتني فتسألنى أعطك وإن تأتني وتسألني أعطك ، وذلك لأن هذه الحروف يشركن الآخر فيما دخل فيه الأول وكذلك أو وما أشبههن ، ولا يجوز في ذا الفعل الرفع ، وانما كان الرفع في قوله : متى تأته تعشو ، لأنه في موضع عاش كأنه قال متى تأته عاشيا ، ولو قلت متى تأته وعاشيا كان محالا فانما أمرهنّ أن يشركن بين الأول والآخر ، وسألت الخليل عن قوله إن تأتني فتحدّثني أحدّثك وان تأتني وتحدّثني أحدّثك فقال هذا يجوز والجزم الوجه ، ووجه نصبه على أنه حمل الآخر على الاسم كأنه أراد إن يكن اتيان فحديث أحدّثك ، فلما قبح أن يرد الفعل على الاسم نوى أن لأن الفعل معها اسم ، وإنما كان الجزم الوجه لأنه اذا نصب ، كان المعنى معنى الجزم فيما أراد من الحديث ، فلما كان ذلك كان أن يحمل على الذي عمل فيما يليه أولى وكرهوا أن يتخطّوا به من بابه الى باب آخر اذا كان يريد شيئا واحدا ، وسألته عن قول ابن زهير : [طويل]

__________________

ـ مرجلين دليل على أنهم لم يحفلوا بقبيح ما أتوه فهو تفسير له ، وتبيين والترجيل مشط الشعر وتليينه بالدهن ويقال ما حفلت بكذا أي ما باليت به.

٥٢٢

(١) ومن لا يقدّم رجله مطمئنة

فيثبتها في مستوى الأرض يزلق

فقال النصب في هذا جيد لأنه أراد هاهنا من المعنى ما أراد في قوله لا تأتينا الا لم تحدّثنا فكأنه قال من لا يقدّم إلّا لم يثبت زلق ، ولا يكون أبدا اذا قلت إن تأتني فأحدّثك الفعل الآخر الّا رفعا وإنما منعه أن يكون مثل ما انتصب بين المجزومين أنّ هذا منقطع من الأول ، ألا ترى أنك اذا قلت ان يكن اتيان فحديث أحدّثك فالحديث متصل بالأول شريك له ، وإذا قلت ان يكن اتيان فحديث ثم سكتّ وجعلته جوابا لم يشرك الأول وكان مرتفعا بالابتداء ، وتقول ان تأتني آتك فأحدّثك هذا الوجه وان شئت ابتدأت وكذلك الواو وثمّ ، وان شئت نصبت بالواو والفاء كما نصبت ما كان بين المجزومين.

واعلم أنّ ثمّ لا ينصب بها كما ينصب بالواو والفاء ولم يجعلوها مما يضمر بعده أن وليس يدخلها من المعاني ما يدخل في الفاء وليس معناها معنى الواو ولكنها تشرك ويبتدأ بها.

واعلم أن ثمّ اذا أدخلته على الفعل الذى بين المجزومين لم يكن الّا جزما لأنه ليس مما ينصب ، ولا يحسن الابتداء لأن ما قبله لم ينقطع وكذلك الفاء والواو وأو اذا لم ترد بهن النصب ، فاذا انقضى الكلام ثم جئت بثمّ فان شئت جزمت وإن شئت رفعت وكذلك الواو والفاء ، قال الله تعالى (وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) وقال تعالى (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) الا أنه قد يجوز النصب بالفاء والواو وبلغنا أن بعضهم قرأ (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وتقول ان تأتني فهو خير لك وأكرمك وان تأتني فأنا آتيك وأحسن اليك وقال عزوجل (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) والرفع هيهنا وجه الكلام وهو الجيّد ، لأن الكلام الذي بعد الفاء جرى مجراه في غير الجزاء فجرى الفعل هنا كما كان يجري في غير الجزاء ، وقد

__________________

(٦٧٦) الشاهد في نصب يثبتها باضمار أن على جواب النفي والمعنى من لا يقدم رجله مثبتا لها في موضع مستو زلق وهذا مثل أي من لم يتأهب للأمر قبل محاولته أخطا في تدبيره.

٥٢٣

بلغنا أنّ بعض القراء قرأ (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) وذلك لأنه حمل الفعل على موضع الكلام ، لأن هذا الكلام في موضع يكون جوابا لأن أصل الجزاء الفعل وفيه تعمل حروف الجزاء ، ولكنهم قد يضعون في موضع الجزاء غيره ، ومثل الجزم هيهنا النصب في قوله : * فلسنا بالجبال ولا الحديدا*

حمل الآخر على موضع الكلام وموضعه موضع نصب كما كان موضع ذاك موضع جزم وتقول ان تأتني فلن اؤذيك وأستقبلك بالجميل فالرفع هيهنا الوجه اذا لم يكن محمولا على لن كما كان الرفع الوجه في قوله فهو خير لك واكرمك ، ومثل ذلك ان أتيتني لم آتك وأحسن اليك فالرفع الوجه اذا لم تحمله على لم كما كان ذلك في لن ، واحسن ذلك ان تقول ان تأتني لا آتك كما أن أحسن الكلام أن تقول ان أتيتني لم آتك ، وذلك أن لم أفعل نفي فعل وهو مجزوم بلم ولا أفعل نفى أفعل وهو مجزوم بالجزاء فاذا قلت إن تفعل فاحسن الكلام أن يكون الجواب أفعهل لأنه نظيره من الفعل ، واذا قال ان فعلت فأحسن الكلام أن تقول فعلت لأنه مثله ، فكما ضعف فعلت مع أفعل وأفعل مع فعلت قبح لم أفعل مع يفعل لأن لم أفعل نفي فعلت وقبح لا أفعل مع فعل لأنها نفي أفعل.

واعلم أنّ النصب بالفاء والواو في قوله ان تأتني آتك وأعطيك ضعيف وهو نحو من قوله :

* وألحق بالحجاز فأستريحا*

فهذا يجوز وليس بحدّ الكلام ولا وجهه الّا أنه في الجزاء صار أقوى قليلا لأنه ليس بواجب أنه يفعل الا أن يكون من الأول فعل ، فلما ضارع الذي لا يوجبه كالاستفهام ونحوه أجازوا فيه هذا من ضعفه وان كان معناه كمعنى ما قبله اذا قال واعطيك وانما هو في المعنى كقوله أفعل ان شاء الله يوجب بالاستثناء ، قال الأعشي فيما جاز من النصب : [طويل]

(١) ومن يغترب عن قومه لا يزل يرى

مصارع مظلوم مجرّا ومسحبا

وتدفن منه الصالحات وان يسيء

يكن ما أساء النار في رأس كبكبا

__________________

(٦٧٧) الشاهد في نصب تدفن على اضمار أن لأن جواب الشرط قبله وان كان خبرا فانه لا يقع الا بوقوع الفعل الاول فضارع غير الواجب فجاز النصب في مثل ما عطف عليه لذلك* يقول من يغترب عن قومه جرى عليه الظلم فاحتمله لعدم ناصره واخفيت حسناته ـ

٥٢٤

[باب من الجزاء ينجزم فيه الفعل اذا كان جوابا لأمر أو نهي أو]

(استفهام أو تمن أو عرض)

فأما ما انجزم بالأمر فقولك ائتني آتك ، وما انجزم بالنهي فقولك لا تفعل يكن خيرا لك ، وأما ما انجزم بالاستفهام فقولك ألا تأتيني أحدّثك ، وأين تكون أزرك وأما ما انجزم بالتمني فقولك ألا ماء أشربه وليته عندنا يحدّثنا ، وأما ما انجزم بالعرض فقولك ألا تنزل تصب خيرا ، وإنما انجزم هذا الجواب كما انجزم جواب ان تأتني بإن تأتني لأنهم جعلوه معلّقا بالأول غير مستغن عنه اذا أرادوا الجزاء كما أن إن تأتني غير مستغنية عن آتك وزعم الخليل أن هذه الأوائل كلّها فيها معنى ان فلذلك انجزم الجواب ، لأنه اذا قال ائتني آتك فان معنى كلامه إن يكن منك اتيان آتك ، واذا قال أين بيتك أزرك فكأنه قال ان أعلم مكان بيتك أزرك ، لأن قوله أين بيتك يريد به أعلمني ، واذا قال ليته عندنا يحدّثنا فان معنى هذا الكلام ان يكن عندنا يحدّثنا وهو يريد هيهنا اذا تمنى ما أراد في الأمر واذا قال لو نزلت فكأنه قال انزل ، ومما جاء في هذا الباب في القرآن وغيره قوله عزوجل (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) فلما انقضت الآية قال (يَغْفِرْ لَكُمْ) ومن ذلك أيضا أأتيتنا أمس نعطك اليوم أي ان كنت أتيتنا أمس أعطيناك اليوم هذا معناه ، فان كنت تريد أن تقرّره بأنه قد فعل فان الجزاء لا يكون لأن الجزاء انما يكون في غير الواجب ومما جاء أيضا منجزما بالاستفهام قوله (وهو جابر بن جبير التغلبي) : [طويل]

(١) ألا تنتهي عنا ملوك وتتّقي

محارمنا لا يبوء الدّم بالدّم

__________________

ـ واظهرت سيآته ، وانما قال هذا لمحنة جرت عليه في غربته ، والمسحب من قولك سحبت الشيء اذا جررته ، وكبكب جبل بعينه ، والنار في رأس الجبل أشهر.

(٦٧٨) الشاهد في جزم يبوء على جواب ما تضمنه قوله ألا تنتهي من معنى الأمر والتقدير انته عنالا يبوء الدم بالدم أي انتهت عنا ولم تقتل منا لم يبوء الدم بالدم اي لم يقتل واحد بآخر والبواء القود.

٥٢٥

وقال الآخر

(١) متى أنام لا يؤرقني الكرى

ليلا ولا أسمع اجراس المطى

كأنه قال ان يكن مني نوم في غير هذه الحال لا يؤرّقني الكرىّ كأنه لم يعدّ نومه في هذه الحال نوما وقد سمعنا من العرب من يشمّه الرفع كأنه يقول متى أنام غير مؤرّق وتقول ائتني آتك فتجزم على ما وصفنا وان شئت رفعت على أن لا تجعله معلّقا بالأول ولكنك تبتدئه وتجعل الأول مستغنيا عنه كأنه يقول ائتني أنا آتيك ، ومثل ذلك قول الشاعر (وهو الأخطل) :

(٢) وقال رائدهم أرسلوا نزاولها

فكلّ حتف امرىء يمضي لمقدار

وقال الانصاري (وهو عمرو بن الإطنابة) : [منسرح]

(٣) يا مال والحقّ عنده فقفوا

تؤتون فيه الوفاء معترفا

كأنه قال إنكم تؤتون فيه الوفاء معترفا ، وقال معروف : [طويل]

__________________

(٦٧٩) الشاهد فيه جزم يؤرقني على جواب الاستفهام والمعنى متى انام نوما صحيحا لا يؤرقني الكرى لأنه جعل نومه مع تأريق الكرى له نوم ، وحكي سيبويه ان بعض العرب كان يشم الضم في يؤرقني على تقدير وقوعه موقع الحال أي متى أنام غير مؤرق وهذا أبين الا أن فيه قبحا لاسكان الفعل في حال رفعه وجاز مع قبحه لتوالي الحركات واستثقال الضم والكسر والكرىّ المكارى.

(٦٨٠) الشاهد في رفع نزاولها على القطع والاستئناف ولو أمكنه الجزم على الجواب لجاز* وصف شربا قدموا احدهم يرتاد لهم خمرا فظفر بها فقال لهم ارسوا اي انزلوا واثبتوا ومعنى نزاولها نخاتل صاحبها عنها ونحاول افتراصه فيها ، وقوله فكل حتف امرىء يمضي لمقدار أي لا بد من الموت فينبغي ان يبادر بانفاق المال فيها وفي نحوها من اللذات.

(٦٨١) الشاهد في رفع تؤتون على القطع والقول فيه كالقول في الذي قبله* يقول قفوا عند الحق نعترف لكم بالوفاء والخير ، وعطف الجملة بالواو على جملة النداء لأن حروف النداء بدل من اللفظ بالفعل فكأنه قال أدعوكم فقفوا عند الحق.

٥٢٦

(١) كونوا كمن واسى أخاه بنفسه

نعيش جميعا أو نموت كلانا

كأنه قال كونوا هكذا إنا نعيش جميعا أو نموت كلانا إن كان هذا أمرنا ، وزعم الخليل أنه يجوز أن يكون نعيش محمولا على كونوا كأنه قال كونوا نعيش جميعا أو نموت كلانا ، وتقول لا تدن منه يكن خيرا لك ، فان قلت لا تدن من الأسد يأكلك فهو قبيح إن جزمت وليس وجه كلام الناس لأنك لا تريد أن تجعل تباعده من الأسد سببا لأكله ، فان رفعت فالكلام حسن كأنك قلت لا تدن منه فانه يأكلك ، وإن أدخلت الفاء فهو حسن ، وذلك قولك لا تدن منه فيأكلك وليس كلّ موضع تدخل فيه الفاء يحسن فيه الجزاء ، ألا ترى أنه يقول ما أتيتنا فتحدّثنا والجزاء هيهنا محال ، وإنما قبح الجزم في هذا لأنه لا يجيء فيه المعنى الذي يجيء اذا أدخلت الفاء ، وسمعنا عربيّا موثوقا بعربيته يقول لا تذهب به تغلب عليه ، فهذا كقوله لا تدن من الأسد يأكلك وتقول ذره يقل ذاك وذره يقول ذاك فالرفع من وجهين فأحدهما الابتداء والآخر على قولك ذره قائلا ذاك فتجعل يقول في موضع قائل ، فمثل الجزم قوله عزوجل (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ) ومثل الرفع قوله (ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) وتقول ائتنى تمشي أي ائتني ماشيا وإن شاء جزمه على أنه إن أتاه مشي فيما يستقبل وإن شاء رفعه على الابتداء ، وقال عزوجل (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى) فالرفع من وجهين على الابتداء وعلى قوله اضربه غير خائف ولا خاش ، وتقول قم يدعوك لأنك لم ترد أن تجعل دعاء بعد قيامه ويكون القيام سببا له ولكنك أردت قم إنه يدعوك وإن أردت ذلك المعنى جزمت وأمّا قول الأخطل : [بسيط]

__________________

(٦٨٢) الشاهد في رفع نعيش على القطع ، والاستئناف كالذي تقدم ، ويجوز حمله على كان والتقدير كونوا عائشين وجاز كونوا نعيش لأن المعنى لنكن نحن وأنتم نعيش جميعا مؤتلفين أو نموت كذلك.

٥٢٧

(١) كرّوا الى حرّتيكم تعمرونهما

كما تكرّ الى أوطانها البقر

فعلى قوله كرّوا عامرين وإن شئت رفعت على الابتداء ، وتقول مره يحفرها وقل له يقل ذاك وقال عزوجل (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ) ولو قلت مره يحفرها على الابتداء كان جيدا ، وقد جاء رفعه على شيء هو قليل في الكلام على مره أن يحفرها فاذا لم يذكروا أن جعلوا المعنى بمنزلته في عسينا نفعل ، وهو في الكلام قليل لا يكادون يتكلّمون به فاذا تكلّموا به فالفعل كأنه في موضع اسم منصوب كأنه قال عسى زيد قائلا ، ثم وضع يقول في موضعه ، وقد جاء في الشعر ، قال طرفة بن العبد : [طويل]

(٢) ألا أيّها ذا الزاجري أحضر الوغى

وأن أشهد اللّذات هل أنت مخلدي

وسألته عن قوله عزوجل (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) فقال تأمرونّي كقولك هو يقول ذاك بلغنى ، فبلغني لغو فكذلك تأمرونّي كأنه قال فيما تأمرونّي كأنه قال فيما بلغني وان شئت كان بمنزلة* ألا أيّها ذا الزاجري أحضر الوغى*

[باب الحروف التي تنزل بمنزلة الأمر والنهي لأن فيها معنى الأمر والنهي]

فمن تلك الحروف حسبك وكفيك وشرعك وأشباهها ، تقول حسبك ينم الناس ، ومثل ذلك اتّقى الله امرؤ وفعل خيرا يثب عليه لأنّ فيه معنى ليتّق الله

__________________

(٦٨٣) الشاهد في تعمرونهما لوقوعه موقع الحال ، والتقدير كروا عامرين أي مقدرين لهذه الحال صائرين اليها ولو أمكنه الجزم على جواب الأمر لجاز وحمله على القطع جائز أيضا* يقول هذا لبنى سليم في هجائه لقيس وبنو سليم منهم وحرة بني سليم معروفة وثناها بحرة أخرى تجاورها ، والحرة الارض ذات الحجارة السود ، واشتقاقها من حر النار كأنها أحرقت لسوادها ، وعيرهم بالنزول في الحرة لحصانتها ولامتناع الدليل بها.

(٦٨٤) الشاهد في رفع أحضر لحذف الناصب وتعريه منه والمعنى لأن أحضر الوغى ، وقد يجوز النصب باضمار أن ضرورة وهو مذهب الكوفيين والوغى الحرب.

٥٢٨

امرؤ وليفعل خيرا ، وكذلك ما أشبه هذا ، وسألت الخليل عن قوله عزوجل (فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) فقال هذا كقول زهير : [طويل]

بدا لي أني لست مدرك ما مضى

ولا سابق شيئا اذا كان جائيا

فانما جرّوا هذا لأنّ الأوّل قد يدخله الباء فجاؤا بالتاني وكأنهم قد أثبتوا في الأوّل الباء فكذلك هذا لمّا كان الفعل الذي قبله قد يكون جزما ولا فاء فيه تكلّموا بالثاني وكأنهم قد جزموا قبله فعلى هذا توهموا هذا ، وأما قول عمرو بن عمّار الطائي [طويل]

(١) فقلت له صوّب ولا تجهدنّه

فيدنك من أخرى القطاة فتزلق

فهذا على النهي كما قال لا تمددها فتشققها كأنه قال لا تجهدنّه ولا يدنينّك من أخرى القطاة ولا تزلقنّ ، ومثله من النهي لا يرينّك هيهنا ولا أرينّك هيهنا ، وسألته عن آتي الامير لا يقطع اللص فقال الجزاء هيهنا خطأ ، لا يكون الجزاء أبدا حتى يكون الكلام الأول غير واجب ، إلا أن يضطرّ شاعر ولا نعلم هذا جاء في شعر البتّة ، وسألته عن قوله أما أنت منطلقا أنطلق معك فرفع وهو قول أبي عمرو ، وحدّثنا به يونس وذلك لأنه لا يجاري بأن كأنه قال لأن صرت منطلقا أنطلق معك ، وسألته عن قوله ما تدوم لي أدوم لك ، فقال ليس في هذا جزاء من قبل أنّ الفعل صلة لما فصار بمنزلة الّذي وهو بصلته كالمصدر ، ويقع على الحين كأنه قال أدوم لك دوامك لي فما ودمت بمنزلة الدّوام ، ويدلك على أنّ الجزاء لا يكون هيهنا أنك لا تستطيع أن تستفهم بما تدوم على هذا الحدّ ، ومثل ذلك كلّما تأتيني آتيك فالاتيان صلة لما كأنه قال كلّ إتيانك آتيك وكلّما تأتيني يقع أيضا على الحين كما كان ما تأتيني يقع على الحين ولا يستفهم بكلّما كما لا يستفهم بما تدوم ، وسألته عن قوله الذي يأتيني فله درهمان لم جاز دخول الفاء

__________________

(٦٨٥) الشاهد فيه جزم فيدلك حملا على النهى أي لا تجهدنه ولا يدنك ولو أمكنه النصب بالفاء على جواب النهي لجاز* يقول هذا لغلامه وقد حمله على فرسه ليصيد له ومعنى صوّب خذ القصد في السير وارفق بالفرس ولا تجهد ، واخرى القطاة آخرها والقطاة مقعد الردف ويروى فيذرك أي يرمي بك يقال أذراه عن فرسه اذا رمى به.

٥٢٩

هيهنا والّذي يأتيني بمنزلة عبد الله وأنت لا يجوز لك أن تقول عبد الله فله درهمان فقال إنما يحسن في الّذي لأنه جعل الآخر جوابا للأول وجعل الأوّل به يجب له الدرهمان فدخلت الفاء هيهنا كما دخلت في الجزاء اذا قال إن يأتني فله درهمان ، وإن شاء قال الذي يأتيني له درهمان كما تقول عبد الله له درهمان غير أنه إنما أدخل الفاء لتكون العطية مع وقوع الاتيان ، فاذا قال له درهمان فقد يكون أن لا يوجب له ذلك بالاتيان ، فاذا أدخل الفاء فانما يجعل الاتيان سبب ذلك فهذا جزاء وإن لم يجزم لأنه صلة ، ومثل ذلك قولهم : كلّ رجل يأتينا فله درهمان ، ولو قال كلّ رجل فله درهمان كان محالا لأنه لم يجيء بفعل ولا بعمل يكون له جواب ، ومثل ذلك (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) وقال جلّ من قائل (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) ومثل ذلك (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) وسألت الخليل عن قوله جلّ ذكره (حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) أين جوابها ، وعن قوله جلّ وعلا (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) فقال ان العرب قد تترك في مثل هذا الخبر الجواب في كلامهم لعلم المخبر لأي شيء وضع هذا الكلام ، وزعم أنه قد وجد في أشعار العرب ربّ لا جواب لها من ذلك قول الشمّاخ : [طويل]

(١) ودوّيّة فقر تمشّي نعامها

كمشي النّصارى في خفاف الأرندج

فهذه القصيدة التي فيها هذا البيت لم يجيء فيها جواب لربّ لعلم المخاطب أنه يريد قطعتها أو ما هو في هذا المعنى.

__________________

(٦٨٦) الشاهد فيه حذف جواب رب لعلم السامع والمعنى رب دوّية قطعت ونحوه وقد رد عليه ما تأوله من حذف الجواب وزعم الرادّ أن بعده :

قطعت الى معروفها منكراتها

وقد خب آل الأمعز المتوهج

والحجة له أنه لم يرو ما بعده أو أخذ البيت مفردا عمن رواه له من العرب مع اجماع ـ

٥٣٠

[باب الأفعال في القسم]

اعلم أنّ القسم تأكيد لكلامك فاذا حلفت على فعل غير منفىّ لم يقع لزمته اللام ولزمت اللام النون الخفيفة او الثقيلة في آخر الكلمة وذلك قولك والله لأفعلنّ ، وزعم الخليل أن النون تلزم اللام كلزوم اللام في قولك إن كان لصالحا فان بمنزلة اللام واللام بمنزلة النون في آخر الكلمة.

واعلم أن من الأفعال أشياء فيها معنى اليمين يجري الفعل بعدها مجراه بعد قولك والله وذلك قولك أقسم لأفعلنّ وأشهد لأفعلنّ وأقسمت بالله عليك لتفعلنّ ، وان كان الفعل قد وقع وحلفت عليه لم تزد على اللام ، وذلك قولك والله لفعلت ، وسمعنا من العرب من يقول والله لكذبت وو الله لكذب فالنون لا تدخل على فعل قد وقع انما تدخل على غير الواجب واذا حلفت على فعل منفى لم تغيّره عن حاله التي كان عليها قبل أن تحلف وذلك قولك والله لا أفعل وقد يجوز لك ، وهو من كلام العرب أن تحذف لا وأنت تريد معناها وذلك قولك والله أفعل ذاك أبدا تريد والله لا أفعل ، وقال : [طويل]

(١) فحالف فلا والله تهبط تلعة

من الأرض الا أنت للذّلّ عارف

وسألت الخليل عن قولهم أقسمت عليك إلّا فعلت ولمّا فعلت لم جاز هذا في هذا الموضع وإنما أقسمت هيهنا كقولك والله ، فقال وجه الكلام لتفعلنّ هيهنا ولكنهم أجازوا هذا لأنهم شبّهوه بنشدتك الله اذ كان فيه معنى الطّلب ، وسألته عن قوله لتفعلنّ اذا

__________________

ـ النحويين على جواز الحذف في مثل هذا كما قال عزوجل (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) فلم يأت للو بجواب والمعنى لكان هذا القرآن والدوّية الصحراء ومعنى تمشي تكثر المشي وشبه أسؤق النعام في سوادها بخفاف الارندج وهو الجلد الاسود وخص النصارى لأنهم معروفون بلباسها.

(٦٨٧) الشاهد فيه حذف لا وجاز ذلك لأن الموجب تلزمه اللام والنون فلم يشكل حذفها ويقوي الحذف هنا ذكر لا في صدر البيت والتلعة ما انحدر من الأرض وهي ايضا ما ارتفع* يقول حالف من تعتز بحلفه والا عرفت الذل حيث توجهت من الارض.

٥٣١

جاءت مبتدأة ليس قبلها ما يحلف به ، فقال انما جاءت على نية اليمين وان لم يتكلّم بالمحلوف به.

واعلم أنك اذا أخبرت عن غيرك أنه أكّد على نفسه أو على غيره فالفعل يجرى مجراه حيث حلفت أنت ، وذلك قولك أقسم ليفعلنّ واستحلفه ليفعلنّ ، وحلف ليفعلنّ ذلك واخذ عليه لا يفعل ذلك ابدا ، وذاك انه أعطاه من نفسه في هذا الموضع مثل ما أعطيت أنت من نفسك حين حلفت كأنك قلت حين قلت اقسم ليفعلنّ قال والله ليفعلنّ وحين قلت استحلفه ليفعلنّ قال له والله ليفعلنّ ومثل ذلك قوله تعالى (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) وسألته لم لم يجزوا الله تفعل يريدون بها معنى ستفعل فقال من قبل أنهم وضعوا تفعل هيهنا محذوفة منها لا ، وانما تجىء في معنى لا أفعل فكرهوا أن تلتبس احداهما بالاخرى ، فقلت فلم ألزمت النون آخر الكلمة فقال لكي لا يشبه قوله انه ليفعل لأن الرجل اذا قال هذا فانما يخبر بفعل واقع فيه الفاعل ، كما الزموا اللام ان كان ليقول مخافة ان يلتبس بما كان يقول ذاك لأنّ إن تكون بمنزلة ما وسألته عن قوله عزوجل (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) فقال ما هيهنا بمنزلة الذي ودخلتها اللام كما دخلت على ان حين قلت والله لئن فعلت لأفعلنّ واللام التي في ما كهذه التي في إن واللام التي في الفعل كهذه التي في الفعل هنا ، ومثل هذه اللام الأولى أن اذا قلت والله أن لو فعلت لفعلت وقال (المسيب بن علس) : [طويل]

(١) فاقسم أن لو التقينا وأنتم

لكان لكم يوم من الشرّ مظلم

فأن في لو بمنزلة اللام في ما فأوقعت هيهنا لامين لام للاول ولام للجواب ولام الجواب هي التي يعتمد عليها القسم فكذلك اللامان في قوله عزوجل (لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ

__________________

(٦٨٨) الشاهد فيه ادخال أن توكيدا للقسم بمنزلة اللام ولذلك لم يجمع بينهما فيقول اقسم لأن لو التقينا يقول لو التقينا متحاربين لأظلم نهاركم وصرتم منه في مثل الليل.

٥٣٢

كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ) لام للاول وأخرى للجواب ، ومثل ذلك (لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ) انما دخلت اللام على نية اليمين والله أعلم ، وسألته عن قوله عزوجل (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ) فقال هي في معنى ليفعلنّ كأنه قال ليظلنّ كما تقول والله لا فعلت ذاك أبدا تريد معنى لا أفعل وقالوا لئن زرته ما يقبل منك وقال لئن فعلت ما فعل يريد معنى ما هو فاعل وما يفعل كما كان لظلّوا مثل ليظلّنّ وكما جاءت (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) على قوله ام صمتّم ، وكذلك جاء هذا على ما هو فاعل قال عزوجل (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) اي ما هم تابعين ، وقال سبحانه (وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) اي ما يمسكهما من أحد واما قوله عزوجل (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) فانّ إنّ حرف توكيدا فلها لام كلام اليمين لذلك ادخلوها في (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) ودخلت اللام التي في الفعل على اليمين كأنه قال انّ زيدا لما والله ليفعلنّ وقد يستقيم في الكلام إنّ زيدا ليضرب وليذهب ولم يقع ضرب والأكثر على ألسنتهم كما خبّرتك في اليمين فمن ثم الزموا النون في اليمين لئلا يلتبس بما هو واقع ، قال الله عزوجل (إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) وقال لبيد : [كامل]

(١) ولقد علمت لتأتينّ منيتي

إنّ المنايا لا تطيش سهامها

كأنه قال والله لتأتينّ كما قال قد علمت لعبد الله خير منك وقال اظنّ لتسبقنّني وأظنّ ليقومنّ لأنه بمنزلة علمت وقال عزوجل (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ) لأنه موضع ابتداء ألا ترى انك لو قلت بدا لهم ايّهم افضل لحسن كحسنه في علمت كأنك قلت ظهر لهم أهذا افضل ام هذا.

__________________

(٦٨٩) الشاهد فيه تعليق لتأتين بعلمت على نية القسم والمعنى علمت والله لتأتين منيتي ومعنى تطيش تعدل عن الرمية اي ان المنية لا تخطىء من حضر اجله.

٥٣٣

[باب الحروف التي لا تقدّم فيها الأسماء الفعل]

فمن تلك الحروف الحروف العوامل في الأفعال الناصبة ألا تري أنك لا تقول جئتك كي زيد يقول ذاك ولا خفت ان زيد يقول ذاك فلا يجوز ان تفصل بين الفعل والعامل فيه بالاسم كما لا يجوز ان تفصل بين الاسم وبين انّ واخواتها بفعل ومما لا تقدّم فيه الأسماء الفعل الحروف العوامل في الأفعال الجازمة وتلك لم ولمّا ولا التي تجزم الفعل في النهي واللام التي تجزم في الأمر ، ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول لم زيد يأتك فلا يجوز أن تفصل بينها وبين الأفعال بشيء كما لم يجز أن تفصل بين الحروف التي تجرّ وبين الأسماء بالأفعال لأن الجزم نظير الجر ، ولا يجوز أن تفصل بينها وبين الفعل بحشو كما لا يجوز لك أن تفصل بين الجارّ والمجرور بحشو الا في شعر ، ولا يجوز ذلك في التي تعمل في الأفعال فتنصب كراهية أن تشبّه بما يعمل في الأسماء ، ألا ترى أنه لا يجوز أن تفصل بين الفعل وبين ما ينصبه بحشو كراهية أن يشبّهوه بما يعمل في الاسم لأن الاسم ليس كالفعل ، وكذلك ما يعمل فيه ليس كما يعمل في الفعل ، ألا ترى الى كثرة ما يعمل في الاسم وقلة هذا فهذه الأشياء فيما يجزم أردأ وأقبح منها في نظيرها من الأسماء وذلك أنك لو قلت جئتك كي بك يؤخذ زيد لم يجز وصار الفصل في الجزم والنصب أقبح منه في الجرّ لقلة ما يعمل في الأفعال وكثرة ما يعمل في الأسماء.

واعلم أنّ حروف الجزاء يقبح أن تتقدّم الأسماء فيها قبل الأفعال وذلك لأنهم شبهوها بما يجزم مما ذكرنا إلا أنّ حروف الجزاء قد جاز ذلك فيها في الشعر لأن حروف الجزاء يدخلها فعل ويفعل ويكون فيها الاستفهام فترفع فيها الأسماء وتكون بمنزلة الذي فلما كانت تصرّف هذا التصرّف وتفارق الجزم ضارعت ما يجرّ من الأسماء التي ان شئت استعملتها غير مضافة نحو ضارب عبد الله لأنك ان شئت نوّنت ونصبت وان شئت لم تجاوز الاسم العامل في الآخر يعني ضارب فلذلك لم تكن مثل لم ولا في النهي واللام في الأمر لأنهن لا يفارقن الجزم ، ويجوز الفرق في الكلام في إن اذا لم تجزم في اللفظ نحو قوله : [بسيط]

٥٣٤

(١) * عاود هراة وان معمورها خربا*

فان جزمت ففي الشعر لأنه يشبّه بلم ، وانما جاز في الفصل ولم يشبه لم لأن لم لا يقع بعدها فعل وانما جاز هذا في إن لأنها أصل الجزاء ولا تفارقه فجاز هذا كما جاز اضمار الفعل فيها حين قالوا ان خيرا فخير وان شرّا فشر ، وأما سائر حروف الجزاء فهذا فيه ضعف في الكلام لأنها ليست كإن ، فلو جاز في إن وقد جزمت كان أقوى اذ جاز فيها فعل ، ومما جاء في الشعر مجزوما في غير إن قول عدي بن زيد [العبادي] : [خفيف]

(٢) فمتى واغل ينبهم يحيّو

ه وتعطف عليه كأس الساقي

وقال [حسام] : [رمل]

(٣) صعدة نابتة في حائر

أينما الريح تميّلها تمل

ولو كان فعل كان أقوى اذ كان ذلك جائزا في إن في الكلام

واعلم أن قولهم في الشعر إن زيد يأتك يكن كذا انما ارتفع على فعل

__________________

(٦٩٠) الشاهد فيه تقديم الاسم على الفعل بعد ان وحمله على اضمار فعل لأن حرف الشرط يقتضيه مظهرا او مضمرا وجاز تقديمه مع الفعل الماضي في إن لأنها من حروف الجزاء فقويت وتصرفت في التقديم والتأخير مع انها لا تعمل في لفظ الماضي لأنه مبني فضارعت الف الاستفهام في تقديم الاسم على الفعل ولا يجوز ذلك في اخواتها الا ضرورة لأنها فروع داخلة عليها فلم تقو قوتها ، وهراة اسم ارض.

(٦٩١) الشاهد فيه تقديم الاسم على الفعل في متى مع جزمها له ضرورة وارتفاع الاسم بعدها باضمار فعل يفسره الظاهر لأن الشرط لا يكون الا بالفعل كما تقدم والواغل الداخل على الشرب ولم يدع ، ومعنى ينبهم ينزل بهم.

(٦٩٢) الشاهد في تقديم الاسم على الفعل في أينما ومعناها الشرط والقول فيه كالقول في الذي قبله* وصف امرأة شبه قدها بالصعدة وهي القناة وجعلها في حائر لأن ذلك أنعم لها واشد لتثنيها اذا اختلفت الريح والحائر القرارة من الأرض يستقر فيها السجيل فيتحير ماؤه اي يستدير ولا يجري قدما.

٥٣٥

هذا تفسيره كما كان ذلك في قولك إن زيدا رأيته يكن ذلك لأنه لا تبتدأ بعدها الاسماء ثم يبنى عليها ، فان قلت ان تأتني زيد يقل ذاك جاز على قول من قال زيدا ضربته وهذا موضع ابتداء ، ألا ترى أنك لو جئت بالفاء فقلت ان تأتني فأنا خير لك ، كان حسنا وان لم يحمله على ذلك رفع وجاز في الشعر كقوله : الله يشكرها ومثل الأول قول هشام المري : [طويل]

(١) فمن نحن نؤمنه يبت وهو آمن

ومن لا نجره يمس منّا مفزّعا

[باب الحروف التي لا يليها بعدها الا الفعل ولا تغيّر الفعل عن حاله]

«التي كان قبل أن يكون قبله شيء منها»

فمن تلك الحروف قد لا يفصل بينها وبين الفعل بغيره وهو جواب لقوله أفعل كما كانت ما فعل جوابا لهل فعل اذا أخبرت أنه لم يقع ، ولمّا يفعل ، وقد فعل إنما هما لقوم ينتظرون شيئا فمن ثم أشبهت قد لمّا في أنها لا يفصل بينها وبين الفعل ، ومن تلك الحروف أيضا سوف يفعل لأنها بمنزلة السين التي في قولك سيفعل ، وإنما تدخل هذه السين على الأفعال ، وإنما هي إثبات لقوله لن يفعل فأشبهتها في أن لا يفصل بينها وبين الفعل ، ومن تلك الحروف ربّما وقلّما وأشباههما ، جعلوا ربّ مع ما بمنزلة كلمة واحدة وهيّؤها ليذكر بعدها الفعل لأنه لم يكن لهم سبيل الى ربّ يقول ولا الى قلّ يقول فألحقوهما وأخلصوهما للفعل ، ومثل ذلك هلّا ولو لا وألا ألزموهنّ لا وجعلوا كلّ واحدة مع لا بمنزلة حرف واحد وأخلصوهنّ للفعل حيث دخل فيهنّ معنى التحضيض ، وقد يجوز في الشعر تقديم الاسم قال:

صددت فأطولت الصدود وقلّما

وصال على طول الصدود يدوم (٢)

__________________

(٦٩٣) الشاهد فيه تقديم الاسم على الفعل بعد من وهي للشرط ضرورة كما تقدم والعلة واحدة.

(١) تقدم شرحه في ص ٢١ رقم ١٦

٥٣٦

واعلم أنه اذا اجتمع بعد حرف الاستفهام نحو هل وكيف ومن اسم وفعل كان الفعل بأن يلى حرف الاستفهام أولى لأنها عندهم في الأصل من الحروف التي يذكر بعدها الفعل وقد بيّن حالهن.

[باب الحروف التي يجوز أن يليها بعدها الأسماء ويجوز أن يليها بعدها الأفعال]

وهي لكن وإنّما وكأنّما وإذ ونحو ذلك لأنها حروف لا تعمل شيئا وتركت الأسماء بعدها على حالها كأنه لم يذكر قبلها شيء فلم يجاوز ذابها ، اذ كانت لا تغيّر ما دخلت عليه فيجعلوا الاسم أولى بها من الفعل ، سألت الخليل عن قول العرب انتظرني كما آتيك وارقبني كما ألحقك فزعم أنّ ما والكاف جعلتا بمنزلة حرف واحد وصيّرت للفعل كما صيّرت للفعل ربّما والمعنى لعليّ آتيك فمن ثم لم ينصبوا به الفعل كما ينصبوا بربّما ، قال رؤبة : [رجز]

(١) * لا تشتم الناس كما لا تشتم*

وقال ابو النجم : [رجز]

(٢) قلت لشيبان ادن من لقائه

كما تغدّي الناس من شوائه

[باب نفي الفعل]

اذا قال فعل فانّ نفيه لم يفعل ، واذا قال قد فعل فانّ نفيه لمّا يفعل ، واذا قال لقد فعل فانّ نفيه ما فعل ، لأنه كأنه قال والله لقد فعل فقال والله ما فعل واذا قال هو يفعل أي هو في حال فعل فانّ نفيه ما يفعل ، واذا قال هو يفعل ولم يكن

__________________

(٦٩٤) الشاهد فيه وقوع الفعل بعد كما لأنها كاف التشبيه وصلت بما وهيئت لوقوع الفعل بعدها كما فعل بربما ومعناها هنا لعل أي لا تشتم الناس لعلك لا تشتم ان لم تشتمهم ومن النحويين من يجعلها بمعنى كي ويجيز النصب بها وهو مذهب الكوفيين.

(٦٩٥) الشاهد في قوله كما تغدى والقول فيه كالقول في الذي قبله* يقول هذا لابنه شيبان يأمره باتباع ظليم والدنو منه لعله يصيده فيطعم الناس من شوائه.

٥٣٧

الفعل واقعا فنفيه لا يفعل ، واذا قال ليفعلنّ فنفيه لا يفعل كأنه قال والله ليفعلنّ فقلت والله لا يفعل ، واذا قال سوف يفعل فان نفيه لن يفعل.

[باب ما يضاف الى الأفعال من الأسماء]

يضاف اليها أسماء الدهر ، وذلك قولك هذا يوم يقوم زيد وآتيك يوم يقول ذاك ، وقال الله عزوجل (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) وجاز هذا في الأزمنة واطّرد فيها كما جاز للفعل أن يكون صفة وتوسّعوا بذلك في الدهر لكثرته في كلامهم فلم يخرجوا الفعل من هذا كما لم يخرجوا الأسماء من ألف الوصل نحو ابن وإنما أصله للفعل وتصريفه ، ومما يضاف الى الفعل أيضا قولك ما رأيته منذ كان عندي ومنذ جاءني ، ومنه أيضا آية قال : [وافر]

(١) بآية تقدمون الخيل شعثا

كأنّ علي سنابكها مداما

وقال يزيد بن عمرو بن الصّعق [الكلابي] : [وافر]

(٢) ألا من مبلغ عني تميما

بآية ما تحبون الطّعاما

__________________

(٦٩٦) الشاهد فيه اضافة آية الى تقدمون على تأويل المصدر أي بآية اقدامكم الخيل ، وجاز هذا فيها لانها اسم من اسماء الفعل لأنها بمعنى علامة والعلامة من العلم وأسماء الافعال تضارع الزمان فمن حيث جاز أن يضاف الزمان الى الفعل جاز هذا في آية ، وكأن اضافتها على تأويل اقامتها مقام الوقت فكأنه قال بعلامة وقت تقدمون يقول أبلغهم عني كذا بعلامة اقدامهم الخيل للقاء شعثا متغيرة من السفر والجهد وشبه ما ينصب من عرقها ممتزجا بالدم على سنابكها بالمدام وهي الخمرة ، والسنابك جمع سنبك وهو مقدم الحافر.

(٦٩٧) الشاهد فيه اضافة آية الى يحبون وما زائدة للتوكيد ، والقول فيه كالقول في الذي قبله ، ويجوز أن تكون ما مع الفعل بتأويل المصدر فلا يكون فيه شاهد على هذا لان اضافتها الى المصدر باضافتها الى سائر الاسماء وانما ذكر حب تميم للطعام وجعل ذلك آية يعرفون بها لما كان من أمرهم في تحريق عمرو بن هند لهم ، ووفود البرجمي عليه حين شم رائحة المحرقين منهم فظنه طعاما يصنع به في النار وخبرهم مشهور ، والبراجم حى من تميم.

٥٣٨

فما لغو ، ومما يضاف أيضا الى الفعل قوله لا أفعل بذي تسلم ولا أفعل بذي تسلمان ، ولا أفعل بذي تسلمون المعنى لا أفعل بسلامتك وذو مضافة الى الفعل كاضافة ما قبله كأنه قال لا أفعل بذي سلامتك فذو هيهنا الأمر الذي يسلمتك وصاحب سلامتك ، ولا يضاف الى الفعل غير هذا كما أنّ لدن لا تنصب الّا في غدوة ، واطردت الأفعال في آية اطراد الأسماء في أتقول اذا قلت أتقول زيدا منطلقا شبّهت بتظنّ ، وسألته عن قوله في الأزمنة كان ذاك زمن زيد أمير فقال لما كانت في معنى اذ أضافوها الى ما قد عمل بعضه في بعض كما يدخلون اذ على ما قد عمل بعضه في بعض ولا بغيّرونه فشبهوا هذا بذلك ، ولا يجوز هذا في الأزمنة حتى تكون بمنزلة اذ فان قلت يكون هذا يوم زيد أمير كان خطئا ، حدثنا بذلك يونس عن العرب لأنك لا تقول يكون هذا اذا زيد أمير جملة هذا الباب أن الزمان اذا كان ماضيا أضيف الى الفعل والى الابتداء والخبر لأنه في معنى اذ فاضيف الى ما يضاف اليه اذ واذا كان لما لم يقع لم يضف الّا الى الأفعال لأنه في معنى اذا واذا هذه لا تضاف الا الى الأفعال

[باب إنّ وأنّ]

أما أنّ فهي اسم وما عملت فيه صلة لها كما أنّ الفعل صلة لأن الخفيفة وتكون أنّ اسما ، ألا تري أنك تقول قد عرفت أنك منطلق فأنك في موضع اسم منصوب كأنك قلت قد عرفت ذاك ، وتقول بلغني أنك منطلق فأنّك في موضع اسم مرفوع كأنك قلت بلغني ذاك فأنّ الأسماء التي تعمل فيها صلة لها كما أنّ أن الأفعال التي تعمل فيها صلة لها ، ونظير ذلك في أنه وما عمل فيه بمنزلة اسم واحد لا في غير ذلك قولك رأيت الضارب أباه زيد فالمفعول فيه لم يغيّره عن أنه اسم واحد بمنزلة الرجل والفتى فهذا في هذا الموضع شبيه بأنّ اذ كانت مع ما عملت فيه بمنزلة اسم واحد ، فهذا لتعلم أن الشيء يكون كأنه من الحرف الأول وقد عمل فيه ، وأما إنّ فانما هي بمنزلة الفعل لا يعمل فيها ما يعمل في أنّ كما لا يعمل في الفعل ما يعمل في الأسماء ، ولا تكون إنّ الّا مبتدأة وذلك قولك ان زيدا منطلق وإنك ذاهب.

٥٣٩

[باب من أبواب أنّ]

تقول ظننت أنه منطلق فظننت عاملة كأنك قلت ظننت ذلك ، وكذلك وددت أنه ذاهب لأن هذا في موضع ذاك اذا قلت وددت ذاك وتقول لو لا أنه منطلق لفعلت فأنّ مبنيّة على لو لا كما تبنى عليها الأسماء ، وتقول لو أنه ذاهب لكان خيرا له فأنّ مبنية على لو كما كانت مبنية على لو لا كأنك قلت لو ذاك ثم جعلت أنّ وما بعدها في موضعه فهذا تمثيل وإن كانوا لا يبنون على لو غير أنّ ، كما كان تسلم في قولك بذي تسلم في موضع اسم ، ولكنهم لا يستعملون الاسم لأنهم مما يستغنون بالشيء عن الشيء حتى يكون المستغنى عنه ساقطا ، وقال الله عزوجل (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) وقال : [رمل]

* لو بغير الماء حلقي شرق*

وسألته عن قوله ما رأيت مثله مذ أنّ الله خلقني فقال أنّ في موضع اسم كأنك قلت مذ ذاك ، وتقول أما إنه ذاهب وأما أنّه منطلق فسألت الخليل عن ذلك فقال اذا قال أما أنه منطلق فانه يجعله كقولك حقا أنه منطلق واذا قال أما إنه منطلق فانه بمنزلة قوله ألا كأنك قلت ألا إنّه ذاهب ، وتقول أما والله أنه ذاهب كأنك قلت قد علمت والله أنه ذاهب واذا قلت أما والله إنه ذاهب فكأنك قلت ألا والله إنك لأحمق ، وتقول قد عرفت أنه ذاهب ثم أنه معجّل لأن الآخر شريك الأول في عرفت وتقول قد عرفت أنه ذاهب ثم إني أخبرك أنه معجّل لأنك ابتدأت إني ولم تجعل الكلام على عرفت ، وتقول رأيته شابا وإنه يفخر يومئذ كأنك قلت رأيته شابا وهذه حاله تقول هذا ابتداء ولم تحمل انّ على رأيت وان شئت حملت الكلام على الفعل ففتحت ، قال ساعدة بن جؤية الهذلي : [طويل]

(١) رأته على شيب القذال وأنها

تواقع بعلا مرة وتئيم

وزعم ابو الخطاب أنه سمع هذا البيت من أهله هكذا ، وسألته عن قوله عزوجل

__________________

(٦٩٨) الشاهد فتح أن حملا على رأت والمعنى رأت أنها تواقع بعلا ولو كسرت على القطع لجاز* وصف امرأة فقدت ولدها بعد أن شاب قذالها وزهد فيها الرجال فمرة تنكح فتوطأ ومرة تطلق فتئيم والأيم التي لا زوج لها فقدته أحوج ما كانت اليه فاشتد وجدها به.

٥٤٠