كتاب سيبويه - ج ١

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]

كتاب سيبويه - ج ١

المؤلف:

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٨٢

[باب إذن]

اعلم أنّ إذن اذا كانت جوابا وكانت مبتدأة عملت في الفعل عمل أرى في الاسم اذا كانت مبتدأة ، وذلك قولك إذن أجيئك وإذن آتيك ، ومن ذلك ايضا قولك إذن والله أجيئك ، والقسم هيهنا بمنزلته في أرى اذا قلت أرى والله زيدا فاعلا ، ولا تفصل بين شيء مما ينصب الفعل وبين الفعل سوى إذن لأنّ إذن أشبهت أرى ، فهي في الأفعال بمنزلتها في الأسماء وهي تلغى وتقدّم وتؤخّر فلمّا تصرّفت هذا التصرّف اجترؤا على أن يفصلوا بينها وبين الفعل باليمين ولم يفصلوا بين أن وأخواتها وبين الفعل كراهية أن يشبّهوها بما يعمل في الأسماء نحو ضربت وقتلت لأنها لا تصرّف تصرّف الأفعال نحو ضربت وقتلت ، ولا تكون إلا في أول الكلام لازمة لموضعها لا تفارقه ، فكرهوا الفصل لذلك لأنه حرف جامد.

واعلم أنّ إذن اذا كانت بين الفاء والواو وبين الفعل فانك فيها بالخيار ان شئت أعملتها كاعمالك أرى وحسبت اذا كانت واحدة منهما بين اسمين ، وذلك قولك زيدا حسبت أخاك وان شئت ألغيت إذن كالغائك حسبت إذا قلت زيد حسبت أخوك ، فأما الاستعمال فقولك فاذن آتيك وإذن أكرمك ، وبلغنا أن هذا الحرف في بعض المصاحف (وإذن لا يلبثوا خلفك إلا قليلا) وسمعنا بعض العرب قرأها فقال وإذن لا يلبثوا ، وأما الالغاء فقولك فاذن لا أجيئك ، وقال تعالى (فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً).

واعلم أن إذن اذا كانت بين الفعل وبين شيء الفعل معتمد عليه فانها ملغاة لا تنصب البتّة كما لا تنصب أرى اذا كانت بين الفعل والاسم في قولك كان أرى زيد ذاهبا وكما لا تعمل في قولك إني أرى ذاهب فاذن لا تصل في ذا الموضع الى أن تنصب كما لا تصل أرى هنا الى أن تنصب ، فهذا تفسير الخليل وذلك قولك أنا إذن آتيك ، هي هيهنا بمنزلة أرى حيث لا تكون إلا ملغاة ومن ذلك أيضا قولك إن تأتني إذن آتك ، لأن الفعل هيهنا معتمد على ما قبل إذن ، وليس هذا كقول ابن عنمة الضّبي : [بسيط]

٤٨١

(١) أردد حمارك لا تنزع سويّته

إذن يردّ وقيد العير مكروب

من قبل أنّ هذا منقطع من الكلام الأوّل وليس معتمدا على ما قبله لأنّ ما قبله مستغن ومن ذلك أيضا والله إذن لا أفعل من قبل أنّ أفعل معتمد على اليمين وإذن لغو ، وليس الكلام هيهنا بمنزلته اذا كانت إذن في أوّله لأنّ اليمين هيهنا الغالبة ، ألا ترى أنك تقول اذا كانت إذن مبتدأة إذن والله لا أفعل ، لأن الكلام على إذن وو الله لا يعمل شيئا ، ولو قلت والله إذن أفعل تريد أن تخبر أنك فاعل لم يجز كما لا يجوز والله أذهب اذن ، أخبرت أنك فاعل فقبح هذا يدلك على أن الكلام معتمد على اليمين ، وقال كثيّر عزّة : [طويل]

(٢) لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها

وأمكنني منها اذن لا أقيلها

وتقول ان تأتني آتك واذن أكرمك اذا جعلت الكلام على أوّله ولم تقطعه وعطفته على الأول ، وان جعلته مستقبلا نصبت ، وان شئت رفعته على قول من ألغى ، وهذا قول يونس وهو حسن لأنك اذا قطعته من الأوّل فهو بمنزلة قولك فادن أفعل اذا كنت مجيبا رجلا ، وتقول اذن عبد الله يقول ذاك لا يكون الّا هذا من قبل أنّ إذن الآن بمنزلة انما وهل كأنك قلت انما عبد الله يقول ذاك ، ولو جعلت اذن هيهنا بمنزلة كى وأن لم يحسن من قبل أنه لا يجوز لك ان تقول كى زيد يقول ذاك ولا أن زيد يقول ذاك فلمّا قبح ذلك جعلت بمنزلة هل وكأنّما وأشباههما ، وزعم عيسى بن عمر

__________________

(٦٠٣) الشاهد فيه نصب ما بعد اذن لأنها مبتدأة معتمد عليها ، والرفع جائز على الغائها وتقدير الفعل واقعا للحال لأن حروف النصب لا تعمل الا فيما خلص للاستقبال والسوية شيء يجعل تحت البرذعة للحمار كالحلس للبعير* يقول هذا لمن تعرض لمقاومته في أمر فجعله كمن صاول بحمار ، والمكروب المداني المقارب من قولهم كربت أفعل كذا أي قاربت.

(٦٠٤) الشاهد فيه الغاء اذن ورفع لا أقيلها لاعتماده على القسم المقدر في أول الكلام والتقدير والله لئن عاد لي بمثلها لا أقيلها اذن ، وكان عبد العزيز بن مروان قد جعل له أن يتمنى عليه ، وقد مدحه فتمنى أن يجعله عاملا مكان عامل كان له كاتبا وكثير أمى فاستجهله عبد العزيز وأبعده فقال هذا ويقال بل أعطاه جائزة فاستقلها فردها عليه ثم ندم ، ويروى لا أفيلها اى لا أفيل رأيي فيها.

٤٨٢

أنّ ناسا من العرب يقولون اذن أفعل ذاك في الجواب فأخبرت يونس بذلك فقال لا تبعدنّ ذا ولم يكن ليروى الّا ما سمع ، جعلوها بمنزلة هل وبل ، وتقول اذا حدّثت بالحديث اذن أظنّه فاعلا واذن إخالك كاذبا ، وذلك لأنك تخبر أنك تلك الساعة في حال ظنّ وخيلة فخرجت من باب أن وكي ، لأنّ الفعل بعدهما غير واقع وليس في حال حديثك فعل ثابت ، ولما لم يجز ذا في أخواتها التي تشبّه بها جعلت بمنزلة انما ، ولو قلت اذن أظنّك تريد أن تخبره أنّ ظنّك سيقع لنصبت وكذلك اذن يضربك اذا أخبرت أنه في حال ضرب لم ينقطع.

وقد ذكر لي بعضهم أنّ الخليل قال أن مضمرة بعد اذن ، ولو كانت مما تضمر بعده أن فكانت بمنزلة اللام وحتّى لأضمرتها اذا قلت عبد الله ادن يأتيك ، فكان ينبغي أن تنصب اذن يأتيك لأن المعنى واحد ولم يغيّر فيه المعنى الذي كان في قوله اذن يأتيك عبد الله كما يتغيّر المعنى في حتّى في الرفع والنصب فهذا ما رووا ، وأما ما سمعت منه فالأوّل.

[باب حتّى]

اعلم أنّ حتّى تنصب على وجهين ، فأحدهما أن تجعل الدخول غاية لمسيرك وذلك قولك سرت حتّى أدخلها كأنك قلت سرت الى أن أدخلها فالناصب للفعل هيهنا هو الجارّ في الاسم اذا كان غاية منصوب فالفعل اذا كان غاية منصوب والاسم اذا كان غاية جر ، وهذا قول الخليل ، وأما الوجه الآخر فأن يكون السير قد كان والدخول لم يكن ، وذلك اذا جاءت مثل كي التي فيها اضمار أن وفي معناها ، وذلك قولك كلّمته حتى يأمر لي بشيء.

واعلم أنّ حتّى يرفع الفعل بعدها على وجهين ، تقول سرت حتّى أدخلها ، تعني أنه كان دخول متّصل بالسير كاتّصاله به بالفاء اذا قلت سرت فأدخلها ، وأدخلها هيهنا على قولك هو يدخل وهو يضرب اذا كنت تخبر أنه في عمله لم ينقطع ، فاذا قال حتّى أدخلها فكأنه يقول سرت فاذا أنا في حال دخول فالدخول متّصل بالسير كاتّصاله بالفاء ، فحتّى صارت هيهنا بمنزلة اذا وما أشبهها من حروف الابتداء لأنها لم تجيء على معنى الى أن ولا معنى كي فخرجت من حروف النصب كما خرجت اذن منها في قولك

٤٨٣

اذن أظنّك ، وأما الوجه الآخر فانه يكون السير قد كان وما أشبهه ويكون الدخول وما أشبهه الآن فمن ذلك لقد سرت حتّى أدخلها ما أمنع أي حتّى أني الآن أدخلها كيف شئت ، ومثل ذلك قول الرجل لقد رأى مني عاما اوّل شيئا حتى لا أستطيع أن أكلّمه العام بشيء ، ولقد مرض حتّى لا يرجونه ، والرفع هيهنا في الوجهين جميعا كالرفع في الاسم ، قال الفرزدق :

(١) فيا عجبا حتى كليب تسبّني

كأنّ أباها نهشل أو مجاشع

فحتّى هيهنا بمنزلة اذا ، وانما هي هيهنا كحرف من حروف الابتداء ، ومثل ذلك شربت حتى يجيء البعير يجرّ بطنه أي حتى إنّ البعير ليجيء يجرّ بطنه ، ويدلّك على حتّى أنها حرف من حروف الابتداء أنك تقول حتى إنّه يفعل ذاك ، كما تقول فاذا إنّه يفعل ذاك ، ومثل ذلك قول حسّان بن ثابت :

(٢) يغشون حتى ما تهرّ كلابهم

لا يسألون عن السواد المقبل

ومثل ذلك مرض حتى يمرّ به الطائر فيرحمه ، وسرت حتى يعلم الله أني كال ، والفعل هيهنا منقطع من الأول وهو في الوجه الأوّل الذي ارتفع فيه متّصل كاتّصاله به بالفاء كأنه قال سير فدخول ، كما قال علقمة بن عبدة : [طويل]

(٣) ترادى على دمن الحياض فان تعف

فانّ المندّى رحلة فركوب

__________________

(٦٠٥) الشاهد فيه دخول حتى على جملة الابتداء فدل هذا على أن الفعل يجوز أن يقطع بعدها فيرفع* هجا كليب بن يربوع رهط جرير وجعلهم من الضعة بحيث لا يسابون مثله لشرفه ونهشل ومجاشع رهط الفرزدق وهما ابنا دارم.

(٦٠٦) الشاهد فيه الغاء حتى كما تقدم* مدح آل جفنة ملوك غسان فجعل كلامهم لا تهر من غشيهم لاعتيادها الأضياف والسواد هنا الشخص أي اذا رفع لهم شخص علموا أنه طالب معروف ولم يسألوا عنه.

(٦٠٧) الشاهد فيه قوله فركوب ، واتصال هذا بهذا كاتصال الدخول بالسير في قولهم سرت حتى أدخل أي كان منى سير فدخول* وصف ناقة تترادى على بقايا الماء في ـ

٤٨٤

لم يجعل ركوبه الآن ورحلته فيما مضى ولم يجعل الدخول الآن وسيره فيما مضى ، ولكنّ الآخر متّصل بالأول ولم يقع واحد دون الآخر ، واذا قلت لقد ضرب أمس حتى لا يستطيع أن يتحرّك اليوم فليس كقولك سرت فأدخلها اذا لم ترد أن تجعل الدخول الساعة لأن السير والدخول جميعا وقعا فيما مضى ، وكذلك مرض حتى لا يرجونه أي حتّى إنّه الآن لا يرجونه فهذا ليس متّصلا بالأول واقعا معه فيما مضى ، وليس قولنا كاتّصال الفاء يعني أنّ معناه معنى الفاء ولكنك أردت أن تخبر أنه متّصل بالأوّل وأنهما وقعا فيما مضى وليس بين حتّى في الاتّصال وبينه في الانفصال فرق في أنه بمنزلة حرف الابتداء وأن المعنى واحد إلا أنّ أحد الموضعين الدخول فيه بالسير متّصل وقد مضى السير والدخول والآخر منفصل وهو الآن في حال الدخول وانما اتّصاله في أنه كان فيما مضى وإلا فانه ليس يفارق موضعه الآخر في شيء اذا رفعت.

[باب الرفع فيما اتّصل بالأوّل كاتّصاله بالفاء وما انتصب لأنه غاية]

تقول سرت حتّى أدخلها وقد سرت حتّى أدخلها سواء ، وكذلك إني سرت حتّى أدخلها فيما زعم الخليل فان جعلت الدخول في ذا غاية نصبت ، وتقول رأيت عبد الله سار حتّى يدخلها وأرى زيدا سار حتى يدخلها ومن زعم أن النصب يكون في ذا لأن المتكلّم غير متيقّن فانه يدخل عليه سار زيد حتّى يدخلها فيما بلغني ولا أدري ، ويدخل عليه عبد الله سار حتّى يدخلها أرى ، فان قال إني لم أعمل أرى فهو يزعم أنه ينصب بأرى الفعل ، وإن جعلت الدخول غاية نصبت في ذا كلّه ، وتقول كنت سرت حتّى أدخلها اذا لم تجعل الدخول غاية وليس بين كنت سرت وبين سرت مرّة في الزمان الأول حتى أدخلها شيء ، وانما ذا قول كان النحويّون يقولونه ويأخذونه بوجه ضعيف ، يقولون اذا لم يجز القلب نصبنا فيدخل عليهم قد سرت حتّى أدخلها أن ينصبوا وليس في الدنيا

__________________

ـ الحوض وهي الدمن فان عافت الشرب أي كرهته لتغير الماء لم تندّ ولكن ترحل فتركب فيجعل لها ذلك بدلا من التندية والتندية أن تراد ثم ترد الى المرعى ثم تعاد الى الماء ، ومعنى تراد يجاء بها ويذهب ويقال راد الشيء وأراده.

٤٨٥

عربى يرفع سرت حتّى أدخلها إلّا وهو يرفع اذا قال قد سرت ، وتقول انما سرت حتّى أدخلها وحتّى أدخلها إن جعلت الدخول غاية ، وكذلك ما سرت إلّا قليلا حتّى أدخلها إن شئت رفعت ، وان شئت نصبت لأنّ معنى هذا معنى سرت قليلا حتّى أدخلها فان جعلت الدخول غاية نصبت ، ومما يكون فيه الرفع شيء ينصبه بعض الناس لقبح القلب ، وذلك ربّما سرت حتّى أدخلها وطالما سرت حتى أدخلها وكثر ما سرت حتّى أدخلها ونحو هذا ، فان احتجّوا بأنه غير سير واحد فكيف يقولون اذا قلت سرت غير مرّة حتى أدخلها ، وسألنا من يرفع في قوله سرت حتى أدخلها فرفع في ربّما ولكنهم اعتزموا على النصب في ذا كما اعتزموا عليه في قد ، وتقول ما أحسن ما سرت حتى أدخلها وقلّما سرت حتى أدخلها اذا أردت أن تخبر أنك سرت قليلا وعنيت سيرا واحدا ، وان شئت نصبت على الغاية ، وتقول قلّما سرت حتى أدخلها اذا عنيت سيرا واحدا أو عنيت غير سير لأنك قد تنفي الكثير من السير الواحد كما نفيته من غير سير ، وتقول قلّما سرت حتى أدخلها اذا عنيت غير سير وكذلك أقلّ ما سرت حتى أدخلها من قبل أنّ قلّما نفي لقوله كثر ما كما أنّ ما سرت نفي لقوله سرت ألا ترى أنه قبيح أن تقول قلّما سرت فأدخلها كما يقبح في ما سرت اذا أردت معنى فاذا أنا أدخل وتقول قلّما سرت فأدخلها فتنصب بالفاء هيهنا كما تنصب في ما ولا يكون كثر ما سرت فأدخلها لأنه واجب ، ويحسن أن تقول كثر ما سرت فاذا أنا أدخل ، وتقول انما سرت حتى أدخلها اذا كنت محتقرا لسيرك الذي أدّى الى الدخول ، ويقبح انما سرت حتى أدخلها لأنه ليس في هذا اللفظ دليل على انقطاع السير كما يكون في النصب ، يعنى اذا احتقر السير لأنك لا تجعله سيرا يؤدّى الدخول وأنت تستصغره وهذا قول الخليل ، وتقول كان سيرى أمس حتى أدخلها ليس إلّا لأنك لو قلت كان سيرى أمس فاذا أنا أدخلها لم يجز لأنك لم تجعل لكان خبرا ، وتقول كان سيرى أمس سيرا متعبا حتى أدخلها لأنك تقول هيهنا فأدخلها وفاذا أنا أدخلها لأنك جئت لكان بخبر وهو قولك سيرا متعبا.

واعلم أنّ ما بعد حتى لا يشرك الفعل الذي قبل حتى في موضعه كشركة الفعل

٤٨٦

الآخر الأوّل اذا قلت لم أجيء فأقل ، ولو كان ذلك لاستحال كان سيرى أمس شديدا حتّى أدخل ولكنها تجيء كما يجيء ما بعد إذا وبعد حروف الابتداء ، وكذلك هي أيضا بعد الفاء اذا قلت ما أحسن ما سرت فأدخلها لأنها منفصلة ، فانما عنينا بقولنا الآخر متّصل بالأوّل أنهما وقعا فيما مضى كما أنه اذا قال : * فانّ المندّى رحلة فركوب* فانما يعني أنهما وقعا في الماضي من الأزمنة وأنّ الآخر كان مع فراغه من الأوّل ، فان قلت كان سيرى أمس حتى أدخلها تجعل أمس مستقرّا جاز الرفع لأنه استغنى فصار كسرت لو قلت فأدخلها حسن ، ولا يحسن كان سيرى فأدخل إلّا أن تجىء بخبر لكان ، وقد تقع نفعل في موضع فعلنا في بعض المواضع ومثل ذلك قوله (لرجل من بنى سلول وهو مولّد) : [كامل]

(١) ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّنى

فمضيت ثمّت قلت لا يعنينى

واعلم أنّ أسير بمنزلة سرت اذا أردت بأسير معنى سرت.

واعلم أنّ الفعل اذا كان غير واجب لم يكن إلّا النصب من قبل أنه اذا لم يكن واجبا رجعت حتّى الى أن وكي ولم تصر من حروف الابتداء كما لم تصر إذن في الجواب من حروف الابتداء اذا قلت اذن أظنّك ، وأظنّ غير واقع في حال حديثك وتقول أيّهم سار حتّى يدخلها لأنك قد زعمت أنه كان سير ودخول ، وانما سألت عن الفاعل ، ألا ترى أنك لو قلت أين الذي سار حتّى يدخلها ، وقد دخلها لكان حسنا ولجاز هذا الذي يكون لما قد وقع لأنّ الفعل ثمّ واقع وليس بمنزلة قلّما سرت اذا كان نافيا لكثر ما ، ألا ترى أنه لو كان قال قلّما سرت فأدخلها أو حتّى أدخلها وهو يريد أن يجعلها واجبة خارجة من معنى قلّما لم يستقم إلّا

__________________

(٦٠٨) الشاهد في وضع أمر موضع مررت على حدّ وقوع الفعل المستقبل بعد حتى في معنى الماضي اذا قلت سرت حتى أدخل في معنى سرت فدخلت ، وجاز أمر في معنى مررت لأنه لم يرد ماضيا منقطعا ، وانما أراد أن هذا أمره ودأبه فجعله كالفعل الدائم ، وقيل معنى ولقد أمر ربما أمر فالفعل على هذا في موضعه ، والمعنى أنه ينزل من سبه من اللئام بمنزلة من لم يعنه احتقارا له فلا يجيبه.

٤٨٧

أن تقول قلّما سرت فدخلت وحتّى دخلت كما تقول ما سرت حتّى دخلت ، فانما ترفع بحتّى في الواجب ويكون ما بعدها مبتدء منفصلا من الأوّل كان مع الأوّل فيما مضى أو الآن ، وتقول أسرت حتّى تدخلها نصب لأنك لم تثبت سيرا تزعم أنه قد كان معه دخول.

[باب ما يكون العمل فيه من اثنين]

وذلك قولك سرت حتى يدخلها زيد اذا كان دخول زيد لم يؤدّه سيرك ولم يكن سببه ، فيصير هذا كقولك سرت حتّى تطلع الشمس لأن سيرك لا يكون سببا لطلوع الشمس ولا يؤدّيه ، ولكنك لو قلت سرت حتّي يدخلها ثقلى ، وسرت حتى يدخلها بدني لرفعت لأنك جعلت دخول ثقلك يؤدّيه سيرك ، وبدنك لم يكن دخوله إلّا بسيرك ، وبلغنا أن مجاهدا قرأ هذه الآية (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) وهي قراءة أهل الحجاز ، وتقول سرت حتى يدخلها زيد وأدخلها وسرت حتى أدخلها ، ويدخلها زيد اذا جعلت دخول زيد من سبب سيرك وهو الذي أدّاه ، ولا تجد بدا من أن تجعله هيهنا في تلك الحال لأن رفع الأول لا يكون إلّا وسبب دخوله سيره ، واذا كانت هذه حال الأول لم يكن بد للآخر من أن يتبعه لأنه يعطف على دخولك في حتّى ، وذلك أنه يجوز أن تقول سرت حتّى يدخلها زيد اذا كان سيرك يؤدّي دخوله كما تقول سرت حتى يدخلها ثقلى ، وتقول سرت حتى أدخلها وحتى يدخلها زيد لأنك لو قلت سرت حتّى أدخلها ، وحتّى تطلع الشمس كان جيدا ، وصارت إعادتك حتّى كاعادتك له في تبّا له وويل له ، ومن عمرا ومن أخو زيد ، وقد يجوز أن تقول سرت حتّى يدخلها عمرو وإذا كان أدّاه سيرك ، ومثل ذلك قراءة أهل الحجاز (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ).

واعلم أنه لا يجوز سرت حتّى أدخلها وتطلع الشمس ، يقول اذا رفعت طلوع الشمس لم يجز ، وإن نصبت وقد رفعت فعلك فهو محال حتّى تنصب فعلك من قبل العطف فهذا محال أن ترفع ولم يكن الرفع لأن طلوع الشمس لا يمكن أن يؤدّيه سيرك

٤٨٨

فترفع تطلع وقد حلت بينه وبين الناصبة ، ويحسن أن تقول سرت حتّى تطلع الشمس وحتى أدخلها كما يجوز أن تقول سرت الى يوم الجمعة وحتى أدخلها ، قال امرؤ القيس :

(١) سريت بهم حتّى تكلّ مطيّهم

وحتّى الجياد ما يقدن بأرسان

فهذه الآخرة هي التي ترفع ، وتقول سرت وسار حتي ندخلها كأنك قلت سرنا حتى ندخلها وتقول سرت حتّى أسمع الأذان ، هذا وجهه وحدّه النصب لأن سيرك ليس يؤدّي سمعك الأذان انما يؤدّيه الصّبح ولكنك تقول سرت حتّى أكلّ لأن الكلال يؤدّيه سيرك ، وتقول سرت حتّى أصبح لأن الإصباح لا يؤدّيه سيرك انما هي غاية طلوع الشمس.

[باب الفاء]

اعلم أن ما انتصب في باب الفاء ينتصب على إضمار أن وما لم ينتصب فانه يشرك الفعل الأول فيما دخل فيه أو يكون في موضع مبتدإ أو مبني على مبتدإ أو موضع اسم مما سوى ذلك وسنبيّن ذلك ان شاء الله ، وتقول لا تأتيني فتحدّثني لم ترد أن تدخل الآخر فيما دخل فيه الأول فتقول لا تأتيني ولا تحدّثني ولكنك لمّا حولت المعنى عن ذلك تحوّل الى الاسم كأنك قلت ليس يكون منك إتيان فحديث فلمّا أردت ذلك استحال أن تضمّ الفعل الى الاسم فأضمروا أن لأن أن مع الفعل بمنزلة الاسم فلمّا نووا أن يكون الأول بمنزلة قولهم لم يكن إتيان استحالوا أن يضمّوا الفعل اليه فلمّا أضمروا أن حسن لانه مع الفعل بمنزلة الاسم ، وأن لا تظهر هيهنا لأنه يقع فيها معان لا تكون في التمثيل كما لا يقع معنى الاستثناء في لا يكون ونحوها إلّا أن تضمر ولو لا أنك اذا قلت لم آتك صار كأنك قلت لم يكن إتيان لم يجز فأحدّثك كأنك قلت في التمثيل فحديث وهذا تمثيل ولا يتكلم به بعد لم آتك لا تقول لم آتك فحديث ، فكذلك لا تقع هذه المعاني في الفاء إلّا باضمار أن ولا يجوز إظهار أن كما لا يجوز إظهار المضمر في لا يكون ونحوها ، فاذا قلت لم آتك صار كأنك قلت لم يكن

__________________

(٦٠٩) الشاهد فيه جعل حتى الثانية غير عاملة ودخولها بعد حتى الناصبة مكررة لأنها غيرها يريد أنه يسرى بأصحابه غازيا حتى تكل المطيّ وتنقطع الخيل وتجهد فلا تحتاج الى قود.

٤٨٩

اتيان ولم يجز أن تقول فحديث لأن هذا لو كان جائزا لأظهرت أن ، ونظير جعلهم لم آتك ولا آتيك وما أشبهه بمنزلة الاسم في النيّة حتّى كأنهم قالوا لم يك اتيان إنشاد بعض العرب قول الفرزدق : [طويل]

مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة

ولا ناعب إلّا ببين غرابها (١)

ومثله قول الفرزدق أيضا : [طويل]

(٢) ومازرت سلمى أن تكون حبيبة

إلىّ ولا دين بها أنا طالبه

جرّه لانه صار كأنه قال لأن ، ومثله قول زهير : [طويل]

بدالى أني لست مدرك ما مضى

ولا سابق شيئا اذا كان جائيا (٣)

لما كان الأول تستعمل فيه الباء ولا تغير المعنى ، وكانت مما يلزم الأول نووها في الحرف الآخر حتى كأنهم قد تكلموا بها في الأول ، وكذلك صار لم آتك بمنزلة لفظهم بلم يكن اتيان لأن المعنى واحد.

واعلم أن ما ينتصب في باب الفاء قد ينتصب على غير معنى واحد وكلّ ذلك على اضمار أن إلّا ان المعاني مختلفة كما أنّ يعلم الله يرتفع كما يرتفع يذهب زيد وعلم الله ينتصب كما ينتصب ذهب زيد وفيهما معنى اليمين ، والنصب هيهنا في التمثيل كأنك قلت لم يكن اتيان فأن تحدّث والمعنى على غير ذلك كما أن معنى علم الله لأفعلنّ غير معنى رزق الله ، فأن تحدّث في اللفظ مرفوعة بيكن لأن المعنى لم يكن اتيان فيكون حديث ، وتقول ما يأتيني فتحدثنى فالنصب على وجهين من المعاني ، أحدهما ما تأتيني فكيف تحدّثني أي لو أتيتني لحدّثتني ، وأما الآخر فما تأتيني أبدا إلّا لم تحدّثني أي منك اتيان كثير

__________________

(١) قد تقدم شرحهما فى ص ١٠٣ رقم ١٢٩ ـ ١٣٠

(٦١٠) الشاهد فيه حمل دين على معنى لأن تكون ، وجره* يقول لم أزر سلمى لمحبة فيها ولا لدين أطالبها به وانما زرتها لغير ذلك هذا ظاهر لفظه وقيل المعنى ما تركت زيارتها لغير محبة ولا لدين تطالبني به ولكن خشية الرقباء ، ولفظ البيت لا يؤدي الى هذا التفسير ، وقوله بها في معنى منها ويحتمل أن يريد أنابه طالبها فقلب.

(١) قد تقدم شرحهما فى ص ١٠٣ رقم ١٢٩ ـ ١٣٠

٤٩٠

ولا حديث منك ، وان شئت أشركت بين الأول والآخر فدخل الآخر فيما دخل فيه الأول فتقول ما تأتيني فتحدّثني كأنك قلت ما تأتيني وما تحدّثني ، فمثل النصب قوله عزوجل (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) ومثل الرفع قوله عزوجل (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) وان شئت رفعت على وجه آخر كأنك قلت فأنت تحدّثنا ومثل ذلك قول بعض الحارثيين : [خفيف]

(١) غير أنّا لم تأتنا بيقين

فنرجّي ونكثر التأميلا

كأنه قال فنحن نرجّي فهذا في موضع مبني على المبتدأ ، وتقول ما أتيتنا فتحدّثنا فالنصب فيه كالنصب في الأول ، وان شئت رفعت على فأنت تحدّثنا الساعة والرفع فيه يجوز على ما وانما اختير النصب لأن الوجه هيهنا وحدّ الكلام أن تقول ما أتيتنا فحدّثتنا فلمّا صرفوه عن هذا الحدّ ضعف أن يضّموا يفعل الى فعلت فحملوه على الاسم كما لم يجز أن يضموه الى الاسم في قولهم ما أنت منا فتنصرنا ونحوه وأما الذين رفعوه فحملوه على موضع أتيتنا لأن أتيتنا في موضع فعل مرفوع وتحدّثنا هيهنا في موضع حدّثتنا ، وتقول ما تأتينا فتكلّم إلا بالجميل فالمعنى أنك لم تأتنا إلّا تكلمت بجميل ونصبه على اضمار أن كما كان نصب ما قبله على إضمار أن وتمثيله كتمثيل الأول ، وان شئت رفعت على الشركة كأنه قال وما تكلّم إلّا بالجميل.

ومثل النصب قول الفرزدق :

(٢) وما قام منّا قائم في نديّنا

فينطق إلّا بالتي هي أعرف

وتقول لا تأتينا فتحدّثنا إلّا ازددنا فيك رغبة فالنصب هيهنا كالنصب في ما تأتيني فتحدّثني اذا أردت معنى ما تأتيني محدّثا ، وانما أراد ما أتيتني محدّثا إلّا ازددت فيك رغبة ومثل ذلك قول اللّعين المنقري :

__________________

(٦١١) الشاهد فيه قطع ما بعد الفاء ورفعه ولو أمكنه النصب على الجواب لكان أحسن.

(٦١٢) الشاهد في نصب ما بعد الفاء على الجواب مع دخول الا بعده للايجاب لأنها عرضت بعد اتصال الجواب بالنفي ونصبه على ما يجب له فلم يغيره ، والندى المجلس أي اذا نطق منا ناطق في مجلس جماعة عرف صواب قوله فلم تردّ مقالته.

٤٩١

(١) وما حلّ سعدى غريبا ببلدة

فينسب إلّا الزبرقان له أب

وتقول لا يسعني شيء فيعجز عنك أي لا يسعني شىء فيكون عاجزا عنك ولا يسعني شيء إلّا لم يعجز عنك ، هذا معنى هذا الكلام ، وإن حملته على الأول قبح المعنى لأنك لا تريد أن تقول إن الأشياء لا تسعنى ولا تعجز عنك فهذا لا ينويه أحد ، وتقول ما أنت منا فتحدّثنا لا يكون الفعل محمولا على ما لأن الذي قبل الفعل ليس من الأفعال فلم يشاكله ، قال الفرزدق :

(٢) ما أنت من قيس فتنبح دونها

ولا من تميم في اللها والغلاصم

وان شئت رفعت على قوله : «فنرجّى ونكثر التأميلا» وتقول ألا ماء فأشربه وليته عندنا فيحدّثنا وقال أمية بن أبي الصلت : [بسيط]

(٣) ألا رسول لنا منا فيخبرنا

ما بعد غايتنا من رأس مجرانا

لا يكون في هذا إلّا النصب لأن الفعل لم تضمّه الى فعل ، وتقول ألا تقع الماء فتسبح اذا جعلت الآخر على الأول كأنك قلت ألا تسبح ، وان شئت نصبته على ما انتصب عليه ما قبله كأنك قلت ألا يكون وقوع فأن تسبح فهذا تمثيل وان لم يتكلم به ، والمعنى في النصب أنه يقول اذا وقعت سبحت ، وتقول ألم تأتنا فتحدّثنا اذا لم يكن

__________________

(٦١٣) الشاهد فيه نصب ما بعد الفاء على الجواب والرفع جائز والقول فيه كالقول في الذي قبله* يقول الزبرقان سيد قومه وأشهرهم فاذا تغرب رجل من سعدوهم رهط الزبرقان فسئل عن نسبه انتسب اليه لشرفه وشهرته.

(٦١٤) الشاهد فيه نصب تنبح على الجواب ولو قطع فرفع لجاز* يقول هذا لجرير وكان يكافح عن قيس لخؤلته فيهم وجعل مهاجاته عنهم نباحا على طريق الاستعارة ونفي عنه الشرف في تميم بأن يحل منهم مكان الرأس في العلو والرفعة وكنى عن ذلك باللها وهي مداخل الطعام في الحلق واحدتها لهاة ، والغلاصم وهي ما اتصل باللهاة واحدتها غلصمة.

(٦١٥) الشاهد فيه نصب يخبرنا على الجواب بالفاء ولو قطع فرفع لجاز* يقول اذا مات الانسان لم تعرف مدة اقامته الى أن يبعث فتمنى رسولا من الأموات يخبر بحقيقة ذلك وهذا على طريق الوعظ وضرب المجرى والغاية مثلا وأصلهما في السباق بين الخيل.

٤٩٢

على الأول ، وان كان على الأول جزمت ، ومثل النصب قوله : [وافر]

(١) ألم تسأل فتخبرك الرسوم

على فرتاج والطّلل القديم

وان شئت جزمت على أول الكلام ، وتقول لا تمددها فتشقّها اذا لم تحمل الآخر على الأول وقال عزوجل (لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ) وتقول لا تمددها فتشققها اذا أشركت بين الآخر والأول كما أشركت بين الفعلين في لم وتقول أئتني فأحدّثك ، قال أبو النجم :

(٢) يا ناق سيري عنقا فسيحا

الى سليمان فنستريجا

ولا سبيل هيهنا الى الجزم ، من قبل أن هذه الأفعال التي يدخلها الرفع والنصب والجزم وهي الأفعال المضارعة لا تكون في موضع افعل أبدا ، لأنها انما تنصب وتنجزم بما قبلها وافعل مبنية على الوقف ، فان أردت أن تجعل هذه الأفعال أمرا أدخلت اللام وذلك قولك ائته فليحدّثك وفيحدّثك اذا أردت المجازاة ، ولو جاز الجزم في إئتنى فأحدّثك ونحوها لقلت تحدّثني تريد به الأمر ، وتقول ألست قد أتيتنا فتحدّثنا اذا جعلته جوابا ولم تجعل الحديث وقع إلّا بالاتيان وان أردت فحدّثتنا رفعت ، وتقول كأنك لم تأتنا فتحدّثنا ، وإن حملته على الأول جزمت وقال رجل من بني دارم : [طويل]

(٣) كأنّك لم تذبح لأهلك نعجة

فيصبح ملقى بالفناء إهابها

وتقول ودّ لو تأتيه فتحدّثه والرفع جيد على معنى التمني ، ومثله قوله عزوجل (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) وزعم هرون أنها في بعض المصاحف (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ)

__________________

(٦١٦) الشاهد فيه نصب ما بعد الفاء والرفع جائز والقول فيه كالذي تقدم وفرتاج موضع بعينه.

(٦١٧) الشاهد فيه نصب ما بعد الفاء على جواب الأمر ، والعنق ضرب من السير ، والفسيح الواسع المكين ، وأراد سليمان بن عبد الملك.

(٦١٨) الشاهد فيه نصب ما بعد الفاء على الجواب وان كان معنى الكلام الايجاب لأنه كان قبل دخول كأن منفيا على تقدير لم تذبح نعجة فيصبح إهلبها ملقي ، ثم دخلت عليه كأن فأوجبت فبقي على لفظه منصوبا ، والنعجة الشاة والإهاب الجلد.

٤٩٣

وتقول حسبته شتمني فأثب عليه اذا لم يكن الوثوب واقعا ، ومعناه أن لو شتمني لو ثبت عليه ، وان كان الوثوب قد وقع فليس إلّا الرفع ، لأن هذا بمنزلة قوله ألست قد فعلت فأفعل.

واعلم أنك ان شئت قلت ائتني فأحدّثك ترفع ، وزعم الخليل أنك لم ترد أن تجعل الاتيان سببا لحديث ولكنك كأنك قلت ائتني فأنا ممن يحدّثك البتة جئت أو لم تجيء ، قال النابغة الذبياني : [طويل]

(١) ولا زال قبر بين تبنى وجاسم

عليه من الوسمىّ جود ووابل

فينبت حوذانا وعوفا منوّرا

سأتبعه من خير ما قال قائل

وذلك أنه لم يرد أن يجعل النبات جوابا لقوله ، ولا زال ولا أن يكون متعلّقا به ولكنه دعا ثم أخبر بقصّة السحاب كأنه قال فذاك ينبت حوذانا ، قال الخليل ولو نصب هذا البيت لجاز ولكنا قبلناه رفعا ، وقال (جميل بن معمر) : [طويل]

(٢) ألم تسأل الرّبع القواء فينطق

وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق

لم يجعل الأول سببا للآخر ولكنه جعله ينطق على كل حال كأنه قال فهو مما ينطق كما قال ائتني فأحدّثك فجعل نفسه ممن يحدّثه على كل حال ، وزعم يونس أنه سمع هذا البيت بألم وانما كتبت ذا لئلا يقول انسان فلعلّ الشاعر قال ألا ، وسألت الخليل عن قول الأعشى :

__________________

(٦١٩) الشاهد فيه رفع فينبت لأنه جعله خبرا عن الغيث واجبا وتفسيرا لحاله ثابتا والمعنى فينبت ذلك الغيث حوذانا وهو ضرب من النبت طيب الريح وكذلك العوف طيب الريح ، ورثي بهذا النعمان بن الحرث الغساني وتبني وجاسم موضعان بالشام ، ويروى بين بصرى وهي من مدن الشام والجود والوابل أغزر المطر وخص الوسمي لأنه أطرق المطر عندهم لاتيانه عقب القيظ.

(٦٢٠) الشاهد فيه رفع ينطق على الاستئناف والقطع على معنى فهو ينطق وايجاب ذلك له ولو أمكنه النصب على الجواب لكان أحسن والقواء القفر وجعله ناطقا للاعتبار بدروسه وتغيره ، ثم حقق أنه لا يجيب ولا يخبر سائله لعدم القاطنين به فقال وهل يخبرنك اليوم بيداء وهي القفر ، والسملق التي لا شيء بها.

٤٩٤

(١) لقد كان في حول ثواء ثويته

تقضّى لبانات ويسأم سائم

فرفعه وقال لا أعرف فيه غيره لأنّ أوّل الكلام خبر وهو واجب كأنه قال ففي حول تقضّى لبانات ويسأم سائم ، هذا معناه.

واعلم أن الفاء لا تضمر فيها أن في الواجب ولا يكون في هذا الباب إلا الرفع وسنبين لم ذلك ، وذلك قوله إنّه عندنا فيحدّثنا وسوف آتيه فأحدّثه ليس إلا ، إن شئت رفعته على أن تشرك بينه وبين الأوّل ، وان شئت كان منقطعا لأنك قد أوجبت أن تفعل فلا يكون فيه إلا الرفع ، وقال عزوجل (فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ) فارتفعت لأنه لم يخبر عن الملكين أنهما قالا لا تكفر فيتعلّمون ليجعلا كفره سببا لتعليم غيره ولكنه على كفروا فيتعلّمون ومثله كن فيكون كأنه قال انما أمرنا ذاك فيكون ، وقد يجوز النصب في الواجب في اضطرار الشعر ونصبه في الاضطرار من حيث انتصب في غير الواجب وذلك لأنك تجعل أن العاملة فمما نصب في الشعر اضطرارا قول الشاعر : [وافر]

(٢) سأترك منزلي لبنى تميم

وألحق بالحجاز فأستريحا

وقال الأعشى وأنشدناه يونس : [طويل]

(٣) ثمّت لا تجزونني عند ذاكم

ولكن سيجزيني الاله فيعقبا

__________________

(٦٢١) الشاهد فيه رفع يسأم لأنه خبر واجب معطوف على تقضى واسم كان مضمر فيها والتقدير لقد كان الأمر تقضي لبانات في الحول الذي ثويت فيه ، ويسأم من أقام به لطوله* يخاطب بهذا نفسه والثواء الاقامة وهو بدل من الحول ويجوز نصبه على تقدير ثويته ثواء ، ويرى تقضى لبانات ويسأم سائم بالنصب على اضمار أن والعطف على تقضى.

(٦٢٢) الشاهد فيه نصب فأستريحا وهو خبر واجب باضمار أن ضرورة ويروى لأستريحا فلا ضرورة فيه على هذا.

(٦٢٣) الشاهد في نصب يعقب بالفاء وهو خبر واجب ضرورة ويجوز أن يريد النون الخفيفة وهو أسهل في الضرورة ، ومعنى يعقب يجمل العاقبة.

٤٩٥

وهو ضعيف في الكلام ، وقال طرفة : [طويل]

(١) لنا هضبة لا ينزل الذّلّ وسطها

ويأوى اليها المستجير فيعصما

وكان أبو عمرو يقول لا تأتنا فنشتمك ، وسمعت يونس يقول ما أتيتني فأحدّثك فيما أستقبل فقلت له ما تريد به فقال أريد أن أقول ما أتيتني فأنا أحدّثك وأكرمك فيما أستقبل وقال هذا مثل ائتنى فأنا صاحب هذا ، وسألته عن (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) فقال هذا واجب وهو تنبيه كأنك قلت أتسمع أنزل الله من السماء ماء فكان كذا وكذا ، وإنما خالف الواجب النفى لأنك تنقض النفي اذا نصبت وتغيّر المعنى يعني أنك تنفى الحديث وتوجب الاتيان تقول ما أتيتنى قطّ فتحدّثني إلا بالشرّ فقد نقضت نفي الاتيان وزعمت أنه قد كان ، وتقول ما تأتيني فتحدّثني اذا أردت معنى فكيف تحدّثني فأنت لا تنفي الحديث ولكنك زعمت أنّ منه الحديث وإنما يحول بينك وبينه ترك الاتيان ، وتقول ائتني فأحدّثك فليس هذا من الأمر الأوّل في شيء ، واذا قلت قد كان عندنا فسوف يأتينا فيحدّثنا لم تزد على أن جئت بواجب كالأول فلم يحتاجوا الى أن لما ذكرت لك ، ولأنّ تلك المعاني لا تقع هيهنا ولو كانت الفاء والواو وأو ينصبن لأدخلت عليهن الفاء والواو للعطف ولكنها كحتّى في الاضمار والبدل فشبّهت بها لمّا كان النصب فيها الوجه لأنهم جعلوا الموضع الذي يستعملون فيه اضمار أن بعد الفاء كما جعلوه في حتى انما يضمر اذا أراد معنى الغاية وكاللام في ما كان ليفعل.

[باب الواو]

اعلم أنّ الواو ينتصب ما بعدها في غير الواجب من حيث انتصب ما بعد الفاء وأنها قد تشرك بين الأول والآخر كما تشرك الفاء وانها يستقبح فيها أن تشرك بين الأول والآخر كما استقبح ذلك في الفاء وأنها يجيء ما بعدها مرتفعا منقطعا من الأوّل كما جاء ما بعد الفاء.

__________________

(٦٢٤) الشاهد فيه نصب يعصم ، والقول فيه كالقول في الذي قبله ويروى ليعصما ولا ضرورة فيه وكنى بالهضبة عن عزة قومه ومنعتهم ، والهضبة الجبل.

٤٩٦

واعلم أنّ الواو وإن جرت هذا المجرى فانّ معناها ومعنى الفاء مختلفان ، ألا ترى الأخطل قال : [كامل]

(١) لاتنه عن خلق وتأتى مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم

فلو دخلت الفاء هيهنا لأفسدت المعنى ، وانما أراد لا يجتمعنّ النهي والاتيان فصار تأتي على إضمار أن ، ومما يدلك أيضا على أن الفاء ليست كالواو قولك مررت بزيد وعمرو ومررت بزيد فعمرو تريد أن تعلم بالفاء أن الآخر مرّ به بعد الأول ، وتقول لا تأكل السمك وتشرب اللبن فلو أدخلت الفاء هيهنا فسد المعنى ، وان شئت جزمت على النهي في غير هذا الموضع ، قال جرير : [طويل]

(٢) ولا تشتم المولى وتبلغ أذاته

فانك إن تفعل تسفّه وتجهل

ومنعك أن تجزم في الأول لأنه انما أراد أن يقول له لا تجمع بين اللبن والسمك ولا ينهاه أن يأكل السمك على حدة ويشرب اللبن على حدة ، فاذا جزم فكأنه نهاه أن يأكل السمك على حال أو يشرب اللبن على كل حال ، ومثل النصب في هذا الباب قول الحطيئة : [وافر]

(٣) ألم أك جاركم وتكون بيني

وبينكم المودّة والإخاء

كأنه قال ألم أك هكذا وتكون بيني وبينكم ، وقال دريد بن الصمّة : [طويل]

__________________

(٦٢٥) الشاهد فيه نصب وتأتي باضمار أن لأنه أراد لا تجمع بين النهى والاتيان والمعنى لا يكن منك أن تنهي وتأتي ولو جزم الآخر على النهي لفسد المعنى لقطعه على أن لا ينهي البتة عن شيء ولا يأتيه ، وإنما أراد اذا نهيت عن قبيح فلا تأته فان ذلك عار عليك.

(٦٢٦) الشاهد فيه جزم تبلغ لدخوله في النهي ، والمعنى لا تشتمه ولا تبلغ أذاته والمولى هنا ابن العم.

(٦٢٧) الشاهد فيه نصب وتكون باضمار أن على تأويل الاسم في الأول ، والتقدير ألم يقع أن أكون جاركم وتكون بيني وبينكم المودة* يقول هذا لآل الزبرقان بن بدر وكانوا قد جفوه فانتقل عنهم وهجاهم.

٤٩٧

(١) قتلت بعبد الله خير لداته

ذؤابا فلم أفخر بذاك وأجزعا

وتقول لا يسعني شيء ويعجز عنك فانتصاب الفعل هيهنا من الوجه الذي انتصب به في الفاء إلّا أن الواو لا يكون موضعها في الكلام موضع الفاء ، وتقول ائتني وآتيك اذا أردت ليكن اتيان منك وأنّ آتيك تعني اتيان منك وإتيان مني ، وان أردت الأمر أدخلت اللام كما فعلت ذلك في الفاء حيث قلت ائتني فلأحدّثك فتقول ائتني ولآتك ومن النصب في هذا الباب قوله عزوجل (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) وقد قرأها بعضهم (وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) وقال تعالى (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ان شئت جعلت وتكتموا على النهي ، وان شئت جعلته على الواو ، وقال تعالى (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) فالرفع على وجهين فأحدهما أن يشرك الآخر الأول والآخر على قولك دعني ولا أعود أي فاني ممن لا يعود فانما يسأل الترك وقد أوجب على نفسه أن لا عودة له البتّة ترك أو لم يترك ولم يرد أن يسأل أن يجتمع له الترك وأن لا يعود ، وأما عبد الله بن أبي اسحق فكان ينصب هذه الآية ، وتقول زرني وأزورك تعني لتجتمع منك الزيارة فزيارة مني ولكنه أراد أن يقول زيارتك واجبة على كل حال فلتكن منك زيارة ، قال الأعشي : [وافر]

(٢) فقلت ادعي وأدعو إنّ أندى

لصوت أن ينادي داعيان

__________________

(٦٢٨) الشاهد فيه قوله وأجزعا ونصبه بأضمار أن على تأويل لم يكن مني أن أفخر بقتله وأجزعا أي لم أجمع بين الفخر والجزع أي فخرت بقتله وادراك ثار أخي به غير جازع من قومه لعزتي ومنعتي ، وكان ذؤاب الأسدي أو أحد قومه قد قتل عبد الله بن الصمة أخا دريد فقتله دريد بأخيه ، واللدة الترب.

(٦٢٩) الشاهد في نصب وأدعو باضمار أن حملا على معنى ليكن منا أن تدعى وأدعو ويروى وأدع فان أندى على معنى لتدعي ولأدع على الأمر ، وأندى أبعد صوتا والندى بعد الصوت.

٤٩٨

ومن النصب أيضا قوله : [وافر]

(١) للبس عباءة وتقرّ عيني

أحبّ اليّ من لبس الشّفوف

لمّا لم يستقم أن تحمل وتقرّ وهو فعل على لبس وهو اسم لمّا ضممته الى الاسم وجعلت أحبّ لهما ولم ترد قطعه لم يكن بد من إضمار أن وسترى مثله مبيّنا ، وسمعنا من ينشد هذا البيت من العرب (وهو لكعب الغنوى) : [طويل]

(٢) وما أنا للشيء الذي ليس نافعي

ويغضب منه صاحبي بقؤول

والرفع ايضا جائز حسن ، كما قال قيس بن زهير بن جذيمة : [طويل]

(٣) فلا يدعني قومي صريحا لحرّة

لئن كنت مقتولا ويسلم عامر

ويغضب معطوف على الشيء ويجوز رفعه على ان يكون داخلا في صلة الذي

[باب أو]

اعلم أنّ ما انتصب بعد أو فانه ينتصب على إضمار أن كما انتصب في الفاء والواو على

__________________

(٦٣٠) الشاهد فيه نصب تقربا باضمار أن ليعطف على اللبس لأنه اسم وتقر فعل فلم يمكن عطفه عليه فحمل على اضمار أن لأنّ أن وما بعدها اسم فعطف اسما على اسم وجعل الخبر عنهما واحدا وهو أحب ، والمعنى للبس عباءة مع قرة العين وصفاء العيش أحب اليّ من لبس الشفوف مع سخنة العين ونكد العيش والعباءة جبة الصوف ، والشفوف ثياب رقاق تصف البدن واحدها شف.

(٦٣١) الشاهد في نصب يغضب حملا على معني ولأن يغضب ، والتقدير وما أنا بقؤول للشيء غير النافع ولأن يغضب منه صاحبي أي لست بقؤول للسبب المؤدي الى غضبه لأنه لا يقول الغضب انما يقول ما يؤدي الى الغضب ، ويجوز ويغضب بالرفع حملا على صلة الذي وهو أبين وأحسن ورد المبرد على سيبويه تقديمه النصب على الرفع ولم يقدمه سيبويه لأنه عنده أحسن من الرفع وانما قدمه لما بنى عليه الباب من النصب باضمار أن.

(٦٣٢) الشاهد فيه ويسلم على القطع والاستئناف ، ولو نصب باضمار أن لأن ما قبله من الشرط غير واجب لجاز وتقدير البيت لئن قتلت وعامر سالم من القتل فلست بصريح النسب حر الام وأراد عامر بن الطفيل.

٤٩٩

إضمارها ، ولا يستعمل إظهارها كما لم يستعمل في الفاء والواو والتمثيل هيهنا مثله ثمّ تقول إذا قال لألزمنّك أو تعطيني ، كأنه يقول ليكوننّ اللزوم أو أن تعطيني

واعلم أنّ معنى ما انتصب بعد أو على إلا أن كما كان معنى ما انتصب بعد الفاء على غير معنى التمثيل تقول لألزمنّك أو تقضيني ولأضربنّك أو تسبقني فالمعنى لألزمنّك إلّا أن تقضيني ولأضربنّك إلا أن تسبقني هذا معنى النصب.

قال امرؤ القيس : [طويل]

(١) فقلت له لا تبك عينك إنما

تحاول ملكا أو نموت فنعذرا

والقوافي منصوبة ، فالتمثيل على ما ذكرت لك والمعنى على إلا أن نموت فنعذرا وإلا أن تعطينى كما كان تمثيل الفاء على ما ذكرت لك وفيه المعاني التي فصلت لك ، ولو رفعت لكان عربيا جائزا على وجهين ، على أن تشرك بين الأول والآخر ، وعلى أن يكون مبتدء مقطوعا من الأوّل يعني أو نحن ممن يموت ، وقال جلّ وعز (سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) ان شئت كان على الإشراك ، وان شئت كان على أوهم يسلمون : وقال ذو الرمّة : [طويل]

(٢) حراجيج ما تنفكّ إلا مناخة

على الخسف أو ترمي بها بلدا قفرا

__________________

(٦٣٣) الشاهد فيه نصب نموت باضمار أن لأنه لم يرد معنى العطف وانما أراد أنه يحاول طلب الملك إلا أن نموت فنعذر ويروي فنعذرا ، ومعناه نبلغ العذر ، وقال هذا لعمرو بن قميئة اليشكري حين استصحبه في مسيره الى قيصر.

(٦٣٤) الشاهد فيه رفع نرمي على القطع ، ويجوز حمله على خبر تنفك والتقدير ما تنفك تستقر على الخسف أو نرمي بها القفر ، والخسف الاذلال وهو ايضا المبيت على غير علف ، وكان الأصمعي يغلط ذا الرمة في قوله ما تنفك إلا مناخة لادخاله حرف الايجاب على ما تنفك ومعناها ايجاب الخبر والذي يخرج به عن الخطأ أن يقدر تنفك تامة دون خبر ، ويكون معناها لا تنفصل من السير إلا في حال إناختها او يكون خبرها في قوله على الخسف ، كما تقدم وينصب مناخة على الحال في الوجهين ، والحراجيج الطوال واحدتها حرجوج.

٥٠٠