كتاب سيبويه - ج ١

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]

كتاب سيبويه - ج ١

المؤلف:

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٨٢

ترفعه على أن لا تشرك الاسم الآخر في ما ولكن تبتدئه كما تقول ما كان عبد الله منطلقا ولا زيد ذاهب اذا لم تجعله على كان وجعلته غير ذاهب الآن وكذلك ليس ، وان شئت جعلتها لا التي يكون فيها الاشتراك فتنصب كما تقول في كان ما كان زيد ذاهبا ولا عمرو منطلقا وذلك قولك ليس زيد ذاهبا ولا أخوك منطلقا ، وكذلك ما زيد ذاهبا ولا معن خارجا ، وليس قولهم لا يكون في ما الا الرفع بشيء لأنهم يحتجون بأنك لا تستطيع أن تقول ولا ليس ولا ما فانت تقول ليس زيد ولا أخوه ذاهبين وما عمرو ولا خالد منطلقين فتشركه مع الأول في ليس وفي ما فما يجوز فيها الوجهان كما يجوز في كان الا أنّك إن حملته على الأول أو ابتدأت فالمعنى أنّك تنفي شيئا غير كائن في حال حديثك وكان الابتداء في كان أوضح لأن المعنى يكون على ما مضى وعلى ما هو الآن وليس يمتنع أن تريد به الأول كما أردت في كان ومثل ذلك قولك أن زيدا ظريف وعمرو وعمرا فالمعنى في الحديث واحد وما تريد من الاعمال مختلف في كان وليس وما وتقول ما زيد كريما ولا عاقلا أبوه تجعله كأنه للأول بمنزلة كريم لانه ملتبس به إذا قلت أبوه تجريه عليه كما أجريت عليه الكريم لأنك لو قلت ما زيد عاقلا أبوه نصبت وكان كلاما ، وتقول ما زيد ذاهبا ولا عاقل عمرو لأنك لو قلت ما زيد عاقلا عمرو لم يكن كلاما لأنه ليس من سببه فترفعه على الابتداء والقطع من الأول كأنك قلت وما عاقل عمرو ولو جعلته من سببه لكان فيه له إضمار كالهاء في الاب ونحوها ولم يجز ان تنصبه على ما لانك لو ذكرت ما ثم قدّمت الخبر لم يكن الا رفعا وان شئت قلت ما زيد ذاهبا ولا كريم أخوه ان ابتدأته ولم تجعله على ما كما فعلت ذلك حين بدأت بالاسم ولكن ليس وكان يجوز فيهما النصب وان قدمت الخبر لانك لو ذكرتهما كان الخبر فيهما مقدما مثله مؤخرا وذلك قولك ما كان زيد ذاهبا ولا قائما عمرو ، وتقول ما زيد ذاهبا ولا محسن زيد الرفع أجود وان كنت تريد الأول لانك لو قلت ما زيد منطلقا زيد لم يكن حدّ الكلام وكان ههنا ضعيفا ولم يكن كقولك ما زيد منطلقا هو لأنك قد استغنيت عن إظهاره وإنما ينبغي لك ان تضمره ألا ترى أنك لو قلت ما زيد منطلقا أبو زيد لم يكن كقولك ما زيد منطلقا أبوه لأنك قد استغنيت عن الاظهار فلمّا كان هذا كذلك اجرى مجرى الأجنبي واستؤنف على حياله حيث كان هذا ضعيفا فيه ، وقد يجوز أن تنصبه ، قال سوادة بن عدىّ : [خفيف]

٤١

(١) لا أرى الموت يسبق الموت شيء

نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا

فاعاد الاظهار ، وقال الجعدىّ : [طويل]

(٢) اذا الوحش ضمّ الوحش في ظللانها

سواقط من حرّ وقد كان أظهرا

والرفع الوجه ، وقال الفرزدق : [طويل]

(٣) لعمرك ما معن بتارك حقّه

ولا منسىء معن ولا متيسّر

__________________

(٤٣) استشهد به على اعادة الظاهر مكان المضمر وفيه قبح اذا كان تكريره في جملة واحدة لانه يستغنى بعضها عن بعض كالبيت فلا يكاد يجوز الا في ضرورة كقولك زيد ضربت زيدا فان كانت اعادته في جملتين حسن كقولك زيد شتمته وزيد أهنته لانه قد يمكن أن يسكت على الجملة الاولى ثم يستأنف الاخرى بعد ذكر رجل غير زيد فلو قيل زيد ضربته وهو أهنته لجاز أن يتوهم الضمير لغير زيد فاذا أعيد مظهرا أزال التوهم ومع اعادته مظهرا في الجملة الواحدة كقولك زيد ضربته لا يتوهم الضمير لغيره لانك لا تقول زيد ضربت عمرا والاظهار في مثل هذا أحسن منه في زيد ونحوه لان الموت اسم جنس فاذا أعيد مظهرا لم يتوهم أنه اسم لشيء آخر كما يتوهم في زيد ونحوه من الأسماء المشتركة فلذلك كان الاظهار في هذا أمثل لأنه لا يشكل* وصف ان الموت لا يفوته شيء ومعنى يسبق يفوت والتنغيص تنكيد العيش وتكديره أي اذا ذكره الانسان تنغص.

(٤٤) القول فيه كالقول في الذي قبله وعلته كعلته* وصف سيره في الهاجرة اذا استكن الوحش من حر الشمس واحتدامها ولحق بكنسه والظللات جمع ظلة وهو ما يستظل به وحرك اللام على أصل التحريك فيما جمع من الصحيح بالالف والتاء نحو الظلمات والغرفات ويجوز أن تكون الظللات جمع ظلل وظلل جمع ظليل كعديد وجدد فيكون جمع الجمع ومعنى أظهر صار في وقت الظهيرة وهو منتصف النهار وحينئذ يشتد الحر وذكر أظهر بعد ان أنث الضمير في ظللاتها لان الوحش اسم جنس يذكر ويؤنث.

(٤٥) استشهد به على أن تكرير الاسم مظهرا في جملتين أحسن من تكريره في جملة واحدة لما قدمت ذكره ولو حمل البيت على أن التكرير من جملة واحدة لقال ولا منسيء معن عطفا على قوله بتارك حقه ولكنه لما كرره مظهرا وأمكنه أن يجعل الكلام جملتين استأنف الكلام فرفع الخبر* وعني بالبيت معن بن زائدة الشيباني وهو أحد أجواد العرب وسمحائهم فوصفه ظلما بسوء الاقتضاء وأخذ الغريم على عسرته وانه لا ينسئه بدينه ولا يتيسر عليه ، والنسء التأخير يقال نسأته وأنسأته اذا أخرته.

٤٢

وان قلت : ما زيد منطلقا أبو عمرو وأبو عمرو أبوه لم يجز لانّك لم تعرّفه به ولم تذكر له إضمارا ولا إظهارا فيه فهذا لا يجوز لانّك لم تجعل له فيه سببا ، وتقول ما أبو زينب ذاهبا ولا مقيمة أمّها ترفع لانك لو قلت ما أبو زينب مقيمة أمّها لم يجز لأنها ليست من سببه وانما عملت ما فيه لا في زينب ، ومثل ذلك قول الاعور الشّنّىّ : [متقارب]

(١) هوّن عليك فانّ الأمور

بكفّ الاله مقاديرها

فليس بآتيك منهيّها

ولا قاصر عنك مأمورها

__________________

(٤٦) استشهد بالبيت الاخير من البيتين على جواز النصب في الخبر المعطوف على خبر ليس وان كان الآخر أجنبيا لأن ليس تعمل في الخبر مقدما ومؤخرا لقوتها ، وذكر أن الجر عائد في البيت على أن يجعل الآخر من سبب الأول لأنه أخبر أولا عن المنهي فقال ليس بآتيك منهيها ثم أخبر آخرا عن المأمور وأضافه الى ضمير الاوّل والمنهى من الأمور فكأن الضمير الذي اضيف اليه المأمور عائد عليه لان بعض الأمور أمور وجعله بمنزلة قول جرير : * اذا بعض السنين تعرقتنا* وقدم تفسيره وكذلك تأويل بيت النابغة الجعدى وهو قوله :

فليس بمعروف لنا أن نردّها

صحاحا ولا مستنكر أن تعقرا

فرد قوله ولا مستنكر على قوله بمعروف وجعل الآخر من سبب الأول لان الرد ملتبس بالخيل وكأنه منها والعقر متصل بضميرها فكأنه اتصل بضمير الرد حيث كان من الخيل كما كان المر من الرياح النواسم ، وقد مر تفسيره فتقدير البيت الأول عند سيبويه فليس بآتيك الامور منهيها ولا قاصر عنك مأمورها وتقدير الآخر فليس بمعروفة خيلنا ردها صحاحا ولا مستنكر عقرها لما ذكرنا من التباس المنهى بالامور فكأنه الامور والتباس الرد بالخيل فكأنه الخيل وقد رد عليه ما تأول في البيتين وابطل جواز الجر الذي أجازه سماعا من العرب فقال وقد جر بعضهم ، والرد عليه في تأويله صحيح والرد على العرب من الاعتداء ، وأشد التعسف والاجتراء وسأ بين صحة القياس فيما أجازته العرب من ذلك وغفلة سيبويه في تأويله وما لحقه فيه من السهو الموكل بالبشر على أني قد استقصيت القول فيما تأوله هو وغيره في البيتين في كتاب النكت فأقول ان العرب تجيز في الدار زيد والحجرة عمرو ، وان في الدار زيدا والحجرة عمرا وليس بقائم زيد ولا خارج عمرو ، ولا تجيز زيد في الدار والحجرة عمرو ، ولا ان زيدا في الدار والحجرة عمرا ، ولا ليس زيد بقائم ولا خارج عمرو ، والفرق بين الكلامين انك اذا قلت في الدار –

٤٣

لانه جعل المأمور من سبب الأمور ولم يجعله من سبب المذكّر وهو المنهىّ ، وقد جرّه قوم فجعلوا المأمور للمنهي والمنهىّ هو الأمور لانه من الأمور وهو بعضها فأجراه وأنّثه كما قال جرير : [وافر]

(٤٧) اذا بعض السّنين تعرّقتنا

كفى الايتام فقد أبى اليتيم

__________________

ـ زيد والحجرة عمرو جرى آخر الكلام وأوله على سواء من تقديم الخبرين على المخبر عنهما واحتمل الكلام الحذف من الثاني لدلالة الأول على المحذوف والاتصال المحذوف بحرف العطف القائم مقامه في الاتصال بالمجرور فلم يبق في الكلام ازالة شيء عن موضعه لوقوع الرتبة فيه وحصولها ، فاذا قلت زيد في الدار والحجرة عمرو لم يجز لان خبر الأول وقع مؤخرا فيجب في خبر الآخر أن يقدر مؤخرا طلبا للاستواء وأنت اذا أخرته فقلت زيد في الدار وعمرو الحجرة ، بطل لحذف حرف الجر مع التفريق بين المجرور وحرف العطف وكل ما لم يجز حذفه في التأخر لم يجز مع التقدم وكذلك القول في ان في الدار زيدا والحجرة عمرا ، وفي قولك ليس بقائم زيد ولا خارج عمرو ، لان هذا كله جار على الرتبة فجاز فيه الحذف على ما تقدم فأن أخرت الخبرين في المسئلتين بطل فيهما ما بطل في الاول فقوله ليس بآتيك منهيها ولا قاصر عنك مأمورها بمنزلة قولك ليس بقائم زيد ولا خارج عمرو ، وكذلك بيت الجعدي ولو كان تأليف البيتين ليس منهيها بآتيك ولا قاصر عنك مأمورها ، وليس أن تردها صحاحا بمعروف ولا مستنكر عقرها لم يجز لما قدّمنا ، فحمل البيتين على جواز الجر في الثاني وان كان الآخر أجنبيا من الأول خارج عن هذا ولا يحتاج الى ما تأوله سيبويه من جعل المنهى كالأمور ورد الضمير المضاف اليه المأمور عليه لأن المأمور لا يكون من المنهي بوجه وان كان أمورا وكذلك العقر لا يجوز أن يضاف الى ضمير الرد وان كان الرد ملتبسا بالخيل لانه لا معنى له اذ ليس الرد بالخيل ولا العقر واقعا به في التحصيل فقد بطل مذهب سيبويه وصح التأويل الذي ذكرنا في البيتين مع السماع من العرب ووجوده في القرآن والشعر ، قال الله عزوجل (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) الى قوله (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ) وآيات بالرفع على موضع ان والنصب على المنصوب بها وقد حذف الجار من الخبر كما ترى ولا يلتفت الى ما تأوله النحويون في الآية مما ذكرنا في كتاب النكت عنهم مع الشاهد القاطع وهو قوله عزوجل (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) الى آخر الآية ، ثم قال (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) والتقدير للذين أحسنوا الحسنى وللذين –

٤٤

ومثل ذلك قول النابغة الجعدىّ : [طويل]

(٤٨) فليس بمعروف لنا أن نردّها

صحاحا ولا مستنكر ان تعقّرا

كأنّه قال ليس بمعروف لنا ردّها صحاحا حاولا مستنكر عقرها والعقر ليس للردّ وقد يجوز أن يجرّ ويحمله على الرد ويؤنث لأنه من الخيل كما قال ذو الرمة : [طويل]

(٤٩) مشين كما اهتزّت رماح تسفّهت

أعاليها مرّ الرياح النواسم

كأنه قال تسفّهتها الرياح وكأنه قال ليس بآتيتك منهيّها وليس بمعروفة ردّها حين كان من الخيل والخيل مؤنّثة فأنث ، ومثل هذا قوله عزوجل (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) أجرى الأول على لفظ الواحد والآخر على المعنى فهذا مثله في أنه تكلّم به مذكرا ثم انث كما جمع هيهنا وهو في قوله ليس بآتيتك منهيّها كأنه قال ليس بآتيتك الأمور وفي ليس بمعروفة ردّها كأنه قال ليس بمعروفة خيلنا صحاحا ، وان شئت نصبت فقلت ولا مستنكرا ان تعقّرا ولا قاصرا عنك مأمورها على قولك ليس زيد ذاهبا ولا عمر ومنطلقا أو ولا منطلقا عمرو ، وتقول ما كلّ سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة وان شئت نصبت شحمة وبيضاء

__________________

ـ أسائوا جزاء بالسيئة فحذف من الآخر حرف الجر لذكره في الاول فهكذا قولك لزيد عقل وعمرو أدب تريد ولعمرو أدب ، وكذلك ما حكاه سيبويه رحمه‌الله من قول العرب ما كل سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة أراد ولا كل بيضاء شحمة فحذف كلا من الآخر كما حذف حرف الجر فيما ذكرناه ، وكذلك البيت الذي أنشده لأبي دواد وهو قوله :

أكل امرىء تحسبين امرأ

ونار توقد بالليل نارا

أراد وكل نار فحذف لما جرى من ذكر كل مع تقديمه المجرورين وحصول الرتبة في آخر الكلام واتصال المجرور بحرف العطف لفظا ومعنى ولو كان تأليف البيت أتحسبين امر أكل امرىء ونار توقد بالليل نارا لم يجز حتى تظهر كلا لانك ان أعطيت الكلام حقه من الاستواء لزمك تأخير النار المجرورة بكل المقدرة كما أخرت كلا الاول فكنت تقول أتحسبين امرء كل امرىء وتحسبين نارا نار تريد كل نار وقد تقدم فساد ذلك وكذلك المسائل التي ذكر في آخر الباب قياسها كلها واحد وهي بمنزلة الابيات والابيات لا فرق بينها فتأمل ذلك تجده صحيحا جاريا على أصل مطرد ان شاء الله ومعاني الابيات ظاهرة مستغنية عن التفسير.

٤٥

في موضع جر كأنك لفظت بكل فقلت ولا كلّ بيضاء ، قال أبو دواد : [متقارب]

(٥٠) أكلّ امرىء تحسبين إمرءا

ونار توقّد باللّيل نارا

فاستغنيت عن تثنيته بذكرك إيّاه في أول الكلام ولقلة التباسه على المخاطب وجاز كما جاز في قولك ما مثل عبد الله يقول ذاك ولا أخيه وان شئت قلت ولا مثل أخيه فكما جاز في جمع الخبر كذلك جاز في تفريقه وتفريقه أن تقول ما مثل عبد الله يقول ذاك ولا أخيه يكره ذاك وكذلك ما مثل أخيك ولا أبيك يقولان ذاك.

[باب ما تجريه على الموضع لا على الاسم الذي قبله]

وذلك قولك ليس زيد بجبان ولا بخيلا وما زيد بأخيك ولا صاحبك والوجه فيه الجرّ لانك تريد أن تشرك بين الخبرين وليس ينقض اجراؤه عليه المعنى فأن يكون آخره على أوله أولى ليكون حالهما في الباء سواء كحالهما في غير الباء مع قربه منه وقد حملهم قرب الجوار على أن جرّوا هذا حجر ضب خرب ونحوه فكيف ما يصحّ معناه ومما جاء من الشعر في الاجراء على الموضع قول عقيبة الأسدي : [وافر]

(١) معاوى إننا بشر فأسجح

فلسنا بالجبال ولا الحديدا

أديروها بني حرب عليكم

ولا ترموا بها الغرض البعيدا

لأن الباء دخلت على شيء لو لم تدخل عليه لم يخلّ بالمعنى ولم يحتج اليها ولكان نصبا

__________________

(٥١) استشهد به على جواز حمل المعطوف على موضع الباء وما عملت فيه لان معنى لسنا بالجبال ولسنا الجبال واحد وقد رد سيبويه رواية البيت بالنصب لان البيت من قصيدة مجرورة معروفة وبعده ما يدل على ذلك وهو قوله :

أكلتم أرضنا فجرزتموها

فهل من قائم أو من حصيد

وسيبويه غير متهم رحمه‌الله فيما نقله رواية عن العرب ، ويجوز أن يكون البيت من قصيدة منصوبة غير هذه المعروفة أو يكون الذي أنشده ردّه الى لغته فقبله منه سيبويه منصوبة فيكون الاحتجاج بلغة المنشد لا بقول الشاعر* أراد معاوية بن أبي سفيان شكا اليه جور العمال ومعنى أسجح سهل وارفق وخد أسجح أي طويل سهل وناقة سجح سهلة المر هذا.

٤٦

ألا تراهم يقولون حسبك هذا وبحسبك هذا فلا يتغيّر المعنى وجرى هذا مجراه قبل أن تدخل الباء لأن بحسبك في موضع ابتداء ، ومثل ذلك قول لبيد : [طويل]

(١) فان لم تجد من دون عدنان والدا

ودون معد فلتزعك العواذل

والجرّ الوجه ولو قلت ما زيد على قومنا ولا عندنا كان النصب ليس غير لانه لا يجوز حمله على على ، ألا ترى أنك لو قلت ولا على عندنا لم يكن لأن عندنا لا يستعمل الا ظرفا وانما أردت أن تخبر أنه ليس عندكم ، وقال أخذتنا بالجود وفوقه لانه ليس من كلامهم وبفوقه ، ومثل ـ ودون معد ـ قول الشاعر وهو كعب بن جعيل : [طويل]

(٢) ألا حيّ ندماني عمير بن عامر

اذا ما تلاقينا من اليوم أو غدا

وقال العجّاج : [رجز]

(٣) كشحا طوى من بلد مختارا

من يأسة اليائس أو حذارا

وتقول ما زيد كعمرو ولا شبيها به وما عمرو كخالد ولا مفلحا النصب في هذا جيد لانك انما تريد ما هو مثل فلان ولا مفلحا هذا معنى الكلام ، فان أردت أن تقول ولا بمنزلة من يشبهه جررت نحو قولك ما أنت كزيد ولا شبيه به فانّما أردت ولا كشبيه به ، واذا قلت ما أنت بزيد ولا قريبا منه فانه ليس ههنا معنى بالباء لم يكن قبل

__________________

(٥٢) حمل دون الآخرة على موضع الاولى لان معنى لم تجد من دون عدنان ولم تجد دون عدنان واحد* وصف أن قصارى الانسان الموت فينبغي له أن يكف عن القبيح ويتعظ بالموت فيقول انتسب الى عدنان أو معد فان لم تجد من بينك وبينهما من الآباء باقيا فاعلم أنك ستصير مصيرهم فينبغي لك أن تنزع عما أنت عليه ، ومعنى تزعك تكفك فأراد بالعواذل ما يزعه ويكفه من حوادث الدهر ورواجره فسماها عواذل على السعة والعدل اللوم.

(٥٣) استشهد به على حمل غد على موضع اليوم لان معنى تلاقينا من اليوم وتلاقينا اليوم واحد ، والندمان والنديم في البناء مثل الرحمن والرحيم.

(٥٤) استشهد به على حمل الحذار على موضع اليأسة لأن معناه يأسة اليائس وهو كالذي تقدم* وصف ثورا وحشيا أو حمارا خرج من بلد الى بلد خوفا من صائد أحس به أو يأسا من مرعى كان فيه فيقول طوى كشحه على ما نوى من النقلة مختارا لذلك يأسا منه أو حذارا ، والكشح الجنب ويقال الخصر ، ويقال لكل من أضمر شيئا ونواه طوى عليه كشحا.

٤٧

أن تجىء بها وأنت اذا ذكرت الكاف تمثّل ويكون قريبا هيهنا ان شئت ظرفا وان لم تجعل قريبا ظرفا جاز فيه الجرّ على الباء والنصب على الموضع.

[باب الاضمار في ليس وكان كالاضمار في إنّ]

اذا قلت إنّه من يأتنا نأته وإنّه أمة الله ذاهبة ، فمن ذلك قول بعض العرب ليس خلق الله مثله فلولا أن فيه إضمارا لم يجز أن تذكر الفعل ولم تعمله في اسم ولكن فيه من الاضمار مثل ما في إنّه ، وسوف نبين حال هذا الاضمار كيف هو ان شاء الله ، قال حميد الارقط : [بسيط]

(١) فأصبحوا والنّوى عالي معرّسهم

وليس كلّ النّوى تلقى المساكين

فلو كان كلّ على ليس ولا إضمار فيه لم يكن الا الرفع في كلّ ولكنّه انتصب على تلقى ، ولا يجوز أن تحمل المساكين على ليس وقد تقدّمت فجعلت الذي يعمل فيه الفعل الآخر يلي الأوّل وهذا لا يحسن. لو قلت كانت زيدا الحمّى تأخذ أو تأخذ الحمّى لم يجز وكان قبيحا ، ومثل ذلك في الاضمار قول العجير «سمعناه ممّن يوثّق بعربيته» : [طويل]

(٢) إذا متّ كان الناس صنفان شامت

وآخر مثن بالذى كنت أصنع

أضمر فيها ، وقال بعضهم كان أنت خير منه كأنّه قال إنه أنت خير منه ومثله (كاد

__________________

(٥٥) استشهد به على الاضمار في ليس لأنها فعل وجعل الدليل على ذلك إيلاءها المنصوب بغيرها وشرط العامل أن لا يفصل بينه وبين معموله بما لم يعمل فيه لأن ما عمل فيه من سببه فلا يفصل بينه وبينه بأجنبي ليس منه* وصف بالبيت أضيافا نزلوا به ، وقبل البيت

باتوا وجلتنا الصهباء بينهم

كأن أظفارهم فيها السكاكين

والجلة قفة التمر تتخذ من سعف النخل وليفه فلذلك وصفها بالصهبة فيقول لما أصبحوا ظهر على معرسهم وهو موضع نزولهم نوى التمر وعلاه لكثرته على انهم لحاجتهم لم يلقوا الا بعضه ، وذا اشارة الى كثرة ما قدم لهم منه وكثرة أكلهم له ونصب كل بيلقى والجملة تفسير للمضمر في ليس وخبر عنه.

(٥٦) استشهد به على الاضمار في كان كما تقدم في ليس ولو لم يضمر لنصب الخبر فقال صنفين ومعنى البيت ظاهر من لفظه.

٤٨

تزيغ قلوب فريق منهم) وجاز هذا التفسير لأن معناه كادت قلوب فريق منهم تزيغ كما قلت ما كان الطيب الا المسك على إعمال ما كان الأمر الطيب الا المسك فجاز هذا اذ كان معناه ما الطيب الا المسك ، وقال هشام أخوذي الرّمّة : [بسيط]

(١) هي الشفاء لدائي لو ظفرت بها

وليس منها شفاء الداء مبذول

ولا يجوز هذا في ما في لغة أهل الحجاز لأنه لا يكون فيه اضمار ولا يجوز أن تقول ما زيدا عبد الله ضاربا وما زيدا أنا قاتلا لانه لا يستقيم كما لم يستقم أن تقدّم في كان وليس ما يعمل فيه الآخر فان رفعت الخبر حسن حمله على اللغة التّميمية كانك قلت أما زيدا فأنا ضارب كانك لم تذكر أمّا وكأنك لم تذكر ما وكأنك قلت زيدا انا ضارب ، وقال مزاحم العقيلي : [طويل]

(٢) وقالوا تعرفها المنازل من مني

وما كلّ من وافى منى انا عارف

وقال بعضهم* وما كلّ من وافى منى أنا عارف* لزم اللغة الحجازية فرفع كأنه قال ليس عبد الله أنا عارف فأضمر الهاء في عارف وكان الوجه عارفه حيث لم يعمل عارف في كل وكان هذا أحسن من التقديم والتأخير لأنهم قد يدعون هذه الهاء في كلامهم وفي الشعر كثيرا وذلك ليس في شيء من كلامهم ، ولا يكاد يكون في شعر ، وسترى ذلك ان شاء الله.

__________________

(٥٧) القول فيه كالبيتين قبله لأنه أضمر في ليس وجعل الجملة تفسيرا للمضمر في موضع الخبر* وصف إمرأة يحبها وهي تهجره فيقول وصالها شفاء لما أجده من داء حبها فلو بذلته لشفتني ، وتقدير الاسم المضمر في ليس وليس الأمر الذي هو شفاء دائي مبذولا منها واعرابه كما تقدم.

(٥٨) استشهد به على رفع كل بما اذ لم يمكنه الاضمار فيها لأنها حرف ولو أمكنه الاضمار في ما كما يمكن في ليس لنصب كلا بعارف كما نصب كل النوى بيلقى وحذف الهاء من قوله أنا عارفه وهو ينويها فالتزم رفع كل بما على لغة أهل الحجاز وجعل الجملة بعدها خبرا عنها مع حذف الهاء ضرورة ، ولو جعل ما تميمية لنصب كلا بعارف ولم تكن فيه ضرورة لأن ما في لغتهم غير عاملة فلا يقبح أن يليها ما عمل فيه غيرها* وصف أنه اجتمع بمحبوبته في الحج فجعل يتفقدها فقيل له تعرفها بالمنازل من منى وهي حيث ينزلون أيام رمى الجمار فزعم أنه لا يعرف كل من وافى منى يسأله عنها لانه لا يسأل عنها الا من يعرفه ويعرفها.

٤٩

[باب ما يعمل عمل الفعل ولم يجر مجرى الفعل ولم يتمكّن تمكّنه]

وذلك قولك ما أحسن عبد الله زعم الخليل أنه بمنزلة قولك شىء أحسن عبد الله ودخله معنى التعجّب وهذا تمثيل ولم يتكلّم به ، ولا يجوز أن تقدّم عبد الله وتؤخّر ما ولا تزيل شيئا عن موضعه ولا تقول فيه ما يحسن ولا شيئا مما يكون في الأفعال سوى هذا ، وبناؤه أبدا من فعل وفعل وفعل وأفعل ، هذا لأنهم لم يريدوا ان يتصرّف فجعلوا له مثالا واحدا يجري عليه فشبّه هذا بما ليس من الفعل نحو لات وما وإن كان من حسن وكرم وأعطى كما قالوا أجدل فجعلوه اسما وان كان من الجدل وأجرى مجرى أفكل ، ونظير جعلهم ما وحدها اسما قول العرب إني ممّا أن أصنع أي من الأمر أن أصنع ، فجعل ما وحدها أسما ومثل ذلك غسلته غسلا نعمّا أي نعم الغسل ، وتقول ما كان أحسن زيدا فتذكر كان لتدلّ أنه فيما مضى.

[باب الفاعلين والمفعولين اللذين كلّ واحد منهما يفعل بفاعله مثل الذى يفعل به وما كان نحو ذلك]

وهو قولك ضربت وضربني زيد ، وضربني وضربت زيدا تحمل الاسم على الفعل الذي يليه فالعامل في اللفظ أحد الفعلين وأما في المعنى فقد يعلم أن الاول قد وقع الا انه لا يعمل في اسم واحد رفع ونصب ، وانما كان الذي يليه أولى لقرب جواره وأنه لا ينقض معنى وان المخاطب قد عرف أن الاول قد وقع بزيد كما كان خشّنت بصدره وصدر زيد وجه الكلام حيث كان الجرّ في الأول وكانت الباء أقرب الى الاسم من الفعل ولا ينقض معنى سوّوا بينهما في الجر كما يستويان في النصب ، ومما يقوّي ترك نحو هذا لعلم المخاطب قوله عزوجل (وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ) فلم يعمل الآخر فيما أعمل فيه الأوّل استغناء عنه ، ومثل ذلك ونخلع ونترك من يفجرك ، وجاء في الشعر من الاستغناء أشدّ من هذا وذلك قول قيس بن الخطيم : [منسرح]

(١) نحن بما عندنا وأنت بما

عندك راض والرّأي مختلف

وقال ضابيء البرجميّ : [طويل]

__________________

(٥٩) استشهد به مقويا لما جاز من حذف المفعول الذي هو فضلة مستغنى عنها في قولهم ضربت وضربني زيد لانه حذف في البيت خبر المبتدأ الأول الذي هو محتاج اليه ولايتم الكلام ـ

٥٠

(١) فمن يك أمسى بالمدينة رحله

فاني وقيّارا بها لغريب

وقال ابن أحمر [واسمه عمرو بن العمرّد الباهلي] : [طويل]

(٢) رماني بأمر كنت منه ووالدي

بريئا ومن أجل الطّويّ رماني

فوضع في موضع الخبر لفظ الواحد لأنه قد علم أنّ المخاطب سيستدلّ به على أن الآخرين في هذه الصفة ، والأول أجود لأنه لم يضع موضع جمع ولا جمعا في موضع واحد ، ومثله قول الفرزدق : [كامل]

(٣) إني ضمنت لمن أتاني ما جنى

وأبى فكان وكنت غير غدور

ترك أن يكون للأول خبر استغناء بالآخر ولعلم المخاطب أن الأوّل قد دخل في

__________________

ـ الا به ، وجاز هذا الحذف لأن خبر المبتدأ الثاني دال عليه اذ كان معناه كمعناه والتقدير نحن راضون وأنت راض وهذا يقوى مذهب سيبويه في تقدير الحذف من الأول في قوله عزوجل (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) لأن قوله راض لا يكون خبرا البتة لنحن ولا بد من تقدير حذف خبره ضرورة.

(٦٠) أراد فاني بها لغريب وان قيارا بها لغريب على مذهب سيبويه فحذف من الأول اجتزاء بالآخر لأن الخبر عنهما واحد فهو بمنزلة اني وقيارا بها لغريبان وقيارا اسم فرسه* وصف في البيت جيش عثمان رضي‌الله‌عنه بالمدينة حين استعدى عليه والرحل هنا المنزل.

(٦١) أراد كنت منه بريئا ووالدي منه بريئا كما تقدم وهذا كله تقوية لحذف المفعول في هذا البيت* وصف في البيت رجلا كانت بينه وبينه مشاجرة في بئر وهو الطوى فذكر أنه رماه بأمر يكرهه ورمى أباه بمثله على براءتهما منه من أجل المشاجرة التي كانت بينهما ، ويروى ومن جول الطوى رماني والجال والجول جدار البئر من أسفلها الى اعلاها في جميع جوانبها والمعني ان الذي رماني به رجع عليه وكان أحق به فكان كمن رمى في قعر بئر فرجعت رميته عليه ، وهذا البيت على هذه الرواية من أحكم أبيات العرب.

(٦٢) هذه الأبيات المتقدمة في حذف خبر الأول لدلالة خبر الثاني عليه وتقدير جميع الأبيات عند غير سيبويه الا البيت الأول منها وهو قوله «نحن بما عندنا» على التقديم والتأخير فتقدير هذا البيت عند غيره فكان غير غدور وكنت على ان المعنى وكنت كذلك أي وكنت غير غدور فاذا كان حمله على التقديم والتأخير لا يخرجه عن الحذف فقول سيبويه اولى مع اجماعهم في البيت الأول المتقدم الذكر على حذف خبر الأول ضرورة.

٥١

ذلك ولو لم تحمل الكلام على الآخر لقلت ضربت وضربوني قومك ، وانما كلامهم ضربت وضربني قومك فاذا قلت ضربني لم يكن سبيل للاوّل لانك لا تقول ضربني وأنت تجعل المضمر جميعا ، ولو أعملت الاوّل لقلت مررت ومربي بزيد ، وانما قبح هذا أنّهم قد جعلوا الاقرب أولى اذ لم ينقض معنى ، قال الفرزدق : [طويل]

(١) ولكنّ نصفا لو سببت وسبّنى

بنو عبد شمس من مناف وهاشم

وقال طفيل الغنوى : [طويل]

(٢) وكمتا مدمّاة كأنّ متونها

جرى فوقها واستشعرت لون مذهب

وقال رجل من باهلة : [طويل]

__________________

(٦٣) استشهد به على اعمال الفعل الثاني وهو سبني لقربه من الاسم ، وحذف المفعول من الفعل الاول للاستغناء عنه لدلالة ما بعده عليه* وصف في البيت شرفه وأنه لا كفء له يقاومه في مسابة ومفاخرة الا من قريش ، وقبل هذا البيت :

وان حراما أن أسب مقاعسا

بآبائي الشم الكرام الخضارم

ومقاعس حى من تميم فيقول قد حرمت على نفسي مسابتهم بآبائي لضعتهم وشرفي ولا أرى انتصافا لعرضي بذم أعراضهم ولكن انتصافي في المسابة والمهاجاة أن أسب أشراف قريش وتسبني وبنو عبد شمس من أشراف قريش وهم بنو عبد مناف بن قصي فقال من مناف وهو يريد من عبد مناف على حسب النسب اليه اذ قالوا منافي لانه لا يشكل وعطف هاشما على عبد شمس لانهما أخوان وهما ابنا عبد مناف ولم يعطفه على مناف لفساد المعنى والنصف بمعنى الانتصاف.

(٦٤) استشهد به سيبويه على اعمال الفعل الثاني وهو استشعرت ولو أعمل الاول وهو جرى لرفع اللون وأضمر في استشعرت فقال واستشعرته لون مذهب* وصف خيلا كمتا مشربة حمرة وهي المدماة وشبه ما أشربت كمتتها من الحمرة بالذهب وجعلها كانها قد لبست منه شعارا وهو ما ولى الجلد من اللباس ، والدثار ما لبس ، فوقه والكمت جمع كميت على حد مكبره لو تكلم به وهو أكمت وانما ألزم الكميت التصغير لانه لون بين الحمرة والسواد ولم يخلص لاحدهما فصغر لنقصانه عن كل واحد منهما والمذهب هنا اسم للذهب.

٥٢

(١) ولقد أرى تغنى به سيفانة

تصبى الحليم ومثلها أصباه

فالفعل الاول في كل هذا معمل في المعنى غير معمل في اللفظ والآخر معمل في اللفظ والمعني ، فان قلت ضربت وضربوني قومك نصبت إلا في قول من قال «أكلوني البراغيث» أو تحمله على البدل فتجعله بدلا من المضمر كأنك قلت : ضربت وضربني ناس بنو فلان ، وعلى هذا الحد تقول : ضربت وضربني عبد الله تضمر في ضربني كما أضمرت في ضربوني ، وان قلت ضربني وضربتهم قومك رفعت لانك شغلت الآخر فأضمرت فيه كأنك قلت ضربني قومك وضربتهم على التقديم والتأخير إلا أن تجعل هيهنا البدل كما جعلته في الرفع فان فعلت ذلك لم يكن بدّ من ضربوني لانك تضمر فيه الجمع ، قال عمر بن أبي ربيعة : [طويل]

(٢) اذا هي لم تستك بعود أراكة

تنخّل فاستاكت به عود إسحل

لأنه أضمر في آخر الكلام ، وقال المرّار الاسدىّ : [وافر]

(٣) فردّ على الفؤاد هوى عميدا

وسوئل لو يبين لنا السّؤالا

وقد نغنى بها ونرى عصورا

بها يقتدننا الخرد الخدالا

__________________

(٦٥) أراد ولقد أرى سيفانة تغني به سيفانة فحذف المفعول وجعل الفعل لها على ما تقدم* وصف منزلا خاليا فيقول قد كنت أرى قبل اليوم امرأة سيفانة تغني به أي تقيم ومنه قيل للمرأة غانية وللمنزل مغني والسيفانة الممشوقة اللحم المهفهفة شبهت بالسيف في ارهافه ولطافته ، ومعني تصبي الحليم أي تدعوه الى الصبا بحسنها وجمالها ثم أكد حسنها فقال ومثلها من أهل الحسن أصبي الحليم.

(٦٦) أراد تنخل عود إسحل فاستاكت به ولو أعمل الآخر لقال فاستاكت بعود إسحل* وصف امرأة تستعمل سواك الاراك والاسحل على حسب انتقالها في المواضع التي تنبتهما ، والاراك من أفضل شجر السواك واحدتها أراكة ، والاسحل مثله واحدته إسحلة ومعنى تنخل اختير.

(٦٧) الشاهد في البيت الاخير ، وأنشد الاول ليرى ان القوافي منصوبة فلذلك اضطر الى اعمال الفعل الاول وهو نرى فنصب به الخرد الخدل* وصف منزلا يقول لما ألممت به ذكرت من كنت عهدته فيه فرد على من الهوى ما قد سلوت عنه والعميد الشديد البالغ وأصله ـ

٥٣

حدّثنا به أبو الخطّاب عن شاعره ، واذا قلت ضربوني وضربتهم قومك جعلت قومك بدلا من هم لان الفعل لا بدّ له من فاعل والفاعل هيهنا جماعة وضمير الجماعة الواو ، وكذلك تقول ضربوني وضربت قومك اذا أعملت الآخر فلا بدّ في الاوّل من ضمير الفاعل لانّ الفعل لا يخلو من فاعل ، وانما قلت ضربت وضربني قومك فلم تجعل في الاول الهاء والميم لانّ الفعل قد يكون بغير مفعول ولا يكون الفعل بغير فاعل.

وأما قول امرىء القيس : [طويل]

(١) فلو أن أسعى لأدنى معيشة

كفاني ولم أطلب قليل من المال

فانما رفع لأنه لم يجعل القليل مطلوبا وانما كان المطلوب عنده الملك وجعل القليل كافيا ولو لم يرد ذلك ونصب فسد المعنى ، وقد يجوز ضربت وضربني زيدا ، لان بعضهم قد يقول متى رأيت أو قلت زيدا منطلقا ، والوجه متى رأيت أو قلت زيد منطلق ، ومثل ذلك في الجواز ضربني وضربت قومك ، والوجه أن تقول ضربوني وضربت قومك فتحمله على الآخر ، فان قلت ضربني وضربت قومك فجائز وهو قبيح أن تجعل اللفظ كالواحد كما تقول هو أحسن الفتيان وأجمله ، وأكرم بنيه وأنبله ، ولا بدّ من هذا لأنه لا يخلو الفعل من مضمر أو مظهر مرفوع من الاسماء كأنك قلت اذا مثلته ضربني من ثمّ وضربت قومك ، وترك ذلك أجود وأحسن للتبيان الذي يجيء بعده فأضمر من لذلك وهذا رديء في القياس يدخل عليه أن تقول أصحابك جلس فتضمر شيئا يكون في اللفظ واحدا فقولهم هو أظرف الفتيان وأجمله لا يقاس عليه ، ألا ترى أنك لو قلت وأنت تريد الجماعة هذا غلام القوم وصاحبه لم يحسن.

__________________

ـ من عمد البعير اذا تشدخ سنامه من داخله وأنث ضمير المنزل في قوله نغني بها لانه في معنى الدار والمنزلة والعصور الدهور ونصبها على الظرف ، ومعنى يقتدننا يملن بنا الى الصبا ويقدننا نحوه وواحدة الخرد خريدة وهي الخفرة الحيية والخدال جمع خدلة ، وهي الغليظة الساق الناعمة ومعنى نغنى نقم وقد تقدم تفسيره.

(٦٨) أراد كفاني قليل من المال ولم أطلب الملك وعليه معنى الشعر ولو أعمل الثاني ونصب به القليل فسد المعنى* وصف بعد همته فيقول لو كان سعيي في الدنيا لأدنى حظ منها كفتني البلغة من العيش ولم أتجشم ما أتجشم.

٥٤

[باب ما يكون فيه الاسم مبنيّا على الفعل قدّم أو أخّر وما يكون]

«فيه الفعل مبنيا على الاسم»

فاذا بنيت الاسم عليه قلت ضربت زيدا وهو الحدّ لانك تريد أن تعمله وتحمل عليه الاسم كما كان الحدّ ضرب زيد عمرا حيث كان زيد أول ما تشغل به الفعل فكذلك هذا اذا كان يعمل فيه ، وان قدمت الاسم فهو عربي جيد كما كان ذلك عربيا جيدا ، وذلك قولك زيدا ضربت والاهتمام والعناية هاهنا في التقديم والتأخير سواء مثله في ضرب زيد عمرا وضرب عمرا زيد ، واذا بنيت الفعل على الاسم قلت زيد ضربته ، فلزمته الهاء وانما تريد بقولك مبنى عليه الفعل أنه في موضع منطلق اذا قلت عبد الله منطلق فهو في موضع هذا الذي بني على الاول وارتفع به فانما قلت عبد الله فنبهته ثم بنيت عليه الفعل ورفعته بالابتداء ومثل ذلك قوله عزوجل (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) وانما حسن أن يبنى الفعل على الاسم حيث كان معملا في المضمر وشغلته به ولو لا ذلك لم يحسن لأنك لم تشغله بشيء ، وان شئت قلت زيدا ضربته وانما نصبه على إضمار فعل هذا تفسيره كأنك قلت ضربت زيدا ضربته إلا أنهم لا يظهرون هذا الفعل استغناء بتفسيره والاسم هاهنا مبنيّ على هذا المضمر ومثل ترك إظهار الفعل هاهنا ترك الاظهار في الموضع الذي يقدّم فيه الاضمار وستراه ان شاء الله وقد قرأ بعضهم (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) وأنشدوا هذا البيت على وجهين على النصب والرفع ، قال بشر بن أبي جازم :

(١) فأما تميم بن مرّ

فألفاهم القوم روبى نياما

ومثله قول ذي الرمة :

(٢) اذا ابن أبي موسى بلال بلغته

فقام بفأس بين وصليك جازر

والنصب عربيّ كثير والرفع أجود لأنه اذا أراد الإعمال فاقرب الى ذلك أن يقول ضربت

__________________

(٦٩) استشهد به على أن حكم الاسم بعد أما حكمه في الابتداء ولانها لا تعمل شيئا فكأنها لم تذكر قبله ، والروبى الحثراء الانفس المستثقلون نوما ، ويقال هم الذين شربوا الرائب فسكروا وواحد الروبى رائب ، وهو غريب ونظيره هالك وهلكى.

(٧٠) استشهد في البيت وهو مشتمل على ما يبنى على الفعل مرة ويبنى عليه الفعل مرة واذا مما يكون الاسم فيه مبنيا على الفعل خاصة في مثل البيت لما فيها من معنى الشرط فاما ـ

٥٥

زيدا وزيدا ضربت ولا يعمل الفعل في مضمر ولا يتناول به هذا المتناول البعيد وكلّ هذا من كلامهم ومثل ذلك زيدا أعطيت وأعطيت زيدا وزيد اعطيته لان اعطيت بمنزلة ضربت وقد بين المفعول الذي هو بمنزلة الفاعل في أول الكتاب ، فان قلت زيد مررت به فهو من النصب أبعد من ذلك لأن المضمر قد خرج من الفعل واضيف الفعل اليه بالباء ولم يوصل اليه الفعل في اللفظ فصار كقولك زيد لقيت أخاه وان شئت قلت زيدا مررت به تريد أن تفسّر له مضمرا كأنك قلت اذا مثلت ذلك جعلت زيدا على طريقي مررت به ولكنه لا يظهر هذا الأول لما ذكرت لك ، واذا قلت زيد لقيت أخاه فهو كذلك ، وان شئت نصبت لأنه اذا وقع على شيء من سببه فكأنه قد وقع به والدليل على ذلك ان الرجل يقول أهنت زيدا باهانتك أخاه وأكرمته باكرامك أخاه ، وهذا النحو في كلامهم كثير يقول الرجل انما أعطيت زيدا وانما يريد لمكان زيد أعطيت فلانا واذا نصبت زيدا لقيت أخاه فكأنه قال لا بست زيدا لقيت أخاه ، وهذا تمثيل ولا يتكلم به فجرى هذا على ما جرى عليه قولك أكرمت زيدا ، وانما وصلت الاثرة الى غيره والرفع في هذا أحسن واجود لأن أقرب الى ذلك أن تقول مررت بزيد ولقيت أخا عمرو ، ومثل هذا في البناء على الفعل وبناء الفعل عليه أيّهم وذلك قولهم «أيّهم تر يأتك وأيّهم تره يأتك» والنصب على ما ذكرت لك لانه كأنه قال أيّهم تر تره يأتك ، فهو مثل زيد في هذا الباب وقد يفارقه في أشياء كثيرة ستبيّن ان شاء الله.

__________________

ـ ان يكون سيبويه رحمه‌الله يعتقد فيها هذا ويذكر النصب هنا بعدها ، وان كان الباب مما يجوز فيه الرفع والنصب ليرى ضربا من تمثيل نصب الاسم باضمار فعل في غير اذا من مسائل الباب واما ان يكون مذهبه جواز الرفع والنصب بعد اذا وان كان فيها معنى الشرط لأنها غير عاملة ولان تقديم الاسم فيها على الفعل حسن ويكتفي بما في جملة الابتداء من ذكر الفعل فيستغنى بذلك عن ان يليها الفعل وكلا المذهبين حسن صحيح ان شاء الله* يخاطب ناقته فيقول اذا بلغتني هذا الممدوح وهو بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الاشعري فقد استغنيت عن استعمالك لاني قد حللت عنده في سعة وخصب فلا احتاج الى الرحيل ، وقوله فقام بفاس دعاء منه عليها وقد عيب عليه لانه كان ينبغي له أن ينظر لها مع استغنائه عنها وأدخل الفاء على الفعل الماضى لانه دعاء كما تقول ان أعطيتني فجزاك الله خيرا ولو كان خبرا لم تدخل عليه الفاء ، والوصل بالكسر واحد الاوصال.

٥٦

[باب ما يجري مما يكون ظرفا هذا المجرى]

وذلك قولك يوم الجمعة ألقاك فيه وأقلّ يوم لا ألقاك فيه وأقلّ يوم لا أصوم فيه وخطيئة يوم لا أصيد فيه ومكانكم قمت فيه فصارت هذه الأحرف ترتفع بالابتداء كارتفاع عبد الله وصار ما بعدها مبنيّا عليها كبناء الفعل على الاسم الأول فكأنك قلت يوم الجمعة مبارك فاذا قلت يوم الجمعة صمته فصمته في موضع مبارك حيث كان المضمر هو الأول ويدخل النصب فيه كما دخل في الاسم الأول ويجوز في ذلك يوم الجمعة آتيك فيه وأصوم فيه ، كما جاز في قولك عبد الله مررت به كأنه قال ألقاك يوم الجمعة فنصبه لأنه ظرف ثم فسّر فقال ألقاك فيه وان شاء نصبه على الفعل نفسه كما أعمل فيه الفعل الذي لا يتعدّى الى مفعول ، كلّ ذلك عربيّ جيد ونصبه لأنه ظرف لفعل أضمره وكأنه قال يوم الجمعة ألقاك والنصب في يوم الجمعة صمته ويوم الجمعة سرته مثله في قولك عبد الله ضربته إلا أنه ان شاء نصبه بأن ظرف. وان شاء أعمل فيه الفعل كما أعمله في عبد الله لأنه يكون ظرفا وغير ظرف ولا يحسن في الكلام ان تجعل الفعل مبنيا على الاسم ولا تذكر علامة إضمار الأول حتى تخرج من لفظ الإعمال في الأول ومن حال بناء الاسم عليه وتشغله بغير الأول حتى يمتنع من أن يكون يعمل فيه ولكنه قد يجوز في الشعر وهو ضعيف في الكلام ، قال ابو النجم العجلي : [رجز]

(١) قد أصبحت أمّ الخيار تدّعى

علىّ ذنبا كلّه لم أصنع

__________________

(٧١) استشهد به على رفع كل مع حذف الضمير من الفعل وجعله في الجواب مثل زيد ضربت ، وقال هو بمنزلته في غير الشعر لان النصب لا يكسر الشعر يريد انه لو قال كله لم أصنع لاجراه على ما ينبغي ولم يحتج الى الرفع من حذف الضمير ، والقول عندي ان الرفع هنا أقوى منه في قولك زيد ضربت وألزم ولان كلا لا يحسن حملها على الفعل لأن أصلها أن تأتي تابعة للاسم مؤكدة كقولك ضربت القوم كلهم أو مبتدأة بعد كلام كقولك ان القوم كلهم ذاهب فان قلت ضربت كلا القوم وبنيتها على الفعل قبحت لخروجها عن الاصل فاذا كان الأمر كذلك فينبغي أن يكون قوله كله لم أصنع ، وان كان قد حذف الهاء أقوى من قوله كله بالنصب وتكون الضرورة فيه حذف الهاء لا رفع كل وكذلك ما يجري مجراه.

٥٧

فهذا ضعيف وهو بمنزلته في غير الشعر لأن النصب لا يكسر البيت ولا يخلّ به ترك إظهار الهاء وكأنه قال كلّه غير مصنوع ، وقال امرؤ القيس : [متقارب]

(١) فأقبلت زحفا على الرّكبتين

فثوب علىّ وثوب أجر

وقال النّمر بن تولب وسمعناه من العرب ينشدونه : [متقارب]

(٢) فيوم علينا ويوم لنا

ويوم نساء ويوم نسر

يريدون نساء فيه ونسرّ فيه وزعموا أن بعض العرب يقول شهر ثرى ، وشهر ترى وشهر مرعى يريد ترى فيه ، وقال : [وافر]

(٣) ثلاث كلّهن قتلت عمدا

فأخزى الله رابعة تعود

فهذا ضعيف والوجه الاكثر الاعرف النصب وانما شبهوه بقولهم الذي رأيت فلان حين لم يذكروا الهاء وهو في هذا أحسن لان رأيت تمام الاسم وبه يتمّ وليس بخبر ولا صفة فكرهوا طوله حيث كان بمنزلة اسم واحد كما كرهوا طول اشهيباب فقالوا اشهباب وهو في الوصف أمثل منه في الخبر وهو على ذلك ضعيف ليس كحسنه بالهاء لأنّه في موضع ما هو من الاسم وما يجري عليه وليس بمنقطع منه خبرا مبنيّا عليه ولا مبتدءا فضارع ما يكون من تمام الاسم وان لم يكن تماما له ولا منه في البناء ، وذلك قولك هذا رجل ضربته والناس رجلان رجل أكرمته ورجل أهنته كأنّه قال هذا رجل مضروب ، وهذا

__________________

(٧٢) هذا كالذي قبله عند سيبويه في ابتداء الاسم مع حذف الضمير من الخبر ويجوز عندي ان يكون نسيت وأجر من نعت الثوبين فيمتنع ان يعمل فيه لان النعت لا يعمل في المنعوت فيكون التقدير فثوبان ثوب منسى وثوب مجرور* وصف انه طرق محبوبته على خوف من الرقباء فجعل يزحف اليها اي يمشي رويدا لئلا يحس به فتذهله تلك الحال حتى ينسى أحد ثوبيه ويجر الآخر ولم يرد ثوبين خاصة وانما أراد الجنس مقسما على حالتين.

(٧٣) هذا كالذي قبله عند سيبويه ويجوز عندي فيه وجه آخر وهو ما جاز في البيت المتقدم من جعل الفعل نعتا للاسم.

(٧٤) كان الوجه عند سيبويه أن يكون كلهن حملا علي الفعل وقد ثبت ان الاختيار عندي الرفع على ما يوجبه القياس لما ذكرت من العلة.

٥٨

رجل مكرم ، ورجل مهان فان حذفت الهاء جاز وكان أقوى ممّا يكون خبرا ، وممّا جاء من الشعر في ذلك قول جرير : [وافر]

(١) أبحت حمى تهامة بعد نجد

وما شيء حميت بمستباح

يريد الهاء ، وقال الحرث بن كلدة : [وافر]

(٢) فما أدرى أغيّرهم تناء

وطول العهد أم مال أصابوا

يريد أصابوه ولا سبيل الى النصب وان تركت الهاء لأنه وصف كما لم يكن النصب فيما أتممت به الاسم يعنى الصلة فمن ثمّ كان أقوى مما يكون في موضع المبنىّ على المبتدإ لانه لا ينصب به وانّما منعهم أن ينصبوا بالفعل الاسم اذا كان صفة له أن الصفة تمام الاسم الا ترى أنّ قولك مررت بزيد الأحمر كقولك مررت بزيد وذلك أنّك لو احتجت الى أن تنعت فقلت مررت بزيد وأنت تريد الأحمر وهو لا يعرف حتّى تقول الأحمر لم يكن تمّ الاسم فهو يجرى منعوتا مجرى مررت بزيد اذا كان يعرف وحده فصار الأحمر كأنّه من صلته.

__________________

(٧٥) استشهد به لجواز حذف الهاء من الفعل اذا كان في موضع النعت لانه مع المنعوت كالصلة مع الموصول والحذف في الصلة حسن بالغ فضارعها النعت فحسن الحذف فيه* يخاطب عبد الملك بن مروان فيقول ملكت العرب وابحت حماها بعد مخالفتها لك ، وما حميت لا يصل اليه من خالفك لقوة سلطانك ، وتهامة ما تسفل من بلاد العرب ، ونجد ما ارتفع وكنى بهما عن جميع بلاد العرب.

(٧٦) استشهد به لحذف الهاء من الفعل اذا نعت به الاسم على ما تقدم ، ولو نصب هنا الاسم على أن يجعل الفعل خبرا لا وصفا لجاز ، وكان يكون التقدير وما ادرى أغيرهم تناء أم أصابوا مالا فغيرهم الا ان حمله على الوصف أحسن ليكون الاسم بغد أم محمولا على الاسم المتصل بغيرهم لانه شك بين تغيير التنائي لهم أو المال الذي أصابوه وقوله تناء سنون لا يجوز حذف التنوين منه لانه لم يضفه الى ضميره ، ولو أضافه لشدد الياء فانكسر الشعر ، ومعنى البيت ظاهر من لفظه.

٥٩

[باب ما يختار فيه إعمال الفعل مما يكون في المبتدإ مبنيّا عليه الفعل]

وذلك قولك رأيت زيدا وعمرا كلمّته ، ورأيت عمرا وعبد الله مررت به ، ولقيت قيسا وبكرا أخذت أباه ، ولقيت خالدا وزيدا اشتريت له ثوبا ، وانّما اختير النصب هيهنا لانّ الاسم الاوّل مبنىّ على الفعل فكان بناء الآخر على الفعل أحسن عندهم اذ كان يبنى على الفعل وليس قبله اسم مبنىّ على الفعل ليجرى الآخر على ما جرى عليه الذي يليه قبله اذ كان لا ينقض المعنى لو بنيته على الفعل وهذا أولى أن يحمل عليه ما قرب جواره منه اذ كانوا يقولون ضربوني وضربت قومك لانه يليه فكان أن يكون الكلام على وجه واحد اذا كان لا يمتنع الآخر من ان يكون مبنيّا على ما بنى عليه الاول أقرب في المآخذ ، ومثل ذلك قوله عزوجل (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) وقوله عزوجل (وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ) ومثله (فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) وهذا في القرآن كثير ومثل ذلك كنت أخاك وزيدا كنت أخاله لان كنت أخاك بمنزلة ضربت أخاك وتقول لست أخاك وزيدا أعنتك عليه لانها فعل وتصرّف في معناها تصرّف كان ، وقال الربيع بن ضبع الفزارىّ :

(١) أصبحت لا أحمل السّلاح ولا

أردّ رأس البعير إن نفرا

والذّئب أخشاه إن مررت به

وحدى وأخشى الرّياح والمطرا

__________________

(٧٧) استشهد في البيتين لاختيار النصب في الاسم اذا كان قبله اسم بني على الفعل وعمل فيه طلبا للاعتدال وتقدير البيت أصبحت لا أحمل السلاح وأخشى الذئب أخشاه فحذف الفعل الناصب للذئب لدلالة الفعل الثاني عليه* وصف في البيتين انتهاء شبيبته وذهاب قوته فلا يطيق حمل السلاح لحرب ولا يملك رأس البعير ان نفر من شىء واذا خلا بالذئب خشيه على نفسه وانه لا يحتمل برد الرياح وأذى المطر لهرمه وضعفه ، والربيع هذا أحد المعمرين ويقال إنه نيف على مائتي عام ويروى ولا أملك رأس البعير أن يقرا من الوقار أى لضعفه لا يملك تسكين بعيره وتوقيره عند النفار ، ونسب الوقار الى الرأس لانه الموضع الذي يملك منه ويحاول تسكينه.

٦٠