كتاب سيبويه - ج ١

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]

كتاب سيبويه - ج ١

المؤلف:

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٨٢

ترى انك تقول رايت زيدا هو خيرا منك ، وقال الله عزوجل (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ) وإنما يكون الفصل في الأفعال التي الأسماء بعدها بمنزلتها في الابتداء ، فأما ضربت وقتلت ونحوهما فانّ الاسماء بعدها بمنزلة المبني على المبتدإ وإنما تذكر قائما بعد ما يستغني الكلام ويكتفى ، وينتصب على انه حال فصار هذا كقولك رايته إياه يوم الجمعة ، فأما نفسه حين قلت رايته إيّاه نفسه فوصف بمنزلة هو وايّاه بدل وانما ذكرتهما توكيدا كقوله عزوجل (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) إلّا أنّ ايّاه بدل والنفس وصف كأنك قلت رايت الرجل زيدا نفسه وزيد بدل ونفسه على الاسم وانما ذكرت هذا للتمثيل ، وانما كان البدل بعيدا في أظنّ ونحوها لأنه موضع يلزم فيه الخبر وهو الزم له من التوكيد لأنه لا يجد منه بدّا ، وانما فصل لأنك اذا قلت كان زيد الظريف فقد يجوز ان تريد بالظريف نعتا لزيد فاذا جئت بهو أعلمت انها متضمّنة للخبر ، وانما فصل لما لا بدّ له منه ، ونفسه يجزىء من إيّاكما تجزىء منه الصفة لأنك جئت بها توكيدا وتوضيحا فصارت كالصفة ويدلك على بعده أنك لا تقول إنّك أنت إيّاك خير منه ، فان قلت أظنّه خيرا منه جاز أن تقول إيّاه لأنّ هذا ليس موضع فصل واستغنى الكلام فصار كأنه قال ضربته إياه ، وكان الخليل يقول هي عربية إنك إياك خير منه فاذا قلت إنك فيها إيّاك فهو مثل أظنّه خيرا منه يجوز أن تقول إيّاك ونظير إيا في الرفع أنت وأخواتها.

واعلم أنه في الفعل أقوى منه في إن وأخواتها ، ويدلّك على أنّ الفصل كالصفة أنه لا يستقيم أظنّه هو إياه خيرا منك فاذا ثبت احدهما سقط الآخر لأنّ أحدهما يجزىء من الآخر لأنّ الفصل هو كالصفة والصفة كالفصل وكذلك أظنّه إياه هو خيرا منه لأنّ الفصل يجزىء من التوكيد والتوكيد منه.

[باب ما يكون فيه هو وانت وانا ونحن واخواتهنّ فصلا]

اعلم أنهنّ لا يكنّ فصلا إلا في الفعل ولا تكون كذلك إلا في كلّ فعل الاسم بعده بمنزلته في حال الابتداء واحتياجه الى ما بعده كاحتياجه اليه في الابتداء فجاز هذا في هذه

٤٦١

الأفعال التي الأسماء بعدها بمنزلتها في الابتداء إعلاما بأنه قد فصل الاسم وأنه فيما ينتظر المحدّث ويتوقّعه منه مما لا بدّ له من أن يذكره لأنك اذا ابتدأت الاسم فانما تبتدئه لما بعده ، فاذا ابتدأت فقد وجب عليك مذكور بعد المبتدإ لا بدّ منه وإلا فسد الكلام ولم يسغ لك ، فكأنه ذكر هو ليستدلّ المحدّث أنّ ما بعد الاسم ما يخرجه مما وجب عليه وأنّ ما بعد الاسم ليس منه ، هذا تفسير الخليل ، واذا صارت هذه الحروف فصلا وهذا موضع فصلها في كلام العرب فأجره كما أجروه فمن تلك الأفعال حسبت وخلت وظننت ورأيت اذا لم ترد رؤية العين ووجدت اذا لم ترد وجدان الضالّة وأرى وجعلت واذا لم ترد أن تجعلها بمنزلة عملته ، ولكن تجعلها بمنزلة صيّرته خيرا منك ، وكان وليس وأصبح وأمسى ، ويدلك على أنّ أصبح وأمسى كذلك أنك تقول أصبح أباك وأمسى أخاك فلو كانتا بمنزلة جاء وركب لقبح أن تقول أصبح العاقل وأمسى الظريف كما يقبح ذلك في ركب وجاء ونحوهما فمها يدلك على أنهما بمنزلة ظننت أنه يذكر بعد الاسم فيهما ما يذكر في الابتداء.

واعلم أن ما كان فصلا لا يغيّر ما بعده عن حاله التي كان عليها قبل أن يذكر وذلك قولك حسبت زيدا هو خيرا منك وكان عبد الله هو الظريف ، قال الله عزوجل (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ) وقد زعم ناس أن هو هيهنا صفة ، فكيف يكون صفة وليس في الدنيا عربي يجعلها صفة للمظهر ، ولو كان ذلك كذلك لجاز مررت بعبد الله هو نفسه فهو هيهنا مستكرهة لا يتكلّم بها العرب لأنه ليس من مواضعها عندهم ، ويدخل عليهم إن كان زيد لهو الظريف وان كنّا لنحن الصالحين فالعرب تنصب هذا والنحويّون أجمعون ، ولو كان صفة لم يجز أن يدخل عليه اللام لأنك لا تدخلها في ذا الموضع على الصفة فتقول ان كان زيد الظريف عاقلا ولا يكون هو ولا نحن هيهنا صفة وفيهما اللام ، ومن ذلك قوله عزوجل (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ) كأنه قال ولا يحسبنّ الذين يبخلون البخل هو خيرا لهم ولم يذكر البخل اجتزاء بعلم المخاطب بأنه البخل الذكره يبخلون ، ومثل ذلك قول العرب من كذب كان شرا له يريد كان

٤٦٢

الكذب شرا له إلّا أنه استغنى بأن المخاطب قد علم انه الكذب لقوله كذب في أول حديثه فصارت هو هيهنا واخواتها بمنزلة ما اذا كانت لغوا في انها لا تغير ما بعدها عن حاله قبل أن تذكر.

واعلم أنها تكون في إنّ واخواتها فصلا وفي الابتداء ولكن ما بعدها مرفوع لأنه مرفوع قبل ان تذكر الفصل.

واعلم أن هو لا يحسن ان تكون فصلا حتى يكون ما بعدها معرفة او ما اشبه المعرفة مما طال ولم تدخله الألف واللام فضارع زيدا وعمرا نحو خير منك ومثلك وأفضل منك وشر منك ، كما أنها لا تكون في الفصل إلّا وقبلها معرفة أو ما ضارعها كذلك لا يكون ما بعدها إلّا معرفة أو ما ضارعها ، لو قلت كان زيد هو منطلقا كان قبيحا حتى تذكر الأسماء التي ذكرت لك من المعرفة أو ما ضارعها من النكرة مما لا يدخله الألف واللام وأما قوله عزوجل (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً) فقد تكون أنا فصلا وصفة وكذلك (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً) وقد جعل ناس كثير من العرب هو وأخواتها في هذا الباب اسما مبتدءا وما بعده مبني عليه فكأنه يقول أظنّ زيدا أبوه خير منه ووجدت عمرا اخوه خير منه ، فمن ذلك أنه بلغنا أنّ رؤبة كان يقول أظن زيدا هو خير منك ، وناس كثير من العرب يقولون (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) وقال الشاعر (وهو قيس بن ذريح) : [طويل]

(١) تبكى على لبنى وأنت تركتها

وكنت عليها بالملا أنت أقدر

وكان أبو عمرو يقول إن كان لهو العاقل ، وأما قولهم كلّ مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللّذان يهوّدانه وينصّرانه ففيه ثلاثة أوجه ، فالرفع من وجهين والنصب من وجه واحد ، فأحد وجهي الرفع أن يكون المولود مضمرا في يكون

__________________

(٥٩٢) الشاهد في ابتداء أنت ورفع أقدر على الخبر ولو كانت القوافي منصوبة لنصب أقدر وجعل أنت فصلا كما تقدم في الباب* وصف تتبع نفسه للبنى بعد أن طلقها والملا ما اتسع من الأرض أى كنت أقدر عليها وأنت مقيم بالملا معها قبل تطليقها يعنف نفسه على ما عمل.

٤٦٣

والوالدان مبتدآن وما بعدهما مبني عليهما كأنه قال حتى يكون المولود أبواه اللّذان يهودانه وينصّرانه ومن ذلك قول الشاعر (وهو رجل من عبس) :

(١) اذا ما المرء كان أبوه عبس

فحسبك ما تريد الى الكلام

وقال آخر :

متى ما يفد كسبا يكن كلّ كسبه

له مطعم من صدر يوم ومأكل

والوجه الآخر أن تعمل يكون في الأبوين ويكون هما مبتدءا وما بعده خبرا له ، والنصب على أن تجعل هما فصلا ، واذا قلت كان زيد أنت خير منه أو كنت يومئذ أنا خير منك فليس إلّا الرفع لأنك إنما تفصل بالذي تعني به الأول اذا كان ما بعد الفصل هو الأول وكان خبره ولا يكون الفصل بما تعني به غيره ، ألا ترى أنك لو أخرجت أنت لاستحال الكلام وتغيّر المعنى ، واذا أخرجت هو من قولك كان زيد هو خيرا منك لم يفسد المعنى ، وأما اذا كان ما بعد الفصل هو الأول قلت هذا عبد الله هو خير منك وضربت عبد الله هو قائم وما شأن عبد الله هو خير منك فلا تكون هو وأخواتها فصلا فيها وفي أشباهها هيهنا ، لأن ما بعد الاسم هيهنا ليس بمنزلة ما يبنى على المبتدإ ، وانما ينتصب على أنه حال كما انتصب قائم في انظر اليه قائما ، ألا ترى أنك لا تقول هذا زيد هو القائم ولا ما شأنك أنت الظريف ، أو لا ترى أن هذا بمنزلة راكب في قولك مرّ زيد راكبا فليس هذا بالموضع الذي يحسن فيه أن يكون هو وأخواتها فصلا لأن ما بعد الأسماء هيهنا لا يفسد تركه الكلام فيكون دليلا على أنه فيما تكلمه به وإنما يكون هو فصلا في هذه الحال.

[باب لا تكون هو وأخواتها فيه فصلا]

ولكن تكون بمنزلة اسم مبتدإ وذلك قولك ما أظنّ أحدا هو خير منك وما أجعل رجلا هو أكرم منك وما إدخال رجلا هو أكرم منك فلم يجعلوه فصلا وقبله نكرة

__________________

(٥٩٣) الشاهد فيه اضمار اسم كان قبلها والجملة خبرها ولو لا ذلك لنصب أحد الاسمين بعدها ونسب الفصاحة والبلاغة الى عبس لأنه منهم ، وعبس بن بغيض من قيس عيلان والى هيهنا بمعنى من وفيها بعد لأنها ضدها والأجود أن يريد فحسبك ما تريد من الشرف الى الكلام أي مع الكلام.

٤٦٤

كما أنه لا يكون وصفا ولا بدلا لنكرة ، وكما أن كلّهم وأجمعين لا يكررّان على نكرة فاستقبحوا أن يجعلوها فصلا في النكرة كما جعلوها في المعرفة لأنها معرفة فلم تصر فصلا إلا لمعرفة كما لم تكن وصفا ولا بدلا إلا لمعرفة وأما أهل المدينة فينزلون هو هاهنا بمنزلته بين المعرفتين ويجعلونها فصلا في هذا الموضع ، وزعم يونس أنّ أبا عمرو رآه لحنا وقال احتبى ابن مروان في هذه في اللحن ، وكان الخليل يقول والله إنه لعظيم جعلهم هو فصلا في المعرفة وتصييرهم إياها بمنزلة ما إذا كانت ما لغوا لأنّ هو بمنزلة أبوه ولكنهم جعلوها في ذلك الموضع لغوا كما جعلوا ما في بعض المواضع بمنزلة ليس ، وإنما قياسها أن تكون بمنزلة كأنما وإنّما ، مما يقوّي ترك ذلك في النكرة أنه لا يستقيم أن تقول رجل خير منك ولا أظنّ رجلا خيرا منك حتى تنفي وتجعله بمنزلة أحد فلمّا خالف المعرفة في الواجب الذي هو بمنزلة الابتداء وفي الابتداء لم يجر في النكرة مجراه لأنه قبيح في الأبتداء وفيما أجرى مجراه من الواجب فهذا مما يقوّي ترك الفصل.

[باب أيّ]

اعلم أنّ أيّا مضافا وغير مضاف بمنزلة من ألا ترى أنك تقول أيّ أفضل وأيّ القوم أفضل فصار المضاف وغير المضاف يجريان مجرى من كما أنّ زيدا وزيد مناة يجريان مجرى عمرو فحال المضاف في الاعراب والحسن والقبح كحال المفرد ، وقال الله عزوجل (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) فحسن كحسنه مضافا وتقول أيّها تشاء لك ، فتشاء صلة لأيّها حتى كمل اسما ثم بنيت لك على أيّها كأنك قلت الذي تشاء لك ، فان أدخلت الفاء جزمت فقلت أيّها تشأ فلك ، من قبل أنك اذا جازيت لم يكن الفعل وصلا وصار بمنزلته في الاستفهام اذا قلت أيّها تشاء وكذلك من تجري مجرى أيّ فيما ذكرنا وتقع موقعه ، وسألت الخليل عن قولهم اضرب أيّهم أفضل فقال القياس النصب كما تقول اضرب الذي أفضل لأن إيّا في غير الاستفهام والجزاء بمنزلة الذي كما أنّ من في غير الجزاء والاستفهام بمنزلة الذي ، وحدّثنا هرون أن الكوفيّين يقرؤنها (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) وهي لغة

٤٦٥

جيدة نصبوها كما جرّوها حين قالوا امرر على أيّهم أفضل فأجراها هؤلاء مجرى الذي اذا قلت اضرب الذي الذي أفضل لأنك تنزل أي ومن منزلة الذي في غير الجزاء والاستفهام ، وزعم الخليل أن أيّهم وقع في اضرب أيّهم افضل على انه حكاية كأنه قال اضرب الذي يقال له أيّهم افضل وشبّهه بقوله : [كامل]

ولقد أبيت من الفتاة بمنزل

فأبيت لا حرج ولا محروم

واما يونس فيزعم انه بمنزلة قولك أشهد إنك لرسول الله واضرب معلّقة ، وارى قولهم اضرب ايّهم افضل على انهم جعلوا هذه الضمّة بمنزلة الفتحة في خمسة عشر وبمنزلة الفتحة في الآن حين قالوا من الآن الى غد ففعلوا ذلك بأيّهم حين جاء مجيأ لم تجيء اخواته عليه إلا قليلا واستعمل استعمالا لم تستعمله اخواته إلا ضعيفا ، وذلك انه لا يكاد عربي يقول الذي افضل فاضرب واضرب الذي افضل حتى يقول هو ولا يقول هات احسن حتى يقول ما هو احسن فلما كانت اخواته مفارقة له لا تستعمل ، كما استعمل خالفوا باعرابها اذا استعملوه على غير ما استعملت عليه أخواته إلّا قليلا كما انّ قولك يا الله لمّا خالفت سائر ما فيه الألف واللام لم يحذفوا الفه ، وكما انّ ليس لمّا خالفت سائر الفعل ، ولم تصرف تصرّف الفعل تركت على هذه الحال ، وجاز سقوط هو في أيّهم كما قال لا عليك تخفيفا ولم يجز في اخواته إلّا قليلا ضعيفا واما الذين نصبوا فقاسوه وقالوا هو بمنزلة قولنا اضرب الذين افضل اذا اثرنا ان ان نتكلّم به وهذا لا يرفعه احد ، ومن قال امرر على ايّهم افضل قال امرر بأيّهم افضل وهما سواء ، واذا جاء ايّهم مجيأ يحسن على ذلك المجيء اخواته ويكثرن رجع الى الأصل والى القياس كما ردّوا ما زيد إلا منطلق الى الأصل والى القياس وتفسير الخليل ذلك الأوّل بعيد إنما يجوز في شعر أو فى اضطرار ولو ساغ هذا في الأسماء لجاز أن تقول اضرب الفاسق الخبيث تريد الذي يقال له الفاسق الخبيث ، وأما قول يونس فلا يشبهه أشهد إنك لزيد وسترى بيان ذلك في باب إنّ وأنّ ومن قولهما اضرب أيّ أفضل ، وأما غيرهما فيقول اضرب أيّا أفضل ، يقيس ذا على الذي وما أشبهه من الكلام ويسلّم ذلك الضمّة في المضافة لقول

٤٦٦

العرب ذلك وأجروا أيّا على القياس ولو قالت العرب اضرب ايّ أفضل لقلته ولم يكن بدّ من متابعتهم فلا ينبغي لك أن تقيس على الشاذّ المنكر في القياس كما أنك لا تقيس على أمس أمسك ولا على أتقول أيقول ولا سائر أمثلة القول ولا على الآن أنك ، وأشباه ذا كثير ، ولو جعلوا أيّا في الانفراد بمنزلته مضافا لكانوا خلقاء اذا كان بمنزلة الذي معرفة لا ينوّن لأنّ كل اسم ليس يتمكّن لا يدخله التنوين في المعرفة ويدخله في النكرة ، وسترى بيان ذلك فيما ينصرف ولا ينصرف ، وسألته عن أيّي وأيك كان شرّا فأخزه الله ، فقال هذا كقولك أخزى الله الكاذب منّى ومنك يريد منّا وكقولك هو بيني وبينك تريد هو بيننا فانما أراد أيّنا كان شرّا إلا أنهما لم يشتركا في أي ولكنه أخلصه لكلّ واحد منهما ، وقال الشاعر (وهو العبّاس بن مرداس) : [وافر]

(١) فأيى ما وأيّك كان شرا

فسيق الى المقامة لا يراها

وقال خداش بن زهير : [كامل]

(٢) ولقد علمت اذا الرجال تناهزوا

أيى وأيّكم أعزّ وأمنع

وقال خداش أيضا :

(٣) فأيى وأيّ ابن الحصين وعثعث

اذا ما التقينا كان بالحلف أغدرا

[باب مجرى أى مضافا على القياس]

وذلك قولك اضرب أيهم هو أفضل واضرب أيّهم كان أفضل واضرب أيّهم أبوه زيد جرى ذا على القياس لأن الذي يحسن هاهنا ، ولو قلت اضرب ايّهم عاقل رفعت

__________________

(٥٩٤) الشاهد فيه افراد أي لكل واحد من الاسمين ، واخلاصها له توكيدا والمستعمل اضاقها اليهما معا فيقال اينا* يقول اينا كان شرا من صاحبه ففاجأته المنية ، ويروى فسيق الى المقامة وهي جماعة الناس ، والمعنى فأعماه الله وما زائدة للتوكيد.

(٥٩٥) الشاهد فيه تكرير أي توكيدا كما تقدم ومعنى تناهزوا افترس بعضهم بعضا في الحرب

(٥٩٦) الشاهد فيه كالذي تقدم في البيتين قبله ويروى كان بالحلف أغدرا ، والحلف تعاقد القوم واصطلاحهم ، وأصله من اليمين لانه يؤكد بها.

٤٦٧

لأن الذى عاقل قبيحة ، فان قلت اضرب أيّهم هو عاقل نصبت لأن الذي هو عاقل حسن ألا ترى أنك لو قلت هذا الذي هو عاقل كان حسنا ، وزعم الخليل أنه سمع عربيا يقول ما أنا بالذي قائل لك شيئا ، وهذه قليلة ، ومن تكلّم بها فقياسه اضرب أيّهم قائل لك شيئا ، قلت أفيقال ما أنا بالذي منطلق فقال لا فقلت فما بال المسئلة الأولى ، فقال لأنه اذا طال الكلام فهو أمثل قليلا وكأن طوله عوض من ترك هو وقلّ من يتكلّم بذلك.

[باب أي مضافا الى ما لا يكمل اسما الّا بصلة]

فمن ذلك قولك اضرب أيّ من رأيت افضل ، فمن كمل اسما برأيت ، فصار بمنزلة القوم ، فكأنك قلت أىّ القوم افضل وايّهم افضل ، وايّ من رأيت في الدار افضل لأن رايت صلة وفيها متّصلة برأيت لأنك ذكرت موضع الرؤية ، فكأنك قلت أيضا ايّ القوم افضل وايّهم افضل لأن فيها لا تغيّر الكلام عن حاله كما انك اذا قلت ايّ من رأيت قومه افضل ، كان بمنزلة قولك ايّ من رأيت افضل فالصلة معملة وغير معملة في القوم سواء ، وتقول ايّ من في الدار رأيت افضل ، وذاك لأنك جعلت في الدّار صلة فتمّ المضاف اليه اي اسما ثم ذكرت رأيت فكأنك قلت أي القوم رأيت افضل ولم تجعل في الدّار هيهنا موضعا للرؤية ، وتقول ايّ من في الدار رايت افضل كأنك قلت ايّ من رايت في الدار افضل ، ولو قلت ايّ من في الدار رايته زيد اذا اردت ان تجعل في الدّار موضعا للرؤية لجاز ولو قلت أيّ من رأيت في الدار أفضل قدمت أو أخرت سواء ، وتقول في شيء منه أيّ من إن يأتنا نعطه نكرمه فهذا إن جعلته استفهاما فاعرابه الرفع فهو كلام صحيح ، من قبل أن إن يأتنا نعطه صلة لمن فكمل اسما ، ألا ترى أنك تقول من إن يأتنا نعطه بنو فلان كأنك قلت القوم بنو فلان ثم أضفت أيا اليه فكأنك قلت أيّ القوم نكرمه وايهم نكرمه فان لم تدخل الهاء في نكرم نصبت كأنك قلت أيّهم نكرم ، فإن جعلت الكلام خبرا فهو محال لأنه لا يحسن أن تقول في الخبر أيّهم نكرمه ولكنك إن قلت أيّ من إن يأتنا نعطه نكرم تهين كان في الخبر كلاما لأن أيهم بمنزلة الذي في الخبر فصار نكرم صلة وأعملت تهين كأنك قلت الذي نكرم تهين ، وتقول

٤٦٨

أيّ من إن يأتنا نعطه نكرم تهن كأنك قلت أيّهم نكرم تهن ، وتقول أيّ من يأتينا يريد صلتنا فنحدّثه ، فيستحيل في وجه ويجوز في وجه ، أما الوجه الذي يستحيل فيه فهو أن يكون يريد في موضع مريد اذا كان حالا فيه وقع الاتيان لأنه معلّق بيأتينا كما كان فيها معلّقا برأيت في أيّ من رأيت في الدار أفضل ، فكأنك قلت أيّهم فنحدثه فهذا لا يجوز في خبر ولا استفهام ، وأما الوجه الذي يجوز فيه فأن يكون يريد مبنيا على ما قبله ويكون يأتينا الصلة فان أردت ذلك كان كلاما كأنك قلت أيّهم يريد صلتنا فنحدثه وفنحدّثه إن أردت الخبر ، وأما أيّ من يأتينا فنحدّثه فهو محال لأن أيهّم فنحدّثه محال ، فان أخرجت الفاء فقلت أىّ من يأتيني نحدّثه فهو كلام في الاستفهام محال في الإخبار وتقول أيّ من إن يأته من إن يأتنا نعطه يعطه تأت يكرمك ، وذاك أن من الثانية صلتها إن يأتنا نعطه فصار بمنزلة زيد فكأنك قلت أيّ من إن يأته زيد يعطه تأت يكرمك ، فصار إن يأته زيد يعطه صلة لمن الاولى فكأنك قلت أيّهم تأت يكرمك ، فجميع ما جاز وحسن في أيهم هيهنا جاز في أي من إن يأته من إن يأتنا نعطه يعطه لأنه بمنزلة أيّهم ، وسألت الخليل عن قولهم أيّتهن فلانة وأيّهن فلانة فقال إذا قلت أي فهو بمنزلة كل لأن كلا مذكّر يقع للمذكّر والمؤنّث وهو ايضا بمنزلة بعض فاذا قلت أيّتهن فانك أردت أن تؤنّث الاسم ، كما أن بعض العرب فيما زعم الخليل يقول كلّتهن منطلقة.

[باب أي اذا كنت مستفهما بها عن نكرة]

وذلك لو أنّ رجلا قال رأيت رجلا قلت أيّا ، فان قال رأيت رجلين قلت أيّين وإن قال رأيت رجالا قلت أيّين فان ألحقت يافتى في هذا الموضع فهي على حالها قبل أن تلحق يافتى ، واذا قال رأيت امرأة قلت أيّة يافتى فان قال رأيت امرأتين قلت أيّتين يافتى ، فان قال رأيت نسوة قلت أيّات يافتى ، فان تكلّم بجميع ما ذكرنا مجرورا جررت أيّا ، وإن تكلّم به مرفوعا رفعت أيّا لأنك إنما تستفهم على ما وضع المتكلّم عليه كلامه ، قلت فاذا قال رأيت عبد الله أو مررت بعبد الله قال فانّ الكلام أن لا تقول أيّا ولكن تقول من عبد الله وأي عبد الله لا يكون اذا جئت بأي إلا الرفع ، كما أنه لا يجوز اذا قال رأيت

٤٦٩

عبد الله أن تقول منّا ، وكذلك لا يجوز اذا قال رأيت عبد الله أن تقول أيّا ولا تجوز الحكاية فيما بعد ايّ كما جاز فيما بعد من ، وذلك انه اذا قال رأيت عبد الله قلت أيّ عبد الله واذا قال مررت بعبد الله قلت أيّ عبد الله ، وانما جازت الحكاية بعد من في قولك من عبد الله لأن أيّا واقعة على كلّ شيء وهي للآدميّين ، ومن ايضا مسكّنة في غير بابها فكذلك يجوز أن تجعل ما بعد من في غير بابه.

[باب من اذا كنت مستفهما عن نكرة]

اعلم أنك تثنّي من اذا قلت رأيت رجلين كما تثني أيّا ، وذلك قولك رأيت رجلين فتقول منين كما تقول أيين وأتاني رجلان فتقول منان واتاني رجال فتقول منون واذا قال رأيت رجالا قلت منين كما تقول أيّين وان قال رأيت امرأة قلت منه كما تقول أيّة فان وصل قال من يافتى للواحد والاثنين والجميع وان قال رايت امرأتين قلت منتين كما قلت ايّتين إلا انّ النون مجزومة ، فان قال رايت نساء قلت منات كما قلت ايّات إلا انّ الواحد يخالف ايّا في موضع الجرّ والرفع وذلك قولك اتاني رجل فتقول منو وتقول مررت برجل فتقول مني ، وسنبيّن وجه هذه الواو والياء في غير هذا الموضع ، فأي في موضع الجرّ والرفع اذا وقفت بمنزلة زيد وعمرو ، وذلك لأن التنوين لا يلحق من في الصلة وهو يلحق ايّا فصارت بمنزلة زيد وعمرو ، وامّا من فلا ينوّن في الصلة فجاء في الوقف مخالفا ، وزعم الخليل انّ منتين ومنه ومنات ومنين ومنين كلّ هذا في الصلة مسكن النون وذلك انك تقول اذا قال رايت نساء أو رجالا او امراة او امرأتين او رجلا او رجلين من يافتى ، وزعم الخليل ان الدليل على ذلك انك تقول منوفى الوقف ثم تقول من يافتى فيصير بمنزلة قولك من قال ذاك فتقول من يافتى اذا عنيت جميعا كأنك تقول من قال ذاك اذا عنيت جماعة ، وانما فارق باب من باب أيّ أنّ أيا في الصلة يثبت فيه التنوين تقول ايّ ذا وأيّة ذه ، وزعم أنّ من العرب وقد سمعناه من بعضهم من يقول أيّون هؤلاء وأيان هذان فأيّ قد تجمع في الصلة وتثنّى وتضاف وتنوّن ومن لا يثنّى ولا يجمع في

٤٧٠

الاستفهام ولا يضاف وأيّ منوّن على كلّ حال في الاستفهام وغيره فهو اقوى ، وحدّثنا يونس أنّ قوما يقولون أبدا منا ومني ومنو عنيت واحدا او اثنين أو جميعا في الوقف فمن قال ذا قال أيا وأيّ وأيّ اذا عنى واحدا او جميعا او اثنين ، فان وصل نوّن أيا ، وانما فعلوا ذلك بمن لأنهم يقولون من قال ذاك فيعنون ما شاؤا من العدد ، وكذلك أيّ تقول أيّ يقول ذاك فتعني بها جميعا وإن شاء عنى اثنين ، واما يونس فانه كان يقيس منه على أيّة فيقول منة ومنة ومنة اذ قال يافتى وكذلك ينبغي له أن يقول اذا آثر أن لا يغيّرها في الصلة وهذا بعيد ، وانما يجوز هذا على قول شاعر قاله مرّة في شعر ثم لم يسمع بعده مثله ، قال : [وافر]

(١) أتو ناري فقلت منون أنتم

فقالوا الجنّ قلت عموا ظلاما

وزعم يونس أنه سمع أعرابيّا يقول ضرب من منا وهذا بعيد لا تتكلم به العرب ولا يستعمله منهم ناس كثير ، فانما يجوز منون يافتى على ذا ، وينبغي لهذا أن لا يقول منوفي الوقف ولكن يجعله كأيّ ، واذا قال رأيت امرأة ورجلا فبدأت في المسئلة بالمؤنت قلت من ومنا لأنك تقول من يافتى في الصلة في المؤنّت وإن بدأت بالمذكّر قلت من ومنه ، وانما جمعت أي في الاستفهام ولم تجمع في غيره لأنه انما الاصل فيها الاستفهام وهي فيه أكثر في كلامهم ، وانما تشبه الأسماء التامّة التي لا تحتاج الى صلة في الجزاء وفي الاستفهام ، وقد تشبّه من بها في هذه المواضع لأنها تجرى مجراها فيها ولم تقو قوّة أىّ لما ذكرت لك ولما يدخلها من التنوين والاضافة.

[باب ما لا يحسن فيه من كما يحسن فيما قبله]

وذلك أنه لا يجوز أن يقول الرجل رأيت عبد الله فتقول منا لأنه اذا ذكر عبد الله

__________________

(٥٩٧) الشاهد فيه منون انتم وجمعه لمن في الوصل وإنما يجمع في الوقف وجاز ذلك ضرورة* وصف أن الجن طرقته وقد أوقد نارا لطعامه ونصب ظلاما على التمييز كما تقول أنعموا بالا ، والمعنى نعم بالكم ونعم ظلامكم على الاتساع يجوز نصبه على الظرف ويقال وعم يعم في معنى نعم ينعم.

٤٧١

فانما ذكر رجلا تعرفه بعينه أو رجلا أنت عنده ممن يعرفه بعينه ، فانما تسأله على أنك ممن يعرفه بعينه الّا أنك لا تدري آلطويل هو أم القصير أم ابن زيد أم ابن عمرو ، فكرهوا أن يجرى هذا مجرى النكرة اذا كانا مفترقين ، وكذلك رأيته ورأيت الرجل لا يحسن لك أن تقول فيهما الّا من هو أو من الرجل ، وقد سمعنا من العرب من يقال له ذهبنا معهم فيقول مع منين ، وقد رأيته فيقول منا أو رأيت منا ، وذلك أنه سأله على أنّ الذين ذكر ليسوا عنده ممن يعرفه بعينه ، وأنّ الأمر ليس على ما وضعه عليه المحدّث فهو ينبغي له أن يسأل في ذا الموضع كما سأل حين قال رأيت رجلا.

[باب اختلاف العرب في الاسم المعروف الغالب اذا استفهمت عنه بمن]

اعلم أنّ أهل الحجاز يقولون اذا قال الرجل رأيت زيدا قالوا من زيدا واذا قال مررت بزيد قالوا من زيد وإذا قال هذا زيد قالوا من زيد ، وأمّا بنو تميم فيرفعون على كلّ حال وهو أقيس القولين ، فأمّا أهل الحجاز فانهم حملوا قولهم على انهم حكوا ما تكلّم به المسؤل كما قال بعض العرب دعنا من تمرتان على الحكاية لقوله ما عنده تمرتان وسمعت أعرابيّا مرّة وسأله رجل فقال أليس قرشيا فقال ليس بقرشيا حكاية لقوله ، فجاز هذا في الاسم الذي يكون علما غالبا على ذا الوجه ، ولا يجوز في غير الاسم الغالب كما جاز فيه ، وذلك لأنه الأكثر في كلامهم وهو العلم الأوّل الذي به يتعارفون وانما يحتاج الى الصفة اذا خاف الالتباس من الأسماء الغالبة ، وانما حكى مبادرة للمسؤل او توكيدا عليه انه ليس يسأله عن غير هذا الذي تكلم به والكنية بمنزلة الاسم واذا قال رأيت أخا زيد لم يجز من أخا زيد الّا على قول من قال دعنا من تمرتان وليس بقرشيا والوجه الرفع لأنه ليس باسم غالب ، وقال يونس اذا قال الرجل رايت زيدا وعمرا او زيدا واخاه او زيدا اخا عمرو فالرفع يردّه الى القياس والاصل اذا جاوز الواحد كما تردّ ما زيد الا منطلق الى الاصل ، وامّا ناس فانهم قاسوه فقالوا تقول من اخو زيد وعمرو ، ومن عمرا واخا زيد تتبع الكلام بعضه بعضا وهذا احسن ، فاذا قالوا من عمرا ومن اخو زيد رفعوا اخا زيد لأنه قد انقطع من الاوّل بمن الثاني الذي مع الأخ فصار كأنك قلت من أخو زيد ، كما أنك تقول تبّا له وويلا وتبّاله وويل له ، وسألت يونس عن رأيت زيد بن عمر

٤٧٢

فقال أقول من زيد بن عمرو لأنه بمنزلة اسم واحد ، وهكذا ينبغي اذا كنت تقول يا زيد بن عمرو وهذا زيد بن عمرو فتسقط التنوين ، فأمّا من زيد الطويل فالرفع على كلّ حال لأن أصل هذا جرى للواحد لتعرّفه له بالصفة فلمّا جاوز ذلك ردّه الى الأعرف ، ومن نوّن زيدا جعل ابن صفة منفصلة ورفع في قول يونس فاذا قال رأيت زيدا قال أي زيد فليس فيه إلا الرفع تجريه على القياس وانما جازت في من الحكاية لانهم لمن أكثر استعمالا وهم مما يغيّرون الأكثر عن حال نظائره وإن أدخلت الواو والفاء في من فقلت فمن او ومن لم يكن فيما بعده إلا الرفع.

[باب من اذا أردت أن يضاف لك من تسأل عنه]

وذلك قولك رأيت زيدا فتقول المنيّ فاذا قال رأيت زيدا وعمرا قلت المنيّين فاذا ذكر ثلاثة قلت المنيّين وتحمل الكلام على ما حمل عليه المسؤول إن كان مجرورا أو منصوبا او مرفوعا كأنك قلت القرشيّ أم الثّقفيّ فان قال القرشي نصب ، وإن شاء رفع على هو كما قال صالح في كيف كنت ، فان كان المسؤل عنه من غير الانس فالجواب الهن والهنة والفلان والفلانة لأنّ ذلك كناية عن غير الآدمييّن.

[باب إجرائهم صلة من وخبره اذا عنيت اثنين كصلة اللّذين واذا]

(عنيت جميعا كصلة الّذين)

فمن ذلك قوله عزوجل (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) ومن ذلك قول العرب فيما حدّثنا يونس من كانت أمّك وأيهن كانت امك ألحق تاء التأنيث لمّا عني مؤنّثا كما قال يستمعون إليك حين عنى جميعا ، وزعم الخليل أنّ بعضهم قرأ (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) فجعلت كصلة التي حين عنيت مؤنّثا ، فاذا ألحقت التاء في المؤنث ألحقت الواو والنون في الجميع ، قال الشاعر حين عنى الاثنين (وهو الفرزدق) : [طويل]

(١) تعال فان عاهدتني لا تخوننى

نكن مثل من يا ذئب يصطحبان

__________________

(٥٩٨) الشاهد فيه تثنية يصطحبان حملا على معنى من لانها كناية عن اثنين واخبر عنه وعن الذئب فجعله ونفسه بمنزلتهما في الاصطحاب* وصف انه أوقد نارا وطرقه الذئب ـ

٤٧٣

[باب إجرائهم ذا وحده بمنزلة الذي وليس يكون كالذي إلا مع ما ومن في الاستفهام] (فيكون ذا بمنزلة الذي ويكون ما حرف الاستفهام وإجرائهم اياه مع ما بمنزلة اسم واحد)

أمّا إجراؤهم ذا بمنزلة الذي فهو قولك ما ذا رأيت فتقول متاع حسن وقال الشاعر : [لبيد]

(١) ألا تسألان المرء ما ذا يحاول

أنحب فيقضى أم ضلال وباطل

وأما إجراؤهم اياه مع ما بمنزلة اسم واحد فهو قولك ما ذا رأيت فتقول خيرا كأنك قلت ما رأيت ومثل ذلك قولهم ما ذا ترى فتقول خيرا ، وقال عزوجل (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) فلو كان ذا لغوا لما قالت العرب عما ذا تسأل ولقالوا عمّ ذا تسأل كأنهم قالوا عمّ تسأل ولكنهم جعلوا ما وذا اسما واحدا كما جعلوا ما وإنّ حرفا واحدا حين قالو إنّما ، ومثل ذلك كأنما وحيثما في الجزاء ولو كان ذا بمنزلة الذي في ذا الموضع البتة لكان الوجه في ما ذا رأيت اذا أجاب أن يقول خير ، وقال الشاعر سمعناه من العرب الموثوق بهم : [وافر]

(٢) دعى ما ذا عملت سأتّقيه

ولكن بالمغيّب نبئيني

فالذّي لا يجوز في ذا الموضع ، وما لا يحسن أن تلغيها ، وقد يجوز أن يقول الرجل ما ذا

__________________

ـ فدعاه الى العشاء والصحبة وفرق بين من وصلتها بقوله يا ذئب وسباغ له ذلك لأن النداء موجود في الخطاب وان لم يذكره وان قدرت من نكرة ويصطحبان في موضع الفصل كان الفصل بينهما أسهل وأقيس.

(٥٩٩) الشاهد فيه رفع أنحب وما بعده وهو مردود على ما في قوله ما ذا فدل ذلك على ان ذا في معنى الذى ، وما بعده من صلته فلا يعمل في الذي قبله فما في موضع رفع بالابتداء فلذلك رفع ما بعده الالف ردا عليها ، والنحب النذر يقول ألا تسألان مجتهدا في أمر الدنيا وتتبعها فكأنما أوجب على نفسه في ذلك نذر ايجري الى قضائه ، وهو منه في ضلال وباطل.

(٦٠٠) الشاهد فيه جعله ما ذا اسما واحدا بمنزلة الذي والمعنى دعي الذي علمته فاني سأتقيه لعلمي منه مثل الذي علمت ولكن نبئيني بما غاب عني وعنك مما يأتي به الدهر أي لا تعذليني فيما ابادر به الزمان من اتلاف مالى في وجوه الفتوة ولا تخوفيني الفقر.

٤٧٤

رأيت فيقول خير كأنه قال ما رأيت خير ولم يجبه على رأيت ، ومثل ذلك قولهم في جواب كيف أصبحت فيقول صالح وفي من رأيت فيقول زيد كأنه قال أنا صالح ومن رأيت زيد والنصب في هذا الوجه لأنه الجواب على كلام المخاطب وهو أقرب الى أن تأخذ به ، وقال عزوجل (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) وقد يجوز أن تقول اذا قلت من الذي رأيت زيدا لأن هيهنا معنى فعل فيجوز النصب هيهنا كما جاز الرفع في الأول.

[باب ما تلحقه الزيادة في الاستفهام]

اذا أنكرت أن تثبت رأيه على ما ذكر أو انكرت أن يكون رأيه على خلاف ما ذكر فالزيادة تتبع الحرف الذي هو قبلها الذي ليس بينه وبينها شيء فان كان مضموما فهي واو ، وان كان مكسورا فهي ياء وان كان مفتوحا فهي ألف ، وان كان ساكنا تحرك لئلا يسكن حرفان فيتحرك كما يتحرك في الألف واللام الساكن مكسورا ثم تكون الزيادة تابعة له ، فما تحرك من السواكن كما وصفت لك وتبعته الزيادة قول الرجل ضربت زيدا فتقول منكرا لقوله أزيدنيه ، وصارت هذه الزيادة علما لهذا المعنى كعلم النّدبة وتحرّكت النون لأنها ساكنة فلا يسكن حرفان ، فان ذكر الاسم مجرورا جررته أو منصوبا نصبته أو مرفوعا رفعته وذلك قولك اذا قال رأيت زيدا أزيدنيه واذا قال مررت بزيد أزيدنيه واذا قال هذا زيد أزيدنيه لأنك انما تسأله عما وضع كلامه عليه ، وقد يقول لك الرجل أتعرف زيدا فتقول أزيدنيه إما منكرا لرأيه ان يكون على ذلك وإما على خلاف المعرفة ، وسمعنا رجلا من أهل البادية قيل له أتخرج إن أخصبت البادية فقال أنا إنيه منكرا لرأيه ان يكون على خلاف ان يخرج ويقول قد قدم زيد فتقول أزيدنيه غير راد عليه متعجبا او منكرا عليه أن يكون رأيه على غير ان يقدم او انكرت ان يكون قدم فقلت ازيدنيه ، فان قلت مجيبا لرجل قال لقيت زيدا وعمرا قلت أزيدا وعمرنيه تجعل العلامة في منته الكلام ، الا ترى انك تقول اذا قال ضربت عمر أضربت عمراه ، وإن قال ضربت زيدا الطويل قلت أزيدا الطويلاه تجعلها في منته الكلام.

٤٧٥

وإن قلت أزيدا يا فتى تركت العلامة كما تركت علامة التأنيث والجمع وحرف اللين في قولك منا ومنى ومنو حين قلت يافتى وجعلت يافتى بمنزلة ما هو في من حين قلت من يافتى ، ولم تقل منين ولا منه ولا منى أذهبت هذا في الوصل ، وجعلت يافتى بمنزلة ما هو في مسئلتك يمنع هذا كلّه وهو قولك من ومنه اذا قال رأيت رجلا وامرأة فمنه قد منعت من من حروف اللين فكذلك هو هيهنا يمنع ما كان في كلام المسؤول العلامة من الأول ولا تدخل العلامة في يافتى لأنه ليس من حديث المسؤل فصار هذا بمنزلة الطّويل حين منع العلامة زيدا كما منع من ما ذكرت لك وهو قول العرب ومما تتبعه هذه الزيادة من المتحرّكات كما وصفت لك قوله رأيت عثمان فتقول أعثماناه ومررت بحذام فتقول أحذاميه وهذا عمر فتقول أعمروه فصارت تابعة كما كانت الزيادة التي في واغلامهوه تابعة.

واعلم أن من العرب من يجعل بين هذه الزيادة وبين الاسم إنّ فيقول أعمر إنيه وأزيد إنيه كأنهم أرادوا أن يزيدوا العلم بيانا وإيضاحا كما قالوا ما إن فأكدوا بان وكذلك أوضحوا بها هيهنا لأن في العلم الهاء والهاء خفية ، والياء كذلك فاذا جاءت الهمزة والنون جاء حرفان لو لم يكن بعدهما الهاء وحرف اللين كانوا مستغنين بهما ، ومما زادوا به الهاء بيانا قولهم اضربه ، وقالوا في الياء في الوقف سعدج يريدون سعدى ، فانما ذكرت لك هذا لتعلم أنهم قد يطلبون إيضاحها بنحو من هذا الذي ذكرت لك ، وإن شئت تركت العلامة في هذا المعنى كما تركت علامة النّدبة وقد يقول الرجل إني ذهبت فتقول أذهبتوه وتقول أنا خارج فيقول انا إنيه تلحق الزيادة ما لفظ به وتحكيه مبادرة له وتبيينا أنه ينكر عليه ما تكلم به كما فعل ذلك في من عبد الله ، وإن شاء لم يتكلم بما لفظ به ، وألحق العلامة ما يصحح المعنى كما قال حين قلت اتخرج الى البادية أأنا إنيه وإن كنت متثبتا مسترشدا اذا قال ضربت زيدا فانك لا تلحق الزيادة واذا قال ضربته فقلت اقلت ضربته لم تلحق الزيادة أيضا لأنك انما أوقعت حرف الاستفهام على قلت ولم يكن من كلام المسؤل وانما جاء على الاسترشاد لا على الانكار.

٤٧٦

[باب الأفعال المضارعة]

اعلم أن هذه الافعال لها حروف تعمل فيها فتنصبها ، لا تعمل في الأسماء كما أن حروف الأسماء التي تنصبها لا تعمل في الأفعال ، وهي أن وذلك قولك أريد أن تفعل ، وكي وذلك جئتك لكي تفعل ولن ، فأما الخليل فزعم أنها لا أن ولكنهم حذفوا لكثرته في كلامهم كما قالوا ويلمّه يريدون وي لأمه وكما قالوا يومئذ وجعلت بمنزلة حرف واحد كما جعلوا هلّا بمنزلة حرف واحد ، فانما هي هل ولا وأما غيره أنه ليس في لن زيادة وليست من كلمتين ولكنها بمنزلة شيء على حرفين ليست فيه زيادة وأنها في حروف النصب بمنزلة لم في حروف الجزم في أنه ليس واحد من الحرفين زائدا ولو كانت على ما يقول الخليل لما قلت أما زيدا فلن أضرب ، لأن هذا اسم والفعل صلة فكأنه قال أما زيدا فلا الضرب له.

[باب الحروف التي تضمر فيها أن]

وذلك اللام التي في قولك جئتك لتفعل وحتّى وذلك قولك تكلّم حتى أجيبك فانما انتصب هذا بأن وأن هيهنا مضمرة ولو لم تضمرها لكان الكلام محالا لأن اللام وحتّى انما تعملان في الأسماء فتجرّان وليستا من الحروف التي تضاف الى الأفعال فاذا أضمرت أن حسن الكلام لأنّ ان ويفعل بمنزلة اسم واحد كما أن الذي وصلته بمنزلة اسم واحد ، فاذا قلت هو الذي فعل فكأنك قلت هو الفاعل واذا قلت أخشى أن تفعل فكأنك قلت أخشى فعلك افلا ترى انّ تفعل بمنزلة الفعل فلما اضمرت أن كنت قد وضعت هذين الحرفين مواضعهما لأنهما لا يعملان الا في الأسماء ولا يضافان الّا اليها وأن وتفعل بمنزلة الفعل وبعض العرب يجعل كي بمنزلة حتّى وذلك انهم يقولون كيمه في الاستفهام فيعلمونها في الأسماء كما قالوا حتّامه ، وحتّى متى ولمه فمن قال كيمه فانه يضمر أن بعدها ، وأما من ادخل عليها اللام ولم يكن من كلامه كيمه فانها عنده بمنزلة أن وتدخل عليها اللام كما تدخل على أن ومن قال كيمه جعلها بمنزلة اللام.

واعلم انّ أن لا تظهر بعد حتى وكي كما لا يظهر بعد أمّا الفعل في قولك أما أنت

٤٧٧

منطلقا انطلقت وقد ذكر حالها فيما مضى واكتفوا عن إظهار أن بعدهما بعلم المخاطب ان هذين الحرفين لا يضافان الى فعل وأنهما ليسا مما يعمل في الفعل لا يحسن بعدهما الّا ان يحمل على أن فأن هيهنا بمنزلة الفعل في أمّا وما كان بمنزلة أمّا مما لا يظهر بعده الفعل فصار عندهم بدلا من اللفظ بأن ، وأما اللام في قولك جئتك لتفعل فبمنزلة إن في قولك إن خيرا فخير وان شرّا فشر إن شئت أظهرت الفعل هيهنا ، وإن شئت خزلته وأضمرته وكذلك أن بعد اللام ان شئت اظهرته وان شئت أضمرته.

واعلم أنّ اللام قد تجيء في موضع لا يجوز فيها الاظهار وذلك ما كان ليفعل فصارت أن هيهنا بمنزلة الفعل في قولك إياك وزيدا وكأنك اذا مثّلت قلت ما كان زيد لأن يفعل أي ما كان زيد لهذا الفعل بمنزلته ودخل فيه معنى نفي كان سيفعل ، فاذا قال هذا قلت ما كان ليفعل كما كان لن يفعل نفيا لسيفعل وصارت بدلا من اللفظ بأن كما كانت ألف الاستفهام بدلا من واو القسم في قولك الله لتفعلن فلم يذكروا الا أحد الحرفين اذا كان نفيا لما معه حرف لم يعمل فيه شيء ليضارعه فكأنه قد ذكر أن كما أنه اذا قال سقيا له فكأنه قال سقاه الله.

[باب ما يعمل في الافعال فيجزمها]

وذلك لم ولمّا واللام التي في الأمر ، وذلك قولك ليفعل ولا في النهي ، وذلك قولك لا تفعل فانما هما بمنزلة لم.

واعلم أن هذه اللام ولا في الدعاء بمنزلتهما في الأمر والنهي وذلك قولك لا يقطع الله يمينك وليجزك الله خيرا.

واعلم أن هذه اللام قد يجوز حذفها في الشعر وتعمل مضمرة وكأنهم شبهوها بأن اذا عملت مضمرة ، وقال الشاعر : [وافر]

(١) محمّد تفد نفسك كلّ نفس

اذا ما خفت من شيء تبالا

__________________

(٦٠١) الشاهد فيه اضمار لام الأمر في قوله تفد ، والمعنى لتفد نفسك وهذا من أقبح الضرورة لأن الجازم أضعف من الجار وحرف الجر لا يضمر ، وقد قيل هو مرفوع ـ

٤٧٨

وإنما أراد لتفد ، وقال متمّم بن نويرة : [طويل]

(١) على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي

لك الويل حرّ الوجه أويبك من بكى

أراد ليبيك ، وقال أحيحة بن الجلّاح : [وافر]

فمن نال الغنى فليصطنعه

صنيعته ويجهد كلّ جهد

واعلم أنّ حروف الجزم لا تجزم إلا الأفعال ولا يكون الجزم إلا في هذه الأفعال المضارعة للأسماء كما ان الجرّ لا يكون إلا في الأسماء والجزم في الأفعال نظير الجرّ في الأسماء فليس للاسم في الجزم نصيب وليس للفعل في الجرّ نصيب فمن ثم لم يضمروا الجازم كما لم يضمروا الجارّ وقد أضمره الشاعر شبّهه باضمارهم ربّ وواو القسم في كلام بعضهم.

[باب وجه دخول الرفع في هذه الأفعال المضارعة للأسماء]

اعلم أنها اذا كانت في موضع اسم مبتدأ أو اسم بنى على مبتدإ أو في موضع اسم مرفوع غير مبتدإ ولا مبنيّ على مبتدإ أو في موضع مجرور أو منصوب فانها مرتفعة وكينونتها في هذه المواضع ألزمتها الرفع وهي سبب دخول الرفع فيها وعلته أن ما عمل في الأسماء لم يعمل في هذه الأفعال على حدّ عمله في الأسماء كما أنّ ما يعمل في الأفعال فيجزمها وينصبها لا يعمل في الأسماء وكينونتها في موضع الأسماء ترفعها كما ترفع الاسم كيونته مبتدأ ، فأما ما كان في موضع المبتدإ فقولك يقول زيد ذاك ، وأما ما كان في موضع المبني على المبتدإ فقولك زيد يقول ذاك ، وأما ما كان في موضع غير المبتدإ ولا المبنيّ عليه فقولك مررت برجل يقول ذاك وهذا يوم آتيك ، وهذا زيد يقول ذاك وحسبته ينطلق فهكذا هذا وما أشبهه ، ومن ذلك أيضا هلّا يقول زيد في موضع ابتداء وهلّا لا تعمل في اسم ولا فعل ، فكأنك

__________________

ـ حذفت لامه ضرورة واكتفى بالكسر منها وهذا اسهل في الضرورة وأقرب ، والتبال سوء العاقبة وهو بمعني الوبال فكأن التاء بدل من الواو أي اذا خفت وبال أمر أعددت له.

(٦٠٢) الشاهد في جزم يبكي على إضمار لام الأمر ، ويجوز أن يكون محمولا على معنى فاخمشى لأنه في معنى لتخمشي وهذا أحسن من الأوّل ، والبعوضة هنا موضع بعينه قتل فيه رجال من قومه فحض على البكاء عليهم ، ومعنى اخمشى اخدشي.

٤٧٩

قلت يقول زيد ذاك ، إلّا أنّ من الحروف ما لا يدخل إلّا على الأفعال التي في موضع الأسماء المبتدأة وتكون الأفعال أولى من الأسماء حتى لا يكون بعدها مذكور يليها إلا الأفعال وسنبيّن ذلك إن شاء الله وقد بين فيما مضى ، ومن ذلك قولهم ائتني بعد ما تفرغ ، فما وتفرغ بمنزلة الفراغ وتفرغ صلة وهي مبتدأة ، وهي بمنزلتها في الذي اذا قلت بعد الذي يفرغ فيفرغ في موضع مبتدإ لأن الذي لا يعمل في شيء والأسماء بعده مبتدأة ، ومن زعم أن الأفعال ترتفع بالابتداء فانه ينبغي له أن ينصبها اذا كانت في موضع ينتصب فيه الاسم ويجرّها اذا كانت في موضع ينجرّ فيه الاسم ولكنها ترتفع يكينونتها في موضع الاسم ، ومن ذلك أيضا كدت أفعل ذاك وكدت تفرغ ، فكدت فعلت وفعلت لا ينصب الأفعال ولا يجزمها وأفعل هيهنا بمنزلتها في كنت إلّا أنّ الأسماء لا تستعمل في كدت وما أشبهها ، ومثل ذلك عسى يفعل ذاك فصار كدت ونحوها بمنزلة كنت عندهم كأنك قلت كدت فاعلا ثم وضعت أفعل في موضع فاعل ونظير هذا في العربيّة كثير وستراه إن شاء الله تعالى ، ألا ترى أنك تقول بلغني أنّ زيدا جاء فانّ زيدا جاء كلّه اسم ، وتقول لو أنّ زيدا جاء لكان كذا وكذا فمعناه لو مجيء زيد ولا يقال لو مجيء زيد ، وتقول في التعّجب ما أحسن زيدا ولا يكون الاسم في موضع ذا فتقول ما محسن زيدا ، ومنه قد جعل يقول ذاك كأنك قلت صار يقول ذاك ، فهذا وجه دخول الرفع في الأفعال المضارعة للأسماء وكأنهم إنما منعهم أن يستعملوا في كدت وعسيت الأسماء أنّ معناها ومعنى نحوها تدخله أنّ نحو قولهم خليق أن يقول وقارب أن يفعل ، ألا تراهم يقولون عسى أن يفعل ، ويضطرّ الشاعر فيقول كدت أن فلمّا كان المعنى فيهن ذلك تركوا الأسماء لئلا يكون ما هذا معناه كغيره ، وأجروا اللفظ كما أجروه في كنت لأنه فعل مثله وكدت أن أفعل لا يجوز إلا في شعر لأنه مثل كان قولك كان فاعلا ويكون فاعلا وكأنّ معنى جعل يقول وأخذ يقول قد آثر أن يقول ونحوه ، فمن ثم منع الأسماء لأنّ معناها معنى ما يستعمل بأن فتركوا الفعل حين خزلوا أن ولم يستعملوا الاسم لئلا ينقضوا هذا المعنى.

٤٨٠