كتاب سيبويه - ج ١

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]

كتاب سيبويه - ج ١

المؤلف:

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٨٢

أي كأنك جمل من جمال بني أقيش ، ومثل ذلك أيضا قوله : [رجز]

(١) لو قلت ما في قومها لم تيئم

يفضلها في حسب وميسم

يريد ما في قومها أحد فحذفوا هذا كما قالوا لو أن زيدا هيهنا وانما يريدون لكان كذا وكذا ، وقولهم ليس أحد أي ليس هيهنا أحد فكلّ ذلك حذف تخفيفا ، واستغناء بعلم المخاطب بما يعني ، ومثل البيتين الأولين قول الشاعر ، (وهو ابن مقبل) : [طويل]

(٢) وما الدهر إلّا تارتان فمنهما

أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح

انما يريد فمنها تارة أموت وأخرى ، ومثل قولهم ليس غير هذا الذي أمس يريد الذي فعل أمس وقوله (وهو العجاج) :

(٣) * بعد اللّتيّا واللّتيّا والتي*

فليس حذف المضاف اليه في كلامهم بأشدّ من حذف تمام الاسم.

[باب لا يكون وليس وما أشبههما]

فاذا جاءتا وفيهما معنى الاستثناء فان فيهما إضمارا على هذا وقع فيهما معنى الاستثناء كما أنه لا يقع معنى النهي في حسبك إلا أن يكون مبتدءا وذلك قولك ما أتاني القوم ليس زيدا وأتوني لا يكون زيدا وما أتاني أحد لا يكون زيدا ، كأنه حين قال أتوني صار المخاطب عنده قد وقع في خلده أن بعض الآتين زيد حتى ، كأنه قال بعضهم زيد فكأنه قال ليس بعضهم زيدا ، وترك إظهار بعض استغناء كما ترك الاظهار في لات حين فهذه حالهما

__________________

(٥٧٠) الشاهد فيه حذف الاسم كما تقدم والتقدير لو قلت ما في قومها أحد يفضلها لم تكذب فتأثم والميسم الجمال وكسر تاء تأثم على لغة من يكسر تاء تفعل فانقلبت الألف ياء.

(٥٧١) الشاهد فيه حذف الاسم لدلالة الصفة عليه ، والتقدير فمنها تارة أموت فيها والقول فيه كالقول في الذي قبله ومعنى أكدح أسعى وأجهد في طلب الرزق.

(٥٧٢) الشاهد فيه حذف صلة التي اختصارا لعلم السامع بما أراد ، هذا تقدير سيبويه وبعده* إذا علتها أنفس تردت* وهذا يكون صلة للتي فاما أن يكون سيبويه لم يرو هذا بعده وإما ان يكون قد رواه فجعله صلة للتي وحدها وحذف صلة اللتيا فيكون الشاهد في ذلك وحسن حذف صلة اللتيا لتصغيرها الدال على شناعتها لأنهم قد يصغرون الشيء على معنى التعظيم والتشنيع.

٤٤١

في حال الاستثناء وعلى هذا وقع فيهما الاستثناء فأجرهما كما أجروهما ، وقد يكون صفة وهو قول الخليل وذلك قولك ما أتاني أحد ليس زيدا ، وما أتاني رجل لا يكون زيدا اذا جعلت ليس ، ولا يكون بمنزلة قولك ما أتاني أحد لا يقول ذاك اذا كان لا يقول في موضع قائل ذاك ويدلك على أنه صفة أن بعضهم يقول ما أتتني امرأة لا تكون فلانة وما أتتني امرأة ليست فلانة فلو لم يجعلوه صفة لم يؤنّثوا لأنّ الذي لا يجيء صفة فيه إضمار مذكّر ، ألا تراهم يقولون أتينني لا يكون فلانة وليس فلانة ، يريد ليس بعضهن فلانة فالبعض مذكّر ، وأما عدا وخلا فلا يكونان صفة ولكن فيهما اضمار كما كان في ليس ولا يكون ، وذلك قولك ما أتاني أحد خلا زيدا ، وأتاني القوم عدا عمرا كأنك قلت جاوز بعضهم زيدا إلا أنّ خلا وعدا فيهما معنى الاستثناء ولكني ذكرت جاوز لأمثّل لك به وإن كان لا يستعمل في هذا الموضع ، وتقول أتاني القوم ما عدا زيدا وأتوني ما خلا زيدا ، فما هنا اسم وخلا وعدا صلة له كأنه قال أتوني ما جاوز بعضهم زيدا ، وما هم فيها ما عدا زيدا كأنه قال ما هم فيها ما جاوز بعضهم زيدا ، وكأنه قال اذا مثّلت ما خلا وما عدا فجعلته اسما غير موصول قلت أتوني مجاوزتهم زيدا ، مثّلته بمصدر ما هو في معناه كما فعلته فيما مضى ، إلا أنّ جاوز لا يقع في الاستثناء ، واذا قلت أتوني إلا أن يكون زيد فالرفع جيّد بالغ وهو كثير في كلامهم لأن يكون صلة لأن وليس فيها معنى الاستثناء ، وأن يكون في موضع اسم مستثنى كأنك قلت لا يأتونك ، إلا أن يأتيك زيد ، والدليل على أنّ يكون ليس فيها هيهنا معنى الاستثناء أنّ ليس وعدا وخلا لا يقعن هيهنا ، ومثل الرفع قول الله عزوجل (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) وبعضهم ينصب على وجه النصب في لا يكون والرفع أكثر ، وأما حاشا فليس باسم ولكنه حرف يجرّ ما بعده كما تجرّ حتى ما بعدها وفيه معنى الاستثناء ، وبعض العرب يقول ما أتاني القوم خلا عبد الله فجعلوا خلا بمنزلة حاشا ، فاذا قلت ما خلا فليس فيه إلا النصب لأنّ ما اسم ولا تكون صلتها إلا الفعل هنا ، وهي ما التي في قولك أفعل ما فعلت ، ألا ترى أنك لو قلت أتوني ما حاشا زيدا لم يكن كلاما ، وأما أتاني القوم سواك فزعم الخليل أنّ هذا كقولك أتاني القوم مكانك وما أتاني أحد مكانك إلا أن في سواك معنى الاستثناء.

٤٤٢

[باب مجرى علامات المضمرين وما يجوز فيهن]

وسنبيّن ذلك ان شاء الله

[باب علامات المضمرين المرفوعين]

اعلم أنّ المضمر المرفوع اذا حدّث عن نفسه فانّ علامته أنا وإن حدّث عن نفسه وعن آخر قال نحن ، وان حدّث عن نفسه وعن آخرين قال نحن ، ولا يقع أنا في موضع التاء التي في فعلت لا يجوز أن تقول فعل أنا لأنهم استغنوا بالتاء عن أنا ، ولا يقع نحن في موضع نا التي في فعلنا لا تقول فعل نحن ، وأما المضمر المخاطب فعلامته إن كان واحدا أنت ، وإن خاطبت اثنين فعلامتهما أنتما ، وان خاطبت جميعا فعلامتهم أنتم.

واعلم أنه لا يقع أنت في موضع التاء التي في فعلت ولا أنتما في موضع تما التي في فعلتما ، ألا ترى أنك لا تقول فعل أنتما ولا يقع أنتم في موضع تم التي في فعلتم ، لو قلت فعل أنتم لم يجز ولا يقع أنت في موضع التاء في فعلت ، ولا يقع أنتنّ في موضع تنّ التي في فعلتنّ ، لو قلت فعل أنتنّ لم يجز ، وأما المضمر المحدّث عنه فعلامته هو ، وإن كان مؤنّثا فعلامته هي ، وإن حدّثت عن اثنين فعلامتهما هما ، وإن حدّثت عن جميع فعلامتهم هم وإن كان الجميع جميع مؤنّث فعلامته هنّ ، ولا يقع هو في موضع المضمر الذي في فعل لو قلت فعل هو لم يجز إلا أن يكون صفة ، ولا يجوز أن يكون هما في موضع الألف التي في ضربا والألف التي في يضربان ، لو قلت ضرب هما او يضرب هما لم يجز ، ولا يقع هم في موضع الواو التي في ضربوا ولا الواو التي مع النون في يضربون ، لو قلت ضرب هم أو يضرب هم لم يجز ، وكذلك هي لا تقع موضع الاضمار الذي في فعلت لأن ذلك الاضمار بمنزلة الاضمار الذي له علامة ، ولا يقع هنّ في موضع النون التي في فعلن ويفعلن لو قلت فعلت هي لم يجز إلا أن يكون صفة كما لم يجز ذلك في المذكّر ، فالمؤنّث يجري مجرى المذكّر ، فأنا وأنت ونحن وأنتما وأنتم وأنتنّ وهو وهي وهما وهم وهنّ لا يقع شيء منها في موضع شيء من العلامات مما ذكرنا ولا في موضع المضمر الذي لا علامة له لأنهم استغنوا بهذا فأسقطوا ذلك.

٤٤٣

[باب استعمالهم علامة الاضمار الذي لا يقع موقع ما يضمر في الفعل اذا لم يقع موقعه]

فمن ذلك قولهم كيف أنت وأين هو ، من قبل أنك لا تقدر على التاء هيهنا ولا على الاضمار الذي في فعل ، ومثل ذلك نحن وأنتم ذاهبون لأنك لا تقدر هيهنا على التاء والميم التي في فعلتم كما لا تقدر في الأول على التاء التي في فعلت ، وكذلك جاء عبد الله وأنت لأنك لا تقدر على التاء التي تكون في الفعل ، وتقول فيها أنتم لأنك لا تقدر على التاء والميم التي في فعلتم هيهنا ، وفيها هم قياما بتلك المنزلة لأنك لا تقدر هنا على الاضمار الذي في فعل ، ومثل ذلك أما الخبيث فأنت وأما العاقل فهو ، لأنك لا تقدر هنا على شيء مما ذكرنا وكذلك كنّا وأنتم ذاهبين ، وكذلك أهو هو وقال الله عزوجل (كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ) فوقع هو هيهنا لأنك لا تقدر على الاضمار الذي في فعل ، وقال الشاعر (وهو لبيد) : [وافر]

(١) فكأنها هي بعد غبّ كلالها

أو أسفع الخدّين شاة إران

وتقول ما جاء إلّا أنا ، قال عمرو بن معدي كرب : [سريع]

(٢) قد علمت سلمي وجاراتها

ما قطّر الفارس إلّا أنا

وكذلك ها أنا ذا وها نحن أولاءوها هو ذاك وهاهما ذانك وهاهم أولئك وها أنت ذا وها أنتما ذان وها أنتم أولاء وها أنتنّ أولاء وها هنّ أولئك ، وانما استعملت هذه الحروف هيهنا لأنك لا تقدر على شيء من الحروف التي تتكون علامة في الفعل ولا على

__________________

(٥٧٣) الشاهد في اظهار هي اذ كانت كأن حرفا لا يستكن فيه ضمير الرفع كما يستكن في الفعل لقوة الفعل وضعف الحرف* وصف ناقة فشبهها بعد الكلال بها نفسها في حال نشاطها وأول سيرها ، وقبل الضمير راجع على سفينة ذكرها شبه الناقة بها في كما خلقها ، وشدتها وغبب الشيء بعده ، والأسفع الأسود يضرب الى الحمرة وأراد به ثورا وحشيا والشاة تقع عليه وعلى البقرة ، والإران النشاط وفعله أرن أرنا والاران الاسم ، والاران أيضا نعش النصارى.

(٥٧٤) الشاهد في اظهار أنا وانفصاله بعد الا حيث لم يقدر على الضمير المتصل بالفعل ومعنى قطر صرعه على أحد قطريه أي على أحد جانبيه والقطر والقتر الجانب.

٤٤٤

الاضمار الذي في فعل ، وزعم الخليل أن ها هنا هى التي مع ذا اذا قلت هذا ، وانما أرادوا أن يقولوا هذا أنت ولكنهم جعلوا أنت بين ها وذا وأرادوا ان يقولوا أنا هذا وهذا أنا فقدّموا ها وصارت أنا بينهما ، وزعم أبو الخطاب أن العرب الموثوق بهم يقولون أنا هذا وهذا أنا ، ومثل ما قال الخليل في هذا قول الشاعر (وهو لبيد) : [طويل]

(١) ونحن اقتسمنا المال نصفين بيننا

فقلت لهم هذا لها ها وذا ليا

كأنه أراد أن يقول وهذا الى فصيرّ الواو بين ها وذا ، وزعم أن مثل ذلك إي ها الله ذا انما هو هذا وقد تكون ها في ها أنت ذا غير مقدّمة ولكنها تكون للتنبيه بمنزلتها في هذا ، يدلك على هذا قوله عزوجل (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) فلو كانت ها هيهنا هي التي تكون أولا اذا قلت هؤلاء لم تعدها هيهنا بعد أنتم ، وحدثنا يونس أيضا تصديقا لقول أبي الخطّاب أن العرب تقول هذا أنت تقول كذا وكذا ، لم يرد بقوله هذا أنت أن يعرّفه نفسه كأنك تريد أن تعلمه أنه ليس غيره ، هذا محال ولكنه أراد أن ينبّهه كأنه قال الحاضر عندنا أنت والحاضر القائل كذا وكذا أنت ، وإن شئت لم تقدّم ها في هذا الباب قال تعالى (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ).

[باب علامة المضمرين المنصوبين]

اعلم أنّ علامة المضمرين المنصوبين إياما لم تقدر على الكاف التي في رأيتك ، وكما التي في رأيتكما ، وكم التي في رأيتكم ، وكنّ التي في رأيتكن والهاء التي في رأيته ، والهاء التي في رأيتها ، وهما التي في رأيتهما ، وهم التي في رأيتهم ، وهنّ التي في رأيتهن ، وني التي في رأيتني ، ونا التي في رأيتنا ، فان قدرت على شيء من هذه الحروف في موضع لم يوقع إيّا ذلك الموضع ، لأنهم استغنوا بها عن إيّا كما استغنوا بالتاء وأخواتها في الرفع عن أنت وأخواتها.

__________________

(٥٧٥) الشاهد في فصله بين ها وذا بالواو والتقدير وهذا لى كما قالوا هانذا والتقدير هذا أنا ونصب نصفين على الحال وفي هذا حجة لما أجازه سيبويه من الحال في قول ذي الرمة

* ترى خلفها نصف قناة قويمة*

واحتجاج على المبرد في ابطال جوازه كما تقدم.

٤٤٥

[باب استعمالهم إيّا اذا لم تقع مواقع الحروف التي ذكرنا]

فمن ذلك قولهم إيّاك رأيت وإيّاك أعني فانما استعملت إياك هيهنا من قبل أنك لا تقدر على الكاف ، وقال الله عزوجل (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) من قبل أنك لا تقدر على كم هيهنا ، وتقول إني وإياك منطلقان لأنك لا تقدر على الكاف ، ونظير ذلك قوله عزوجل (ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ) فلو قدرت على الهاء التي في رأيته لم تقل إيّاه ، وقال الشاعر : [بسيط]

(١) مبرّء من عيوب الناس كلّهم

فالله يرعى أبا حرب وإيّانا

لأنه لا يقدر على نا التي في رأيتنا ، وقال الآخر : [وافر]

(٢) لعمرك ما خشيت على عدىّ

سيوف بنى مقيّدة الحمار

ولكني خشيت على عدىّ

سيوف القوم أو ايّاك حار

ويروى رماح القوم ، لأنه لم يقدر على الكاف ، وتقول ان ايّاك رأيت كما تقول إياك رأيت من قبل أنّك اذا قلت إن أفضلهم لقيت فأفضلهم منتصب بلقيت ، هذا قول الخليل وهو في هذا غير حسن في الكلام لأنه انما يريد انّه ايّاك لقيت فترك الهاء وهذا جائز في الشعر ، وإن قلت إنّ أفضلهم لقيت فنصبت بأن فهو قبيح حتى تقول لقيته وقد بيّن وجه ذلك ، وقد بيّناه في باب ان وأخواتها ، واستعملت اياك لقبح الكاف والهاء هيهنا ، ونقول عجبت من ضربي ايّاك ، فان قلت لم وقد تقع

__________________

(٥٧٦) الشاهد في استعمالهم ايانا وهو ضمير منفصل حيث لم يقدر علي الضمير المتصل وايا عند سيبويه والخليل اسم مبهم مضاف الى ما بعده من ضمائر المتكلم والمخاطب والغائب للتخصيص ، ويدل على ذلك ما حكاه الخليل من قولهم فاياه وايا الشواب ، وغيرهما يجعلها مع ما اتصل بها من هذه العلامات اسما واحدا على حياله وقولهما أولى للشاهد من كلام العرب

(٥٧٧) الشاهد في اتيانه باياك اذ لم يقدر علي الضمير المتصل بالفعل* هجا قوما فجعل امهم راعية حمر ، وقوله سيوف القوم أراد قوما بأعيانهم مدحهم وفخمهم وعطف اياك على السيوف والتقدير وخشيتك عليه ولو عطفها على القوم لقال أو سيوفك فأعاد السيوف مع الضمير المجرور لأن ضمير الجر لا ينفصل.

٤٤٦

الكاف هيهنا وأخواتها تقول عجبت من ضربيك ومن ضربيه وضربيكم فالعرب قد تتكلّم بهذا وليس بالكثير ، ولم تستحكم علامات الاضمار التي لا تقع ايّا مواقعها كما استحكمت في الفعل ، لا يقال عجبت من ضربكني إن بدأت به قبل المتكلّم ولا من ضربهيك ان بدأت بالبعيد قبل القريب ، فلما قبح هذا عندهم ولم تستحكم هذه الحروف عندهم في هذا الموضع صارت ايّا عندهم في هذا الموضع لذلك بمنزلتها في الموضع الذي لا يقع فيه شيء من هذه الحروف ، ومثل ذلك كان ايّاه لأنّ كانه قليلة ولم تستحكم هذه الحروف هيهنا لا تقول كأنني وليسني ولا كانك فصارت ايّا هيهنا بمنزلتها في ضربي إيّاك ، وتقول أتوني ليس إيّاك ولا يكون إيّاه لأنك لا تقدر على الكاف ولا الهاء هنا فصارت إيّا بدلا من الكاف والهاء في هذا الموضع ، قال الشاعر (وهو ابن أبي ربيعة) :

(١) ليت هذا الليل شهر

لا ترى فيه عريبا

ليس إيّاي وإيّا

ك ولا نخشى رقيبا

وبلغني عن العرب الموثوق بهم أنهم يقولون ليسني وكانني ، وتقول عجبت من ضرب زيد أنت ومن ضربك هو اذا جعلت زيدا مفعولا ، وجعلت المضمر الذي علامته الكاف مفعولا ، أنت هيهنا للفاعل كما جاز ايّا للمفعول لأن ايّا وأنت علامتا الاضمار وامتناع التاء يقوّي دخول أنت هيهنا ، وتقول قد جرّبتك فوجدتك أنت أنت ، فأنت الأولى مبتدأة والثانية مبنية عليها كأنك قلت فوجدتك وجهك طليق ، والمعنى أنك أردت أن تقول فوجدتك أنت الذي أعرف ، ومثل ذلك أنت أنت وإن فعلت هذا فأنت أنت ، أي فأنت الذي أعرف او أنت الجواد والجلد كما تقول الناس الناس أي

__________________

(٥٧٨) الشاهد في اتيانه بالضمير بعد ليس منفصلا لوقوعه موقع خبرها ، والخبر منفصل من المخبر عنه فكان الاختيار فصل الضمير اذا وقع موقعه ، واتصاله بليس جائز لأنها فعل وان لم تقو قوة الفعل الصحيح ، وليس في البيت يحتمل تقديرين أحدهما أن يكون في موضع الوصف للاسم قبلها كأنه قال لا ترى فيه عربيا غيري وغيرك والتقدير الآخر أن يكون أستثناء بمنزلة الا وعريب بمعنى أحد وهو بمعنى معرب ، أي لا نرى فيه متكلما يخبر عنا وبعرب عن حالنا.

٤٤٧

الناس بكلّ مكان وعلى كل حال كما تعرف ، وان شئت قد وليت عملا فكنت أنت اياك ، وقد جرّبتك فوجدتك أنت ايّاك ، جعلت أنت صفة وجعلت ايّاك بمنزلة الظريف اذا قلت فوجدتك أنت الظريف ، والمعنى أنك أردت أن تقول وجدتك كما كنت أعرف ، وهذا كله قول الخليل سمعناه منه ، وتقول أنت أنت تكرّرها كما تقول للرجل أنت وتسكت على حدّ قوله قال الناس زيد ، وعلى هذا الحدّ تقول قد جرّبت فكنت كنت اذا كررتها توكيدا ، وان شئت جعلت كنت صفة لأنك قد تقول قد جرّبت فكنت ثم تسكت.

[باب الإضمار فيما جرى مجرى الفعل]

وذلك إنّ ولعلّ وليت وأخواتها ورويدك ورويد وعليك وهلمّ وما أشبه ذلك ، فعلامات الاضمار حالهن هنا كحالهن في الفعل لا تقوى أن تقول عليك ايّاه ولا رويد ايّاه ، لأنك قد تقدر على الهاء ، عليكه ورويده لا تقول عليك ايّاي لأنك تقدر على نى ، وحدّثني يونس أنه سمع من العرب من يقول عليكني من غير تلقين ومنهم من لا يستعمل ني ولانا في ذا الموضع استغناء بعليك بي وعليك بنا عن ني ونا وايّاي وايّانا ، ولو قلت عليك ايّاه كان هيهنا جائزا في عليك وأخواتها لأنه ليس بفعل وان شبّه به ولم تقو العلامات هيهنا كما قويت في الفعل فهي مضارعة في ذلك الأسماء.

واعلم أنه قبيح أن تقول رأيت فيها ايّاك ورأيت اليوم اياه من قبل أنك قد تجد الاضمار الذي هو سوي ايّا وذلك الكاف التي في رأيتك فيها والهاء التي في رأيته اليوم فلمّا قدروا على هذا الاضمار بعد الفعل ولم ينقض معنى ما أرادوا لو تكلّموا بأياك استغنوا بهذا عن ايّاك وايّاه ، ولو جاز هذا لجاز ضرب زيد ايّاه ، وانّ فيها ايّاك ولكنهم لمّا وجدوا انّك فيها وضربه زيد ولم ينقض ما أرادوا لو قالوا انّ فيها ايّاك وضرب زيد ايّاه استغنوا به عن ايّا ، وأمّا ما أتاني الّا أنت وما رأيت الّا ايّاك فانه لا يدخل على هذا من قبل أنه لو أخّر الّا كان الكلام محالا ولو أسقط الّا لانقلب المعنى وصار الكلام على معنى آخر.

٤٤٨

[باب ما يجوز في الشعر من ايّا ولا يجوز في الكلام]

من ذلك قول الشاعر (وهو حميد الأرقط) : [رجز]

(١) * إليك حتّي بلغت إيّاكا*

وقال بعض اللّصوص :

كأنّا يوم قرّى

إنما نقتل إيّانا (٢)

قتلنا منهم كلّ

فتى أبيض حسّانا

[باب علامة اضمار المجرور]

اعلم أن أنت وأخواتها لا يكنّ علامات لمجرور من قبل أن أنت اسم مرفوع ولا يكون المرفوع مجرورا ، ألا ترى أنك لو قلت مررت بزيد وأنت لم يجز ، ولو قلت ما مررت بأحد إلّا أنت لم يجز ، ولا يجوز إيّا أن تكون علامة لمضمر مجرور من قبل أن إيّا علامة للمنصوب فلا يكون المنصوب في موضع المجرور ولكن اضمار المجرور علاماته كعلامات المنصوب التي لا تقع مواقعهن إيّا إلّا أن تضيف الى نفسك نحو قولك بي ولي وعندي وتقول مررت بزيد وبك وما مررت بأحد إلّا بك ، أعدت مع المضمر الباء من قبل أنهم لا يتكلمون بالكاف وأخواتها منفردة فلذلك أعادوا الجارّ مع المضمر ، ولم توقع إيّا ولا أنت ولا أخواتها هيهنا من قبل أن المنصوب والمرفوع لا يقعان في موضع المجرور.

[باب اضمار المفعولين اللّذين تعدّى اليهما فعل الفاعل]

اعلم أن المفعول الثاني قد تكون علامته اذا أضمر في هذا الباب العلامة التي لا تقع إيّا

__________________

(٥٧٩) الشاهد في وضعه إياك موضع الكاف ضرورة ، وقال الزجاج أراد بلغتك اياك فحذف الكاف ضرورة وهذا التقدير ليس بشىء لأنه حذف المؤكد وترك التوكيد مؤكدا لغير موجود فلم يخرج من الضرورة الا الى أقبح منها والمعنى سارت هذه الناقة اليك حتى بلغتك.

(١) الشاهد في وضع ايانا موضع الضمير المتصل في نقتلنا وقد تقدم البيت بعلته وتفسيره.

٤٤٩

موقعها ، وقد تكون علامته اذا أضمر إيّا ، فأما علامة الثاني التي لا تقع إيّا موقعها فقولك أعطانيه وأعطانيك فهذا هكذا اذا بدأ المتكلّم بنفسه ، فان بدأ بالمخاطب قبل نفسه فقال أعطاكني أو بدأ بالغائب قبل نفسه فقال قد أعطاهوني فهو قبيح لا تكلم به العرب ولكن النحويين قاسوه ، وانما قبح عند العرب كراهية أن يبدأ المتكلم في هذا الموضع بالأبعد قبل الأقرب ، ولكن تقول أعطاك ايّاي وأعطاه إيّاى ، فهذا كلام العرب وجعلوا إيّا تقع هذا الموقع اذا قبح هذا عندهم كما قالوا ايّاك رأيت وإيّاي رأيت اذ لم يجز لهم ني رأيت ولاك رأيت ، فاذا كان المفعولان اللّذان تعديّ اليهما فعل الفاعل مخاطبا وغائبا فبدأت بالمخاطب قبل الغائب فان علامة الغائب العلامة التي لا تقع موقعها إيّا وذلك قوله أعطيتكه وقد أعطاكه ، وقال عزوجل (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) فهذا هكذا اذا بدأت بالمخاطب قبل الغائب ، وانما كان المخاطب أولى بان يبدأ به من قبل أن المخاطب أقرب الى المتكلم من الغائب ، فكما كان المتكلم أولى بأن يبدأ بنفسه قبل المخاطب كان المخاطب الذي هو أقرب من الغائب أولى بان يبدأ به من الغائب ، فان بدأت بالغائب فقلت أعطاهوك فهو في القبح وأنه لا يجوز بمنزلة الغائب والمخاطب اذا بدىء بهما قبل المتكلم ولكنك اذا بدأت بالغائب قلت قد أعطاه ايّاك ، وأما قول النحويين قد أعطاهوك وأعطاهونى فانما هو شيء قاسوه لم تكلم به العرب فوضعوا الكلام في غير موضعه وقياس هذا لو تكلم به كان هيّنا ، ويدخل على من قال هذا أن يقول الرجل اذا منحته نفسه قد منحتنيني ، ألا ترى أن القياس قد قبح اذا وضعت ني في غير موضعها ، فان ذكرت مفعولين كلاهما غائب فقلت أعطاهوها وأعطاهاه جاز وهو عربي ولا عليك بأيهما بدأت من قبل أنهما كلاهما غائب ، وهذا أيضا ليس بالكثير في كلامهم والأكثر في كلامهم أعطاه إيّاه على أنه قد قال الشاعر (وهو مغلس بن لقيط الاسدي) : [طويل]

(١) وقد جعلت نفسي تطيب لضغمة

لضغمهما ها يقرع العظم نابها

__________________

(٥٨٠) الشاهد في قوله لضغمهما ها وكان وجه الكلام لضغمهما اياها لأن المصدر لم يستحكم في العمل والاضمار استحكام الفعل والضغمة العضة ومنه قيل للاسد ضيغم ، وهذا ـ

٤٥٠

ولم تستحكم هيهنا العلامات كما لم تستحكم في عجبت من ضربي إيّاك ولا في كان إيّاه ، ولا في ليس إيّاه ، وتقول حسبتك إيّاه وحسبتني إيّاه لان حسبتنيه وحسبتكه قليل في كلامهم ، وذلك لأن حسبت بمنزلة كان انما يدخلان على المبتدإ والمبني عليه ، فيكونان في الاحتجاج على حال ، ألا ترى أنك لا تقتصر على الاسم الذي يقع بعدهما كما لا يقتصر عليه مبتدءا ، والمنصوبان بعد حسبت بمنزلة المرفوع والمنصوب بعد ليس وكان ، وكذلك الحروف التي بمنزلة حسبت وكان لأنهما إنما يجعلان المبتدأ والمبنيّ عليه فيما مضى يقينا أو شكا أو علما ، وليس بفعل أحدثته منك الي غيرك كضربت وأعطيت انما تجعل الأمر في علمك يقينا أو شكا فيما مضى ولا يجوز أن تقول ضربتني ولا ضربت إيّاي ، لا يجوز واحد منهما لأنهم قد استغنوا عن ذلك بضربت نفسي وإيّاي ضربت.

[باب لا تجوز فيه علامة المضمر المخاطب ولا علامة المضمر المتكلّم ولا علامة] (المضمر المحدّث عنه الغائب)

وذلك أنه لا يجوز لك أن تقول للمخاطب اضربك ولا اقتلك ولا ضربتك لمّا كان المخاطب فاعلا وجعلت مفعوله نفسه قبح ذلك لأنهم استغنوا بقولهم اقتل نفسك وأهلكت نفسك عن الكاف هيهنا وعن إيّاك ، وكذلك المتكلّم لا يجوز له أن يقول أهلكتني ولا أهلكنى ، لأنه جعل نفسه مفعوله فقبح ، وذلك لأنهم استغنوا بقولهم أنفع نفسي عن ني وعن إيّاي ، وكذلك الغائب لا يجوز لك أن تقول ضربه اذا كان فاعلا وجعلت مفعوله نفسه لأنهم استغنوا عن الهاء وعن إيّاه بقولهم ظلم نفسه وأهلك نفسه ، ولكنه قد يجوز ما قبح هيهنا في حسبت وظننت وخلت وأرى وزعمت ورأيت اذا لم تعن رؤية العين ووجدت اذا لم ترد وجدان الضالة ، وجميع حروف الشك وذلك قولك حسبتني وأراني ووجدتني فعلت كذا وكذا ورأيتني لا يستقيم لي ذلك ، وكذلك ما أشبه هذه الأفعال تكون حال علامات المضمرين المنصوبين فيها اذا جعلت فاعليهم أنفسهم

__________________

ـ الشاعر وصف شدة أصابه بها رجلان فيقول قد جعلت نفسي تطيب لاصابتهما بمثل الشدة التي أصاباني بها وضرب الضغمة مثلا ثم وصف الضغمة فقال يقرع العظم نابها فجعل لها نابا على السعة ، والمعنى يصل الناب فيها الى العظم فيقرعه والرجلان من قومه وهما مدرك ومرة.

٤٥١

كحالها اذا كان الفاعل غير المنصوب ومما يثبّت علامات المضمرين المنصوبين هيهنا أنه لا يحسن إدخال النفس هيهنا لو قلت تظنّ نفسك فاعلة أو أظنّ نفسي تفعل على حد تظنّك وأظنّني ليجزيء ذاك من ذا لم يجزيء كما أجزأ أهلكت نفسك عن أهلكتك فاستغنى به عنه ، وانما افترقت حسبت وأخواتها والأفعال الأخر لأنّ حسبت وأخواتها انما أدخلوها على مبتدإ ومبني على مبتدإ لتجعل الحديث شكا أو علما ، ألا تري أنك لا تقتصر على المنصوب الأول كما لا تقتصر عليه مبتدأ والأفعال الأخر انما هي بمنزلة اسم مبتدإ والأسماء مبنية عليها ، ألا ترى أنك لا تقتصر على الاسم كما تقتصر على المبني على المبتدإ ، فلمّا صارت حسبت وأخواتها بتلك المنزلة جعلت بمنزلة إنّ وأخواتها إذا قلت إنّنى ولعلّنى ولكنّنى وليتنى لأن إن وأخواتها لا يقتصر فيها على الاسم الذي يقع بعدها لأنها انما دخلت على مبتدإ ومبني على مبتدإ ، واذا أردت برأيت رؤية العين لم يجز رأيتني لأنها حينئذ بمنزلة ضربت ، واذا أردت التي بمنزلة علمت صارت بمنزلة إن وأخواتها ، لأنهن لسن بأفعال وانما يجئن لمعنى كذلك هذه الأفعال انما جئن لعلم أو شك ولم يرد فعلا سلف منه الى انسان يبتدئه.

[باب علامة اضمار المنصوب المتكلم والمجرور المتكلّم]

اعلم أن علامة اضمار المنصوب المتكلّم ني وعلامة اضمار المجرور المتكلّم الياء ، ألا ترى أنك تقول اذا اضمرت نفسك وأنت منصوب ضربني وقتلني ولعلّني ، وتقول اذا أضمرت نفسك وأنت مجرور غلامى وعندي ومعي ، فإن قلت ما بال العرب قد قالت إني وكأني ولعلي ولكنّي فانه زعم أن هذه الحروف اجتمع فيها أنها كثيرة في كلامهم وأنهم يستثقلون في كلامهم التضعيف فلما اجتمع كثرة استعمالهم إياها وتضعيف الحروف حذفوا التي تلي الياء فان قلت لعلي ليس فيها نون فانه زعم أن اللام قريبة من النون وهي أقرب الحروف من النون ، ألا ترى أن النون قد تدّغم مع اللام حتى نبدل مكانها لام وذلك لقربها منها فحذفوا هذه النون كما يحذفون ما يكثر استعمالهم ايّاه وسألته عن الضاربي فقال هذا اسم ويدخله الجرّ ، وانما قالوا في الفعل ضربني ويضربني كراهية أن يدخله الكسر كما منع الجرّ ، فان قلت قد تقول اضرب الرجل فتكسر فانك لم تكسرها كسرا يكون للأسماء انما

٤٥٢

يكون هذا لالتقاء الساكنين ، وقد قال الشاعر حيث اضطّر ليتي كأنهم شبهوه بالاسم حيث قالوا الضاربي والمضمر منصوب ، قال الشاعر (وهو زيد الخيل) : [وافر]

(١) كمية جابر اذ قال ليتي

أصادفه وأتلف بعض مالي

وسألته عن قولهم عنّي وقدني وقطني ومنّي ولدنّى فقلت ما بالهم جعلوا علامة إضمار المجرور هيهنا كعلامة اضمار المنصوب ، فقال انه ليس في الدنيا حرف تلحقه ياء الاضافة الّا كان متحركا مكسورا ولم يريدوا أن يحرّكوا الطاء التي في قط ولا النون التي في من فلم يكن لهم بد من أن يجيئوا بحرف لياء الاضافة متحرّك اذ لم يريدوا أن يحرّكوا الطاء ولا النونات لأنها لا تذكر أبدا الّا وقبلها حرف متحرّك مكسور ، وكانت النون أولى لأنّ من كلامهم تكون النون والياء علامة المتكلّم فجاؤوا بالنون لأنها اذا كانت مع الياء لم تخرج هذه العلامة من علامات الاضمار وكرهوا أن يجيئوا بحرف غير النون فيخرجوا من علامات الاضمار ، وانما حملهم على أن لا يحرّكوا الطاء والنونات كراهية أن تشبه الأسماء نحو يد وهن ، وأمّا ما تحرّك آخره فنحو مع ولد كتحريك أواخر هذه الأسماء لأنه اذا تحرّك آخره فقد صار كأواخر هذه الأسماء فمن ثم لم يجعلوها بمنزلتها ، فمن ذلك قولك معي ولدي في لد ، وقد يقولون في الشعر قطى وقدي ، فأمّا الكلام فلا بدّ فيه من النون ، وقد اضطرّ الشاعر فقال قدي شبّهه بحسبي لأنّ المعنى واحد ، قال الشاعر (وهو ابو نخيلة) :

(٢) قدني من نصر الخبيبين قدي

ليس الامام بالشّحيح الملحد

__________________

(٥٨١) الشاهد في حذف النون من ضمير المنصوب في ليتى وكان الوجه ليتني كما تقول ضربني فشبه ليت في الحذف ضرورة بان ولعل اذا قلت انى ولعلى ، والمنية واحدة المنى من التمني* وصف أن رجلا تمنى لقاءه ليقتله كما تمناه جابر هذا المذكور وكان تمنيه عليه.

(٥٨٢) الشاهد في حذف النون من قدني تشبيها بحسبي ، واثباتها في قد وقط هو المستعمل لأنها في البناء ومضارعة الحروف بمنزلة من وعن فتلزمها النون المكسورة قبل الياء لئلا يغير آخرها عن السكون ، وأراد بالخبيبين عبد الله بن الزبير وكنيته أبو خبيب ومصعبا أخاه وغلبه لشهرته ، ويروى الخبيبين على الجمع يريد أبا خبيب وشيعته ومعنى قدني حسبي وكفاني.

٤٥٣

لمّا اضطرّ شبّهه بحسبي وهني لأنّ ما بعدهن وحسب مجرور كما أنّ ما بعد قد مجرور فجعلوا علامة الاضمار فيها سواء كما قال ليتى حيث اضطرّ فشبّهه بالاسم نحو الضاربي ، لأنّ ما بعدهما في الاظهار سواء فلما اضطرّ جعل ما بعدهما في الاضمار سواء ، وسألناه عن الى ولدا وعلى فقلنا هذه الحروف ساكنة ولا نرى النون دخلت فيها ، فقال من قبل أن الألف في لدا والياء في على اللّذين قبلهما حرف مفتوح لا تحرّك في كلامهم واحدة منهما لياء الاضافة ويكون التحريك لازما لياء الاضافة فلمّا علموا أن هذه المواضع ليس لياء الاضافة عليها سبيل بتحريك كما كان لها السبيل على سائر حروف المعجم لم يجيئوا بالنون اذ علموا أنّ الياء في ذا الموضع والألف ليستا من الحروف التي تحرّك لياء الاضافة ، ولو أضفت الى الياء الكاف التي تجرّ بها لقلت ما أنت كي والفتح خطأ وهي متحرّكة كما أنّ أواخر الأسماء متحركة وهي تجرّ كما أن الأسماء تجر ولكنّ العرب قلمّا تكلّموا بذا ، وأمّا قط وعن ولدن فانهن تباعدن من الأسماء ولزمهن ما لا يدخل الأسماء المتمكّنة وهو السكون وانما يدخل ذلك على الفعل نحو خذ وزن فضارعت الفعل وما لا يجرّ ابدا وهو ما أشبه الفعل فاجريت مجراه ولم يحرّكوه.

[باب ما يكون مضمرا فيه الاسم متحوّلا عن حاله اذا أظهر بعد الاسم]

وذلك لو لاك ولو لاي اذا أضمرت الاسم فيه جرّ واذا أظهرت رفع ، ولو جاءت علامة الاضمار على القياس لقلت لو لا أنت كما قال سبحانه (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) ولكنهم جعلوه مضمرا مجرورا ، والدليل على ذلك أن الياء والكاف لا تكونان علامة مضمر مرفوع : قال الشاعر (وهو يزيد ابن أمّ الحكم) :

(١) وكم موطن لو لاي طحت كما هوى

بأجرامه من قلّة النّيق منهوي

__________________

(٥٨٣) الشاهد في اتيانه بضمير الخفض بعد لو لا وهي من حروف الابتداء ووجه ذلك أن الاسم المبتدأ بعدها لا يذكر خبره فأشبه الاسم المجرور في انفراده والمضمر لا يتبين فيه الاعراب فوقع مجروره موقع مرفوعه والأكثر لو لا أنت قياسا على الظاهر وكان المبرد يرد مثل هذا ويطعن على قائل هذا البيت ولا يراه حجة وهذا من تحامله وتعسفه.

٤٥٤

وهذا قول الخليل ويونس ، وأمّا قولهم عساك فالكاف منصوبة ، قال (رؤبة) :

(١) * يا أبتا علّك أو عساكا*

والدليل على أنها منصوبة أنك اذا عنيت نفسك كانت علامتك ني ، قال عمران بن حطان :

(٢) ولي نفس أقول لها اذا ما

تنازعني لعلّي أو عساني

فلو كانت الكاف مجرورة لقال عساي ولكنهم جعلوها بمنزلة لعلّ في هذا الموضع فهذان الحرفان لهما في الاضمار هذه الحال كما كان للدن حال مع غدوة ليست مع غيرها وكما أنّ لات إن لم تعملها في الأحيان لم تعمل فيما سواها فهي معها بمنزلة ليس فإذا جاوزتها فليس لها عمل ، ولا يستقيم أن تقول وافق الرفع الجرّ في لو لاي كما وافق النصب الجرّ حين قلت معك وضربك لأنك اذا أضفت الى نفسك اختلفا وكان الجرّ مفارقا للنصب في غير الأسماء ، ولا تقول وافق الرفع النصب في عساني كما وافق النصب الجرّ في ضربك ومعك لأنهما مختلفان اذا أضفت الى نفسك كما ذكرت لك ، وزعم ناس أنّ الياء في لو لاي وعساني في موضع رفع جعلوا لو لاي موافقة للجرّونى موافقة للنصب كما اتّفق الجرّ والنصب في الهاء والكاف ، وهذا وجه رديء لما ذكرت لك ولأنك لا ينبغي لك أن تكسر الباب وهو مطّرد تجد له وجها ، وقد يوجّه الشيء على الشيء البعيد اذا لم يوجد غيره ، وربّما وقع ذلك في كلامهم وقد بيّن بعض ذلك وستراه فيما تستقبل إن شاء الله.

__________________

(٥٨٤) الشاهد فيه وضع ضمير النصب بعد عسى موضع ضمير الرفع تشبيها بلعل لأنها في معناها وكان المبرد يرد هذا ويزعم أن الضمير في موضع خبرها المنصوب على حد قولهم* عسى الغوير أبؤسا* ويجعل ضمير الرفع مستكنا فيها ومذهب سيبويه أولى لاطراد وقوع الضمير بعدها على هذا الحال ، لأن قولهم عسى الغوير أبؤسا لم يسمع الا في هذا وهو كالمثل.

(٥٨٥) الشاهد في اتصال ضمير النصب بعسى على ما تقدم ودخول النون على الياء في عساني دليل على أن الكاف في عساك في موضع نصب لا جر لأن النون والياء علامة المنصوب يقول اذا نازعتني نفسي في أمر الدنيا خالفتها وقلت لعلى أتورط فيها فأكف عما تدعوني اليه منها.

٤٥٥

[باب ما تردّه علامة الاضمار الى أصله]

فمن ذلك قولك لعبد الله مال ثم تقول لك مال وله مال فتفتح اللام ، وذلك أنّ اللام لو فتحوها في الاضافة لا لتبست بلام الابتداء اذا قال إنّ هذا لفلان ولهذا أفضل منك ، فأرادوا أن يميّزوا بينهما فلمّا أضمروا لم يخافوا أن تلتبس بها لأنّ هذا الاضمار لا يكون للرفع ويكون للجرّ الا تراهم قالوا يا لبكر حين نادوه لأنهم قد علموا أن تلك اللام لا تدخل هيهنا ، وقد شبّهوا به قولهم أعطيتكموه في قول من قال أعطيتكم ذلك فيجزم ، ردّه بالاضمار الى أصله ، كما ردّه بالألف واللام حين قال أعطيتكم اليوم فشبّهوا هذا بله وان كان مثله لأن من كلامهم أن يشبّهوا الشيء بالشيء ، وان لم يكن مثله وقد بيّنا ذلك فيما مضى ، وستراه فيما بقي ، وزعم يونس أنه يقول أعطيتكمه وأعطيتكمها كما تقول في المظهر والأوّل أكثر وأعرف.

[باب ما يحسن أن يشرك المظهر المضمر فيما عمل فيه وما يقبح أن]

(يشرك المظهر المضمر فيما عمل فيه)

أما ما يحسن أن يشركه المظهر فهو المضمر المنصوب ، وذلك قولك رأيتك وزيدا وإنّك وزيدا منطلقان ، وأما ما يقبح أن يشركه المظهر فهو المضمر في الفعل المرفوع وذلك قولك فعلت وعبد الله وأفعل وعبد الله ، وزعم الخليل أنّ هذا انما قبح من قبل أنّ هذا الاضمار يبني عليه الفعل فاستقبحوا أن يشرك المظهر مضمرا يغيّر الفعل عن حاله اذا بعد منه وإنما حسن شركته المنصوب لأنه لا يغيّر الفعل فيه عن حاله التي كان عليها قبل أن يضمر فأشبه المظهر وصار منفصلا عندهم بمنزلة المظهر اذ كان الفعل لا يتغيّر عن حاله قبل أن تضمر فيه ، وأما فعلت فانهم قد غيّروه عن حاله في الاظهار أسكنت فيه اللام فكرهوا أن يشرك المظهر مضمرا يبني له الفعل غير بنائه في الاظهار حتى صار كأنه شيء في كلمة لا يفارقها كألف أعطيت ، فان نعّته حسن أن يشركه المظهر وذلك قولك ذهبت أنت وزيد ، وقال الله عزوجل (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) وذلك أنك لمّا وصفته حسن الكلام حيث

٤٥٦

طوّلته ووكّدته كما قال قد علمت أن لا تقول ذاك ، فان أخرجت لا قبح الرفع ، فأنت وأخواتها تقوّي المضمر وتصير عوضا من السكون والتغيير ومن ترك العلامة في مثل ضرب ، وقال الله عزوجل (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا) حسن لمكان لا ، وقد يجوز في الشعر قال الشاعر :

(١) قلت اذ أقبلت وزهر تهادى

كنعاج الملا تعسّفن رملا

واعلم أنه قبيح أن تصف المضمر في الفعل بنفسك وما أشبهه وذاك أنه قبيح أن تقول فعلت نفسك إلا أن تقول فعلت أنت نفسك ، وإن قلت فعلتم أجمعون حسن لأن هذا يعمّ به واذا قلت نفسك فانما تريد أن تؤكّد الفاعل ولمّا كانت نفسك يتكلم بها مبتدأة وتحمل على ما يجرّ وينصب ويرفع شبّهوها بما يشرك المضمر وذلك قولك نزلت بنفس الجبل ونفس الجبل مقابلي ونحو ذلك ، وأما أجمعون فلا يكون في الكلام إلا صفة ، وكلّهم قد يكون بمنزلة أجمعين لأنّ معناها معنى أجمعين فهي تجري مجراها ، وأما علامة الاضمار التي تكون منفصلة من الفعل ولا تغيّر ما عمل فيها عن حاله اذا أظهر فيه الاسم فانه يشركها المظهر لأنه يشبه المظهر وذلك قولك أنت وعبد الله ذاهبان والكريم أنت وعبد الله.

واعلم أنه قبيح أن تقول ذهبت وعبد الله وذهبت وعبد الله وذهبت وأنا لأنّ أنا بمنزلة المظهر ألا ترى أنّ المظهر لا يشركه إلا أن يجيء في الشعر ، قال الراعي :

(٢) فلمّا لحقنا والجياد عشيّة

دعوا يا لكلب واعتزينا لعامر

__________________

(٥٨٦) الشاهد في عطف الزهر على الضمير المستكن في الفعل ضرورة وكان الوجه أن يقول أقبلت هي وزهر فيؤكد الضمير المستكن ليقوى ثم يعطف عليه ، والزهر جمع زهراء وهي البيضاء المشرقة والتهادي المشي الرويد الساكن ، والنعاج بقر الوحش شبه النساء بها في سكون المشي فيه ، ومعنى تعسفن ركبن واذا مشت في الرمل كان أسكن لمشيها لصعوبة المشي فيه ، والملا الفلاة الواسعة ، والملي والملا من الدهر الطويل الواسع.

(٥٨٧) الشاهد في عطف الجياد على الضمير المتصل بالفعل وفيه قبح حتى يؤكد بضمير منفصل فيقال لحقنا نحن والجياد* يقول أغاروا في الصباح ثم خرجنا في الطلب ـ

٤٥٧

ومما يقبح أن يشركه المظهر علامة المضمر المجرور ، وذلك قولك مررت بك وزيد وهذا أبوك وعمرو ، كرهوا أن يشرك المظهر مضمرا داخلا فيما قبله لأن هذه العلامة الداخلة فيما قبلها جمعت أنها لا يتكلم بها إلّا معتمدة على ما قبلها وأنها بدل من اللفظ بالتنوين فصارت عندهم بمنزلة التنوين فلمّا ضعفت عندهم كرهوا أن يتبعوها الاسم ولم يجز أيضا أن يتبعوها إياه وإن وصفوه ، لا يحسن لك أن تقول مررت بك أنت وزيد كما جاز فيما أضمرت في الفعل نحو قمت أنت وزيد ، لأن ذاك وان كان قد أنزل منزلة أحد حروف الفعل فليس من الفعل ولا من تمامه وهما حرفان يستغنى كلّ واحد منهما بصاحبه كالمبتدإ والمبنى عليه ، وهذا يكون من تمام الاسم وهو بدل من الزيادة التى في الاسم وحال الاسم اذا أضيف اليه كحاله اذا كان منفردا لا يستغنى به ، ولكنهم يقولون مررت بكم أجمعين لأن أجمعين لا يكون إلّا وصفا يقولون مررت بهم كلّهم لأن أحد وجهيها مثل أجمعين ، وتقول أيضا مررت بك نفسك ، لما أجزت فيها ما يجوز في فعلتم مما يكون معطوفا على الاسم احتملت هذا اذا كانت لا تغير علامة الاضمار هيهنا ما عمل فيها وضارعت هيهنا ما ينتصب فجاز هذا فيها ، وأما في الاشراك فلا يجوز لأنه لا يحسن الاشراك في فعلت وفعلتم إلّا بأنت وأنتم ، وهذا قول الخليل وتفصيله عن العرب ، وقد يجوز في الشعر أن تشرك بين الظاهر والمضمر على المرفوع والمجرور اذا اضطرّ الشاعر ، وجاز قمت أنت وزيد ولم يجز مررت بك أنت وزيد لأن الفعل يستغني بالفاعل والمضاف لا يستغنى بالمضاف اليه لأنه بمنزلة التنوين ، وقد يجوز في الشعر قال : [رجز]

(١) آبك أيّه بي أو مصدّر

من حمر الجلّة جأب حشور

__________________

ـ فلحقناهم عشية ووقعت الحرب فاعتزينا الى قبائلنا والراعي من نمير بن عامر وكلب من قضاعة وهو كلب بن وبرة.

(٥٨٨) الشاهد في عطف المصدّر على المضمر المجرور دون اعادة الجار وهو من اقبح الضرورة ، والمصدر الشديد الصدر والجأب الغليظ ، والحشور الخفيف ، والجلة المسان واحدها جليل ، ومعنى آبك وبحك والتأييه الدعاء يقال أيهت بالابل اذا صحت بها.

٤٥٨

وقال الآخر :

(١) فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا

فاذهب فما بك والأيّام من عجب

[باب ما لا يجوز فيه الاضمار من حروف الجرّ]

وذلك الكاف في أنت كزيد وحتّى ومذ وذلك لأنهم استغنوا بقولهم مثلى وشبهي عنه فأسقطوه ، واستغنوا عن الاضمار في حتّى بقولهم رأيتهم حتّى ذاك وبقولهم دعه حتّى يوم كذا وكذا وبقولهم دعه حتى ذاك وبالاضمار في إلى اذا قال دعه اليه لأنّ المعنى واحد كما استغنوا بمثلى ومثله عن كي وكه ، واستغنوا عن الاضمار في مذ بقولهم مذ ذاك لأن ذاك اسم مبهم وانما يذكر حين يظنّ أنه قد عرف ما يعنى إلّا أنّ الشاعر اذا اضطرّ أضمر في الكاف فيجرونها على القياس ، قال الشاعر (وهو العجّاج) :

(٢) * وأمّ أو عال كها أو أقربا*

وقال أيضا :

(٣) فلا ترى بعلا ولا حلائلا

كه ولا كهنّ إلّا حاظلا

شبّهوه بقوله له ولهنّ ، ولو اضطرّ شاعر فأضاف الكاف الى نفسه قال ما أنت كي ، وكي خطأ من قبل أنه ليس في العربية حرف يفتح قبل ياء الاضافة.

__________________

(٥٨٩) الشاهد فيه عطف الأيام على المضمر المجرور والقول فيه كالقول في الذي قبله ، ومعنى قربت جعلت وأخذت يقال قربت تفعل كذا أي جعلت تفعله والمعنى هجوك لنا من عجائب الدهر فقد كثرت فلا يعجب منها.

(٥٩٠) الشاهد فيه ادخال الكاف على المضمر تشبيها لها بمثل لأنها في معناها واستعمل ذلك عند الضرورة ، وام أو عال أكمة بعينها والهاء في قوله كها عائدة على شيء مؤنث شبه الأكمة به وعطف أقرب على شيء قبل البيت.

(٥٩١) الشاهد في قوله كهو ولا كهن وأراد مثله ومثلهن والقول فيه كالقول في الذي قبله ، والوقف على كهو باسكان الواو لانه ضمير جر متصل بالكاف اتصاله بمثل ، فالوقف عليه هنا كالوقف عليه ثم* وصف حمارا وآتنا والحاظل ، والعاضل سواء وهو المانع من التزويج لأن الحمار يمنع آتنه من حمار آخر يريدهن ، ولذلك جعلهن كالحلائل وهي الأزواج.

٤٥٩

[باب ما تكون فيه أنت وأنا ونحن وهو وهي وهم وهنّ وأنتنّ]

(وهما وأنتما وأنتم وصفا)

اعلم أنّ هذه الحروف كلها تكون وصفا للمضمر المجرور والمنصوب والمرفوع ، وذلك قولك مررت بك أنت ، ورأيتك أنت ، وانطلقت أنت ، وليس وصفا بمنزلة الطّويل اذا قلت مررت بزيد الطويل ولكنه بمنزلة نفسه إذا قلت مررت به نفسه وأتاني هو نفسه ورأيته هو نفسه ، وإنما تريد بهن ما تريد بالنفس اذا قلت مررت به هو ومررت به نفسه ، وليس تريد أن تحلّيه بصفة ولا قرابة كأخيك ولكنّ النحويّين صار ذا عندهم صفة لأنّ حاله كحال الوصف والموصوف كما كان أخوك والطّويل في الصفة بمنزلة الموصوف في الإجراء لأنه يلحقها ما يلحق الموصوف من الإعراب.

واعلم أنّ هذه الحروف لا تكون وصفا للمظهر كراهية أن يصفوا المظهر بالمضمر كما كرهوا أن يكون أجمعون ونفسه معطوفا على النكرة في قولك مررت برجل نفسه او مررت بقوم أجمعين ، فان أردت أن تجعل مضمرا بدلا من مضمر قلت رأيتك إيّاك ورأيته إيّاه ، فان أردت أن تبدل من المرفوع قلت فعلت أنت وفعل هو فأنت وهو وأخواتهما نظيرة إيّا في النصب.

واعلم أنّ هذا المضمر يجوز أن يكون بدلا من المظه وليس بمنزلته في أن يكون وصفا له لأن الوصف تابع للاسم مثل قولك رأيت عبد الله أبا زيد ، فأما البدل فمنفرد كأنك قلت زيدا رأيت أو رأيت زيدا ثم قلت إيّاه رأيت وكذا أنت وهو وأخواتهما في الرفع.

واعلم أنه قبيح أن تقول مررت به وبزيد هما كما قبح أن تشرك المظهر والمضمر فيما يكون وصفا للمظهر ، ألا ترى أنه قبيح أن تقول مررت بزيد وبه الطويلين ، وإن أراد البدل قال مررت به وبزيد بهما ، لا بدّ من الباء الثانية في البدل.

[باب من البدل ايضا]

وذلك قولك رأيته إيّاه نفسه وضربته إيّاه قائما ، وليس هذا بمنزلة قولك اظنّه هو خيرا منك من قبل أنّ هذا موضع فصل والمضمر والمظهر في الفصل سواء الا

٤٦٠