كتاب سيبويه - ج ١

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]

كتاب سيبويه - ج ١

المؤلف:

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٨٢

يريد يا جارية ، وقال في مثل افتد مخنوق وأصبح ليل ، وأطرق كرا ، وليس هذا بكثير ولا قوي ، وأما المستغاث به فيا لازمة له لأنه يجتهد ، وكذلك المتعجّب منه وهو قولك يا للناس ويا للماء وانما اجتهد لأن المستغاث عندهم متراخ أو غافل والتعجب كذلك والندبة يلزمها يا ووا لأنهم يختلطون ويدعون من قد فات وبعد عنهم ، ومع ذلك انّ الندبة كأنهم يترنّمون فيها فمن ثم ألزموها المدّ وألحقوا آخر الاسم المدّ مبالغة في الترنّم.

[باب ما جرى على حرف النداء وصفا له]

وليس بمنادى ينبّهه غيره ولكنه اختصّ كما أن المنادى محتص من بين أمّته لأمرك أو نهيك أو خبرك فالاختصاص أجرى هذا على حرف النداء كما أنّ التّسوية أجرت ما ليس باستخبار ولا استفهام على حرف الاستفهام لأنك تسوي فيه كما تسوّي في الاستفهام فالتسوية أجرته على حرف الاستفهام ، والاختصاص أجرى هذا على حرف النداء ، وذلك قولك ما أدري أفعل أم لم يفعل ، فجرى هذا كقولك أزيد عندك أم عمرو وأزيد أفضل أم خالد اذا استفهمت لأن علمك قد استوى فيهما كما استوى عليك الأمران في الأول فهذا نظير الذي جرى على حرف النداء ، وذلك قولك أما أنا فأفعل كذا وكذا أيّها الرجل ونفعل نحن كذا وكذا أيّها القوم ، وعلى المضارب الوضيعة أيّها البائع

__________________

ـ جعله الجارية نكرة وهو يشير الى جارية بعينها فقد صارت معرفة بالاشارة ولم يذهب سيبويه الى ما تأوله المبرد عليه من أنه نكرة بعد النداء انما أراد أنه اسم شائع في الجنس نقل الى النداء وهو نكرة وكيف يتأول عليه الغلط في مثل هذا وهو قد فرق بين ما كان مقصودا بالنداء من أسماء الأجناس وبين ما لم يقصد قصده ولا اختص بالنداء من غيره بأن جعل الأول مبنيا على الضم بناء زيد وغيره من المعارف وجعل الآخر معربا بالنصب وهذا من التعسف الشديد والاعتراض القبيح ، والعذير هنا الحال وكان يحاول عمل حلس لبعيره فهزئت منه فقال لها هذا وبعده :

* سيري واشفاقي على بعيري*

أي لا تستنكرى عذيري واشفاقي على بعيرى وسيري عني واذهبي ، ويقال أراد بالعذير هيهنا الصوت كأنه كان يرجز في عمله لحلسه فأنكرت عليه ذلك.

٣٨١

واللهمّ اغفر لنا أيتها العصابة ، وانما أردت أن تختصّ ولا تبهم حين قلت أيّتها العصابة وأيّها الرجل أراد أن يؤكد لأنه اختص حين قال أنا ولكنه أكد كما تقول للذي هو مقبل عليك بوجهه مستمع منصت لك كذا كان الأمر يا أبا فلان توكيدا ولا تدخل يا هيهنا لأنك لست تنبه غيرك.

[باب من الاختصاص يجري على ما جرى عليه النداء]

فيجيء لفظه على موضع النداء نصبا لأن موضع النداء نصب ولا تجري الأسماء فيه مجراها في النداء لأنهم لم يجروها على حروف النداء ولكنهم أجروها على ما حمل عليه النداء ، وذلك قولك إنا معشر العرب نفعل كذا وكذا كأنه قال أعني ولكنه فعل لا يظهر ولا يستعمل ، كما لم يكن ذلك في النداء لأنهم اكتفوا بعلم المخاطب وأنهم لا يريدون أن يحملوا الكلام على أوله ، ولكن ما بعده محمول على أوله وذلك نحو قوله (وهو عمرو بن الأهتم المنقري) : [بسيط]

(١) إنّا بني منقر قوم ذوو حسب

فينا سراة بني سعد وناديها

وقال الفرزدق :

(٢) ألم ترانّا بني دارم

زرارة منا أبو معبد

فانما اختصّ الاسم هيهنا ليعرف بما حمل على الكلام الأول وفيه معنى الافتخار ،

__________________

(٤٧٩) الشاهد فيه نصب بني منقر على الاختصاص والفخر ، وذكر هذا في باب النداء لأن العامل فيه وفي المنادى فعل لا يجوز اظهاره مع اشتراكهما في معنى الاختصاص والفخر على ما بينه ، ورفع القوم لأنه خبر لان ، والمعنى انا قوم ذو حسب ثم اختص من يعني بذلك من الأقوام فقال بني منقر أي أعني هؤلاء وأريدهم ، وبنو منقرحي من بني سعد بن زيد مناة ابن تميم ، والسراة السادة واحدهم سرى وهو جمع غريب لا يجري على واحده وانما هو اسم يؤدى عن الجمع ولذلك جمع فقيل سروات ، والنادي والندى المجلس واشتقاقه من نداء القوم بعضهم بعضا بالحديث أي فينا مجتمع القوم وخوضهم في الرأي والتدبير واصلاح أمر العشيرة.

(٤٨٠) الشاهد فيه نصب بنى دارم على الاختصاص والفخر والقول فيه كالقول في الذي قبله وزرارة هذا من بني عبد الله بن دارم وفيه وفي ولده شرفهم وبيتهم وكنيته أبو معبد.

٣٨٢

وقال رؤبة :

* بنا تميما يكشف الضّباب (١) *

وقال نحن العرب أقرى الناس لضيف فانما أدخلت الألف واللام لأنك أجريت الكلام على ما النداء عليه ولم تجره مجرى الأسماء في النداء ، ألا ترى أنه لا يجوز لك أن تقول يا العرب وانما دخل في هذا الباب من حروف النداء أي وحدها فجرى مجراه في النداء ، وأما قول لبيد :

(٢) نحن بنو أم البنين الأربعه

ونحن خير عامر بن صعصعه

فلا ينشدونه إلا رفعا لأنه لم يرد أن يجعلهم اذا افتخروا أن يعرفوا بأن عدتهم أربعة ولكنه جعل الأربعة وصفا ثم قال المطعمون الفاعلون بعد ما حلاهم ليعرفوا ، واذا صغرّت الامر فهو بمنزلة تعظيم الامر في هذا الباب ، وذلك قولك إنا معشر الصّعاليك لا قوة بنا على المروّة ، وزعم الخليل أن قولهم بك الله نرجو الفضل وسبحانك الله العظيم نصبه كنصب ما قبله وفيه معنى التعظيم ، وزعم أنّ دخول أي في هذا الباب يدلّ على أنه محمول على ما حمل عليه النداء فكان هذا عندهم في الاصل أن يقولوا فيه يا ولكنهم خزلوها وأسقطوها حين أجروه على الاصل.

واعلم أنه لا يجوز لك أن تبهم في هذا الباب فتقول إني هذا أفعل كذا وكذا ولكن تقول إني زيدا أفعل ، ولا يجوز أن تذكر إلا اسما معروفا ، لان الاسماء انما تذكر هيهنا توكيدا وتوضيحا للمضمر وتذكيرا فاذا أبهمت فقد جئت بما هو أشكل من المضمر ، ولو جاز هذا لجازت النكرة فقلت إنا قوما فليس هذا من مواضع النكرة والمبهم ولكن هذا موضع بيان كما كانت الندبة موضع بيان فقبح اذا ذكروا الأمر توكيدا لما يعظّمون

__________________

(١) القول فيه كالقول في الذى قبله ، وقد تقدم شرحه في ص ٢٩٧ رقم ٣٧٩

(٤٨١) الشاهد فيه رفع قوله بنو لأن الأربعة ليس فيها معنى فخر ولا تعظيم فيكون ما قبلها منصوبا على الاختصاص والفخر كما تقدم في بني منقر ، وانما هو مخبر بنسبهم وعدتهم لا مفتخر وأراد الخمسة لأنهم خمسة معروفون فاضطرته القافية الى الأربعة.

٣٨٣

أمره أن يذكروه مبهما ، وأكثر الأسماء دخولا في هذا الباب بنو فلان ومعشر مضافة وأهل البيت وآل فلان ، ولا يجوز أن تقول انهم فعلوا أيّتها العصابة انما يجوز هذا للمتكلّم والمكلم المنادى كما أنّ هذا لا يجوز إلا لحاضر ، وسألت الخليل ويونس عن نصب قول الصّلتان العبدىّ : [طويل]

(١) أيا شاعرا لا شاعر اليوم مثله

جرير ولكن في كليب تواضع

فزعما أنه غير منادى وانما انتصب على اضمار كأنه قال يا قائل الشّعر شاعرا ، وفيه معنى حسبك به كأنه حيث نادى قال حسبك به ولكنه أضمره كما أضمروا في قوله تالله رجلا وما أشبهه مما ستجده في الكتاب ان شاء الله ، ومما جاء وفيه معنى التعجب كقولك يا لك فارسا قول شريح بن الأحوص الكلابيّ :

(٢) تمنّاني ليلقاني لقيط

أعام لك بن صعصعة بن سعد

__________________

(٤٨٢) الشاهد فيه على مذهب الخليل وسيبويه نصب شاعر باضمار فعل على معنى الاختصاص والتعجب والمنادى محذوف ، والمعنى يا هؤلاء أو يا قوم عليكم شاعرا أو حسبكم به شاعرا كما ذكر سيبويه وانما امتنع عنده أن يكون منادى لأنه نكرة عنده يدخل فيه كل شاعر بالحضرة ، وهو انما قصد شاعرا بعينه وهو جرير وكان ينبغي أن يبنيه على الضم على ما يجرى عليه المخصوص بالنداء وقوله جرير محمول على اضمار مبتدأ أي هذا المتعجب منه جرير ويجوز عندي ان يكون قوله شاعرا منادى جرى على لفظ المنكور وان كان مخصوصا معروفا لوصفه بالجملة التي بعده والجملة لا يوصف بها الا النكرة فيكون مثل قوله* لعلك يا تيسانزا في مريرة* وقد تقدمت علته* يقول هذا اذ دعى به ليحتكم للفرزدق وجرير فيما كان بينهما من الافتخار ففضل جريرا في الشعر وفضل الفرزدق في الشرف والفضل ولذلك قال ولكن في كليب تواضع ، وكليب رهط جرير من بني تميم.

(٤٨٣) الشاهد في قوله لك والمعنى يا عامر دعائي لك والمعنى معنى التعجب كما يقول يا لك فارسا أي يا هذا دعائي لك من فارس أي أعجب لك في هذه الحال فبين سيبويه بهذا ان المنادى قد يخص بالنداء على معنى التعجب لا على معنى الدعاء الى أمر ، وكان لقيط بن زرارة التميمي قد توعد الأحوص أبا شريح الكلابي وتمنى أن يلقاه فيقتله فقال هذا متعجبا لقومه ـ

٣٨٤

وانما دعاهم لهم تعجّبا لأنه قد تبيّن لك أنّ المنادى يكون فيه معنى أفعل به يعنى يا لك فارسا ، وزعم الخليل أنّ هذا البيت مثل ذلك [وهو للأخطل] : [بسيط]

(١) أيام جمل خليلا لو يخاف لها

صرما لخولط منه العقل والجسد

وقال في قول الشاعر :

(٢) * يا هند هند بين خلب وكبد*

يجعلها نكرة ، وقد يجوز أن تقول بعد النداء مقبلا على من تحدّثه هند هذه بين خلب وكبد فيكون معرفة.

__________________

ـ بني عامر من تمنيه لقتله وتوعده له والأحوص من بني كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن فقال ابن صعصعة بن سعد لأنهم فيما يقال من بني سعد بن زيد مناة ابن تميم نزلوا في معاوية بن بكر فنسبوا اليهم وأراد عامر بن صعصعة فرخم.

(٤٨٤) الشاهد فيه نصب خليل على الاختصاص والتعجب والمعنى أيام جمل لو يخاف لها صرما أي أيام كونها هكذا ثم قال خليلا أي أعجب بها خليلا وما أعجبها خليلا ، وهو مناسب لما قبله لما فيه من معني الاختصاص والتعجب ويروى أيام جمل خليل على الابتداء والخبر واضافة الأيام الى الجملة لأنها ظرف زمان وهذا أبين وأحسن ولا شاهد فيه ، وقال بعض النحويين انما احتج به لنصب الايام على الاختصاص ، كما نصب بني منقر ونحوه على ذلك وهذا القول ليس بشيء لان الايام منصوبة على الظرف للمعنى المتقدم قبلها في قوله :

=وقد أراها وشعب الحى مجتمع

وأنت صب بمن علقت معتمد

أي قد أرى هذه الدار في هذا الوقت كذا ، وأضاف الايام الى جمل فجرها على تقدير أيام حال جمل وكون جمل ونحو ذلك من التقدير.

(٤٨٥) الشاهد فيه حمل هند الثانية على اضمار مبتدأ ، وتقديرها نكرة موصوفة بما بعدها والتقدير أنت هند مستقرة بين خلب وكبد كما يقال أنت زيد من الزيدين فيجعل نكرة ، ويجوز أن تجعلها معرفة على أصلها مقطوعة أيضا مما قبلها كأنه قال هند هذه المذكورة بين خلبي وكبدي مستقرة ، والخلب لحمة تصل ما بين الكبد وزيادتها فجعلها في الاتصال بنفسه قد حلت ذلك المحل.

٣٨٥

[باب الترخيم]

والترخيم حذف أواخر الأسماء المفردة تخفيفا كما حذفوا غير ذلك من كلامهم تخفيفا ، وقد كتبناه فيما مضى وستراه فيما بقى ان شاء الله تعالى.

وأعلم أنّ الترخيم لا يكون إلا في النداء إلا أن يضطرّ شاعر وانما كان ذلك في النداء لكثرته في كلامهم فحذفوا ذلك كما حذفوا التنوين وكما حذفوا الياء من قومى ونحوه في النداء.

واعلم أنّ الترخيم لا يكون في مضاف اليه ولا في وصف لأنهما غير مناديين ، ولا ترخّم مضافا ولا اسما منوّنا في النداء من قبل أنه جرى على الأصل وسلم من الحذف حيث أجرى مجراه في غير النداء اذا حملته ما ينصب ، ومع ذلك أنه انما ينبغي أن تحذف آخر شيء في الاسم ولا تحذف قبل أن تنتهي الى آخره لأنّ المضاف اليه من الاسم الأوّل بمنزلة الوصل من الذي اذا قلت الذي قال وبمنزلة التنوين في الاسم ، ولا ترخّم مستغاثا به اذا كان مجرورا لأنه بمنزلة المضاف اليه ولا ترخّم المندوب لأنّ علامته مستعملة فاذا حذفوا لم يحملوا عليه مع الحذف الترخيم ، واذا ثنّيت لم ترخّم لأنها كالتنوين.

واعلم أنّ الحرف الذي يلي ما حذفت ثابت على حركته التي كانت فيه قبل أن تحذف إن كان فتحا أو كسرا أو ضما أو وقفا لأنك لم ترد أن تجعل ما بقي من الاسم اسما ثابتا في النداء وغير النداء ، ولكنك حذفت حرف الاعراب تخفيفا في هذا الموضع وبقي الحرف الذي يلي ما حذف على حاله لانه ليس عندهم حرف الاعراب ، وذلك قولك في حارث يا حار ، وفي سلمة يا سلم ، وفي برثن يا برث ، وفي هرقل يا هرق

[باب ما أواخر الأسماء فيه الهاء]

اعلم أنّ كلّ اسم كان مع الهاء ثلاثة أحرف أو أكثر من ذلك كان اسما خاصا غالبا أو اسما عاما لكلّ واحد من أمّة فانّ حذف الهاء منه في النداء أكثر في كلام العرب فأما ما كان اسما غالبا فنحو قولك يا سلم أقبل وأما الاسم العامّ فنحو قول العجّاج : * جارى لا تستنكرى عذيرى (١) * اذا أردت يا سلمة ويا جارية ، وأما ما كان على ثلاثة أحرف مع الهاء فنحو قولك ياشا ادجنى وياثب أقبلي اذا أردت شاة وثبة.

__________________

(١) تقدم شرحه في ص ٣٨٠ رقم ٤٧٨

٣٨٦

واعلم أنّ ناسا من العرب يثبتون الهاء فيقولون يا سلمة أقبل وبعض من يثبت يقول يا سلمة أقبل.

واعلم أنّ العرب الذين يحذفون في الوصل اذا وقفوا قالوا يا سلمه ويا طلحه ، وانما ألحقوا هذه الهاء ليبيّنوا حركة الميم والحاء وصارت هذه الهاء لازمة كما لزمت الهاء في قه وارمه ، ولم يجعل المتكلّم بالخيار في حذف الهاء عند الوقف وإثباتها من قبل أنهم جعلوا الحذف لازما لهاء التأنيث في الوصل كما لزم حذف الهاء من ارمه في الوصل وكأنهم ألزموا هذه الهاء في ارمه في الوقف ، ولم يجعلوها بمنزلتها اذا بيّنت حركة ما لم يحذف بعده شىء نحو عليّه وإليّه ولكنها لازمة كراهية أن يجتمع في ارمه حذف الهاء وترك الحركة فأرادوا أن تثبت الحركة على كلّ حال ليكون ثباتها عوضا عن الحذف للياء والهاء فبيّنت الحركة بالهاء في السكوت ليكون ثباتها في الاسم على كلّ حال لئلّا يخلّوا به.

واعلم أنّ الشعراء اذا اضطّروا حذفوا هذه الهاء في الوقف وذلك لأنهم يجعلون المدّة التي تلحق القوافي بدلا منها وقال الشاعر (وهو ابن الخرع) : [متقارب]

(١) كادت فزارة تشقى بنا

فأولى فزارة أولى فزارا

وقال القطامي :

(٢) قفي قبل التفرّق يا ضباعا

__________________

(٤٨٦) الشاهد فيه ترخيم فزارة والوقف عليها بالألف عوضا من الهاء لأنهم اذا رخموا ما فيه الهاء ثم وقفوا عليه ردوا الهاء للوقف فلما لم يمكنه رد الهاء هيهنا جعل الألف عوضا منها على ما بينه سيبويه* يقول كدنا نوقع بفزارة فتشقى بنا لو لا فرارهم وتحصنهم منا ؛ ويقال للرجل اذا أفلت وقد كاد يعطب أولى له وهي كلمة وعيد وتهديد فلذلك قال فأولى فزارة أي أولى لك يا فزارة ، ويروى أن رجلا كان يرمى الصيد فيخطئه فيقول أولى لك فقال :

فلو كان أولى يطعم القوم صدتهم

ولكن أولى تترك القوم جوعا

(٤٨٧) الشاهد فيه ترخيم ضباعة والوقف على الألف بدلا من الهاء كما تقدم في قبله وتمام البيت* ولايك موقف منك الوداعا*

٣٨٧

وقال هدبة :

(١) عوجي علينا واربعي يا فاطما

وإنما كان الحذف للهاآت ألزم في الوصل وفيها أكثر منه في سائر الحروف في النداء من قبل أن الهاء في الوصل في غير النداء تبدل مكانها التاء فلمّا صارت الهاء في موضع يحذف منه لا يبدل منها شيء تخفيفا كان ما يبدل ويتغيّر أولى بالحذف وهو له ألزم ، وجعلوا تغييره الحذف في موضع الحذف اذا كان متغيّرا لا محالة ، وسمعنا الثقة من العرب يقول يا حرمل يريد يا حرمله كما قال بعضهم إرم يقفون بغير هاء.

واعلم أن هاء التأنيث اذا كانت بعد حرف زائد لو لم تكن بعده حذف أو بعد حرفين لو لم تكن بعدهما حذفا زائدين لم يحذف غيرهما من قبل أن الحروف الزوائد قبل الهاء في الترخيم بمنزلة غير الزوائد من الحروف ، وذلك قولك في طائفيّة يا طائفيّ أقبلي وفي رعشنة يا رعشن أقبلي وفي سعلاة يا سعلا أقبلي ، ولو حذفت ما قبل الهاء كحذفك إياه وليس بعده هاء لقت في رجل يسمّى عثمانة يا عثم أقبل لأن الهاء لو لم تكن هيهنا لقلت يا عثم أقبل فانما الكلام أن تقول يا عثمان أقبل فأجر ترخيم هذا بعد الزوائد مجراه اذا كان بعد ما هو من نفس الحرف ، ومن حذف الزوائد مع الهاء فانه ينبغي له أن يقول في فاطمة يا فاط لا تفعلي من قبل أن الهاء لو لم تكن بعد الميم لقلت يا فاط كما تقول يا حار فأنت قد تحذف ما هو من نفس الحرف كما تحذف الزوائد ، فاذا ألحقتها الزوائد لم تحذفها مع الزوائد فكذلك الزوائد اذا ألحقتها مع الزوائد لم تحذفها معها.

[باب يكون فيه الاسم بعد ما يحذف منه الهاء بمنزلة اسم يتصرّف في الكلام]

(لم تكن فيه هاء قطّ)

وذلك قول بعض العرب وهو عنترة العبسي : [كامل]

__________________

(٤٨٨) الشاهد فيه قوله يا فاطما ، والقول فيه كالقول في الذي قبله والرجز لزائدة بن زيد العذري وهو ابن عم هدبة بن خشرم وفاطمة أخت هدبة ، وكان زائدة قد حدا بالقوم فشبب بها وبهذا السبب عدا عليه هدبة فقتله غيلة ثم قتل به ومعنى عوجى اعطفى وعرّجى وقوله واربعى أي أقيمى يقال ربعت بالمكان فانا رابع اذا أقمت به.

٣٨٨

(١) يدعون عنتر والرّماح كأنها

أشطان بئر في لبان الأدهم

جعلوا الاسم عنترا وجعلوا الراء حرف الاعراب ، وقال الأسود بن يعفر تصديقا لهذه اللغة :

(٢) ألا هل لهذا الدهر من متعلّل

عن الناس مهما شاء بالناس يفعل

ثم قال :

وهذا ردائي عنده يستعيره

ليسلبني نفسي أمال بن حنظل

وذلك لأن الترخيم يجوز في غير النداء فلما رخّم جعل الاسم بمنزلة اسم ليست فيه هاء ، وقال رؤبة : [رجز]

(٣) إما تريني اليوم أمّ حمز

قاربت بين عنقى وجمزى

وانما أراد أم حمزة ، وأما قول ذي الرمة : [بسيط]

(٤) ديار ميّة اذمي تساعفنا

ولا يرى مثلها عجم ولا عرب

__________________

(٤٨٩) الشاهد فيه ترخيم عنترة وبناؤه بعد الترخيم على الضم تشبيها له باسم مفرد منادى لم يحذف منه شيء وأراد يدعون يا عنتر فحذف حرف النداء لانه اسم علم يحسن معه الحذف لانه معرفة بنفسه غير محتاج الى تعريف حرف النداء له* يقول ينادونني في الحرب مستنصرين بي ، والرماح قد أحاطت بالفرس ، وشرعت فيه شروع الدلاء في الماء ، وشبه الرماح بالأشطان وهي حبال البئر واللبان الصدر والأدهم فرسه ، ووصف أنه مقدم على اقرانه فرماحهم تشرع في صدر فرسه دون سائر جسده لذلك.

(٤٩٠) الشاهد فيه ترخيم حنظلة واجراؤه بعد الترخيم مجرى اسم لم يرخم فلذلك جره بالاضافة وهو مما رخم في غير النداء ضرورة* يقول ان هذا الدهر يذهب ببهجة الانسان وشبابه ويتعلل في فعله ذلك تعلل المتجني على غيره ثم قال وهذا ردائي أي شبابي ، فكني عن الشباب بالرداء لأنه أجمل اللباس وجعل ما ذهب به من شبابه حقا غصبه إياه وغلبه عليه ، ثم نادى مالك بن حنظلة مستغيثا بهم مستنصرا بهم لأنه منهم وهم من بني نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة.

(٤٩١) الشاهد فيه ترخيم حمزة في غير النداء ضرورة والقول فيه كالقول في الذي قبله* وصف كبره وأنه قد قارب بين خطاه في عنقه وجمزه ضعفا والعنق والجمز ضربان من السير والجمز أشدهما وهو كالوثب.

(٤٩٢) الشاهد فيه ترخيم مية في غير النداء ضرورة وذكر أنه يجوز تسميتها مرة كذا ومرة كذا وقد مر البيت بتفسيره في ص ١٦٧ رقم ٢٢٢

٣٨٩

فزعم يونس أنه كان يسميها مرّة مية ومرّة مي ، ويجعل كلّ واحد من الاسمين اسما لها في النداء وفي غيره ، وعلى هذا المثال قال بعض العرب اذا رخّموا يا طلح ويا عنتر وقد يكون قولهم : يدعون عنتر بمنزلة مىّ ، لأن ناسا من العرب يسمونه عنترا في كل موضع ، ويكون أن تجعله بمنزلة ميّ بعد ما حذفت منه وقد تكون مى أيضا كذلك تجعلها بمنزلة ما ليس فيه هاء بعد ما تحذف الهاء وأما قول العرب يا فل أقبل فانهم لم يجعلوه اسما حذفوا منه شيئا يثبت في غير النداء ولكنهم بنوا الاسم على حرفين ، وجعلوه بمنزلة دم ، والدليل على ذلك أنه ليس أحد يقول يا فلا ، فان عنوا امرأة قالوا يا فلة وهذا اسم اختصّ به النداء وانما بني على حرفين لأن النداء موضع تخفيف ولم يجز في النداء لأنه جعل اسما لا يكون الا كناية لمنادى نحو يا هناه ومعناه يا رجل ، وأما فلان فانما هو كناية عن اسم سمى به المحدّث عنه خاص غالب وقد اضطرّ الشاعر فبناه على حرفين في هذا المعنى ، قال أبو النجم : [رجز]

(١) * في لجّة أمسك فلانا عن فل*

[باب اذا حذفت منه الهاء وجعلت الاسم بمنزلة ما لم تكن فيه الهاء أبدلت]

(حرفا مكان الحرف الذي يلي الهاء)

وان لم تجعله بمنزلة اسم ليس فيه الهاء لم يتغير عن حاله التي كان عليها قبل أن تحذف وذلك قولك في عرقوة وقمحدوة إن جعلت الاسم بمنزلة اسم لم تكن فيه هاء على حال يا عرقي ويا قمحدى من قبل أنه ليس في الكلام اسم آخره كذا ، وكذلك ان رخّمت رعوم وجعلته بهذه المنزلة قلت يا رعي ، وان رخّمت رجلا يسمّى قطوان فجعلته بهذه المنزلة قلت يا قطا أقبل ، وان رخمت رجلا اسمه طفاوة قلت يا طفاء أقبل من قبل أنه ليس في الكلام اسم هكذا آخره يكون حرف الاعراب يعني الواو

__________________

(٤٩٣) الشاهد فيه استعمال فل مكان فلان في غير النداء ضرورة ، وفي وضعه له هذا الموضع تقديران احدهما أن يكون أراد عن فلان فحذف النون للترخيم في غير النداء ثم حذف الألف لزيادتها والآخر أن يقول نقله محذوفا من قولهم يا فل ضرورة واللجة اختلاط الاصوات في الحرب ومعنى أمسك فلانا عن فل أي خذ هذا بدم هذا وأسر هذا بهذا.

٣٩٠

والياء اذا كانت قبلهما ألف زائدة ساكنة لم يثبتا على حالهما ولكن تبدل الهمزة مكانهما فان لم تجعلهما حروف الاعراب فهي على حالها قبل أن تحذف الهاء ، وذلك قولك يا طفاو أقبل اذا لم ترد أن تجعله بمنزلة اسم ليست فيه الهاء.

واعلم أن ما يجعل بمنزلة اسم ليست فيه هاء أقلّ في كلام العرب ، وترك الحرف على ما كان عليه قبل أن تحذف الهاء أكثر من قبل أن حرف الاعراب في سائر الكلام غيره وهو على ذلك عربي ، وقد حملهم ذلك على أن رخّموه حيث جعلوه بمنزلة مالا هاء فيه ، قال العجاج :

(١) فقد رأى الراؤن غير البطّل

أنك يا معاويا ابن الأفضل

يريد معاوية ، وتقول في حيوة يا حيو أقبل فان رفعت الواو تركتها على حالها لأنه حرف أجرى على الاصل وجعل بمنزلة غزو ولم يكن التغيير لازما وفيه الهاء.

واعلم أنه لا يجوز أن تحذف الهاء وتجعل البقية بمنزلة اسم ليست فيه الهاء اذا لم يكن اسما خاصا غالبا من قبل أنهم لو فعلوا ذلك التبس المؤنّث بالمذكّر ، وذلك أنه لا يجوز أن تقول للمرأة يا خبيث أقبلي ، وانما جاز في الغالب لأنك لا تذكر مؤنّثا ولا تؤنث مذكّرا.

واعلم أنّ الأسماء التي ليس في أواخرها هاء أن لا يحذف منها أكثر لأنهم كرهوا أن بخّلوا بها فيحملوا عليها حذف التنوين وحذف حرف لازم للاسم لا يتغيّر في الوصل ولا يزول ، وان حذفت فحسن ، وليس الحذف لشيء من

__________________

(٤٩٤) الشاهد فيه ادخال الترخيم على الترخيم في قوله يا معاو وذلك ان الهاء قد اطرد حذفها للترخيم وكثر فكأن الاسم لم تكن فيه هاء ثم ادخل عليه حرف النداء والياء آخره فحذفها للترخيم ، وهذا من أقبح الضرورة ، ويحتمل أن تكون الياء من قوله يا ابن الأفضل ياء معاوية على قوله يا معاوى ابن الافضل فتوهمت ياء يا ابن التي في النداء وانما هي ياء معاوية ، والشعر للعجاج يمدح يزيد بن معاوية ووقع في الكتاب هكذا غلطا وجمع الباطل على بطل قياسا على أصله في الصفة لانه من بطل يبطل ، ونصب غيرا لانه في موضع وصف المصدر والتقدير لقد رأو رأيا صحيحا حقا لا باطلا.

٣٩١

هذه الأسماء ألزم منه لحارث ومالك وعامر ، وذلك لأنهم استعملوها كثيرا في الشعر وأكثروا التسمية بها للرجال ، قال مهلهل بن ربيعة : [كامل]

(١) يا حار لا تجهل على أشياخنا

إنّا ذوو السّورات والأحلام

وقال امرؤ القيس :

(٢) أحار ترى برقا أريك وميضه

كلمع اليدين في حبيّ مكلّل.

وقال الأنصاري : [منسرح]

* يا مال والحقّ عنده فقفوا*

وقال النابغة الذّبياني : [بسيط]

(٣) فصالحونا جميعا إن بدالكم

ولا تقولوا لنا أمثالها عام

__________________

(٤٩٥) الشاهد فيه ترخيم حارث وعلته في الترخيم غلبته لكثرة استعماله بالتسمية* يقول هذا للحرث بن عباد كغراب القائم بحرب بكر بعد قتل ابنه بجير بن الحرث وقول مهلهل له عند قتله ، بؤبشسع نعل كليب ، أي كن قودا اشسع نعله احتقارا له ، فيصف ما بينهما من المهاجاة والمسابقة ، والسورات جمع سورة وهي الحدة والخفة عند الغضب أي فينا أنفة وحدة وان كنا حلماء.

(٤٩٦) الشاهد فيه ترخيم حارث والقول فيه كالقول في الذي قبله وأراد أترى برقا فحذف حرف الاستفهام لعلم المخاطب بما أراد ، واكتفى بحرف النداء لأنه تنبيه وتحريك لمن يخاطبه كما أن حرف الاستفهام تحريك للمستفهم ، واشعارا بالمعنى المقصود من الاستخبار ، ولفظ الحرفين واحد ، والوميض اللمع وفعله اومض يومض ايماضا والوميض الاسم وشبه انتشار البرق في لمعانه بانتشار الاصابع عند مبادرة القداح في ضرب المفيض بها في الميسر ، وقوله في حبى متصل بقوله أريك وميضه أي أريك وميضه في الحبى وهو السحاب المعترض بالافق يقال حبا لك الشيء اذا عرض وارتفع ، والمكلل المتراكب.

(٤٩٧) الشاهد فيه ترخيم عامر والقول فيه كالذي تقدم* يقول هذا لبني عامر بن صعصعة وكانوا قد عرضوا على النابغة وقومه مقاطعة بني أسد ، ومحالفتهم دونهم فقال لهم صالحونا وإياهم ان شئتم ولا تعرضوا علينا مصالحتكم دونهم فانا لا نرضى بدلا بهم.

٣٩٢

وهو في الشعر أكثر من أن أحصيه ، وكلّ اسم خاصّ رخّمته في النداء فالترخيم فيه جائز وان كان في هذه الأسماء الثلاثة أكثر فمن ذلك قول الشاعر [وهو يزيد بن محزم] : [طويل]

(١) فقلتم تعال يا يزي بن محزم

فقلت لكم إني حليف صداء

وهو يزيد بن محزّم ، وقال مجنون بني عامر (وهو قيس بن الملوح) : [وافر]

(٢) ألا يا ليل إن خيّرت فينا

بنفسي فانظري أين الخيار

يريد في الاول يزيد وفي الثاني ليلى ، وقال أوس بن حجر : [طويل]

(٣) * تنكّرت منّا بعد معرفة لمي*

يريد لميس ، واعلم أن كلّ شيء جاز في الاسم الذي في آخره هاء بعد أن حذفت الهاء منه في شعر أو كلام يجوز فيما لا هاء فيه بعد أن يحذف منه فمن ذلك قول امرىء القيس : [طويل]

(٤) لنعم الفتى تعشو الى ضوء ناره

طريف بن مال ليلة الجوع والخصر

__________________

(٤٩٨) الشاهد فيه ترخيم يزيد والقول فيه كالقول فيما قبله* وصف انه دعي الى الحلف فابى أن ينقض حلفه لصداء ويحالف غيرهم وصداء حي من بني أسد ، وقد قيل هو اسم فرسه أي لا أحتاج مع فرسي والاعتزاز به الى حليف.

(٤٩٩) الشاهد فيه ترخيم ليلى وحذف ألفها كما تحذف الهاء* يقول ان خيرت في وفي غيري للنكاح فاختاريني ففي الخيار وقوله بنفسي أي بنفسي أنت والمعنى أفديك بنفسي.

(٥٠٠) أراد لميس فرخم ولميس اسم امرأة وتمام البيت* وبعد التصافي والشباب المكرم* أي أنكرتنا لمكان الكبر بعد معرفتك بنا زمن الشباب.

(٥٠١) الشاهد فيه ترخيم مالك في غير النداء ضرورة وجعله بمنزلة اسم لم يحذف منه شيء فلذلك جره بالاضافة وهذا حكم ما رخم في غير النداء ضرورة عند أكثر النحويين ، ومذهب سيبويه اجراؤه على الوجهين لأن الشاعر اذا اضطر الى ترخيمه وحذفه فانما ينقله من باب النداء على حسب ما كان عليه وهو في النداء متصرف على الوجهين فيجري به في غير النداء على ذلك* مدح رجلا من طيء استجار به فأجاره وكانت القبائل تتحاماه خوفا من الملك المطالب له ، ومعنى تعشو تسير في الظلام ، والعشاء الظلام ، والخصر شدة البرد.

٣٩٣

جعل ما بقي بعد ما حذف بمنزلة اسم لم يحذف منه شيء كما جعل ما بقي بعد حذف الهاء بمنزلة اسم لم تكن فيه الهاء ، قال رجل من بني مازن : [طويل]

(١) عليّ دماء البدن إن لم تفارقي

أبا حردب ليلا وأصحاب حردب

وقال وهو مصنوع على طرفة وهو لبعض العباديّين : [متقارب]

(٢) أسعد بن مال ألم تعلموا

وذو الرأي مهما يقل يصدق

واعلم أنّ كلّ اسم على ثلاثة أحرف لا يحذف منه شيء اذا لم يكن آخره الهاء ، فزعم الخليل أنهم خفّفوا هذه الأسماء التي ليست أواخرها الهاء ليجعلوا ما كان على خمسة على أربعة وما كان على أربعة على ثلاثة ، فانما أرادوا أن يقرّبوا الاسم من الثلاثة أو يصيّروه اليها وكان غاية التخفيف عندهم لأنه أخفّ شيء عندهم في كلامهم ما لم ينتقص فكرهوا أن يحذفوه اذا صار قصاراهم أن ينتهوا اليه.

واعلم أنه ليس من اسم لا تكون في آخره الهاء يحذف منه شيء اذا لم يكن اسما غالبا نحو زيد وعمرو من قبل أن المعارف الغالبة أكثر في الكلام وهم لها أكثر استعمالا وهم لكثرة استعمالهم إياها قد حذفوا منها في غير النداء نحو قولك هذا زيد بن عمرو ولم يقولوا هذا زيد ابن أخيك ، ولو حذفت من الأسماء غير الغالبة لقلت في مسلمين يا مسلم أقبلوا وفي راكب يا راك أقبل ، الا أنهم قد قالوا يا صاح وهم يريدون يا صاحب وذلك لكثرة استعمالهم هذا الحرف فحذفوا كما قالوا لم أبل ولم يك ولا أدر.

__________________

(٥٠٢) الشاهد فيه ترخيم حردبة في غير النداء ضرورة ، واجراؤه بعد الترخيم مجرى غير المرخم في الاعراب ، كما تقدم* يخاطب ناقته ويأمرها بمفارقة أبي حردبة ، وكان لصا قاطعا ، وكان من أصحابه فتاب وأراد أصحاب أبي حردبة فحذف ضرورة لعلم السامع ، والبدن جمع بدنة وهي الناقة تتخذ للنحر ، وأراد هنا نحرها بمكة نذرا وخاطب ناقته وهو يريد نفسه اتساعا ومجازا.

(٥٠٣) الشاهد فيه ترخيم مالك كالذي تقدم ، وسعد بن مالك حي من بكر بن وائل وهم رهط طرفة بن العبد ، والبيت مضمن بما فيه تفسير المعلوم الذي قرره عليهم.

٣٩٤

[باب ما يحذف من آخره حرفان لأنهما زيادة واحدة بمنزلة حرف واحد زائد]

وذلك قولك في عثمان يا عثم أقبل وفي مروان يا مرو أقبل وفي أسماء يا أسم أقبلى ، وقال الفرزدق :

(١) يا مرو إنّ مطيّتي محبوسة

ترجو الحباء وربّها لم ييأس

وقال آخر [رجز]

(٢) * يا نعم هل تحلف لا تدينها*

وقال ليد :

(٣) يا أسم صبرا على ما كان من حدث

إن الحوادث ملقى ومنتظر

__________________

(٥٠٤) الشاهد فيه ترخيم مروان وحذف الألف والنون لزيادتهما وكون الاسم ثلاثيا بعد حذفهما ، وأراد مروان بن الحكم ، وكان واليا على المدينة فوفد عليه مادحا له فأبطأت عليه جائزته فقال له هذا محردا مستنجدا ، والحباء العطاء وجعل الرجاء للناقة وهو يريد نفسه مجازا.

(٥٠٥) الشاهد فيه ترخيم نعمان والقول فيه كالقول في الذي قبله ومعنى تدينها تجازيها يقال دنته بما صنع أي جازيته ، ومنه المثل كما تدين تدان أي كما تفعل تجازى فسمى فعله دينا وان لم يكن جزاء لأنه سبب الجزاء فسماه باسمه.

(٥٠٦) الشاهد فيه ترخيم أسماء وحذف الألف والهمزة منها كما حذفت الألف والنون من مروان ، وأسماء عند سيبويه فعلاء لانه جعل في آخرها زيادتين زيادتا معا فحذفتا في الترخيم معا كما حذفتا في مروان معا ، ولا نعرف في الكلام اسما بهذا التأليف فتكون أسماء فعلاء منه ، والظاهر ان أسماء أفعال على انه جمع اسم فسمي به وحذفت الألف مع الهمزة التي هي لام الفعل لانها زائدة رابعة كألف عمار فحذفت مع الاصلي كما تحذف ألفه ، وان كانت أسماء فعلاء كما ذكر سيبويه فاشتقاقها من الوسامة أبدلت واوها همزة استثقالا للواو أولا كما قالوا امرأة أناة من الونى وقالوا أحد والأصل وحد لأنه من الواحد فعلى هذا يخرج قوله ، وذكر ملقيا ومنتظرا وهما خبر عن الحوادث لأنه أراد أن الحوادث منها حادث ملقى قد وقع وحادث منتظر لم يقع بعد.

٣٩٥

وانما كان هذان الحرفان بمنزلة زيادة واحدة من قبل أنك لم تلحق الحرف الآخر أربعة أحرف رابعهن الألف من قبل أن تزيد النون التي في مروان والألف التي في فعلاء ولكن الحرف الاخر والذي قبله زيدا معا ، كما أن ياءى الاضافة وقعتا معا ولم تلحق الاخرة بعد ما كانت الأولى لازمة كما كانت ألف سلمى انما لحقت ثلاثة أحرف ثالثها الميم لازمة ولكنهما زيادتان لحقتا معا فحذفتا جميعا كما لحقتا جميعا وكذلك ترخيم رجل يقال له مسلمون تحذف الواو والنون جميعا من قبل أن النون لم تلحق واوا ولا ياء قد كانت لزمت قبل ذلك ، ولو كانت قد لزمت حتى تكون بمنزلة شيء من نفس الحرف ثم لحقتها زائدة لم تكن حرف الاعراب ، وكذلك رجل اسمه مسلمان تحذف الألف والنون وأما رجل اسمه بنون فلا تطرح منه الا النون لأنك لا تصيّر اسما على أقلّ من ثلاثة أحرف ، ومن جعل ما بقى من الاسم بعد الحذف بمنزلة اسم يتصرف في الكلام لم تكن فيه زيادة قطّ قال يا بنى لأنه ليس في الكلام اسم يتصرف آخره كآخر بنو.

[باب يكون فيه الحرف الذي من نفس الاسم وما قبله بمنزلة زائد وقع وما قبله جميعا]

وذلك قولك في منصور يا منص أقبل وفي عمار يا عمّ أقبل وفي رجل اسمه عنتريس يا عنتر أقبل وذلك لأنك حذفت الآخر كما حذفت الزائد ، وما قبله ساكن بمنزلة الحرف الذى كان قبل النون زائدا فهو زائد كما كان ما قبل النون زائدا ولم يكن لازما لما قبله من الحروف ثم لحقه ما بعده لأن ما بعده ليس من الحروف التي تزاد فلما كانت حال هذه الزيادة حال تلك الزيادة وحذفت الزائدة وما قبلها حذف هذا الذى من نفس الحرف.

[باب تكون الزوائد فيه بمنزلة ما هو من نفس الحرف]

وذلك قولك في قنوّر ، يا قنوّ أقبل وفي رجل اسمه هبيّخ يا هبيّ أقبل لأن هذه الواو التي في قنوّر والياء التي في هبيّخ بمنزلة الواو التي في جدول والياء التي في عثير وإنما لحقتا لتلحق ما كان على ثلاثة أحرف ببنات الأربعة ولتصير بمنزلة حرف من نفس الحرف كفاء جعفر في هذا الاسم ، ويدلّك على أنها بمنزلتها أنّ الألف التي تجيء لتلحق الثلاثة بالأربعة منوّنة كما ينوّن ما هو من نفس الحرف وذلك نحو معزى ، ومع

٣٩٦

ذلك أنّ الزيادة تلحقها كما تلحق ما ليس فيه زيادة نحو جلواخ وجريال وقرواح كما تقول سرداح ، وتقدّم قبل هذه الزيادة الياء والواو زائدتين كما تقدّم الحرف الذي من نفس الحرف في فدوكس وخفيدد ، وهي الواو التي في قنوّر الأولى ، والياء التي في هيبّخ الأولى بمنزلة ياء سميدع فصار قنوّر بمنزلة فدوكس ، وهبيّخ بمنزلة سميدع وجدول بمنزلة جعفر فأجروا هذه الزوائد بمنزلة ما هو من نفس الحرف فكرهوا أن يحذفوها إذ لم يحذفوا ما شبّهوها به ، وما جعلوها بمنزلته ، ولو حذفوا من سميدع حرفين لحذفوا من مهاجر حرفين فقالوا يامها ، وهذا لا يكون لأنه إخلال مفرط بما هو من نفس الحرف.

[باب تكون الزوائد فيه أيضا بمنزلة ما هو من نفس الحرف]

وذلك قولك في رجل اسمه حولا يا أو بردرايا ، يا برداري أقبل ويا حولاي أقبل من قبل أن هذه الألف لوجيء بها للتأنيث والزيادة التي قبلها لازمة لها تقعان معا لكانت الياء ساكنة ، وما كانت حيّة لأن الحرف الذي يجعل ، وما بعده زيادة واحدة ساكن لا يتحرّك ولو تحرّك لصار بمنزلة حرف من نفس الحرف ولجاء بناء آخر ولكنّ هذه الألف بمنزلة الهاء التي في درحاية ، وفي عفارية لأن الهاء إنما تلحق للتأنيث والحرف الذي قبلها بائن منها قد لزم ما قبله قبل أن تلحق ، وكذلك الألف التي تجيء للتأنيث اذا جاءت وحدها لأنّ حال الحرف الذي قبلها كحال الحرف الذي قبل الهاء والهاء لا تكون أبدا مع شي قبلها زائد بمنزلة زيادة واحدة وان كان ساكنا نحو ألف سعلاة ، ولو كانت بمنزلة زيادة واحدة لم تقل سعيلية ، ولكانت في التحقير ياء مجزومة كالياء التي تكون بدل ألف سرحان إذا قلت سريحين أو بمنزلة عثمان إذا قلت عثيمان ولكنها لحقت حرفا جيء به ليلحق الثلاثة ببنات الأربعة وكذلك ألف التأنيث اذا جات وحدها ، يدلّك على ذلك تحرّك ما قبلها وحياته ، وإنما كانت هذه الأحرف الثلاثة الزوائد الياء والواو والألف وما بعدها بمنزلة زيادة واحدة لسكونها وضعفها فجعلت وما بعدها بمنزلة حرف واحد إذ كانت ميّتة خفيّة ، ويدلّك على أنّ

٣٩٧

الألف التي في حولايا بمنزلة الهاء أنك تقول حولايي كما تقول درحايى ولو كانت وما قبلها بمنزلة زيادة واحدة لم تحذف الألف كما لا تحذفها ادا قلت خنفساويّ.

[باب ما اذا طرحت منه الزائدتان اللّتان بمنزلة زيادة واحدة رجعت حرفا]

وذلك قولك في رجل اسمه قاضون يا قاضي أقبل وفي رجل اسمه ناجيّ يا ناجي أقبل ، أظهرت الياء لحذف الواو والنون ، وفي رجل اسمه مصطفون يا مصطفى أقبل وإنما رددت هذه الحروف لانك لم تبن الواحد على حذفها كما بنيت دم على حذف الياء ولكن حذفتهن لأنه لا يسكن حرفان معا فلمّا ذهب في الترخيم ما حذفتهن لمكانه رجعتهن ، فحذف الواو والنون هيهنا كحذفها في مسلمين لأنّ حذفها لم يكن إلّا لأنه لا يسكن حرفان معا والياء والألف في قاضى ومصطفى تثبتان كما تثبت الميم في مسلمين ومثل ذلك غير محلّى الصّيد وأنتم حرم فاذا لم تذكر الصيد قلت محلّى.

[باب يحرّك فيه الحرف الذي يليه المحذوف لأنه لا يلتقي ساكنان]

وهو قولك في رجل اسمه رادّ يا راد أقبل ، وإنما كانت الكسرة أولى الحركات به لأنه لو لم يدغم كان مكسورا ، فلمّا احتجت الى تحريكه كان أولى الأشياء به ما كان لازما له لو لم يدغم ، وأمّا مفرّ فاذا حذفت منه وهو اسم رجل لم تحرّك الراء لأنّ ما قبلها متحرّك ، وإن حذفت من اسم محمارّ أو مضارّ قلت يا محمار ويا مضار تجيء بالحركة التي هي له في الأصل كأنك حذفت من محمارر حيث لم يجز لك أن تسكن الراء الأولى ، ألا ترى أنك إذا احتجت الى تحريكها والراء الآخرة ثابتة لم تحرّك إلا على الأصل وذلك قولك لم يحمارر ، فقد احتجت الى تحريكها في الترخيم كما احتجت اليه هيهنا حين جزمت الراء الآخرة ، وإن سميته بمضارّ وأنت تريد المفعول قلت يا مضار أقبل كأنك حذفت من مضارر ، وأمّا محمر اذا كان اسم رجل فانك اذا رخّمته تركت الراء الأولى مجزومة لأنّ ما قبلها متحرّك فلا تحتاج الى حركتها ، ومن زعم أنّ الراء الأولى زائدة كزيادة الواو والياء والألف فهو لا ينبغي له أن يحذفها مع الراء الآخرة من قبل أنّ هذا الحرف ليس من حروف الزيادة ، وإنما يزاد في التضعيف فأشبه عندهم

٣٩٨

المضاعف الذي لا زيادة فيه نحو مرتدّ وممتدّ حين جرى مجراه ، ولم يجيء زائدا غير مضاعف لأنه ليس عندهم من حروف الزيادة ، وإنما جاء زائدا في التضعيف لأنه إذ ضوعف جرى مجرى المضاعف الذي ليس فيه زيادة ، ولو جعلت هذا الحرف بمنزلة الألف والواو والياء لثبتت في التحقير والجمع الذي يكون ثالثه ألفا ، ألا ترى أنه صار بمنزلة اسم على خمسة أحرف ليس فيه زيادة نحو جردحل وما أشبه ذلك ، وأما رجل اسمه إسحارّ فانك اذا حذفت الراء الآخرة لم يكن لك بدّ من تحريك الراء الساكنة لأنه لا يلتقي ساكنان وتحريكه الفتحة لأنه يلي الحرف الذي منه الفتحة وهو الألف ، ألا ترى أنّ المضاعف اذا أدغم في موضع الجزم حرك آخر الحرفين لأنه لا يلتقي ساكنان وجعل حركته كحركة أقرب المتحركات منه وذلك قولك لم يردّ ولم يرتدّ ولم يفرّ ولم يعضّ ، فاذا كان أقرب من المتحرّك اليه الحرف الذي منه الفتحة ولا يكون ما قبله إلا مفتوحا كان أجدر أن تكون حركته مفتوحة لأنه حيث قرب من الحرف الذي منه الفتحة وان كان بينهما حرف كان مفتوحا فاذا قرب منه هو كان أجدر أن تفتحه وذلك لم يضارّ ، وكذلك تقول يا إسحارّ أقبل فعلت بهذه الراء ما كنت فاعلا بالراء الآخرة لو ثبت الراآن ولم تكن الآخرة حرف الاعراب فجرى عليها ما كان جاريا على تلك كما جري على ميم مدّ ما كان بعد الدال الساكنة ، وامدد هو الأصل ، وإن شئت فتحت اللام اذا أسكنت على فتحة إنطلق ولم يلده اذا جزموا اللام ، وزعم الخليل أنه سمع العرب يقولون (وهو قول رجل من أزد السّراة) :

(١) ألا ربّ مولود وليس له أب

وذى ولد لم يلده أبوان

__________________

(٥٠٧) الشاهد في قوله لم يلده وأراد لم يلده فسكن المكسور تخفيفا كما قالوا في علم علم فسكنت اللام ، وبعدها الدال ساكنة للجزم فحركها لالتقاء الساكنين بحركة أقرب المتحركات اليها وهي الفتحة لأن الياء مفتوحة فحمل الدال عليها ولم يعتد باللام الساكنة لأن الساكن غير حاجز حصين ، وأراد بالمولود الذي لا أب له عيسى عليه‌السلام ، وبدي الولد الذى لم يلد ، أبوان آدم عليه‌السلام.

٣٩٩

جعلوا حركته كحركة أقرب المتحركات منه هذه كأين وكيف ، وانما منع إسحارا أن يكون بمنزلة محمار أن أصل محمار محمارر يدلك على ذلك فعله اذا قلت لم يحمارر ، وأما إسحار فانما هو اسم وقع مدغما آخره ليس لرائه الأولى في كلامهم نصيب في الحركة ولا تقع إلا ساكنة كما أن الميم الأولى من الحمّر والراء الأولى من شرّاب لا تقعان إلا ساكنتين ليستا عندهم إلا على الاسكان في الكلام وفي الأصل ، وسنبين ذلك في باب التصريف ان شاء الله.

[باب الترخيم في الأسماء التي كلّ اسم منها شيئين كانا بائنين فضمّ أحدهما الى صاحبه] (فجعلا اسما واحدا بمنزلة عنتريس وحلكوك)

وذلك مثل حضرموت ومعدى كرب وبخت نصّر ومارسرجس ، ومثل رجل اسمه خمسة عشر ومثل عمرويه ، فزعم الخليل أنه يحذف الكلمة التي ضمّت الى الصدر رأسا ، وقال أراه بمنزلة الهاء ، ألا ترى أني اذا حقرته لم أغير الحرف الذي يليه كما لم أغير الذي يلي الهاء في التحقير عن حاله التي كان عليها قبل أن يحقّر ، وذلك قولك في تمرة تميرة فحال الراء واحدة ، وكذلك التحقير في حضرموت وقال أراني اذا أضفت الى الصدر وحذفت الآخر فأقول في معدي كرب معدى وأقول في الاضافة الى أربعة عشر أربعي فحذف الاسم الآخر بمنزلة الهاء فهو في الموضع الذي يحذف فيه ما يثبت في الاضافة أجدر أن يحذف اذا أردت أن ترخّم ، وهذا يدلّ على أن الهاء تضمّ الى الأسماء كما يضمّ الاسم الآخر الى الأول ، ألا ترى أنها لا تلحق بنات الثلاثة بالأربعة ولا الأربعة بالخمسة كما أن هذه الأسماء الآخرة لم تضم الى الصدر لتلحق الصدر ببنات الأربعة ولا لتلحقه ببنات الخمسة وذلك لأنها ليست زيادات في الصدور ولا هي منها ولكنها موصولة بها وأجريت مجرى عنتريس ونحوه ولا يغيّر لها بناء كما لا يغيّر لياء الاضافة أو ألف التأنيث أو لغيرهما من الزيادات ، وستري ذلك في موضعه ان شاء الله ، كما أن الأسماء الآخرة لم تغير بناء الأولى عن حالها قبل أن تضم اليها لم تغيّر خمسة في خمسة عشر عن حالها فالهاء وهذه الأسماء الآخرة

٤٠٠