كتاب سيبويه - ج ١

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]

كتاب سيبويه - ج ١

المؤلف:

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٨٢

ويحتملون قبح الكلام حتى يضعوه في غير موضعه لانه مستقيم ليس فيه نقص فمن ذلك.

قول عمر بن أبي ربيعة : [طويل]

(١) صددت فأطولت الصّدود وقلّما

وصال على طول الصدود يدوم

وإنما الكلام قلّ ما يدوم وصال وجعلوا ما لا يجرى في الكلام إلا ظرفا بمنزلة غيره من.

الاسماء وذلك قول المرار بن سلامة العجلي : [طويل]

(٢) ولا ينطق الفحشاء من كان منهم

إذا جلسوا منا ولا من سوائنا

وقال الاعشى : [طويل]

(٣) وما قصدت من أهلها لسوائكا

وقال خطام المجاشعي : [رجز]

__________________

(١٦) أراد وقلما يدوم وصال فقدم وأخر مضطرا لاقامة الوزن والوصال على هذا التقدير فاعل مقدم والفاعل لا يتقدم في الكلام الا أن يبتدأ به وهو من وضع الشيء في غير موضعه ونظيره قول الزباء* ما للجمال مشيها وئيدا* أي وئيدا مشيها فقدمت وأخرت ضرورة وفيه تقدير آخر وهو أن يرتفع بفعل مضمر يدل عليه الظاهر فكأنه قال وقلما يدوم وصال يدوم وهذا أسهل في الضرورة والأول أصح معنى وأن كان أبعد في اللفظ لان قلما موضوعة للفعل خاصة بمنزلة ربما فلا يليها الاسم البتة وقد يتجه ان تقدر ما في قلما زائدة مؤكدة فيرتفع الوصال.

بقل وهو ضعيف لأن ما انما تزاد في قل ورب لتليهما الافعال وتصيرا من الحرف المخترعة لها وأجرى أطولت على الأصل ضرورة شبهه بما استعمل في الكلام على أصله نحو استحوذ وأعيلت المرأة وأخيلت السماء يقول ان العاشق الوصول اذا أديم هجرانه يئس فطابت نفسه بالقطيعة.

(١٧) أراد غيرنا فوضع سواء موضع غير ضرورة وكان ينبغي أن لا يدخل من عليها لانها.

لا تستعمل في الكلام الا ظرفا ولكنه جعلها بمنزلة غير في دخول من عليها لان معناها كمعناها.

* وصف نادى قومهم ومتحدثهم بالتوقير والتعظيم فيقول لا ينطق الفحشاء من كان في نادينا من قومنا أو من غيرنا اذا جلسوا للحديث اجلالا لنا وتعظيما.

(١٨) أراد لغيرك وهو مثل الأول وقد تقدمت علته* وصف أنه معول في قصده على هذا الممدوح دون خاصة أهله وجعل الفعل للناقة مجازا وصدر البيت* تجانف عن جو اليمامة ناقتي* والتجانف الانحراف.

٢١

(١) وصاليات ككما يؤثفين

فعلوا ذلك لان معنى سواء معنى غير ومعنى الكاف معنى مثل وليس شيء يضطّرون إليه إلا وهم يحاولون به وجها ، وما يجوز في الشعر أكثر من أن أذكره لك ههنا لان هذا موضع جمل وسنبين ذلك فيما يستقبل إن شاء الله.

__________________

(١٩) أراد كمثل ما يؤثفين أي كمثل حالها اذا كانت أثافي مستعملة وقد وضع الكاف وان كانت حرفا موضع مثل فادخل عليها الكاف تشبيها لها بها لانها في معناها وهي في دخولها على مثل في الاسمية نظير سواء في دخولها على غير في التمكن وعلتها كعلتها* وصف ديارا خلت من أهلها فنظر الى آثارها باقية لم تتغير فذكرته من عهد بها فحزن لذلك ، والصاليات الاثافي لانها صليت النار أي وليتها وباشرتها فيقول سوادها باق كما كانت وهي أثاف مستعملة ومعنى يؤثفين ينصبن لقدر يقال أثفيت القدر وثفيتها وهو على هذا يؤفعلن فاجراه على الأصل كما قال فانه أهل لأن يؤكرما ، وأثفية أفعولة على هذا وهمزتها زائدة فمن جعلها فعلية فهمزتها أصلية ويؤثفين بمنزلة يسلقين ولا ضرورة فيها وفعلها على هذا أثفت ووزنه فعلت ، ومما أنشده الاخفش في الباب قول العجير السلولي.

فبيناه يشرى رحله قال قائل

لمن جمل رخو الملاط نجيب

أراد بينا هو وقد مضى تفسيره* وصف بعير اضل عن صاحبه فيئس منه وجعل يبيع رحله فبينا هو كذلك سمع مناديا يبشر به وانما وصف ما ورد عليه من السرور بعد الأسف والحزن والملاط ماولى العضد من الجنب ويقال للعضدين ابنا ملاط ووصفه برخاوته لأن ذلك أشد لتجافي عضديه عن كركرته وأبعد له من أن يصيبه ناكت أو ماسح أو حاز أو ضبب وهذه كلها اعراض وآفات تلحقه اذا حك بعضده كركرته ومعنى يشرى يبيع وهو من الأضداد ، ومما أنشده الأخفش أيضا في الباب قول الفرزدق :

وما مثله في الناس الا مملكا

أبو أمه حي أبوه يقاربه

أراد وما مثله في الناس حي يقاربه الا مملكا أبو أم هذا المملك أبو هذا الممدوح وأراد بالمملك الخليفة هشام بن عبد الملك وخاله الذي أبوه أبو أمه ابراهيم بن هشام المخزومي وتلخيص معنى البيت ما مثل هذا الممدوح في الناس الا الخليفة الذي هو ابن أخته ، وهذا المعنى مع سخفه أمثل مما عبر به عنه من لفظه لانه فرق بين النعت والمنعوت في قوله حي يقاربه بخبر المبتدأ وهو قوله أبوه وفرق بين المبتدأ الذي هو أبو أمه وبين خبره بقوله حي فأحال اللفظ حتى عمى المعنى ـ

٢٢

[باب الفاعل الذي لم يتعدّه فعله إلى مفعول]

والمفعول الذي لم يتعدّ إليه فعل فاعل ولا تعدّى فعله إلى مفعول آخر وما يعمل من أسماء الفاعلين والمفعولين عمل الفعل الذي يتعدى إلى مفعول وما يعمل من المصادر ذلك العمل وما يجري من الصفات التي لم تبلغ أن تكون في القوة كاسماء الفاعلين والمفعولين التي تجري مجرى الفعل المتعدى إلى مفعول مجراها وما أجري مجرى الفعل وليس بفعل ولم يقو قوته وما جرى من الاسماء التي ليست بأسماء الفاعلين التي ذكرت لك ولا الصفات التي هي من لفظ أحداث الاسماء ويكون لأحداثها أمثلة لما مضى وما لم يمض وهي التي لم تبلغ أن تكون في القوة كأسماء الفاعلين والمفعولين التي تريد بها ما تريد بالفعل المتعدى إلى مفعول مجراها وليست لها قوّة أسماء الفاعلين التي ذكرت لك ولا هذه الصفات كما أنه لا يقوى قوّة الفعل ما جرى مجراه وليس بفعل.

[باب الفاعل الذي لم يتعدّه فعله إلى مفعول]

والمفعول الذي لم يتعدّ إليه فعل فاعل ولا تعدّى فعله إلى مفعول آخر فالفاعل

__________________

ـ السخيف فازداد قبحا الى سخفه ، ومما أنشده الأخفش في الباب لقيس بن زهير :

ألم يأتيك والأنباء تنمى

بما لاقت لبون بني زياد

أثبت الياء في حال الجزم ضرورة لأنه اذا اضطر ضمها في حال الرفع تشبيها بالصحيح وهي لغة لغيره ضعيفة فاستعملها عنه الضرورة* وصف بالبيت وما يتصل به من الأبيات ما كان فعله بام الربيع بن زياد العبسى ، وكان قيس بن زهير قد أعار الربيع درعا فمطله بها فمرت به ام الربيع على راحلتها فأخذ بزمامه وذهب بها مرتهنا لها بالدرع فقالت له العجوز وهي [فاطمة بنت الخرشب الأنمارية] يا قيس أين غرب عقلك أترى بني زياد مصالحيك أبدا وقد ذهبت بامهم يمينا وشمالا فقال الناس ما شاؤا وان حسبك من شر سماعه فخلى سبيلها وذهبت كلمتها مثلا ، والباء في قوله بما لاقت زائدة مؤكدة بمنزلتها في قوله عزوجل (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) وحسن دخولها في ما أنها مبهمة مبنية كالحرف فادخل عليها حرف الجر اشعارا بانها اسم ، والتقدير ألم يأتيك مالاقت ، ويجوز أن تتكون متصلة بيأتيك على اضمار الفاعل فيكون التقدير ألم يأتيك النباء بما لاقت ودل على النبأ قوله والأنباء تنمى هنا تشيع واصله من نمى الشيء ينمي اذا ارتفع وزاد.

٢٣

والمفعول في هذا سواء يرتفع المفعول كما يرتفع الفاعل لانك لم تشغل الفعل بغيره وفرّغته له كما فعلت ذلك بالفاعل فأما الفاعل الذي لا يتعداه فعله فقولك ذهب زيد وجلس عمرو والمفعول الذي لم يتعده فعله ولم يتعد إليه فعل فاعل فقولك ضرب زيد ويضرب عمرو فالاسماء المحدّث عنها والامثلة دليلة على ما مضى وما لم يمض من المحدّث به عن الاسماء وهو الذّهاب والجلوس والضّرب وليست الامثلة بالأحداث ولا ما يكون منه الأحداث وهي الاسماء.

[باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعول]

وذلك قولك ضرب عبد الله زيدا فعبد الله ارتفع ههنا كما ارتفع في ذهب وشغلت ضرب به كما شغلت به ذهب وانتصب زيد لانه مفعول به تعدّى اليه فعل الفاعل ، وإن قدّمت المفعول وأخرت الفاعل جرى اللفظ كما جرى في الأول وذلك قولك ضرب زيدا عبد الله لانك انما أردت به مؤخرا ما أردت به مقدّما ولم ترد أن تشغل الفعل بأول منه وان كان مؤخرا في اللفظ فمن ثم كان حدّ اللفظ فيه أن يكون الفاعل مقدّما وهو عربي جيد كثير كأنهم انما يقدمون الذي بيانه أهمّ لهم وهم ببيانه أعنى وان كانا جميعا يهمانهم ويعنيانهم.

واعلم أن الفعل الذي لا يتعدى الفاعل يتعدى الى اسم الحدثان الذي أخذ منه لانه انما يذكر ليدل على الحدث ألا ترى أن قولك قد ذهب بمنزلة قولك قد كان منه ذهاب ، واذا قلت : ضرب عبد الله لم يستبن أن المفعول زيد او عمرو ، ولا يدل على صنف كما أن ذهب قد دل على صنف وهو الذهاب ، وذلك قولك : ذهب عبد الله الذهاب الشديد.

وقعد قعدة سوء وقعد قعدتين لما عمل في الحدث عمل في المرة منه والمرتين وما يكون ضربا منه فمن ذلك «قعد القرفصاء واشتمل الصمّاء ورجع القهقرى لانه ضرب من فعله الذي أخذ منه ، ويتعدى الى الزمان نحو قولك : ذهب لانه بنى لما مضى منه وما لم يمض ، فاذا قال ذهب فهو دليل على أن الحدث فيما مضى من الزمان ، واذا قيل سيذهب فهو دليل على أنه يكون فيما يستقبل من الزمان ففيه بيان ما مضي وما لم يمض منه كما أن فيه استدلالا على وقوع الحدث وذلك قولك : قعد شهرين وسيقعد شهرين ، وتقول ذهبت أمس وسأذهب غدا فان شئت لم تجعلهما ظرفا فهو يجوز في كل شيء من أسماء الزمان كما جاز في

٢٤

كل شيء من اسماء الحدث ويتعدى هذا الفعل الى كل ما اشتقّ من لفظه اسما للمكان والى المكان لانه اذا قال ذهب أو قعد فقد علم أن للحدث مكانا ، وان لم يذكره كما علم أنه قد كان ذهاب وذلك قولك ذهبت المذهب البعيد ، وجلست مجلسا حسنا ، وقعدت مقعدا كريما ، وقعدت المكان الذي رأيت ، وذهبت وجها من الوجوه ، وقد قال بعضهم ذهبت الشام شبهه بالمبهم اذ كان مكانا يقع عليه المكان والمذهب وهذا شاذّ لانه ليس في ذهب دليل على الشام وفيه دليل على المذهب والمكان ، ومثل ذهبت الشام دخلت البيت ، ومثل ذلك قول ساعدة بن جؤيّة الهذلي :

(١) لدن بهزّ الكفّ يعسل متنه

فيه كما عسل الطّريق الثّعلب

ويتعدّى الى ما كان وقتا في الأماكن كما يتعدى الى ما كان وقتا في الأزمنة لأنه وقت يقع في الأماكن ولا يختصّ به مكان واحد كما أن ذاك وقت في الأزمان لا يختصّ به زمن بعينه ، فلما صار بمنزلة الوقت في الزمن ، كان مثله لانك قد تفعل بالاماكن ما تفعل بالازمنة وان كان اقوى في ذلك وكذلك كان ينبغي أن يكون اذ صار فيما هو أبعد نحو ذهب الشام وهو قولك : ذهبت فرسخين وسرت ميلين كما تقول ذهبت شهرين وسرت يومين ، وإنما جعل في الزمان أقوى لأن الفعل بنى لما مضى منه وما لم يمض ففيه بيان الفعل متى وقع كما أن فيه بيان أنه قد وقع المصدر وهو الحدث والاماكن لم يبن لها فعل وليست الاماكن بمصادر اخذ منها الأمثلة فالاماكن الى الأناسىّ ونحوهم اقرب ، ألا ترى أنهم يختصونها باسماء كزيد وعمرو في قولهم مكة وعمان ونحوهما ، ويكون فيها خلق لا تكون لكل مكان ولا فيه كالجبل والوادي والبحر ، والدهر ليس كذلك والاماكن لها جثّة وانما الدهر مضيّ الليل والنهار فهو الى الفعل اقرب.

__________________

(٢٠) استشهد به على وصول الفعل الى الطريق وهو اسم خاص للموضع المستطرق بغير واسطة حرف تشبيها بالمكان لأن الطريق مكان وهو نحو قول العرب : ذهبت الشام الا أن الطريق اقرب الى الإبهام من الشام لان الطريق تكون في كل موضع يسار فيه وليس الشام كذلك* وصف في البيت رمحا لين الهزفشبه اضطرابه في نفسه او في حال هزه بعسلان الثعلب في سيره ، والعسلان سير سريع في اضطراب ، واللدن الناعم اللين ، ويروى لذ أي مستلذ عنه الهز للينه والهاء من فيه يعود على اللدن او على الهز على حسب التفسير.

٢٥

[باب الفاعل الذي يتعدّاه فعله الى مفعولين فإن شئت اقتصرت على المفعول]

«الأول وإن شئت تعدّى الى الثاني كما تعدى الى الأول»

وذلك قولك : أعطى عبد الله زيدا درهما ، وكسوت بشرا الثياب الجياد ، ومن ذلك اخترت الرجال عبد الله ومثل ذلك قوله عزوجل : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا) وسمّيته زيدا وكنيت زيدا أبا عبد الله ودعوته زيدا اذا اردت دعوته التي تجري مجرى سمّيته ، وإن عنيت الدّعاء الى امر لم يجاوز مفعولا واحدا ، ومنه قول الشاعر : [بسيط]

(١) أستغفر الله ذنبا لست محصيه

ربّ العباد اليه الوجه والعمل

وقال عمرو بن معد يكرب الزّبيدي : [بسيط]

(٢) أمرتك الخير فافعل ما أمرت به

فقد تركتك ذا مال وذا نشب

وانما فصل هذا أنها أفعال توصل بحروف الاضافة فتقول اخترت فلانا من الرجال وسميته بفلان كما تقول عرّفته بهذه العلامة وأوضحته بها وأستغفر الله من ذلك فلما حذفوا حرف الجر عمل الفعل ، ومن ذلك قول المتلمس (واسمه جرير بن عبد المسيح الضبعي) : [بسيط]

(٣) آليت حبّ العراق الدّهر أطعمه

والحبّ يأكله في القرية السّوس

__________________

(٢١) أراد من ذنب فحذف الجار واوصل الفعل فنصب ، والذنب ههنا اسم جنس بمعنى الجمع فلذلك قال لست محصيه ، والوجه ههنا القصد والمراد ، وهو بمعنى التوجه

(٢٢) أراد بالخير فحذف ووصل الفعل ونصب ، وسوغ الحذف والنصب ان الخير اسم فعل يحسن أن وما عملت فيه في موضعه ، وأن يحذف معها حرف الجر كثيرا تقول أمرتك أن تفعل تريد بأن تفعل ومن أن تفعل فحسن الحذف في هذا لطول الاسم ويكثر فاذا وقع موقع ان اسم فعل شبه بها فحسن الحذف فان قلت أمرتك بزيد لم يجز أن تقول أمرتك زيدا لما بينت لك ، والنشب المال الثابت كالضياع ونحوها ، وهو من نشب الشيء اذا ثبت في موضع ولزمه ، وكأنه أراد بالمال ههنا الابل خاصة فلذلك عطف عليه النشب ، وقد قيل النشب جميع المال فيكون على هذا التقدير عطفه على الأول مبالغة وتوكيدا وسوغ ذلك اختلاف اللفظين.

(٢٣) أراد على حب العراق فحذف الجار ونصب ، هذا مذهب سيبويه ، وهو الصحيح ، ـ

٢٦

يريد على حبّ العراق ، وكما تقول نبئت زيدا يقول ذاك أي عن زيد ، وليست عن وعلى ههنا بمنزلة الباء في قوله (كَفى بِاللهِ شَهِيداً) وليس بزيد لأن عن وعلى لا يفعل بهما ذاك ولا بمن في الواجب وليست أستغفر الله ذنبا وأمرتك الخير أكثر في كلامهم جميعا وانما يتكلم بها بعضهم ، وأما سمّيت وكنيت فانما ادخلتها الباء على حد ما دخلت في عرفت تقول عرّفته زيدا ثم تقول عرّفته بزيد فهو سوى ذلك المعنى فانما تدخل في سميت وكنيت على حد ما دخلت في عرّفته بزيد فهذه الحروف كان أصلها في الاستعمال بحروف الاضافة وليس كل الفعل يفعل به هذا كما أنه ليس كلّ فعل يتعدى الفاعل ولا يتعدى الى مفعولين ، ومنه قول الفرزدق : [طويل]

(١) منا الذي اختير الرجال سماحة

وجودا اذا هبّ الرياح الزعازع

وقال الفرزدق أيضا : [طويل]

(٢) نبّئت عبد الله بالجو أصبحت

كراما مواليها لئيما صميمها

__________________

ـ وللمبرد فيه قول مرغوب عنه والرواية الصحيحة في آليت بالفتح لانه يخاطب عمرو بن هند الملك ويدل على هذا قوله بعده* لم تدر بصرى لما آليت من قسم* وكان قد أقسم أن لا يطعم المتلمس حب العراق لما خافه على نفسه ومر الى الشام ومدح ملوكها فقال له المتلمس مستهزئا آليت على حب العراق لا أطعمه وقد أمكنني منه بالشام ما يغنى عما عندك ، وأشار الى كثرة ما هناك منه بما ذكر من أكل السوس له ، وأراد بالقرية الشام وبالحب البر.

(٢٤) أراد اختير من الرجال فحذف وعدى على ما تقدم* وصف قومه بالجود والكرم عند اشتداد الزمان وهبوب الرياح الشديدة وهي الزعازع واحدتها زعزاع وزعزع وزعزوع وانما أراد زمن الشتاء ووقت الجدب.

(٢٥) أراد نبئت بمعنى خبرت وخبرت يتعدى بعن ولا يستغني عنها الا أن يحذف اتساعا وقد خولف سيبويه في هذا وجعل تعدي نبئت بذاتها كتعدي أعلمت لانها قد خرجت الى معناها وان كان أصلها الخبر ، وكلا المذهبين صحيح إن شاء الله ، وأراد بعبد الله القبيلة وهي عبد الله ابن دارم ، والفرزدق بن مجاشع بن دارم ، والضمير عائد على عبد الله بن دارم لأنه أراد القبيلة كما فسرنا ، والصميم الخالص من كل شيء وأراد به ههنا من خلص نسبه منهم.

٢٧

[باب الفاعل الذي يتعداه فعله الى مفعولين وليس لك أن تقتصر على أحد المفعولين دون الآخر]

وذلك قولك : حسب عبد الله زيدا بكرا ، وظنّ عمر وخالدا أباك ، وخال عبد الله زيدا أخاك ، ومثل ذلك رأي عبد الله زيدا صاحبنا ، ووجد عبد الله زيدا ذا الحفاظ ، وانما منعك أن تقتصر على أحد المفعولين هيهنا أنك انما أردت أن تبين ما استقرّ عندك من حال المفعول الاول يقينا كان أو شكا وذكرت الاول لتعلم الذي تضيف اليه ما استقر له عندك من هو فانما ذكرت ظننت ونحوه لتجعل خبرا لمفعول الاول يقينا أو شكا ولم ترد أن تجعل الاول فيه الشكّ أو تعتمد عليه بالتيقّن ، ومثل ذلك علمت زيدا الظريف وزعم عبد الله زيدا أخاك فان قلت رأيت فأردت رؤية العين او وجدت فأردت وجدان الضالة فهو بمنزلة ضربت ولكنك انما تريد بوجدت علمت وبرأيت ذلك أيضا ، ألا ترى أنه يجوز للأعمي أن يقول رأيت زيدا الصّالح وقد يكون علمت بمنزلة عرفت لا تريد الا علم الاول فمن ذلك قوله تعالى (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) وقال سبحانه (وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ) فهى هيهنا بمنزلة عرفت كما كانت رأيت على وجهين ، وأما ظننت ذاك فانما جاز السكوت عليه لانك تقول ظننت فتقتصر كما تقول ذهبت ثم تعمله في الظن كما تعمل ذهبت في الذهاب فذاك ههنا هو الظن كأنك قلت ظننت ذاك الظن وكذلك خلت وحسبت ويدلّك على أنه الظنّ أنّك لو قلت خلت زيدا وأرى زيدا لم يجز وتقول ظننت به جعلته موضع ظنّك كما قلت نزلت به ونزلت عليه ولو كانت الباء زائدة بمنزلتها في قوله عزوجل (كَفى بِاللهِ) لم يجز السّكت عليها فكأنّك قلت ظننت في الدار ومثله شككت فيه.

[باب الفاعل الذي يتعدّاه فعله الى ثلاثة مفاعيل]

ولا يجوز لك أن تقتصر على مفعول منهم واحد دون الثلاثة لأنّ المفعول ههنا كالفاعل في الباب الاول الذي قبله في المعنى ، وذلك قولك : أرى الله زيدا بشرا أباك ، ونبّأت عمرا زيدا أبا فلان ، وأعلم الله زيدا عمرا خيرا منك.

واعلم أن هذه الافعال اذا انتهت الى ما ذكرت لك من المفعولين فلم يكن بعد ذلك متعدّى تعدّت الى جميع ما تعدى اليه الفعل الذي لا يتعدّى الفاعل ، وذلك قولك أعطى عبد الله زيدا المال

٢٨

إعطاء جميلا ، وسرقت عبد الله الثوب الليلة ، لا تجعله ظرفا ولكن كما تقول يا سارق الليلة زيدا الثوب لم تجعلها ظرفا وتقول أعلمت هذا زيدا قائما العلم اليقين إعلاما وأدخل الله زيدا المدخل الكريم إدخالا لانها لما انتهت صارت بمنزلة ما لا يتعدى.

[باب المفعول الذي تعداه فعله الى مفعول]

وذلك قولك : كسى عبد الله الثوب ، وأعطى عبد الله المال ، رفعت عبد الله ههنا كما رفعته في ضرب حين قلت ضرب عبد الله وشغلت به كسى وأعطى كما شغلت به ضرب وانتصب الثوب والمال لانهما مفعولان تعدّى اليهما فعل مفعول هو بمنزلة الفاعل ، وان شئت قدمت وأخرت فقلت : كسى الثوب زيد ، وأعطى المال عبد الله كما قلت ضرب زيدا عبد الله فالامر في هذا كالامر في الفاعل.

واعلم أنّ المفعول الذي لا يتعدّاه فعله الى مفعول يتعدّى الى كلّ شيء تعدى اليه فعل الفاعل الذي لا يتعداه فعله الى مفعول وذلك قولك ضرب زيد الضرب الشديد ، وضرب عبد الله اليومين اللذين تعلم لا تجعله ظرفا ولكن كما تقول يا مضروب الليلة الضرب الشديد وأقعد عبد الله المقعد الكريم فجميع ما تعدى إليه فعل الفاعل الذي لا يتعدّاه فعله إلى مفعول يتعدّى إليه فعل المفعول الذي لا يتعدّاه فعله.

واعلم أنّ المفعول الذي لم يتعدّ إليه فعل فاعل في التعدّى والاقتصار بمنزلته إذا تعدّى اليه فعل الفاعل لان معناه متعدّيا اليه فعل الفاعل وغير متعد اليه فعله سواء ألا ترى أنّك تقول ضربت زيدا فلا تجاوز هذا المفعول وتقول ضرب زيد فلا يتعدّاه فله لان المعنى واحد وتقول : كسوت زيدا ثوبا فيجاوز الى مفعول آخر ، وتقول : كسى زيد ثوبا فلا يجاوز الثوب لأن الأول بمنزلة المنصوب لأن المعنى واحد وإن كان لفظه لفظ الفاعل.

[باب المفعول الذي يتعدّاه فعله الى مفعولين]

وليس لك ان تقتصر على واحد منهما دون الآخر وذلك قولك : نبّئت زيدا أبا فلان ، لما كان الفاعل يتعدّى الى ثلاثة تعدى المفعول الى اثنين وتقول أرى عبد الله أبا فلان لأنّك لو أدخلت في هذا الفعل الفاعل وبنيته له لتعدّاه فعله الى ثلاثة مفعولين.

واعلم ان الافعال اذا انتهت ههنا فلم تجاوز تعدّت إلى جميع ما تعدّى اليه الفعل

٢٩

الذي لا يتعدّى المفعول وذلك قولك أعطى عبد الله الثوب إعطاء جميلا ونبئت زيدا أبا فلان تنبيئا حسنا وسرق عبد الله الثوب الليلة لا تجعله ظرفا ولكن على قولك يا مسروق الليلة الثوب صير فعل المفعول والفاعل حيث انته فعلهما بمنزلة الفعل الذي لا يتعدى فاعله ولا مفعوله ولم يكونا أضعف من الفاعل الذي لا يتعدى.

[باب ما يعمل فيه الفعل فينتصب وهو حال وقع فيه الفعل وليس بمفعول]

كالثوب في قولك : كسوت الثوب وفي قولك كسوت زيدا الثوب لان الثوب ليس بحال وقع فيها الفعل ولكنه مفعول كالاول ألا ترى أنه يكون معرفة ويكون معناه ثانيا كمعناه أولا إذا قلت : كسوت الثوب وكمعناه إذا كان بمنزلة الفاعل اذا قلت كسي الثوب وذلك قولك ضربت عبد الله قائما وذهب زيد راكبا فلو كان بمنزلة المفعول الذي يتعدى اليه فعل الفاعل نحو عبد الله وزيد ما جاز في ذهبت ولجاز ان تقول ضربت زيدا أباك وضربت زيدا القائم لا تريد بالاب ولا بالقائم الصفة ولا البدل فالاسم الاول المفعول في ضربت قد حال بينه وبين الفعل أن يكون فيه بمنزلته كما حال الفاعل بينه وبين الفعل في ذهب أن يكون فاعلا وكما حالت الاسماء المجرورة بين ما بعدها وبين الجار في قولك لي مثله رجلا ، ولي ملؤه عسلا ، وكذلك ويحه فارسا ، وكما منعت النون في عشرين أن يكون ما بعدها جرا اذا قلت له عشرون درهما فعمل الفعل ههنا فيما يكون حالا كعمل لي مثله فيما بعده ألا ترى أنه لا يكون الا نكره كما أن هذا لا يكون الا نكرة ولو كان هذا الحال بمنزلة الثوب وزيد في كسوت لما جاز ذهبت راكبا لانه لا يتعدى الى مفعول كزيد وعمرو وانما جاز هذا لأنه حال وليس معناه كمعنى الثوب وزيد فعمل كعمل غير الفعل ولم يكن أضعف منه اذ كان يتعدّى الى ما ذكرت من الازمنة والمصادر ونحوه.

[باب الفعل الذي يتعدى اسم الفاعل الى اسم المفعول]

«واسم الفاعل والمفعول فيه لشيء واحد»

فمن ثمّ ذكر على حدته ولم يذكر مع الأول ولا يجوز فيه الاقتصار على الفاعل كما لم يجز في ظننت الاقتصار على المفعول الأول لأن حالك في الاحتياج الى الآخر ههنا كحالك

٣٠

في الاحتياج اليه ثمّه وسنبين لك ان شاء الله وذلك قولك كان ويكون وصار ومادام وليس وما كان نحوهن من الفعل مما لا يستغنى عن الخبر تقول كان عبد الله أخاك فانما أردت أن تخبر عن الأخوة وأدخلت كان لتجعل ذلك فيما مضى وذكرت الأول كما ذكرت المفعول الأول في ظننت وان شئت قلت كان أخاك عبد الله فقدمت وأخّرت كما فعلت ذلك في ضرب لأنه فعل مثله وحال التقديم والتأخير فيه كحاله في ضرب إلا أنّ اسم الفاعل والمفعول فيه لشيء واحد وتقول كنّاهم كما تقول ضربناهم وتقول إذا لم نكنهم فمن ذا يكونهم كما تقول اذا لم نضربهم فمن ذا يضربهم قال أبو الأسود الدّؤلي : (واسمه ظالم بن عمرو)[طويل]

(١) فان لا يكنها أو تكنه فانه

أخوها غذته أمّه بلبانها

فهو كائن ومكون كما كان ضارب ومضروب وقد يكون لكان موضع آخر يقتصر على الفاعل فيه تقول قد كان عبد الله أي قد خلق عبد الله وقد كان الأمر أي وقع الأمر وقد دام فلان أي ثبت كما تقول رأيت زيدا تريد رؤية العين وكما تقول أنا وجدته تريد وجدان الضالة وكما يكون أصبح وأمسى مرة بمنزلة كان ومرّة بمنزلة قولك استيقظوا وناموا وأما ليس فانه لا يكون فيها ذلك لانها وضعت موضعا واحدا ومن ثم لم تصرّف تصرف الفعل الآخر فمّا جاء على وقع قول الشاعر وهو مقاس العائذيّ : [طويل]

(٢) فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي

إذا كان يوم ذو كواكب أشهب

أي إذا وقع ، وقال عمرو بن شأس : [طويل]

__________________

(٢٦) أراد سيبويه أنها لتصرفها تجري مجرى الأفعال الحقيقية في عملها فيتصل بها ضمير المفعول بالفعل الحقيقي في نحو ضربته وضربني وما أشبهه* وصف نبيذا لزبيب وأطلقه على مذهب العراقيين في الانبذة وحض على شربه وترك الخمر بعينها للاجماع على تحريمها وجعل الزبيب أخا للخمر لأن أصلهما الكرمة واستعار اللبان لما ذكره من الاخوة واللبان للآدميين واللبن لغيرهم ، وقد يكون اللبان جمع لبن في غير هذا الموضع.

(٢٧) أراد وقع يوم أو حضر يوم ونحو ذلك مما يقتصر فيه على الفاعل ، وأراد باليوم يوما من أيام الحرب* وصفه بالشدة فجعله كالليل تبدو فيه الكواكب ، ونسبه الى الشهبة إما لكثرة السلاح الصقيلة فيه واما لما ذكره من النجوم ، وذهل بن شيبان من بني بكر بن وائل ، وكان مقاس نازلا فيهم وأصله من قريش من عائذة وهم حي منهم ، وسمي مقاسا لبيت قاله وهو :

مقست بهم ليل الثمام مسهرا

الى أن بدا ضوء من الفجر ساطع

٣١

(١) بني أسد هل تعلمون بلاءنا

إذا كان يوما ذا كواكب أشنعا

أضمر لعلم المخاطب بما يعني وهو اليوم وسمعت بعض العرب يقول أشنعا ويرفع ما قبله كأنه قال إذا وقع يوم ذو كواكب أشنعا* واعلم أنه إذا وقع في هذا الباب نكرة ومعرفة فالذي تشغل به كان المعرفة لأنه حدّ الكلام لأنهما شيء واحد وليس بمنزلة قولك ضرب رجل زيدا لانهما شيئآن مختلفان وهما في كان بمنزلتهما في الابتداء اذا قلت عبد الله منطلق تبتدىء بالأعرف ثمّ تذكر الخبر وذلك قولك كان زيد حليما وكان حليما زيد لا عليك أقدّمت أم أخرّت الا أنه على ما وصف لك في قولك ضرب زيدا عبد الله فاذا قلت كان زيد فقد ابتدأت بما هو معروف عنده مثله عندك فانما ينتظر الخبر فاذا قلت حليما فقد أعلمته مثل ما علمت وإذا قلت كان حليما فانما ينتظر أن تعرّفه صاحب الصفة فهو مبدوء به في الفعل وان كان مؤخرا في اللفظ فان قلت كان حليم أو رجل فقد بدأت بنكرة ولا يستقيم أن تخبر المخاطب عن المنكور وليس هذا بالذي ينزل به المخاطب منزلتك في المعرفة فكرهوا أن يقربوا باب ليس وقد تقول كان زيد الطويل منطلقا اذا خفت التباس الزيدين وتقول أسفيها كان زيد أم حليما ، وأرجلا كان زيد أم صبيا تجعلها لزيد لانه انما ينبغي لك أن تسأله عن خبر من هو معروف عنده كما حدّثته عن خبر من هو معروف عندك فالمعروف هو المبدوء به ولا يبدأ بما يكون فيه اللبس وهو النكرة ، ألا ترى أنك لو قلت كان رجل منطلقا أو كان إنسان حليما كنت تلبس لانه لا يستنكر أن يكون في الدنيا إنسان هكذا فكرهوا أن يبدئوا بما فيه اللبس ويجعلوا المعرفة خبرا لما يكون فيه هذا اللبس وقد يجوز في الشعر وفي ضعف من الكلام حملهم على ذلك أنه فعل بمنزلة ضرب وأنه قد يعلم إذا ذكرت زيدا وجعلته خبرا أنه صاحب الصفة على ضعف من الكلام وذلك قول خداش ابن زهير : [وافر]

__________________

(٢٨) أراد اذا كان اليوم يوما وأضمر لعلم المخاطب ، ومعناه اذا كان اليوم الذي يقع فيه القتال قال سيبويه وبعض العرب ينشده* اذا كان يوم ذو كواكب اشنعا* وتفسير هذا كالذي مر في البيت الذي قبله وفي نصب أشنعا تقدير ان أجودهما أن يكون نصبه على الحال المؤكدة لأنه اذا وصف اليوم بالكواكب فقد دل على الشنعة والحال المؤكدة تستعمل كثيرا كقولهم قم قائما وكما قال الله عزوجل (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) والتقدير الآخر أن يكون نصبه على الخبر المؤكد به والخبر لا يكاد يقع الا لفائدة يحتاج اليها لا يستغنى عن ذكرها وقد استغنى عنه هنا فلذلك قبح هذا التقدير وضعف.

٣٢

(١) فانّك لا تبالي بعد حول

أظبى كان أمّك أم خمار

وقال حسان بن ثابت : [وافر]

(٢) كأنّ سبيئة من بيت رأس

يكون مزاجها عسل وماء

وقال أبو قيس بن الأسلت الانصارىّ : [وافر]

(٣) ألا من مبلغ حسّان عنّى

أسحر كان طبّك أم جنون

وقال الفرزدق : [طويل]

__________________

(٢٩) استشهد به على جعل اسم كان نكرة وخبرها معرفة ضرورة ووجه مجاز ذلك أن كان فعل بمنزلة ضرب في التصرف وضرب قد ترفع النكرة وتنصب المعرفة فشبهت بها عند الضرورة* وصف في البيت تغير الزمان واطراح مراعاة الانساب ويتصل به ما يبينه وهو قوله :

فقد لحق الاسافل بالاعالي

وصار مع المعلهجة العشار

فيقول لا تبالى بعد قيامك بنفسك واستغنائك عن أبويك من انتسبت اليه من شريف أو وضيع وضرب المثل بالظبي والحمار وجعلهما امين وهما ذكران لانه مثل لا حقيقة وقصد الجنسين ولم يحقق ابوه ، وذكر الحول لذكر الظبي والحمار لانهما يستغنيان بأنفسهما بعد الحول فضرب المثل بذكره الانسان لما أراد من استغنائه بنفسه.

(٣٠) الشاهد في نصب المزاج وهو معرفة ورفع العسل والماء وهما نكرتان ، وعلته كالذي قبله الا ان هذا أقوى نسبا لأن المزاج مضاف الى ضمير السلافة وهي نكرة فضميرها مثلها في الفائدة فكأنه أضاف الى نكرة وأخبر عن نكرة بنكرة ، ومما يقويه أيضا على الأول ان الفائدة في تعريف العسل والماء وتنكيرهما اذا قصد تعريف الجنس لا تعريف العهد سواء ، والسلافة الخمر ويقال هو اسم لما سال منها قبل أن تعصر وذلك أخلصها واشتقاقها من سلف الشىء اذا تقدم ، وبيت رأس اسم موضع ، وقيل رأس رئيس الخمارين ، ويقال هذا رأس القوم وشرط أن يمزجها لان الخمر شاهية تقتل ان لم تمزج ، ويقال رأس اسم خمار معروف.

(٣١) تفسير اعرابه كتفسير بيت خداش بن زهير ، قد تقدم في الباب والطب هنا العلة والسبب يقول : لحسان بن ثابت وكانت بينهما مهاجاة اسحرت فكان ذلك سبب هجائك أم جننت يتوعده ، بالمقارضة.

٣٣

(١) أسكران كان ابن المراغة إذ هجا

تميما بجوف الشّام أم متساكر

فهذا إنشاد بعضهم وأكثرهم ينصب السكران ويرفع الآخر على قطع وابتداء وإذا كانا معرفة فأنت بالخيار أيّهما ما جعلته فاعلا رفعته ونصبت الآخر كما فعلت ذلك في ضرب وذلك قولك كان أخوك زيدا وكان زيد صاحبك وكان هذا زيدا وكان المتكلم أخاك وتقول من كان أخاك ومن كان أخوك كما تقول من ضرب أباك اذا جعلت من الفاعل ومن ضرب أبوك اذا جعلت الاب الفاعل وكذلك أيّهم كان أخاك وأيّهم كان أخوك وتقول ما كان أخاك الا زيد كقولك ما ضرب أخاك الا زيد ومثل ذلك قوله عزوجل (ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا (وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا) وقال الشاعر : [طويل]

(٢) وقد علم الأقوام ما كان داءها

بثهلان إلّا الخزى ممّن يقودها

وان شئت رفعت الاوّل كما تقول ما ضرب أخوك الا زيدا وقد قرأ بعض القرّاء ما ذكرنا بالرفع ومثل قولهم من كان أخاك قول العرب ما جاءت حاجتك كأنّه قال ما صارت حاجتك ولكنه أدخل التأنيث على ما حيث كانت الحاجة كما قال بعض العرب من كانت امّك حيث أوقع من على مؤنث وانما صيّر جاء بمنزلة كان في هذا الحرف وحده لانه بمنزلة المثل كما جعلوا عسى بمنزلة كان في قولهم «عسى الغوير أبؤسا» ولا يقال عسيت أخانا وكما جعلوا لدن مع غدوة منونة في قولهم لدن غدوة ، ومن كلامهم أن يجعلوا الشيء في موضع على غير حاله في سائر الكلام وسترى مثل ذلك ان شاء الله. ومن

__________________

(٣٢) القول فيه كالقول في البيت الذي قبله ، وأراد بابن المراغة جرير بن الخطفي وكان الفرزدق قد لقب أمه بالمراغة ، ونسبها الى انها راعية حمير والمراغة الاتان التي لا تمتنع من الفحول وأراد بتميم ههنا بنى دارم من مالك بن حنظلة وهم رهط الفرزدق من تميم وجرير من كليب بن يربوع بن حنظلة فلم يعتد الفرزدق برهط جرير في تميم احتقارا لهم.

(٣٣) استشهد به على استواء اسم كان وخبرها في الرفع والنصب لاستوائهما في المعرفة* وصف كتيبة انهزمت فيقول لم يكن داؤها وسبب انهزامها الا جبن من يقودها وانهزامه ، وجعل الفعل للخزى مجازا واتساعا والمعني الا قائدها المنهزم الخزيان ، وثهلان اسم جبل وأنشد :

* ثهلان ذو الهضبات لا يتحلحل*

٣٤

يقول من العرب ما جاءت حاجتك كثير كما يقول من كانت أمّك ولم يقولوا ما جاء حاجتك كما قالوا من كان أمّك لانه بمنزلة المثل فألزموه التاء كما اتّفقوا على لعمر الله في اليمين وزعم يونس أنه سمع رؤبة يقول ما جاءت حاجتك فرفع ، ومثل قولهم ما جاءت حاجتك اذ صارت تقع على مؤنّث قراءة بعض القرّاء (ثمّ لم تكن فتنتهم الا أن قالوا) (وتلتقطه بعض السّيّارة) وربما قالوا في بعض الكلام ذهبت بعض أصابعه وانما أنّث البعض لانه أضافه الى مؤنث هو منه ولو لم يكن منه لم يؤنّثه لأنه لو قال ذهبت عبد أمّك لم يحسن ، ومما جاء مثله في الشعر قول الاعشي : [طويل]

(١) وتشرق بالقول الذي قد أذعته

كما شرقت صدر القناة من الدّم

لان صدر القناة من مؤنث ، ومثله قول جرير : [وافر]

(٢) اذا بعض السّنين تعرّقتنا

كفى الأيتام فقد أبى اليتيم

لان بعض هيهنا سنون ، ومثله قول جرير أيضا : [كامل]

__________________

(٣٤) استشهد به على تأنيث الصدر وهو مذكر لانه مضاف الى مؤنث هو منه والخبر عنه كالخبر عما أضيف اليه لان المعني في شرقت القناة وشرق صدر القناة واحد يخاطب بالبيت يزيد بن مسهر الشيباني وكانت بينهما مباينة ومهاجاة فيقول له يعود عليك مكروه ما أذعت عنى من القول ونسبته الى من القبيح فلا تجد منه مخلصا ، والشرق بالماء كالغصص بالطعام والجرض بالريق ، وانما شبه شرقه بشرق القناة مبالغة في وصف الشرق باللزوم لمواصلة صدر القناة الدم لمواصلة الطعن ، ومعنى أذعته نشرته وبثثته واذاعة السر افشاؤه وبثه.

(٣٥) استشهد به على تأنيث تعرقتنا فعل بعض لاضافته الى السنين ولانه أراد سنة فكأنه قال اذا سنة من السنين تعرقتنا ، عنى بالبيت هشام بن عبد الملك فيقول اذا أصابتنا سنة جدب تذهب المال قام للايتام مقام آبائهم لانه ذكر الايتام أولا ولكنه أفرد حملا على المعنى لأن الايتام هنا اسم جنس فواحدها ينوب مناب جمعها وجمعها ينوب مناب واحدها فمعنى كفى الايتام فقد أبى اليتيم ومعنى كفي اليتيم فقد أبيه واحد ومعنى تعرقتنا اذهبت أموالنا وأصله من تعرقت العظم اذا أذهبت ما عليه من اللحم.

٣٥

(١) لمّا أتى خبر الزّبير تواضعت

سور المدينة والجبال الخشّع

ومثله قول ذي الرمّة : [طويل]

(٢) مشين كما اهتّزت رماح تسفّهت

أعاليها مرّ الرياح النّواسم

وقال العجّاج : [رجز]

(٣) طول اللّيالي أسرعت في نقضي

وسمعنا من يوثق به من العرب يقول اجتمعت أهل اليمامة لانه يقول في كلامه إجتمعت اليمامة يعني أهل اليمامة فأنث الفعل في اللفظ إذ جعله في اللفظ لليمامة فترك اللفظ على ما يكون عليه في سعة الكلام ، ومثله في هذا يا طلحة أقبل لان أكثر ما يدعو طلحة بالترخيم فترك الحاء على حالها ويا تيم تيم عدىّ أقبل ، وقال جرير : [بسيط]

__________________

(٣٦) القول فيه كالقول في الذي قبله الا أنه أبعد شيئا لان السور وان كان بعض المدينة فلا يسمى مدينة كما تسمى بعض السنين سنة ولكن الاتساع فيه متمكن لان معنى تواضعت المدينة وتواضع سور المدينة متقارب* وصف مقتل الزبير بن العوام صاحب رسول الله (ص) حين انصرف يوم الجمل وقتل في الطريق غيلة فيقول لما وافى خبره المدينة مدينة الرسول (ص) تواضعت هي وجبالها وخشعت حزناله ، وهذا مثل وانما يريد أهلها وكان ينبغي أن يقول والجبال الشامخة ولكنه وصفها بما آلت اليه كما قال عزوجل (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) أي عنبا يؤل الى الخمر وهذا التفسير مع عطف الجبال على السور فان جعلتها مبتدأ لم يكن في الكلام اتساع ويكون التقدير والجبال خشع لموته.

(٣٧) القول في تأنيث فعل المر لانه من مؤنث كالقول في الذي قبله* وصف نساء فيقول اذا مشين اهتززن في مشيهن وتثنين فكأنهن رماح نصبت فمرت عليها الرياح فاهتزت وتثنت ومعنى تسفهت استخفت والسفه خفة العقل وضعفه ، والنواسم الضعيفة الهبوب واحدتها ناسمة واسم الفعل النسيم وانما خص النواسم لان الزعازع الشديدة تعصف ما مرت به وتغيره ويروى مرضي الرياح يريد الفاترة ولا ضرورة فيه على هذا.

(٣٨) أنّث فعل الطول وهو مذكر لأنه أضافة الى مؤنث وهذا كالذي قبله يقول مرور الليالي على هرّمنى وأبلاني فصرت الى الضعف بعد القوة فكأنما نقضت بعد الابرام وبعده* أكلن بعضى وتركن بعضى* فأخلص الخبر لليالي دون الطول فقد بين لك ان معنى طول الليالي أسرعت في نقضى والليالى أسرعت سواء.

٣٦

(١) يا تيم تيم عدىّ لا أبالكم

لا يلقينّكم في سوأة عمر

وسترى هذا مبيّنا في مواضعه ان شاء الله ، وترك التاء في جميع هذا الحدّ والوجه وسترى ما إثبات التاء فيه جيد ان شاء الله من هذا النحو لكثرته في كلامهم وسيبيّن في بابه ، فان قلت من ضربت عبد أمك أو هذه عبد زينب لم يجز لانه ليس منها ولا بها ولا يجوز أن تلفظ بها وأنت تريد العبد.

[باب تخبر فيه عن النكرة بنكرة]

وذلك قولك ما كان أحد مثلك وليس أحد خيرا منك وما كان أحد مجترئا عليك وانما حسن الاخبار هيهنا عن النكرة حيث أردت أن تنفي أن يكون في مثل حاله شيء أو فوقه لأن المخاطب قد يحتاج الى أن تعلمه مثل هذا ، وإذا قلت كان رجل ذاهبا فليس في هذا شيء تعلمه كان جهله ، ولو قلت : كان رجل من آل فلان فارسا حسن لانه قد يحتاج الى أن تعلمه أنّ ذاك في آل فلان وقد يجهله ولو قلت : كان رجل في قوم فارسا لم يحسن لأنه لا يستنكر أن يكون في الدنيا فارس وأن يكون من قوم فعلى هذا النحو يحسن ويقبح ، ولا يجوز في أحد أن تضعه في موضع واجب لو قلت كان أحد من آل فلان لم يجز لأنه انما وقع في كلامهم نفيا عاما يقول الرجل أتاني رجل يريد واحدا في العدد لا اثنين فتقول ما أتاك رجل أي أتاك أكثر من ذلك ثم يقول أتاني رجل لا امرأة فتقول ما أتاك رجل أي امرأة أتتك ويقول اتاني اليوم رجل أي في قوّته ونفاذه فتقول ما أتاك

__________________

(٣٩) استشهد به على اقحام تيم الثاني بين تيم الأول وما أضيف اليه لان الفائدة في تكرير الاسمين وافرادهما سواء إذا كانا لشيء واحد فكأنه انما أضاف اسما واحدا الى عدى فحذف التنوين منهما للاضافة كما يحذف من أحدهما إذا أضيف* يخاطب تيم بن عبد مناة وهم رهط عمر ابن لجا التيمي الخارجي ، وعدى هذا هو عدى بن عبد مناة فأضاف تيما اليه لالتباسه ، وكانت بينه وبين عمر هذا مهاجاة فلما توعد جرير قومه أتوه به موثقا وحكموه فيه فأعرض عن هجومهم ومعنى لا يلقينكم في سوأة لا تمالؤه على فأقارضكم بالهجو فتقعوا منه في سوأة وشين والسوأة الفعلة القبيحة ومعنى لا أبالكم الغلظة في الخطاب والحط وأصله أن ينسب الرجل المخاطب الى غير أب معلوم شتما له واحتقارا وكثرت في الاستعمال حتى جعلت في كل خطاب يغلظ فيه على المخاطب.

٣٧

رجل أي أتاك الضّعفاء فاذا قال ما أتاك أحد صار نفيا عاما لهذا كلّه فانما مجراه في الكلام هذا ، ولو قلت ما كان مثلك أحدا وما كان زيد أحدا كنت ـ ناقضا لأنه قد علم أنه لا يكون زيد ولا مثله الا من الناس واذا قلت ما كان مثلك اليوم أحد فانه يكون أن لا يكون في اليوم انسان على حاله إلا أن تقول ما كان زيد أحدا أي من الاحدين وما كان مثلك أحدا على وجه تصغيره فتصير كأنّك قلت ما ضرب زيد أحدا وما قتل مثلك أحدا والتقديم والتأخير في هذا بمنزلته في المعرفة وما ذكرت لك من الفعل ، وحسنت البكرة هيهنا في هذا الباب لانك لم تجعل الأعرف في موضع الأنكر ، وهما متكافئان كما تكافأت المعرفتان ولأن المخاطب قد يحتاج الى علم ما ذكرت لك وقد عرف من تعنى بذلك كمعرفتك ، وتقول ما كان فيها أحد خير منك وما كان أحد مثلك فيها وليس أحد فيها خير منك اذا جعلت فيها مستقرا ولم تجعله على قولك فيها زيد قائم أجريت الصفة على الاسم ، فان جعلته على قولك فيها زيد قائم نصبت تقول ما كان فيها أحد خيرا منك وما كان أحد خيرا منك فيها الا أنك اذا أردت الالغاء فكلما أخّرت الذي تلغي كان أحسن واذا أردت أن يكون مستقرّا تكتفي به فكلما قدّمته كان احسن لانه اذا كان عاملا في شىء قدمته كما تقدّم أظنّ وأحسب واذا ألغيت أخّرته كما تؤخرهما لانهما ليسا يعملان شيئا والتقديم هيهنا والتأخير فيما يكون ظرفا أو يكون اسما في العناية والاهتمام مثله فيما ذكرت لك في باب الفاعل والمفعول ، وجميع ما ذكرت لك من التقديم والتأخير والالغاء والاستقرار عربيّ جيّد كثير فمن ذلك قوله عزوجل (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) وأهل الجفاء من العرب يقولون ولم يكن كفوا له أحد كانهم أخّروها حيث كانت غير مستقر ، وقال الشاعر : [رجز]

(١) لتقربنّ قربا جلذيا

ما دام فيهنّ فصيل حيّا

فقد دجا الليل فهيّا هيّا

__________________

(٤٠) استشهد به على تقديم فيهن على فصيل وجعله لغوامع التقديم وسوّغ ذلك أنك لو حذفت انقلب المعنى الى معنى آخر وهو الابد فلما لم تتم الفائدة الا به حسن تقديمه لمضارعته الخبر في الفائدة* يخاطب ناقته فيقول لتسيرن الى الماء مسيرا حثيثا ، والقرب القرب من الورود وليلة القرب التي يورد الماء في صبيحتها بعد سير اليه وطلب ، والجلذي من وصف ـ

٣٨

[باب ما اجري مجرى ليس في بعض المواضع بلغة اهل الحجاز ثم يصير الى أصله]

وذلك الحرف ما تقول ما عبد الله أخاك وما زيد منطلقا ، وأما بنو تميم فيجرونها مجرى أما وهل وهو القياس لانها ليست بفعل وليس ما كليس ولا يكون فيها اضمار ، وأما أهل الحجاز فيشبّهونها بليس اذ كان معناها كمعناها كما شبّهوا بهالات في بعض المواضع وذلك مع الحين خاصّة لا تكون لات الا مع الحين تضمر فيها مرفوعا وتنصب الحين لانه مفعول به ولم تمكّن تمكّنها ولم يستعملوها الا مضمرا فيها لأنها ليست كليس في المخاطبة والاخبار عن غائب تقول لست ولست وليسوا وعبد الله ليس ذاهبا فيبنى على المبتدإ ويضمر فيه وهذا لا يكون فيه ذاك ولا تقول عبد الله لات منطلقا ولا قومك لاتوا منطلقين ، ونظير لات في أنه لا يكون الا مضمرا فيه ليس ولا يكون في الاستثناء.

اذا قلت أتونى ليس زيدا ولا يكون بشرا ، وزعموا أنّ بعضهم قرأ ولات حين مناص وهى قليلة ، كما قال بعضهم في قول سعد بن مالك القيسى : [كامل]

(١) من فرّ عن نيرانها

فأنا ابن قيس لا براح

جعلها بمنزلة ليس فهى بمنزلة لات في هذا الوجه ، ولا يجاوز بها هذا الموضع رفعت أو نصبت ولا تمكّن في الكلام كتمكّن ليس وانما هي مع الحين كما أن لدن انما ينصب

__________________

ـ القرب ومعناه السريع الشديد ، ويجوز ان يكون اسم ناقته جلذية فرخم والضمير في قوله فيهن عائد على الابل ودل عليه سياق الكلام وذكر الناقة فأضمر وان لم يجر لها ذكر يرجع الضمير اليه وانما ذكر الفصيل لان ناقته من جملة الابل التي يسوقها الى ماء سوقا حثيثا فيقول لا أعذرك ما دام في صواحبك فصيل يطيق السير ، وهيا هيا كلمة استحثاث وهى مكسورة الأول وقد حكيت بالفتح.

(٤١) استشهد به على اجراء لا مجرى ليس في بعض اللغات كما أجريت ما مجراها في لغة أهل الحجاز فتقديره لا براح لي على معنى ليس براح والوجه في لا اذا وليتها النكرة ولم تتكرر أن تنصبها بلا تنوين وتبنى معها على ما بين سيبويه في باب لا وذكره بعلته ، واما رفعها للنكرة مفردة ونصب الخبر فيجري مجرى الضرورة في القلة وهي في ذلك مشبهة بليس لأن معناها كمعناها ودخولها على المبتدأ كدخولها فأعملت لذلك عملها* وصف نفسه بالشجاعة والاقدام عند اشتداد الحرب وصدود الشجعان عنها والاقران.

٣٩

بها مع غدوة وكما أن التاء لا تجرّ في القسم ولا في غيره الا في الله اذا قلت تالله لأفعلنّ ، ومثل ذلك قوله عزوجل (ما هذا بَشَراً) في لغة أهل الحجاز وبنو تميم يرفعونها الا من عرف كيف هي في المصحف ، فاذا قلت ما منطلق عبد الله أو ما مسىء من أعتب رفعت ولا يجوز أن يكون مقدما مثله مؤخرا كما أنه لا يجوز أن تقول إن أخوك عبد الله على حد قولك إن عبد الله أخوك لانها ليست بفعل وانما جعلت بمنزلته فكما لا تتصرف إنّ كالفعل كذلك لم يجز فيها كلّ ما يكون في الفعل ولم تقو قوته فكذلك ما وتقول ما زيد الا منطلق تستوي فيه اللغتان ومثله قوله عزوجل (ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) لم تقوما حيث نقضت معنى ليس كما لم تقو حين قدمت الخبر فمعنى ليس النفي كما أن معنى كان الواجب فكلّ واحدة منهما يعني كان وليس اذا جردتّها فهذا معناها فان قلت ما كان أدخلت عليها ما ينفي وأن قلت ليس زيد إلا ذاهبا أدخلت ما يوجب كما أدخلت ما ينفي فلم تقو ما في قلب المعنى كما لم تقو في تقديم الخبر وزعموا أن بعضهم قال وهو الفرزدق : [بسيط]

(١) فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم

إذ هم قريش واذ ما مثلهم بشر

وهذا لا يكاد يعرف كما أن لات حين مناص لا يكاد يعرف وربّ شيء هكذا وهذا كقول بعضهم هذه ملحفة جديدة في القلة وتقول ما عبد الله خارجا ولا معن ذاهب

__________________

(٤٢) استشهد به على تقديم خبر ما منصوبا والفرزدق تميمى يرفعه مؤخرا فكيف اذا تقدم وقد رد سيبويه حمله على هذا وخرج للنصب وجهان أضربت عنهما لتبييني لهما في كتاب النكت والذي حمله عليه سيبويه أصح عندي وان كان الفرزدق تميميا لانه أراد أن يخلص المعنى من الاشتراك فلا يبالي افساد اللفظ مع اصلاح المعنى وتحصينه وذلك انه لو قال واذ ما مثلهم بشر بالرفع لجاز أن يتوهم أنه من باب ما مثلك أحد اذا نفيت عنه الانسانية والمروءة فاذا قال ما مثلهم بشر بالنصب لم يتوهم ذلك وخلص المعنى للمدح دون توهم الذم فتأمله تجده صحيحا والشعر موضع ضرورة يحتمل فيه وضع الشيء في غير موضعه دون احراز فائدة ولا تحصيل معنى وتحصينه فكيف مع وجود ذلك وسيبويه رحمه‌الله ممن عنى بتصحيح المعاني وان اختلفت الالفاظ فلذلك وجهه على هذا وان كان غيره أقرب الى القياس في الظاهر* مدح بالشعر بني أمية فيقول كان ملك العرب في الجاهلية لغير قريش وسائر مضر وكانوا أحق به لفضلهم على جميع البشر فقد أصبحوا والاسلام والملك فيهم فعاد اليهم ما خرج عن غيرهم مما كان واجبا لهم بفضلهم.

٤٠