كتاب سيبويه - ج ١

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]

كتاب سيبويه - ج ١

المؤلف:

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٨٢

يكون الحلب الفعل والحلب المحلوب ، فكأنّ الوزن هيهنا اسم وكأنّ الضرب اسم كما تقول رجل رضا وامرأة عدل ويوم غم فيصير هذا الكلام صفة وقال أستقبح ان أقول هذه مائة ضرب الأمير فأجعل الضرب صفة فيكون نكرة وصفت بمعرفة ولكن أرفعه على الابتداء كأنه قيل له ما هي فقال ضرب الأمير فان قال ضرب أمير حسنت الصفة لأنّ النكرة توصف بالنكرة.

وأعلم أن جميع ما ينتصب في هذا الباب ينتصب على أنه ليس من اسم الأوّل ولا هو هو والدليل على ذلك أنك لو ابتدأت اسما لم تستطع أن تبنى عليه شيئا مما انتصب في هذا الباب ، لأنه جرى في كلام العرب أنه ليس منه ولا هو هو ولو قلت ابن عمّى دنى وعربي جد لم يجز ذلك فاذا لم يجز أن يبنى على المبتدإ فهو من الصفة أبعد لأنّ هذه الأجناس التي يضاف اليها ما هو منها ومن جوهرها ولا تكون صفة قد تبنى على المبتدإ كقولك خاتمك فضّة ، ولا يكون صفة فما انتصب في هذا الباب فهو مصدر أو غير مصدر قد جعل بمنزلة المصدر وانتصبا من وجه واحد.

وأعلم أنّ الشيء يوصف بالشيء الذي هو هو وهو من اسمه وذلك قولك هذا زيد الطويل ويكون هو هو وليس من اسمه كقولك هذا زيد ذاهبا ويوصف بالشيء الذي ليس به ولا من اسمه كقولك هذا درهم وزنا لا يكون إلا نصبا.

[باب ما ينتصب لأنه قبيح أن يوصف بما بعده ويبنى على ما قبله]

وذلك قولك هذا قائما رجل وفيها قائما رجل ، لما لم يجز أن توصف الصفة بالاسم ، وقبح أن تقول فيها قائم فتضع الصفة موضع الاسم كما قبح مررت بقائم وأتاني قائم جعلت القائم حالا وكان المبنيّ على الكلام الأوّل ما بعده ، ولو حسن أن تقول فيها قائم لجاز فيها قائم رجل لا على الصفة ولكنه كأنه لما قال فيها قائم قيل له من هو وما هو فقال رجل أو عبد الله وقد يجوز على ضعفه ، وحمل هذا النصب على جواز فيها رجل قائما وصار حين أخّر وجه الكلام فرارا من القبح ، قال ذو الرمّة :

٣٢١

(١) وتحت العوالي في القنا مستظلة

ظباء أعارتها العيون الجآذر

وقال الآخر :

(٢) وبالجسم منّى بيّنا لو علمته

شحوب وإن تستشهدى العين تشهد

وقال كثيّر :

(٣) لعزّة موحشا طلل

وهذا كلام أكثره يكون في الشعر وأقلّ ما يكون في الكلام.

وأعلم أنه لا يقال قائما فيها رجل فان قال قائل أجعله بمنزلة راكبا مرّ زيد وراكبا مرّ الرجل فيل له فانّه مثله في القياس لأنّ فيها بمنزلة مرّ ولكنهم كرهوا ذلك فيما لم يكن من الفعل لأن فيها وأخواتها لا يتصرّفن تصرّف الفعل وليس بفعل ولكنهن أنزلن منزلة ما يستغنى به الاسم من الفعل فأجره كما أجرته العرب واستحسنت ، ومن ثم صار

__________________

(٤٠٣) الشاهد فيه نصب مستظلة على الحال لأنها صفة للظباء مقدمة عليها فلم يمكن أن تجري نعتا لها لأن النعت لا يتقدم المنعوت والنصب فيها لو تأخرت بعد الموصوف جائز على قبح فلما تقدم صار لازما لأن الحال تتقدم تقدم المفعول والنعت لا يجوز ذلك فيه لأنه كالصلة من الموصول* وصف نساء سبين فصرن تحت عوالي الرماح وفي قبضتها ، وعواليها صدورها ، وشبههن بالظباء في طول الأعناق وانطواء الكشوح وشبه عيونهن بعيون الجآذر ، وهي أولاد البقر الوحشية واحدها جؤذر وجوذر والقنا الرماح ، وقوله في القنا توكيد وحشو لأن العوالي قد علم أنها في القنا ومنها.

(٤٠٤) الشاهد فيه تقديم بين على شحوب ونصبه على الحال كما تقدم* يقول شحوبي وتغير جسمي لما أقاسيه من الوجد بك بين ظاهر ، فان نظرت الي واستشهدت عينك على ما أدعيه عندك تبينت ذلك تبين الحق بالشاهد.

(٤٠٥) الشاهد فيه تقديم موحش على الطلل ونصبه على الحال كما تقدم ويروى لعزة وتمام البيت : * يلوح كأنه خلل* أي تلوح آثاره وتتبين تبين الوشي في خلل السيوف ، وهي أغشية الاغماد واحدتها خلة.

٣٢٢

مررت قائما برجل لا يجوز لأنه صار قبل العامل في الاسم وليس بفعل والعامل الباء ولو حسن هذا لحسن قائما هذا رجل ، فان قال أقول مررت بقائما رجل فهذا أخبث من قبل أنه لا يفصل بين الجارّ والمجرور ، ومن ثم أسقط ربّ قائما رجل فهذا كلام قبيح ضعيف فاعرف قبحه فانّ إعرابه يسير ، ولو استحسنّاه لقلنا هو بمنزلة فيها قائما رجل ، ولكنّ معرفة قبحه أمثل من إعرابه ، وأما بك مأخوذ زيد فانه لا يكون إلا رفعا من قبل أنّ بك لا تكون مستقرا للرجل ، ويدلك على ذلك أنه لا يستغنى عليه السكوت ولو نصبت هذا لنصبت اليوم منطلق زيد واليوم قائم زيد وانما ارتفع هذا لأنه بمنزلة مأخوذ زيد وتأخير الخبر على الابتداء أقوى لأنه عامل فيه ، ومثل ذلك عليك نازل زيد لأنك لو قلت عليك زيد وأنت تريد النزول لم يكن كلاما ، وتقول عليك أميرا زيد لأنه لو قال عليك زيد وهو يريد الإمرة كان حسنا ، وهذا قليل في الكلام كثير في الشعر لأنه ليس بفعل ، وكلما تقدّم كان أضعف له وأبعد فمن ثم لم يقولوا قائما فيها رجل ولم يحسن حسن فيها قائما رجل.

[باب ما يثنّى فيه المستقرّ توكيدا]

وليست تثنيته بالتي تمنع الرفع حاله قبل التثنية ولا النصب ما كان عليه قبل أن يثنّى وذلك قولك فيها زيد قائما فيها فانما انتصب قائم باستغناء زيد بفيها وان زعمت أنه انتصب بالآخر فكأنك قلت زيد قائما فيها فانما هذا كقولك قد ثبت زيد أميرا قد ثبت فأعدت قد ثبت توكيدا ، وقد عمل الأول في زيد وفي الأمير ، ومثله في التوكيد والتثنية لقيت عمرا عمرا ، فان أردت أن تلغى فيها قلت فيها زيد قائم فيها كأنه قال زيد قائم فيها فيها فيصير بمنزلة قولك فيك زيد راغب فيك ، وتقول في النكرة في دارك رجل قائم فيها فيجرى قائم على الصفة ، وإن شئت قلت فيها رجل قائما فيها على الجواز كما يجوز فيها رجل قائما ، وان شئت قلت أخوك في الدار ساكن فيها ، فتجعل فيها صفة للساكن ، ولو كانت التثنية تنصب لنصبت في قولك عليك زيد حريص عليك ونحو هذا مما لا يستغنى به ، وإن قلت قد جاء (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها) فهو مثل (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ) وفي آية أخرى فاكهين.

٣٢٣

[باب الابتداء]

فالمبتدأ كلّ اسم ابتدىء ليبنى عليه كلام والمبتدأ والمبنىّ عليه رفع فالابتداء لا يكون إلا بمبني عليه ، فالمبتدأ الأوّل والمبنيّ ما بعده عليه ، فهو مسند ومسند اليه.

وأعلم أنّ المبتدأ لا بدّ له من أن يكون المبنيّ عليه شيئا هو هو ، أو يكون في مكان أو زمان وهذه الثلاثة يذكر كلّ واحد منها بعد ما يبتدأ ، فأمّا الذي يبنى عليه شيء هو هو فانّ المبنىّ عليه يرتفع به كما ارتفع هو بالابتداء ، وذلك قولك عبد الله منطلق ارتفع عبد الله لأنه ذكر ليبنى عليه المنطلق وارتفع المنطلق لأنّ المبنىّ على المبتدإ بمنزلته ، وزعم الخليل أنه يستقبح أن يقول قائم زيد ، وذاك اذا لم تجعل قائما مقدّما مبنيّا على المبتدإ كما تؤخّر وتقدّم فتقول ضرب زيدا عمرو وعمرو على ضرب مرتفع وكان الحدّ أن يكون مقدّما ويكون زيد مؤخرا ، وكذلك هذا الحدّ فيه أن يكون الابتداء فيه مقدّما وهذا عربيّ جيّد ، وذلك قولك تميمى أنا ومشنوء من يشنؤك ورجل عبد الله وخز صفّتك ، فاذا لم يريدوا هذا المعنى وأرادوا أن يجعلوه فعلا كقوله يقوم زيد وقام زيد قبح لأنه اسم وإنما حسن عندهم أن يجري مجرى الفعل اذا كان صفة جرى على موصوف أو جرى على اسم قد عمل فيه ، كما أنه لا يكون مفعولا في ضارب حتى يكون محمولا على غيره فتقول هذا ضارب زيدا وأنا ضارب زيدا ولا يكون ضارب زيدا على ضربت زيدا وضربت عمرا ، فكما لم يجز هذا كذلك استقبحوا أن يجرى مجرى الفعل المبتدإ وليكون بين الفعل والاسم فصل وان كان موافقا له في مواضع كثيرة ، فقد يوافق الشيء الشيء ثم يخالفه لأنه ليس مثله وقد كتبنا ذلك فيما مضى وستراه فيما تستقبل ان شاء الله.

[باب ما يقع موقع الاسم المبتدإ وبسدّ مسدّه]

لأنه مستقر لما بعده وموضع والذي عمل فيما بعده حتى رفعه هو الذي عمل فيه حين كان قبله ولكن كلّ واحد منهما لا يستغنى به عن صاحبه فلمّا جمعا استغنى عليهما السكوت حتى صارا في الاستغناء كقولك هذا عبد الله وذلك قولك فيها عبد الله ومثله ثمّ زيد وهيهنا عمرو ، وأين زيد ، وكيف عبد الله وما أشبه ذلك ، فمعنى أين في أىّ مكان ،

٣٢٤

وكيف على أية حالة ، وهذا لا يكون إلا مبدوئا به قبل الاسم لأنها من حروف الاستفهام فشبّهت بهل وألف الاستفهام لأنهن يستغنين عن الألف ولا يكنّ كذا إلا استفهاما.

[باب من الابتداء يضمر فيه ما بني على الابتداء]

وذلك قولك لو لا عبد الله لكان كذا وكذا ، أما لكان كذا وكذا فحديث معلّق بحديث لو لا ، واما عبد الله فانه من حديث لو لا وارتفع بالابتداء كما يرتفع بالابتداء بعد ألف الاستفهام كقولك أزيد أخوك انما رفعته على ما رفعت عليه زيد أخوك ، غير أنّ ذلك استخبار ، وهذا خبر ، وكأنّ المبنى عليه الذي في الاضمار كان في مكان كذا وكذا ، فكأنه قال لو لا عبد الله كان بذلك المكان ولو لا القتال كان في زمان كذا وكذا ولكن هذا حذف حين كثر استعمالهم إياه في الكلام كما حذف الكلام من إمالا ، زعم الخليل أنهم أرادوا إن كنت لا تفعل غيره فافعل كذا وكذا إما لا ولكنهم حذفوه لكثرته في الكلام ومثل ذلك حينئذ الآن انما تريد واسمع الآن وما أغفله عنك شيئا ، أي دع الشكّ عنك فحذف هذا لكثرة استعمالهم ، وما حذف في الكلام لكثرة استعمالهم كثير ، ومن ذلك هل من طعام أي هل من طعام في زمان أو مكان ، وانما تريد هل طعام فمن طعام في موضع طعام كما كان ما أتاني من رجل في موضع ما أتاني رجل ، ومثله جوابه ما من طعام.

[باب يكون المبتدأ فيه مضمرا ويكون المبنىّ مظهرا]

وذلك أنك رأيت صورة شخص فصار آية لك على معرفة الشخص فقلت عبد الله وربيّ كأنك قلت ذاك عبد الله أو هذا عبد الله أو سمعت صوتا فعرفت صاحب الصوت فصار آية لك على معرفته فقلت زيد وربيّ ، أو مسست جسدا أو شممت ريحا فقلت زيد أو المسك ، أو ذقت طعاما فقلت العسل ، ولو حدّثت عن شمائل رجل فصار آية لك على معرفته لقلت عبد الله كأن رجلا قال مررت برجل راحم المساكين بار بوالديه فقلت فلان والله.

[باب الحروف الخمسة التي تعمل فيما بعدها كعمل الفعل فيما بعده]

وهي من الفعل بمنزلة عشرين من الأسماء التي بمنزلة الفعل ، ولا تصرّف تصرّف الأفعال كما أن عشرين لا تصرف تصرّف الأسماء التي أخذت من الفعل وكانت بمنزلته

٣٢٥

ولكن يقال بمنزلة الأسماء التي أخذت من الأفعال وشبهت بها في هذا الموضع فنصبت درهما ، لأنه ليس من نعتها ولا هي مضافة اليه ، ولم ترد أن تحمل الدرهم على ما حمل العشرون عليه ، ولكنه واحد بيّن به العدد فعملت فيه كعمل الضارب في زيد اذا قلت هذا ضارب زيدا لأن زيدا ليس من صفة الضارب ولا محمولا على ما حمل عليه الضارب ، وكذلك هذه الحروف منزلتها من الأفعال ، وهي أنّ ، ولكنّ وليت ، ولعلّ ، وكأنّ ، وذلك قولك إن زيدا منطلق ، وإنّ عمرا مسافر وإن زيدا أخوك ، وكذلك أخواتها ، وزعم الخليل أنها عملت عملين الرفع والنصب حين قلت كان أخاك زيد إلّا أنه ليس لك أن تقول كأن أخوك عبد الله تريد كأن عبد الله أخوك لأنها لا تصرّف تصرّف الأفعال ، ولا يضمر فيها المرفوع كما يضمر في كان ، ومن ثم فرقوا بينهما كما فرقوا بين ليس وما فلم يجروها مجراها ولكن قيل هي بمنزلة الأفعال فيما بعدها وليست بأفعال ، وتقول إن زيدا الظريف منطلق فان لم تذكر المنطلق صار الظريف في موضع الخبر كما قلت كان زيد الظريف ذاهبا فلما لم تجيء بالذاهب قلت كان زيد الظريف فنصب هذا في كان بمنزلة رفع الأول في انّ وأخواتها ، وتقول إنّ فيها زيدا قائما ، وان شئت رفعت على إلغاء فيها ، وإن شئت قلت إنّ زيدا فيها قائما وقائم ، وتفسير نصب القائم هيهنا ورفعه كتفسيره في الابتداء ، وعبد الله ينتصب بان كما ارتفع ثمّ بالابتداء إلّا أنّ فيها هيهنا بمنزلة هذا في أنه يستغنى على ما بعدها السكوت وتقع موقعه وليست فيها بنفس عبد الله كما كان هذا نفس عبد الله وانما هي ظرف لا تعمل فيها انّ بمنزلة خلفك وانما انتصب خلفك بالذي فيه ، وقد يقع الشيء موقع الشيء وليس اعرابه كاعرابه ، وذلك قولك مررت برجل يقول ذاك فيقول في موضع قائل وليس إعرابه كاعرابه ، وتقول إنّ بك زيدا مأخوذ وإن لك زيدا واقف من قبل أنك اذا أردت الوقوف والأخذ لم يكن بك ولا لك مستقرين لعبد الله ولا موضعين ألا ترى أنّ السكوت لا يستغنى على عبد الله اذا قلت لك زيد وأنت تريد الوقوف ومثل ذلك إنّ فيك زيدا لراغب ، قال الشاعر : [طويل]

٣٢٦

(١) فلا تلحني فيها فان بحبّها

أخاك مصاب القلب جمّ بلا بله

كأنك أردت إنّ زيدا راغب وان زيدا مأخوذ ولم تذكر فيك ولا بك فألغبتا هيهنا كما ألغيتا في الابتداء ، ولو نصبت هذا لقلت إن اليوم زيدا منطلقا ولكن تقول إنّ اليوم زيدا منطلق وتلغى اليوم كما الغيته في الابتداء ، وتقول ان اليوم فيه زيد ذاهب من قبل أنّ إن عملت في اليوم فصار كقولك إنّ عمرا فيه زيد متكلم ، ويدلك على أنّ اليوم قد عملت فيه إن أنك تقول اليوم فيه زيد ذاهب فترفع بالابتداء فكذلك تنصب بأن ، وتقول إن زيدا لفيها قائما ، وان شئت ألغيت لفيها كأنك قلت إنّ زيدا لقائم فيها ، ويدلك على أنّ لفيها تلغى أنك تقول إنّ زيدا لبك مأخوذ قال الشاعر : (وهو أبو زبيد الطائي) : [بسيط]

(٢) إن امرءا خصّني عمدا مودّته

على التّنائي لعندي غير مكفور

فلما دخلت اللام فيما لا يكون إلا لغوا عرفنا أنه يجوز في فيها ويكون لغوا لأن فيها قد تكون لغوا واذا قلت إنّ زيدا فيها لقائم فليس إلا الرفع لأنّ الكلام محمول على إن واللام تدلّ على ذلك ، ولو جاز النصب هيهنا لجاز فيها زيد لقائما في الابتداء ، ومثله إنّ فيها زيدا لقائم ، وروى الخليل أن ناسا يقولون إنّ بك زيد مأخوذ فقال هذا على قوله إنّه بك زيد مأخوذ وشبّهه بما يجوز في الشعر نحو قوله (وهو ابن ضريم اليشكرىّ) : [طويل]

__________________

(٤٠٦) الشاهد فيه رفع مصاب على الخبر والغاء المجرور لأنه من صلة الخبر ومن تمامه ، ولا يكون مستقرا للاخ ولا خبرا عنه* يقول لا تلمني في حب هذه المرأة فقد أصيب قلبي بها واستولى عليه حبها فالعذل لا يصرفني عنها ، ويقال لحيت الرجل اذا لمته ولحيت العود ولحوته اذا قشرت لحاءه وأصل الأول منه ، والجم الكثير والبلابل الأحزان وشغل البال واحداها بلبال.

(٤٠٧) الشاهد فيه الغاء الظرف مع دخول لام التأكيد عليه ، والتقدير لغير مكفور عندي* مدح الوليد بن عقبة ووصف نعمة أنعمها عليه مع بعده وتنائيه عنه والمكفور هنا من كفر النعمة وجحودها وأراد خصنى بمودته فحذف وأوصل الفعل فنصب.

٣٢٧

(١) ويوما توافينا بوجه مقسم

كأن ظبية تعطو الى وارق السّلم

وقال الآخر :

(٢) ووجه مشرق النّحر

كأن ثدياه حقّان

لأنه لا يحسن هيهنا إلا الاضمار ، وزعم الخليل أن هذا يشبه قول من قال (وهو الفرزدق) :

(٣) فلو كنت ضبّيا عرفت قرابتي

ولكنّ زنّجى عظيم المشافر

والنصب أكثر في كلام العرب ، كأنه قال ولكنّ زنجيّا عظيم المشافر لا يعرف قرابتي ولكنه أضمر هذا كما يضمر ما يبنى على الابتداء ، نحو قوله عزوجل (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) أي طاعة وقول معروف أمثل ، وقال الشاعر : [طويل]

__________________

(٤٠٨) الشاهد فيه رفع ظبية على الخبر وحذف الاسم مع تخفيف كأن ، والتقدير كأنها ظبية ، ويجوز نصب الظبية بكأن تشبيها بالفعل اذا حذف وعمل نحو لم يك زيد منطلقا ، والخبر محذوف لعلم السامع والتقدير كأن ظبية تعطو هذه المرأة ، ويجوز جر الظبية على تقدير كظبية وأن زائدة مؤكدة* وصف امرأة حسنة الوجه فشبهها بظبية مخصبة والعاطية التي تتناول أطراف الشجر مرتعية والوارق المورق وفعله أورق وهو نادر ، والسلم شجر بعينه والمقسم المحسن وأصله من القسمات وهي مجارى الدموع في أعالى الوجه ، ويقال لها أيضا التناصف لأنها في منتصف الوجه اذا قسم وهي أحسن ما في الوجه وأنور فينسب اليها الحسن فيقال له القسام لظهوره هناك وتبينه.

(٤٠٩) الشاهد فيه تخفيف كأن وحذف اسمها ، والتقدير كأنه ثدياه حقان ، ويجوز كأن ثدييه على إعمال كأن مخففة كما تقدم والهاء في ثدييه عائدة على الوجه والنحر والمعنى كأن ثدبي صاحبه حقان.

(٤١٠) الشاهد فيه رفع زنجي على الخبر وحذف اسم لكن ضرورة والتقدير ولكنك زنجي ، ويجوز نصب زنجي بلكن على اضمار الخبر وهو أقيس ، والتقدير ولكن زنجيا عظيم المشافر لا يعرف قرابتي* هجا رجلا من ضبة فنفاه عنها ونسبه الى الزنج ، وأصل المشفر للبعير فاستعاره للانسان لما قصد من تشنيع الخلق ، والقرابة التي بين ضبة وبينه أنه من تميم ابن مر بن أدبن طابخة وضبة هو ابن أدبن طابخة.

٣٢٨

(١) فما كنت ضفّاطا ولكنّ طالبا

أناخ قليلا فوق ظهر سبيل

أي ولكنّ طالبا منيخا أنا ، فالنصب أجود لأنه لو أراد إضمارا لخفّف ولجعل المضمر مبتدءا كقولك ما أنت صالحا ولكن طالح ورفعه على قوله ولكنّ زنجي ، وأما قول الأعشى :

(٢) في فتية كسيوف الهند قد علموا

أن هالك كلّ من يحفى وينتعل

فانّ هذا على إضمار الهاء لم يحذفوا لأن يكون الحذف يدخله في حروف الابتداء بمنزلة إنّ ولكنّ ولكنهم حذفوا كما حذفوا الاضمار ، وجعلوا الحذف علما لحذف الاضمار في إنّ كما فعلوا ذلك في كأنّ ، وأمّا ليتما زيدا منطلق فانّ الالغاء فيه حسن ، وقد كان رؤبة بن العجّاج ينشد هذا البيت رفعا (وهو قول النابغة الذبياني) : [بسيط]

(٣) قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا

الى حمامتنا ونصفه فقد

فرفعه على وجهين على أن يكون بمنزلة قول من قال مثلا ما بعوضة أو يكون بمنزلة قوله إنما زيد منطلق وأما لعلمّا فهو بمنزلة كأنّما ، وقال الشاعر : (وهو سويد بن كراع العكلي) : [طويل]

__________________

(٤١١) الشاهد فيه حذف خبر لكن لعلم السامع به والتقدير ، ولكن طالبا منيخا أنا والضفاط المحدث يقال ضفطت اذا قضى حاجته من جوفه ، والضفاط أيضا المختلف على الحمر من قرية الى قرية ، ويقال للحمير الضفاطة والطالب هنا طالب الابل الضالة كأنه نزل عن راحلته لأمر فظن به النزول لحدث فنفى ذلك.

(٤١٢) الشاهد فيه تخفيف أن مع حذف الاسم والتقدير أنه هالك* وصف شربا نادمهم فشبههم بالسيوف في مضائهم وشهرتهم وذكر أنهم موقنون بالموت فلا يدخرون لذة مبادرة للموت قبل حلوله.

(٤١٣) الشاهد فيه الغاء ليتما ورفع ما بعدها ، ويجوز أن تكون معملة في ما على تقدير ليت الذي هو هذا الحمام لنا ويجوز نصب الحمام على زيادة ما والغائها* وصف ما كان من أمر الزرقاء حين نظرت الى القطا طائرة فحصلت عددها وخبرها مشهور يستغنى عن الذكر وقد تقدمت جملة منه ، ومعنى قدى حسبي يقال قدى كذا وقدنى وقطى وقطني بمعني واحد.

٣٢٩

(١) تحلّل وعالج ذات نفسك وانظرن

أبا جعل لعلّما أنت حالم

وقال الخليل إنّما لا تعمل فيما بعدها كما أن أرى اذا كانت لغوا لم تعمل فجعلوا هذا نظيرها من الفعل كما أن نظير إنّ من الفعل ما يعمل ، ونظير إنّما قول الشاعر (وهو المرار الفقعسىّ) [كامل]

(٢) أعلاقة أمّ الولّيد بعد ما

أفنان رأسك كالثغّام المخلس

جعل بعد ما بمنزلة حرف واحد وابتدأ ما بعدها ، واعلم أنهم يقولون إن زيد لذاهب وإن عمرو لخير منك لما خفّفها جعلها بمنزلة لكن حين خفّفها ، وألزمها اللام لئلا تلتبس بان التي هي بمنزلة ما التي ينفى بها ، ومثل ذلك (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) إنما هي لعليها حافظ وقال تعالى (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) إنما هي لجميع وما لغو ، وقال تعالى (وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ (وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) وحدّثنا من نثق به أنه سمع من العرب من يقول إن عمرا لمنطلق وأهل المدينة يقرؤن (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) يخفّفون وينصبون ، كما قالوا كأن ثدييه حقان ، وذلك لأن الحرف بمنزلة الفعل فلما حذف من نفسه شيء لم يغير عمله كما لم يغيّر عمل لم يك ولم أبل حين حذف ، وأما أكثرهم فأدخلوها في حروف الابتداء بالحذف كما أدخلوها في حروف الابتداء حين ضمّوا اليها ما.

[باب ما يحسن عليه السكوت في هذه الأحرف الخمسة]

لاضمارك ما يكون مستقرا لها وموضعا لو أظهرته ، وليس هذا المضمر بنفس المظهر وذلك إن مالا وإن ولدا ، وإن عددا أي إنّ لهم مالا فالذي أضمرت لهم ، ويقول الرجل للرجل هل لكم أحد إنّ الناس ألب عليكم فيقول إن زيدا وإن عمرا أي إنّ لنا ، وقال الأعشي : [منسرح]

__________________

(٤١٤) الشاهد فيه الغاء لعلما لأنها جعلت مع ما من حروف الابتداء على ما بينه سيبويه* يقول هذا هازئا برجل توعده أي انك كالحالم في وعيدك لي ويمينك على مضرتي فتحلل من يمينك أي استثن وعالج ذات نفسك من ذهاب عقلك وتعاطيك ما ليس في وسعك.

(٤١٥) استشهد به هيهنا على دخول ما لتجعل بعد من حروف الابتداء كما جعلت لعل وأخواتها ، وقد تقدم البيت بتفسيره في ص ٧٦ رقم ٩٥.

٣٣٠

(١) إنّ محلا وإنّ مر تحلا

وإن في السّفر ما مضى مهلا

وتقول إنّ غيرها إبلا وشاء كأنه قال إنّ لنا غيرها إبلا وشاء أو عندنا غيرها إبلا وشاء فالذي يضمر هذا النحو وما أشبهه ، وانتصب الابل والشاء كانتصاب فارس اذا قلت ما في الناس مثله فارسا ، ومثل ذلك قول الشاعر :

(٢) يا ليت أيام الصّبا رواجعا

فهذا كقوله ألا ماء باردا كأنه قال ألا ماء لنا باردا وكأنه قال يا ليت لنا أيام الصبا وكأنه قال يا ليت أيام الصبا أقبلت رواجع وتقول إنّ قريبا منك زيدا اذا جعلت قريبا منك موضعا ، وإذا جعلت الأول هو الآخر قلت إن قريبا منك زيد وتقول إن بعيدا منك زيد والوجه اذا أردت هذا أن تقول إن زيدا قريب منك أو بعيد لأنه اجتمع معرفة ونكرة ، قال امرؤ القيس : [طويل]

(٣) وإنّ شفاء عبرة مهراقة

فهل عند رسم دارس من معوّل

فهذا أحسن لأنهما نكرة ، وان شئت قلت إن بعيدا منك زيدا وقلما يكون بعيدا منك ظرفا وانما قلّ هذا لأنك لا تقول إن بعدك زيدا وتقول إن قربك زيدا ،

__________________

(٤١٦) الشاهد فيه حذف خبر ان لعلم السامع والمعنى ان لنا محلا في الدنيا ومرتحلا عنها الى الآخرة ، وأراد بالسفر من رحل من الدنيا فيقول في رحيل من رحل ومضى مهل أي لا يرجع ، ويروي مثلا أي فيمن مضى مثل لمن بقى أي سيفنى كما فنى.

(٤١٧) الشاهد فيه نصب رواجعا على الحال وحذف الخبر والتقدير يا ليت لنا أيام الصبا رواجعا أو يا ليتها أقبلت رواجع ، ومن النحويين من يجيز نصب الاسم والخبر بعد ليت تشبيها لها بوددت وتمنيت لأنها في معناها فيكون هذا البيت على تلك اللغة ان كانت صحيحة مسموعة.

(٤١٨) الشاهد فيه نصب شفاء بان وهو نكرة غير مقرب من المعرفة ، وكان وجه الكلام ان يجعله خبرا وينصب العبرة بان لأنها موصوفة مقربة من المعرفة ، ويروي شفائي وهو أحسن لأنه معرفة* يقول البكاء يشفي من لوعة الحزن ثم قال منكرا على نفسه البكاء على الديار مع قلة إجدائه ونفعه ، وهل عند رسم دارس من معول أي لا ينبغي أن يعول عليه فانه لا يجدى شيئا ويكون المعول ايضا من العويل وهو البكاء أي لا ينبغي أن يبكي عليه فان ذلك لا يرد ما تغير منه وذهب.

٣٣١

فالدّنوّ أشدّ تمكنا في الظرف من البعد ، وزعم يونس أن العرب تقول إن بدلك زيدا أي إن مكانك زيدا ، والدليل على هذا قول العرب هذا لك بدل هذا أي هذا لك مكان هذا ، وإن جعلت البدل بمنزلة البديل قلت إن بدلك زيد أي إن بديلك زيد ، وتقول إن ألفا في دراهمك بيض وإن في دراهمك ألفا بيض فهذا يجري مجرى النكرة في كان وليس لأن المخاطب يحتاج الى أن تعلمه هيهنا كما يحتاج الى أن تعلمه في قولك ما كان أحد فيها خيرا منك ، وإن شئت جعلت فيها مستقرا وجعلت البيض صفة.

واعلم أن التقديم والتأخير والعناية والاهتمام هيهنا مثله في باب كان ، ومثل ذلك قولك إن أسدا في الطريق رابضا ، وان بالطريق أسدا رابض ، وان شئت جعلت بالطريق مستقرا ثم وصفته بالرابض فهذا يجري هيهنا مجرى ما ذكرت من النكرة في باب كان.

[باب ما يكون محمولا على إنّ فيشاركه فيه الاسم الذي وليها ويكون محمولا على الابتداء]

فأما ما حمل على الابتداء فقولك إن زيدا ظريف وعمرو وإن زيدا منطلق وسعيد فعمرو وسعيد يرتفعان على وجهين فأحد الوجهين حسن والآخر ضعيف فأما الوجه الحسن فأن يكون محمولا على الابتداء لأن معنى إن زيدا منطلق زيد منطلق ، وإن دخلت توكيدا كأنه قال زيد منطلق وعمرو وفي القرآن مثله (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) وأما الوجه الآخر الضعيف فأن يكون محمولا على الاسم المضمر في المنطلق والظريف فاذا أردت ذلك فأحسنه أن تقول منطلق هو وعمرو وإن زيدا ظريف هو وعمرو ، وإن شئت جعلت الكلام على الاول فقلت ان زيدا منطلق وعمرا ظريف فحملته على قوله عزوجل (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ) وقد رفعه قوم على قولك لو ضربت عبد الله وزيد قائم ما ضرّك أي لو ضربت عبد الله وزيد في هذه الحال ، كأنه قال ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر هذا أمره ما نفدت كلمات الله ، وقال الراجز (وهو رؤبة بن العجاج) :

٣٣٢

(١) إنّ الربيع الجود والخريفا

يدا أبي العباس والصّيوفا

ولكن المثقّلة في جميع الكلام بمنزلة إنّ ، واذا قلت إنّ زيدا فيها وعمرو ، جرى عمرو بعد فيها مجراه بعد الظريف لأن فيها في موضع الظريف ، وفي فيها إضمار ألا ترى أنك تقول إن قومك فيها أجمعون ، وإن قومك فيها كلّهم كما تقول إن قومك عرب أجمعون وفي فيها اسم مضمر مرفوع كالذي يكون في الفعل اذا قلت إن قومك ينطلقون أجمعون

وقال جرير : [كامل]

(٢) إن الخلافة والنّبوّة فيهم

والمكرمات وسادة أطهار

فاذا قلت إنّ زيدا فيها ، وإنّ زيدا يقول ذاك ثم قلت نفسه فالنصب أحسن ، وإن أردت حمله على المضمر فعلى هو نفسه ، واذا قلت إنّ زيدا منطلق لا عمرو ، فتفسيره كتفسيره مع الواو واذا نصبت فتفسيره كنصبه مع الواو وذلك قولك إن زيدا منطلق لا عمرا.

وأعلم أنّ لعلّ وكأنّ وليت ثلاثهن يجوز فيهن جميع ما جاز في إنّ ، إلا أنه لا يرفع بعدهن شيء على الابتداء ، ومن ثم اختار الناس ليت زيدا منطلق وعمرا

__________________

(٤١٩) الشاهد فيه حمل الصيوف على المنصوب بان ولو رفع حملا على موضعها أو على الابتداء واضمار الخبر لجاز* مدح أبا العباس السفاح فجعل يديه لكثرة معروفه كمطر الربيع والصيف ، والجود أغزر المطر والربيع هنا المطر نفسه ، وأراد بالخريف مطر الخريف وبالصيوف أمطار الصيف ، وذكر الربيع والخريف وهما في المعني واحد توكيدا ومبالغة ، وساغ له ذلك لاختلاف اللفظين كما قالوا النأي والبعد.

(٤٢٠) الشاهد فيه رفع المكرمات حملا على موضع ان وما عملت فيه لأنها بمنزلة الابتداء ، ويجوز أن تكون معطوفة على المضمر الفاعل في النية ، والتقدير استقرّا فيهم هما والمكرمات ، ويجوز أن تكون مبتدأة على معنى والمكرمات فيهم ولو نصبه حملا على المنصوب بان لجاز ، وقوله وسادة محمول على اضمار مبتدإ والمعني وهم سادة أطهار ويجوز أن يكون على تقدير وفيهم سادة أطهار ، والأطهار جمع طاهر كصاحب وأصحاب وشاهد وأشهاد وهو جمع غريب.

٣٣٣

وقبح عندهم أن يحملوا عمرا على المضمر حتى يقولوا هو ولم تكن ليت واجبة ولا لعلّ ولا كأنّ فقبح عندهم أن يدخلوا الواجب في موضع التّمنّى فيصيروا قد ضموا الى الأوّل ما ليس على معناه بمنزلة إنّ ولكنّ بمنزلة إنّ ، وتقول إن زيدا فيها لابل عمرو ، وإن شئت نصبت ولا بل تجري مجرى الواو ولا.

[باب ما تستوى فيه الحروف الخمسة]

وذلك قولك إنّ زيدا منطلق العاقل اللبيب فالعاقل اللبيب يرتفع على وجهين على الاسم المضمر في منطلق كأنه بدل منه فيصير كقولك مررت به زيد اذا أردت جواب بمن مررت فكأنه قيل له من ينطلق فقال زيد العاقل اللبيب ، وان شاء رفعه على مررت به زيد ، اذا كان جواب من هو فتقول زيد كأنه قيل له من هو فقال العاقل اللبيب ، وإن شاء نصبه على الاسم الأول المنصوب ، وقد قرأ الناس هذه الآية على وجهين (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ عَلَّامُ الْغُيُوبِ.)

[باب ينتصب فيه الخبر بعد الأحرف الخمسة انتصابه إذا صار ما قبله مبنيّا على الابتداء]

لأن المعنى واحد في أنه حال وأنّ ما قبله قد عمل فيه ومنعه الاسم الذي قبله أن يكون محمولا على إنّ وذلك قولك إن هذا عبد الله منطلقا ، وقال تعالى (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) وقد قرأ بعضهم (أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) حمل أمتكم على هذه كأنه قال إنّ أمّتكم كلّها أمّة واحدة ، وتقول إن هذا الرجل منطلق فيجوز في المنطلق هنا ما جاز فيه حين قلت هذا الرجل منطلق إلّا أن الرجل هنا يكون خبرا للمنصوب وصفة له وهو في تلك الحال يكون صفة لمبتدإ أو خبرا له ، وكذلك إذا قلت ليت هذا زيد قائما ولعلّ هذا زيد ذاهبا وكأنّ هذا بشر منطلقا ، إلا أنّ معنى إنّ ولكنّ لأنهما واجبتان كمعنى هذا عبد الله منطلقا وأنت في ليت تمنّاه في الحال وفي كأنّ تشبّهه انسانا في حال ذهابه ، كما تمنّيته انسانا في حال قيام واذا قلت لعلّ فأنت ترجوه أو تخافه في حال ذهاب ، فلعلّ وأخواتها قد عملن فيما بعدهن عملين الرفع والنصب كما أنك حين قلت ليس هذا عمرا ، وكان هذا بشرا عملتا عملين رفعتا ونصبتا كما أنك

٣٣٤

إذا قلت ضرب هذا زيدا فزيد انتصب بضرب ، وهذا ارتفع بضرب ثم قلت أليس هذا زيدا منطلقا فانتصب المنطلق لأنه حال وقع فيه الأمر فانتصب كما انتصب في إنّ وصار بمنزلة المفعول الذي تعدّى اليه فعل الفاعل بعد ما تعدّى الى مفعول قبله وصار كقولك ضرب عبد الله زيدا قائما ، فهو مثله في التقدير وليس مثله في المعنى ، وتقول إنّ الذي في الدار أخوك قائما كأنه قال من الذي في الدار فقال إن الذي في الدار أخوك قائما ، فهو يجري في إنّ ولكنّ في الحسن والقبح مجراه في الابتداء ، إن قبح في الابتداء أن تذكر المنطلق قبح هيهنا وإن حسن أن تذكر المنطلق حسن هيهنا ، وان قبح أن تذكر الأخ في الابتداء قبح هيهنا لأن المعنى واحد وهو من كلام واجب ، وأمّا في ليت وكأنّ ولعلّ فجري مجرى الأول ومن قال إن هذا أخاك منطلق قال إن الذي رأيت أخاك منطلق ، ولا يكون الأخ صفة للّذي لأن أخاك أخصّ من الذي ، ولا يكون له صفة من قبل أنّ زيدا لا يكون صفة لشيء ، وسألت الخليل عن قوله (وهو لرجل من بني أسد) :

(١) إنّ بها أكتل أو رزاما

خوير بين ينقفان إلهاما

فزعم أنّ خوير بين انتصبا على الشتم ولو كان على إن لقال خويربا ولكنه انتصب على الشتم كما انتصب حمّالة الحطب ، والنازلين بكلّ معترك على المدح والتعظيم ، وقال : [طويل]

__________________

(٤٢١) الشاهد في نصب خويربين على الذم ولا يجوز أن يكون حالا من أكتل ورزام لأن الخبر عن أحدهما لاعتراض أو بينهما ، ولو كان حالا لأفرده كما نقول أن في الدار زيدا أو عمرا جالسا لأنك توجب الجلوس لأحدهما فلما لم تمكن فيه الحال لما بينا نصب على الذم ، والخارب اللص ويقال هو سارق الابل خاصة والصحيح أن كل لص خارب لقوله بعد هذا* لم يتركا لمسلم طعاما* ولقول الآخر* والخارب اللص يحب الخاربا* فجعله شائعا لكل لص ومعنى ينقفان الهام يستخر جان دماغها ، وهذا مثل ضربه لعلمهما بالسرق واستخراجهما لأخفى الأشياء وأبعدها مراما.

٣٣٥

(١) أمن عمل الجرّاف أمس وظلمه

وعدوانه أعتبتمونا براسم

أميرى عداء إن حبسنا عليهما

بهائم مال أوديا بالبهائم

نصبهما على الشتم لأنّك ان حملت الأميرين على الاعتاب كان محالا وذلك لأنه لا يحمل صفة الاثنين على الواحد ولا يحمل الذي جرّ الاعتاب على الذي جرّ الظلم فلما اختلف الجرّان واختلطت الصفتان صارتا بمنزلة قولك فيها رجل وقد أتاني آخر كريمين ولو ابتدأ فرفع كان جيدا ، ومما ينتصب على المدح والتعظيم قول الفرزدق [طويل]

(٢) ولكنّني استبقيت أعراض مازن

وأيّامها من مستنير ومظلم

أناسا بثغر لا تزال رماحهم

شوارع من غير العشيرة في الدم

ومما ينتصب على أنه عظّم الأمر قوله (وهو لعمرو بن شاس الأسدي) [طويل]

(٣) ولم أرى ليلى بعد يوم تعرّضت

لنا بين أثواب الطّراف من الأدم

كلابيّة وبريّة حبتريّة

نأتك وخانت بالمواعيد والذّمم

انا ساعدى علّقت فيهم وليتني

طلبت الهوى في رأس ذي زلق أشم

__________________

(٤٢٢) الشاهد في نصب أميري عداء على الشتم ولا يجوز نصبه على الحال ولا جره على البدل من الاسمين لاختلاف العامل فيهما لأن الجراف مخفوض بالاضافة وراسما مجرور بالباء وهو في صلة أعتبتمونا فقد اختلف معناهما فقطعت الصفة فيهما ونصبت على الذم ، والجراف وراسم عاملان ذكر جورهما واعتداءهما فيما يأخذان من صدقات أموالهم ، ومعنى أعتبتمونا أرضيتمونا والعداء الظلم ، وأراد ببهائم المال الابل أي إن حبسنا عليهما الابل ليحصلاها ويأخذا صدقاتها جارا فذهبا بها ، ويقال أودي بكذا اذا ذهب به.

(٤٢٣) الشاهد في قوله أناسا ونصبه على التعظيم ، والمدح ولا يحسن نصبه على الحال لأنه لا يتعلق بمعنى قبله يقع فيه* وصف أنه حاشي بنى مازن وهم من فزارة مما هجابه قيسا وان كانوا منهم لفضلهم فيهم وشهرة أيامهم في حروبهم واقامتهم في الثغور ذا بين عمن وليهم ، والشوارع الواردة والشريعة المورد أي يوقعون بأعدائهم دون عشيرتهم فيوردون رماحهم في دمائهم.

(٤٢٤) الشاهد في نصب كلابية وما بعدها على التعظيم ونصب أناس على الاختصاص والتشنيع ، وليست بأحوال لفساد المعنى على ما بينه سيبويه ، والطراف قبة من أدم وهي ـ

٣٣٦

وقال الآخر :

(١) ضننت بنفسي حقبة ثم أصبحت

لبنت عطاء بينها وجميعها

ضبابيّة مرّية حابسيّة

منيفا بنعف الصّيدلين وضيعها

فكلّ هذا سمعناه ممّن يرويه من العرب نصبا ، ومما يدلك على أن هذا ينتصب على التعظيم والمدح أنك لو حملت الكلام على أن تجعله حالا لما بنيته على الاسم الأول كان ضعيفا وليس هيهنا تعريف ولا تنبيه ولا أراد أن يوقع شيئا في حال لقبحه ولضعف المعنى ، وزعم يونس أنه سمع رؤبة يقول :

(٢) أنا ابن سعد أكرم السّعدينا

نصبه على الفخر ، وقال الخليل إن من أفضلهم كان زيدا على الغاء كان وشبّهه بقول الشاعر (وهو الفرزدق) :

__________________

ـ لأهل الثروة والغنى ، وأراد بأثوابها الستور وقوله كلابية وبرية حبترية نسبها الى قبيلتها ثم الى حيها ثم الى فصيلتها ورهطها الادنى اليها تفخيما لها ، ومعنى نأتك بعدت عنك ، يقال نأيته ونأيت عنه بمعنى ، وقوله أنا ساعدي يعني القبائل التي نسيها اليها وهم من بني عامر وكان بينهم وبين بني أسد قومه حروب وتغاور فجعلهم عدى لذلك ويريد أنها بين أعدائه فلا سبيل له اليها ولذلك تمنى أن يكون طلب الهوى في رأس جبل أشم أي هي أبعد من الأروى التي تألف شواهق الجبال وأصعب مراما.

(٤٢٥) الشاهد في نصب ضبابية وما بعدها على التفخيم والقول فيه كالقول في الذي قبله* يقول ملكت نفسي عن تتبع هذه المرأة حقبة من الدهر أي حينا ثم غلبني هواها فأبحت نفسي لها وأصل الحقبة السنة فجعلها للحين من الدهر والجميع هنا بمعنى الاجتماع أي صار لها بين نفسي واجتماعها أي كلها ، وضرب هذا مثلا ونسبها الى الضباب وهم حي من بني عامر وحابس ومرة حيان منهم والمنيف المشرف ، والنعف أصل الجبل ، والصيدلان جبل بعينه* يقول هي شريفة القوم فوضيعهم مشرف المحل فكيف رفيعهم.

(٤٢٦) الشاهد فيه نصب أكرم على التفخيم والمدح وانما قال أكرم السعدينا ، لأن السعود في العرب كثيرة مثل سعد بن مالك في ربيعة ، وسعد بن ذبيان في غطفان ، وسعد بن ـ

٣٣٧

(١) فكيف اذا رأيت ديار قوم

وجيران لنا كانوا كرام

وقال إن من أفضلهم كان رجلا يقبح لأنك لو قلت إن من خيارهم رجلا ثمّ سكتّ كان قبيحا حتى تعرّفه بشيء أو تقول رجلا من أمره كذا وكذا وقال إن فيها كان زيد على قولك إنّه فيها كان زيد وإلّا فانّه لا يجوز أن تحمل الكلام على إنّ وقال إنّ أفضلهم كان زيد وإن زيدا ضربت على قوله إنه زيدا ضربت وإنه كان أفضلهم زيد وهذا فيه قبح وهو ضعيف وهو في الشعر جائز ويجوز أيضا على إن زيدا ضربته وإن أفضلهم كانه زيد فتنصبه على إن وفيه قبح كما كان في إن وسألت الخليل عن قوله ويكأنّه لا يفلح وعن قوله ويكأنّ الله فزعم أنها مفصولة من كان والمعنى على أن القوم انتبهوا فتكلّموا على قدر علمهم أو نبّهوا فقيل لهم أما يشبه أن يكون ذا عندكم هكذا والله أعلم وأمّا المفسرون فقالوا ألم تر أنّ الله وقال القرشيّ (وهو زيد بن عمرو بن نفيل القرشي) :

(٢) سالتاني الطّلاق أن رأتاني

قلّ مالي قد جئتماني بنكر

وى كأن من يكن له نشب يحبب ومن يفتقر يعش عيش ضرّ

__________________

ـ بكر في هوزان ، وسعد بن هذيم في قضاعة ، ورؤبة من بني سعد بن زيد مناة بن تميم وفيهم الشرف والعدد.

(٤٢٧) الشاهد فيه الغاء كان وزيادتها توكيدا وتبيينا لمعنى المضى ، والتقدير وجيران لنا كرام كانوا كذلك وقد رد المبرد هذا التأويل وجعل قوله لنا خبرا لها ، والصحيح ما ذهب اليه الخليل وسيبويه من زيادتها لأن قوله لنا من صلة الجيران ، ولا يجوز أن يكون خبرا الا أن تريد معنى الملك ولا يصح الملك هيهنا لأنهم لم يكونوا لهم ملكا انما كانوا لهم جيرة فالجوار هو الخبر ، ولنا تبيين له وقد بينت هذا مستقصى في كتاب النكت.

(٤٢٨) الشاهد في قوله ويكأن وهي عند الخليل وسيبويه مركبة من وي ومعناها التنبيه مع كأن التي للتشبيه ومعناها ألم تر وعلى ذلك تأولها المفسرون ، وزعم بعض النحويين أن قولهم ويكأن بمعنى ويلك اعلم أن فحذفت اللام من ويلك كما قال عنترة* ويك عنتر أقدم* وحذف اعلم لعلم المخاطب مع كثرة الاستعمال ، وهذا القول مردود لما يقع فيه من كثرة التغيير وقد بينت حقيقته في كتاب النكت ، وقوله سالتاني أبدل فيه الهمزة ألفا صورة أو يكون استعمل لغة من يقول سلته أساله مثل خفته أخافه وهما يتساولان وهي لغة معروفة وعليها قراءة من قرأ سال سائل بعذاب واقع ، والنشب المال.

٣٣٨

واعلم أنّ ناسا من العرب يغلطون فيقولون إنهم أجمعون ذاهبون وإنّك وزيد ذاهبان ، وذاك أنّ معناه معنى الابتداء فيرى أنه قال هم كما قال : * ولا سابق شيئا اذا كان جائيا* على ما ذكرت لك ، وأمّا قوله عزوجل (وَالصَّابِئُونَ) فعلى التقديم والتأخير كأنه ابتدء على قوله والصّابئون بعد ما مضى الخبر ، وقال الشاعر (بشر بن أبي حازم) : [وافر]

(١) وإلّا فاعلموا أنّا وأنتم

بغاة ما بقينا في شقاق

كأنه قال بغاه ما بقينا وأنتم :

[باب كم]

اعلم أنّ لكم موضعين فأحدهما الاستفهام وهو الحرف المستفهم به بمنزلة كيف وأين والموضع الآخر الخبر ومعناها معنى ربّ وهي تكون في الموضعين اسما فاعلا ومفعولا وظرفا ، ويبنى عليها ، إلا أنها لا تصرّف تصرّف يوم وليلة ، كما أنّ حيث وأين لا يتصرّفان تصرّف تحتك وخلفك وهما موضعان بمنزلتهما غير أنها حروف لم تتمكّن في الكلام ، إنما لها مواضع تلزمها في الكلام ، ومثل ذلك في الكلام كثير وقد ذكر فيما مضى وستراه فيما تستقبل ان شاء الله أمّا كم في الاستفهام اذا أعملت فيما بعدها فهي بمنزلة اسم يتصرّف في الكلام منوّن قد عمل فيما بعده لانه ليس من صفته ولا محمولا على ما حمل عليه ، وذلك الاسم عشرون وما أشبهها نحو ثلاثين وأربعين ، واذا قال لك رجل كم لك فقد سألك عن عدد لأن كم إنما هي مسألة عن عدد هيهنا ، فعلى المجيب أن يقول عشرون أو ما شاء مما هو أسماء لعدة ، فاذا قال لك كم لك درهما أو كم

__________________

(٤٢٩) الشاهد فيه رفع قوله وأنتم على التقديم والتأخير والتقدير فاعلموا أنا بغاة وأنتم ، فأنتم مبتدأ والخبر محذوف لعلم السامع والمعنى وانتم بغاة ، ويجوز أن يكون المحذوف خبر أن ، كما تقول ان هندا وزيد منطلق فالمعنى ان هندا منطلقة وزيد منطلق فحذفت خبر الاولى لدلالة الآخر عليه ، والبغاة جمع باغ وهو الساعي بالفساد ، والشقاق الخلاف وأصله أن يأتي كل واحد من الفريقين ما يشق على صاحبه أو يكون كل واحد منهما في شق غير شق صاحبه والشق الجانب.

٣٣٩

درهما لك ففسّر ما يسأل عنه قلت عشرون درهما فعملت كم في الدرهم عمل العشرين في الدرهم ولك مبنيّة على كم.

واعلم أن كم تعمل في كل شيء حسن للعشرين أن تعمل فيه فاذا قبح للعشرين أن تعمل في شيء قبح ذلك في كم لأن العشرين عدد منوّن ، وكذلك كم هو منوّن عندهم كما أنّ خمسة عشر عندهم بمنزلة ما قد لفظوا بتنوينه ، لو لا ذلك لم يقولوا خمسة عشر درهما ولكن التنوين ذهب منه كما ذهب مما لا ينصرف ، وموضعه موضع اسم منوّن وكذلك كم موضعها موضع اسم منوّن وذهبت منها الحركة كما ذهبت من إذ لأنهما غير متمكّنين في الكلام ، وذلك أنك لو قلت كم لك الدرهم لم يجز كما لم يجز في قولك عشرون الدرهم لأنهم انما أرادوا عشرين من الدراهم ، هذا معنى الكلام ولكنهم حذفوا الألف واللام وصيروه الى الواحد وحذفوا من استخفافا كما قالوا هذا أول فارس في الناس ، وإنما يريدون هذا أول من الفرسان فحذف الكلام وكذلك كم إنما أرادوا كم لك من الدراهم أو كم من الدراهم لك وزعم أن كم درهما لك أقوى من كم لك درهما ، وان كانت عربية جيدة وذلك أن قولك العشرون لك درهما فيها قبح ولكنها جازت في كم جوازا حسنا لأنه كأنه صار عوضا من المتمكّن في الكلام لأنها لا تكون الا مبتدأة ولا تؤخّر فاعلة ولا مفعولة ، لا تقول رأيت كم رجلا وانما تقول كم رأيت رجلا ، وتقول كم رجل أتاني ولا تقول أتاني كم رجل ، ولو قال أتاك ثلاثون اليوم درهما ، كان قبيحا في الكلام لأنه لا يقوى قوّة الفاعل وليس مثل كم لما ذكرت لك وقد قال الشاعر :

(١) على أنّني بعد ما قد مضى

ثلاثون للهجر حولا كميلا

يذكّرنيك حنين العجول

ونوح الحمامة تدعو هديلا

__________________

(٤٣٠) الشاهد في فصله بين الثلاثين والحول بالمجرور ضرورة فجعل هذا سيبويه تقوية لما يجوز في كم من الفصل عوضا لما منعته من التصرف في الكلام بالتقديم والتأخير لتضمنها معنى الاستفهام ، والتصدير بها لذلك والثلاثون ونحوها من العدد لا تمتنع من التقديم ـ

٣٤٠