كتاب سيبويه - ج ١

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]

كتاب سيبويه - ج ١

المؤلف:

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٨٢

جميعا خبرا لهذا كقولك هذا حلو حامض لا تريد أن تنقض الحلاوة ولكنك تزعم أنه جمع الطّعمين ، وقال الله عزوجل (كَلَّا إِنَّها لَظى نَزَّاعَةً لِلشَّوى) وزعموا أنها في قراءة ابن مسعود وهذا بعلي شيخ ، وقال الراجز :

(١) من يك ذابت فهذا بتّى

مقيّظ مصيّف مشتّى

سمعناه ممن يروى هذا الشعر عن العرب يرفعه ، وأمّا قول الأخطل : [كامل]

(٢) ولقد أبيت من الفتاة بمنزل

فأبيت لا حرج ولا محروم

فزعم الخليل أنّ هذا ليس على إضمار أنا ، ولو جاز هذا على إضمار أنا لجاز كان عبد الله لا مسلم ولا صالح على إضمار هو ولكنه فيما زعم الخليل فأبيت بمنزلة الذي يقال له لا حرج ولا محروم ويقوّيه في ذلك قوله : [طويل]

(٣) على حين أن كانت عقيل وشائظا

وكانت كلاب خامرى أمّ عامر

__________________

(٣٨١) الشاهد فيه رفع مقيظ وما بعده على الخبر كما تقول هذا زيد منطلق ، والنصب فيه على الحال أكثر وأحسن ويجوز رفعه على البدل وعلى خبر ابتداء مضمر والبت الكساء وجعله مقيظا على السعة ، والمعنى مقيظ فيه كما قالوا نهارك صائم والمعنى يصام فيه ، يريد أنه لا شيء له الا كساؤه فهو يستعمله في كل زمان.

(٣٨٢) الشاهد في رفع حرج ومحروم وكان وجه الكلام نصبهما على الحال والخبر ، ووجه رفعهما عند الخليل الحمل على الحكاية والمعنى فأبيت كالذي يقال له لا حرج ولا محروم ، ولا يجوز رفعه حملا على مبتدا مضمر كما لا يجوز كان زيد لا قائم ولا قاعد على تقدير لا هو قائم ولا هو قاعد ، لأنه ليس موضع تبعيض وقطع فلذلك حمله على الحكاية كما قال بنى شاب قرناها ، ويجوز رفعه على الابتداء واضمار الخبر على معنى فأبيت لا حرج ولا محروم في المكان الذي أبيت فيه ثم حذف هذا لعلم السامع ، واذا نفى أن يكون في مكان مبيته حرج أو محروم فهو غير حرج وغير محروم لأنه في ذلك المكان يقول أبيت منها قريبا مكينا لا أتحرج من لذة ، ولا أحرم ارادة.

(٣٨٣) الشاهد في قوله خامري ووضعه موضع الخبر لكان على معنى الحكاية ، أي وكانت كلاب يقال لها خامري أم عامر وذكر هذا تقوية لما ذهب اليه الخليل في الباب الأول ـ

٣٠١

فانما أراد كانت كلاب التي يقال لها خامرى أمّ عامر ، وقد زعم بعضهم أنّ رفعه على النفي كأنه قال فأبيت لا حرج ولا محروم بالمكان الذي أنابه ، وقول الخليل حكاية لما كان يتكلّم به قبل ذلك فكأنّه حكي ذلك اللفظ كما قال : [طويل]

(١) كذبتم وبيت الله لا تنكحونها

بنى شاب قرناها تصرّ وتحلب

أي بنى من يقال له ذلك ، والتفسير الآخر الذي على النفي كأنّه أسهل ، وقد يكون رفعه على أن تجعل عبد الله معطوفا على هذا كالوصف فيصير كأنه قال عبد الله منطلق وتقول هذا زيد رجل منطلق على البدل كما قال جلّ ذكره (بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ) فهذه أربعة أوجه في الرفع.

[باب ما يرتفع فيه الخبر لأنه مبني على مبتدإ أو ينتصب فيه الخبر لأنه حال لمعروف] «مبنيّ على مبتدإ»

فامّا الرفع فقولك هذا الرجل منطلق فالرجل صفة لهذا وهما بمنزلة اسم واحد كأنك قلت هذا منطلق ، قال النابغة الذبياني : [طويل]

(٢) توهّمت آيات لها فعرفتها

لستّة أعوام وذا العام سابع

كأنه قال وهذا سابع ، وأمّا النصب فقولك هذا الرجل منطلقا جعلت الرجل مبنيّا

__________________

ـ من الحكاية* هجا قشير بن كعب بن ربيعة وكلاب بن ربيعة بن عامر فجعل قشيرا أدعياء ملصقين بالصميم كالوشائظ ، وهي شظايا من عظام تلصق بعظام الذراع فضربها مثلا وجعل كلابا كالضبع في الحمق ، وكان كلاب بن ربيعة بن عامر ينسب الى النوك ، والضبع عند العرب من أحمق الدواب يزعمون أن الرجل اذا أراد صيدها يقول لها خامري أم عامر أي ادخلي الخمر ، وهو ما تستتر فيه وتسكن به فتدخل حجرها فتصاد ، وفتح حين لاضافتها الى غير متمكن ويجوز جرها على الأصل.

(٣٨٤) الشاهد في قوله بني شاب قرناها وحمله على الحكاية كالذي قبله ، والمعنى بني التي يقال لها شاب قرناها أي بني العجوز الراعية ، ومعنى تصر تشد الضرع لتجتمع الدرة فتحلب ، والقرن الفود من الشعر في جانب الرأس.

(٣٨٥) الشاهد فيه رفع سابع خبرا عن ذا لأن العام من صفته فكأنه قال وهذا سابع ـ

٣٠٢

على هذا وجعلت الخبر حالا له قد صار فيها فصار كقولك هذا عبد الله منطلقا ، وإنما يريد في هذا الموضع أن يذكر المخاطب برجل قد عرفه قبل ذلك وهو في الرفع لا يريد أن يذكره بأحد ، وإنما أشار فقال هذا منطلق فكأنّ ما ينتصب من أخبار المعرفة ينتصب على أنه حال مفعول فيها لأنّ المبتدأ يعمل فيما بعده كعمل الفعل فيما يكون بعده ، ويكون فيه معنى التنبيه والتعريف ويحول بين الخبر والاسم المبتدإ كما يحول الفاعل بين الفعل والخبر فيصير الخبر حالا قد ثبت فيها فصار فيها كما كان الظرف موضعا قد صير فيه بالنيّة وإن لم يذكر فعلا ، وذلك أنّك إذا قلت فيها زيد فكأنك قلت استقرّ فيها زيد ، وإن لم تذكر فعلا وانتصب بالذي هو فيه كانتصاب الدرهم بعشرين لأنه ليس من صفته ولا محمولا على ما حمل عليه فأشبه عندهم ضارب زيدا ، وكذلك هذا عمل فيما بعده عمل الفعل ، وصار منطلق حالا فانتصب بهذا الكلام انتصاب راكب بقولك مرّ زيد راكبا ، وأما قوله عزوجل (هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً) فانّ الحقّ لا يكون صفة لهو من قبل أنّ هو اسم مضمر والمضمر لا يوصف بالمظهر أبدا ، لأنه قد استغنى عن الصفة وإنما تضمر الاسم حين تستغنى بالمعرفة ، فمن ثم لم يكن في هذا الرفع كما كان في هذا الرجل ألا ترى أنك لو قلت مررت بهو الرجل لم يجز ولم يحسن ، ولو قلت مررت بهذا الرجل ، كان حسنا جميلا.

[باب ما ينتصب فيه الخبر لأنه خبر لمعروف يرتفع على الابتداء قدّمته أو أخّرته]

وذلك قولك فيها عبد الله قائما وعبد الله فيها قائما فعبد الله ارتفع لابتداء لأنّ الذي ذكر قبله وبعده ليس به ، وإنما هو موضع له ولكنه يجري مجرى الاسم المبنيّ على ما قبله ، ألا ترى أنك لو قلت فيها عبد الله حسن السكوت وكان كلاما مستقيما كما حسن واستغنى في قولك هذا عبد الله ، وتقول عبد الله فيها فيصير كقولك عبد الله أخوك إلا أن عبد الله يرتفع مقدّما

__________________

ـ * وصف خلاء ديار أحبته وتنكرها عليه لتغيرها بعده وأنه لم يعرفها الا توهما وتذكرا بما عاين من آياتها وهي علاماتها كالأثافي والرماد ونحوهما وقوله لستة أعوام أي بعد ستة أعوام ، كما تقول كتبت لعشر خلون أي بعد عشر.

٣٠٣

كان أو مؤخّرا بالابتداء ويدلك على ذلك أنك تقول إن فيها زيدا فيصير بمنزلة قولك إنّ زيدا فيها لأن فيها لمّا صارت مستقرّا لزيد يستغني به السكوت وقع موقع الأسماء كما أن قولك عبد الله لقيته يصير لقيته فيه بمنزلة الاسم كأنك قلت عبد الله منطلق فصار قولك فيها كقولك استقر عبد الله ثم أردت أن تخبر على أيّة حال استقرّ فقلت قائما فقائم حال مستقر فيها ، وإن شئت ألغيت فيها فقلت فيها عبد الله قائم.

قال النابغة : [طويل]

(١) فبتّ كأني ساورتني ضئيلة

من الرّقش في أنيابها السّمّ ناقع

وقال الهذليّ : [بسيط]

(٢) لا درّ درّي إن أطعمت ناز لكم

قرف الحتيّ وعندي البرّ مكنوز

كأنك قلت البرّ مكنوز عندي وعبد الله قائم فيها ، فاذا نصبت القائم ففيها قد حالت بين المبتدإ والقائم ، واستغنى بها فعمل المبتدأ حين لم يكن القائم مبنيّا عليه عمل هذا زيد قائما وانما تجعل فيها اذ ارتفعت القائم مستقرّا للقيام وموضعا له وكأنك لو قلت فيها عبد الله لم يجز عليه السّكوت ، وهذا يدلك على أنّ فيها لا يحدث الرفع أيضا في عبد الله لأنها لو كانت بمنزلة هذا لم تكن لتلغى ، ولو كان عبد الله يرتفع بفيها لارتفع

__________________

(٣٨٦) الشاهد في رفع ناقع خبرا عن السم على الغاء المجرور ولو نصب على الحال والاعتماد في الخبر على المجرور لجاز* وصف خوفه للنعمان بن المنذر ، وأنه يبيت هيبة له مبيت السليم ، والمساورة المواثبة ، والافعى لا تلدغ الا وثبا ، والضئيلة الدقيقة من الكبر وهو أشد لسمها والرقش المنقطعة بسواد والناقع الخالص ، ويقال هو الثابت ، والمستنقع من الماء ما ثبت في القرارة من الارض.

(٣٨٧) الشاهد فيه رفع مكنوز خبرا عن البر على الغاء الظرف ، ولو نصب على الحال لكان حسنا والقول فيه كالقول في الذي قبله* يقول ان استأثرت على ضيفي بالبر وكنزته دونه وأطعمته قرف الحتى فلا اتسع عيشي وضرب مثلا بالدر وأصله في الضرع والحتى سويق تمر المقل وهو الدوم ، وقرفة قشره يريد اللحمة التي على عحمه وكل ما قشرته فقد قرفته ومنه قيل لهذا التابل قرفة لأنه قشر شجرة.

٣٠٤

بقولك بك عبد الله مأخوذ لأن الذي يرفع وينصب ما يستغنى عليه السكوت ومالا يستغنى بمنزلة واحدة ، ألا ترى أن كان تعمل عمل ضرب ولو قلت كان عبد الله لم يكن كلاما ولو قلت ضرب عبد الله كان كلاما ، ومما جاء في الشعر أيضا مرفوعا قوله (ابن مقبل) : [بسيط]

(١) لا سافر النّيّ مدخول ولا هيج

عارى العظام عليه الودع منظوم

فجميع ما يكون ظرفا تلغيه ان شئت لأنه لا يكون آخرا إلا على ما يكون عليه أولا قبل الظرف ويكون موضع الخبر دون الاسم فجرى في أحد الوجهين مجرى مالا يستغني عليه السكوت كقولك فيك زيد راغب فرغبته فيه ، ومثل قولك فيها عبد الله قائما هو لك خالصا وهو لك خالص كأن قولك هو لك بمنزلة أهبه لك ثم قلت خالصا ومن قال فيها عبد الله قائم قال هو لك خالص فيصير خالص مبنيا على هو كما كان قائم مبنيا على عبد الله وفيها لغو إلا أنك ذكرت فيها التبيّن أين القيام وكذلك لك انما أردت أن تبيّن لمن الخالص ، وقد قرىء هذا الحرف على وجهين (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) بالرفع والنصب ، وبعض العرب يقول هو لك الجمّاء الغفير يرفع كما يرفع الخالص والنصب أكثر لأن الجمّاء الغفير بمنزلة المصدر فكأنه قال هو لك خلوصا فهذا تمثيل ولا يتكلم به ، ومما جاء في الشعر قد انتصب خبره وهو مقدّم قبل الظرف ، قوله : [كامل]

__________________

(٣٨٨) الشاهد في رفع منظوم خبرا عن الودع على الغاء المجرور والقول فيه كالقول في الذي قبله* وصف امرأة شبهها بغزال هذه صفته ، والسافر المنكشف الظاهر ، والتي الشحم ، والهيج المتورم ، والتهيج أن يضرب الكلب أو غيره بالعصا حتى يتورم جلده ، والودع الخرزير يد أنه مربب محلى وأدخل قوله مدخول وعاري العظام في النفي كما قال الله عزوجل لا ذلول تثير الارض أي ليست بذلول ولا مثيرة.

٣٠٥

(١) إنّ لكم أصل البلاد وفرعها

فالخير فيكم ثابتا مبذولا

وسمعنا بعض العرب الموثوق بهم يقول أتكلّم بهذا وأنت هيهنا قاعدا ، ومما ينتصب لأنه حال وقع فيه أمر قول العرب هو رجل صدق معلوما ذاك وهو رجل صدق معروفا ذاك ، وهو رجل صدق بيّنا ذاك كأنه قال هذا رجل صدق معروفا صلاحه فصار حالا وقع فيه أمر لأنك إذا قلت هو رجل صدق فقد أخبرت بأمر واقع ثم جعلت ذلك الوقوع على هذه الحقال ولو رفعت كان جائزا على أن تجعله صفة كأنك قلت هو رجل معروف صلاحه ، ومثل ذلك مررت برجل حسنة أمّه كريما أبوها ، زعم الخليل انه أخبر عن الحسن أنه وجب لها في هذه الحال وهو كقولك مررت برجل ذاهبة فرسه مكسورا سرجها والأول كقولك هو رجل صدق معروفا صدقه وان شئت قلت معروف ذاك ومعلوم ذاك على قولك ذاك معروف وذاك معلوم سمعته من الخليل.

[باب من المعرفة يكون فيه الاسم الخاصّ شائعا في الأمة]

ليس واحد منها أولى به من الآخر ولا يتوهّم به واحد دون آخر له اسم غيره نحو قولك للأسد أبو الحارث وأسامة وللتعلب ثعالة وأبو الحصين وسمسم وللذئب دألان وأبو جعدة وللضّبع أمّ عامر ، وحضاجر وجعار وجيأل وأمّ عنثل وقثام ويقال للضّبعان قثم ، ومن ذلك قولهم للغراب ابن بريح ، فكلّ هذا يجري خبره مجرى خبر عبد الله ، ومعناه اذا قلت هذا أبو الحارث أو هذا ثعالة أنك تريد هذه الأسد وهذا الثعلب وليس معناه كمعنى زيد وان كانا معرفة ، وكان خبرهما نصبا من قبل أنك اذا قلت هذا زيد فزيد اسم لمعنى قولك هذا الرجل اذا أردت شيئا بعينه قد عرفه المخاطب بحليته أو بأمر قد بلغه عنه قد اختصّ به دون من يعرف ، فكأنك اذا قلت هذا

__________________

(٣٨٩) الشاهد فيه نصب ثابت على الحال والاعتماد فيه على المجرور في الخبر والرفع فيه حسن ، كما تقدم وأراد بالخير هنا المعروف وكنى بالاصل والفرع عن جميع البلاد.

٣٠٦

زيد قلت هذا الرجل الذي من حليته ومن أمره كذا وكذا بعينه فاختصّ هذا المعنى باسم علم يلزم هذا المعنى وليحذف الكلام وليخرج من الاسم الذي قد يكون نكرة ويكون لغير شىء بعينه لأنك اذا قلت هذا الرجل فقد يكون أن تعنى كماله ويكون أن تقول هذا الرجل وأن تريد كلّ ذكر تكلّم ومشى على رجلين فهو رجل ، فاذا أراد أن يخلّص ذلك المعنى ويختصّه ليعرف من تعنى بعينه وأمره قال زيد ونحوه ، واذا قلت هذا أبو الحارث فأنت تريد هذا الاسد أي هذا الذي سمعت باسمه أو هذا الذي قد عرفت أشباهه ولا تريد أن تشير الى شيء قد عرفه بعينه قبل ذلك كمعرفته زيدا ولكنه أراد هذا الذي كلّ واحد من أمّته له هذا الاسم فاختصّ هذا المعنى باسم كما اختصّ الذي ذكرنا بزيد لأنّ الأسد يتصرّف تصرّف الرجل ويكون نكرة فأرادوا اسما لا يكون الّا معرفة ويلزم ذلك المعنى ، وإنما منع الأسد وما أشبهه أن يكون له اسم معناه معنى زيد أن الأسد وما أشبهها ليست بأشياء ثابتة مقيمة مع الناس فيحتاجوا الى أسماء يعرفون بها بعضها من بعض ولا تحفظ حلاها كحفظ ما يثبت مع الناس ويقتنونه ويتّخذونه ألا تراهم قد اختصّوا الخيل والابل والغنم والكلاب وما ثبت معهم واتخذوه بأسماء كزيد وعمرو ، ومنه أبو خجادب وهو شيء يشبه الجندب غير أنه أعظم منه ، وهو ضرب من الجنادب كما أنّ بنات أوبر ضرب من الكمأة وهي معرفة ، ومن ذلك ابن قترة وهو ضرب من الحيّات فكأنهم اذا قالوا هذا ابن قترة فقد قالوا هذا الحيّة الذي من أمره كذا وكذا ، واذا قالوا بنات أوبر فكأنهم قالوا هذا الضرب الذي من أمره كذا وكذا من الكمأة واذا قالوا أبو خجادب فكأنهم قالوا هذا الضرب الذي سمعت به من الجنادب أو رأيته.

ومثل ذلك ابن آوى كأنه قال هذا الضرب الذي سمعته أو رأيته من السباع فهو ضرب من السباع كما أنّ بنات أوبر ضرب من الكمأة ويدلّك على أنه معرفة أن آوى غير مصروف وليس بصفة.

ومثل ذلك ابن عرس وأمّ حبين وسامّ أبرص ، وبعض العرب يقول أبو

٣٠٧

بريص وحمار قبّان كأنه قال في كل واحد من هذا الضرب الذي يعرف من أحناش الارض بصورة كذا وكأنه قال في المؤنث نحو أمّ حبين هذه التي تعرف من أحناش الارض بصورة كذا ، فاختصّت العرب لكل ضرب من هذه الضّروب اسما على معنى الذي تعرفها به لا تدخله النكرة ، كما أن الذي معرفة لا تدخله النكرة كما فعلوا ذلك بزيد والأسد الّا أنّ هذه الضروب ليس لكل واحد منها اسم يقع على كل واحد من أمّته تدخله المعرفة والنكرة بمنزلة الاسد يكون معرفة ونكرة ثم اختصّ باسم معروف كما اختصّ الرجل بزيد وعمرو وهو أبو الحارث ولكنها لزمت اسما معروفا وتركوا الاسم الذي تدخله المعاني المعرفة والنكرة ويدخله التعجب وتوصف به الاسماء المبهمة كمعرفته بالالف واللام نحو الرجل والتعجب هذا وأنت تريد أن ترفع شأنه ووصف الاسماء المبهمة نحو هذا الرجل قائم فكأنّ هذا اسم جامع لمعان وابن عرس يراد به معنى واحد كما أريد بأبي الحارث وزيد معنى واحد واستغنى به.

ومثل هذا في بابه مثل رجل كانت كنيته هي الاسم وهي الكنية ، ومثل الأسد وأبي الحارث كرجل ، كانت له كنية واسم ، ويدلك على أن ابن عرس وأم حبين وسامّ أبرص وابن مطر معرفة أنك لا تدخل في الذي أضفن اليه الألف واللام فصار بمنزلة زيد وعمرو ، ألا ترى أنك لا تقول أبو الخجادب وهو قول أبى عمرو ، حدّثنا به يونس عن أبي عمرو ، وأما ابن قترة وحمار قبان وما أشبههما فيدلك على معرفتهن ترك صرف ما أضفن اليه ، وقد زعموا أن بعض العرب يقول هذا ابن عرس مقبل فرفعه على وجهين فوجه مثل هذا زيد مقبل ووجه على أنه جعل ما بعده نكرة فصار مضافا الى نكرة بمنزلة قولك هذا رجل منطلق ، ونظير ذلك هذا قيس قفّة آخر منطلق ، وقيس قفّة لقب والألقاب والكنى بمنزلة الأسماء نحو زيد وعمرو ولكنه أراد في قيس قفّة ما أراد في قوله هذا عثمان آخر ولم يكن له بد من أن يجعل ما بعده نكرة حتى يصير نكرة لأنه لا يكون الاسم نكرة وهو مضاف الى معرفة ، وعلى هذا الحدّ تقول هذا زيد منطلق كأنك قلت هذا رجل منطلق فانما دخلت النكرة على هذا العلم الذي إنما

٣٠٨

وضع للمعرفة ولها جيء به فالمعرفة هنا الأولى وأما ابن لبون وابن مخاض فنكرة لأنها تدخلها الألف واللام وكذلك ابن ماء ، قال جرير : [بسيط]

(١) وابن اللبون اذا ما لزّ في قرن

لم يستطع صولة البزل القناعيس

وقال أبو عطاء السّنديّ : [طويل]

(٢) مفدّمة قزا كأن رقابها

رقاب بنات الماء أفزعها الرّعد

وقال الفرزدق :

(٣) وجدنا نهشلا فضلت فقيما

كفضل ابن المخاض على الفصيل

فاذا أخرجت الألف واللام صار الاسم نكرة ، قال ذو الرمّة : [طويل]

__________________

(٣٩٠) الشاهد فيه ادخال الألف واللام في اللبون ليعرف الأول به لأنه اسم جنس نكرة بمنزلة ابن رجل ولم يجعل علما بمنزلة ابن آوى وغيره فلذلك خالفه في دخول الألف واللام على ما أضيف اليه* ضرب هذا مثلا لنفسه ولمن أراد مقاومته في الشعر والفخر لأن ابن اللبون وهو الفصيل الذي نتجت أمه غيره فصارت لبونا اذا لزأى شد في قرن وهو الحبل ببازل من الجمال قوي لم يستطع صولته ولا قاومه في سيره والقناعيس الشداد واحدها قتعاس

(٣٩١) الشاهد فيه تعريف بنات الماء باضافتها الى الألف واللام لأنهم أنزلوا ابن ماء منزلة ابن لبون وعلته كعلته* وصف أباريق خمر مسدودة الرؤس بالقز وهي المفدمة والفدام ما يشد به وشبه رقابها في الاشراف ، والطول برقاب الغرانيق وهي بنات الماء اذا فزعت للرعد فنصبت أعناقها

(٣٩٢) الشاهد فيه ادخال الألف واللام على المخاض ليتعرف به المضاف اليه والقول فيه كالقول في الذي قبله* هجا نهشلا وفقيما وهما حيان من مضر فقيم بن جرير بن دارم من تميم ، وفقيم من كنانة أيضا ، ونهشل بن دارم من بنى تميم فجعل فضل أحدهما على الآخر كفضل ابن المخاض على الفصيل وكلاهما لا فضل له ولا خير عنده ، وابن المخاض هو الذي حملت أمه والفصيل ما كان في الحول وما اتصل به وكلاهما صغير لا ينتفع به ، والبيت منسوب الى الفرزدق وهو لغيره لأن نهشلا أعمامه ، وهم نهشل بن دارم والفرزدق من محاشع بن دارم وهو يفخر بنهشل كما يفخر بمجاشع وقال* كأن أباها نهشل أو مجاشع.

٣٠٩

(١) وردت اعتسافا والثّريا كأنها

على قمه الرأس ابن ماء محلق

وكذلك ابن أفعل اذا كان أفعل ليس باسم لشيء ، وقال ناس كلّ ابن أفعل معرفة لأنه لا ينصرف وهذا خطأ ، لأن أفعل لا ينصرف وهو نكرة ، ألا ترى أنك تقول هذا أحمر قمد فترفعه اذا جعلته صفة للأحمر ولو كان نصبا فالمضاف اليه بمنزلته ، قال ذو الرمة ايضا :

(٢) كأنا على أولاد أحقب لاحها

ورمي السّفا أنفاسها بسهام

جنوب ذوت عنها التّناهي وأنزلت

بها يوم ذبّاب السّبيب صيام

كأنه قال على أولاد أحقب صيام

__________________

(٣٩٣) الشاهد فيه جرى محلق على ابن ماء نعتاله لأنه نكرة مثله اذ لم يقصد به قصد ابن آوى ونحوه مما جعل علما في جنسه* وصف أنه ورد ماء في فلاة على غير قصد والاعتساف أن يركب رأسه على غير هداية ، في وقت من الليل قد كبدت فيه الثريا السماء وصارت على قمة الرأس فشبهها في ارتفاعها وتقارب نجومها في رأى العين لتكبيدها السماء بابن ماء قد حلق في الهواء أي استوى طائرا فيه والحالق الهواء.

(٣٩٤) الشاهد في جرى صيام على أولاد أحقب لأنه نكرة مثله والقول فيه كالقول فيما تقدم قبله وقد بين سيبويه علة أحقب في امتناعه من الصرف وان كان اسما نكرة فأغنى عن ذكره* وصف رواحل ضامرة سريعة فشبهها بأولاد أحقب وهي الحمر الوحشية وأحقب من صفة الحمار لبياض في موضع الحقيبة منه وهو مؤخرة ومعنى لاحها ضمرها ، والسفاشوك البهمى وهو كالسنبل ، والحمر تكلف بالبهمي وهو ضرب من الحرشف ، واذا أسفى امتنعت منه وطلبت لين المرعى فأضمرها ذلك لهيج النبات وعدم الرطب ، وأراد بأنفاسها أنوفها لأنها مخارج الأنفاس وجعل شوك البهمي كالسهام ، وقوله رمى السفا معطوف مقدم على الجنوب والتقدير لاحها جنوب أذوت الغدران ورمى السفا أنفاسها ، ومعنى ذوت جفت ، والتناهي الغدران واحدتها تنهية لأن السيل ينتهي اليها ، ومعنى أنزلت بها يوم ذباب أي أنزلت الجنوب بالحمر يوم حر شديد لهبوبها في استقبال القيظ والسبيب شعر أذنا بها أي يهيج بها الذباب لشدة الحر فتذب بأذنابها والصيام الممسكة عن الرعي ، وانما وصف ضمرها وانطواء بطونها لتشبيهه الرواحل بها.

٣١٠

[باب ما يكون فيه الشيء غالبا عليه اسم يكون لكل من كان من أمته أو كان]

(في صفته من الأسماء التي يدخلها الألف واللام وتكون نكرته)

(الجامعة لما ذكرت لك من المعاني)

وذلك قولك فلان بن الصّعق والصعق في الأصل صفة تقع على كل من أصابه الصّعق ولكنه غلب عليه حتى صار علما بمنزلة زيد وعمرو ، وقولهم النجم صار علما للثّريّا ، وكابن الصّعق قولهم ابن رألان وابن كراع ، صار علما الانسان واحد ، وليس كلّ من كان ابنا لرألان وابنا لكراع غلب عليه هذا الاسم ، فان أخرجت الألف واللام من النجم والصعق لم يصر معرفة من قبل أنك صيرته معرفة بالألف واللام ، كما صار ابن رألان معرفة برألان فلو ألقيت رألان لم يكن معرفة ، وليس هذا بمنزلة عمرو وزيد وسلم ، لأنها أعلام جمعت ما ذكرنا من التطويل وحذفوا ، وزعم الخليل أنه إنما منعهم أن يدخلوا في هذه الأسماء الألف واللام أنهم لم يجعلوا الرجل الذي سمي بزيد من أمة كل واحد منها يلزمه هذا الاسم ولكنهم جعلوه سمي به خاصا ، وزعم الخليل أن الذين قالوا الحارث والحسن والعباس إنما أرادوا أن يجعلوا الرجل هو الشيء بعينه ولم يجعلوه سمي به ولكنهم جعلوه كأنه وصف له غلب عليه ، ومن قال حارث وعباس فهو يجريه مجرى زيد ، وأما ما لزمه الألف واللام فلم يسقطا منه فانما جعل الشيء الذي يلزمه ما يلزم كلّ واحد من أمته ، وأما الدّبران والسماك والعيّوق وهذا النحو فانما يلزم الألف واللام من قبل أنه عندهم الشىء بعينه ، فان قال قائل أيقال لكل شيء صار خلف شيء دبران ولكل شيء عاق عن شيء عيّوق ولكل شيء سمك ، وارتفع سماك فانك قائل له لا ، ولكنّ هذا بمنزلة العدل والعديل ، فالعديل ما عاد لك من الناس ، والعدل لا يكون إلّا للمتاع ولكنهم فرقوا بين البناءين ليفصلوا بين المتاع وغيره ، ومثل ذلك بناء حصين وامرأة حصان ، فرقوا بين البناء والمرأة فانما أرادوا أن يخبروا أنّ البناء محرز لمن لجأ اليه والمرأة محرزة لفرجها ، ومثل ذلك الرّزين من الحجارة والحديد والمرأة رزان ، فرقوا بين ما يحمل وبين ما ثقل في مجلسه فلم يخفّ ، وهذا أكثر من أن أصفه لك في كلام العرب ، فقد يكون الاسمان مشتقين

٣١١

من شيء والمعنى فيهما واحد وبناؤهما مختلف فيكون أحد البناءين مختصا به شيء دون شيء ليفرقوا بينهما ، فكذلك هذه النجوم اختصّت بهذه الأبنية ، وكلّ شيء جاء قد لزمه الألف واللام فهو بهذه المنزلة ، فان كان عربيا نعرفه ولا نعرف الذي اشتق منه فانما ذاك لأنا جهلنا ما علم غيرنا أو يكون الآخر لم يصل اليه علم وصل الى الأول المسمّى ، وبمنزلة هذه النجوم الأربعاء والثّلاثاء انما يريد الرابع والثالث وكلّها أخبارها كأخبار زيد وعمرو ، فان قلت هذان زيدان منطلقان وهذان عمران منطلقان لم يكن هذا الكلام إلا نكرة من قبل أنك جعلته من أمة كلّ رجل منها زيد وعمرو وليس واحد منها أولى به من الآخر ، وعلى هذا الحدّ تقول هذا زيد منطق ، ألا ترى أنك تقول هذا زيد من الزيدين أي هذا واحد من الزيدين فصار كقولك هذا رجل من الرجال ، وتقول هؤلاء عرفات حسنة وهذان أبانان بيّين ، وإنما فرقوا بين أبانين وعرفات وبين زيدين وزيدين من قبل أنهم لم يجعلوا التثنية والجمع علما لرجلين ولا لرجال بأعيانهم وجعلوا الاسم الواحد علما لشيء بعينه كأنهم قالوا اذا قلنا ائت بزيد فقد قلنا هات هذا الشخص الذي نشير لك اليه ، ولم يقولوا اذا قلنا جاء زيدان فانما نعني شخصين بأعيانهما قد عرفا قبل ذلك وأثبتا ولكنهم قالوا اذا قلنا قد جاء زيد بن فلان فزيد بن فلان فانما نعني شيئين بأعيانهما فهكذا تقول اذا أردت أن تخبر عن معروفين ، واذا قالوا هذان أبانان وهؤلاء عرفات فانما أرادوا شيئا أو شيئين بأعيانهما اللذين نشير لك اليهما ، وكأنهم قالوا اذا قلنا ائت أبانين فانما نعنى هذين الجبلين بأعيانهما اللذين نشير لك اليهما ، ألا ترى أنهم لم يقولوا امرر بأبان كذا وأبان كذا لم يفرقوا بينهما لأنهم جعلوا أبانين اسما لهما يعرفان به بأعيانهما وليس هذا في الأناسيّ ولا في الدواب انما يكون هذا في الأماكن والجبال وما أشبه ذلك من قبل أن الأماكن والجبال أشياء لا تزول فيصير كلّ واحد من الجبلين داخلا عندهم في مثل ما دخل فيه صاحبه من الحال في الثبات والخصب والقحط ، ولا يشار الى واحد منهما بتعريف دون الآخر فصارا كالواحد الذي لا يزايله منه شيء حيث كان من الأناسى والدوابّ ، او لانسانان والدابتان لا يثبتان أبدا بأنهما يزولان ويتصرفان ويشار الى أحدهما والآخر

٣١٢

عنه غائب ، وأما قولهم أعطيكم سنّة العمرين فانما أدخلت الألف واللام على عمرين وهما نكرة فصارا معرفة بالألف واللام كما صار الصّعق معرفة بهما واختصابه كما اختص النجم بهذا الاسم وكأنهما جعلا من أمة كلّ واحد منهم عمر ثم عرّفا بالألف واللام فصارا بمنزلة الغريّين المشهورين بالكوفة وبمنزلة النّسرين إذا كنت تعنى النجمين.

[باب ما يكون الاسم فيه بمنزلة الذي في المعرفة]

إذا بنى على ما قبله وبمنزلته في الاحتياج الى الحشو ويكون نكرة بمنزلة رجل ، وذلك قولك هذا من أعرف منطلقا وهذا من لا أعرف منطلقا أي هذا الذي قد علمت أنى لا أعرفه منطلقا ، وهذا ما عندي مهينا ، وأعرف ولا أعرف وعندي حشو لهما يتّمان به فيصيران اسما كما كان الذي لا يتمّ إلا بحشوه ، وقال الخليل ان شئت جعلت من بمنزلة إنسان وجعلت ما بمنزلة شيء نكرتين ويصير منطلق صفة لمن ومهين صفة لما وزعم أنّ هذا البيت عنده مثل ذلك (وهو قول حسان الأنصاريّ) [كامل]

(١) فكفى بنا فضلا على من غيرنا

حبّ النبيّ محمّد إيّانا

ومثل ذلك قول الفرزدق : [بسيط]

(٢) إنّي وإياك إذ حلّت بأرحلنا

كن بواديه بعد المحل ممطور

وأما هذا مالدىّ عتيد فرفعه على وجهين على شيء لدىّ عتيد وعلى هذا بعلي شيخ ، وقد أدخلوا في قول من قال أنها نكرة فقالوا هل رأيتم شيئا يكون موصوفا

__________________

(٣٩٥) الشاهد فيه حمل غير على نعتالها لأنها نكرة مبهمة فوصفت بما بعدها وصفا لازما يكون لها كالصلة والتقدير على قوم غيرنا ورفع غير جائز على أن تكون من موصولة ، ويحذف الراجع عليها من الصلة والتقدير من هو غيرنا والحب مرتفع بكفي والباء في قوله بنا زائدة مؤكدة والمعنى كفانا فضلا على من غيرنا حب النبي ايانا ، وهجرته الينا.

(٣٩٦) الشاهد فيه جرى ممطور على من نعتالها والقول فيه كالقول في الذي قبله ، وقوله بواديه متصل بممطور في التقدير والمعنى كرجل مطر وهو بواديه ومحله* وصف خيالا طرقه وحل برحله ورحال أصحابه فسر به سرور المحتاج الى الغيث اذا انزل به.

٣١٣

لا يسكت عليه فقيل لهم نعم يا أيّها الرجل الرجل ، وصف لقوله يا أيّها ولا يجوز أن يسكت على يا أيّها ، فربّ اسم لا يحسن عليه عندهم السكوت حتى يصفوه وحتى يصير وصفه عندهم كأنه به يتمّ الاسم لأنهم إنما جاؤوا بيا أيّها ليصلوا إلى نداء الذي فيه الألف واللام فلذلك جيء به وكذلك من وما إنما يذكران لحشوهما ولوصفهما ولم يرد بهما خلوين شيء فلزمه الوصف كما لزمه الحشو ، وليس لهما بغير حشو ولا وصف معنى ، فمن ثم كان الوصف والحشو واحدا فالوصف كقولك مررت بمن صالح فصالح وان وصف ، أردت الحشو قلت مررت بمن صالح فيصير صالح خبر الشيء مضمر كأنك قلت مررت بمن هو صالح والحشو لا يكون أبدا لمن وما إلا وهما معرفة ، وذلك من قبل أنّ الحشو إذا صار فيهما أشبهتا الذي فكما أن الذي لا يكون إلا معرفة لا يكون ما ومن إذا كان الذي بعدهما حشوا وهو الصّلة إلا معرفة وتقول هذا من أعرف منطلق فتجعل أعرف صفة ، وتقول هذا من أعرف منطلقا تجعل أعرف صلة ، وقد يجوز منطلق على قولك هذا عبد الله منطلق ، ومثل ذلك الجمّاء الغفير فالغفير وصف لازم ، وهو توكيد لأنّ الجمّاء الغفير مثل ، فلزم الغفير كما لزم ما في قولك إنك ما وخيرا.

واعلم أن كفى بنا فصلا على من غيرنا أجود ، وفيه ضعف إلا أن يكون فيه هو لأن هو من بعض الصلة وهو نحو مررت بأيّهم أفضل ، وكما قرأ بعض الناس هذه الآية تماما على الذي أحسن.

واعلم أنه قبيح أن تقول هذا من منطلق إذا جعلت المنطلق حشوا أو وصفا ، فان أطلت الكلام فقلت من خير منك حسن في الوصف والحشو ، زعم الخليل أنه سمع من العرب رجلا يقول ما أنا بالذي قاتل لك سوأ ، وما أنا بالذي قائل لك قبيحا فالوصف بمنزلة الحشو المحشوّ لأنه يحسن بما بعده كما أن الحشو المحشوّ إنما يتمّ بما بعده ، ويقوّي أيضا أن من نكرة ، قول عمرو بن قيئة اليشكري. [سريع]

٣١٤

(١) يا ربّ من ببغض أذوادنا

رحنا على بغضائه واغتدين

وربّ لا يكون ما بعدها إلا نكرة ، وقال أميّة بن أبي الصلت : [خفيف]

(٢) ربّ تكره النّفوس من الأ

مر له فرجة كحّل العقال

وقال آخر :

(٣) ألا ربّ من تغتشّه لك ناصح

ومؤتمن بالغيب غير أمين

وقال آخر :

ألا ربّ من قلبي له الله ناصح

ومن هو عندي في الظباء السّوانح

[باب ما لا يكون الاسم فيه إلا نكرة]

وذلك قولك هذا أوّل فارس مقبل ، وهذا كلّ متاع عندك موضوع وهذا خير منك مقبل ، ومما يدلك على أنهن نكرة أنهن مضافات الى نكرة وتوصف بهن النكرة ، وذلك أنك تقول فيما كان وصفا هذا رجل خير منك وهذا فارس أوّل فارس ، وهذا مال كلّ مال عندك ، ويستدلّ على أنهن مضافات الى نكرة أنك تصف ما بعدهن بما توصف به النكرة ولا تصفه بما توصف به المعرفة ، وذلك قولك هذا أول فارس شجاع مقبل وحدّثنا الخليل أنه سمع من العرب من يوثق بعربيته ينشد هذا البيت (وهو قول الشماخ) :

__________________

(٣٩٧) الشاهد فيه ادخال رب على من والاستدلال بذلك على تنكيرها لأن رب لا تعمل إلا في نكرة «ويبغض في موضع الوصف لمن يقول نحن محسدون لشرفنا وكثرة مالنا والحاسد لا ينال منا أكثر من اظهار البغضاء لنا لعزنا وامتناعنا.

(٣٩٨) الشاهد فيه دخول رب على ما لأنها نكرة في تأويل شيء والعائد عليها من جملة الصفة هاء محذوفة مقدرة والمعنى رب شيء تكرهه النفوس من الأمور الحادثة الشديدة وله فرجة تعقب الضيق والشدة كحل عقال المقيد والفرجة بالفتح في الأمر وبالضم في الحائط ونحوه مما يرى.

(٣٩٩) الشاهد في تنكير من ووصفها بقوله : ناصح وتغتشه في موضع الوصف أيضا* يقول قد ينصح الانسان ويتولاه من يظن به الغش ، وقد يغشه ويغتابه من يأمنه ويثق به.

٣١٥

(١) وكلّ خليل غير هاضم نفسه

لوصل خليل صارم أو معارز

فجعله صفة لكلّ ، وحدثني أبو الخطاب أنه سمع من يوثق بعربيته من العرب ينشد هذا البيت :

(٢) كأنّا يوم قرّى إنم

ا نقتل إيّانا

قتلنا منهم كلّ

فتى أبيض حسّانا

فجعله وصفا لكل ، ومثل ذلك هذا أيّما رجل منطلق وهذا حسبك من رجل منطلق ، ويدلك على أنه نكرة أنك تصف به النكرة فتقول هذا رجل حسبك من رجل فهو بمنزلة مثلك وضاربك اذا أردت النكرة ، ومما يوصف به كلّ قول ابن أحمر : (كامل)

(٣) ولهت عليه كلّ معصفة

هو جاء ليس للبها زبر

سمعناه ممن يرويه من العرب ، ومن قال هذا أوّل فارس مقبلا من قبل أنه لا يستطيع

__________________

(٤٠٠) الشاهد فيه جرى غير على كل نعتالها لأنها مضافة الى نكرة ولو أجرى على المخفوض بكل لكان حسنا ، ورفع كل بالابتداء وخبرها صارم أو معارز ، والتقدير كل خليل لا يهضم نفسه ويظلمها لخليله صارم لوصله أي قاطع أو منقبض عنه ، والمعارز المنقبض ، ويقال لما تقبض من اللحم على الجمز استعرز وتعرز ، والهضم الظلم.

(٤٠١) الشاهد فيه جرى حسان على كل نعتاله لأنه نكرة مثله ، والقول فيه كالقول في الذي قبله* وصف أن قومه أوقعوا ببني عمهم فكأنهم قتلوا أنفسهم ، ويقال أنه لص قاطع وصف أنه قتل من هذه صفته وقرى اسم موضع وفصل الضمير من الفعل ضرورة وكان الوجه نقتلنا ، والأصل في هذا أن يستغنى فيه بالنفس فيقال نقتل أنفسنا فوضع ايانا موضع ذلك والحسان الحسن ، والصفات قد تبنى على هذا المثال للمبالغة ، ونظيره كبار بمعنى كبير وكرام بمعنى كريم وهو كثير.

(٤٠٢) الشاهد فيه جرى هو جاء على كل نعتالها كالذي تقدم* وصف منزلا ترددت عليه الرياح فعفت آثاره وطمست رسومه ومعنى ولهت حنت جعل هبوبها عليه كحنين الناقة على ولدها اذا فقدته ، والمعصفة الشديدة الهبوب يقال عصفت الريح وأعصفت ، ـ

٣١٦

أن يقول هذا أول الفارس فيدخل عليه الألف واللام فصار عنده بمنزلة المعرفة فلا ينبغي له أن يصفه بالنكرة ، وينبغي له أن يزعم أنّ درهما في قولك عشرون درهما معرفة ، فليس هذا بشيء ، وانما أرادوا من الفرسان فحذفوا الكلام استخفافا وجعلوا هذا يجزئهم من ذلك ، وقد يجوز نصبه على نصب هذا رجل منطلقا وهو قول عيسى ، وزعم الخليل أنّ هذا جائز ونصبه كنصبه في المعرفة جعله حالا ولم يجعله وصفا ، ومثل ذلك مررت برجل قائما اذا جعلت الممرور به في حال قيام ، وقد يجوز على هذا فيها رجل قائما وهو قول الخليل ، ومثل ذلك عليه مائة بيضا والرفع الوجه ، وعليه مائة عينا والرفع الوجه ، وزعم يونس أن ناسا من العرب يقولون مررت بماء قعدة رجل والجرّ الوجه ، وانما كان النصب هنا بعيدا من قبل أنّ هذا يكون من صفة الأول فكرهوا أن يجعلوه حالا كما كرهوا أن يجعلوا الطويل والأخ حالا حين قالوا هذا زيد الطويل وهذا عمر وأخوك وألزموا صفة النكرة النكرة كما ألزموا صفة المعرفة المعرفة ، وأرادوا أن يجعلوا حال النكرة فيما يكون من اسمها كحال المعرفة فيما يكون من اسمها وزعم من نثق به أنه سمع رؤبة يقول هذا غلام لك مقبلا جعله حالا ولم يجعله من اسم الأول.

وأعلم أنّ ما كان صفة للمعرفة لا يكون حالا ينتصب انتصاب النكرة وذلك أنه لا يحسن لك أن تقول هذا زيد الطويل ولا هذا زيد أخاك من قبل أنه من قال هذا فينبغي له أن يجعله صفة للنكرة فيقول هذا رجل أخوك ، ومثل ذلك في القبح هذا زيد أسود الناس ، وهذا زيد سيّد الناس حدّثنا بذلك يونس عن أبي عمرو ، ولو حسن أن يكون هذا خبرا للمعرفة لجاز أن يكون خبرا للنكرة فتقول هذا رجل سيّد الناس من قبل أن نصب هذا رجل منطلقا كنصب هذا زيد منطلقا فينبغي لما كان حالا للمعرفة أن يكون حالا للنكرة فليس هكذا ولكن ما كان صفة للنكرة جاز أن يكون حالا للنكرة

__________________

ـ والهوجاء الحمقاء وصفها بذلك لاضطرابها وهبوبها من كل وجه ، واللب العقل وزبره احكامه وقوته ، وأصل الزبر احكام طىّ البئر والزبير البئر المطويه فاذا لم نطو البئر انهارت فضربت مثلا لمن لا عقل له ولا رأى يرجع اليه.

٣١٧

كما جاز حالا للمعرفة ولا يجوز للمعرفة أن تكون حالا كما تكون النكرة فيلتبس بالنكرة ولو جاز ذلك لقلت هذا أخوك عبد الله اذا كان عبد الله اسمه الذي يعرف به وهذا كلام خبيث موضوع في غير موضعه إنما تكون المعرفة مبينا عليها أو مبينة على اسم أو غير اسم وتكون صفة لمعروف لتبيّنه وتؤكده أو تقطعه من غيره ، فاذا أردت الخبر الذي يكون حالا وقع فيه الأمر فلا تضع في موضعه الاسم الذي جعل لتوضح به المعرفة وتبيّن به ، فالنكرة تكون حالا وليست تكون شيئا بعينه قد عرفه المخاطب قبل ذلك ، فهذا أمر النكرة وهذا أمر المعرفة فأجره كما أجروه وضع كلّ شيء موضعه.

[باب ما ينتصب خبره لأنه معرفة وهي معرفة لا توصف ولا تكون وصفا]

وذلك قولك مررت بكلّ قائما ، ومررت ببعض قائما ويبعض جالسا ، وانما خروجهما من أن يكونا وصفين موصوفين لأنه لا يحسن لك أن تقول مررت بكل الصالحين ولا ببعض الصالحين ، قبح الوصف حين حذفوا ما أضافوا اليه لأنه مخالف لما يضاف شاذّ منه فلم يجر في الوصف مجراه كما أنهم حين قالوا يا الله فخالفوا ما فيه الألف واللام لم يصلوا ألفه وأنبتوها ، وصار معرفة لأنه مضاف الى معرفة كأنك قلت مررت بكلّهم وببعضهم ، ولكنك حذفت ذلك المضاف اليه فجاز ذلك كما جاز لاه أبوك تريد لله أبوك حذفوا الألف واللامين وليس هذا طريقة الكلام لأنه ليس من كلامهم أن يضمروا الجارّ ، ومثله في الحذف لا عليك فحذفوا الاسم وقال ما فيهم يفضلك في شيء يريد ما أحد يفصلك كما أراد لا بأس عليك أو نحوه والشواذّ في كلامهم كثيرة ، ولا يكونان وصفا كما لم يكونا موصوفين وإنما يوضعان في الابتداء أو يبنيان على اسم أو غير اسم فالابتداء نحو قوله عزوجل (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) فأما جميع فيجرى مجرى رجل ونحوه في هذا الموضع ، قال الله عزوجل (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ)، وقال أتيته والقوم جميع ، وسمعته من العرب أي مجتمعون ، وزعم الخليل أنه يستضعف أن يكون كلّهم مبنيا على اسم او غير اسم ولكنه يكون مبتدأ أو يكون كلهم صفة ، فقلت ولم استضعفت أن يكون مبنيا فقال لأن موضعه في الكلام أن يعمّ به غير من الأسماء بعد ما يذكر فيكون كلّهم صفة أو مبتدأ فالمبتدأ قولك إن

٣١٨

قومك كلّهم ذاهب ، أو ذكر قوم فقلت كلّهم ذاهب ، فالمبتدا بمنزلة الوصف لأنك إنما ابتدأت بعد ما ذكرت ولم تبنه على شيء فعمت به ، وقال أكلت شاة كلّ شاة حسن وأكلت شاة ضعيف لأنهم لا يعمّون هكذا فيما زعم الخليل ، وذلك أن كلهم إذا وقع موقعا يكون الاسم فيه مبينا على غيره شبّه بأجمعين أنفسهم ونفسه ، فالحق بهذه الحروف لأنها إنما توصف بها الأسماء ولا تبنى على شيء ، وذاك أن موضعها من الكلام أن يعمّ ببعضها ويؤكّد ببعضها بعد ما يذكر الاسم إلّا أن كلهم قد يجوز فيها أن تبنى على ما قبلها وان كان فيها بعض الصّعف لأنه قد يبتدأ به فهو يشبه الأسماء التي تبنى على غيرها ، وكلاهما وكلتاهما وكلهن يجرين مجرى كلهم ، وأما جميعهم فقد يكون على وجهين يوصف به المضمر والمظهر كما يوصف بكلهم ويجرى في الوصف مجراه ويكون في سائر ذلك بمنزلة عامتهم وجماعتهم يبتدأ ويبنى على غيره لأنه يكون نكرة تدخله الألف واللام وأما كلّ رجل فانما يبنيان على غيرهما لانه لا يوصف بهما والذي ذكرت لك قول الخليل ورأينا العرب توافقه بعد ما سمعنا منه.

[باب ما ينتصب لأنه قبيح أن يكون صفة]

وذلك قولك هذا راقود خلّا ، وعليه نحى سمتا وان شئت قلت راقود خلّ ، وراقود من خل وإنما فررت الى النصب في هذا الباب كما فررت الى الرفع في قولك بصحيفة طين خاتمها لأن الطين اسم وليس مما يوصف به ولكنه جوهر يضاف اليه ما كان منه فهكذا مجرى هذا وما أشبهه ، ومن قال مررت بصحيفة طين خاتمها قال هذا راقود خلّ وهذه صفّه خز وهذا قبيح أجرى على غير وجهه ، ولكنه حسن أن ببنى على لمبتدإ ويكون حالا فالحال قولك هذه جبّتك خزّا ، والمبنيّ على المبتدإ قولك جبّتّك خز ولا يكون صفة فيشبه الأسماء أخذت من الفعل ، ولكنهم جعلوه يلي ما ينصب ويرفع وما يجرّ فأجره كما أجروه فانما فعلوا به ما يفعل بالأسماء والحال مفعول فيها ، والمبنيّ على المبتدإ بمنزلة ما ارتفع بالفعل والجارّ بتلك المنزلة يجري في الاسم مجرى الرافع والناصب.

٣١٩

[باب ما ينتصب لأنه ليس من اسم ما قبله ولا هو هو]

وذلك قولك هو ابن عمي دنيا وهو جارى بيت بيت فهذه أحوال قد وقع في كلّ واحد منها شىء ، وانتصب لأن هذا الكلام قد عمل فيها كما عمل الرجل في العلم حين قلت أنت الرجل علما فالعلم منتصب على ما فسرت لك وعمل فيه ما قبله كما عمل عشرون في الدهم حين قلت عشرون درهما ، لأن الدرهم ليس من اسم العشرين ولا هو هي ، ومثل ذلك هذا درهم وزنا ، ومثل ذلك هذا حسيب جدا ، ومثل ذلك هذا عربي حسبه ، حدّثنا بذلك أبو الخطاب عمن نثق به من العرب ، جعله بمنزلة الدنى والوزن كأنه قال هو عربي اكتفاء فهذا تمثيل ولا يتكلم به ولزمته الاضافة كما لزمت جهده وطاقته ، وما لم يضف من هذا ولم تدخله الألف واللام فهو بمنزلة ما لم يضف فيما ذكرنا من المصادر نحو لقيته كفاحا وأتيته جهارا ، ومثل ذلك هذه عشرون مرارا وهذه عشرون أضعافها ، وزعم يونس أنّ قوما يقولون هذه عشرون أضعافها وهذه عشرون أضعاف أي مضاعفة والنصب أكثر ، ومثل ذلك هذا درهم سواء كأنه قال هذا درهم استواء فهذا تمثيل وان لم يتكلم به قال الله عزوجل (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ) وقد قرأ ناس (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً) قال الخليل جعله بمنزلة مستويات ، وتقول هذا درهم سواء كأنك قلت هذا درهم تام.

[باب ما ينتصب على أنه ليس من اسم الأول ولا هو هو]

وذلك قولك هذا عربي محضا وهذا عربي قلبا فصار بمنزلة دنيا وما أشبهه من المصادر وغيرها ، والرفع فيه وجه الكلام وزعم يونس ذلك ، وذلك قولك هذا عربي محض وهذا عربي قلب كما قلت هذا عربي قح ، ولا يكون القح إلا صفة ، ومما ينتصب على أنه ليس من اسم الأول ، ولا هو هو قولك هذه مائة وزن سبعة ونقد الناس ، وهذه مائة ضرب الأمير وهذا ثوب نسج اليمن ، كأنه قال نسجا ، وضربا ووزنا ، وان شئت قلت وزن سبعة قال الخليل اذا جعلت وزن مصدر انصبت وان جعلته اسما وصفت به وشبّه ذلك بالخلق ، قال قد يكون الخلق المصدر ويكون الخلق المخلوق ، وقد

٣٢٠