كتاب سيبويه - ج ١

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]

كتاب سيبويه - ج ١

المؤلف:

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٨٢

(١) [ومهمهين قذفين مرتين]

ظهراهما مثل ظهور التّرسين

وقالوا وضعار حالهما يريد رحلى راحلتين فأجروه مجرى شيئين من شيئين.

[باب إجراء الصفة على الاسم فيه في بعض المواضع أحسن]

وقد يستوى فيه إجراء الصفة على الاسم وأن تجعله خبرا فتنصبه ، فأما ما استويا فيه فقوله مررت برجل معه صقر صائد به إن جعلته وصفا ، وان لم تحمله على الرجل وحملته على الاسم المضمر المعروف نصبته فقلت مررت برجل معه صقر صائدا به كأنه قال معه باز صائدا به حين لم يرد أن يحمله على الأول كما تقول أتيت على رجل ومررت به قائم ، إن حملته على الرجل ، وإن حملته على مررت به نصبته كأنك قلت مررت به قائما ، ومثله نحن قوم ننطلق عامدون الى بلد كذا إن جعلته وصفا وإن لم تجعله وصفا نصبت كأنه قال نحن ننطلق عامدين ، ومنه مررت برجل معه باز قابض على آخر ، ومررت برجل معه جبّة لابس غيرها ، وان حملته على الاضمار الذي في معه نصبت وكذلك مررت برجل عنده صقر صائد ببأز ان حملته على الوصف فهو هكذا وان حملته على ما في عنده من الاضمار نصبت كأنك قلت عنده صقر صائدا ببأز ، وكذلك مررت برجل معه الفرس راكبا برذونا ان لم ترد الصفة نصبت كأنك قلت معه الفرس راكبا برذونا ، فهذا لا يكون فيه وصف ولا يكون الّا خبرا ، ولو

__________________

(٣٥٧) الشاهد فيه نثنية الظهرين على الأصل والاكثر في كلامهم اخراج مثل هذا الى الجمع كراهة لاجتماع تثنيتين في اسم واحد لأن المضاف اليه من تمام المضاف مع ما في التثنية من معنى الجمع وان المعنى لا يشكل ولذلك قال مثل ظهور الترسين فجمع الظهر* وصف فلاتين لانبت فيهما ولا شخص يستدل به فشبههما بالترسين ، والمهمة القفر والقذف البعيد والموت التي لا تنبت ، وبعده :

* جبتهما بالنعت لا بالنعتين*

أي خرقتهما بالسير واكتفيت في الدلالة فيهما بأن نعتالى مرة واحدة.

٢٨١

كان هذا على القلب ، كما يقول النحويون لفسد كلام كثير ولكان الوجه مررت برجل حسن الوجه جميله حسن الوجه ، ولقال مررت بعبد الله معه بازك الصائد به فتنصب ، فهذا لا يكون فيه الا الوصف لأنه لا يجوز أن تجعل المعرفة حالا يقع فيه شيء ، ولم تقل جميله لأنك لم ترد أن تقول انه حسن الوجه في هذه الحال ولا انه حسن وجهه جميلا أي في هذه الحال حسن وجهه فلم يرد هذا المعنى ولكنه أراد أن يقول هذا رجل جميل الوجه كما يقال هذا رجل حسن الوجه ، فهذا الغالب في كلام الناس وان أردت الوجه الآخر فنصبته فهو جائز لا بأس به وان كان ليس له قوة الوصف في هذا ، فهذا الذي الوصف فيه أحسن وأقوى ، ومثله في أنّ الوصف أحسن هذا رجل عاقل لبيب ، يجعل الآخر حالا وقع فيه الأول ولكنه أثنى عليه وجعلهما شرعا سواء وسوّى بينهما في الاجراء على الاسم والنصب فيه جائز على ما ذكرت لك ، وإنما ضعف لأنه لم يرد أن الأول وقع وهو في هذه الحال ولكنه أراد أنهما فيه ثابتان لم يكن واحد منهما قبل صاحبه ، كما تقول هذا رجل سائر راكبا دابة ، وقد يجوز في سعة الكلام ولا ينقض المعنى في أنهما شرع سواء فيه ، وسترى هذا النحو في كلامهم ، فأما القلب فباطل لو كان ذلك لكان الحدّ والوجه في قوله مررت بامرأة آخذة عبدها فضاربته النصب لأنّ القلب لا يصلح ولقلت مررت برجل عاقلة أمّه لبيبة لأنه لا يصلح أن تقدّم لبيبة فتضمر فيها الأمّ ثم تقول عاقلة أمّه ، وسمعناهم يقولون هذه شاة ذات حمل مثقلة به ، وقال الشاعر (وهو حسّان بن ثابت) : [طويل]

(١) ظننتم بأن يخفى الذي قد صنعتم

وفينا نبى عنده الوحي واضعه

ومما يبطل القلب قوله زيد أخو عبد الله مجنون به اذا جعلت الأخ صفة والجنون من

__________________

(٣٥٨) الشاهد فيه جرى قوله واضعه على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع اعادة الضمير على الوحي وهو لا يحتمل القلب كما تقدم في الباب وقد رد عليه هذا التقدير وجعل الضمير عائدا على الذي قد صنعتم على تقدير وفينا نبي واضع ما قد صنعتم لا على الوحي كما قدره ـ

٢٨٢

زيد بأخيه لأنه لا يستقيم زيد مجنون به أخو عبد الله ، وتقول مررت برجل معه كيس مختوم عليه الرفع الوجه لأنه صفة الكيس والنصب جائز على قوله فيها رجل قائما وهذا رجل ذاهبا.

واعلم أنك اذا نصبت في هذا الباب فقلت مررت برجل معه صقر صائدا به غدا فالنصب على حاله لأنّ هذا ليس بابتداء ولا يشبه فيها عبد الله قائم غدا لأنّ الظروف تلغى حتى يكون المتكلّم كأنه لم يذكرها في هذا الموضع فاذا صار الاسم مجرورا أو عاملا فيه فعل أو مبتدء لم تلغه لأنه ليس يرفعه الابتداء ، وفي الظروف اذا قلت فيها أخواك قائمان يرفعه الابتداء ، وتقول مررت برجل معه امرأة ضاربته فهذا بمنزلة قوله معه كيس مختوم عليه ، فان قلت مررت برجل معه امرأة ضاربها جررت ونصبت على ما فسّرت لك وان شئت قلت ضاربها هو فنصبت ، وان شئت جررت ويكون هو وصف المضمر في ضاربها حتى يكون كأنك لم تذكرها ، وان شئت جعلت هو منفصلا فيصير بمنزلة اسم ليس من علامات الاضمار فتقول مررت برجل معه امرأة ضاربها هو فكأنك قلت معه امرأة ضاربها زيد ، ومثل قولك ضاربها هو قوله مررت برجل معه امرأة ضاربها أبوه اذا جعلت الأب مثل زيد ، فان لم تنزل هو والأب منزلة زيد وما ليس من سببه ولم يلتبس به ، قلت مررت برجل معه امرأة ضاربها أبوه أو هو وان شئت نصبت تجرى الصفة على الرجل ، ولا تجريها على المرأة كأنك قلت ضاربها وضاربها وخصصته بالفعل فيجرى مجرى مررت برجل ضاربها أبوه ومررت بزيد ضاربها أخوه ، ولا يجوز هذا في زيد كما أنه لا يجوز مررت برجل ضاربها زيد ولا مررت بعبد الله ضاربها خالد وكما لم يجز يا ذا الجارية الواطئها زيد فتحمله على النداء ولكنّ الجرّ جيّد ، ألا ترى أنك لو قلت مررت بالذي وطئها أبوه جاز ولو قلت بالذي وطئها زيد لم يكن ، فان

__________________

ـ والحجة لسيبويه أن رده على الوحي أولى لأنه يريد يضع فينا ما يوحى اليه فينبئنا بصنيعكم على الحقيقة ، واذا رد الضمير على الذي كان التقدير ، واضع الذي صنعتم مطلقا دون ربطه بالوحي الذي هو أكشف لحقيقته والوضع هنا النشر والبث.

٢٨٣

قلت يا ذا الجارية الواطئها أبوه جررت كما تجرّ في زيد حين قلت يا ذا الجارية الواطئها زيد ، وتقول يا ذا الجارية الواطئها أبوه تجعل الواطئها من صفة المنادى ، ولا يجوز أن تقول يا ذا الجارية الواطئها زيد من قبل أنّ الواطئها من صفة المنادى فلا يجوز كما لا يجوز أن تقول مررت بالرجل الحسن زيد وقد يجوز أن تقول بالحسن أبوه وكذلك إن قلت يا ذا الجارية الواطئها هو وجعلت هو منفصلا ، وإن شئت نصبته كما تقول يا ذا الجارية الواطئها فتجريه على المنادى ولا تجريه على الجارية ، وان قلت يا ذا الجارية الواطئها وأنت تريد الواطئها هو لم يجز كما لا يجوز مررت بالجارية الواطئها تريد هو أو أنت كما لا يجوز هذا وأنت تريد الاب أو زيدا وليس هو كقولك مررت بالجارية التي وطئها أو التي وطئتها لأنّ الفعل يضمر فيه وتقع فيه علامة الاضمار والاسم لا تقع فيه علامة الاضمار ، فلو جاز ذلك لجاز أن يوصف ذلك المضمر بهو فانما يقع في هذا إضمار الاسم رفعا اذا لم يوصف به شيء غير الأوّل وذلك قولك يا ذا الجارية الواطئها ففي هذا إضمار هو ، وهو اسم المنادى ، والصفة انما هي للاول المنادى ولو جاز هذا لجاز مررت بالرجل الآخذيه ، تريد أنت ولجاز مررت بجاريتك راضيا عنها تريد أنت ، ولو قلت مررت بجارية رضيت عنها أو مررت بجاريتك راضيا عنها أو مررت بجاريتك قد رضيت عنها كان جيّدا ، لأنك تضمر في الفعل وتكون فيه علامة الاضمار ولا يكون ذلك في الاسم إلّا أن تضمر اسم الذي هو وصفه ولا يوصف به شيء غيره مما يكون من سببه ويلتبس به ، وأمّا ربّ رجل وأخيه منطلقين ففيها قبح حتى تقول وأخ له والمنطلقان عندنا مجروران من قبل أنّ قوله وأخيه في موضع نكرة لأنّ المعنى انما هو وأخ له فان قيل أمضافة الى معرفة أو نكرة فانك قائل الى معرفة ولكنها أجريت مجرى النكرة كما أن مثلك مضافة الى معرفة وهي توصف بها النكرة وتقع مواقعها ، ألا ترى أنك تقول ربّ مثلك ويدلك على ـ أنها نكرة أنه لا يجوز لك أن تقول ربّ رجل وزيد ولا يجوز لك أن تقول ربّ أخيه حتى تكون ذكرت قبل ذلك نكرة ، ومثل ذلك قول بعض العرب كلّ شاة وسخلتها أي وسخلة لها ولا يجوز حتى تذكر قبله نكرة فيعلم أنك لا تريد شيئا بعينه وأنّك تريد شيئا من

٢٨٤

أمّة كلّ واحد منهم رجل وضممت اليه شيئا من أمّة كلّهم يقال له أخ ولو قلت وأخيه وأنت تريد شيئا بعينه كان محالا ، وقال : [طويل]

(١) وأىّ فتى هيجاء أنت وجارها

اذا ما رجال بالرجال استقلّت

فالجار لا يكون فيه أبدا هيهنا إلا الجرّ لأنه لا يريد أن يجعله جار شىء آخر فتى هيجاء ولكنه جعله فتى هيجاء وجار هيجاء ولم يرد أن يعني انسانا بعينه لأنه لو قال أيّ فتى هيجاء أنت وزيد لجعل زيدا شريكه في المدح ، ولو رفعه على أنت لو قال أيّ فتى هيجاء أنت وجارها لم يكن فيه معنى أيّ جارها الذي هو في معنى التعجّب ، وقال الاعشى : [متقارب]

(٢) وكم دون بيتك من صفصف

ودكداك رمل وأعقادها

ووضع سقاء وإحقابه

وحلّ حلوس وإغمادها

__________________

(٣٥٩) الشاهد فيه عطف جارها على فتى هيجاء والتقدير أي فتى هيجاء وأي جارها أنت فجارها نكرة لأن ايا اذا أضيفت الى واحد لم يكن الا نكرة لانه فرد الجنس فجارها وان كان مضافا الى ضمير هيجاء فهو نكرة في المعنى لأن ضمير الهيجاء في الفائدة مثلها فكأنه قال أي فتى هيجاء وأي جار هيجاء أنت ، ولا يجوز رفعه لانه اذا رفع فهو على أحد وجهين إما أن يكون عطفا على أي أو عطفا على أنت ، فان كان عطفا على أي وجب أن تكون باعادة حرف الاستفهام وخرج عن معنى المدح فيصير أي فتى هيجاء وأجارها أنت ، وان كان عطفا على أنت صار التقدير أي فتى هيجاء أنت والذي هو جار الهيجاء فكأنه قال أنت ورجل آخر جار هيجاء ولم يقصد الشاعر الى هذا ، والهيجاء الحرب وأراد بفتاها القائم بها المبلى فيها وبجارها المجير منها الكافي لها ، ومعنى استقلت نهضت.

(٣٦٠) الشاهد في قوله وأعقادها وفي قوله واحقابه واغمادها وحملها كلها وهي مضافة الى الضمائر على الأسماء المجرورة بمن وهي أسماء منكورة لوقوعها موقع المنصوب على التمييز والقول في جواز هذا كالقول في جواز الذي تقدم قبله* وصف بعد المسافة بينه وبين الممدوح الذي قصده ليستوجب بذلك جائزته والصفصف المستوى من الارض الذي لا ينبت يريد الفلاة ، والدكداك من الرمل المستوى ، والاعقاد جمع عقد ، وهو المنعقد من الرمل ـ

٢٨٥

هذا حجّة لقوله ربّ رجل وأخيه ، فهذا الاسم الذي لم يكن ليكون نكرة وحده ولا يوصف به نكرة ، ولم يحتمل عندهم أن يكون نكرة ولا يقع في موضع لا يكون فيه إلا نكرة حتى يكون أوّل ما يشغل به العامل نكرة ثم يعطف عليه ما أضيف الى النكرة ويصيّر بمنزلة مثلك ونحوه ولم يبتدأ به كما يبتدأ بمثلك لأنه لا يجري مجراه وحده ، ولم يصر هذا نكرة إلا على هذا الوجه كما أنّ أجمعين لا يجوز في الكلام إلا وصفا ، وكما أن أي تكون في النداء كقوله يا هذا ، ولا يجوز إلا موصوفا ، وليس هذا حال الوصف والموصوف في الكلام كما أنه ليس حال النكرة كحال هذا الذي ذكرت لك ، وفيه على جوازه وكلام العرب به ضعف.

[باب ما ينصب فيه الاسم لأنه لا سبيل له الى أن يكون صفة]

وذلك قولك هذا رجل معه رجل قائمين فهذا ينتصب لأنّ الهاء التي في معه معرفة فأشرك بينهما ، وكأنه قال معه امرأة قائمين ومثله مررت برجل مع امرأة ملتزمين فله إضمار في مع كما كان له إضمار في معه في النّية قولك مررت بقوم مع فلان أجمعون ، ومما لا يجوز فيه الصفة فوق الدار رجل وقد جئتك برجل آخر عاقلين مسلمين وتقول اصنع ما سرّ أخاك وأحبّ أبوك الرجلان الصالحان على الابتداء وتنصبه على المدح والتعظيم كقول الخرنق (من قيس بن ثعلبة) : [كامل]

(١) لا يبعدن قومي الذين هم

سمّ العداة وآفة الجزر

النّازلين بكلّ معترك

والطيّبون معاقد الأزر

__________________

ـ المتراكب ، ووضع السقاء حطه عن الراحلة واحقابه وضعه على الحقيبة وهي مؤخر الرحل ، ويروى وأحقابه بفتح الهمزة وهو جمع حقيبة على حذف الزيادة ، وهو جمع غريب ونظيره شريف وأشراف ويتيم وأيتام والحلوس مسوح من شعر توضع تحت الرحل في مؤخر البعير واغمادها شدها تحت الرحل.

(٣٦١) استشهد بهما لقطع النازلين والطيبين على الموصوف وحملهما على اضمار الفعل والمبتدأ لما قصد بهما من معنى المدح دون الوصف على ما بينه في الباب ، وقد تقدم البيتان بتفسيرهما في ص ١٢٦ رقم ١٨٣.

٢٨٦

ولا يكون نصب هذا كنصب الحال وإن كان ليس فيه الألف واللام لأنك لم تجعل في الدار رجل وقد جئتك بآخر في حال تنبيه يكونان فيه لاشارة ولا في حال عمل يكونان فيه ، لأنه اذا قال هذا رجل مع امرأة أو مررت برجل مع امرأة فقد دخل الأخر مع الأوّل في التنبيه والاشارة وجعلت الآخر في مرورك فكأنك قلت هذا رجل وامرأة ومررت برجل وامرأة وأما الألف واللام فلا يكونان حالا البتّة ، لو قلت مررت بزيد القائم كان قبيحا اذا أردت قائما ، وإن شئت نصبت على الشّتم وذلك قولك اصنع ما ساء أباك وكسره أخوك الفاسقين الخبيثين وإن شاء ابتدأ ، ولا سبيل الى الصفة في هذا ولا في قولك عندي غلام وقد أتيت بجارية فارهين لأنك لا تستطيع أن تجعل فارهين صفة للأوّل والآخر ، ولا سبيل الى أن يكون بعض الاسم جرّا وبعضه رفعا ، فلما كان كذلك صار بمنزلة ما كان معه معرفة من النكرات لأنه لا سبيل الى وصف هذا كما أنه لا سبيل الى وصف ذلك فجعل نصبا كأنه قال عندي عبد الله ، وقد أتيت بأخيه فارهين جعل الفارهين ينتصبان علي النازلين بكلّ معترك وفرّوا من الاحالة في عندي غلام وأتيت بجارية الى النصب كما فرّوا اليه في قولهم فيها قائما رجل.

واعلم أنه لا يجوز أن تصف النكرة والمعرفة كما لا يجوز وصف المختلفين ، وذلك قولك هذه ناقة وفصيلها الراتعان فهذا محال لأن الراتعان لا يكونان صفة للفصيل ولا للناقة ولا تستطيع أن تجعل بعضها نكرة وبعضها معرفة وهذا قول الخليل ، وزعم الخليل أنّ الجرّين أو الرفعين اذا اختلفا فهما بمنزلة الجرّ والرفع وذلك قولك هذا رجل وفي الدار آخر كريمين ، وقد أتاني رجل وهذا آخر كريمين لأنهما لم يرتفعا من وجه واحد ، وقبّحه بقوله هذا الابن إنسانين عندنا كراما فقال الجرّ هيهنا مختلف ولم يشرك الآخر فيما جرّ الأوّل ، ومثل ذلك هذه جارية أخوي ابنين لفلان كراما لأنّ أخوي ابنين اسم واحد والمضاف اليه الآخر منتهاه ، ولم تشرك الآخر بشىء من حروف الاشراك فيما جرّ الاسم الأوّل ، ومثل ذلك هذا فرس أخوي ابنيك العقلاء الحلماء لأنّ هذا في المعرفة مثل ذاك في النكرة فلا يكون الكرام والعقلاء صفة للاخوين والابنين. ولا يجوز أن يجري وصفا لما انجرّ من وجهين كما لم يجز فيما اختلف

٢٨٧

إعرابه ، ومما لا تجري الصفة عليه نحو هذان أخواك وقد تولّى أبواك الرجال الصالحون إلا أن ترفعه على الابتداء أو تنصبه على المدح والتعظيم ، وسألت الخليل عن مررت بزيد وأتاني أخوه أنفسهما فقال الرفع على هما صاحباي أنفسهما ، والنصب على أعنيهما ، ولا مدح فيه لأنه ليس مما يمدح به ، وتقول هذا رجل وامرأته منطلقان وهذا عبد الله وذاك أخوك الصالحان لأنهما ارتفعا من وجه واحد وهما اسمان يبنيان على مبتدأين ، وانطلق عبد الله ومضى أخوك الصالحان لأنهما ارتفعا بفعلين وذهب أخوك وقدم عمرو الرجلان الحليمان.

واعلم أنه لا يجوز من عبد الله وهذا زيد الرجلين الصالحين رفعت أو نصبت لأنك لا تثني إلا على من أثبتّه وعلمته ولا يجوز أن تخلط من تعلم ومن لا تعلم فتجعلهما بمنزلة واحدة وانما الصفة علم فيمن قد علمته.

[باب ما ينتصب لأنه حال صار فيها المسؤول والمسؤول عنه]

وذلك قولك ما شأنك قائما وما شأن زيد قائما وما لأخيك قائما فهذا حال قد صار فيه ، وانتصب بقولك ما شأنك كما ينتصب قائما في قولك هذا عبد الله قائما بما قبله ، وسنبيّن هذا في موضعه ان شاء الله تعالى ، وفيه معنى لم قمت في ما شأنك ومالك قال الله تعالى (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) ومثل ذلك من ذا قائما بالباب على الحال أي من ذا الذي هو قائم بالباب ، هذا المعنى يريد ، وأما العامل فيه فبمنزلة هذا عبد الله لأنّ من مبتدأ قد بني عليه اسم ، وكذلك لمن الدار مفتوحا بابها ، وأما قولهم من ذا خير منك فهو على قوله من ذا الذي هو خير منك لأنك لم ترد أن تشير أو توميء الى انسان قد استبان لك فضله على المسؤول فيعلمكه ، ولكنك أردت من ذا الذي هو أفضل منك فان أو مأت الى انسان قد استبان لك فضله عليه فأردت أن يعلمكه نصبت خيرا منك كما قلت من ذا قائما كأنك قلت انما أريد أن أسألك عن هذا الذي قد صار في حال قد فضلك بها ونصبه كنصب ما شأنك قائما.

[باب ما ينتصب في التعظيم والمدح]

وان شئت جعلته صفة فجرى على الأول وان شئت قطعته فابتدأته ، وذلك قولك

٢٨٨

الحمد لله الحميد هو والحمد لله أهل الحمد والملك لله أهل الملك ، ولو ابتدأته فرفعته كان حسنا ، كما قال الأخطل : [بسيط]

(١) نفسي فداء أمير المؤمنين اذا

أبدى النّواجذ يوم باسل ذكر

الخائض الغمر والميمون طائره

خليفة الله يستسقى به المطر

وأما الصفة فانّ كثيرا من العرب يجعلونه صفة فيتبعونه الأوّل فيقولون أهل الحمد والحميد هو وكذلك الحمد لله أهله ، ان شئت جررت ، وان شئت نصبت ، وان شئت ابتدأت كما قال مهلهل : [كامل]

ولقد خبطن بيوت يشكر خبطة

أخوالنا وهم بنو الأعمام (٢)

وسمعنا بعض العرب يقول الحمد لله ربّ العالمين فسألت عنها يونس فزعم أنها عربية ومثل ذلك قول الله عزوجل (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ) فلو كان كلّه رفعا كان جيّدا ، فأما المؤتون فمحمول على الابتداء ، وقال تعالى (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا ،

__________________

(٣٦٢) الشاهد في قطع الخائض وما بعده من قوله أمير المؤمنين لما قصد من معنى المدح والثناء ، ولو نصبه على هذا المعنى لكان حسنا ، ولو جره على البدل والنعت لجاز* مدح عبد الملك بن مروان ووصف اليوم بابداء النواجذ لشدته وبسالته فكأنه يكلح فتبدو نواجذه وجعله ذكرا مبالغة بوصفه بالشدة ، والباسل الكريه المنظر وانما يريد يوما من أيام الحرب ، والغمر الماء الكثير ، ويجوز أن يكون جمع غمرة وهي الشدة وأصلها من الأول ، وجعله ميمون الطائر لكثرة خيره والتيمن به.

(١) تقدم شرحه في رقم ٣٣٧.

٢٨٩

وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ) ولو رفع الصابرين على أوّل الكلام كان جيّدا ، ولو ابتدأته فرفعته على الابتداء كان جيدا كما ابتدأت في قوله (وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ) ونظير هذا النصب من الشعر قول الخرنق :

لا يبعدن قومي الذين هم

سمّ العداة وآفة الجزر (١)

النّازلين بكلّ معترك

والطيّبون معاقد الأزر

فرفع الطيّبين كرفع المؤتين ، ومثل هذا في الابتداء قول ابن خيّاط العكليّ : [بسيط]

(٢) وكلّ قوم أطاعوا أمر مرشدهم

الا نميرا أطاعت أمر غاويها

الظّاعنين ولمّا يظعنوا أحدا

والقائلون لمن دار نخليّها

وزعم يونس أنّ من العرب من يقول ، النازلون بكلّ معترك والطيّين ، فهذا مثل والصّابرين ومن العرب من يقول الظاعنون والقائلين فنصبه كنصب الطيّبين إلا أنّ هذا شتم لهم وذمّ كما أنّ الطيبين مدح لهم وتعظيم ، وان شئت أجريت هذا كلّه على الاسم الأوّل وان شئت ابتدأته جميعا فكان مرفوعا على الابتداء كلّ هذا جائز في ذين البيتين وما أشبههما كلّ ذلك واسع ، وزعم عيسي أنه سمع ذا الرّمة ينشد هذا البيت نصبا : [طويل]

__________________

(١) تقدم شرحه في ص ٢٨٦ رقم ٣٦١.

(٣٦٣) الشاهد في نصب الظاعنين باضمار فعل ورفع القائلين على اضمار مبتدأ لما قصد من معنى الذم ، ولو أراد التحلية والوصف لأجراه على ما قبله نعتا ، والقول فيه كالقول في الذي قبله ونمير قبيلة من بني عامر وغاويها بمعنى مغويها فبناه على فاعل لما أراد من معنى النسب ولم يجره على الفعل ، كما قالوا هم ناصب أي منصب ، ويجوز أن يريد الغاوي في نفسه لأنه اذا أطيع فقد أغوى مطيعه ، وقول الظاعنين ولما يظعنوا أحدا أي يخافون من عدوهم لقلتهم وذلهم فيظعنون ولا يخاف منهم عدوهم فيظعن عن دار خوفا منهم ، وقوله لمن دار نخليها أي اذا ظعنوا عن دار لم يعرفوا من يحلها بعدهم لخوفهم من جميع القبائل.

٢٩٠

(١) لقد حملت قيس بن عيلان حربها

على مستقلّ للنّوائب والحرب

أخاها اذا كانت عضابا سما لها

على كلّ حال من ذلول ومن صعب

زعم الخليل أنّ نصب هذا على أنك لم ترد أن تحدّث الناس ولا من تخاطب بأمر جهلوه ولكنهم قد علموا من ذلك ما قد علمت فجعلته ثناء وتعظيما ونصبه على الفعل كأنه قال اذكر أهل ذاك واذكر المقيمين ولكنه فعل لا يستعمل إظهاره وهذا شبيه بقوله إنّا بني فلان نفعل كذا لأنه لا يريد أن يخبر من لا يدري أنه من بني فلان ولكنه ذكر ذلك افتخارا وابتهاء ، إلا أن هذا يجري على حرف النّداء وستراه إن شاء الله مبيّنا في بابه في باب النداء ، ومن هذا الباب في النكرة قول أميّة بن أبي عائذ :

(٢) ويأوى الى نسوة عطّل

وشعثا مراضيع مثل السّعالي

كأنه حيث قال الى نسوة عطّل صرن عنده ممن علم أنهن شعث ولكنه كرّ ذلك تشنيعا لهن وتشبيها ، قال الخليل كأنه قال وأذكرهن شعثا إلا أن هذا فعل لا يستعمل إظهاره وان شئت جررت على الصفة ، وزعم يونس أنك تقول مررت بزيد أخيك ، وصاحبك كقول الراجز :

(٣) بأعين منها مليحات النّقب

شكل التّجار وحلال المكتسب

كذلك سمعناه من العرب ، وكذلك قال مالك بن خويلد الخناعي : [بسيط]

__________________

(٣٦٤) الشاهد فيه نصب أخاها على المدح ، ولو رفع على القطع أو خفض على البدل من المستقل لجاز والمستقل الناهض بما حمل ، وقوله سما لها أي ارتفع راكبا لما حمل عليه من الشدائد.

(٣٦٥) استشهد به على نصب قوله وشعثا باضمار فعل لأنه لما قال نسوة عطل علم أنهن شعث فكأنه قال وأذكرهن شعثا الا أنه فعل لا يظهر لأن ما قبله قد دل عليه فأغنى عن ذكره على ما يجري الباب عليه في المدح والذم ، وقد تقدم البيت بتفسيره.

(٣٦٦) الشاهد في جرى شكل التجار وحلال المكتسب على ما قبله نعتا ، ولو قطع فنصب أو رفع لما فيه من معنى المدح لجاز* وصف جواري والنقب جمع نقبة وهي خرق ـ

٢٩١

(١) يا ميّ لا يعجز الايّام ذوحيد

في حومة الموت رزّام وفرّاس

يحمي الصّريمة أحدان الرّجال له

صيد ومجترىء بالليل همّاس

وان شئت حملته على الابتداء كما قال : [طويل]

(٢) فتى الناس لا يخفى عليهم مكانه

وضرغامة إن همّ بالحرب أوقعا

وقال آخر :

(٣) اذا لقى الأعداء كان خلاتهم

وكلب على الأدنين والجار نابح

__________________

ـ العين أو خرق البرقع على العين ، وقوله شكل التجار أي هن مما يصلح للتجارة ويحل للكسب ، وقد قيل انه وصف ابلا والأول أشبه ، ويروى شكل النجار أي نشاكل نجارها وتشبهه ، والنجار الأصل واللون.

(٣٦٧) الشاهد فيه جرى الصفات على ما قبلها مع ما فيها من معنى التعظيم ولو نصب لجاز* وصف أسدا ، ووقع في انشاد البيت الأول غلط وهو قوله ذو حيد والصواب مبترك وهو الأسد البارك ، وأما ذو حيد فهو من وصف الوعل ووحيد نتوء في قرنه واحدتها حيدة ، وهو جمع غريب كضيعة وضيع وحيضة وحيض وتروى بفتح الحاء وهو مصدر الأحيد وحومة الموت مجتمعه ، والرزام الصراع يقال رزم به اذا صرعه والفراس الذي يدق الأعناق ومنه فريسة الأسد لأنه يدق عنقها ؛ وأراد بالصريمة موضعه الذي يكون فيه ، والصريمة رملة منقطعة عن معظم الرمل ، وأحدان جمع أحد وأحد في معنى واحد أي يصطاد الرجال واحدا بعد واحد ، والهماس من الهمس وهو صوت المشي الخفي وبذلك يوصف الأسد ، والمعنى أن الدهر لا ينجو منه شىء ، وتمام البيت الذي وقع فيه الغلط.

يا مى لا يعجز الأيام ذو حيد

بمشمخر به الظيان والآس

(٣٦٨) الشاهد فيه قوله وضرغامة وحمله على الابتداء والتقدير ، وهو ضرغامة ولو نصب لما فيه من معنى المدح لكان حسنا والضرغامة من أسماء الأسد شبه به الرجل في جرأته وإقدامه.

(٣٦٩) الشاهد فيه قوله وكلب ورفعه على القطع والابتداء ولو نصب على الذم لجاز* وصف رجلا بضعفه عن مقاومة أعدائه فيكون لهم كالخلاة اذا لقيهم ، والخلاة الرطبة من ـ

٢٩٢

كذلك سمعناهما من الشاعرين اللّذين قالاهما ، واعلم أنه ليس كلّ موضع يجوز فيه التعظيم ولا كلّ صفة يحسن أن يعظّم بها ، لو قلت مررت بعبد الله أخيك صاحب الثياب أو البزّاز لم يكن هذا مما يعظّم به الرجل عند الناس ولا يفخّم به ، وأما الموضع الذي لا يحسن فيه التعظيم فأن تذكر رجلا ليس بنبيه عند الناس ولا معروف بالتعظيم ثم تعظّمه كما تعظّم النبيه وذلك قولك مررت بعبد الله الصالح فان قلت مررت بقومك الكرام الصالحين ثم قلت المطعمين في المحل جاز لأنه اذا وصفهم صاروا بمنزلة من قد عرف منهم ذلك ، وجاز له أن يجعلهم كأنهم قد علموا فاستحسن ما استحسنت العرب وأجره كما أجرته ، وليس كل شيء من الكلام يكون تعظيما لله عزوجل يكون لغيره من المخلوقين ، لو قلت الحمد لزيد تريد العظمة لم يجز وكان تعظيما ، وقد يجوز مررت بقومك الكرام اذا جعلت المخاطب كأنه قد عرفهم كما قال مررت برجل زيد فتنزله منزلة من قال لك من هو وان لم يتكلم به ، فكذلك هذا تنزله هذه المنزلة ، وان كان لم يعرفهم.

[باب ما يجري من الشتم مجرى التعظيم وما أشبهه]

وذلك قولك أتاني زيد الفاسق الخبيث لم يرد أن يكرّره ولا يعرّفك شيئا تنكره ولكنه شتمه بذلك ، وبلغنا أنّ بعضهم قرأ هذا الحرف نصبا (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) لم يجعل الحمالة خبرا للمرأة ولكنه كأنه قال أذكر حمّالة الحطب شتما لها وان كان فعلا لا يستعمل إظهاره ، وقال عروة الصّعاليك : [وافر]

(١) سقوني الخمر ثم تكنّفوني

عداة الله من كذب وزور

__________________

ـ الحشيش وهي واحدة الخلا وبمنع الحار والأقارب وأذاهم فجعله كالكلب النابح في بخله ومنعه وأذاته.

(٣٧٠) الشاهد فيه نصب العداة على الشتم ولو رفع لجاز والقول فيه كالقول فيما تقدم قبله* وصف ما كان من فعل قوم امرأته حين احتالوا عليه وسقوه الخمر حتى أجابهم الى مفاداتها وكانت سبية عنده وله خبر اختصرته ويروى سقوني النسي وهو الخمر لأنها تنسىء الواجب أي تؤخره وواحد العداة عاد وهو بمعنى العدو.

٢٩٣

انما شتمهم بشيء قد استقرّ عند المخاطبين ، وقال النابغة الذبياني : [طويل]

(١) لعمري وما عمري عليّ بهيّن

لقد نطقت بطلا عليّ الأقارع

أقارع عوف لا أحاول غيرها

وجوه قرود تبتغي من تجادع

وزعم يونس أنك ان شئت رفعت البيتين جميعا على الابتداء تضمر في نفسك شيئا لو أظهرته ، لم يكن ما بعده إلا رفعا ، ومثل ذلك : [طويل]

(٢) متى تر عينى مالك وجرانه

وجنبيه تعلم أنه غير ثائر

حضجر كأمّ التّوأمين توكّأت

علي مرفقيها مستهلّة عاشر

وزعموا أن أبا عمرو كان ينشد هذا البيت نصبا (وهذا الشعر لرجل معروف من أزد السّراة).

(٣) قبّح من يزني بعو

ف من ذوات الخمر

__________________

(٣٧١) الشاهد في قوله وجوه قرود ونصبه على الذم ولو قطع فرفع لجاز* هجا قوما من بنى قريع وهم من بني تميم من بني سعد بن زيد مناة ، وكانوا قد وشوا به الى النعمان حتى تغير له وسماهم الأقارع لأن قريعا أبوهم سمي بهذا الاسم وهو تصغير أقرع على جهة الترخيم ، والعرب اذا نسبت الأبناء الى الآباء فربما سمتهم باسم الأب كما قالوا المهالبة والمسامعة في بني المهلب وبني مسمع ، وعوف هذا هو عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ، ومعنى أحاول أعالج وأزاول والمجادعة المشاتمة وأصلها من الجدع وهو قطع الأنف والأذن.

(٣٧٢) الشاهد فيه رفع حضجر على القطع والابتداء ولو نصب على الذم باضمار فعل لجاز* وصف رجلا بالتنعم والسكون الى رفاهية العيش وترك طلب الثأر ، والجران باطن العنق والحضجر العظيم البطن ومنه قيل للضبع حضاجر لعظم بطنها ، وجعله في عظم البطن كالحامل بتوأمين اذا قاربت ولادها فتوكأت على مرفقيها لثقلها ورفعت صوتها للطلق وهي المستهلة ، وأراد بالعاشر الشهر العاشر من حملها يريد أنها زادت على عدتها فكان ذلك أعظم لحملها وهم يصفون طالب الثأر بضد هذا ، كما قال :

رأيتكما يا ابني أخي قد سمنتما

ولا يطلب الأوتار الا الملوح

وهو الهزيل الضامر

(٣٧٣) الشاهد في قوله الآكل الأشلاء ونصبه على الذم كما تقدم ولو رفع على القطع ـ

٢٩٤

الآكل الأشلاء لا

يحفل ضوء القمر

وان شاء جعله صفة فجرّه على الاسم وزعم يونس أنه سمع الفرزدق ينشد [كامل]

(١) كم عمّة لك يا جرير وخالة

فدعاء قد حلبت على عشاري

شغّارة تقد الفصيل برجلها

فطّارة لقوادم الأبكار

جعله شتما وكأنه حين ذكر الحلب صار من يخاطب عنده عالما بذلك ، ولو ابتدأه وأجراه على الأوّل كأن ذلك جائزا عربيا ، وقال : [وافر]

(٢) طليق الله لم يمنن عليه

أبو داود وابن أبي كثير

ولا الحجّاج عيني بنت ماء

تقلّب طرفها حذر الصّقور

__________________

ـ لجاز* هجا رحلا فوصفه بالنهم والقعود عن السفر ، ودعا على من يرضاه من النساء بالقبوح ، وذوات الخمر النساء المستترات المصونات والأشلاء الأعضاء بما عليها من اللحم ، وقوله لا يحفل ضوء القمر أي لا يباليه لأنه ليس ممن يسري في سفر ويروى الاسلاء وهو جمع سلي أي يأكل الاقذار وما لا يحل له لنهمه.

(٣٧٤) الشاهد في نصب شغارة وفطارة على الشتم ولو رفع على الابتداء لجاز كما تقدم* وصف أن نساء جرير راعيات له يحلبن عليه عشاره وهى النوم؟؟؟ التي أتى عليها من حملها عشرة أشهر ثم يبقى عليها الاسم بعد النتاج واحدتها عشراء والشغارة التي ترفع رجلها ضاربة المفصيل لتمنعه من الرضاع عند الحلب ، يقال شغر الكلب اذا رفع رجله ليبول والوقذ أشد الضرب والموقوذة التي نهكت ضربا حتى أشرفت على الهلاك ، والفطارة التي تحلب الفطر وهو القبض على الخلف بأطراف الاصابع لصغره والضف أن يقبض عليه بالكف لعظمه ، والأبكار التي نتجت أول بطن واحدتها بكر وقوادمها أخلافها وهي أربعة قادمان وآخران فسماها كلها قوادم اتساعا ومجازا ، وانما وصفها بهذا الضرب من الحلب لأنه أصعبه.

(٣٧٥) الشاهد فيه نصب عيني بنت ماء على الذم ولو قطع فرفع لجاز* وصف أنه كان محبوسا فتحيل حتى استنقذ نفسه دون أن يمن عليه من حبسه فيطلقه ، ووصف الحجاج بالجبن مع تسلق الجفنين فجعل عينيه عند تقليبه لهما حذرا وجبنا كعيني بنت ماء وهي ما يصاد من طير الماء كالغرنيق ونحوه اذا نظرت الى صقر فقلبت طرفها حذرا منه.

٢٩٥

فهذا بمنزلة وجوه قرود ، وأما قول حسّان بن ثابت : [بسيط]

(١) حار بن كعب ألا أحلام تزجركم

عنّي وأنتم من الجوف الجماخير

لا بأس بالقوم من طول ومن عظم

جسم البغال وأحلام العصافير

فلم يرد أن يجعله شتما ولكنه أراد أن يعدّد صفاتهم ويفسّرها فكأنه قال أما أجسامهم فكذا وأما أحلامهم فكذا ، وقال الخليل لو جعله شتما فنصبه على الفعل كان جائزا ، وقد يجوز أن ينصب ما كان صفة على معنى الفعل ولا يريد مدحا ولا ذما ولا شيئا مما ذكرت لك ، وقال :

(٢) وما غرّني حوز الرّزامىّ محصنا

عواشيها بالجوّ وهو خصيب

ومحصن اسم الرزامىّ فنصبه على أعني وهو فعل يظهر لأنه لم يرد أكثر من أن يعرّفه بعينه ولم يرد افتخارا ولا مدحا ولا ذما وكذلك سمع هذا البيت من أفواه العرب ، وزعموا أنّ اسمه محصن ومن هذا الترحّم ، والترحّم يكون بالمسكين والبائس ونحوه ولا يكون بكلّ صفة ولا كلّ اسم ولكن ترحّم بما ترحّم به العرب ، وزعم الخليل

__________________

(٣٧٦) الشاهد فيه رفع الجسم والأحلام على اضمار مبتدإ لما أراد من تفسير أحوالهم دون القصد الى الذم ، والتقدير أجسامهم أجسام البغال وأحلامهم أحلام العصافير ولو قصد به الذم فنصبه باضمار فعل كما تقدم لجاز* هجا بني الحرث بن كعب وهم رهط النجاشي وكانت بينهم مهاجاة ، والجوف جمع أجوف وهو العظيم الجوف والجما خير جمع جمخور ، وهو الضعيف ، وأفرد الجسم وهو يريد الجمع ضرورة كما قال :

* في حلقكم عظم وقد شجينا*

وقد تقدمت علته.

(٣٧٧) الشاهد فيه نصب محصن باضمار فعل يجوز اظهاره وهو أعني لأنه ليس في ذكر اسم الرجل مدح ولا ذم فينصب عليه ومحصن اسم الرجل الرزامي ورزام حي من بني عمرو ابن تميم والعواشي المتعشية المعتلفة من الابل واحدتها عاشية ومنه المثل العاشية تهيج أي الآبية اذا رأت التي تأبى الاكل التي تتعشى هاجتها فأكلت ، وحوزها جمعها للعلف ليمنع الضيف ، وهو خصيب لانها لا تحلب وهي تعلف.

٢٩٦

أنه يقول مررت به المسكين على البدل وفيه معنى الترحّم وبدله كبدل مررت به أخيك.

وقال : [رجز]

(١) فأصبحت بقرقرى كوانسا

فلا تلمه أن ينام البائسا

وكان الخليل يقول ان شئت رفعته من وجهين فقلت مررت به البائس كأنه لما قال مررت به قال المسكين هو كما يقول مبتدئا المسكين هو والبائس أنت ، وان شاء قال مررت به المسكين كما قال :

(٢) * بنا تميما يكشف الضّباب*

وفيه معنى الترحم ، كما كان في قوله رحمة الله عليه معنى رحمه‌الله فما يترحّم به يجوز فيه هذان الوجهان وهو قول الخليل ، وقال أيضا يكون مررت به المسكين على المسكين مررت به وهذا بمنزلة لقيته عبد الله إذا أراد عبد الله لقيته وهذا في الشعر كثير ، وأما يونس فيقول مررت به المسكين على قوله مررت به مسكينا ، وهذا لا يجوز لأنه لا ينبغي أن يجعله حالا ويدخل فيه الألف واللام ، ولو جاز هذا لجاز مررت بعبد الله الظريف تريد ظريفا ، ولكنك ان شئت حملته على أحسن من هذا كأنه قال لقيت المسكين لأنه اذا قال مررت بعبد الله فهو عمل ، كأنه أضمر عملا وكأن الذين حملوه على هذا انما حملوه عليه فرارا من أن يصفوا المضمر وكان حملهم إيّاه على الفعل أحسن ، وزعم الخليل أنه يقول إنه المسكين أحمق على الاضمار الذي جاز في مررت كأنه قال إنه هو المسكين أحمق وهو ضعيف وجاز هذا أن يكون فصلا بين الاسم والخبر لأنه فيه معنى المنصوب الذي أجريته مجرى إنّا تميما ذاهبون ، فاذا قلت بي المسكين كان الأمر أو بك

__________________

(٣٧٨) الشاهد فيه نصب البائس باضمار فعل على معنى الترحم وهو فعل لا يظهر كما تقدم في المدح والذم* وصف ابلا بركت بعد الشبع فنام راعيها لأنه غير محتاج الى رعيها وقرقرى موضع خصب باليمامة ، وأصل الكنوس للظباء ، وبقر الوحش فاستعاره للابل ، والبائس الفقير المحتاج ، ويستعمل لمعنى الترحم كما يستعمل المسكين.

(٣٧٩) الشاهد فيه نصب تميم باضمار فعل على معنى الاختصاص والفخر وضرب الضباب مثلا لغمة الامر وشدته أي بنا تكشف الشدائد في الحرب وغيرها.

٢٩٧

المسكين مررت فلا يحسن البدل لأنك اذا عنيت المخاطب أو نفسك فلا يجوز أن يكون لا يدري من تعني لأنك لست تحدّث عن غائب ولكنك تنصبه على قولك بنا تميما ، وان شئت رفعته على ما رفعت عليه ما قبله فهذا المعنى يجري على هذين الوجهين والمعنى واحد ، كما اختلف اللفظان في أشياء كثيرة والمعنى واحد ، وأما يونس فزعم أنه ليس يرفع شيئا من الترحم على إضمار شيء يرفع ولكنه ان قال ضربته لم يقل إبدا إلا المسكين يحمله على الفعل وان قال ضرباني قال المسكينان حمله أيضا على الفعل وكذلك مررت به المسكين يحمل الرفع على الرفع والجرّ على الجرّ والنصب على النصب ويزعم أنّ الرفع الذي فسّرنا خطأ وهو قول الخليل وابن أبي اسحق.

[باب ما ينتصب لأنه خبر للمعروف المبني على ما هو قبله من الأسماء المبهمة]

والأسماء المبهمة هذا وهذان وهاتان وهؤلاء ، وذاك وذانك وتلك وتانك وتيك وأولئك ، وهو وهي وهما وهم وهنّ وما أشبه هذه الأسماء وما ينتصب لأنه خبر للمعروف المبني على الأسماء غير المبهمة ، فأما المبني على الأسماء المبهمة فقولك هذا عبد الله منطلقا ، وهؤلاء قومك منطلقين ، وذاك عبد الله ذاهبا ، وهذا عبد الله معروفا ، فهذا اسم مبتدأ ليبني عليه ما بعده ، وهو عبد الله ولم يكن ليكون هذا كلاما حتى يبنى عليه أو يبنى على ما قبله ، فالمبتدأ مسند والمبنيّ عليه مسند اليه ، فقد عمل هذا فيما بعده كما يعمل الجارّ والفعل فيما بعده ، والمعنى أنك تريد أن تنبّهه له منطلقا لا تريد أن تعرّفه عبد الله لأنك ظننت أنه يجهله ، فكأنك قلت أنظر اليه منطلقا فمنطلق حال قد صار فيها عبد الله وحال بين منطلق وهذا كما حال بين راكب والفعل حين قلت جاء عبد الله راكبا صار جاء لعبد الله وصار الراكب حالا ، فكذلك هذا ، وذاك بمنزلة هذا ، إلا أنك اذا قلت ذاك فأنت تنبّهه لشيء متراخ ، وهؤلاء بمنزلة هذا ، وأولئك بمنزلة ذاك وتلك بمنزلة ذاك ، فكذلك هذه الأسماء المبهمة التي توصف بالأسماء التي فيها الألف واللام وأما هو فعلامة مضمر وهو مبتدأ وحال ما بعده كحاله بعد هذا ، وذلك قولك هو زيد معروفا فصار المعروف حالا وذلك أنك ذكرت للمخاطب انسانا كان يجهله أو ظننت أنه يجهله فكأنك

٢٩٨

قلت انتبه أو الزمه معروفا ، فصار المعروف حالا كما كان المنطلق حالا حين قلت هذا زيد منطلقا ، والمعنى أنك أردت أن توضح أنّ المذكور زيد حين قلت معروفا ، ولا يجوز أن تذكر في هذا الموضع إلا ما أشبه المعروف لأنه يعرّف ويؤكّد فلو ذكرهنا الانطلاق كان غير جائز ، لأنّ الانطلاق لا يوضح أنه زيد ولا يؤكّده ومعنى قوله معروفا ، لا شكّ وليس ذا في منطلق ، وكذلك هو الحقّ بيّنا ومعلوما لأنّ ذا مما يوضح ويؤكّد به الحقّ ، وكذلك هي وهما وهنّ وأنا وإنّه ، قال ابن دارة : [بسيط]

(١) أنا ابن دارة معروفا بها نسبي

وهل بدارة يا للنّاس من عار

وقد يكون هذا وصواحبه بمنزلة هو يعرّف به ، تقول هذا عبد الله فآعرفه إلا أنّ هذا ليس علامة للمضمر ولكنك أردت أن تعرّف شيئا بحضرتك وقد تقول هو عبد الله وأنا عبد الله فاخرا أو موعدا أي اعرفني بما كنت تعرف وبما كان يبلغك عني ثم يفسّر الحال التي كان يعلمه عليها أو تبلغه فيقول أنا عبد الله كريما جوادا ، وهو عبد الله شجاعا بطلا ، ويقول إني عبد الله مصغّرا نفسه لربّه ثم يفسّر حال العبيد فيقول آكلا كما يأكل العبد وشاربا كما يشرب العبد ، واذا ذكرت شيئا من هذه الأسماء التي هي علامة للمضمر فانه محال أن يظهر بعدها الاسم اذا كنت تخبر عن عمل أو صفة غير عمل ولا تريد أن تعرّفه بأنه زيد أو عمرو وكذلك اذا لم توعد ولم تفخر أو تصغّر نفسك لأنك في هذه الاحوال تعرّف ما ترى أنه قد جهل أو تنزل المخاطب منزلة من يجهل فخرا أو تهدّدا أو وعيدا ، فصار هذا كتعريفك إياه باسمه ، وأنما ذكر الخليل هذا لتعرف هذا لتعرف ما يحال منه وما يحسن ، فان النحويّين يتهاونون بالخلف اذا عرفوا الاعراب وذلك أنّ رجلا من إخوانك ومعرفتك لو أراد أن يخبرك عن نفسه أو عن غيره بأمر فقال أنا عبد الله منطلقا وهو زيد منطلقا كان محالا لأنه انما أراد أن يخبرك

__________________

(٣٨٠) الشاهد في قوله معروفا ونصبه على الحال المؤكد له لأنه اذ قال أنا ابن دارة فقد عرف بهذا النسب ، ثم قال معروفا بها نسبي توكيدا ، ودارة أمه واسم أبيه مسافع وهو من بني عبد الله بن غطفان من قيس.

٢٩٩

بالانطلاق ولم يقل هو ولا أنا حتى استغنيت أنت عن التسمية لأنّ هو وأنا علامتان للمضمر وانما يضمر اذا علم أنك قد عرفت من يعني إلا أن رجلا لو كان خلف حائط أو في موضع تجهله فيه فقلت من أنت فقال أنا زيد منطلقا في حاجتك كان حسنا ، وأما ما ينتصب لأنه خبر لمبني على اسم غير مبهم فقولك أخوك عبد الله معروفا ، هذا يجوز فيه جميع ما جاز في الاسم الذي بعد هو وأخواتها.

[باب ما غلبت فيه المعرفة النكرة]

وذلك في قولك هذان رجلان وعبد الله منطلقين وانما نصبت المنطلقين لأنه لا سبيل الى أن يكون صفة لعبد الله ولا أن يكون صفة للاثنين فلما كان ذلك محالا جعلته حالا صاروا فيها كأنك قلت هذا عبد الله منطلقا ، وهذا شبيه بقوله هذا رجل مع امرأة قائمين ، وان شئت قلت هذان رجلان وعبد الله منطلقان لأنّ المنطلقين في هذا الموضع من اسم الرجلين فجريا عليه ، وتقول هؤلاء ناس وعبد الله منطلقين اذا خلطتهم ، ومن قال هذان رجلان وعبد الله منطلقان قال هؤلاء ناس وعبد الله منطلقون لأنه لم يشرك بين عبد الله وبين ناس في الانطلاق ، وتقول هذه ناقة وفصيلها راتعين ، وقد يقول بعضهم هذه ناقة وفصيلبا راتعان وهذا شبيه بقول من قال كلّ شاة وسخلتها بدرهم إنما يريد كلّ شاة وسخلة لها بدرهم ، ومن قال كلّ شاة وسخلتها فجعله بمنزلة كلّ رجل وعبد الله منطلقا لم يقل في الراتعين إلا بالنصب لأنه انما يريد حينئذ المعرفة ولا يريد أن يدخل السخلة في كل لأن كل لا يدخل في ذا الموضع الا على النكرة ، والوجه كلّ شاة وسخلتها بدرهم ، وهذه ناقة وفصيلها راتعين لأن هذا أكثر في كلامهم وهو القياس والوجه الآخر قد قاله بعض العرب.

[باب ما يجوز فيه الرفع مما ينتصب في المعرفة]

وذلك قولك هذا عبد الله منطلق حدّثنا بذلك يونس وأبو الخطّاب عمن يوثق به من العرب ، وزعم الخليل أنّ رفعه يكون على وجهين ، فوجه أنك حين قلت هذا عبد الله ضمأرت هذا أو هو كأنك قلت هذا منطلق أو هو منطلق ، والوجه الآخر أن تجعلهما

٣٠٠