كتاب سيبويه - ج ١

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]

كتاب سيبويه - ج ١

المؤلف:

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٨٢

كلّ الرجل ومررت بالرجل كلّ الرجل ، فان قلت هذا عبد الله كلّ الرجل أو هذا أخوك كلّ الرجل فليس في الحسن كالألف واللام ، لأنك انما أردت بهذا الكلام هذا الرجل المبالغ في الكمال ، ولم ترد أن تجعل كلّ الرجل شيئا تعرّف به ما قبله وتبيّنه للمخاطب كقولك هذا زيد فاذا خفت أن يكون لم يعرف قلت الطويل ، ولكنك بنيت هذا الكلام على شيء قد أثبتّ معرفته ثم أخبرت أنه مستكمل الخصال ، ومثل ذلك قولك هذا العالم حقّ العالم وهذا العالم كلّ العالم إنما أراد أنه مستحق للمبالغة في العلم ، فاذا قال هذا العالم جدّ العالم فهو يريد معني هذا عالم جدا ، أي هذا قد بلغ الغاية في العلم ، فجرى هذا الباب في الألف واللام مجراه في النكرة اذا قلت هذا رجل كلّ رجل وهذا عالم حقّ عالم. وهذا عالم جدّ عالم ، ويدلّك على أنه لا يريد أن يثبّت بقوله كلّ الرجل الأوّل أنه لو قال هذا كلّ الرجل كان مستغنيا به ولكنه ذكر الرجل توكيدا كقولك هذا رجل رجل صالح ، ولم يرد أن يبيّن بقوله كلّ الرجل ما قبل الرجل كما يبين زيدا اذا خاف أن يلتبس فلم يرد ذلك بالألف واللام ، وانما هذا ثناء يحضرك عند ذكرك إياه ، ومن الصفة قولك ما يحسن بالرجل مثلك أن يفعل ذلك ، وما يحسن بالرجل خير منك أن يفعل ذلك ، وزعم الخليل أنه انما جرّ هذا على نية الألف واللام ولكنه موضع لا تدخله الألف واللام كما كان الجمّاء الغفير منصوبا على نية إلغاء الألف واللام نحو طرّا وقاطبة والمصادر التي تشبهها ، وزعم أنه لا يجوز في ما يحسن بالرجل شبيه بك الجرّ لأنك تقدر فيه على الألف واللام ، وقال أمّا قولهم مررت بغيرك مثلك وبغيرك خير منك فهو بمنزلة مررت برجل غيرك خير منك لأنّ غيرك ومثلك وأخواتها يكنّ نكرة ، ومن جعلهن معرفة قال مررت بمثلك خيرا منك ، وان شاء خير منك على البدل ، وهذا قول يونس والخليل.

واعلم أنه لا يحسن ما يحسن بعبد الله مثلك على هذا الحدّ ألا ترى أنه لا يجوز ما يحسن بزيد خير منك لأنه بمنزلة كلّ الرجل في هذا ، فان قلت مثلك وأنت تريد أن تجعله المعروف بشبهه جاز وصار بمنزلة أخيك ، ولا يجوز في خير منك لأنه نكرة فلا يثبت به

٢٦١

المعرفة ولم يرد في قوله ما يحسن بالرجل خير منك أن يثبت له شيئا بعينه ثم يعرّفه به اذا خاف التباسا.

واعلم أنّ المنصوب والمرفوع يجرى معرفتهما ونكرتهما في جميع الأشياء كالمجرور.

[باب بدل المعرفة من النكرة والمعرفة من المعرفة وقطع المعرفة من المعرفة مبتدأة]

أمّا بدل المعرفة من النكرة فقولك مررت برجل عبد الله كأنه قيل له بمن مررت أو ظنّ أنه يقال له ذلك فأبدل مكانه ما هو أعرف منه ، ومثل ذلك قوله عزوجل (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللهِ)، وإن شئت قلت ومررت برجل عبد الله كأنه قيل لك من هو أو ظننت ذلك ، ومن البدل أيضا مررت بقوم عبد الله وزيد وخالد والرفع جيّد وقال الشاعر (وهو بعض الهذليّين وهو صخر الغيّ) : [بسيط]

(١) ياميّ إن تفقدي قوما ولدتهم

أو تخلسيهم فانّ الدهر خلّاس

عمرو وعبد مناف والذي عهدت

ببطن عرعر آبي الضّيم عبّاس

والرفع فيه قويّ لأنه لم ينقض معنى كما فعل ذلك في النكرة وأما المعرفة التي تكون بدلا من المعرفة فهو كقولك مررت بعبد الله زيد إما غلطت فتداركت وإما بدالك أن تضرب عن مرورك بالأول وتجعله للآخر وإما الذي يجيء مبتدأ فقول الشاعر (وهو مهلهل) : [كامل]

__________________

(٣٣٦) الشاهد في قطع عمرو وما بعده مما قبله ، وحمله على الابتداء ولو نصب على البدل من القوم لجاز ، ومعنى تخلسيهم تستلبيهم ، والخلس أخذ الشىء سرعة أى ان أفقدك الدهر اياهم فذلك شأنه ، وأراد بعمرو عمرو بن عبد مناف بن قصى وهو هاشم بن عبد مناف وسمى هاشما لهشمة الثريد لقومه في مجاعة أصابتهم ، وأراد بالعباس العباس بن عبد المطلب رضي‌الله‌عنه ، وانما ذكرهم وقال ولدتهم لما بين هذيل وقريش من القرابة في النسب والدار لأنهم كلهم من ولد مدركة بن الياس بن مضر ، ومحل هذيل بعرفة وما يتصل بها.

٢٦٢

(١) ولقد خبطن بيوت يشكر خبطة

أخوالنا وهم بنو الأعمام

كأنه حين قال خبطن بيوت يشكر قيل له ما هم فقال أخوالنا وهم بنو الأعمام وقد يكون مررت بعبد الله أخوك كأنه قيل له من هو أو من عبد الله فقال أخوك.

وقال الفرزدق : [طويل]

(٢) ورثت أبي أخلاقه عاجل القرى

وعبط المهاري كومها وشبوبها

كأنه قيل له أيّ المهاري فقال كومها وشبوبها ، وتقول مررت برجل الأسد شدّة كأنك قلت مررت برجل كامل لأنك أردت أن ترفع شأنه ، وإن شئت استأنفت كأنه قيل له ما هو ، ولا يكون صفة كقولك مررت برجل أسد شدّة ، لأن المعرفة لا توصف بها النكرة ولا يجوز أن توصف بنكرة أيضا لما ذكرت لك ، والابتداء في التبعيض أقوى ، وهذا عربي جيّد قوله أخوالنا ، وقد جاء في النكرة في صفتها فهو في ذا أقوى وقال الراجز :

(٣) وساقيين مثل زيد وجعل

صقبان ممشوقان مكنوز العضل

__________________

(٣٣٧) الشاهد فيه قطع الاخوال مما قبلها وحملها على الابتداء لأنه لما قال بيوت يشكر توهم أن يقال له ومن هم فقال أخوالنا أي هم أخوالنا وهم بنو أعمامنا لأن يشكر من بكر بن وائل ومهلهل من تغلب بن وائل وأراد بالبيوت القبائل والأحياء.

(٣٣٨) الشاهد فيه قطع الكوم وما بعدها مما قبلها وحملها على الابتداء ، ولو خفضت على البدل لجاز ، والكوم جمع كوماء وهي العظيمة السنام والعبط أن تنحر لغير علة ، ومنه اعتبط الرجل اذا مات شابا ، والمهارى جمع مهرية وهي الناقة نسبت الى مهرة بن حيدان حىّ من قضاعة ، فابلهم معروفة بالنجابة ، والشبوب المسنة وأكثر ما يستعمل في الثور الوحشي واستعاره للناقة ويروى وشنونها بنونين وهو أصح ، والشنون التي أخذت في السمن ولم تنته فيه ، ونصب أخلاقه على البدل من الأب ، ويجوز أن يكون مفعولا بورثت على تقدير ورثت من أبي أخلاقه.

(٣٣٩) الشاهد في قطع الصقبين وما بعدهما وحملهما على الابتداء ، ولو خفضا على البدل من الاسمين قبلهما لجاز إلا أنه اضطر الى التزام الرفع لقوله مكنوزا العضل ، ولو جر فقال ـ

٢٦٣

[باب ما تجري عليه صفة ما كان من سببه وصفة ما التبس به أو بشيء من سببه]

«كمجرى صفته التي خلصت له»

هذا ما كان من ذلك عملا ، وذلك قولك مررت برجل ضارب أبوه رجلا ومررت برجل ملازم أبوه رجلا ، ومن ذلك أيضا مررت برجل ملازم أباه رجل ، ومررت برجل مخالط أباه داء ، فالمعنى فيه على وجهين إن شئت جعلته يلازمه ويخالطه فيما يستقبل ، وان شئت جعلته عملا كائنا في حال مرورك ، وإن ألقيت التنوين وأنت تريد معناه جرى مثله اذا كان منوّنا ، ويدلّك على ذلك أنك تقول مررت برجل ملازمك فيحسن ويكون صفة للنكرة بمنزلته اذا كان منوّنا حين قلت مررت برجل ملازم أباه رجل وحين قلت مررت برجل ملازم أبيه رجل فكأنك قلت في جميع هذا مررت برجل ملازم أباه ومررت برجل ملازم أبيه لأنّ هذا يجري مجرى الصفة التي تكون خالصة للأول ، وتقول مررت برجل مخالط جسمه أو بدنه داء ، فان ألقيت التنوين جرى مجرى الأوّل اذا أردت ذلك المعنى ولكنك تلقى التنوين تخفيفا ، فان قلت مررت برجل مخالطه داء وأردت معنى التنوين جرى على الأوّل كأنك قلت مررت برجل مخالط ايّاه داء ، فهذا تمثيل وان كان يقبح في الكلام ، فاذا كان يجري عليه اذا التبس بغيره فهو اذا التبس به أحرى أن يجرى عليه ، وإن زعم زاعم انه يقول مررت برجل مخالط بدنه داء ففرق بينه وبين المنوّن ، قيل له ألست تعلم أن الصفة اذا كانت للأول فالتنوين وغير التنوين سواء اذا أردت باسقاط التنوين معنى التنوين نحو قولك مررت برجل ملازم أباك ومررت برجل ملازم أبيك وملازمك فانه لا يجد بدّا من أن يقول نعم وإلا خالف جميع العرب والنحويين ، وإذا قال ذلك قلت أفلست تجعل هذا العمل اذا كان منونا وكان لشيء من سبب الأول أو

__________________

ـ مكنوزي العضل لانكسر الشعر والصقبان الطويلان والصقب عمود من أعمدة الخباء فشبه الطويل به ، والممشوق الضريب اللحم الطويل ، والمكنوز الشديد اللحم ، والعضل جمع عضلة وهي لحمة الساق ، والعضد ونحوهما مما فيه العصب.

٢٦٤

التبس به بمنزلته اذا كان للأول فانه قائل نعم وكأنك قلت مررت برجل ملازم فاذا قال ذلك قلت له فما بال التنوين وغير التنوين استويا حيث كانا للأول ، واختلفا حيث كانا للآخر وقد زعمت أنه يجري عليه اذا كان للآخر كمجراه اذا كان للأول ولو كان كما يزعمون لقلت مررت بعبد الله الملازمة أبوه ، لأن الصفة المعرفة تجرى على المعرفة كمجرى الصفة النكرة على النكرة ، ولو أنّ هذا القياس لم تكن العرب الموثوق بعربيتهم تقوله لم يلتفت اليه ولكنّا سمعناها تنشد هذا البيت جرا (وهو قول ابن ميادة المرّى من غطفان) : [كامل]

(١) وارتشن حين أردن أن يرميننا

نبلا مقذّذة بغير قداح

ونظرن من خلل السّتور بأعين

مرضى مخالطها السّقام صحاح

سمعنا من العرب من يرويه ويروى القصيدة التي فيها هذا البيت لم يلقّنه أحد هكذا ، وأنشد غيره من العرب بيتا آخر فأجروه هذا المجرى (وهو قول الاخطل) [طويل]

(٢) حمين العراقيب العصا وتركنه

به نفس عال مخالطه بهر

فالعمل الذي لم يقع والعمل الواقع الثابت في هذا الباب سواء ، وهو القياس وقول العرب ، فان زعموا أن ناسا من العرب ينصبون هذا فهم ينصبون به داء مخالطه ، وهو

__________________

(٣٤٠) الشاهد في حمل مخالطها على الأعين وهي نكرة لما فيه من نية التنوين والخروج عن الاضافه ولذلك جرى مجرى الفعل فرفع ما بعده* وصف نساء يصبن القلوب بفتور أعينهن وحسنهن فجعل نظرهن كالسهام ، وجعل أشفارهن كالريش ، ثم حقق أنهن غير سهام فقال نبلا بلا ريش ولا بقداح ، ووصف عيونهن بالمرض لفتور جفونهن ثم بين أن فتورها لغير علة فقال صحاح ، وخلل الخدور فرجها أي هن مصونات لا ينظرن الا من وراء حجاب.

(٣٤١) الشاهد في قوله مخالطه بهرو جريه على قوله نفس لما فيه من نية التنوين كما تقدم والبهر مرتفع به على هذا التقدير ، ويجوز أن يكون رفعهما على الابتداء والخبر* وصف رواحل تحدي فيقول تحمى عراقيبها من عصا الحادي لسرعتها وهو يسرع في آثارها فقد علا نفسه وبهر لذلك.

٢٦٥

صفة للأول وتقول هذا غلام لك ذاهبا ، ولو قال مررت برجل قائما جاز فالنصب على هذا ، وانما ذكرنا هذا لأنّ ناسا من النحوبين يفرقون بين التنوين وغير التنوين ، ويفرقون اذا لم ينّونوا بين العمل الثابت الذي ليس فيه علاج يرونه نحو الآخذ واللازم والمخالط وما أشبهه وبين ما كان علاجا يرونه نحو الضارب والكاسر فيجعلون هذا رفعا على كل حال ويجعلون اللازم وما أشبهه نصبا اذا كان واقعا ويجرونه على الأول اذا كان غير واقع ، وبعضهم يجعله نصبا اذا كان واقعا ويجعله على كل حال رفعا اذا كان غير واقع ، وهذا قول يونس والأول قول عيسى ، فاذا جعله اسما لم يكن فيه إلا الرفع على كل حال ، تقول مررت برجل ملازمه رجل أي مررت برجل صاحب ملازمته رجل فصار هذا كقولك مررت برجل أخوه رجل ، وتقول على هذا الحد مررت برجل ملازموه بنو فلان فقولك ملازموه يدلّك على أنه اسم ولو كان عملا لقلت مررت برجل ملازمه قومه كأنك قلت مررت برجل ملازم إياه قومه أى قد لزم إياه قومه.

[باب ما جرى من الصفات غير العمل على الاسم الأول اذا كان لشيء من سببه]

وذلك قولك مررت برجل حسن أبوه ومررت برجل كريم أخوه وما أشبه هذا نحو المسلم والصالح والشيخ والشاب ، وإنما أجريت هذه الصفات على الأول حتى صارت كأنها له لأنك قد تضعها في موضع اسمه فيكون منصوبا ومجرورا ومرفوعا والنعت لغيره ، وذلك قولك مررت بالكريم أبوه ولقيت موسّعا عليه الدنيا ، وأتاني الحسنة أخلاقه ، فالذي أتيت والذي أتاك غير صاحب الصفة وقد وقع موقع اسمه وعمل فيه ما كان عاملا فيه ، وكأنك قلت مررت بالكريم ولقيت موسّعا عليه وأتاني الحسن فكما جرى مجرى اسمه كذلك جرى مجرى صفته.

[باب الرفع فيه وجه الكلام وهو قول العامة]

وذلك قولك مررت بسرج خز صفّته ومررت بصحيفة طين خاتمها ،

٢٦٦

ومررت برجل فضّة حلية سيفه ، وإنما كان الرفع في هذا أحسن من قبل أنه ليس بصفة لو قلت له خاتم حديد ، او هذا خاتم طين كان قبيحا ، انما الكلام أن تقول هذا خاتم حديد وصفة خز وخاتم من حديد وصفّة من خز ، فكذلك هذا وما أشبهه ، ويدلك أيضا على أنه ليس بمنزلة حسن وكريم أنك تقول مررت بحسن أبوه وقد مررت بالحسن أبوه فصار هذا بمنزلة اسم واحد كأنك قلت مررت بحسن اذا جعلت الحسن للمرور به ، فمن ثم أيضا قالوا مررت برجل حسن أبوه ومررت برجل ملازمه أبوه ، كأنهم قالوا مررت برجل حسن وبرجل ملازمه ولا تقول مررت بخزّ صفّته ولا بطين خاتمه لأنّ هذا اسم ، وقد يكون في الشعر هذا خاتم طين وصفّة خز مستكرها ، فالجرّ يكون في مررت بصحيفة طين خاتمها على هذا الوجه ، ومن العرب من يقول مررت بقاع عرفج كلّه يجعلونه كأنه وصف.

[باب ما جرى من الأسماء التي تكون صفة مجرى الأسماء التي لا تكون صفة]

وذلك أفعل منه ومثلك وأخواتهما وحسبك من رجل وسواء عليه الخير والشرّ وأيّما رجل وأبو عشرة وأب لك وأخ لك وصاحب لك وكلّ رجل ، وأفعل شيء نحو خير شيء وأفضل شيء وأفعل ما يكون وأفعل منك ، وانما صار هذا بمنزلة الأسماء التي لا تكون صفة من قبل أنها ليست بفاعلة وأنها ليست كالصفات غير الفاعلة ، نحو حسن وطويل وكريم من قبل أن هذه تفرد وتؤنّث بالهاء كما يؤنّث فاعل ، ويدخلها الألف واللام وتضاف الى ما فيه الألف واللام ، وتكون نكرة بمنزلة الاسم الذي يكون فاعلا حين تقول هذا رجل ملازم الرجل ، وذلك قولك هذا حسن الوجه ومع ذلك أنّك تدخل على حسن الوجه الألف واللام فتقول الحسن الوجه كما تقول الملازم الرجل فحسن وما أشبهه يتصرّف هذا التصرّف ولا تستطيع أن تفرد شيئا من هذه الأسماء الأخر لو قلت هذا رجل خير وهذا رجل أفضل ، وهذا رجل أب لم يستقم ولم يكن حسنا وكذلك أي ، لا تقول هذا رجل أي فلمّا أضفتهنّ وأوصلت اليهنّ شيئا حسنّ وتممن به فصارت الاضافة وهذه اللواحق تحسّنه ولا تستطيع أن تدخل

٢٦٧

الألف واللام على شيء منها كما أدخلت ذلك على الحسن الوجه ، ولا تنوّن ما تنوّن منه على حد تنوين الفاعل فتكون بالخيار في حذفه وتركه ، ولا تؤنّث كما تؤنّث الفاعل فلم يقو قوّة الحسن اذا لم يفرد إفراده ، فلمّا جاءت مضارعة للاسم الذي لا يكون صفة البتّة إلا مستكرها كان الوجه عندهم فيه الرفع اذا كان النعت للآخر ، وذلك قولك مررت برجل حسن أبوه ، ومع ذلك أيضا أنّ الابتداء يحسن فيهنّ ، تقول خير منك زيد وأبو عشرة زيد ، وسواء عليه الخير والشرّ ، ولا يحسن الابتداء في قولك حسن زيد ، فلمّا جاءت مضارعة للأسماء التي لا تكون صفة وقويت في الابتداء كان الوجه فيها عندهم الرفع ، اذا كان النعت للآخر ، وذلك قولك مررت برجل خير منك أبوه ، ومررت برجل سواء عليه الخير والشرّ ومررت برجل أب لك صاحبه ومررت برجل حسبك من رجل هو ، ومررت برجل أيّما رجل هو ، وإن قلت مررت برجل حسبك به من رجل رفعت أيضا ، وزعم الخليل أنّ به هيهنا بمنزلة هو ولكنّ هذه الباء دخلت هيهنا توكيدا كما قال كفي الشيب والاسلام وكفي بالشيب والاسلام ، فان قلت مررت برجل شديد عليه الحرّ والبرد جررت من قبل أن شديدا قد يكون صفة وحده مستغنيا عن عليه وعن ذكر الحرّ والبرد ويدخل في جميع ما دخل الحسن ، واذا قلت مررت برجل سواء في الخير والشرّ جررت لأنّ هذا من صفة الأول فصار كقولك مررت برجل خير منك ، وان قلت مررت برجل مستو عليه الخير والشرّ جررت أيضا لأنه صار عملا بمنزلة قولك مررت برجل مفضّض سيفه ومررت برجل مسموم شرابه ، ويدخله جميع ما يدخل الحسن ، فاذا قلت سمّ وفضّة رفعت ، وتقول مررت برجل سواء أبوه وأمّه اذا كنت تريد أنه عدل ، وتقول مررت برجل سواء درهمه كأنك قلت تمام درهمه ، وزعم يونس أنّ ناسا من العرب يجرّون هذا كما يجرّون مررت برجل خزّ صفّته ، ومما يقوّيك في رفع هذا أنك لا تقول مررت بخير منه أبوه ولا بسواء عليه الخير والشرّ كما تقول بحسن أبوه ، وتقول مررت برجل كلّ ماله درهمان لا يكون فيه إلا الرفع ، لأنّ كلّ مبتد والدرهمان مبنيان عليه فان أردت به ما أردت

٢٦٨

بقولك مررت برجل أبي عشرة أبوه جاز لأنه قد يوصف به ، تقول هذا مال كلّ مال وليس استعماله وصفا بقوّة أبي عشرة ولا كثرته ، وليس بأبعد من مررت برجل خزّ صفّته ولا قاع عرفج كلّه ، ومن جواز الرفع في هذا الباب أنّى سمعت رجلين من العرب عربيّين يقولان كان عبد الله حسبك به رجلا وهذا أقرب الى أن يكون فيه الاجراء على الأوّل اذا كان في الخزّ والفضّة لأنّ هذا يوصف به ولا يوصف بالخزّ ونحوه.

[باب ما يكون من الأسماء صفة مفردا وليس بفاعل ولا صفة تشبّه بالفاعل]

«كالحسن وأشباهه»

وذلك قولك مررت بحيّة ذراع طولها ومررت بثوب سبع طوله ومررت برجل مائة إبله ، فهذه تكون صفات كما كانت خير منك صفة ، يدلّك على ذلك قول العرب أخذ بنو فلان من بني فلان إبلا مائة ، فجعلوا مائة وصفا ، وقال الشاعر (وهو الأعشي) : [طويل]

(١) لئن كنت في جب ثمانين قامة

ورقّيت أسباب السماء بسلّم

فاختير الرفع فيه لأنك تقول ذراع الطول ، ولا تقول مررت بذراع طوله ، وبعض العرب يجرّه كما يجرّ الخزّ حين يقول مررت برجل خز صفّته ، ومنهم من يجره وهو قليل كما تقول مررت برجل اسد ابوه ، اذا كنت تريد أن تجعله شديدا ، ومررت برجل مثل الأسد أبوه ، اذا كنت تشبّهه ، فان قلت مررت بدابة أسد أبوها فهو رفع لأنك إنما تخبر أنّ أباها هذا السّبع ، فان قلت مررت

__________________

(٣٤٢) الشاهد فيه جرى الثمانين على الجب نعتا له لأنها تنوب مناب طويل وعميق ونحوه فكأنه قال في جب بعيد القعر طويل* يقول هذا ليزيد بن مسهر الشيباني متوعدا له بالهجاء ، والحرب أي لا ينجيك مني بعدك وضرب رقيه في السماء وهويه تحت الأرض مثلا ، والأسباب الأبواب لأنها تؤدي الى ما بعدها ، وكل ما أدى الى غيره فهو سبب ، وأصل السبب الحبل لانه يوصل الى الماء ونحوه مما يبعد مرامه.

٢٦٩

برجل أسد أبوه على هذا المعنى رفعت إلا أنك لا تجعل أباه خلقه كخلقه الأسد ولا صورته ، هذا لا يكون ولكنه يجيء كالمثل ، ومن قال مررت برجل أسد أبوه قال مررت برجل مائة ابله ، وزعم يونس أنه لم يسمعه من ثقة ولكنهم يقولون هو نار حمرة لأنهم قد يبنون الأسماء على المبتدإ ولا يصفون بها فالرفع فيه الوجه ، والرفع فيه أحسن وإن كنت تريد معنى أنه مبالغ في الشدة لأنه ليس بوصف ، ومثل ذلك مررت برجل رجل أبوه ، اذا أردت معنى أنه كامل ، وجرّه كجر الأسد ، وقد تقوله على غير هذا المعنى تقول مررت برجل رجل أبوه تريد رجلا واحدا لا أكثر من ذلك ، وقد يجوز على هذا الحدّ مررت برجل حسن أبوه ، وهو فيه أبعد لأنه صفة مشبّهة بالفاعل ، وإن وصفته فقلت مررت برجل حسن ظريف أبوه فالرفع فيه الوجه والحدّ ، والجرّ فيه قبيح لأنه يفصل بوصف بينه وبين العامل ، ألا ترى أنك لو قلت مررت بضارب ظريف زيدا وهذا ضارب عاقل أباه كان قبيحا لأنه وصفه فجعل حاله كحال الأسماء لأنك إنما تبتدىء بالاسم ثم تصفه ، وان قلت مررت برجل شديد رجل أبوه فهو رفع لأن هذا وان كان صفة فقد جعلته في هذا الموضع اسما بمنزلة أبي عشرة يقبح فيه ما يقبح في أبي عشرة ، ومن قال مررت برجل شديد رجل أبوه ، ومن قال مررت برجل حسن الوجه أبوه فليس بمنزلة أبي عشرة لأن قولك حسن الوجه أبوه بمنزلة قولك مررت برجل حسن الوجه ، فصار هذا بدخول التنوين يشبه ضاربا اذا قلت مررت برجل ضارب أباه ، وأبو عشرة لا يدخله التنوين ولا يجري مجرى الفعل ولكنك ألقيت التنوين استخفافا فصار بمنزلة قولك مررت برجل ملازم أباه رجل ، ومررت برجل ملازم أبيه رجل اذا أردت معنى التنوين فكأنك قلت مررت برجل حسن أبوه ، وتقول مررت بالرجل الحسن الوجه أبوه كما تقول مررت بالرجل الملازمه أبوه فصار حسن الوجه بمنزلة حسن وملازم أباه بمنزلة ملازم ، وليس هذا بمنزلة أبي عشرة وخير منك ، ألا ترى أنك لا تقول مررت بخير منه أبوه ، ولا تقول بأبي عشرة أبوه كما لا تقول مررت بالطين خاتمه ، وأما مررت

٢٧٠

برجل سواء والعدم فهو قبيح حتى تقول هو والعدم لأن في سواء اسما مضمرا مرفوعا كما تقول مررت بقوم عرب أجمعون ، فارتفع اجمعون على مضمر في عرب بالنيّة فهي هيهنا معطوفة على المضمر وليست بمنزلة أبي عشرة ، فان تكلمت به على قبحه رفعت العدم وإن جعلته مبتدءا رفعت سواء ، وتقول ما رأيت رجلا أبغض اليه الشرّ منه اليه ، وما رأيت أحدا أحسن في عينه الكحل منه في عينه وليس هذا بمنزلة خير منه أبوه لأنه مفضّل الأب على الاسم في من وأنت في قولك أحسن في عينه الكحل منه في عينه لا تريد أن تفضّل الكحل على الاسم الذي في من ولا تزعم أنه قد نقص عن أن يكون مثله ، ولكنك زعمت أن للكحل هيهنا عملا وهيئة ليست له في غيره من المواضع ، فكأنك قلت ما رأيت رجلا عاملا في عينه الكحل كعمله في عين زيد وما رأيت رجلا مبغّضا اليه الشرّ كما بغّض الى زيد ، ويدلك على أنه ليس بمنزلة خير منه أبوه أن الهاء التي تكون في من هي الكحل والشرّ كما أنّ الاضمار الذي في عمله وبغّض هو الكحل والشرّ ، ومما يدلك على أنه على أوله ينبغي أن يكون أن الابتداء فيه محال أنك لو قلت أبغض اليه منه الشّر لم يجز ولو قلت خير منه أبوه جاز ، ومن ذلك ما من أيام أحبّ الى الله فيها الصوم منه في عشر ذي الحجّة ، وإن شئت قلت ما رأيت أحدا أحسن في عينه الكحل منه وما رأيت رجلا أبغض اليه الشرّ منه وما من أيام أحبّ الى الله فيها الصوم من عشر ذي الحجة ، وانما المعنى المعنى الأول ، إلا أن الهاء هيهنا الاسم الأول ، ولا تخبر أنك فضّلت الكحل عليه ولا أنك فضّلت الصوم على الأيّام ، ولكنك فضّلت بعض الأيام على بعض والهاء في الأول هو الكحل ، وانما فضّلته في هذا الموضع على نفسه في غير هذا الموضع ولم ترد أن تجعله خيرا من نفسه البتّة ، قال الشاعر (وهو سحيم بن وثيل) : [طويل]

(١) مررت على وادي السّباع ولا أرى

كوادي السباع حين يظلم واديا

أقلّ به ركب أتوه تئيّة

وأخوف إلا ما وقى الله ساريا

__________________

(٣٤٣) الشاهد في قوله أقل به ركب وحذفه تمام الكلام اختصارا لعلم السامع ، والتقدير أقل به ركب أتوه منهم بوادي السباع فجرى في الحذف مجرى قولهم الله أكبر ، ومعناه أكبر ـ

٢٧١

وانما أراد أقلّ به الركب تئيّة منهم به ، ولكنه حذف ذلك استخفافا ، كما تقول أنت أفضل ولا تقول من أحد ، وكما تقول الله أكبر ومعناه الله أكبر من كلّ شيء ، وكما تقول لا مال ولا تقول لك وما يشبهه ومثل هذا كثير.

واعلم أنّ الرفع والنصب تجرى الأسماء ونعت ما كان من سببها ونعت ما التبس بها وما التبس بشيء من سببها فيها مجراهنّ في الجرّ.

واعلم أنّ ما جرى نعتا على النكرة فانه منصوب في المعرفة لأن ما يكون نعتا من اسم النكرة يصير خبرا للمعرفة لأنه ليس من اسمه ، وذلك قولك مررت بزيد حسنا أبوه ومررت بعبد الله ملازمك.

واعلم أن ما كان في النكرة رفعا غير صفة فانه رفع في المعرفة ، من ذلك قوله عزوجل (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) وتقول مررت بعبد الله خير منه أبوه ، فكذلك هذا وما أشبهه ، ومن أجرى هذا على الأوّل فانه ينبغى له أن ينصبه في المعرفة فيقول مررت بعبد الله خيرا منه أبوه ، وهي لغة رديئة وليست بمنزلة العمل نحو ضارب وملازم وما ضارعه نحو حسن ، ألا ترى أنّ هذا عمل يجوز فيه يضرب ويلازم وضرب ولازم ، ولو قلت مررت بخير منه أبوه كان قبيحا وكذلك بأبي عشرة أبوه ، ولكنه حين خلص للاوّل جرى عليه كأنك قلت مررت برجل خير منك ومن قال مررت برجل أبي عشرة أبوه فشبهّه بقوله مررت برجل حسن أبوه فهو ينبغى له أن يقول مررت بعبد الله أبي العشرة أبوه كما قال مررت بزيد الحسن أبوه ، ومن قال

__________________

ـ على كل شيء* يقول وافيت هذا الوادي ليلا وهو واد بعينه فأوحشني لكثرة سباعه فرحلت عنه ، ولم أمكث فيه لوحشته ، والتئية التلبث والمكث ورفع الركب بأقل وقوله أتوه في موضع الوصف لهم ، وتلخيص لفظ البيتين واعرابهما ، ولا أرى كوادي السباع واديا أقل به الركب الآتوه تئية منهم بوادي السباع فأقل نعت لقوله واديا والهاء في به عائدة عليه ، والركب مرتفع بأقل كما تقدم.

٢٧٢

مررت بزيد أخوه عمرو ، لم يكن فيه إلا الرفع لانّ هذا اسم معروف بعينه فصار بمنزلة قولك مررت بزيد عمرو وأبوه ولو أنّ العشرة كانوا قوما بأعيانهم قد عرفهم المخاطب لم يكن فيه إلا الرفع لأنك لو قلت مررت بأخيه أبوك كان محالا أن ترفع الأب بالأخ ، وهي مررت بأبي عشرة أبوه وبأبى العشرة أبوه اذا لم يكن شيئا بعينه يجوز على استكراه ، فان جعلت الأخ صفة للأوّل جرى عليه كأنك قلت مررت بأخيك فصار الشىء بعينه نحو زيد وعمرو وضارع أبو عشرة حسنا حين لم يكن شيئا بعينه قد عرفه كمعرفتك على ضعفه واستكراهه.

واعلم أنّ كلّ شيء من العمل وما أشبهه نحو حسن وكريم اذا أدخلت فيه الألف واللام جرى على المعرفة كمجراه على النكرة حين كان نكرة كقولك مررت بزيد الحسن أبوه ومررت بأخيك الضاربه عمرو

واعلم أن العرب يقولون قوم معلوجاء وقوم مشيخة وقوم مشيوخاء ، يجعلونه صفة بمنزلة شيوخ وعلوج.

[باب ما جرى من الأسماء التي من الأفعال وما أشبهها من الصفات التي ليست بعمل نحو الحسن] «والكريم وما أشبه ذلك مجرى الفعل اذا أظهرت بعده الأسماء أو أضمرتها»

وذلك قولك مررت برجل حسن أبواه ، وأحسن أبواه ، وأخارج قومك ، فصار هذا بمنزلة قال أبواك وقال قومك ، على حدّ من قال قومك حسنون اذا أخّروا ، فيصير هذا بمنزلة أذاهب أبواك أو منطلق قومك ، فان بدأت بالاسم قبل الصفة قلت قومك منطلقون وقومك حسنون كما تقول أبواك قالا ذلك ، وقومك قالوا ذاك ، فان بدأت بنعت مؤنّث فهو يجري مجرى المذكّر إلا أنك تدخل الهاء ، وذلك قولك أذاهبة جاريتاك وأكريمة نساؤكم ، فصارت الهاء في الأسماء بمنزلة التاء في الفعل اذا قلت قالت نساؤكم وذهبت جاريتاك ، وإنما قلت أكريمة نساؤكم على قول من قال أنساؤكم كريمات اذا أخّر الصفة ، والألف والتاء والواو والياء والنون في الجميع والألف والنون في التثنية بمنزلة الواو والألف في قالا وقالوا ، وبمنزلة الواو والنون في يقولون ، وكذلك أقرشي قومك

٢٧٣

أبواك اذا أردت الصفة جرى مجرى حسن وكريم وإنما قالت العرب قال قومك وقال أبواك لأنهم اكتفوا بما أظهروا عن أن يقولوا قالا أبواك ، وقالوا قومك فحذفوا ذلك اكتفاء بما أظهروا ، قال الشاعر : [بسيط]

(١) أليس أكرم خلق الله قد علموا

عند الحفاظ بنو عمرو بن حنجود

صار ليس هيهنا بمنزلة ضرب قومك بنو فلان لأن ليس فعل ، فاذا بدأت بالاسم قلت قومك قالوا ذاك وأبواك قد ذهبا ، لأنه قد وقع هيهنا اضمار في الفعل ، وهو أسماؤهم فلا بدّ للمضمر أن يجىء بمنزلة المظهر وحين قلت ذهب قومك لم يكن في ذهب إضمار ، وكذلك قالت جاريتاك وقالت نساؤك إلا أنهم أدخلوا التاء ليفصلوا بين التأنيث والتذكير وحذفوا الألف والنون لما بدؤا بالفعل في تثنية المؤنّث وجمعه كما حذفوا ذلك في التذكير ، فان بدأت بالاسم قلت نساؤك قلت ذاك كما قلت قومك قالوا ذاك ، وتقول جاريتاك قالتا كما تقول أبواك قالا لأن في قلن وقالتا اضمارا كما كان في قالا وقالوا ، واذا قلت ذهبت جاريتاك أو جاءت نساؤك فليس في الفعل إضمار ، ففصلوا بينهما في التذكير والتأنيث ولم يفصلوا بينهما في التثنية والجمع وانما جاؤوا بالتاء للتأنيث لأنها ليست علامة إضمار كالواو والألف وانما هي كهاء التأنيث في طلحة وليست باسم ، وقال بعض العرب قال فلانة ، وكلما طال الكلام فهو أحسن ، نحو قولك حضر القاضي امرأة لأنه اذا طال الكلام كان الحذف أجمل ، وكأنه شيء يصير بدلا من شيء كالمعاقبة نحو زنادقة وزناديق ، فيحذف الياء لمكان الهاء ، وكما قالوا في مغتلم مغيلم ومغيلبيم وكأنّ الياء صارت بدلا لما حذفوا وإنما حذفوا التاء ، لأنهم صار عندهم إظهار المؤنّث يكفيهم عن ذكرهم التاء كما كفاهم الجميع والاثنان حين أظهروهم عن الواو والألف وهذا في الواحد من الحيوان قليل ، وهو في الموات كثير ففرقوا بين الموات والحيوان كما فرقوا بين الآدميّين وغيرهم ، تقول هم ذاهبون وهم في الدار ولا تقول جمالك ذاهبون ولا هم في الدار وأنت تعني الجمال ولكنك

__________________

(٣٤٤) الشاهد فيه أفراد ليس وان كانت فعلا لجماعة على قياس الافعال المتقدمة على فاعلها والتقدير أليس بنو عمرو بن حنجود أكرم خلق الله ، وقوله قد علموا أي قد علم الناس ذلك ، والحفاظ المحافظة على الأعراض في حرب أو هجاء.

٢٧٤

تقول هنّ وهي وذاهبات وذاهبة ، ومما جاء في القرآن من الموات قد حذفت فيه التاء قوله عزوجل (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) وقوله (مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) وهذا النحو كثير في القرآن ، وهو في الواحدة اذا كانت من الآدميّين أقلّ منه في سائر الحيوان ، ألا ترى أن لهم في الجمع حالا ليست لغيرهم لأنهم الأوّلون وأنهم قد فضّلوا بما لم يفضّل به غيرهم من العقل والعلم ، فأما الجمع من الحيوان الذي يكسّر عليه الواحد فبمنزلة الجميع من غيره الذي يكسّر عليه الواحد في أنه مؤنّث ، ألا ترى أنك تقول هو رجل وتقول هي الرّجال فيجوز لك ، وتقول هو جمل وهي الجمال ، وهو غير وهي الأعيار ، فجرت هذه كلّها مجرى هي الجذوع ، وما أشبه ذلك يجرى هذا المجرى لأنّ الجميع يؤنّث وان كان كلّ واحد منه مذكّرا من الحيوان ، فلما كان كذلك صيّروه بمنزلة الموات لأنه قد خرج من الأول الامكن حيث أردت الجمع فلما كان ذلك احتملوا أن يجروه مجرى جمع الموات قالوا جاء جواريك وجاء نساؤك وجاء بناتك ، وقالوا فيما لم يكسّر عليه الواحد لأنه في معنى الجمع كما قالوا في هذا ، كما قال عزوجل (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) اذا كان في معنى الجمع وذلك قوله (وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ).

واعلم أنّ من العرب من يقول ضربوني قومك وضرباني أخواك فشبّهوا هذا بالتاء التي يظهرونها في قالت فلانة فكأنهم أرادوا أن يجعلوا للجمع علامة كما جعلوا للمؤنّث وهي قليلة ، قال الشاعر (وهو الفرزدق) : [طويل]

(١) ولكن ديافي أبوه وأمّه

بحوران يعصرن السّليط أقاربه

__________________

(٣٤٥) الشاهد في قوله يعصرن فأتى بضمير الاقارب في الفعل وهو مقدم على لغة من ثني الفعل وجمعه مقدما ليدل على انه لاثنين أو لجماعة كما تلحقه علامة التأنيث ، دلالة على أنه لمؤنث ، والشائع في كلامهم أفراده لأن ما بعده من ذكر لاثنين والجماعة يغنى عن تثنيته وجمعه ، وأما تأنيثه فلازم لأن الاسم المؤنث قد يقع لمذكر فلو حذفت علامة التأنيث من فعل المؤنث لا لتبس بفعل المذكر* هجا رجلا فجعله من أهل القرى المعتملين لاقامة عيشهم ونفاه عما عليه العرب من الانتجاع والحرب ، ودياف قرية بالشأم والسليط الزيت ويقال هو ـ

٢٧٥

وأما قوله عزوجل (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) فانه يجىء على البدل أو كأنه قال انطلقوا فقيل له من فقال بنو فلان فقوله (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) على هذا فيما زعم يونس ، وقال الخليل فعلى هذا المثال تجري هذه الصفات ، وكذلك شاب وشيخ وكهل ، اذا أردت شابّين وشيخين وكهلين تقول مررت برجل كهل أصحابه ومررت برجل شاب أبواه ، قال الخليل فان ثنيّت أو جمعت فان أحسنه أن تقول مررت برجل قرشيّان أبواه ومررت برجل كهلون أصحابه تجعله اسما بمنزلة قولك مررت برجل خز صفّته ، وقال الخليل من قال أكلوني البراغيث اجرى هذا على أوّله فقال مررت برجل حسنين أبواه ومررت بقوم قرشيّين آباؤهم ، وكذلك أفعل نحو أعور وأحمر تقول مررت برجل أعور أبواه وأحمر أبواه ، فان ثنّيت قلت مررت برجل أحمران أبواه ، تجعله اسما ، ومن قال أكلوني البراغيث قلت على حدّ قوله مررت برجل أعورين أبواه ، وتقول مررت برجل أعور آباؤه كأنك تكلّمت به على حدّ أعورين وان لم يتكلّم به كما توهّموا في هلكي وموتي ومرضي أنه فعل بهم فجاؤوا به على مثال جرحى وقتلى ولا يقال هليك ولا مرض ولا مويت ، قال الشاعر (وهو النابغة الجعدي) [طويل]

(١) ولا يشعر الرّمح الأصمّ كعوبه

بثروة رهط الأعيط المتظلّم

__________________

ـ دهن السمسم ، وهو هنا الزيت خاصة لأن الشام كثيرة الزيتون ، وجوران من مدن الشام وأنت ضمير الأقارب لانه أراد الجماعات

(٣٤٦) الشاهد فيه رفع الكعوب بالاصم وافراده تشبيها له بما يسلم جمعه من الصفات على ما بينه سيبويه في الباب وكان وجه الكلام أن يقول الصم كعوبه لان أصم مما لا يسلم جمعه انما يجري على التكسير* يقول هذا متوعدا أي من كان كثير العدد وعزيزا فالرمح لا يشعر به ولا يباليه ، والاصم هنا الصلب والكعوب العقد الفاصلة بين أنابيب القناة واذا صلبت كعوبها صلب سائرها ، والثروة كثرة العدد وهي أيضا كثرة المال والأعيط الطويل ، وأكمة عيطاء أي طويلة مشرفة ، وأراد به هيهنا المتطاول كبرا والمتظلم الظالم ، ويقال تظلمته حقه وظلمته بمعنى ، ويروى رهط الابلخ وهو المتكبر الشامخ بأنفه ، ويروي أنه لما قال هذا قال له المتوعد لكن حامله يشعر فيقدعه يا أبا ليلى فأقحمه وغلبه بالكلام.

٢٧٦

وأحسن من ذلك اعور قومك ، ومررت برجل صمّ قومه وتقول مررت برجل حسان قومه ، وليس يجري هذا مجرى الفعل انما يجري مجرى الفعل ما دخله الألف والنون والواو والنون في التثنية والجمع ولم يغيرّه ، نحو قولك حسن وحسنان فالتثنية لم تغيّر بناءه وتقول حسنون ، فالواو والنون لم تغيّر الواحد فصار هذا بمنزلة قالا وقالوا ، لأن الألف والواو لم تغيّر فعل ، وأما حسان وعور فانه اسم كسّر عليه الواحد فجاء مبنيّا على مثال كبناء الواحد وخرج من بناء الواحد الى بناء آخر لا تلحقه في آخره زيادة كالزيادة التي لحقت في قرشيّ في الاثنين والجميع ، فهذا الجميع له بناء بني عليه ، كما بني الواحد على مثاله فأجرى مجرى الواحد ، ومما يدلك على أنّ هذا الجميع ليس كالفعل أنه ليس شيء من الفعل اذا كان للجميع يجيء مبنيّا على غير بنائه اذا كان للواحد ، فمن ثمّ صار حسان وما أشبهه بمنزلة الاسم الواحد ، نحو مررت برجل جنب أصحابه ومررت برجل صرورة قومه فاللفظ واحد والمعنى جميع.

واعلم أنّ ما كان يجمع بغير الواو والنون نحو حسن وحسان فانّ الأجود فيه أن يجعل بمنزلة الفعل المتقدّم فتقول مررت برجل منطلق قومه.

واعلم أنه من قال ذهب نساؤك ، قال أذاهب نساؤك ، ومن قال فمن جاءه موعظة من ربّه قال أجائيّ موعظة يذهب الهاء هيهنا كما يذهب التاء في الفعل وكان أبو عمرو يقرأ خاشعا أبصارهم ، قال أبو ذؤيب الهذلي : [متقارب]

(١) بعيد الغزاة فما إن يزا

ل مضطمرا طرّتاه طليحا

وقال الفرزدق : [طويل]

(٢) وكنّا ورثناه على عهد تبّع

طويلا سواريه شديدا دعائمه

__________________

(٣٤٧) الشاهد فيه حذف الهاء من مضطمرة لأن الطرة في معنى الجانب فتأنيثها غير حقيقي فلذلك حسن حذف الهاء* مدح الزبير رضي‌الله‌عنه فيقول هو بعيد الغزو لبعد همته ملازم للاسفار ولا يزال مضطمر الجانبين معييا والطليح المعبي.

(٣٤٨) الشاهد فيه حذف الهاء من طويلة وشديدة والقول فيه كالقول في الذي قبله ـ

٢٧٧

وقال الفرزدق أيضا : [متقارب]

(١) قرنبى يحكّ قفا مقرف

لئيم مآثره قعدد

وقال الآخر (وهو أبو زبيد الطائي) : [خفيف]

(٢) مستحنّ بها الرّياح فما يجتابها

في الظّلام كلّ هجود

وقال آخر (من بني أسد) [وهو اشعث بن معروف الاسدى] : [طويل]

(٣) فلاقى ابن أنثي يبتغي مثل ما ابتغى

من القوم مسقيّ السّمام حدائده

وقال آخر (وهو الكميت بن معروف) : [طويل]

(٤) وما زلت محمولا عليّ ضغينة

ومضطلع الأضغان مذ أنا يافع

__________________

ـ * وصف مجده بالقدم والثبات على مرور الدهر واستعار له سواري ودعائم لأنه جعله كالبناء المحكم وتبع ملك العرب في أول الزمان وهو أبو كرب.

(٣٤٩) الشاهد فيه حذف الهاء من لئيمة والقول فيه كالقول في الذي قبله* يهجو جريرا فجعل أباه عطية كالجعل وهو القرنبي ، ويقال هي دويبة تشبهه وقبل البيت :

أيدرك مجد بني دارم

عطية كالجعل الاسود

والمقرف اللئيم الأب ، وأراد بقفا مقرف قفاه لأنه اذا كان عنده مقرفا وحك قفاه فقد حك قفاه مقرف والمآثر الافعال التي تؤثر عنه والاخبار واحدتها مآثرة ، والقعدد القريب الاب الاكبر الذي ينتهي اليه في النسب والفخر.

(٣٥٠) الشاهد فيه حذف الهاء من مستحنة كما تقدم في الذي قبله* وصف فلاة واسعة تتخرق فيها الرياح فيسمع لها حنين وهي مع ذلك موحشة لا يقدم على السير فيها ليلا ومعنى يجتابها يقطعها بالسير فيها والهجود هنا الساهر وقد يكون النائم وهو من الأضداد.

(٣٥١) الشاهد فيه حذف الهاء من مسقية وعلته كعلة ما قبله* وصف لصا لقي لصا مثله يبتغي مثل ما يبتغيه وقوله ابن انثى فيه معنى التعظيم له ، والتضخيم لأمره كما يقال ابن رجل والسمام جمع سم ، وأراد بالحدائد نصال سهامه.

(٣٥٢) الشاهد فيه حذف الهاء من محمولة لأن معنى الضغينة والضغن واحد كما تقدم ـ

٢٧٨

وهذا في الشعر أكثر من أن أحصيه لك ، ومن قال ذهب فلانة قال أذاهب فلانة وأحاضر القاضي امرأة وقد يجوز في الشعر موعظة جاءنا اكتفي بذكر الموعظة عن التاء ، وقال الشاعر (وهو الأعشى) : [متقارب]

(١) فامّا ترى لمّتى بدّلت

فان الحوادث أودي بها

وقال الآخر (وهو عامر بن جوين الطائي) : [متقارب]

(٢) فلا مزنة ودقت ودقها

ولا أرض أبقل إبقالها

وقال الآخر (وهو طفيل الغنويّ) : [بسيط]

(٣) إذ هي أحوى من الرّبعي حاجبه

والعين بالاثمد الحاريّ مكحول

__________________

ـ لك في الذي قبله* وصف ما جبل عليه من عزة النفس وبعد الهمة فيقول لم أزل محسدا يضطغن على ومضطلعا للاضغان على العدو مطالبا له والمضطلع هنا الحامل بين اضلاعه للضغينة والعداوة ، واليافع الذي ناهز الحلم وأصله من اليفاع ، وهو المرتفع من الارض وفعله أيفع وهو نادر.

(٣٥٣) الشاهد فيه حذف التاء من أودت ضرورة ودعاه الى حذفها أن القافية مردفة بالألف وسوغ له حذفها أن تأنيث الحوادث غير حقيقي وهي في معنى الحدثان ، ومعنى أودي بها ذهب ببهجتها وحسنها ، واللمة الشعرة تلم بالمنكب ، وتبدلها تغيرها من السواد الى البياض.

(٣٥٤) الشاهد فيه حذف التاء من أبقلت لأن الأرض بمعنى المكان فكأنه قال ولا مكان أبقل ابقالها* وصف أرضا مخصبة لكثرة ما نزل بها من الغيث ، والودق المطر والمزنة السحابة ، ويروى أبقلت ابقالها بتخفيف الهمزة ولا ضرورة فيه على هذا.

(٣٥٥) الشاهد فيه تذكير مكحول وهو خبر عن العين وهي مؤنثة لأنها في معنى الظرف ويجوز أن يكون خبرا عن الحاجب فيكون التقدير حاجبه مكحول بالاثمد والعين كذلك فلا تكون فيه ضرورة إلا أن سيبويه حمله على العين لقرب جوارها منه* وصف امرأة فجعلها بمنزلة ظبي أحوى وهو الذي في ظهره وجنبتي أنفه خطوط سود ، والحوة السواد ، وقوله من الربعي أي من الصنف المولود زمن الربيع وهو أبكره وأفضله ، والحاري منسوب الى الحيرة.

٢٧٩

وزعم الخليل أنّ السماء منفطر به كقولك معضّل للقطاة ، وكقولك مرضع للتي بها الرّضاع وأما المنفطرة فيجيء على العمل كقولك منشقّة وكقولك مرضعة للتي ترضع ، وأما (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَرَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) فزعم أنه بمنزلة ما يعقل ويسمع لمّا ذكرهم بالسجود وصار النمل بتلك المنزلة حين حدّثت عنه كما تحدّث عن الأناسيّ ، وكذلك (فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) لأنها جعلت في طاعتها وفي أنه لا ينبغى لأحد أن يقول مطرنا بنوء كذا ولا ينبغي لأحد أن يعبد شيئا منها بمنزلة من يعقل من المخلوقين ويبصر الأمور

قال النابغة الجعدي : [طويل]

(١) شربت بها والدّيك يدعو صباحه

اذا ما بنو نعش دنوا فتصوّبوا

فجاز هذا حيث صارت هذه الأشياء عندهم تؤمر وتطيع وتفهم الكلام وتعبد بمنزلة الآدميّين وسألت الخليل عن ما أحسن وجوههما فقال لأنّ الاثنين جميع وهذا بمنزلة قول الاثنين نحن فعلنا ولكنهم أرادوا أن يفرقوا بين ما يكون منفردا وبين ما يكون شيئا من شيء وقد جعلوا أيضا المنفردين جمعا ، قال الله جلّ ثناؤه (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ) وقد يثنّون ما يكون بعضا لشيء زعم يونس أنّ رؤبة كان يقول ما أحسن وأسيهما ، قال الراجز (وهو خطام المجاشعي) :

__________________

(٣٥٦) الشاهد فيه تذكيره بنات نعش لاخباره عنها بالدنو والتصوب كما يخبر عن الآدميين على ما بينه سيبويه* وصف خمرا باكرها بالشرب عند صياح الديك ، وتصوب بنات نعش ودنوها من الافق للغروب ، والباء في قوله بها زائدة مؤكدة وكثيرا ما تزيدها العرب في مثل هذا كما قال عنترة :

* شربت بماء الدحرضين فأصبحت*

وقال الله عزوجل : (عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ)

٢٨٠