كتاب سيبويه - ج ١

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]

كتاب سيبويه - ج ١

المؤلف:

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٨٢

(١) أنصب للمنيّة تعتريهم

رجالي أم هم درج السّيول

ويقال رجع أدراجه أي رجع في الطريق الذي جاء فيه ، هذا معناه فاجرى مجرى ما قبله كما أجروا ذلك المجرى درج السيول ، وأما ما يرتفع من هذا الباب فقولك هو مني فرسخان وهو منّي عدوة الفرس ودعوة الرجل وغلوة السهم وهو مني يومان وهو مني فوت اليد ، فانما فارق هذا الباب الأوّل لأنّ معنى هذا أنه يخبر أنّ بينه وبينه فرسخين ويومين ودعوة الرجل وفوتا ومعنى فوت اليد أنه يريد أن يقرّب ما بينه وبينه فهذا على المعنى وجرى على الكلام الأوّل كأنّه هو لسعة الكلام كما قالوا أخطب ما يكون الامير يوم الجمعة ، وأما قول العرب أنت منى مرأى ومسمع فانما رفعوه لأنهم جعلوه هو الأول حتى صار بمنزلة قولهم أنت منى قريب ، وزعم يونس أن ناسا من العرب يقولون : [وافر]

أنصب للمنيّة تعتريهم

رجالي أم هم درج السيّول

فجعلهم هم الدّرج كما قال زيد قصدك اذا جعلت القصد زيدا ، وكما يجوز لك أن تقول عبد الله خلفك اذا جعلته هو الخلف ، واعلم أن هذه الظروف بعضها أشدّ تمكّنا في أن يكون اسما من بعض كالقصد والنّحو والقبل والناحية ، وأما الخلف والأمام والتّحت والدّون فتكون أسماء وكينونة تلك أسماء أكثر وأجرى في كلامهم وكذلك مرأى ومسمع كينونتهما أسماء أكثر ومع ذلك إنهم جعلوه اسما خاصا بمنزلة المجلس والمتّكا وما أشبه ذلك فكرهوا أن يجعلوه ظرفا ، وقد زعموا أنّ بعض الناس ينصبه يجعله بمنزلة درج السيل فينصبه وهو قليل كأنهم لما قالوا بمرأى ومسمع فصار

__________________

(٣١٩) الشاهد فيه نصب درج السيول على الظرف وهو كالذي قبله وعلته كعلته والدرج طرق يجاء فيها ويذهب يقول باكيا على قومه لكثرة من فقد منهم أهم نصب للمنية تدور عليهم لا تتخطاهم أم هم درج السيول تحجف بهم وتذهبهم ، والنصب ما نصب للعبادة ونحوها مما يلتزم ويدار حوله ومعنى تعتريهم تتردد عليهم وتغشاهم.

٢٤١

غير الاسم الأول في المعنى واللفظ شبّهوه بقوله وهو منى بمنزلة الولد ، وقد زعم يونس أن ناسا يقولون هو منّى مزجر الكلب يجعلونه بمنزلة مرأى ومسمع وكذلك مقعد ومناط يجعلونه هو الأول فيجرى كقول الشاعر (وهو الأخطل) : [متقارب]

(١) وأنت مكانك من وائل

مكان القراد من است الجمل

وإنما حسن الرفع هيهنا لأنه جعل الآخر هو الأول كقولك له رأس رأس الحمار ، ولو جعل الآخر ظرفا جاز ولكن الشاعر أراد أن يشبّه مكانه بذلك المكان ، وأما قولهم دارى خلف دارك فرسخا فانتصب لأن خلف خبر للدار وهو كلام قد عمل بعضه في بعض واستغنى فلما قال داري خلف دارك أبهم فلم يدر ما قدر ذاك فقال فرسخا وذراعا وميلا ، أراد أن يبيّن فيعمل هذا الكلام في هذه الغايات بالنصب كما عمل له عشرون درهما في الدرهم كأن هذا الكلام شيء منّون يعمل فيما ليس من اسمه ولا هو هو كما كان أفضلهم رجلا بتلك المنزلة ، وإن شئت قلت داري خلف دارك فرسخان تلغى خلف ، كما تلغى فيها اذا قلت فيها زيد قائم ، وزعم يونس أنّ أبا عمرو كان يقول داري خلف دارك فرسخان يشبّهه بقولك دارك منى فرسخان لأنّ خلف هيهنا اسم وجعل من فيها بمنزلتها في الاسم وهذا مذهب قوي.

وأما العرب فتجعله بمنزلة قولك خلف فتنصب وترفع لأنك تقول أنت من خلفي ومعناه أنت خلفي ولكن الكلام حذف ألا ترى أنك تقول دارك من خلف داري فيستغنى الكلام وتقول أنت منى فرسخين ، أى أنت منى مادمنا نسير فرسخين فيكون ظرفا كما كان ما قبله مما شبّه بالمكان ، وأما الوقت والساعات والأيام والشّهور والسّنون وما أشبه ذلك من الأزمنة والأحيان التي تكون في الدهر فهو قولك القتال يوم الجمعة اذا جعلت يوم الجمعة ظرفا والهلال الليلة ، وانما انتصبا لأنك جعلتهما ظرفا

__________________

(٣٢٠) الشاهد فيه رفع المكان الآخر لأنه خبر عن الأول ولا يكون ظرفا له لأنه أراد تشبيه مكانه من وائل بمكان القراد من است الجمل في الدناءة والخسة

٢٤٢

وجعلت القتال في يوم الجمعة والهلال في الليلة وإن قلت الليلة الهلال واليوم القتال نصبت التقديم والتأخير في ذلك سواء ، وإن شئت رفعت فجعلت الآخر الأول ، وكذلك اليوم الجمعة واليوم السبت ، وإن شئت رفعت ، فأما اليوم الأحد واليوم الاثنان فانه لا يكون إلا رفعا وكذلك الخميس لأنه ليس بعمل فيه كأنك أردت أن تقول اليوم الخامس والرابع ، وكذلك اليوم خمسة عشر من الشهر إنما أردت هذا اليوم تمام خمسة عشر من الشهر ، ويومان من الشهر رفع كلّه فصار بمنزلة قولك العام عامها.

ومن العرب من يقول اليوم يومك فيجعل اليوم الأول ، بمنزلة الآن لأن الرجل يقول أنا اليوم أفعل ذاك ولا يريد يوما بعينه ، وتقول عهدي به قريبا وحديثا اذا لم تجعل الآخر هو الأول فان جعلت الآخر هو الأول رفعت ، واذا نصبت جعلت الحديث والقريب من الدهر ، وتقول عهدي به قائما وعلمي به ذا مال فتنصب على أنه حال وليس بالعهد ولا العلم وليسا هنا ظرفين ، وتقول ضربي عبد الله قائما على هذا الحد ذكرت لك ، واعلم أنّ ظروف الدهر أشدّ تمكنا في الاسماء لأنها تكون فاعلة ومفعولة تقول أهلكك الليل والنهار واستوفيت أيامك فأجرى الدهر هذا المجرى فأجر الأشياء كما أجروها.

[باب الجرّ]

والجرّ إنما يكون في كلّ اسم مضاف اليه ، واعلم أنّ المضاف اليه ينجرّ بثلاثة أشياء بشىء ليس باسم ولا ظرف ، وبشىء يكون ظرفا ، وباسم لا يكون ظرفا ، فأمّا الذي ليس باسم ولا ظرف فقولك مررت بعبد الله وهذا لعبد الله ، وما أنت كزيد ويا لبكر وتالله لأفعل ذاك ومن وفي ومذ وعن وربّ وما أشبه ذلك ، وكذلك أخذته عن زيد والى زيد ، وأمّا الحروف التي تكون ظرفا فنحو خلف وأمام وقدّام ووراء وفوق وتحت وعند وقبل ومع وعلى لأنّك تقول من عليك كما تقول من فوقك وذهب من معه ، وعن أيضا ظرف بمنزلة ذات اليمين والناحية ألا ترى

٢٤٣

أنك تقول من عن يمينك كما تقول من ناحية كذا وكذا وقبالة ومكانك ودون وقبل وبعد وإزاء وحذاء وما أشبه هذا من الأزمنة ، وذلك قولك أنت خلف عبد الله ، وأمام زيد وقدّام أخيك ، وكذلك سائر هذه الحروف ، وهذه الظروف أسماء ولكنها صارت مواضع للأشياء ، وأمّا الأسماء فنحو مثل وغير وكلّ وبعض ، ومثل ذلك أيضا الاسماء المختصّة نحو حمار وجدار ومال وأفعل ، نحو قولك هذا اعمل الناس وما أشبه هذا من الأسماء كلّها ، وذلك قولك هذا مثل عبد الله وهذا كلّ مالك وبعض قومك وهذا حمار زيد وجدار أخيك ومال عمرو ، وهذا أشدّ الناس ، وأمّا الباء وما أشبهها فليست بظروف ولا أسماء ولكنها يضاف بها الى الاسم ما قبله أو ما بعده فاذا قلت يا لبكر فانما أردت أن تجعل ما يعمل في المنادى مضافا الى بكر باللام واذا قلت مررت بزيد فانما أضفت المرور الى زيد بالباء ، وكذلك هذا لعبد الله ، واذا قلت أنت كعبد الله فقد أضفت الى عبد الله الشبه بالكاف ، واذا قلت أخذته من عبد الله فقد أضفت الأخذ الى عبد الله بمن ، واذا قلت مذ زمان فقد أضفت الامر الى وقت من الزمان بمذ ، واذا قلت أنت في الدار فقد أضفت كينونتك في الدار بفي ، واذا قلت فيك خصلة سوء فقد أضفت اليه الرّداءة بفي ، واذا قلت ربّ رجل يقول ذاك فقد أضفت القول الى الرجل بربّ ، واذا قلت بالله وو الله وتالله فانما أضفت الحلف الى الله جلّ ثناؤه ، كما اضفت النداء باللام الى بكر حين قلت يا لبكر وكذلك رويته عن زيد أضفت الرواية الى زيد بعن.

[باب مجرى النعت على المنعوت والشّريك على الشّريك والبدل على المبدل]

«منه وما أشبه ذلك»

فأما النّعت الذي جرى على المنعوت فقولك مررت برجل ظريف قبل فصار النعت مجرورا مثل المنعوت لأنّهما كالاسم الواحد ، من قبل أنّك لم ترد الواحد من الرجال الّذين كلّ واحد منهم رجل ولكنّك أردت الواحد من الرجال الّذين كلّ واحد منهم رجل ظريف فهو نكرة ، وانما كان نكرة لأنه من أمّة كلّها له مثل اسمه ، وذلك

٢٤٤

أنّ الرجال كلّ واحد منهم رجل والرجال الظرفاء كلّ واحد منهم رجل ظريف واسمه يخلطه بأمّته حتّى لا يعرف منها ، فان أطلت النعت فقلت مررت برجل عاقل كريم مسلم فأجره على أوّله ، ومن النعت أيضا مررت برجل أيّما رجل فأيّما نعت للرجل في كماله وبذّه غيره كأنه قال مررت برجل كامل ، ومنه مررت برجل حسبك من رجل فهذا نعت للرجل باحسابه إيّاك من كلّ رجل ، وكذلك كافيك من رجل وهمّك من رجل وناهيك من رجل ومررت برجل ما شئت من رجل ، ومررت برجل شرعك من رجل ، ومررت برجل هدّك من رجل ، وبامرأة هدّك من امرأة ، فهذا كلّه على معنى واحد ، وما كان منه يجرى فيه الاعراب فصار نعتا لأوّله جرى على أوّله ، وسمعنا بعض العرب الموثوق بهم يقول مررت برجل هدّك من رجل ومررت بامرأة هدّتك من امرأة فجعله فعلا مفتوحا ، كأنه قال فعل وفعلت بمنزلة كفاك وكفتك.

ومن النعت أيضا مررت برجل مثلك ، فمثلك نعت على أنك قلت هو رجل كما أنك رجل ، ويكون نعتا أيضا ، على أنه لم يزد عليك ولم ينقص عنك في شىء من الامور ، ومثله مررت برجل مثلك أي صورته شبيهة بصورتك ، وكذلك مررت برجل ضربك وشبهك. وكذلك نحوك يجرين في المعنى ، والاعراب مجرى واحدا وهنّ مضافات الى معرفة صفات لنكرة ، ويونس يقول هذا مثلك مقبلا وهذا زيد مثلك اذا قدّمه جعله معرفة واذا أخّره جعله نكرة ومن العرب من يوافقه على ذلك ، ومنه مررت برجل شرّ منك فهو نعت له بأنّه نقص عن أن يكون مثله ، ومنه مررت برجل خير منك فهو نعت له بأنه قد زاد على أن يكون مثله ، ومنه مررت برجل غيرك فغيرك نعت تفصل به بين من نعّته بغير وبين من أضفتها اليه حتى لا يكون مثله أو يكون مرّ باثنين ، ومنه مررت برجل آخر ، نعت على نحو غير ، ومنه مررت برجل حسن الوجه ، نعّت الرجل بحسن وجهه ولم تجعل فيه الهاء التي هي إضمار الرجل ، كما تقول حسن وجهه لأنه اذا قيل حسن الوجه علم أنه

٢٤٥

لا يعني من الوجوه إلّا وجهه ، ومثل ذلك مررت بامرأة حسنة الوجه انما أدخلت الهاء في الحسنة لأنّ الحسنة انما وقعت نعتا لها ثم بلغت به بعد ما صار نعتا لها حيث أردتّ ، فمن ثم صار فيها الهاء وليست بمنزلة حسن وجهه في اللفظ وان كان المعنى واحدا ، لأنّ الحسن هيهنا للأوّل ثم تضيفه الى من أردتّ ، وحسن مضاف الى معرفة صفة للنكرة فلما كانت صفة للنكرة أجريت مجراها كما جرت مجراها أخواتها مثل وما أشبهها ، ومما يكون نعتا للنكرة وهو مضاف الى معرفة قول الشاعر (وهو امرؤ القيس) : [طويل]

(١) بمنجرد قيد الأوابد لاحه

طراد الهوادي كلّ شأو مغرّب

ومنه أيضا مررت على ناقة عبر الهواجر ، ومما يكون مضافا الى المعرفة ويكون نعتا للنكرة الأسماء التي أخذت من الأفعال وأريد بها معنى التنوين ، من ذلك مررت برجل ضاربك فهو نعت على أنه سيضربه كأنك قلت مررت برجل ضارب زيدا ، ولكن حذف التنوين استخفافا ، وأن أظهرت الاسم وأردتّ التخفيف والمعنى معنى التنوين جرى مجراه حين كان الاسم مضمرا ، وذلك قولك مررت برجل ضارب زيد فان شئت حملته على أنه سيفعل وإن شئت على أنك مررت به وهو في حال عمل ، وذلك قوله عزوجل (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) فالرفع هيهنا كالجرّ في باب الجرّ.

واعلم أنّ كل مضاف الى معرفة وكان للنكرة صفة فانه اذا كان موصوفا أو وصفا أو خبرا أو مبتدءا بمنزلة النكرة المفردة ، ويدلك على ذلك قول الشاعر (وهو جرير) : [طويل]

__________________

(٣٢١) الشاهد فيه جرى قيد الاوابد على منجرد نعتا له ، وان كان مضافا الى ما فيه الالف واللام لأنه في معنى الفعل فكأنه قال بمنجرد يقيد الاوابد* وصف فرسا جوادا والمنجرد القصير الشعرة ، وبذاك توصف العتاق ، ويقول هو السابق المنجرد عن الخليل ، وصيره قيدا للوحش لحصره لها ومنعها من الفوت ، والاوابد الوحش ومعنى لاحه ضمره والطراد مطاردة الصيد واتباعه ، والهوادي المتقدمة السابقة والشأو الطلق والمغرب البعيد يقال مغرب ومغرب.

٢٤٦

(١) ظللنا بمستنّ الحرور كأننا

لدى فرس مستقبل الرّيح صائم

كأنه قال لدى مستقبل صائم ، وقال المرّار الأسدي : [كامل]

(٢) سلّ الهموم بكلّ معطي رأسه

ناج مخالط صهبة متعيّس

مغتال أحبله مبين عنقه

في منكب زبن المطىّ عرندس

سمعناه ممن يرويه من العرب ينشده هكذا ، ومنه أيضا قول ذي الرّمّة : [طويل]

(٣) سرت تخبط الظّلماء من جانبي قسا

وحبّ بها من خابط اللّيل زائر

فكأنهم قالوا بكلّ معط رأسه ومن خابط الليل ، ومن ذلك قول جرير : [بسيط]

(٤) يا ربّ غابطنا لو كان يعرفكم

لاقى مباعدة منكم وحرمانا

__________________

(٣٢٢) الشاهد فيه جرى مستقبل الريح على فرس نعتا له لأنه منفصل في التقدير فكأنه قال لدى فرس مستقبل الريح صائم* وصف خيمة أقامها له ولا صحابه يستظلون بها من حر الشمس ، ولها فرج يخلص اليهم الحرور منها فشبهها بفرس قائم يستقبل الريح فتنفذه بين فروجه وتأخذه من كل وجه ، ومستن الحرور طريقه ومسلكه والحرور شدة الحر ، والصائم الممسك عن المشي أو الرعي.

(٣٢٣) الشاهد فيه حمل مغتال أحبله على ما قبله نعتا له لأن معناه مغتال أحبله* وصف بعيرا بعظم الجوف فاذا شد رحله عليه اغتال أحبله واستوفاها لعظم جوفه ، والاغتيال الذهاب بالشيء والمبين البين الطول ، ومعنى زبن زاحم ودفع والعرندس الشديد ويروى متين عنقه ، وقد مر البيت الاول بتفسيره في ص ١٠٥ رقم ١٣٥.

(٣٢٤) الشاهد فيه جرى زائر على خابط نعتا له وان كان مضافا الى معرفة لان اضافته غير محضة لما يقدر فيها من التنوين والانفصال* وصف خيالا طرقه فجعله في الاخبار عنه بمنزلة المرأة التي تخيلت له ، فقال سرت أي طرقت ليلا تخبط الظلماء اليه ، وقسا اسم موضع ولك أن تصرفه وأن لا تصرفه على ما يريد من المكان أو البقعة ، ومعنى حب بها التعجب أي أحبب بها وهي نادرة في هذا المعنى.

(٣٢٥) الشاهد فيه اضافة رب الى غابطنا ورب لا تعمل إلا في نكرة فغابطنا في نية التنوين والانفصال* يقول رب من يغبطنا ويسرنا بطلب معروفنا لو طلب ما عندكم لبوعد وحرم.

٢٤٧

وقال أبو محجن الثّقفيّ : [كامل]

(١) يا ربّ مثلك في النّساء غريرة

بيضاء قد متّعتها بطلاق

فربّ لا يقع بعدها إلا نكرة ، فهذا يدلك على أن غابطنا ومثلك نكرة ، ومن ذلك قول العرب لي عشرون مثله ومائة مثله فأجروا ذلك بمنزلة عشرون درهما ومائة درهم ، فالمثل وأخواته كأنّه كالذي حذف منه التنوين في قولك مثل زيدا ، وقيد الأوابد ، وهذا تمثيل ولكنها كمائة وعشرين فلزمها شيء واحد وهو الاضافة ، يريد أنك أردت معنى التنوين ، فمثل ذلك قولهم مائة درهم ، وزعم يونس أن يقول عشرون غيرك على قوله عشرون مثلك ، وزعم يونس والخليل أن مائة درهم نكرة لأنهم يقولون مائة الدرهم التي تعلم فهي بمنزلة عبد الله ، وزعم يونس والخليل أنّ هذه الصفات المضافة الى المعرفة التي صارت صفة للنكرة قد يجوز فيهنّ كلّهنّ أن يكنّ معرفة ، وذلك معروف في كلام العرب ، يدلّك على ذلك أنه يجوز لك أن تقول مررت بعبد الله ضاربك فتجعل ضاربك بمنزلة صاحبك ، وزعم يونس أنه يقول مررت بزيد مثلك ، اذا أرادوا مررت بزيد الذي هو معروف بشبهك ، فتجعل مثلك معرفة ويدلك على ذلك قوله هذا مثلك قائما كأنه قال هذا أخوك قائما إلا حسن الوجه ، فانه بمنزلة رجل لا يكون معرفة وذاك لأنه يجوز لك أن تقول هذا الحسن الوجه فيصير معرفة

__________________

(٣٢٦) الشاهد فيه اضافة رب الى مثلك لانها نكرة وان كانت بلفظ المعرفة لانها وما كان في معناه تنوب مناب الفعل كما هي مضافة الى ما بعدها والفعل نكرة كله فجرت مجراه في الجري على النكرة فتقول مررت برجل مثلك فتنوب مناب مررت برجل يشبهك ، وكذلك مررت برجل غيرك لانه بمنزلة مررت برجل ليس بك ، ومثله مررت برجل حسبك من رجل لانه في معنى كفاك من رجل وكذلك مررت برجل كفيك من رجل وهمك من رجل لان معناه كله كفاك من رجل ويدل على صحة هذا الاعتلال تصريح العرب بالفعل في بعض هذا كقولهم مررت برجل كفاك من رجل وهمك من رجل ، وبامرأة كفتك من امرأة وهمتك من امرأة فهذا بين ان شاء الله عزوجل ، والغريزة المغترة بلين العيش الغافلة عن صروف الدهر ، ومعنى متعتها بطلاق أعطيتها شيئا تستمتع به عند طلاقها.

٢٤٨

بالألف واللام كما يصير الرجل معرفة بالألف واللام ، ولا يكون معرفة إلا بهما ، ومن النعت أيضا مررت برجل إما قائم وإما قاعد ، فقد أعلمهم أنه ليس بمضطجع ولكنه شكّ في القيام والقعود ، وأعلمهم أنه على أحدهما.

ومن النعت أيضا مررت برجل لا قائم ولا قاعد جرّ لانه نعت كأنك قلت مررت برجل قائم ، فكأنك تحدّث من في قلبه أن ذاك الرجل قائم أو قاعد فقلت لا قائم ولا قاعد لتخرج ذلك من قلبه ، ومنه مررت برجل راكب وذاهب ، استحقّهما لأن الركوب قبل الذهاب ، ومنه مررت برجل راكب فذاهب بيّن أن الذهاب بعد الركوب وأنه لا مهلة بينهما ، ومنه مررت برجل راكب ثم ذاهب ، فبيّن أن الذهاب بعده وأنّ بينهما مهلة ، وجعله غير متّصل به فصيرّه على حدة ومنه مررت برجل راكع أو ساجد فانما هي بمنزلة إما وإما ، إلا أن إما يجاء بها ليعلم أنه يريد أحد الأمرين ، واذا قال أو ساجد فقد يجوز أن يقتصر عليه ، ومنه مررت برجل راكع لا ساجد لاخراج الشك أو لتأكيد العلم فيهما ، ومنه مررت برجل حسن الوجه جميله ، جرّ لأنه حسن الخاصة جميلها والوجه ونحوه خاص ، ولو كان حسن العامة لقال حسن جميل ومنه مررت برجل ذي مال أي صاحب مال ، ومنه مررت برجل رجل صدق ، منسوب الى الصّلاح ، كأنك قلت مررت برجل صالح ، وكذلك مررت برجل رجل سوء كأنك قلت مررت برجل فاسد ، لأنّ الصدق صلاح والسوء فساد ، وليس الصدق هيهنا بصدق اللسان لو كان كذلك لم يجز لك أن تقول هذا ثوب صدق وحمار صدق ، وكذلك السّوء ليس في معنى سؤته.

ومن النعت أيضا مررت برجلين مثلين ، تفسير المثلين أن كل واحد منهما مثل صاحبه ، ومثل ذلك سيان وسواء ومنه مررت برجلين مثلك ، أي كلّ رجل منهما مثلك ، ووجه آخر على أنهما جميعا مثلك وكلّ ذلك حسن ، ومنه

٢٤٩

مررت برجلين غيرك ، فان شئت حملته على أنهما غيره في الخصال وفي الامور ، وإن شئت على قوله مررت برجلين آخرين ، اذا أردت أنه قد ضمّ معك في المرور سواك فيصير كقولك برجل آخر اذا ثنّى به ، ومنه مررت برجلين سواء ، على أنهما لم يزيدا على رجلين ولم ينقصا من رجلين وكذلك مررت بدرهم سواء ، ومنه أيضا مررت برجلين مسلم وكافر ، جمعت الاسم وفرقت النعت ، وإن شئت كان المسلم والكافر بدلا كأنه أجاب من قال بأي ضرب مررت وإن شاء رفع كأنه أجاب من قال فما هما ، فالكلام على هذا وإن لم يلفظ به المخاطب لأنه انما يجري كلامه على قدر مسئلتك عنده لو سألته ، وكذلك مررت برجلين رجل صالح ورجل طالح ، ان شئت جعلته تفسيرا لنعت وصار إعادتك الرجل توكيدا ، وان شئت جعلته بدلا كأنه جواب لمن قال بأي رجل مررت فتركت الأول ، واستقبلت الرجل بالصفة ، وان شئت رفعت على قوله فما هما ، ومما جاء في الشعر قد جمع فيه الاسم وفرق النعت وصار مجرورا ، قوله (وهو رجل من باهلة) : [وافر]

(١) بكيت وما بكا رجل حليم

على ربعين مسلوب وبال

كذا سمعنا العرب تنشده والقوافي مجرورة ومنه أيضا مررت بثلاثة نفر رجلين مسلمين ورجل كافر جمعت الاسم وفصّلت العدّة ثم نعته وفسّرته ، وإن شئت أجريته مجرى الأوّل في الابتداء فترفعه وفي البدل فتجرّه ، قال الراجز (وهو العجاج) : [رجز]

__________________

(٣٢٧) الشاهد فيه جرى مسلوب وبال على الربعين نعتا والرفع فيهما حسن لا مكان التبعيض فيهما والقطع ، والتقدير أحدهما مسلوب والآخر بال ، ولذلك قال سيبويه بعد البيت والقوافي مجرورة ، وقد غلط في هذا لنقصان بال ، واستواء رفعه وجره ، والحجة لسيبويه أن القوافي لو كانت مرفوعة لم يضق عليه الاتيان باسم مرفوع غير منقوص ، وأيضا فان الشاعر المجيد قد يبني قوافيه على اعراب واحد وان كانت موقوفة كقول الحطيئة :

* شاقتك أظعان لليلي دون ناظرة بواكر*

فلو أطلق قوافي القصيدة لكانت كلها مرفوعة

٢٥٠

(١) خوّى على مستويات خمس

كركرة وثفنات ملس

فهذا يكون على وجهين على البدل وعلى الصفة ، ومثل ما يجيء في هذا الباب على الابتداء وعلى الصفة والبدل قوله عزوجل(قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ) ومن الناس من يجرّ والجرّ على وجهين على الصفة ، وعلى البدل ومنه قول كثير عزّة : [طويل]

(٢) وكنت كذى رجلين رجل صحيحة

ورجل رمى فيها الزمان فشلّت

فأما مررت برجل راكع وساجد ومررت برجل رجل صالح فليس الوجه فيه الا الصفة وليس هذا بمنزلة مررت برجلين مسلم وكافر ولا ما أشبهه ، من قبل أنك ثمّ تبعّض كأنك قلت أحدهما كذا والآخر كذا ، ومنهم كذا ومنهم كذا ، واذا قلت مررت برجل قائم ومررت برجل قاعد فهذا اسم واحد ، ولو قلت مررت برجل مسلم وثلاثة رجال مسلمين لم يحسن فيه الّا الجرّ لأنك جعلت الكلام اسما واحدا حتى صار كأنك قلت مررت بقائم ومررت برجال مسلمين ، وهذا قول يونس ولو جاز الرفع لقلت كان عبد الله راكع ، لأنّك إن شبّهته بالتبعيض فالتبعيض هيهنا رفع اذا قلت كان أخواك راكع وساجد ، ومثل ذلك مررت برجل وامرأة وحمار قيام ، فرّقت الأسماء وجمعت النعت فصار جمع النعت هيهنا بمنزلة قولك مررت برجلين مسلمين لأنّ النعت هيهنا ليس مبعّضا ، ولو جاز في هذا الرفع لجاز مررت بأخيك وعبد الله وزيد

__________________

(٣٢٨) الشاهد في جر الكركرة وما بعدها تبيينا لما قبلها على البدل أو عطف البيان لقائم مقام النعت ، وهو الذي أراد سيبويه بقوله فهذا يكون على الصفة* وصف جملا برك متجافيا عن الارض في بروكه لضمره وعظم ثفناته وهي ماولى الارض من قوائمه اذا برك والكركرة ما ولى الارض من صدره.

(٣٢٩) الشاهد فلو حميه رجل صحيحة وما بعدها على قوله رجلين بدلا منهما وتبيينا لهما ، ورجل فعت على القطع لجاز* وصف كلفه بمن يحب وحرصه على الاقامة عندها فتمنى أن يكون أشل الرجل حتى لا يبرح عنها.

٢٥١

قيام ، فصار النعت هيهنا مع الاسماء بمنزلة اسم واحد ، وتقول مررت بأربعة ، صريع وجريح لأنّ الصريع والجريح غير الأربعة فصار على قولك منهم صريع وجريح ، ومن النعت أيضا مررت برجل مثل رجلين وذلك في الغناء والجزء ، وهذا مثل قولك مررت ببرّ ملء قد حين ، فالذي يضاف اليه الملء مقياس ومكيال ومثقال ونحوه والأوّل موزون ومقيس ومكيل ، وكذلك مررت برجلين مثل رجل في الغناء كقولك ببرّين ملء قدح وتقول مررت برجل أسد شدّة وجرأة ، إنما تريد مثل الأسد ؛ وهذا ضعيف قبيح لأنه اسم لم يجعل صفة ، وانما قاله النحويّون تشبيها بقولهم مررت بزيد أسدا شدّة ، وقد يكون خبرا ما لا يكون صفة ، ومثله مررت برجل نار حمرة ، ومنه أيضا ما مررت برجل صالح بل طالح وما مررت برجل كريم بل لئيم أبدلت الصفة الآخرة من الصفة الأولى وأشركت بينهما بل في الاجراء على المنعوت وكذلك مررت برجل صالح بل طالح ، ولكنه يجىء على النّسيان أو الغلط فيتدارك كلامه لأنه ابتدأ بواجب ومثله ما مررت برجل صالح ولكن طالح أبدلت الآخر من الأوّل فجرى مجراه ، فان قلت مررت برجل صالح ولكن طالح فهو محال لأنّ لكن لا يتدارك بها بعد إيجاب ولكنها يثبت بها بعد النفي ، وإن شئت رفعت فابتدأت على هو فقلت ما مررت برجل صالح ولكن طالح ، وما مررت برجل صالح بل طالح ، ومررت برجل صالح بل طالح لأنها من الحروف التي يبتدأ بها ، ومن ذلك قوله عزوجل (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) فالرفع هيهنا بعد النصب كالرفع بعد الجرّ وإن شئت كان الجرّ على أن يكون بدلا على الباء.

وأعلم أنّ بل ولا بل ولكن يشركن بين النعتين فيجريان على المنعوت كما أشركت بينهما الواو والفاء وثمّ وأو ولا وإمّا ، وما أشبه ذلك ، وتقول ما مررت برجل مسلم فكيف رجل راغب في الصّدقة ، بمنزلة فأين راغب في الصدقة ، وزعم يونس أن الحرّ خطأ لأنّ أين ونحوها يبتدأ بهنّ ولا يضمر بعدهنّ شيء كقولك

٢٥٢

فهلّا دينارا إلّا أنهما مما يكون بعدهما الفعل ، ألا ترى أنك لو قلت رأيت زيدا فأين عمرا أو فهل بشرا لم يجز ، وقد بيّن ترك إضمار الفعل فيما مضي ، ولكن وبل لا يبتدآن ولا يكونان إلا على كلام فشبّهن بامّا وأو ونحوهما ومما جرى نعتا على غير وجه الكلام هذا حجر ضبّ خرب ، فالوجه الرفع وهو كلام أكثر العرب وأفصحهم ، وهو القياس لأن الخرب نعت الحجر والحجر رفع ، ولكنّ بعض العرب يجرّه وليس بنعت للضبّ ولكنه نعت للذي أضيف الى الضبّ فجرّوه لأنه نكرة كالضبّ ولأنه في موضع يقع فيه نعت الضبّ ولأنه صار هو والضبّ بمنزلة اسم واحد ألا ترى أنك تقول هذا حبّ رمّان فاذا كان لك قلت هذا حبّ رمّاني فأضفت الرمّان اليك وليس لك الرمّان انما لك الحبّ ، ومثل ذلك هذه ثلاثة أثوابك ، فكذلك يقع على حجر ضبّ ما يقع من حبّ رمّان ، تقول هذا حجر ضبّي وليس لك الضبّ انما لك حجر ضبّ فلم يمنعك ذلك من أن قلت حجر ضبّي والحجر والضبّ بمنزلة اسم مفرد فانجرّ الخرب على الضبّ كما أضفت الحجر اليك مع اضافة الضبّ ، مع أنهم أتبعوا الجرّ الجرّ كما أتبعوا الكسر الكسر ، نحو قولك بهم وبدارهم وما أشبه هذا ، وكلا التفسيرين تفسير الخليل ، وكان كلّ واحد منهما عنده وجها من التفسير ، وقال الخليل لا يقولون إلا هذان حجرا ضبّ خربان ، من قبل أنّ الضب واحد والحجر حجران ، وإنما يغلطون اذا كان الآخر بعدّة الأوّل وكان مذكّرا مثله أو مؤنّثا ، وقال هذه حجرة ضباب خربة لأن الضّباب مؤنّثة والعدّة واحدة فغلطوا ، فهذا قول الخليل ، ولا نرى هذا والأوّل إلا سواء لأنه اذا قال هذا حجر ضبّ متهدّم ففيه من البيان أنه ليس بالضبّ مثل ما في التثنية من البيان أنه ليس بالضبّ وقال العجّاج :

(١) * كأنّ غزل العنكبوت المرمل*

__________________

(٣٣٠) الشاهد فيه جرى المرمل على العنكبوت نعتا لها في اللفظ لقرب جوارها منه وكان الخليل رحمه‌الله لا يجيز مثل هذا حتى يكون المتجاوران مستويين في التعريف والتنكير ـ

٢٥٣

والغزل مذكّر والعنكبوت انثى.

[باب ما أشرك بين الاسمين في الحرف الجارّ فجريا عليه كما أشرك بينهما]

«في النّعت فجريا على المنعوت»

وذلك قولك مررت برجل وحمار قبل ، فالواو أشركت بينهما في الباء فجريا عليه ولم تجعل للرجل منزلة بتقديمك إياه يكون بها أولى من الحمار ، كأنك قلت مررت بهما ، فالنفى في هذا أن تقول ما مررت برجل وحمار أي ما مررت بهما ، وليس في هذا دليل على أنه بدأ بشيء قبل شيء ولا بشيء مع شيء ، لأنه يجوز أن تقول مررت بزيد وعمرو والمبدوء به في المرور عمرو ، ويجوز أن يكون زيدا ، ويجوز أن المرور وقع عليهما في حالة واحدة ، فالواو يجمع هذه الاشياء على هذه المعاني ، فاذا سمعت المتكلّم يتكلّم بهذا أجبته على أيّها شئت لأنها قد جمعت هذه الأشياء ، وقد تقول مررت بزيد وعمرو تعني أنك مررت بهما مرورين وليس في ذلك دليل على المرور المبدوء به كأنه يقول ومررت أيضا بعمرو ، فنفي هذا ما مررت بزيد وما مررت بعمرو وسنبين النفى بحروفه في موضعه إن شاء الله ، ومن ذلك قولك مررت بزيد فعمرو ومررت برجل فامرأة ، فالفاء أشركت بينهما في المرور وجعلت الأول مبدوءا به ، ومن ذلك مررت برجل ثمّ امرأة فالمرور هيهنا مروران ، وجعلت ثمّ الأول مبدوءا به وأشركت بينهما في الجرّ ومن ذلك قولك مررت برجل أو امرأة ، فأو أشركت بينهما في الجر وأثبتت المرور لأحدهما دون الآخر وسوّت بينهما في الدّعوى ، فجواب الفاء ما مررت بزيد فعمرو وجواب ثمّ ما مررت بزيد ثمّ عمرو وجواب أو إن نفيت الاسمين ما مررت بواحد منهما ، وان أثبتّ أحدهما قلت ما مررت بفلان ، ومن ذلك مررت برجل لا امرأة أشركت

__________________

ـ والتأنيث والتذكير والافراد والجمع كقولهم هذا حجر ضب خرب ، وحجرا ضبين خربين ، وحجرة ضباب خربة ، وسيبويه يجيز الحمل على الجوار وان اختلف المتجاوران اذا لم يشكل المعنى كقولك هذان حجرا ضب خربين وهذا حجر ضبين خرب ، واحتج ببيت العجاج هذا لأنه حمل المرمل وهو مذكر على العنكبوت وهي مؤنثة ، والمرمل من وصف الغزل في الحقيقة ، والمرمل والمرمول المنسوج.

٢٥٤

بينهما لا في الباء وأحقّت المرور للأول وفصلت بينهما عند من التبسا عليه فلم يدر بأيهما مررت.

[باب المبدل من المبدل منه]

والمبدل يشرك المبدل منه في الجرّ ، وذلك قولك مررت برجل حمار فهو على وجه محال وعلى وجه حسن ، فأما المحال فأن تعنى أن الرجل حمار وأما الذي يحسن فهو أن تقول مررت برجل ثم تبدل الحمار مكان الرجل فتقول حمار إما أن تكون غلطت أو نسيت فاستدركت ، وإما أن يبدو لك أن تضرب عن مرورك بالرجل ، وتجعل مكانه مرورك بالحمار بعد ما كنت أردت غير ذلك ، ومثل ذلك قولك لا بل حمار ، ومن ذلك قولك مررت برجل بل حمار ، وهو على تفسير مررت برجل حمار ومن ذلك ما مررت برجل بل حمار وما مررت برجل ولكن حمار ، أبدلت الآخر من الأول وجعلته مكانه ، وقد يكون فيه الرفع على أن يذكر الرجل فيقال من أمره ومن أمره فتقول أنت قد مررت به فما مررت برجل بل حمار ولكن حمار ، أي بل هو حمار ولكن هو حمار ، ولو ابتدأت كلاما فقلت ما مررت برجل ولكن حمار تريد ولكن هو حمار كان عربيّا أو بل حمار أو لا بل حمار كان كذلك كأنه قال ولكن الذي مررت به حمار واذا كان قبل ذلك منعوت فأضمرته أو اسم أضمرته أو أظهرته فهو أقوى لأنك تضمر ما ذكرت وأنت هنا تضمر ما لم تذكر وهو جائز عربىّ ، لأن معناه ما مررت بشيء هو بغل فجاز هذا كما جاز المنعوت المذكور ، نحو قولك ما مررت برجل صالح بل طالح ومثل ذلك قوله عزوجل (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) فهذا على أنهم قد كانوا ذكروا الملائكة قبل ذلك بهذا وعلى الوجه الآخر والمعرفة والنكرة في لكن وبل ولا بل سواء ومن المبدل أيضا قولك قد مررت برجل أو امرأة إنما ابتدأ بيقين ثمّ جعل مكانه شكّا أبد له منه فصار الأول والآخر الادّعاء فيهما سواء فهذا شبيه بقوله ما مررت بزيد ولكن عمرو ابتدأ بنفي ثم أبدل مكانه يقينا ، وأما قولهم أمررت برجل أم امرأة ، اذا أردت معنى أيّهما مررت به فانّ

٢٥٥

أم تشرك بينهما كما أشركت بينهما أو وأما ما مررت برجل فكيف امرأة فزعم يونس أنّ الجرّ خطأ ، وقال هو بمنزلة أين ، ومن جرّ هذا فهو ينبغي له أن يقول ما مررت بعبد الله فلم أخيه وما لقيت زيدا مرّة فكم أبا عمرو يريد فلم مررت بأخيه وفكم لقيت أبا عمرو.

واعلم أنّ المعرفة والنكرة في باب الشّريك والبدل سواء.

واعلم أنّ المنصوب والمرفوع في الشّركة والبدل كالمجرور.

[باب مجرى نعت المعرفة عليها]

فالمعرفة خمسة أشياء الأسماء التي هي أعلام خاصّة والمضاف الى المعرفة اذا لم ترد معنى التنوين ، والألف واللام ، والأسماء المبهمة ، والاضمار فأما العلامة اللازمة المختصّة فنحو زيد وعمرو وعبد الله وما أشبه ذلك ، وإنما صار معرفة لأنه اسم وقع عليه يعرف به بعينه دون سائر أمّته ، وأما المضاف الى المعرفة فنحو قولك هذا أخوك ومررت بأبيك وما أشبه ذلك ، وإنما صار معرفة بالكاف التي أضيفت اليها لأنّ الكاف يراد بها الشيء بعينه دون سائر أمّته ، وأما الألف واللام فنحو البعير والرّجل والفرس وما أشبه ذلك وإنما صار معرفة لأنك أردت بالألف واللام الشيء بعينه دون سائر أمّته ، لأنك اذا قلت مررت برجل فانك إنما زعمت أنك انما مررت بواحد ممن يقع عليه هذا الاسم ، لا تريد رجلا بعينه يعرفه المخاطب واذا أدخلت الألف واللام فانما تذكّره رجلا قد عرفه ، فتقول الرجل الذي من أمره كذا وكذا ، ليتوهّم الذي كان عهده بما تذكره من أمره ، وأما الأسماء المبهمة فنحو هذا وهذه وهذان وهاتان وهؤلاء وذاك وتلك وذانك وتانك وأولئك وما أشبه ذلك ، وإنما صارت معرفة لأنها صارت أسماء إشارة الى الشىء دون سائر أمّته ، وأمّا الأضمار فنحو هو وإياه وأنت وأنا ونحن وأنتم وأنتنّ وهنّ وهم وهى والتاء التي في فعلت وفعلت وفعلت وما زيد على التاء نحو قولك فعلتما وفعلتم وفعلتنّ ، والواو التي في فعلوا ، والنون والألف اللّتان في فعلنا في الاثنين والجميع ، والنون في فعلن ، والاضمار الذي ليست له علامة ظاهرة ، نحو

٢٥٦

قد فعل ذاك ، والألف التي في فعلا ، والكاف والهاء في رأيتك ورأيته وما زيد عليهما نحو رأيتكما ورأيتكم ورأيتهما ورأيتهم ورأيتكنّ ورأيتهنّ والياء في رأيتنى ، والألف والنون اللّتان في رأيتنا وغلامنا ، والهاء والكاف اللّتان في بك وبه وبها ، وما زيد عليهنّ نحو قولك بكما وبكم وبكنّ وبهما وبهم وبهنّ ، والياء في غلامى وبى ، وإنما صار الاضمار معرفة لأنك إنما تضمر اسما بعد ما تعلم أنّ من تحدّث قد عرف من تعنى أو ما تعنى وأنّك تريد شيئا بعينه.

واعلم أنّ المعرفة لا توصف إلّا بمعرفة كما أنّ النكرة لا توصف إلّا بنكرة.

واعلم أنّ العلم الخاصّ من الأسماء يوصف بثلاثة أشياء بالمضاف الى مثله ، وبالألف واللام وبالأسماء المبهمة ، فأمّا المضاف فنحو مررت بزيد أخيك ، والألف واللام نحو قولك مررت بزيد الطويل وما أشبه هذا من الاضافة والألف واللام ، وأمّا المبهمة فنحو مررت بزيد هذا وبعمر وذاك ، والمضاف الى المعرفة يوصف بثلاثة أشياء بما اضيف كاضافته ، وبالألف واللام ، وبالأسماء المبهمة وذلك نحو مررت بصاحبك أخي زيد ، ومررت بصاحبك الطويل ، ومررت بصاحبك هذا وأمّا الألف واللام فيوصف بالألف واللام وبما أضيف الى الألف واللام ، لأن ما أضيف الى الألف واللام بمنزلة الألف واللام فصار نعتا كما صار المضاف الى غير الألف واللام صفة لما ليس فيه ألف ولام ، نحو مررت بزيد أخيك وذلك قولك مررت بالجميل النبيل ، ومررت بالرجل ذي المال ، وانما منع أخاك أن يكون صفة للطويل أنّ الأخ اذا أضيف كان أخصّ لأنه مضاف الى الخاصّ والى إضماره فانما ينبغي لك أن تبدأ به ، وإن لم تكتف بذلك زدت من المعرفة ما يزاد به معرفة وإنما منع هذا أن يكون صفة للطويل والرجل أن المخبر أراد أن يقرّب به شيئا ويشير اليه لتعرفه بقلبك وبعينك دون سائر الأشياء ، واذا قال الطويل فانما يريد أن يعرّفك شيئا بقلبك ولا يريد أن يعرّفكه بعينك ، فلذلك صار هذا ينعت بالطويل ولا ينعت الطويل بهذا ، لأنه صار أخصّ من الطويل حين أراد أن يعرّفه شيئا بمعرفة العين ومعرفة القلب ، واذا قال الطويل فانما عرّفه شيئا

٢٥٧

بقلبه دون عينه فصار ما اجتمع فيه شيئان أخصّ.

واعلم أنّ المبهمة توصف بالأسماء التي فيها الألف واللام والصفات التي فيها الألف واللام جميعا ، وانما وصفت بالأسماء التي فيها الألف واللام لأنها والمبهمة كشيء واحد ، والصفات التي فيها الألف واللام هي بمنزلة الأسماء في هذا الموضع وليست بمنزلة الصفات في زيد وعمرو اذا قلت مررت بزيد الطويل لأني لا أريد أن أجعل هذا اسما خاصّا ولا صفة له يعرف بها ، وكأنك أردت أن تقول مررت بالرجل ولكنك إنما ذكرت هذا لتقرّب به الشيء وتشير اليه ، ويدلّك على ذلك أنك لا تقول مررت بهذين الطويل والقصير وأنت تريد أن تجعله من الاسم الأوّل بمنزلة هذا الرجل ، ولا تقول مررت بهذا ذي المال كما قلت مررت بزيد ذي المال.

واعلم أنّ صفات المعرفة تجري من المعرفة مجرى صفات النكرة من النكرة ، وذلك قولك مررت بأخويك الطويلين ، فليس في هذا إلا الجرّ كما ليس في قولك مررت برجل طويل إلا الجرّ ، وتقول مررت بأخويك الطويل والقصير ، ومررت بأخويك الراكع والساجد ، ففي هذا البدل وفي هذا الصفة وفيه الابتداء كما كان ذلك في مررت برجلين صالح وطالح ، واذا قلت مررت بزيد الراكع ثمّ الساجد أو الراكع فالساجد أو الراكع لا الساجد ، أو الراكع أو الساجد ، أو إما الراكع ، وإما الساجد ، وما أشبه هذا لم يكن وجه كلامه إلا الجرّ كما كان ذلك في النكرة ، فان أدخلت بل ولكن جاز فيهما ما جاز في النكرة فعلى هذا فقس المعرفة.

واعلم أنّ كلّ شيء كان للنكرة صفة فهو للمعرفة خبر ، وذلك قولك مررت بأخويك قائمين فالقائمان هنا نصب على حدّ الصفة في النكرة ، وتقول مررت بأخويك مسلما وكافرا ، هذا على من جرّ وجعلهما صفة للنكرة ومن جعلهما بدلا من النكرة جعلهما بدلا من المعرفة كما قال الله عزوجل (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) وأنشد لبعض العرب الموثوق بهم : [كامل]

٢٥٨

(١) فالى ابن أمّ أناس ارحل ناقتي

عمرو فتبلغ حاجتي أو تزحف

ملك اذا نزل الوفود ببابه

عرفوا موارد مزبد لا ينزف

ومن رفع في النكرة رفع في المعرفة ، قال الفرزدق : [طويل]

(٢) فأصبح في حيث التقينا شريدهم

طليق ومكتوف اليدين ومزعف

وقال الآخر (وهو رجل من بني قشير) : [طويل]

(٣) فلا تجعلي ضيفيّ ضيف مقرّب

وآخر معزول عن البيت جانب

والنصب جيّد كما قال النابغة الجعدي : [طويل]

(٤) وكانت قشير شامتا بصديقها

وآخر مزريّا عليه وزاريا

وقال الآخر (وهو ذو الرمّة) [طويل]

__________________

(٣٣١) الشاهد فيه جرى ملك على ما قبله بدلا منه وهو من بدل النكرة من المعرفة لما فيه من زيادة الفائدة ، ولو رفع على القطع لكان حسنا* يمدح عمرو بن هند الملك ، وأم أناس بعض جداته ، وهي من بنى يشكر ومعنى تزحف تعيا وتكل ، والموارد مناهل الماء المورودة شبه بها عطاياه وجعله كالبحر المزبد لكثرة وجوده ، ومعنى ينزف يستنفد ماؤه.

(٣٣٢) الشاهد فيه رفع طليق وما بعده على القطع لأنه تبعيض للشريد وتبيين لأنواعه والشريد واحد يؤدى عن الجمع لأنه واقع على كل من شردته الحرب وأجلته ، فكأنه قال منهم طليق أي منعم عليه ومنهم مكتوف اليدين أي أسير مغلول ومنهم مزعف أي مقتول والزعاف الموت الوحى وهو مثل الذعاف ، ويروى مزعف بالكسر ومعناه ذو إزعاف أي ذو صرع وقتل وليس بجار على هذا الفعل وهكذا رواه حملة الكتاب.

(٣٣٣) الشاهد فيه رفع ضيف على القطع ولو نصب لجاز والقول فيه كالقول فيما قبله والجانب هنا بمعنى المجانب المتباعد أي سوّى بين ضيفي في التقريب والاكرام.

(٣٣٤) الشاهد فيه حمل شامت وما بعده على كان خبرا عنها ولو قطع لكان حسنا كما تقدم* هجا قشيرا وهي قبيلة من بني عامر كانت بينه وبينهم مهاجاة فجعل منهم من يشمت بصديقه اذا نكب وجعل بعضهم يرزأ بعضا للؤمهم واستطالة قويهم على ضعيفهم وبنى مرزيا على تخفيف الهمزة ولو بناه على الأصل لقال مرزوا.

٢٥٩

(١) ترى خلقها نصف قناة قويمة

ونصف نقا يرتجّ أو يتمرمر

وبعضهم ينصبه على البدل وان شئت كان بمنزلة رأيته قائما كأنه صار خبرا على حدّ من جعله صفة للنكرة على الأوجه الثلاثة.

واعلم أن المضمر لا يكون موصوفا من قبل أنّك إنما تضمر حين ترى أنّ المحدّث قد عرف من تعني ، ولكن لها أسماء تعطف عليها ، تعمّ وتؤكّد ، وليست صفة لأنّ الصفة تحلية نحو الطويل ، أو قرابة نحو أخيك وصاحبك وما أشبه ذلك ، أو نحو الأسماء المبهمة ولكنها معطوفة على الاسم تجرى مجراه ، فلذلك قال النحويون صفة ، وذلك قولك مررت بهم كلّهم ، أي لم أدع منهم أحدا ، ويجيء توكيدا كقولك لم يبق منهم مخبّر ، وقد بقي منهم ، ومنه أيضا مررت بهم أجمعين أكتعين ، ومررت بهم جمع كتع ، ومررت به أجمع أكتع ومررت بهم جميعهم فهكذا هذا وما أشبهه ، ومنه مررت به نفسه ، ومعناه مررت به بعينه.

واعلم أنّ العلم الخاصّ من الأسماء لا يكون صفة لأنه ليس بحلية ولا قرابة ولا مبهم ولكنه يكون معطوفا على الاسم كعطف أجمعين ، وهذا قول الخليل وزعم أنه من أجل ذلك قال يا أيّها الرجل زيد أقبل ، قال لو لم يكن على الرجل كان غير منّون ، وانما صار المبهم بمنزلة المضاف لأنّ المبهم تقرّب به شيئا أو تباعده وتشير اليه ، ومن الصفة أنت الرجل

__________________

(٣٣٥) الشاهد فيه رفع نصف وما بعده على القطع والابتداء ، ولو نصب على البدل أو على الحال لجاز ، وقد غلط سيبويه في حمله على الحال وزعم الرادانه معرفة لأنه في نية الاضافة فكأنه قال ترى خلقها نصفه كذا ونصفه كذا ، والحجة لسيبويه أنه نكرة وان كان متضمنا لمعنى الاضافة وليس من باب كل وبعض لأن العرب قد أدخلت فيه الألف واللام وثنته وجمعته وليس شىء من ذلك في كل وبعض فلذلك أجاز نصبه على الحال كما قال الشاعر

ونحن اقتسمنا المال نصفين بيننا

فقلت لها هذا لهاها وذاليا

* وصف امرأة فجعل أعلاها في الارهاف واللطافة كالقناة وأسفلها في امتلائه وكثافته كالنقا المرتج والنقا الكثيب من الرمل وارتجاجه اضطرابه وانهيال بعضه على بعض للينه والتمر مر أن يجري بعضه في بعض.

٢٦٠