كتاب سيبويه - ج ١

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]

كتاب سيبويه - ج ١

المؤلف:

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٨٢

وانما يريد وإما من خريف ، ومن أجاز ذلك في الكلام دخل عليه أن يقول مررت برجل إن صالح وان طالح يريد إمّا ، وإن أراد ان الجزاء فهو جائز لأنه يضمر فيها الفعل الذي يصل بحرف وأمّا إمّا فيجري ما بعدها هيهنا على الابتداء ، وعلى الكلام الأوّل ألا ترى أنك تقول قد كان ذلك امّا صلاحا وإمّا فسادا كأنّك قلت قد كان ذلك صلاحا أو فسادا ، ولو قلت قد كان ذلك ان صلاحا وان فسادا كان النصب على كان اخرى ، ويجوز الرفع على ما ذكرنا ، ومما ينتصب على اضمار الفعل المستعمل اظهاره قولك هلا خيرا من ذلك وألّا خيرا من ذلك أو غير ذلك كأنك قلت ألّا تفعل خيرا من ذلك أو ألّا تفعل غير ذلك وهلّا تأتي خيرا من ذلك ، وربما عرضت هذا على نفسك فكنت فيه كالمخاطب كقولك هلّا أفعل وألّا أفعل وان شئت رفعته فقد سمعنا رفع بعضه من العرب وممّن سمعه من العرب ، فجاز إضمار ما يرفع كما جاز إضمار ما ينصب ومن ذلك قولك أو فرقا خيرا من حب أي أو أفرقك فرقا خيرا من حب ، وانما حمله على الفعل لأنه سئل عن فعله فأجابه على الفعل الذي هو عليه ولو رفع جاز كأنه قال أو إمري فرق خير من حبّ ، وانما انتصب هذا النحو على أنه يكون الرجل في فعل فتريد أن تنقله أو ينتقل هو الى فعل آخر ، فمن ثمّ نصب أو فرقا لأنه أجاب على أفرق وترك الحب.

وممّا ينتصب على اضمار الفعل المستعمل إظهاره قولك ألا طعام ولو تمرا وأتني

__________________

ـ له خاصة* وصف وعلا يألف قصبة مخصبة في جبل حصين لا يوصل اليه والامطار ملازمة له ، ولا تعييه فلا يحتاج الى أن يسهل فيصاد وهو مع ذلك لا ينجو من الحتف ، وقبل هذا البيت :

اذا شاء طالع مشجورة

ترى حولها النبع والساسما

والمشجورة الروضة المملوءة عشبا والنبع والساسم من شجر الجبال والصيف مطر الصيف وأراد بالخريف مطر الخريف ، وبعد هذا البيت :

فلو كان من حتفه ناجيا

لكان هو الصدع الأعظما

١٦١

بدابّة ولو حمارا ، وان شئت قلت ألا طعام ولو تمر ، كأنك قلت ولو يكون عندنا تمر ولو سقط الينا تمر واحسن ما تضمر فيه أحسنه في الاظهار ، ولو قلت ولو حمار فجررت كان بمنزلته فى إن ، ومثله قول بعضهم : اذا قلت جئتك بدرهم فهلّا دينار ، وهو بمنزلة إن في هذا الموضع تبنى عليها الأفعال والرفع قبيح في فهلّا دينار وفي ولو حمار لأنك لو لم تحمله على اضمار يكون ففعل المخاطب أولى به والرفع في هذا وفي ولو حمار بعيد كأنه يقول ولو يكون مما يأتيني به حمار ولو بمنزلة إن لا يكون بعدها إلّا الأفعال ، فان سقط بعدها اسم ففيه فعل مضمر في هذا الموضع تبنى عليه الأسماء فاذا قلت ألا ماء ولو باردا لم يحسن الّا النصب لأنّ باردا صفة ، ولو قلت ائتني ببارد ، كان قبيحا ، ولو قلت ائتني بتمر كان حسنا ، ألا ترى كيف قبح أن تضع الصفة موضع الاسم ، ومن ذلك قول العرب ادفع الشّر ولو إصبعا كأنه قال ولو دفعته اصبعا ولو كان اصبعا ، ولا يحسن أن تحمله على ما يرفع لأنك ان لم تحمله على اضمار يكون ، ففعل المخاطب المذكور أولى وأقرب فالرفع في هذا وفي ائتني بدابّة ولو حمار بعيد كأنه يقول ولو يكون مما تأتيني به حمار ولو يكون مما تدفع به اصبع ، ومما ينتصب على اضمار الفعل المستعمل اظهاره أن ترى الرجل قد قدم من سفر فتقول خير مقدم ، أو يقول الرجل رأيت فيما يرى النائم كذا وكذا فتقول خيرا لنا وشرّا لعدوّنا وخيرا وما شرّ ، وان شئت قلت خير مقدم وخير لنا وشر لعدوّنا ، أما النصب فكأنه بناه على قوله قدمت فقال قدمت خير مقدم وإن لم يسمع منه هذا اللفظ فانّ قدومه ورؤيته إيّاه بمنزلة قوله قدمت ، وكذلك إن قيل قدم فلان ، وكذلك إذا قال رأيت فيما يرى النائم كذا وكذا فتقول خيرا لنا وشرّا لعدوّنا فاذا نصب فعلى الفعل ، وأمّا الرفع فعلى أنه جعل ذلك أمرا ثابتا ولم يرد أن يحمله على الفعل وجعله مبتدءا أو مبنيّا على مبتدإ فكأنّه قال هذا خير مقدم وهذا خير لنا وشر لعدوّنا وهو خير وما شرّ ، ومن ثمّ قالوا مصاحب معان ومبرور مأجور ، كأنه قال أنت مصاحب وأنت مبرور فاذا رفعت هذه الأشياء فالذي في نفسك ما أظهرت واذا نصبت فالذي في نفسك غير ما أظهرت وهو الفعل والذي أظهرته الاسم ، وأما قولهم راشدا مهديّا فانهم أضمروا اذهب راشدا مهديّا ، وان

١٦٢

شئت رفعت كما رفعت مصاحب معان ولكنه كثر النصب في كلامهم لأنّ راشدا مهديّا بمنزلة ما صار بدلا من اللفظ بالفعل كأنه لفظ برشدت وهديت ، وسترى بيان ذلك ان شاء الله ، ومثله هنيئا مريئا ، وان شئت نصبت فقلت مبرورا مأجورا ومصاحبا معانا حدّثنا بذلك عن العرب عيسى ويونس وغيرهما كأنه قال رجعت مبرورا واذهب مصاحبا.

ومما ينتصب أيضا على اضمار الفعل المستعمل إظهاره قول العرب حدّث فلان بكذا وكذا فتقول صادقا والله أو أنشدك شعرا فتقول صادقا والله أى قاله صادقا لأنك اذا أنشدك فكأنه قد قال كذا ، ومن ذلك أيضا ان ترى رجلا قد أوقع أمرا أو تعرّض له فتقول متعرّضا لعنن لم يعنه أي دنا من هذا الامر متعرّضا لعنن لم يعنه ، وترك ذكر الفعل لما يرى من الحال ، ومثله بيع الملطىّ لا عهد ولا عقد وذلك إن كنت في حال مساومة وحال بيع فتدع أبايعك استغناءا لما فيه من الحال ، ومثله : [طويل]

* مواعيد عرقوب أخاه بيثرب*

كأنه قال واعدتني مواعيد عرقوب أخاه ولكنه ترك واعدتني استغناءا بما هو فيه من ذكر الخلف واكتفاءا بعلم من يعني بما كان بينهما قبل ذلك ، ومن العرب من يقول متعرّض ، ومنهم من يقول صادق والله وكل عربي ، ومثله غضب الخيل على اللّجم كأنه قال غضبت أو رآه غضبان فقال غضب الخيل فكأنه بمنزلة قوله غضبت أى غضبت غضب الخيل على اللجم ، ومن العرب من يرفع فيقول غضب الخيل على اللجم فرفعه كما رفع بعضهم الظّباء على البقر ، ومثله أن تسمع الرجل ذكر رجلا فقلت أهل ذاك وأهله أى ذكرت أهله لأنك في ذكره فحمله على المعنى وإن شاء رفع على هو ونصبه وتفسيره تفسير خير مقدم.

[باب ما ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره استغناءا عنه]

وسأمثّله لك مظهرا لتعلم ما أرادوا ان شاء الله تعالى.

١٦٣

[باب ما جرى منه على الأمر والتحذير]

وذلك قولك اذا كنت تحذّر إيّاك كأنّك قلت إياك نحّ وإياك باعد وإياك اتّق وما أشبه ذا ، ومن ذلك أن تقول نفسك يا فلان أى اتّق نفسك الّا أنّ هذا لا يجوز فيه إظهار ما أضمرت ولكن ذكرته لأمثّل لك ما لا يظهر إضماره ، ومن ذلك أيضا قولك إياك والاسد ، وإياى والشرّ كأنه قال إياك فأتّقينّ والأسد وكأنه قال إياى لأتّقينّ والشرّ فاياك متّقى والاسد والشرّ متّقيان فكلاهما مفعول ومفعول منه ومثله إياى وأن يحذف أحدكم الأرنب ومثله إياك وإياه وإياى وإياه كأنه قال إياك باعد وإباه أو إياى نحّ ، وزعم أنّ بعضهم يقال له إياك فيقول إياى كأنه قال إياى أحفظ وأحذر وحذفوا الفعل من إياك لكثرة استعمالهم إياه في الكلام فصار بدلا من الفعل وحذفوا كحذفهم حينئذ الآن فكأنّه قال احذر الأسد ولكن لا بدّ من الواو لأنه اسم مضموم إلى آخر ، ومن ذلك رأسه والحائط كأنّه قال خلّ أودع رأسه مع الحائط فالرأس مفعول والحائط مفعول معه فانتصبا جميعا ، ومن ذلك قولهم شأنك والحجّ كأنه قال عليك شأنك مع الحجّ ، ومن ذلك امرءا ونفسه كأنه قال دع أمرءا مع نفسه فصارت الواو في معني مع كما صارت في معني مع في قولهم ما صنعت وأخاك ، وإن شئت لم يكن فيه ذلك المعني فهو عربىّ جيّد كأنه قال عليك رأسك وعليك الحائط وكأنه قال دع أمرءا ودع نفسه فليس ينقض هذا ما أردت في معني مع من الحديث ، ومثل ذلك أهلك والليل كأنه قال بادر أهلك قبل الليل ، وإنما المعني أن يحذّره أن يدركه الليل والليل محذّر منه كما كان الأسد محتفظا منه ، ومن ذلك قولهم ماز رأسك والسيف كما تقول رأسك والحائط وهو يحذّره ، كأنّه قال اتّق رأسك والحائط ، وإنّما حذفوا الفعل في هذه الأشياء حين ثنّوا لكثرتها في كلامهم واستغناءا بما يرون من الحال وبما جرى من الذكر ، وصار المفعول الاوّل بدلا من اللفظ بالفعل حين صار عندهم مثل إياك ولم يكن مثل إياك لو أفردته لأنه لم يكثر في كلامهم كثرة إياك فشبّهت بايّاك حيث طال الكلام وكان كثيرا في الكلام ، ولو قلت نفسك أو رأسك أو الجدار كان إظهار الفعل جائزا نحو قولك اتّق رأسك واحفظ نفسك واتّق الجدار ، فلما ثنّيت صار بمنزلة إيّاك

١٦٤

وإيّاك بدل من اللفظ بالفعل ، كما كانت المصادر كذلك نحو الحذر الحذر ، ومما جعل بدلا من اللفظ بالفعل قولهم الحذر الحذر والنّجاء النّجاء وضربا ضربا ، فانما انتصب هذا على الزم الحذر وعليك النجاء ولكنّهم حذفوا لأنه صار بمنزلة افعل ودخول الزم وعليك على افعل محال ، ومن ثم قال عمرو بن معدى كرب : [وافر]

(١) أريد حباءه ويريد قتلى

عذيرك من خليلك من مراد

وقال الكميت : [طويل]

(٢) نعاء جذاما غير موت ولا قتل

ولكن فراقا للدّعائم والأصل

وقال ذو الأصبع العدواني : [هزج]

__________________

(٢١٧) الشاهد فيه نصب عذيرك ووضعه موضع الفعل بدلا منه والمعنى هات عذرك وقرب عذرك والتقدير اعذرني منه عذرا واختلف في العذير فمنهم من جعله مصدرا بمعنى العذر وهو مذهب سيبويه ومنهم من جعله بمعنى عاذر كعليم وعالم والمعنى عنده هات عاذرك وأحضر عاذرك وامتنع ان يجعله بمعني العذر لأن فعيلا لا ينبىء على المصدر الا في الاصوات نحو الصهيل والنهيق والنبيح وما أشبهه ، والاولى مذهب سيبويه لأن المصدر يطرد وضعه موضع الفعل بدلا منه لأنه اسمه ولا يطرد ذلك في اسم الفاعل وقد جاء فعيل في غير الصوت كقولهم وجب القلب وجيبا اذا اضطرب* يقول لقيس بن مكشوح المرادى وكانا صديقين ثم أظلم ما بينهما لأمر أوجب ذلك فيقول أريد حباءه ونفعه مع ارادته قتلى وتمنيه موتي فمن يعذرنى منه ، والحباء العطية ويروى أريد حياته.

(٢١٨) الشاهد فيه وضع نعاء موضع الفعل وبدلا من اللفظ به والمعني انع جذا ما وعلته كعلة* تراكها من ابل تراكها* وقد مر تفسيره* يقول هذا منكرا على جذام انتسابها الى عدي ابن عمرو بن سبا ، ومؤاخاتها للخم بن عدي بن عمرو والكميت من أسد بن خزيمة بن مدركة وكان متعصبا لمضر وهاجيا لليمن وجذام فيما يزعم بعض النسا بين من ولد أسد بن خزيمة لحقوا باليمن ، وانتسبوا اليهم فقال الكميت محققا لذلك انع جذا ما غير ميتين ولا مقتولين ولكن مفارقين لاصلهم من مضر ومنتسبين الى غيرهم من اليمن.

١٦٥

(١) عذير الحيّ من عدوا

ن كانوا حيّة الأرض

فلم يجز إظهار الفعل ، وقبح كما كان ذلك محالا

[باب ما يكون معطوفا في هذا الباب على الفاعل المضمر في النيّة ويكون معطوفا على] «المفعول ، وما يكون صفة المرفوع المضمر في النية ويكون على المفعول»

وذلك قولك إيّاك أنت نفسك أن تفعل وإياك نفسك أن تفعل فان عنيت الفاعل المضمر في النيّة قلت إيّاك أنت نفسك كأنك قلت ايّاك نحّ أنت نفسك وحملته على الاسم المضمر نحّ ، فان قلت اياك نفسك تريد الاسم المضمر الفاعل فهو قبيح وهو على قبحه رفع ويدلّك على قبحه أنّك لو قلت اذهب نفسك كان قبيحا حتى تقول أنت ، فمن ثمّ كان النصب أحسن لأنك اذا وصفت بنفسك المضمر المنصوب بغير أنت جاز تقول رأيتك نفسك ولا تقول انطلقت نفسك واذا عطفت قلت ايّاك وزيدا والأسد وكذلك رأسك ورجليك والضّرب ، وانما أمرته أن يتّقيهما جميعا والضرب ، فان حملت الثاني على الاسم المرفوع المضمر فهو قبيح لأنك لو قلت اذهب وزيد كان قبيحا ، حتى تقول اذهب أنت وزيد ، فان قلت إيّاك أنت وزيد فانت بالخيار ان شئت حملته على المنصوب وان شئت على المضمر المرفوع ، لأنك لو قلت رأيتك قلت ذاك أنت وزيد جاز ، فان قلت رأيتك قلت ذاك وزيدا فالنصب أحسن لأنّ المنصوب يعطف على المنصوب المضمر ولا يعطف على المرفوع المضمر إلا في الشعر وذلك قبيح ، أنشدنا يونس لجرير : [متقارب]

(٢) إياك أنت وعبد المسيح

أن تقربا قبلة المسجد

__________________

(٢١٩) الشاهد فيه كالشاهد في بيت عمرو بن معدى كرب قبله وعلته كعلته* وصف ما كان من تفرق عدوان بن عمرو بن سعد بن قيس عيلان وتشتتهم في البلاد مع كثرتهم وعزتهم في البلاد لكثرة سادتهم ، وبغى بعضهم على بعض فيقول من يعذرهم في فعلهم أو من يعذرني منهم ، وقوله كانوا حية الارض أي كانوا يتقى منهم لكثرتهم وعزتهم كما يتقي من الحية المنكرة.

(٢٢٠) الشاهد فيه عطف عبد المسيح على اياك على تقدير حذر نفسك وعبد المسيح ويجوز الرفع عطفا على انت اي احذر أنت وعبد المسيح* يخاطب بهذا الفرزدق لميله مع الاخطل يقول لا تقرب المسجد فلست على الملة لميلك الى النصارى ومداخلتك لهم.

١٦٦

أنشدناه منصوبا وزعم أنّ العرب كذا تنشده.

واعلم أنه لا يجوز أن تقول إياك زيدا كما أنه لا يجوز أن تقول رأسك الجدار حتى تقول من الجدار أو والجدار وكذلك أن تفعل اذا أردت إياك والفعل ، فاذا قلت ايّاك أن تفعل تريد اياك أعظ مخافة أن تفعل أو من أجل أن تفعل جاز لأنك لا تريد أن تضمّه الى الاسم الأوّل كأنك قلت ايّاك نحّ لمكان كذا وكذا ، ولو قلت ايّاك الاسد تريد من الأسد لم يجز كما جاز في أن الّا أنّهم زعموا أنّ ابن أبي اسحق أجاز هذا البيت في شعر : [طويل]

(١) ايّاك ايّاك المراء فانّه

الى الشرّ دعّاء وللشّر جالب

كأنّه قال ايّاك ثم اضمر بعد ايّاك فعلا آخر فقال اتّق المراء ، قال الخليل لو أنّ رجلا قال إياك نفسك لم أعنّفه لأن هذه الكاف مجرورة ، وحدّثني من لا أتّهم عن الخليل أنه سمع اعرابيا يقول اذا بلغ الرجل الستين فاياه وإيا الشّواب.

[باب يحذف منه الفعل لكثرته في كلامهم حتى صار بمنزلة المثل]

وذلك قولك هذا ولا زعماتك أي ولا أتوهّم زعماتك ، ومن ذلك قول الشاعر وهو ذو الرّمّة وذكر المنازل والديار [بسيط]

(٢) ديار ميّة إذ مىّ مساعفة

ولا يرى مثلها عجم ولا عرب

__________________

(٢٢١) الشاهد فيه نصب المراء بعد اياك مع اسقاط حرف العطف ضرورة والمعروف في الكلام اياك والمراء واياك والأسد ولا يجوز اياك الأسد كما لا يجوز اتق نفسك الاسد على ما بينه سيبويه ، ويجوز أن يكون المراء منصوبا باضمار فعل دل عليه اياك كأنه قال اياك تجنب المراء فلا يكون فيه ضرورة على هذا ، ويجوز أن يكون مفعولا له فحذف منه حرف الجر تشبيها بأن وما عملت فيه اذا قلت اياك أن تفعل كذا يريد اياك أعظك ان تمارى ثم وضع المراء موضعه ، والمراء المخالفة في الكلام والملاجة فيه.

(٢٢٢) الشاهد فيه نصب ديار مية باضمار فعل ترك استعماله وقامت بما تقدم دلالته فحذف وتقديره أذكر ديارمية وأعنيها ، ومعنى تساعفنا تواتينا على ما نريد وتساعدنا ، ورخم مية في غير النداء ضرورة ، ويقال كانت تسمي مياومية.

١٦٧

كأنه قال اذكر ديار ميّة ولكنه لا يذكر اذكر لكثرة ذلك في كلامهم واستعمالهم اياه ولما كان فيه من ذكر الديار قبل ذلك ولم يستعمل اظهاره [طويل]

لقد خطّ رومّى ولا زعماته

لميّة خطّا لم تبيّن مفاصله

أضمر ولا أزعم زعماته ولا أتوهّم هذا في قولهم ولا زعماتك ولم يذكر ولا أتوهّم زعماتك لكثرة استعمالهم اياه ولاستدلاله بما يرى من حاله أنه ينهاه عن زعمه ، ومن ذلك قول العرب كليهما وتمرا فهذا مثل قد كثر في كلامهم واستعمل وترك ذكر الفعل لما كان قبل ذلك من الكلام كأنه قال أعطني كليهما وتمرا ، ومن ذلك قولهم كل شيء ولا هذا وكلّ شيء ولا شتيمة حرّ أي ائت كلّ شيء ولا ترتكب شتيمة حر فحذف لكثرة استعمالهم إياه فأجرى مجرى ولا زعماتك ، ومن العرب من يقول كلاهما وتمرا كأنه قال كلاهما لى ثابتان وزدني تمرا ، وكلّ شيء ولا شتيمة حرّ كأنه قال كلّ شيء أمم ولا شتيمة حر وترك ذكر الفعل بعد لا لما ذكرت لك ولأنه يستدل بقوله كل شيء أنه ينهاه ومن العرب من يرفع الديار كأنه قال تلك ديار مية ، وقال الشاعر : [بسيط]

(١) اعتاد قلبك من سلمي عوائده

وهاج أهواءك المكنونة الطّلل

ربع قواء أذاع المعصرات به

وكلّ حيران سار ماؤه خضل

كأنه أراد ذاك ربع أو هو ربع رفعه على ذا وما أشبهه سمعناه ممن يرويه عن

__________________

(٢٢٣) الشاهد فيه رفع الربع على اضمار مبتدا والتقدير ذاك ربع وجاز ذلك لما تقدم من ذكره للطلل الدال عليه ، ولو نصب على أعنى وأذكر لكان حسنا* يقول قد كنت سلوت عن حب سلمي هذه المرأة فلما نظرت الى آثار ديارها متغيرة ذكرتها فعاود قلبي حبها ، ومعنى هاج حرك والمكنونة المستورة وأصلها المصونة ، يقال كننت الشيء اذا صنته واكننته في نفسي اذا سترته وأخفيته والربع المنزل والقواء القفر ومعنى أذاع فرّق وغير ، ومنه اذاعة السر وهو نشره ، والمعصرات السحاب ذوات المطر ويقال الرياح أي غيرته وأزالت بهجته الامطار بما محت منه والرياح بما أذرت عليه ، وأراد بالحيران سحابا تردّد بمطره عليه ولازمه فجعله كالحيران لذلك والخضل الغزير.

١٦٨

العرب ، ومثله لعمر بن أبي ربيعة : [بسيط]

(١) هل تعرف اليوم رسم الدّار والطّللا

كما عرفت بجفن الصّيقل الخللا

دار لمروة اذ أهلى وأهلهم

بالكانسيّة نرعى اللهو والغزلا

فاذا رفعت فالذى في نفسك ما أظهرت واذا نصبت فالذي في نفسك غير ما أظهرت ، ومما ينتصب في هذا الباب على اضمار الفعل المتروك اظهاره انتهوا خيرا لكم ووراءك أوسع لك وحسبك خيرا لك ، اذا كنت تأمر ، ومن ذلك قول الشاعر وهو ابن أبي ربيعة : [سريع]

(٢) فواعديه سر حتى مالك

أو الرّبا بينهما أسهلا

وانما نصبت خيرا لك وأوسع لك لأنك حين قلت انته فانت تريد أن تخرجه من أمر وتدخله في آخر ، وقال الخليل كأنّك تحمله على ذلك المعنى كأنّك قلت انته وادخل فيما هو خير لك فنصبته لأنك قد عرفت أنّك اذا قلت له انته أنّك تحمله على أمر آخر فلذلك انتصب وحذفوا الفعل لكثرة استعمالهم ايّاه في الكلام ولعلم المخاطب أنّه محمول على أمر حين قال انته فصار بدلا من قوله ائت خيرا لك وادخل فيما هو خير لك ، ونظير ذلك قوله انته يا فلان أمرا قاصدا انما أردت انته وأت أمرا قاصدا الا أنّ هذا يجوز لك فيه اظهار الفعل فانما ذكرت لك ذا لأمثّل لك الأوّل به لأنه قد كثر

__________________

(٢٢٤) القول فيه كالقول في الذي قبله وعلته كعلته* شبه رسوم الدار في اختلافها وحسنها في عينه بتوشية الخلل وهي أغشية جفون السيوف واحدتها خلة ، والكانسية موضع بعينه ومعنى نرعى اللهو والغزلا نلتزمهما ونحافظ عليهما والغزل مغازلة النساء.

(٢٢٥) الشاهد فيه نصب أسهل باضمار فعل دل عليه ما قبله لانه لما قال فواعديه سر حتى مالك أو الربا بينهما علم انه مزعج لها داع الى اتيان أحدهما فكأنه قال ائتني أسهل الامرين عليك ، وغير سيبويه يقدره يكن أسهل عليك وقد بين بطلان مثل هذا وعلة امتناعه وسرحتا مالك موضع بعينه والسرحتان شجرتان شهر الموضع بهما والربا جمع ربوة وهي المشرف من الارض.

١٦٩

في كلامهم حتّى صار بمنزلة المثل فحذف كحذفهم ما رأيت كاليوم رجلا ، ومثل ذلك قول القطامى : [وافر]

(١) فكرّت تبتغيه فوافقته

على دمه ومصرعه السّباعا

ومثله قوله ، وهو ابن الرقيات (قيس) : [خفيف]

(٢) لن تراها ولو تأمّلت إلّا

ولها في مفارق الرّأس طيبا

وانما نصب هذا لأنه حين قال وافقته وقال لن تراها فقد علم أنّ الطّيب والسّباع قد دخلا في الرّؤية والموافقة وأنهما قد اشتملا على ما بعدهما في المعنى ، ومثل ذلك قول ابن قميئة (وهو عمرو) : [سريع]

(٣) تذكّرت أرضا بها أهلها

أخوالها فيها وأعمامها

__________________

(٢٢٦) الشاهد فيه نصب السباع على اضمار الموافقة لما جرى من ذكرها في صدر البيت والتقدير فكرت تبتغيه فوافقته ووافقت السباع على دمه ومصرعه ، هذا تقدير سيبويه وقد رد البيت وغلط فيما تأوله فيه وأجازه لان الحمل على المعاني انما يكون بعد تمام الكلام كقولك وافقت زيدا وعنده عمرو وبشرا ، تريد وافقت بشرا عنده لان المعني قد تم في قوله وعنده عمرو ولو قلت وافقت زيدا وعنده عمرا لم يجز عند غير سيبويه في شعر ولا في غيره لنقصان الكلام دون الآخر المحمول على المعنى ، والحجة لسيبويه أن الشعر موضع ضرورة يحتمل فيه ما لا يحتمل في غيره فاذا جاز الحمل في الكلام على المعنى مع التمام جاز في الشعر ضرورة مع النقصان مع أخذه هذا عن العرب وروايته له عنهم ، وغير سيبويه يرويه :

فكرت ذات يوم تبتغيه

فألفت فوق مصرعه السباعا

وسيبويه أوثق من أن يتهم فيما نقله ورواه* وصف بقرة فقدت ولدها فجعلت تطلبه فوافقت السباع عليه.

(٢٢٧) الشاهد فيه كالشاهد في الذي قبله وعلته كعلته لأنه لما قال لن تراها ولو تأملت علم ان الطيب داخل في الرؤية كأنه قال لن تراها الا رأيت لها في مفارق الرأس طيبا ومفارق الرأس الفروق بين خصله واحدها مفرق وفرق.

(٢٢٨) الشاهد فيه نصب الاخوال والاعمام باضمار فعل وهذا جائز عندهم باجماع لأن الكلام قد تم بقوله تذكرت أرضا بها أهلها ثم حمل ما بعده على معنى التذكر فكأنه قال تذكرت أخوالها وأعمامها ولو نصب الأهل على ما نصب عليه السباع والطيب لجاز على بعد.

١٧٠

لأن الأخوال والأعمام قد دخلوه في التذكّر ومثل ذلك فيما زعم الخليل [بسيط]

(١) اذا تغنّى الحمام الورق هيّجني

ولو تغرّبت عنها امّ عمّار

قال الخليل لمّا قال هيّجني عرف انّه قد كان ثم تذكّر لتذكرة الحمام وتهبيجه فألقى ذلك الذي قد عرف منه على أمّ عمّار كأنه قال هيّجني فذكّرني أمّ عمّار ، ومثل ذلك أيضا قول الخليل وهو قول أبي عمرو الارجل إمّا زيدا وإمّا عمرا لأنه حين قال الارجل فهو متمنّ شيئا يسأله ويريده فكأنه قال اللهمّ اجعله زيدا أو عمرا ، أو وفق لي زيدا أو عمرا ، وإن شاء أظهره فيه وفي جميع هذا الذي مثّل به ، وإن شاء اكتفى فلم يذكر الفعل لأنه قد عرف أنه متمنّ سائل شيئا وطالبه ، ومثل ذلك قول الشاعر ، وهو عبد بني عبس : [رجز]

(٢) قد سالم الحيّات منه القدما

الافعوان والشّجاع الشّجعما

وذات قرنين ضموزا ضرزما

فانما نصب الأفعوان والشّجاع لأنه قد علم أنّ القدم هيهنا مسالمة كما أنها مسالمة فحمل الكلام على أنّها مسالمة ، ومثل هذا انشاد بعضهم ، لأوس بن حجر [طويل]

__________________

(٢٢٩) الشاهد فيه حمل أم عمار على فعل مضمر دل عليه ما قبله لأنه لما قال هيجني علم انه يتذكر من يحب فكأنه قال فهيجني فذكرني أم عمار ، وقد تقدم تفسير الورق في ص ١٦.

(٢٣٠) الشاهد فيه نصب الافعوان والشجاع وما بعدهما وحمله على المعني لانه لما قال قد سالم الحيات منه القدما علم ان القدم مسالمة للحيات لان ما سالم شيئا فقد سالمه الآخر فكأنه قال سالمت القدم الافعوان* وصف رجلا بخشونة القدمين وغلظ جلدهما ، والحيات لا تؤثر فيهما والافعوان الذكر من الأفاعي ، والشجاع ضرب من الحيات ، والشجعم الطويل وذات قرنين ضرب منها أيضا والضموز الساكنة المطرقة التي لا تصفر لخبثها فاذا عرض لها انسان ساورته وثبا ، والضرزم المسنة وذلك أخبث لها وأوحى لسمها ويقال الضرزم الشديد.

١٧١

(١) تواهق رجلاها يداها ورأسه

لها قتب خلف الحقيبة رادف

وإنشاد بعضهم ، للحرث بن نهيك : [طويل]

(٢) ليبك يزيد ضارع لخصومة

ومختبط ممّا تطيح الطّوائح

لمّا قال ليبك يزيد كان فيه معنى ليبك يزيد كما كان في القدم أنها مسالمة كأنه قال ليبكه ضارع ، ومن ذلك قول عبد العزيز الكلابيّ : [وافر]

(٣) وجدنا الصّالحين لهم جزاء

وجنّات وعينا سلسبيلا

لأنّ الوجدان مشتمل في المعنى على الجزاء فحمل الآخر على المعنى ولو نصب الجزاء كما نصب السباع لجاز ، وقال : [رجز]

__________________

(٢٣١) الشاهد فيه رفع اليدين حملا على المعني لأن الرجلين لما لابستهما بالمواهقة وهي الملاحقة والمداركة لابستهما اليدان بالمواصلة للسير والمسابقة ، وقد غلط سيبويه في جواز هذا لان الكلام غير تام دون اليدين فيحملان على المعني ولان المواهقة لا تصح الا للرجلين لانهما التابعتان لليدين اللاحقتان لهما وقد بينت التباس فعل بعضهما ببعض ، فلذلك جاز ما ذهب اليه سيبويه على بعده* وصف حمار وحش وأتانا يسوقها الى الوجه الذي يريده ويزعجها نحوه فرأسه في موضع الحقيبة منها وهي مؤخر الرحل فهو كالقتب الموضوع خلفها ، والرادف من ردفت الشىء اذا صرت خلفه.

(٢٣٢) الشاهد فيه رفع الضارع باضمار فعل دل عليه ما قبله كأنه لما قال ليبك يزيد علم أن ثم باكيا يبكيه يجب بكاؤه عليه فكأنه قال ليبك ضارع لخصومة ومختبط محتاج* وصف أنه كان مقيما لحجة المظلوم ناصرا له ومواسيا للفقير المحتاج مفضلا عليه والضارع الذليل الخاضع والمختبط الطالب المعروف وأصل الاختباط ضرب الشجر للابل ليسقط ورقها فتعلفه الابل ، ومعنى تطيح تذهب وتهلك ، يقال أطاحته السنون اذا ذهبت به في طلب الرزق أو أهلكته ، وكان ينبغى أن يقول المطاوح لانه جمع مطيحة فجمعه على حذف الزيادة ، كما قال جل وعز (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ) واحدتها ملقحة.

(٢٣٣) الشاهد فيه حمل الحنات والعين على المعنى ونصبهما باضمار فعل كما تقدم ، والتقدير وجدنا لهم جنات وعينا سلسبيلا والسلسبيل السلس العذاب ولو نصب الجزاء على ما تقدم لجاز على قبحه لانه داخل في الوجدان.

١٧٢

(١) أسقى الاله عدوات الوادي

وجوفه كلّ ملّث غادى

كلّ أجشّ حالك السّواد

كأنه قال سقاها كلّ أجشّ كما حمل ضارع لخصومة على ليبك يزيد لأنّ فيه سقاها كلّ أجشّ ، ولا يجوز أن تقول ينتهي خيرا له ولا أأنتهي خيرا لي ، لأنك اذا نهيت فأنت تزجّيه الى أمر ، واذا أخبرت أو استفهمت فانت لست تريد شيئا من ذلك إنما تعلم خبرا أو تسترشد مخبرا ، وليس بمنزلة وافقته على دمه ومصرعه السّباعا ، لأنّ السباع داخل في معنى وافقته كأنه قال وافقت السّباع على مصرعه ، والخير والشرّ لا يكون محمولا على ينتهي وشبهه لا تستطيع أن تقول انتهيت خيرا كما تقول قد أصبت خيرا ، وقد يجوز أن تقول ألا رجل إمّا زيد وإمّا عمرو كأنه قيل له من هذا المتمنّي فقال زيد أو عمرو ومثل ليبك يزيد قراءة بعضهم (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) رفع الشّركاء على مثل ما رفع عليه ضارع.

[باب ما ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره في غير الأمر والنهي]

وذلك قولك أخذته بدرهم فصاعدا وأخذته بدرهم فزائدا ، حذفوا الفعل لكثرة استعمالهم إيّاه ولأنهم أمنوا أن يكون على الباء لو قلت أخذته بصاعد كان قبيحا لأنه صفة ولا يكون في موضع الاسم كأنه قال أخذته بدرهم فزاد الثمن صاعدا أو فذهب صاعدا ، ولا يجوز أن تقول وصاعد لأنك لا تريد أن تخبر أن الدرهم مع صاعد ثمن لشيء كقولك بدرهم وزيادة ولكنك أخبرت بأدنى الثمن فجعلته أولا ثم قروت شيئا بعد شيء لأثمان شتىّ ، قالوا ولم ترد فيها هذا المعنى ولم تلزم الواو الشيئين أن يكون أحدهما بعد الآخر ألا

__________________

(٢٣٤) الشاهد فيه رفع كل أجش وحمله على المعنى لأنه لما قال أسقي الاله جنبات الوادى كل ملث غادى علم ان ثم سحابا يسقيها فكأنه قال سقاها كل أجش والأجش الشديد صوت الرعد ، والحالك الشديد السواد ، وذلك أخلقه للمطر والملث من المطر الدائم الملازم ، ويقال ألث بالموضع اذا أقام به ، ومعنى أسقى حصل له سقيا تقول سقيتك ماء اذا ناولته اياه يشر به وأسقيتك اذا حصلت له سقيا.

١٧٣

ترى أنك اذا قلت مررت بزيد وعمرو لم يكن في هذا دليل على أنّك مررت بعمرو بعد زيد ، وصاعد بدل من زاد ويزيد ، وثمّ بمنزلة الفاء تقول ثمّ صاعدا إلا أنّ الفاء أكثر في كلامهم ، ومما ينتصب في غير الأمر والنهي على الفعل المتروك إظهاره قولك يا عبد الله والنّداء كلّه ، وأما يا زيد فله علّة ستراها في باب النّداء إن شاء الله حذفوا الفعل لكثرة استعمالهم هذا في الكلام وصار يا بدلا من اللفظ بالفعل ، كأنه قال يا أريد عبد الله فحذف اريته وصارت يا بدلا منها ، لأنك اذا قلت يا فلان علم أنك تريده.

ومما يدلك على أنه ينتصب على الفعل وأنّ يا صارت بدلا من اللفظ بالفعل قول العرب يا إياك انما قلت يا إياك أعني ولكنهم حذفوا الفعل وصار يا وأيا وأى بدلا من اللفظ بالفعل ومن ذلك قول العرب من أنت زيدا ، وزعم يونس أنه قوله من أنت تذكر زيدا ولكنه كثر في كلامهم واستعمل واستغنوا عن إظهاره بأنه قد علم أن زيدا ليس خبرا ولا مبتدءا ولا مبنيا على مبتدإ فلا بدّ من أن يكون على الفعل كأنه قال من أنت معرّفا ذا الاسم ولم تحمل زيدا على من ولا أنت ولا يكون من أنت زيدا إلا جوابا كأنه لما قال أنا زيد قال فمن أنت ذاكرا زيدا ، وبعضهم يرفع وذلك قليل كأنه قال من أنت كلامك أو ذكرك زيد ، وإنما قلّ الرفع لأن إعمالهم الفعل أحسن من أن يكون خبرا لمصدر ليس به ولكنه يجوز على سعة الكلام ، وصار كالمثل الجاري حتى إنهم يسألون الرجل عن غيره فيقول القائل منهم من أنت زيدا كأنه يكلّم الذي قال أنا زيد ، أي أنت عندى بمنزلة الذي قال أنا زيد فقيل له من أنت زيدا كما تقول للرجل أطرّى إنّك ناعلة واحمقي ، أي أنت عندي بمنزلة التي يقال لها هذا ، سمعنا رجلا منهم يذكر رجلا فقال لرجل ساكت لم يذكر ذلك الرجل من أنت فلانا ، ومن ذلك قول العرب أما أنت منطلقا انطلقت معك وأما زيد ذاهبا ذهبت معه ، وقال الشاعر (وهو العباس بن مرداس) [بسيط]

(١) أبا خراشة أمّا أنت ذا نفر

فان قومى لم تأكلهم الضّبع

__________________

(٢٣٥) الشاهد فيه حمل ذا نفر على اضمار كان والتقدير لأن كنت ذا نفر فحذفت كان وجعلت ما لازمة لأن عوضا من حذف الفعل بعدها ومعنى الكلام الشرط ولذلك دخلت الفاء جوابا لأمّا ، وقد بينت علة هذا على مذهب سيبويه في كتاب النكت ، والضبع هنا السنة الشديدة أى ان كنت كثير القوم عزيزا فان قومي موفورون لم تهلكهم السنون.

١٧٤

فانما هي أن ضمّت اليها ما وهي ما التوكيد ولزمت كراهية أن يجحفوا بها لتكون عوضا من ذهاب الفعل كما كانت الهاء والالف عوضا في الزّنادقة واليماني ، ومثل أن في لزوم ما قولهم إما لا فألزموها ما عوضا ، وهذا أحرى أن يلزموا فيه اذ كانوا يقولون آثرا ما فيلزمون ما شبّهوها بما يلزم من النونات في ليفعلنّ واللام في إن كان ليفعل وإن كان ليس مثله ، وانما هو شاذ كنحو ما شبه بما ليس مثله فلما كان قبيحا عندهم أن يذكروا الاسم بعد أن ويبتدؤه بعدها كقبح كي عبد الله يقول ذاك حملوه على الفعل حتى صار كأنهم قالوا إذ صرت منطلقا فانا أنطلق معك لأنها في معنى اذ في هذا الموضع واذ في معناها أيضا في ذا الموضع إلا أنّ اذ لا يحذف معها الفعل وأمّا لا يذكر بعدها الفعل المضمر لأنه من المضمر المتروك إظهاره حتى صار ساقطا بمنزلة تركهم ذلك في النداء وفي من أنت زيدا ، فان أظهرت الفعل قلت إمّا كنت منطلقا انطلقت انما تريد إن كنت منطلقا انطلقت فحذف الفعل لا يجوز هيهنا كما لم يجز ثمّ إظهاره لأن أما كثرت في كلامهم واستعملت حتى صارت كالمثل المستعمل ، وليس كلّ حرف هكذا كما أنه ليس كلّ حرف بمنزلة لم أبل ولم يك ولكنهم حذفوا هذا لكثرته وللاستخفاف فكذلك حذفوا الفعل من أما ومثل ذلك قولهم إما لا فكأنه يقول افعل هذا إن كنت لا تفعل غيره ولكنهم حذفوا ذا لكثرة استعمالهم إياه وتصرّفوا حتى استغنوا عنه بهذا ، ومن ذلك قولهم مرحبا ، وأهلا وان تأتني فأهل الليل والنهار ، وزعم الخليل حين مثّله أنه بمنزلة رجل رأيته سدّد سهما فقلت القرطاس أي أصبت القرطاس أي أنت عندي ممن سيصيبه وإن أثبت سهمه قلت القرطاس أي قد استحقّ وقوعه بالقرطاس ، فانما رأيت رجلا قاصدا الى مكان أو طالبا أمرا فقلت مرحبا وأهلا أي أدركت ذلك وأصبت فحذفوا الفعل لكثرة استعمالهم إيّاه فكأنّه صار بدلا من رحبت بلادك وأهلت كما كان الحذر بدلا من احذر ، ويقول الرادّ وبك وأهلا وسهلا وبك أهلا فاذا قال وبك وأهلا فكأنّه قد لفظ بمرحبا بك وأهلا واذا قال وبك أهلا فهو يقول ولك الأهل اذا كان عندك الرّحب والسعة ، فاذا اردت فانما تقول أنت عندي ممّن يقال له هذا لوجئتني ، وانما جئت ببك لتبيّن من تعني بعد ما قلت مرحبا كما

١٧٥

قلت لك بعد سقيا ، ومنهم من يرفع فيجعل ما يضمر هو ما أظهر ، وقال طفيل الغنويّ : [طويل]

(١) وبالسّهب ميمون النّقيبة قوله

لملتمس المعروف أهل ومرحب

أي هذا أهل ومرحب ، وقال أبو الأسود : [طويل]

(٢) اذا جئت بوّابا له قال مرحبا

ألا مرحب واديك غير مضيّق

فاعرف فيما ذكرت لك أنّ الفعل يجري في الاسماء على ثلاثة مجار ، فعل مظهر لا يحسن إضماره ، وفعل مضمر مستعمل إظهاره ، وفعل مضمر متروك إظهاره ، أمّا الفعل الذي لا يحسن إضماره فانّه أن تنتهي الى رجل لم يكن في ذكر ضرب ولم يخطر بباله فتقول زيدا فلا بدّ له من أن يقول اضرب زيدا وتقول له قد ضربت زيدا ، أو يكون موضعا يقبح أن يعرّي من الفعل نحو أن وقد وما أشبه ذلك ، وأمّا الموضع الذي يضمر فيه وأظهاره مستعمل فنحو قولك زيدا ، لرجل في ذكر ضرب تريد اضرب زيدا ، وأمّا الموضع الذي يضمر فيه الفعل المتروك إظهاره فمن الباب الذي ذكر فيه إيّاك الى الباب الذي آخره ذكر مرحبا وأهلا وسترى ذلك فيما تستقبل إن شاء الله.

[باب ما يظهر فيه الفعل وينتصب فيه الاسم]

لأنه مفعول معه ومفعول به كما انتصب نفسه في قولك امرءا ونفسه ، وذلك قولك ما صنعت وأباك ولو تركت الناقة وفصيلها لرضعها انما أردت ما صنعت مع أبيك ولو

__________________

(٢٣٦) الشاهد فيه رفع أهل ومرحب على اضمار مبتدإ والتقدير هذا أهل ومرحب أو يكون مبتدا على معنى لك أهل ومرحب* يرثي رجلا دفن بالسهب وهو موضع بعينه وأصله ما انخفض من الارض وسهل والنقيبة الطبيعة.

(٢٣٧) الشاهد فيه رفع مرحب وتفسيره كالذي قبله والمعني ان بوابه قد اعتاد الاضياف فيتلقاهم مستبشرا بهم لما عرف من حرص صاحبه عليهم ، ثم قال ألا مرحب أي عندك الرحب والسعة فلا يضيق واديك بمن حله.

١٧٦

تركت الناقة مع فصيلها فالفصيل مفعول معه والأب كذلك والواو لم تغيّر المعنى ولكنّها تعمل في الاسم ما قبلها ، ومثل ذلك ما زلت وزيدا حتى فعل أي ما زلت بزيد حتى فعل فهو مفعول به ، وما زلت أسير والنّيل أي مع النّيل واستوى الماء والخشبة أي بالخشبة ، وجاء البرد والطيّالسة أي مع الطيالسة ، وقال : [وافر]

(١) فكونوا أنتم وبني أبيكم

مكان الكليتين من الطّحال

وقال (كعيب بن جعيل) : [طويل]

(٢) وكان وإيّاها كحرّان لم يفق

عن الماء اذ لاقاه حتّى تقدّدا

ويدلّك على أنّ الاسم ليس على الفعل في صنعت أنّك لو قلت اقعد وأخوك كان قبيحا حتى تقول أنت لأنه قبيح أن تعطف على المرفوع المضمر فاذا قلت ما صنعت أنت ولو تركت هي فأنت بالخيار إن شئت حملت الآخر على ما حملت عليه الأوّل وإن شئت حملته على المعنى الأوّل.

[باب معنى الواو فيه كمعناها في الباب الأول]

إلّا أنّها تعطف الاسم هيهنا على ما لا يكون ما بعده إلّا رفعا على كلّ حال ، وذلك قولك أنت وشأنك وكلّ رجل وضيعته وما أنت وعبد الله وكيف أنت وقصعة من ثريد ، وما شأنك وشأن زيد ، وقال المخبّل : [كامل]

__________________

(٢٣٨) الشاهد فيه حمل وبني على اضمار فعل لما فيه من معنى وصوله اليه بتوسط مع والتقدير كونوا مع بنى أبيكم فلما حذفت مع تعدي الفعل فنصب وجعلت الواو مؤدية معنى مع* حضهم على الائتلاف والتقارب في المذهب وضرب لهم المثل بقرب الكليتين من الطحال واتصال بعضهما ببعض.

(٢٣٩) الشاهد فيه قوله واياها والمعنى فكان معها والقول فيه كالقول في الذي قبله* كان يقول غرضا اليها فلما لقيها قتله الحب سرورا بها فكان كالحران وهو الشديد العطش أمكنه الماء وهو بآخر رمق فلم يفق عنه حتى انقد ، بطنه أي انشق ، يقال قددت الاديم اذا شققته وهذا مثل.

١٧٧

(١) يا زبرقان أخابني خلف

ما أنت ويب أبيك والفخر

وقال جميل : [طويل]

(٢) وأنت أمرؤ من أهل نجد وأهلنا

تهام فما النّجدىّ والمتغوّر

وقال : [وافر]

(٣) وكنت هناك أنت كريم قيس

فما القيسىّ بعدك والفخار

وانما فرق بين هذا وبين الباب الأوّل لأنه اسم والاوّل فعل فأعمل كأنّك قلت في الأوّل ما صنعت أخاك وهذا محال ولكن أردت أن أمثّل لك ، ولو قلت ما صنعت مع أخيك وما زلت بعبد الله لكان مع أخيك وبعبد الله في موضع نصب ، ولو قلت أنت وشأنك كنت كأنّك قلت أنت وشأنك مقرونان. وكلّ امرىء وضيعته مقرونان ، لأن الواو في معنى مع هيهنا يعمل فيما بعدها ما عمل فيما قبلها من الابتداء والمبتدإ ، ومثله أنت أعلم ومالك فانما أردت أنت أعلم مع مالك وأنت أعلم وعبد الله أي أنت أعلم مع عبد الله ، وإن شئت كان على الوجه الآخر كأنك قلت أنت وعبد الله أعلم من غير كما ، فان قلت أنت أعلم وعبد الله في الوجه الآخر فانها أيضا يعمل فيما بعدها المبتدأ كما أعملت في ما صنعت وأخاك صنعت فعلى أىّ الوجهين وجّهته صار على المبتدإ لأنّ الواو في المعنيين جميعا يعمل فيما بعدها ما عمل في الاسم الذي تعطف عليه وكذلك ما أنت وعبد الله وكيف أنت وعبد الله كأنك قلت ما أنت وما عبد الله وأنت تريد أن تحقّر أمره ، وكذلك كيف أنت وعبد الله

__________________

(٢٤٠) الشاهد فيه رفع الفخر عطفا على أنت مع ما في الواو من معنى مع وامتناع النصب فيه اذ ليس قبله فعل يتعدى اليه فينصبه كما كان في الباب الذي قبله ، ومعني ويب أبيك التصغير له والتحقير وبنو خلف رهط الزبرقان بن بدر الادني اليه من تميم.

(٢٤١) الشاهد فيه قوله والمتغور وهو كالذي قبله ، والتهامي منسوب الى تهامة والنجدي منسوب الى نجد والغور وتهامة ما انخفض من بلاد العرب ونجد ما ارتفع منها.

(٢٤٢) الشاهد فيه رفع الفخار عطفا على القيسى والقول فيه كالقول في الذي قبله* يرثي رجلا من سادات قيس فيقول كنت كريمها ومعتمد فخرها فلم يبق لهم بعدك مفخر.

١٧٨

وأنت تريد أن تسأل عن شأنهما لأنك انما تعطف بالواو اذا أردت معنى مع على كيف ، وكيف بمنزلة الابتداء كأنك قلت وكيف عبد الله فعملت ما عمل الابتداء لأنها ليست بفعل ولأنّ ما بعدها لا يكون الا رفعا ، يدلك على ذلك قول الشاعر (وهو زياد الأعجم ، ويقال غيره) : [وافر]

(١) تكلّفني سويق الكرم جرم

وما جرم وما ذاك السّويق

ألا ترى أنه يريد معنى مع والاسم تعمل فيه ما ، ومثل ذلك قول العرب إنّك ما وخيرا تريد إنّك مع خير ، وقال (وهو شدّاد أبو عنترة) : [وافر]

(٢) فمن يك سائلا عنّى فانّى

وجروة لا ترود ولا تعار

فهذا كلّه ينتصب انتصاب إنّى وزيدا منطلقان ومعناهنّ مع لأنّ إنّى هاهنا بمنزلة الابتداء ليس بفعل ولا اسم بمنزلة الفعل ، وكيف أنت وزيد وأنت وشأنك مثالهما واحد لأنّ الابتداء وكيف وما وأنت يعملن فيما كان معناه مع الرفع ، ويحمل على المبتدإ كما يحمل على الابتداء ، ألا ترى أنّك تقول ما أنت وما زيد فيحسن ، ولو قلت

__________________

(٢٤٣) الشاهد فيه اظهار ما في قوله وما ذاك السويق ، ولو حذفها لاستغنى عنها كما استغنى في الابيات التي قبله عنها فجعل سيبويه اظهارها تقوية لرفع المعطوف في قولك ما أنت وزيد لأن المعني ما أنت وما زيد فان معنى ما جرم وذاك السويق كمعني ما جرم وما ذاك السويق* يقول هذا محتقرا لجرم مستنكرا لهم شرب الخمر وسمى الخمر سويقا لانسياقها في الحلق لان السويق يشرب في الاكثر ولا يؤكل ، وبعده.

وما عرفته جرم وهو حل

وما غالى بها اذ قام سوق

فلما أنزل التحريم فيها

اذا الجرمي عنها لا يفيق

(٢٤٤) الشاهد فيه نصب جروة عطفا على المنصوب بان ، ومعنى الواو فيه معنى مع الا أن ما بعدها محمول على ما قبلها في ان كما كان في الابتداء لعدم الفعل كما تقدم وهو كقول العرب انك ما وخيرا اي مع خير أي مقترن ومصاحب له والتقدير انك والخير مقرونان فاستغني عن ذكر الخبر لتضمن الواو معني الصحبة والاقتران ، وجروة اسم فرسه ومعني ترود تجىء وتذهب اي هي مرتبطة بالفناء لعتقها وكرمها لا تهمل ولا تعار وتبتذل.

١٧٩

ما صنعت وما زيد لم يحسن ولم يستقم اذا أردت معنى ما صنعت وزيدا ، ولم يكن ليعمل ما أنت وكيف أنت عمل صنعت وليسا بفعل ، ولم نرهم أعملوا شيئا من هذا كذا ، فاذا نصبت فكأنّك قلت صنعت زيدا مثل ضربت زيدا ولم نر شيئا من هذا ليس بفعل فعل به هذا فتجريه مجرى الفعل ، وزعموا أن ناسا يقولون كيف أنت وزيدا وما أنت وزيدا ، وهو قليل في كلام العرب لم يحملوا الكلام على ما ولا كيف ولكنهم حملوه على الفعل على شيء لو ظهر حتى يلفظوا به لم ينقض ما أرادوا من المعنى حين حملوا الكلام على ما وكيف كأنه قال كيف تكون أنت وقصعة من ثريد ، وما كنت وزيدا لأن كنت وتكون يقعان هاهنا كثيرا ، ولا ينقضان ما تريد من معنى الحديث فمضى صدر الكلام كأنه قد تكلمّ بها ، وان كان لم يلفظ بها لوقوعها هيهنا كثيرا ، ومن ثم أنشد بعضهم (وهو اسامة بن حبيب الهذلى) : [متقارب]

(١) فما أنا والسّير في متلف

يبرّح بالذّكر الضابط

لأنهم يقولون ما كنت هيهنا كثيرا ولا ينقض هذا المعنى وفي كيف معنى يكون فجرى ما أنت مجرى ما كنت كما أن كيف على معنى يكون ، واذا قال أنت وشأنك فانما أجرى كلامه على ما هو الآن فيه لا يريد كان ولا يكون ، وان كان حمله على هذا ودعاه اليه شيء قد كان بلغه فانما ابتدأ وحمله على ما هو فيه الآن وجرى على ما يبنى على المبتدإ ، ولذلك لم يستعملوا هيهنا الفعل من كان ويكون لما أرادوا من الاجراء على ما ذكرت لك ، وزعم أبو الخطّاب أنه سمع بعض العرب الموثوق بعربيتهم ينشد هذا البيت نصبا : [وافر]

__________________

(٢٤٥) الشاهد فيه نصب السير باضمار الملابسة لأن معني ما أنا والسير مالى ألابس السير وأتشبث به فكأنه قال ما أنا وملابستي السير وقدره سيبويه ما كنت والسير وكيف اكون والسير يسهل نصبه بذكر الفعل لأن الواو لا ينصب ما بعدها على معني مع حتي يكون قبلها الفعل أو يشتمل الكلام على معناه ولو رفع السير هنا عطفا على انا لكان أجود ، كما تقدم في الذي قبله* يقول مالى أتجشم السير في الفلوات الشاقة المبرحة المتلفة وأراد بالذكر جملا لانه أقوى من الناقة والضابط القوى والتبريح المشقة.

١٨٠