كتاب سيبويه - ج ١

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]

كتاب سيبويه - ج ١

المؤلف:

أبو بشر عمرو بن عثمان [ سيبويه ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٨٢

وقال المرّار الاسدىّ [طويل]

(١) لقد علمت أولى المغيرة أنّني

كررت فلم أنكل عن الضّرب مسمعا

ومن قال هو الضارب الرّجل لم يقل عجبت له من الضّرب الرجل لأنّ الضارب الرجل مشبّه بالحسن الوجه لأنه وصف للاسم كما أن الحسن وصف وهو ليس بحد في الكلام ، وقد ينبغي في قياس من قال الضارب الرجل أن يقول الضارب أخي الرجل كما يقول الحسن الاخ والحسن وجه الاخ وكان الخليل يراه ، وان شئت قلت هذا ضرب عبد الله كما تقول هذا ضارب عبد الله فيما انقطع من الأفعال وتقول عجبت من ضرب اليوم زيدا كما قال* يا سارق الليلة أهل الدار* وليس مثل* لله درّ اليوم من لامها* لأنهم لم يجعلوه فعلا أو فعل شيئا في اليوم انما هو بمنزلة لله بلادك ، ويجوز عجبت له من ضرب أخيه يكون المصدر مضافا فعل أو لم يفعل ، ويكون منوّنا وليس بمنزلة ضارب.

[باب الصفة المشبّهة بالفاعل فيما عملت فيه]

ولم تقو أن تعمل عمل الفاعل لأنها ليست في معنى الفعل المضارع فانما شبّهت بالفاعل فيما عملت فيه وما تعمل فيه معلوم ، انما تعمل فيما كان من سببها معرّفا بالالف واللام أو نكرة لا تجاوز هذا ، لأنه ليس بفعل ولا اسم هو في معناه والاضافة فيه أحسن وأكثر لأنه ليس كما جرى مجرى الفعل ، ولا في معناه ، فكان هذا أحسن عندهم أن يتباعد منه في اللفظ كما أنه ليس مثله في المعني وفي قوته في الأشياء ، والتنوين عربيّ جيد ، ومع

__________________

ـ عن شبه الفعل فينصب ما بعده باضمار مصدر منكور فتقديره ضعيف النكاية نكاية أعداءه وهذا يلزمه مع تنوين المصدر لان الفعل لا ينون فقد خرج المصدر عن شبه الفعل بالتنوين فينبغى على مذهبه أن لا يعمل عمله* يهجو رجلا فيقول هو ضعيف عن أن ينكي أعداءه وجبان عن أن يثبت لقرنه ولكنه يلجأ الى الفرار ويخاله مؤخرا لاجله.

(١٧١) الشاهد فيه نصب مسمع بالضرب على نحو ما تقدم ، ويجوز أن يكون بلحقت والاول أولى لقرب الجوار ولذلك اقتصر عليه سيبويه* يقول قد علم أول من لقيت من المغيرين اني صرفتهم عن وجههم هازما لهم ولحقت عميدهم فلم أنكل عن ضربه بسيفي ، والنكول الرجوع عن القرن جبنا.

١٢١

هذا انهم لو تركوا التنوين أو النون لم يكن أبدا الانكرة على حاله منوّنا ، فلما كان ترك التنوين فيه والنون لا يجاوز به معنى النون والتنوين كان تركهما أخفّ عليهم فهذا يقوى أنّ الاضافة أحسن من التفسير الاول ، فالمضاف قولك هذا حسن الوجه وهذه حسنة الوجه ، فالصفة تقع على الاسم الاول ثم توصلها الى الوجه والى كل شيء من سببه على ما ذكرت لك كما تقول هذا ضارب الرجل وهذه ضاربة الرجل الا أن الحسن في المعنى للوجه والضرب هيهنا للاول ، ومن ذلك قولهم هو أحمر بين العينين وهو جيّد وجه الدار ومما جاء منوّنا قول زهير : [بسيط]

(١) أهوى لها أسفع الخدّين مطرّق

ريش القوادم لم ينصب له الشّبك

وقال العجّاج : [رجز]

(٢) محتبك ضخم شؤون الراس

وقال أيضا النابغة : [وافر]

(٣) وتأخذ بعده بذناب عيش

أجبّ الظّهر ليس له سنام

__________________

(١٧٢) الشاهد فيه نصب الريش بمطرق تشبيها له في العمل باسم الفاعل المتعدي لانه صفة مثله جار على فعله كجريه ويلحقه من التثنية والجمع والتذكير والتأنيث ما يلحقه فعمل لذلك فيما كان من سببه الخ* وصف صقرا انقض على قطاة والسفعة سواد في خديه والاطراق والمطارقه تراكب ريشه ، والقوادم ريش مقدم الجناح ، وقوله لم تنصب له الشبك أى هو وحشى لم يصد ويذلل باليد ، وذلك أشد له وأسرع لطيرانه ومعني أهوى انقض والمعروف هوى يهوي ، وقد روى في البيت كذلك وأما أهوى فهو بمعني أو ما يقال أهوى الىّ بيده.

(١٧٣) الشاهد فيه نصب الشؤون بضخم على التشبيه بالمفعول كما تقدم* وصف بعيرا بشدة الخلق وعظم الرأس ، والمحتبك الشديد والشؤون قبائل الرأس وملتقي أجزائه واذا ضخمت ونبأت كان أشد له وأوثق وأعظم للهامة.

(١٧٤) الشاهد فيه نصب الظهر بأجب على نية التنوين ولو كان غير منون في النية لا نجر ما بعده بالاضافة وانجر هو لاضافته اليه* وصف مرض النعمان بن المنذر وانه ان هلك صار الناس بعده في اسوإ حال وأضيق عيش وتمسكوا منه بمثل ذنب بعير أجب وهو الذي لاسنام له من الهزال ، والذناب والذنابة والذنابي الذنب إلا أن المستعمل للبعير ونحوه الذنب وللطائر الذنابى وللعين ونحوها الذنابة ، والسنام حدبة البعير.

١٢٢

وهو في الشعر كثير ، واعلم أنّ الالف واللام في الاسم الآخر أكثر وأحسن من أن لا يكون فيه الالف واللام لانّ الاوّل في الالف واللام وغيرهما هيهنا على حالة واحدة وليس كالفاعل فكان إدخالهما أحسن وأكثر كما كان ترك التنوين أكثر وكان الالف واللام أولى لأنّ معناه حسن وجهه فكما لا يكون هذا الا معرفة اختاروا في ذلك المعرفة والاخرى عربيّة كما أنّ التنوين والنون عربي مطّرد ، فمن ذلك قوله «هو حديث عهد بالوجع» ، وقال عمرو بن شأس : [طويل]

(١) ألكنى الى قومي السّلام رسالة

بآية ما كانوا ضعافا ولا عزلا

ولا سيّئى زىّ إذا ما تلبّسوا

إلى حاجة يوما مخيّسة بزلا

وقال حميد الارقط : [رجز]

(٢) * لا حق بطن بقرا سمين*

ومما جاء منوّنا قول أبي زبيد يصف الأسد : [بسيط]

(٣) كأنّ أثواب نقّاد قدرن له

يعلو بخملتها كهباء هدّابا

__________________

(١٧٥) الشاهد في اضافة سيئى الى زى وهو نكرة على تقدير اثبات الالف واللام وحذفها للاختصار* وصف انه تغرب عن قومه بني أسد فحمل رجلا اليهم السّلام وجعل آية كونه منهم ومعرفته بهم ما وصفهم به من القوة على العدو ووفادتهم على الملك بأحسن الزي ومعنى ألكنى بلغ عني وكن رسولي وهو من الالوكة وهي الرسالة ، والآية العلامة ، والعزل الذين لا سلاح معهم واحدهم أعزل ومعني تلبسوا ركبوا وغشوا ، والمخيسة المذللة بالركوب يعني الرواحل والبزل المسنة واحدها بازل وهو جمع غريب.

(١٧٦) الشاهد فيه اضافة لا حق الى البطن مع حذف الالف واللام منه للاختصار كما تقدم* وصف فرسا بضمر البطن ثم نفي أن يكون ضمره من هزال فقال بقرا سمين واللاحق الضامر وحقيقته أن يلحق بطنه بظهره ، والقرا الظهر.

(١٧٧) الشاهد فيه نصب الهداب بقوله كهباء لما فيه من نية التنوين* وصف أسدا فيقول كأنه لابس أثواب نقاد قد أعلى خملها أي جعله من خارج ، والنقاد راعي النقد والنقد ضرب من الغنم صغار الاجسام ، ومعنى قدرن أي طبعن عليه وجعلن على قدر جسمه ، وقوله يعلو بخملتها أي يعلى خملتها والباء معاقبة للهمزة من أعلى ، والكهباء التي تضرب الى الغبرة والهداب الهدب.

١٢٣

وقال أيضا : [بسيط]

(١) هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة

محطوطة جدلت شنباء أنيابا

وقال عدىّ بن زيد : [مديد]

(٢) من حبيب أو أخى ثقة

أو عدوّ شاحط دارا

وقد جاء في الشعر حسنة وجهها ، شبّهوه بحسنة الوجه وذلك ردىء لانه بالهاء معرفة كما كان بالالف واللام وهو من سبب الاوّل كما أنه من سببه بالالف واللام ، قال الشمّاخ : [طويل]

(٣) أمن دمنتين عرّس الرّكب فيهما

بحقل الرّخامى قد عفا طللاهما

أقامت على ربعيهما جارتا صفا

كميتا الاعالى جونتا مصطلاهما

__________________

(١٧٨) الشاهد فيه نصب الانياب بشنباء لما فيه من نية التنوين كما تقدم* وصف امرأة بهيف الخصر وهو ضمره وعظم العجيزة وشنب الثغر وهو بريقه وبرده فيقول اذا أقبلت رأيت لها خصرا هيفا وإذا أدبرت نظرت الى عجيزة مشرفة والمحطوطة الملساء الظهر والمحط خشبة تدلك بها الجلود فيريد أنها غير متغضنة الجلد من كبر ولا ترهل ، ومعني جدلت ألطف خلقها وأحكم كالجديل وهو زمام من أدم.

(١٧٩) الشاهد في نصب دار بشاحط تشبيها بالمفعول به كما تقدم والشاحط البعيد* وصف أن الدهر يعم بنوائبه الصديق والعدو والقريب والبعيد وقوله أو أخى ثقة أي من صديق أو حميم يوثق به في الشدة.

(١٨٠) الشاهد في قوله جونتا مصطلاهما فجونتا بمنزلة حسنتا ومصطلاهما بمنزلة وجوههما ، والضمير الذي في مصطلاهما يعود على قوله جارتا صفا وهما الاثفيتان ، والصفا الجبل وهو الثالث اليها ، وقوله كميتا الاعالي يعني أن الاعالي من الاثفيتين لم يسود لبعدها عن مباشرة النار فهي على لون الجبل وجونتا مصطلاهما يعني مسودتي المصطلى وهو موضع الوقود منهما ، وأنكر بعض النحويين هذا على سيبويه وجعل أن الضمير من مصطلاهما عائد على الاعالي لا على الجارتين فكأنه قال كميتا الاعالي جونتا مصطلى الاعالي كما تقول حسنتا الغلام جميلتا وجهه أي وجه الغلام وهذا جائز باجماع وجعل الضمير في مصطلاهما وهو مثني عائدا على الاعالي وهي جمع ـ

١٢٤

واعلم أنه ليس في العربية مضاف يدخل عليه الألف واللام غير المضاف الى المعرفة في هذا الباب وذلك قولك الحسن الوجه أدخلوا الالف واللام على حسن الوجه لانه مضاف الى معرفة لا يكون به معرفة أبدا فاحتاج الى ذلك حيث منع ما يكون في مثله البتّة ولا يجاوز به معنى التنوين فأما النكرة فلا يكون فيها الا الحسن وجها تكون الالف واللام بدلا من التنوين لأنك لو قلت حديث عهدا أو كريم أب لم تخلل بالاول في شيء فتحتمل له الألف واللام لانه على ما ينبغي أن يكون عليه ، قال رؤبة : [رجز]

(١) * الحزن بابا والعقور كلبا*

وزعم أبو الخطّاب أنه سمع قوما من العرب ينشدون قول الحرث بن ظالم المرى : [وافر]

(٢) فما قومي بثعلبة بن سعد

ولا بفزارة الشّعرى رقابا

__________________

ـ لانها في معني الاعليين فرده على المعني ، والصحيح قول سيبويه لأن الشاعر لم يرد أن يقسم الاعالي فيجعل بعضها كميتا وبعضها جونا مسودا وانما قسم الاثفيتين فجعل أعلاهما كميتا لبعده عن النار وأسفلهما جونا لمباشرته النار ، وقد بينت صحة مذهبه واختلال مذهب من خالفه في كتاب النكت* وصف دمنتي دارين خلتا من أهلهما والربع موضع النزول منهما ، والدمنة ما غير الحى من فنائها بالرماد والدمن وهو البعر ونحو ذلك ، وحقل الرخامى موضع بعينه ، والطلل ما شخص من علامات الديار وأشرف كالأثفية والوتد ونحوهما ، وان لم يكن له شخص كاثر الرماد وملاعب الغلمان فهو رسم ، ومعني عفا درس وتغير وجعل الاثفيتين جارتي الصفا لاتصالهما به ومجاورتهما له ، والجونة السوداء وهي أيضا البيضاء في غير هذا الموضع.

(١٨١) الشاهد فيه نصب باب وكلب على قولك الحسن وجها* وصف رجلا بغلظ الحجاب ومنع الضيف فجعل بابه حزنا وثيقا لا يستطيع فتحه وكلبه عقورا لمن حل بفنائه طالبا لمعروفه.

(١٨٢) الشاهد فيه نصب الرقاب بالشعر على حد قولك الحسن وجها ويجوز فيه الشعر الرقابا على ما أنشده بعد وهو كقولك الحسن الوجه بالنصب على الشبه بالمفعول به* وصف ما كان من انتقاله عن بني ذبيان ولحاقة بقريش وانهائه اليهم حين عدا على بعض سادات العرب ـ

١٢٥

فانما أدخلت الألف واللام في الحسن ثم أعملته كما قال الضارب زيدا وعلى هذا الوجه تقول هو الحسن الوجه وهي عربية جيدة قال الشاعر : [وافر]

فما قومي بثعلبة بن سعد

ولا بفزارة الشّعر الرقابا

وقد يجوز في هذا أن تقول هو الحسن الوجه على قوله هو الضارب الرجل فالجر في هذا الباب من وجهين من الباب الذي هو له وهو الاضافة ومن إعمال الفعل ، ثم يستخفّ فيضاف ، واذا ثنّيت أو جمعت فأثبتّ النون فليس الا النصب ، وذلك قولهم هم الطيبون الاخبار وهما الحسنان الوجوه ، ومن ذلك قوله تعالى (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً).

وقالت خرنق من بني قيس (بنت عفان) : [كامل]

(١) لا يبعدن قومي الذين هم

سمّ العداة وآفة الجزر

النّازلون بكلّ معترك

والطّيبون معاقد الأزر

فان كففت النون جررت كان المعمول فيه نكرة أو فيه الألف واللام كما قلت هم الضاربو زيد وذلك قولهم هم الطيّبوا أخبار وان شئت نصبت على قوله الحافظو عورة

__________________

ـ وهو خالد بن حفص بن كلاب في بعض جوار ملوك لخم فقتله غيلة في خبر طويل اختصرته فيقول منتفيا من قبائل ذبيان ، وفزارة بن ذبيان ، والحرث بن يربوع بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان فوصف فزارة بالغمم وهو كثرة شعر القفا ومقدم الرأس لأنه عندهم مما يتشاءم به ويذم والمحمود عندهم النزع وهو انحسار الشعر عن مقدم الرأس والشعرى مؤنث الاشعر وهو منه كالكبرى من الأكبر وأنثه لتأنيث القبيلة والشعر جمع أشعر فجمع لانه جعل كل واحد منها أشعر فجمع على المعنى.

(١٨٣) الشاهد فيه نصب معاقد الازر بقولها الطيبون تشبيها بالمفعول به لانه معرفة باضافته الى الازر فهو كقولك الحسنون أوجه الاخ* وصفت قومها بالظهور على العدو ونحر الجزور للأضياف والملازمة للحرب والعفة عن الفواحش فجعلت قومها سمالأ عدائهم يقضي عليهم وآفة للجزر لكثرة ما ينحرون منها والمعترك موضع ازدحام الناس في الحرب ، ويقال فلان طيب معقد الازار اذا كان عفيفا لا يحله لفاحشة.

١٢٦

العشيرة ، وتقول فيما لا يقع الا منوّنا عاملا في نكرة ، وانما وقع منوّنا لانه فصل فيه بين العامل والمعمول فالفصل لازم له أبدا مظهرا أو مضمرا ، وذلك قولك هو خير منك أبا وهو أحسن منك وجها ، ولا يكون المعمول فيه الا من سببه وان شئت قلت هو خير عملا وأنت تنوي منك ، وان شئت أخرت الفصل في اللفظ وأصله التقديم لانه لا يمنعه تأخيره عمله مقدّما كما قال ضرب زيدا عمرو فعمرو مؤخّر في اللفظ مبدوء به في المعنى وهذا مبدوء به في أنه يثبت التنوين ثم يعمل ، ولا يعمل الا في نكرة كما أنه لا يكون الا نكرة ولا يقوى قوة الصفة المشبّهة فألزم فيه وفيما يعمل فيه وجها واحدا ، وتقول في الجمع خير منك أعمالا ، فان اضفت فقلت هذا اول رجل اجتمع فيه لزوم النكرة وأن يلفظ بواحد وهو يريد الجمع ، وذلك لأنه أراد أن يقول أوّل الرجال فحذف استخفافا واختصارا كما قالوا كلّ رجل يريدون كل الرجال فكما استخفّوا بحذف الالف واللام استخفّوا بترك بناء الجميع واستغنوا عن الالف واللام وعن قولهم خير الرجال وأوّل الرجال ومثل ذلك في ترك الالف واللام وبناء الجميع قولهم عشرون درهما انما أرادوا عشرين من الدرّاهم فاختصروا واستخفّوا ولم يكن دخول الالف واللام بغير العشرين عن نكرته فاستخفّوا بترك ما لم يحتج اليه ولم تقو هذه الاحرف قوة الصفة المشبّهة ألا ترى أنك تؤنّثها وتذكّرها وتجمعها كالفاعل تقول : مررت برجل حسن الوجه أبوه كما تقول مررت برجل حسن أبوه ، وهو مثل قولك مررت برجل ضارب أبوه ، فان جئت بخير منك أو عشرين رفعت لأنها ملحقة بالاسماء لا تعمل عمل الفعل فلم تقو قوّة المشبّهة ، كما لم تقو المشبّهة قوة ما جرى مجرى الفعل ، وتقول هو خير رجل في الناس وأفره عبد فيهم ، لأن الفاره هو العبد ولم تلق أفره ولا خيرا على غيره ثم تختصّ شيئا فالمعنى مختلف ، وليس هاهنا فصل ولم يلزم إلّا ترك التنوين ، كما أن عشرين وخيرا منك لم يلزم فيه إلا التنوين ، ولم يدخلوا الالف واللام كما لم يدخلوه في الأول ، وتفسيره تفسير الأول وإنما أرادوا أفره العبيد وخير الأعمال وانما أثبتوا الالف واللام في قولهم أفضل الناس لأن الأول قد يصير به معرفة فأثبتوا الالف واللام وبناء الجميع ولم ينوّن وفرّقوا بترك النون والتنوين بين معنيين ، وقد جاء من الفعل ما أنفذ الى

١٢٧

مفعول ولم يقو قوّة غيره مما تعدّى الى مفعول وذلك قولك امتلأت ماء وتفقّأت شحما ولا تقول امتلأته ولا تفقّأته ، ولا يعمل في غيره من المعارف ، ولا يقدّم المفعول فيه فتقول ماء امتلأت كما لا يقدّم المفعول فيه في الصفات المشبّهة ولا في هذه الأسماء لأنها ليست كالفاعل ، وذلك لأنه فعل لا يتعدّى الى مفعول وانما هو بمنزلة الانفعال وانما أصله امتلأت من الماء وتفقّأت من الشحم فحذف هذا استخفافا وكان الفعل أجدر أن يتعدّى إذ كان هذا ينفذ وهو في أنهم ضعفوه مثله ، وتقول هو أشجع الناس رجلا وهما خير الناس اثنين ، فالمجرور هاهنا بمنزلة التنوين وانتصب الرجل والاثنان ، كما انتصب الوجه في قولك هو أحسن منه وجها ولا يكون إلّا نكرة كما لم يكن ثمّ إلّا نكرة والرجل هو الاسم المبتدأ والاثنان كذلك انما معناه هو خير رجل في الناس وهما خير اثنين في الناس ، وأن شئت لم تجعله الأوّل فقلت هو أكثر الناس مالا.

وممّا اجري هذا المجرى أسماء العدد تقول فيما كان لأدنى العدّة بالاضافة الى ما يبنى لجمع أدنى العدد الى أدنى العقود وتدخل في المضاف اليه الالف واللام لأنه يكون الأوّل به معرفة وذلك قولك ثلاثة أبواب وأربعة أنفس وأربعة أثواب ، وكذلك تقول فيما بينك وبين العشرة ، واذا أدخلت الالف واللام قلت خمسة الأثواب وستّة الأجمال فلا يكون هذا أبدا الا غير منوّن يلزمه أمر واحد لما ذكرت لك فاذا زددتّ على العشرة شيئا من أسماء أدنى العدد فانه يجعل مع الأوّل اسما واحدا استخفافا ويكون في موضع اسم منوّن ، وذلك قولك أحد عشر درهما واثنا عشر درهما وإحدى عشرة جارية ، فعلى هذا يجرى من الواحد الى التسعة فاذا ضاعفت أدنى العقود كان له اسم من لفظه ولا يثنّى العقد ، ويجرى ذلك الاسم مجرى الواحد الذي لحقته الزيادة للجمع ، كما لحقته الزيادة للتثنية ، ويكون حرف الاعراب الواو والياء وبعدهما النون ، وذلك قولك عشرون درهما فان أردت أن تثلّث أدنى العقود كان له اسم من لفظ الثلاثة يجري مجرى الاسم الذي كان للتثنية وذلك قولك ثلاثون عبدا ، وكذلك الى أن تتسّعه وتكون النون لازمة له ، كما كان ترك التنوين لازما للثلاثة الى العشرة ، وانما فعلوا هذا بهذه الاسماء وألزموها وجها واحدا ، لأنها ليست كالصفة التي في معنى الفعل ولا التي شبّهت

١٢٨

بها فلم تقو تلك القوّة ولم يجز حين جاوزت أدنى العقود فيما تبيّن به من أيّ صنف العدد إلّا أن يكون لفظه واحدا ولا يكون فيه الالف واللام لما ذكرت لك ، وكذلك هو الى التسعين فيما يعمل فيه ويبيّن به من أىّ صنف العدد فاذا بلغت العقد الذي يليه تركت التنوين والنون وأضفت وجعلت الذي يعمل فيه ويبيّن به العدد من أيّ صنف هو واحدا كما فعلت ذلك فيما نوّنت فيه إلّا أنك تدخل فيه الالف واللام لأنّ الأول يكون به معرفة ولا يكون المنوّن به معرفة ، وذلك قولك مائة درهم ومائة الدرهم وذلك إن ضاعفته قلت مائتا درهم ومائتا الدينار ، وكذلك العقد الذي بعده واحدا كان أو مثنّى وذلك قولك ألف درهم وألفا درهم وقد جاء في الشعر بعض هذا منوّنا ، قال الرّبيع بن ضبع الفزاري : [وافر]

(١) إذا عاش الفتى مائتين عاما

فقد أودى المسرّة والفتاء

وقال : [رجز]

(٢) أنعت عيرا من حمير خنزره

في كلّ عير مائتان كمره

وأما ثلثمائة الى تسعمائة فكان ينبغى أن يكون مئين أو مئات ولكنهم شبّهوه بعشرين وأحد عشر حيث جعلوا ما يبيّن به العدد واحدا لأنه اسم لعدد كما أن عشرين اسم لعدد وليس بمستنكر في كلامهم أن يكون اللفظ واحدا والمعنى جميع حتّى قال بعضهم في الشعر من ذلك ما لا يستعمل في الكلام ، قال علقمة بن عبدة : [طويل]

__________________

(١٨٤) الشاهد فيه اثبات النون في مائتين ضرورة ونصب ما بعدها بها ، وكان الواجب حذفها وخفض ما بعدها الا انها شبهت للضرورة بالعشرين ونحوها مما يثبت نونه وينصب ما بعده* وصف في البيت هرمه وذهاب مسرته ولذته وكان قد عمر نيفا على المائتين فيما يروي ومعني أودي ذهب وانقطع ، والفتاء مصدر الفتي ويروى تسعين عاما ولا ضرورة فيه على هذا.

(١٨٥) الشاهد فيه كالشاهد في الذي قبله وعلته كعلته* هجا امرأة فنعت عيرا وهو الحمار وذكر أن في غرموله وهي الكمرة مائتي كمرة وادخله في هن المرأة المهجوة وخنزرة موضع بعينه ، وانما قال في كل أير لا يكني فغيرت همزته الى العين فقيل في كل عير استقباحا لذكره.

١٢٩

(١) بها جيف الحسرى فأما عظامها

فبيض وأما جلدها فصليب

وقال [المسيب بن زيد مناة الغنوى] : [رجز]

(٢) لا تنكر القتل وقد سبينا

في حلقكم عظم وقد شجينا

فاختصّ التثليث بهذا الباب الى تسع المائة كما أنّ لدن لها مع غدوة حال ليست في غيرها تنصب بها كأنه ألحق التنوين في لغة من قال لد ، وذلك قولك من لدن غدوة ، وقال بعضهم لدن غدوة كأنه أسكن الدال ثم فتحها ، كما قال اضربن زيدا ففتح الباء حين جاء بالنون الخفيفة والجرّ في غدوة هو الوجه والقياس ، وتكون النون من نفس الحرف بمنزلة نون من وعن فقد يشدّ الشيء في كلامهم عن نظائره ويستخفّ الشيء في موضع ولا يستخفّونه في غيره ، من ذلك قولهم ما شعرت به شعرة ويقولون ليت شعري ويقولون العمر والعمر لا يقولون في اليمين إلّا بالفتح يقولون كلّهم لعمرك ، وسترى أشباه هذا أيضا في كلامهم ان شاء الله ، ومما جاء في الشعر على لفظ الواحد يراد به الجميع : [وافر]

(٣) كلوا في بعض بطنكم تعفّوا

فانّ زمانكم زمن خميص

__________________

(١٨٦) الشاهد فيه وضع الجلد موضع الجلود لأنه اسم جنس ينوب واحده عن جميعه فأفرده ضرورة لذلك* وصف طريقا بعيدا شاقا على من سلكه فجيف الحسرى وهي المعية من الابل مستقرة فيه ، وقوله فأما عظامها فبيض أى أكلت السباع والطير ما عليها من اللحم فتعرت وبدا وضحها ، وقوله وأما جلدها فصليب أى محرم يابس لانه ملقي بالفلاة لم يدبغ ، ويقال الصليب هنا الودك أى قد سال ما فيه من رطوبة لاحماء الشمس عليه.

(١٨٧) الشاهد فيه وضع الحلق موضع الحلوق كالذي تقدم قبله* وصف انهم قتلوا من قوم كانوا قد سبوا وامن قومه فيقول لا تنكروا قتلنا لكم ، وقد سبيتم منا ففي حلوقكم عظم بقتلنا لكم وقد شجينا نحن أيضا أي غصصنا بسبيكم لمن سبيتم منا ، وهذا مثل.

(١٨٨) الشاهد فيه وضع البطن في موضع البطون كما تقدم قبله* وصف شدة الزمان وكلبه فيقول كلوا في بعض بطنكم ولا تملؤها حتي تعتادوا ذلك وتعفوا عن كثرة الأكل وتقنعوا باليسير فان الزمان ذو مخمصة وجدب.

١٣٠

ومثل ذلك في الكلام قوله سبحانه وتعالى (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً وَقَرِّي عَيْناً)، وإن شئت قلت أعينا وأنفسا كما قلت ثلثمائة وثلاث مئين ومئات ولم يدخلوا الألف واللام كما لم يدخلوا في امتلأت ماء.

[باب استعمال الفعل في اللفظ لا في المعنى]

لاتّساعهم في الكلام وللايجاز والاختصار فمن ذلك أن تقول على قول السائل : كم صيد عليه ، وكم غير ظرف لما ذكرت لك في الاتساع والايجاز فتقول صيد عليه يومان وانما المعنى صيد عليه الوحش في يومين ولكنه اتسع واختصر ولذلك أيضا وضع السائل كم غير ظرف ومن ذلك أن تقول كم ولد له فيقول ستون عاما فالمعنى ولد له الأولاد ، وولد له الولد ستين عاما ولكنه اتّسع وأوجز ، ومثل ذلك أن تقول كم سير عليه وكم غير ظرف فيقول يوم الجمعة ويومان ، فكم هاهنا بمنزلة قوله ما صيد عليه ، وما ولد له من الدهر والأيام ، فليس كم ظرفا كما أن ما ليس بظرف ، ومن ذلك أن يقول كم ضرب به فتقول ضرب به ضربتان وضرب به ضرب كثير ، ومما جاء على اتساع الكلام والاختصار قوله تعالى (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها) انما يريد أهل القرية فاختصر وعمل الفعل في القرية ، كما كان عاملا في الأهل لو كان هاهنا ، ومثله (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) وانما المعنى بل مكركم في الليل والنهار ، وقال تعالى : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ) انما هو ولكنّ البرّ برّ من آمن بالله ، ومثله في الاتساع قوله عزوجل : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً) فلم يشبّهوا بما ينعق وانما شبهوا بالمنعوق به وانما المعنى مثلكم ومثل الذين كفروا كمثل الناعق والمنعوق به الذي لا يسمع ولكنه جاء على سعة الكلام والايجاز لعلم المخاطب بالمعنى ، ومثل ذلك من كلامهم بنو فلان يطؤهم الطريق ، وانما يطؤهم أهل الطريق ، وقالوا صدنا قنوين وانما يريد صدنا بقنوين أو صدنا وحش قنوين وانما قنوان اسم أرض ، ومثله في السعة أنت أكرم علىّ من أن أضربك وأنت أنكد من أن تتركه انما تريد أنت أكرم علىّ من صاحب الضرب وأنت أنكد من صاحب تركه لأن قولك

١٣١

أن أضربك وأن تتركه هو الضّرب والترك لأنّ أن اسم وتتركه وأضربك من صلته كما تقول يسوءني أن أضربك أي يسوءني ضربك وليس يريد أكرم علىّ من الضرب ولكن أكرم علىّ من الذي اوقع به الضرب ، وقال الجعدي : [وافر]

(١) كأنّ عذيرهم بجنوب سلىّ

نعام قاق في بلد قفار

وقال عامر بن الطّفيل : [كامل]

(٢) ولأبغينّكم قنا وعوارضا

ولأقبلنّ الخيل لابة ضرغد

انما يريد بقنا ولكنه حذف وأوصل الفعل* ومن ذلك قول ساعدة [كامل]

(٣) لدن بهزّ الكفّ يعسل متنه

فيه كما عسل الطريق الثعلب

يريد في الطريق ، ومن ذلك قولهم أكلت بلدة كذا وكذا وأكلت ارض كذا وكذا انما يريد أنه أكل من ذلك وشرب وأصاب من خيرها وهذا أكثر من أن يحصى ، ومنه قولهم هذه الظّهر أو العصر او المغرب انما يريد صلاة هذا الوقت واجتمع القيظ يريد اجتمع الناس في القيظ وقال الحطيئة : [طويل]

(٤) وشرّ المنايا ميّت وسط أهله

كهلك الفتى قد أسلم الحيّ حاضره

يريد منية ميت ، وقال الجعدي : [متقارب]

__________________

(١٨٩) الشاهد فيه حذف العذير من قوله عذير نعام واقامة النعام مقامه اختصارا وايجازا* وصف قوما انهزموا فلما أخذت فيهم السلاح ضربا وطعنا جعلوا يصيحون صياح النعام وانما شبههم بالنعام لشرودها فجعل فرارهم منهزمين كفرارها والعذير هنا الصوت وسلى موضع بعينه وجنوبه نواحيه ومعني قاق صوت ، ووصف البلد وهو اسم واحد بالقفار وهو جمع لانه اسم جنس يشتمل على فلوات ومواضع مقفرة.

(١٩٠) مر تفسيره وشرحه في ص ١٠١ رقم ١٢٦.

(١٩١) مر تفسيره وشرحه في ص ٢٥ رقم ـ ٢٠.

(١٩٢) الشاهد فيه حذف المنية من قوله منية ميت كالذي قبله* يقول شر المنايا أن يموت الانسان حتف أنفه لقي بين أهله قد أسلموه لما به ، وأراد بالحى المحتضر لانه لم يمت بعد ، وحاضره من حضر من أهله عند الموت.

١٣٢

(١) وكيف تواصل من أصبحت

خلالته كأبي مرحب

يريد كخلالة أبي مرحب.

[باب وقوع الاسماء ظروفا وتصحيح اللفظ على المعنى]

فمن ذلك قولك متى يسار عليه وهو يجعله ظرفا فيقول اليوم أو غدا أو بعد غد أو يوم الجمعة ، وتقول متى سير عليه فيقول أمس وأول من أمس ، فيكون ظرفا ، على أنه كان السّير في ساعة دون سائر ساعات اليوم أو حين دون سائر أحيان اليوم ، ويكون أيضا على أنه يكون السير في اليوم كله لأنك قد تقول سير عليه في اليوم ويسار عليه في يوم الجمعة والسّير كان فيه كلّه ، وقد تقول سير عليه اليوم فترفع وأنت تعني في بعضه كما تقول في سعة الكلام الليلة الهلال وانما الهلال في بعض الليلة ، وانما أراد الليلة ليلة الهلال ، ولكنه اتّسع وأوجز وكذلك هذا ايضا كأنه قال سير عليه سير اليوم والرفع في جميع هذا عربي كثير في جميع لغات العرب على ما ذكرت لك من سعة الكلام والايجاز يكون على كم غير ظرف وعلى متى غير ظرف ، كأنه قال أيّ الأحيان يسار عليه أو سير عليه.

ومما لا يكون العمل فيه من الظروف الامتصلا في الظرف كلّه قولك سير عليه الدّهر والليل والنهار والأبد وهذا جواب لقوله كم سير عليه اذا جعله ظرفا لانه يريد في كم سير عليه فتقول مجيبا له الليل والنهار والدهر والأبد على معنى في الليل والنهار والأبد ، ويدلّك على أنه لا يجوز أن يجعل العمل فيه في يوم دون الايام وفي ساعة دون الساعات أنك لا تقول لقيته الدهر والأبد وأنت تريد يوما منه ولا لقيته الليل وأنت تريد لقاءه في ساعة دون الساعات وكذلك النهار إلا أن تريد سير عليه الدهر أجمع والليل كلّه على التكثير ، وإن لم تجعله ظرفا فهو العربيّ الكثير في كلامهم وانما جاء هذا على جواب كم لأنه حمله على عدّة الايّام والليالي فجرى

__________________

(١٩٣) الشاهد فيه قوله كأبى مرحب والتقدير كغلالة أبى مرحب والخلالة الصداقة وهي مصدر خليل* يقول خلة هذه المرأة ووصالها لا يثبت كما لا تثبت خلة أبي مرحب هذا الرجل فلا ينبغي أن يستأنس اليها ويعتد بها وانما استطرد الى هجوه فضرب لها المثل بخلته.

١٣٣

على جواب ما هو للعدد كأنه قال سير عليه عدّة الأيام أو عدّة الليالي ، ومن ذلك مما يكون متّصلا قولك سير عليه يومين أو ثلاثة أيام لأنه عدد ألا ترى أنه لا يجوز أن تجعله ظرفا وتجعل اللقاء في أحدهما دون الآخر ، ولو قلت سير عليه يومين وأنت تعني أنّ السير كان في أحدهما لم يجز فهذا يجري على أن تجعل كم ظرفا وغير ظرف ، وأما متى فانما تريد بها أن يوقّت لك وقتا ولا تريد بها عددا فانما الجواب فيه اليوم أو يوم كذا أو شهر كذا أو سنة كذا أو الآن أو حينئذ وأشباه هذا.

ومما جرى مجرى الأبد والدهر والليل والنهار المحرّم وصفر وجمادى وسائر أسماء الشهور الى ذي الحجّة لأنهم جعلوهنّ جملة واحدة لعدّة الأيام كأنهم قالوا سير عليه الثلاثون يوما ولو قلت شهر رمضان أو شهر ذي القعدة لكان بمنزلة يوم الجمعة والبارحة والميلة ، ولصار جواب متى ، وجميع ما ذكرت لك مما يكون على متى يكون مجرى على كم ظرفا وغير ظرف ، وبعض ما يكون في كم لا يكون في متى نحو الليل والنهار والدهر ، وانما جاز أن يدخل كم على متى لان كم هو الاول فجعل الآخر تبعا له ، ولا يكون الدهر والليل والنهار الا على العدّة وجوابا لكم ، وقد يقول الرجل سير عليه الليل يعني ليل ليلته ويجري على الاصل ، كما تقول في الدهر سير عليه الدهر وإنما يعني بعض الدهر ولكنه يكثّر كما يقول الرجل جاءني أهل الدنيا وعسى أن لا يكون جاءه إلا خمسة فاستكثرهم وكذلك شهرا ربيع حين ثنّيت جاء على العدد عندهم لا يجوز أن تقول يضرب شهرى ربيع ، وأنت تريد في أحدهما كما لا يجوز لك في اليومين وأشباههما ، فليس لك في هذه الاشياء الا أن تجريها على ما أجروها ، ولا يجوز لك أن تريد بالحرف غير ما أرادوا ، وتقول ذهب زيد الشتاء وانطلقت الصّيف سمعنا العرب الفصحاء يقولون انطلقت الصيف أجروه على جواب متى لأنه أراد أن يقول في ذلك الوقت ولم يرد العدد وجواب كم ، قال ابن الرقاع (وهو عدي العاملي) : [خفيف]

(١) فقصرن الشتاء بعد عليه

وهو للذّود أن يقسّمن جار

__________________

(١٩٤) الشاهد فيه نصب الشتاء على الظرف جوا بالمافيه من التوقيت لانه زمان بعينه أوجوا بالكم لما فيه من الكمية المعلومة لانه فصل يقتضى ربع العام* وصف نوقا قصرت البانها ـ

١٣٤

فهذا يكون على متى ويكون على كم ظرفين وغير ظرفين.

واعلم أنّ الظروف من الأماكن كالظروف من الليالي والايام في الاختصار وسعة الكلام فمن ذلك أن تقول كم سير عليه من الأرض فيقول فرسخان او ميلان أو بريدان كما قلت يومان ، وكذلك لو قال كم صيد عليه من الأرض يجري على هذا المجرى وإن شئت نصبت وجعلت كم ظرفا كما فعلت ذلك في اليومين فلا يكون ظرفا وغير ظرف إلا على كم لانه عدد كما كان ذلك في اليومين ونظير متى من الأماكن أين فلا يكون أين إلا للأماكن كما لا يكون متى إلا لليّالي والأيام ، فان قلت أين سير عليه ، قلت سير عليه مكان كذا وكذا ، وسير عليه المكان الذي تعلم فهو بمنزلة قولك يوم كذا وكذا واليوم الذي تعلم ، فأجركم في الأماكن مجراها في الليالي والايام ، وأجر أين في الأماكن مجرى متى في الأيام ويقال أين سير عليه فتقول خلف دارك وفوق دارك فان لم تجعله ظرفا وجعلته على سعة الكلام رفعته على أن كم غير ظرف وعلى أن أين غير ظرف كما فعلت ذلك في متى وتقول سير عليه ليل طويل وسير عليه نهار طويل ، وان لم تذكر الصفة وأردت هذا المعنى رفعت إلا أن الصفة تبين بها معنى الرفع وتوضحه ، وان شئت نصبت على نصب الليل والنهار ورمضان ، نقول سير عليه يوم فترفعه على حد قولك يومان وتنصبه عليه ، وان شئت قلت سير عليه يوما أتانا فيه فلان كأنه قال متى سير عليه فيقول يوما كنت فيه عندنا ، فهذا يحسن فيه على متى ويصير بمنزلة يوم كذا وكذا لأنك قد وقّته وعرّفته بشيء ، وتقول سير عليه عدوة يافتى وبكرة فترفع على مثل ما رفعت ما ذكرنا ، والنصب في ذلك على الظرف لأنك قد تجريه وان لم ينصرف مجرى يوم الجمعة ، تقول موعدك غدوة أو بكرة فترفع على مثل ما رفعت ما ذكرنا والنصب فيه على ذلك وتقول ما لقيته مذ غدوة أو بكرة وكذلك غداة أمس وصباح يوم الجمعة والعشيّة وعشيّة يوم الجمعة ومساء ليلة الجمعة ، وتقول سير عليه حينئذ ويومئذ والنصب على ما ذكرت لك ، وكذلك نصف النهار لأنك قد تقول بعد نصف النهار وموعدك نصف النهار وكذلك سواء النهار لأنك

__________________

ـ على فرسه لعتقه وكرمه وحمايته لها ومنعه من أن يغار عليها فتقسم وخص فصل الشتاء لانه أشد الزمان عندهم والجار هنا المجير المانع ، تقول العرب انا جارك منه أى مجيرك.

١٣٥

تقول هذا سواء النهار اذا أردت وسطه كما تقول هذا نصف النهار وأما سراة اليوم فبمنزلة أوّل اليوم وتقول سير عليه ضحوة من الضّحوات اذا لم تعن ضحوة يومك لأنها بمنزلة قولك ساعة من السّاعات ، وكذلك قولك سير عليه عتمة من الليل لأنك تقول أتانا بعد ما ذهبت عتمة من الليل وتقول قد مضي لذلك ضحوة وضحوة والنصب فيه وجهه على ما مضى ، وتقول في الاماكن سير عليه ذات اليمين وذات الشّمال لأنك تقول داره ذات اليمين وذات الشمال والنصب على ما ذكرت لك ، وتقول سير عليه أيمن وأشمل وسير عليه اليمين والشّمال لأنه يتمكّن تقول على اليمين وعلى الشمال ودارك اليمين ودارك الشمال ، قال أبو النجم : [رجز]

(١) يأتى لها من أيمن وأشمل

وان شئت جعلته ظرفا ، كما قال عمرو بن كلثوم : [وافر]

(٢) وكان الكأس مجراها اليمينا

ومثل ذات اليمين وذات الشمال شرقيّ الدار وغربيّ الدار تجعله ظرفا وغير ظرف قال جرير : [بسيط]

__________________

(١٩٥) الشاهد فيه قوله من أيمن وأشمل واخراجهما من ان يكونا ظرفا لدخول من عليهما* وصف ظليما ونعامة فيقول كلما أسرعت الى ادحبها وهو مبيضها عرض لها يمينا وشمالا مزعجا لها ، ويروى يبرى لها أي يعرض.

(١٩٦) الشاهد فيه نصب اليمين على الظرف وكونه في موضع الخبر عن المجرى ، والتقدير وكان الكأس جريها على ذات اليمين ، ويجوز أن يكون مجراها بدلا من الكأس ، وقوله اليمين خبرا عنه على أن يجعلها هي المجرى على السعة ، وصدر البيت :

* صددت الكأس عنا ام عمرو*

ويروى هذا البيت لعمرو بن عدى ابن أخت جذيمة الابرش وأم عمرو جارية للفتيين اللذين وفدابه على خاله جذيمة وهما مالك وعقيل وكانت اذا سقت صاحبيها تصد الكاس عن عمرو هذا فقال لها البيت والخبر طويل مشهور.

١٣٦

(١) هبّت جنوبا فذكرى ما ذكرتكم

عند الصّفاة التى شرقيّ حورانا

وقال بعضهم داره شرقيّ المسجد ، ومثل مجراها اليمينا قوله البقول يمينها وشمالها

[باب ما يكون فيه المصدر حينا لسعة الكلام والاختصار]

وذلك قولك متى سير عليه فيقول مقدم الحاجّ ، وخفوق النجم ، وخلافة فلان ، وصلاة العصر ، فانّما هو زمن مقدم الحاجّ ، وحين خفوق النجم ، ولكنه على سعة الكلام والاختصار وإن قال كم سير عليه فكذلك وإن رفعته أجمع كان عربيّا كثيرا ، وينتصب على أن تجعل كم ظرفا وليس هذا في سعة الكلام والاختصار بأبعد من صيد عليه يومان ، وولد له ستّون عاما ، وتقول سير عليه فرسخان يومين لأنك شغلت الفعل بالفرسخين فصار كقولك سير عليه بعيرك يومين وإن شئت قلت سير عليه فرسخين يومان ، أيّهما رفعته صار الآخر ظرفا ، وان شئت نصبته على الفعل في سعة الكلام لا على الظرف كما جاز يا ضارب اليوم زيدا ويا سائر اليوم فرسخين ، وتقول صيد عليه يوم الجمعة غدوة يا فتى ، وإن شئت جعلتهما جميعا ظرفا لأنّك كأنك قلت السّير في يوم الجمعة في هذه الساعة ، وإن شئت قلت سير عليه يوم الجمعة غدوة كما تقول سير عليه يوم الجمعة صباحا أي سير عليه يوم الجمعة في هذه الساعة ، وانما المعنى كان ابتداء السير في هذه الساعة ، ومثل ذلك ما لقيته مذ يوم الجمعة صباحا أي في هذه الساعة ، وانما معناه أنه في هذه الساعة ، وقع اللقاء كما كان ذلك في سير عليه يوم الجمعة غدوة ، وتقول سير عليه يوم الجمعة غدوة تجعل غدوة بدلا من اليوم كما تقول ضرب القوم بعضهم ، وتقول اذا كان غد فأتني وإذا كان يوم الجمعة فالقنى فالفعل لغد واليوم كقولك إذا جاء غد فأتني وإن شئت قلت اذا كان غدا فأتني وهي لغة بني تميم والمعنى أنّه لقي رجلا فقال له اذا كان ما نحن عليه من السّلامة أو كان ما نحن عليه من البلاء

__________________

(١٩٧) الشاهد فيه نصب شرقي على الظرف ولا يسوغ هنا رفعه لحذف الضمير ولو أظهر فقيل التى هي شرقي حورانا لجاز الرفع على الاتساع* وصف أنه تغرب عن أهله ومن يحبه وصار في شق الشمال فكلما هبت الجنوب ذكرهم لهبوبها من شقهم ، وحوران مدينة من مدن الشام وأضمر الريح في هبت لدلالة الجنوب عليها ، وما زائدة مؤكدة والتقدير فذكرتكم ذكرى ، والصفاة الصخرة الملساء وهي هنا موضع بعينه.

١٣٧

في غد فأتنى ولكنهم أضمروا استخفافا لكثرة كان في كلامهم لأنه الاصل لما مضى وما سيقع ، وحذفوا كما قالوا حينئذ الآن ، وانما يريد حينئذ واسمع إليّ الآن فحذف واسمع منى الآن كما قال تالله ما رأيت كاليوم رجلا أي كرجل أراه اليوم رجلا وإنما أضمر ما كان يقع مظهرا استخفافا ولأنّ المخاطب يعلم ما يعني فجرى بمنزلة المثل كما تقول لا عليك وقد عرف المخاطب ما تعني أنّه لا بأس عليك ولا ضرّ عليك ولكنه حذف لكثرة هذا في كلامهم ، ولا يكون هذا في غير لا عليك ، وقد تقول اذا كان غدا فأتني كأنّه ذكر أمرا إمّا خصومة وإمّا صلحا فقال اذا كان غدا فأتني فهذا جائز في كلّ فعل لأنك انما أضمرت بعد ما ذكرت مظهرا والأوّل محذوف منه لفظ المظهر وأضمروا استخفافا فان قلت اذا كان الليل فأتني لم يجز ذلك لأنّ الليل لا يكون ظرفا إلا أن تعني الليل كلّه على ما ذكرت لك من التكثير فان وجّهته على إضمار شيء قد ذكر على ذلك الحدّ جاز وكذلك أخوات الليل.

ومما لا يحسن فيه إلّا النصب قولهم سير عليه سحر لا يكون فيه إلّا أن يكون ظرفا لأنهم انما يتكلّمون به في الرفع والنصب والجرّ بالالف واللام يقولون هذا السّحر وبأعلى السحر ، وإنّ السّحر خير لك من أوّل الليل إلّا أن تجعله نكرة فتقول سير عليه سحر من الاسحار لأنه يتمّكن في الموضع ، وكذا تحقيره اذا عنيت سحر ليلتك تقول سير عليه سحيرا ، ومثله سير عليه ضحى ولا موعدك سحير الا أن تنصب ، ومثل ذلك صيد عليه صباحا ومساء وعشيّة وعشاء ، اذا أردت عشاء يومك ومساء ليلتك لأنهم لم يستعملوه على هذا المعنى إلا ظرفا ولو قلت موعدك مساء وأتانا عند عشاء لم يحسن ، ومثل ذلك سير عليه ذات مرّة نصب لا يجوز الا هذا ، ألا ترى أنك لا تقول إنّ ذات مرة كان موعدهم ولا تقول إنما لك ذات مرة ، ومثل ذلك سير عليه بكرا ألا ترى أنه لا يجوز لك موعدك بكر ولا مذ بكر فالبكر لا يتمكن في يومك كما لم يتمكن ذات مرة وبعيدات بين ، وكذلك ضحوة في يومك الذي أنت فيه يجري مجرى عشية يومك الذي أنت فيه ، وكذلك سير عليه عتمة اذا اردت عتمة ليلتك كما تقول صباحا ومساء وبكرا ، وكذلك سير عليه ذات يوم وسير عليه ذات ليلة بمنزلة

١٣٨

ذات مرة ، وكذلك سير عليه ليلا ونهارا اذا أردت ليل ليلتك ونهار نهارك لأنه انما يجرى على قولك سير عليه بصرا وسير عليه ظلاما إلا أن تريد معنى سير عليه ليل طويل ونهار طويل فهو على ذلك الحدّ غير متمكّن ، وفي هذا الحال متمكّن كما أن السّحر بالألف واللام متصرّف في المواضع التي ذكرت ، وبغير الالف واللام غير متمكّن فيها ، وذو صباح بمنزلة ذات مرة ، تقول سير عليه ذا صباح ، أخبرنا بذلك يونس عن العرب إلا أنه قد جاء في لغة لخثعم مفارقا لذات مرة وذات ليلة ، وأمّا الجيدة العربية فأن يكون بمنزلتها ، وقال رجل من خثعم : [وافر]

(١) عزمت على إقامة ذي صباح

لشيء مّا يسوّد من يسود

فهو على هذه اللغة يجوز فيه الرفع ، وجميع ما ذكرنا من غير المتمكن اذا ابتدأت اسما لم يجز أن تبنيه عليه وترفع إلا أن تجعله ظرفا ، وذلك قولك موعدك سحيرا وموعدك صباحا ، ومثل ذلك إنه ليسار عليه صباح مساء انما معناه صباحا ومساء وليس يريد بقوله صباحا ومساء صباحا واحدا ومساء واحدا ولكنه يريد صباح أيامه ومساءها ، فليس يجوز هذه الاسماء التي لم تتمكن من المصادر التي وضعت للحين وغيرها من الاسماء أن تجرى مجرى يوم الجمعة وخفوق النجم ونحوهما.

ومما يختار فيه أن يكون ظرفا ويقبح أن يكون غير ظرف صفة الأحيان تقول سير عليه طويلا وسير عليه حديثا وسير عليه كثيرا ، وسير عليه قليلا ، وسير عليه قديما ، وانما نصب صفة الأحيان على الظرف ولم يجز الرفع لأن الصفة لا تقع مواقع الأسماء كما أنه لا يكون إلا حالا قولة ألا ماء ولو باردا ، لأنه لو قال ولو أتاني بارد كان قبيحا ولو قلت أتيتك بجيّد كان قبيحا حتى تقول بدرهم جيد ، وتقول أتيتك به جيدا فكما

__________________

(١٩٨) الشاهد فيه جردى صباح بالاضافة اتساعا ومجازا والوجه فيه أن يستعمل ظرفا لقلة تمكنه واذا جاز أن يضاف اليه فيجر جاز أن يخبر عنه فيرفع فيقول سير عليه ذو صباح وذات مرة وهذا قليل لم يسمع الا في هذه اللغة* يقول عزمت على الاقامة في الصباح وتأخير الغارة على العدو الى أن يرتفع النهار ثقة منى بقوّتي عليهم وظفرى بهم ، ثم بين أنه استحق ان يسود قومه بما عنده من صحة الرأى وشدة العزم فقال لامر ما يسوّد من يسود وما زائدة للتأكيد ويروى يسوّد أي عزمت على هذا الذى قبله السودد والشرف يسّود صاحبه ويشرفه.

١٣٩

لا تقوى الصفه في هذا الا حالا أو تجري على اسم كذلك هذه الصفة لا تجوز الا ظرفا أو تجري على اسم ، فان قلت دهر طويل أو شيء كثير أو قليل حسن وقد يحسن أن تقول سير عليه قريب لأنك تقول لقيته منذ قريب والنصب عربيّ كثير جيّد وربما جرت الصفة في كلامهم مجرى الاسم فاذا كان كذلك حسن ، فمن ذلك الأبرق والأبطح وأشباههما ، ومن ذلك ملي من النهار والليل ، تقول سير عليه ملي والنصب فيه كالنصب في قريب ، ومما يبيّن لك أن الصفة لا يقوى فيها إلا هذا أنّ سائلا لو سألك فقال هل سير عليه لقلت نعم سير عليه شديدا وسير عليه حسنا فالنصب في ذا على أنه حال وهو وجه الكلام لأنه وصف السّير ولا يكون فيه الرفع لأنه لا يقع موقع ما كان اسما ، ولم يكن ظرفا لأنه ليس بحين يقع فيه الامر إلا أن تقول سير عليه سير حسن او سير عليه سير شديد ، فان قلت سير عليه طويل من الدهر وشديد من السّير فأطلت الكلام ووصفت كان أحسن وأقوى وجاز ولا يبلغ في الحسن الأسماء وانما جاز حين وصفت وأطلت لأنه ضارع الاسماء لأن للموصوفة في الأصل الاسماء.

[باب ما يكون من المصادر مفعولا]

فيرتفع كما ينتصب اذا شغلت الفعل به وينتصب اذا شغلت الفعل بغيره وانما يجيء ذلك على أن تبيّن أيّ فعل فعلت أو تأكيدا ، فمن ذلك قولك على قول السائل أيّ سير سير عليه فتقول سير عليه سير شديد وضرب به ضرب ضعيف فأجريته مفعولا والفعل له ، فان قلت ضرب به ضربا ضعيفا فقد شغلت الفعل به ، ومثله سير عليه سيرا شديدا وكذلك إن أردت هذا المعنى ولم تذكر الصفة تقول سير عليه سير وضرب به ضرب كأنك قلت سير عليه ضرب من السير وسير عليه شيء من السير وكذلك جميع المصادر ترتفع على أفعالها اذا لم تشغل الفعل بغيرها ، وتقول سير عليه أيّما سير سيرا شديدا كأنك قلت سير عليه بعيرك سيرا شديدا ، وتقول سير عليه سيرتان أيّما سير كأنك قلت سير عليه بعيرك أيّما سير فجرى مجرى ضرب زيد أيّما ضرب ، وضرب عمر وضربا شديدا ، وتقول على قول السائل : كم ضربة ضرب به ، وليس في هذا إضمار شيء سوى كم والمفعول كم ، فتقول ضرب به ضربتان وسير عليه سيرتان

١٤٠