تاريخ مدينة دمشق - ج ٦٦

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٦٦

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧٤
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

٨٣٩٠ ـ أبو بكر بن عتيق بن عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك

ابن مروان بن الحكم الأموي (١)

له ذكر.

٨٣٩١ ـ أبو بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان

ابن عمرو بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار

أبو محمّد الأنصاري الخزرجي المدني الفقيه (٢)

ولي القضاء والإمرة بالمدينة والموسم لسليمان بن عبد الملك ، ثم لعمر بن عبد العزيز. يقال : إن اسمه أبو بكر ، وكنيته أبو محمّد.

روى عن : عمرة بنت عبد الرّحمن ، وعمر بن عبد العزيز ، والقاسم بن محمّد (٣).

روى عنه : ابناه عبد الله ومحمّد ، والزهري ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، ويزيد بن عبد الله بن الهاد ، وعبد الله بن سعيد بن أبي هند ، وأبو بكر بن نافع ، وإسحاق بن يحيى بن طلحة ، وعبد الكريم (٤) أبو أمية ، والأوزاعي ، وأسامة بن زيد الليثي ، وعمرو بن دينار وعبدة بن أبي لبابة ، وأفلح بن حميد المديني ، والحجاج بن أرطاة ، ويحيى بن يحيى الغساني.

قدم به على يزيد بن عبد الملك ، فتزوج (٥) بنت عون بن محمّد بن علي بن أبي طالب ، وأصدقها مالا كثيرا ، فكتب (٦) الوليد بن عبد الملك إلى أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم : إنه قد بلغ من اللؤم (٧) أن يزيد بن عبد الملك تزوج فلانة ، وأصدقها مالا كثيرا ، ولا أراه فعل ذلك إلّا وهو يراها خيرا منه ، فقبح الله رأيه ، فإذا جاءك كتابي هذا فادع عونا ، فاقبض المال منه ، فإن لم يدفعه إليك فاضربه بالسياط حتى تستوفيه منه ، ثم افسخ نكاحه.

__________________

(١) جمهرة أنساب العرب ص ٨٩.

(٢) ترجمته في تهذيب الكمال ٢١ / ١٠١ وتهذيب التهذيب ٦ / ٣١١ وجمهرة ابن حزم ص ٣٤٨ والجرح والتعديل ٩ / ٣٣٧ وتاريخ خليفة بن خيّاط ص ٣٢٠ وسير الأعلام ٥ / ٣١٣.

(٣) راجع تهذيب الكمال ٢١ / ١٠١ فقد ذكر أسماء أخرى في مشايخه.

(٤) هو عبد الكريم بن أبي المخارق.

(٥) كذا في مختصر أبي شامة ، والذي تزوج هو يزيد بن عبد الملك. راجع الأغاني ٤ / ٢٥٢.

(٦) الخبر في الأغاني ٤ / ٢٥٢ باختلاف.

(٧) من قوله : فكتب .. إلى هنا مكرر في مختصر أبي شامة.

٤١

فأرسل أبو بكر بن محمّد إلى عون ، فدعاه بالمال ، فقال : ليس عندي ، وقد فرقته ، فقال أبو بكر : إن أمير المؤمنين أمرني إن لم تدفعه لمّا كله أن أضربك بالسياط ، ثم لا أرفعها عنك حتى أستوفيه منك ، فصاح به يزيد بن عبد الملك ، فجاءه ، فقال له فيما بينه وبينه : كأنك خشيت أن أسلمك؟! ادفع إليه المال ، ولا تعرّضه لنفسك ، فإنه إن دفعه إليّ رددته إليك ، وإن لم يدفعه إليّ أخلفته لك. ففعل. فلمّا ولي يزيد بن عبد الملك الخلافة كتب في أبي بكر بن محمّد ، وفي الأحوص ، فحملا إليه ، لما بين أبي بكر والأحوص من العداوة ـ وكان أبو بكر قد ضرب الأحوص وغرّبه إلى دهلك (١) ، وأبو بكر مع عمر بن عبد العزيز ، وعمر إذ ذاك على المدينة ـ قال : فلما صارا بباب يزيد أذن للأحوص ، فرفع أبو بكر يديه يدعو ، فلم يخفضهما حتى خرج بالأحوص ملبّبا (٢) ، مكسور الأنف.

فإذا هو لما دخل على يزيد قال له : أصلح الله [أمير المؤمنين](٣) ، هذا ابن حزم الذي سفّه رأيك ، وردّ نكاحك. فقال يزيد : كذبت ، عليك غضب الله ، و [على](٤) من يقول ذاك ، اكسروا أنفه! فكسر أنفه ، وأخرج ملبّبا.

قال ابن سعد في الطبقة الثالثة من أهل المدينة (٥) :

أبو بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم أحد بني مالك بن النجار. وأمه كبشة ، وخالته عمرة بنت عبد الرّحمن التي روت عن عائشة. وأبو بكر هو اسمه.

قال محمّد بن عمر (٦) :

توفي أبو بكر بالمدينة سنة عشرين ومائة في خلافة هشام بن عبد الملك ، وهو ابن أربع وثمانين سنة ، وكان ثقة كثير الحديث.

وقال ابن سعد أيضا (٧) :

__________________

(١) دهلك : بفتح أوله وسكون ثانيه ولام مفتوحة وآخره كاف. وهي جزيرة في بحر اليمن (معجم البلدان).

(٢) ملببا ، يقال : لببت الرجل ولبّبته إذا جعلت في عنقه ثوبا أو غيره وجررته به. وملببا يعني مأخوذا بتلابيبه.

(٣) الزيادة استدركت عن هامش مختصر أبي شامة.

(٤) زيادة عن الأغاني.

(٥) سقطت ترجمته من الطبقات الكبرى المطبوع لابن سعد. ونقله المزي في تهذيب الكمال ٢١ / ١٠٢ عن ابن سعد.

(٦) تهذيب الكمال ٢١ / ١٠٥ نقلا عن الواقدي.

(٧) نقلا عن ابن سعد في تهذيب الكمال ٢١ / ١٠٢.

٤٢

فولد محمّد بن عمرو بن حزم : عثمان ، وأبا بكر الفقيه ، وأم كلثوم. وأمهم كبشة بنت عبد الرّحمن بن سعد بن زرارة بن عدس من بني مالك بن النجار.

قال أبو نصر الكلاباذي :

يقال : اسمه وكنيته واحد. ويقال : اسمه أبو بكر ، وكنيته أبو محمّد. حدّث عن عبّاد بن تميم ، وعمرو بن سليم ، وعمر ، وعمرة. روى عنه : ابنه عبد الله ، ويحيى بن (١) سعيد في الاستسقاء والجنائز والأنبياء.

قال يحيى بن معين وابن خراش :

هو مدني ثقة (٢).

قال يعقوب بن سفيان (٣) : حدّثني أحمد بن الخليل (٤) : حدّثنا الهيثم بن جميل (٥) ، حدّثنا عطاف بن خالد عن أمّه ، عن امرأة أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم أنّها قالت :

ما اضطجع أبو بكر على فراشه منذ أربعين سنة بالليل.

قال (٦) : وحدّثني إبراهيم بن محمّد الشافعي ، حدّثنا جدي محمّد بن علي قال :

قالوا لعمر بن عبد العزيز : استعملت أبا بكر بن حزم ، غرّك (٧) بصلاته! قال : إذا (٨) لم يغرّني المصلون فمن يغرّني؟! قال : وكانت سجدته قد أخذت جبهته وأنفه.

قال صالح بن كيسان (٩) :

كان المحدثون من هذه الطبقة من أهل المدينة : سليمان بن يسار ، وأبو بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم ، وعبيد الله بن عبد الله ، وسالم بن عبد الله ، وأبو بكر بن

__________________

(١) تحرفت في مختصر ابن منظور إلى : بنت.

(٢) نقل قولهما المزي في تهذيب الكمال ٢١ / ١٠٢.

(٣) الخبر رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ ١ / ٤٣٧ ـ ٤٣٨ وتهذيب الكمال ٢١ / ١٠٢.

(٤) في مختصر أبي شامة : الجليل ، تصحيف والمثبت عن المعرفة والتاريخ.

(٥) غير واضحة في مختصر أبي شامة والمثبت عن المعرفة والتاريخ.

(٦) القائل : يعقوب بن سفيان الفسوي ، والخبر في المعرفة والتاريخ ١ / ٦٤٤ ورواه المزي في تهذيب الكمال ٢١ / ١٠٢.

(٧) كذا بالأصل وتهذيب الكمال ، وفي المعرفة والتاريخ : «عدل بصلاته كامل».

(٨) الجملة في المعرفة والتاريخ : إذا لم يقتد به المصلون فمن يقتدي؟.

(٩) من هذا الطريق في تهذيب الكمال ٢١ / ١٠٣.

٤٣

عبد الرّحمن [بن الحارث] بن هشام ، ويحيى (١) بن عبد الرّحمن بن حاطب بن أبي بلتعة.

قال ابن سعد (٢) : أخبرنا محمّد بن عمر : حدّثنا مالك بن أبي الرجال ، عن سليمان بن عبد الرّحمن بن خبّاب قال :

أدركت رجالا من المهاجرين ، ورجالا من الأنصار من التابعين يفتون بالبلد ؛ فأما المهاجرون فسعيد بن المسيب ـ فذكرهم ، وقال ـ ومن الأنصار : خارجة بن زيد ، ومحمود بن لبيد ، وعمر بن خلدة الزرقي ، وأبو بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم ، وأبو أمامة (٣) بن سهل بن حنيف.

قال ابن وهب : حدّثني مالك قال (٤) :

لم يكن عند أحد بالمدينة من علم القضاء ما كان عند أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم.

[قال :] وحدّثني عبد الله بن أبي بكر (٥) :

أنّ أبا بكر كان يتعلم القضاء من أبان بن عثمان.

قال مالك (٦) :

وكان أبو بكر قاضيا لعمر بن عبد العزيز إذ كان عمر أمير المدينة ، ولم يكن على المدينة أنصاري أميرا غير أبي بكر بن محمّد. وكان قاضيا.

قال : وحدّثني مالك (٧) :

أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر ، وكان عمر قد أمّره على المدينة بعد أن كان قاضيا ، قال مالك : وقد ولي أبو بكر بن حزم المدينة مرتين أميرا ، فكتب إليه عمر ، أن يكتب

__________________

(١) في مختصر أبي شامة : «عبد الرحمن وهشام بن يحيى» والمثبت والزيادة السابقة عن تهذيب الكمال.

(٢) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٢ / ٣٨٣ تحت عنوان : ذكر من كان يفتي بالمدينة بعد أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورواه المزي عن الواقدي في تهذيب الكمال ٢١ / ١٠٣.

(٣) في مختصر أبي شامة : أسامة ، تصحيف ، والتصويب عن ابن سعد وتهذيب الكمال.

(٤) تهذيب الكمال ٢١ / ١٠٣ والمعرفة والتاريخ ١ / ٦٤٣.

(٥) تهذيب الكمال ٢١ / ١٠٤ والمعرفة والتاريخ ١ / ٦٤٣.

(٦) تهذيب الكمال ٢١ / ١٠٤ وسير أعلام النبلاء ٥ / ٣١٤ والمعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان ١ / ٦٤٥.

(٧) الخبر رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ ١ / ٦٤٤ ـ ٦٤٥ وتهذيب الكمال ٢١ / ١٠٣.

٤٤

له العلم من عند عمرة بنت عبد الرّحمن ، والقاسم بن محمّد. قال : فقلت لمالك : السنن؟ قال : نعم. قال : فكتبها له.

قال مالك (١) :

فسألت ابنه عبد الله بن أبي بكر عن تلك الكتب ، فقال : ضاعت. وكان أبو بكر عزل عزلا قبيحا.

قال خليفة (٢) :

أقام عمر بن عبد العزيز بالمدينة إلى سنة ثلاث وتسعين ، ثم عزله الوليد ، واستخلف على المدينة أبا بكر بن حزم ، فعزله الوليد وولى عثمان بن حيّان المري ، [فلم يزل واليا حتى مات الوليد](٣) ، فعزله سليمان (٤) وولى أبا بكر بن حزم في شهر رمضان سنة ست وتسعين حتى مات سليمان ، وأقر عمر بن عبد العزيز عليها أبا بكر بن حزم. وقيل (٥) : إن محمّد بن قيس بن مخرمة ولي المدينة لعمر بن عبد العزيز. ثم عزل (٦) يزيد بن عبد الملك أبا بكر بن حزم وولاها عبد الرّحمن بن الضحاك بن قيس الفهري [سنة إحدى ومائة](٧).

وأقام الحج أبو بكر بن حزم سنة ست وتسعين (٨) ، وسنتي ولايته : تسع وتسعين ، وسنة مائة.

قال (٩) : وولى عمر بن عبد العزيز في إمرته على المدينة القضاء عبد الرّحمن بن يزيد بن جارية. ثم عزله واستقضى أبا بكر بن حزم. ثم عزله الوليد. وولى عثمان بن حيان المريّ [ثم ولّى](١٠) أبا بكر قضاء المدينة سنة ثلاث وتسعين.

__________________

(١) المعرفة والتاريخ ١ / ٦٤٥ وتهذيب الكمال ٢١ / ١٠٣.

(٢) الخبر في تاريخ خليفة بن خيّاط ص ٣١١.

(٣) زيادة عن تاريخ خليفة.

(٤) تاريخ خليفة ص ٣١٧.

(٥) في تاريخ خليفة ص ٣٢٣ وزعم عثمان بن عثمان أن محمد بن قيس بن مخرمة قد تولى المدينة لعمر بن عبد العزيز.

(٦) تاريخ خليفة ص ٣٣٢.

(٧) زيادة للإيضاح عن تاريخ خليفة.

(٨) تاريخ خليفة ص ٣١٣ و ٣٢٠ و ٣٢١ و ٣٢٤.

(٩) الخبر في تاريخ خليفة ص ٣١٢.

(١٠) الزيادة لازمة لإيضاح المعنى عن تاريخ خليفة.

٤٥

قال : وكتب هشام بن عبد الملك إلى أبي بكر بن حزم فكان يصلي بالناس بالمدينة سنة تسع عشرة حتى قدم محمّد بن هشام.

قال أبو بكر بن أبي خيثمة أخبرنا علي بن محمّد قال :

أقرّ عثمان بن حيّان أبا بكر بن حزم على القضاء.

ثم عزل سليمان بن عبد الملك عثمان بن حيّان وولّى أبا بكر بن حزم على المدينة فاستقضى أبا طوالة عبد الله بن عبد الرّحمن بن معاوية (١). وأقرّ عمر أبا بكر على المدينة ، فأقرّ أبا طوالة على القضاء. ثم عزل يزيد بن عبد الملك أبا بكر عن المدينة وولى ابن الضحّاك (٢).

قال ابن وهب : حدّثني مالك قال (٣) :

كان أبو بكر بن حزم على قضاء المدينة ، وولي المدينة أميرا. قال : فقال له قائل : ما أدري كيف أصنع بالاختلاف؟ فقال أبو بكر : يا بن أخي ، إذا وجدت أهل المدينة على أمر مستجمعين عليه فلا تشكّ فيه ، إنه الحق.

قال المفضل الغلابي (٤) ، حدّثنا يحيى بن معين قال : قال مالك : أخبرني عبد الله بن أبي بكر :

أنّ عمر أجرى على أبيه ثمانية وثمانين دينارا.

قال مالك بن أنس :

ولا أراه أجراها عليه إلّا على حساب سعر المدينة.

قال الزبير : حدّثني مصعب بن عثمان وغيره :

أنّ أبا الحارث بن عبد الله بن السائب اختصم هو ورجل من قريش (٥) ، فقال له أبو الحارث : أتكلمني وعندك يتيمة لك تبوكها؟ فاستعدى عليه أبا بكر بن حزم ، فسأل عن

__________________

(١) سماه خليفة في تاريخه ص ٣٢٤ أبا طوالة عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم.

(٢) يعني عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري كما في تاريخ خليفة ص ٣٣٢.

(٣) الخبر من هذا الطريق في تهذيب الكمال ٢١ / ١٠٤.

(٤) الخبر من طريقه في تهذيب الكمال ٢١ / ١٠٤.

(٥) الخبر في تاج العروس بوك. برواية مختلفة.

٤٦

البوك ، فذكر له أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقف على ماء يحير (١) في عين تبوك ، فقال : «أنتما عليها تبوكانها منذ اليوم (٢)» ، يريد تثوّرانها. فحدّ أبو بكر بن حزم أبا الحارث. فقال له أبو الحارث وهو يحدّه : أيا بن حزم ، تضربني قلاظا؟ فقال ابن حزم : احفظ هذه الكلمة أيضا حتى نسأل عنها. فقال له أبو الحارث : أتكلفني يا بن حزم أن أعلمك كلام مضر؟ والقلاظ : الظلم. قال : وانتهى بعد ذلك إلى أبي بكر بن حزم أن البوك خرج غير المخرج الذي حدّ عليه أبا الحارث ، فأشهد أنه قد درأ عنه الحدّ (٣).

قال ابن وهب (٤) : قال لي مالك بن أنس :

ما رأيت مثل أبي بكر بن حزم أعظم مروءة ، ولا أتمّ حالا ، ولا رأيت مثلما أوتي (٥) : ولاية المدينة ، والقضاء ، والموسم. وكان يقول لابنه عبد الله : إني أراك تحبّ الحديث ، وتجالس أهله ، فلا (٦) تستقبل صدر حديث إذا سمعت عجزه ؛ استدل بأعجازها على صدورها.

وفي رواية : يا بني ؛ إنك حديث السن ، وإنك تجالس الناس ، فاسمع ما يسأل عنه ، ولا تسأل ، فإن فاتك شيء من أول الحديث تستدل على أوله بآخره (٧).

أخبرنا (٨) معن ، حدّثنا مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرّحمن :

أنه رأى أبا بكر بن حزم يقضي في المسجد معه حرسيان مستندا (٩) إلى الأسطوان على القبر.

__________________

(١) حار الماء وتحيّر : تردد.

(٢) كذا في مختصر أبي شامة ، والعبارة في الروض الأنف ٤ / ١٩٥ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر الناس ألا يمسوا من مائها (العين) شيئا ، فسبق إليها رجلان ، وهي تبض بشيء من مائها فجعلا يدخلان فيها سهمين ليكثر ماؤها فسبهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال لهما : ما زلتما تبوكانها منذ اليوم. قال : وبذلك سميت العين تبوك.

(٣) عقب أبو شامة في مختصره بعد ذكره الخبر بقوله : قلت ، يعني أن البوك لفظ مشترك ، كما يستعمل بمعنى الجماع يستعمل أيضا بمعان أخرى كالبيع والشراء ، وتدوير البندقة على ما حكاه أئمة اللغة في كتبهم. وإذا كان كذلك لم يتعيّن للقذف والله أعلم. راجع تاج العروس : بوك.

(٤) من طريقه رواه المزي في تهذيب الكمال ٢١ / ١٠٥ وسير الأعلام ٥ / ٣١٤.

(٥) في مختصر ابن منظور : «أولي».

(٦) في مختصر أبي شامة : «ولا» والمثبت عن تهذيب الكمال.

(٧) قال أبو شامة : وفي طبقات ابن سعد : أنا معن بن عيسى حدّثني سعيد بن مسلم قال : رأيت أبا بكر بن حزم يقضي في المسجد في زمان عمر بن عبد العزيز ، يعني في ولاية عمر على المدينة للوليد بن عبد الملك.

(٨) القائل : ابن سعد ، وليس الخبر التالي في الطبقات الكبرى المطبوع.

(٩) في مختصر أبي شامة : مستسندا.

٤٧

قال محمّد بن عمر :

فلمّا ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة ولّى أبا بكر إمرة المدينة ، فاستقضى أبو بكر على المدينة ابن عمه أبا طوالة عبد الله بن عبد الرّحمن بن معمر بن حزم. وكان أبو بكر هو الذي يصلي بالنّاس ، ويتولّى أمرهم (١).

أخبرنا معن ، حدّثنا أبو الغصن قال (٢) :

لم أر على أبي بكر بن حزم على المنبر سيفا قط ، ورأيته يعتم يوم العيد ، ويوم الجمعة بعمامة بيضاء.

أخبرنا إسماعيل بن أبي أويس ، حدّثنا أبو الغصن :

أنه رأى أبا بكر بن حزم في إصبعه اليمين خاتم فيه ياقوتة لونها لون السماء.

وفي رواية : خاتم فصّه ياقوتة حمراء.

قال يحيى بن معين :

مات أبو بكر بن حزم سنة عشرين ومائة (٣) ، ومات ابنه عبد الله بن أبي بكر سنة ثلاثين ومائة.

هذا الذي عليه الأكثر. وقال الهيثم : مات أبو بكر سنة ست وعشرين (٤). وقال آخر : سنة سبع عشرة (٥). وقال غيره : سنة عشر ومائة (٦). وقال بعضهم : سنة مائة. والله أعلم.

٨٣٩٢ ـ أبو بكر بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي (٧)

أمه أم ولد.

ذكر البلاذري أنّه هو الذي يقول (٨) :

__________________

(١) سير الأعلام ٥ / ٣١٤.

(٢) سير أعلام النبلاء ٥ / ٣١٤ وعقب الذهبي بقوله : لعله ما بلغه التحريم ، ويجوز أن يكون فعله وتاب.

(٣) تهذيب الكمال ٢١ / ١٠٥.

(٤) رواه المزي في تهذيب الكمال ٢١ / ١٠٥ ، وعقب على قوله : وهذا القول خطأ ، والله أعلم.

(٥) تهذيب الكمال ٢١ / ١٠٥ وسير الأعلام ٥ / ٣١٤.

(٦) هذا قول علي بن عبد التميمي ، تهذيب الكمال ٢١ / ١٠٤.

(٧) جمهرة ابن حزم ص ١١٢ ونسب قريش ص ١٣٠ وأنساب الأشراف ٥ / ٣٧٧.

(٨) أنساب الأشراف ٥ / ٣٩٥ طبعة دار الفكر.

٤٨

وإذا العبد أغلق الباب دوني

لم يحرّم عليّ متن الطريق

وذكر أنّ خالد بن يزيد هجاه فقال :

سمين البغل من مال اليتامى

رخيّ البال مهزول (١) الصّديق

٨٣٩٣ ـ أبو بكر بن يزيد بن أبي بكر بن يزيد بن معاوية الأموي

حفيد المقدم ذكره.

كان يسكن صهيا (٢) من قرى دمشق ، وكانت لجده معاوية.

٨٣٩٤ ـ أبو بكر بن يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان الأموي

أمه امرأة من كلب (٣).

٨٣٩٥ ـ أبو بكر البيروتي

روى عن رجل لم يسمّه عن أبي طيبة.

روى عنه : آدم بن أبي إياس في فضل الرباط بعسقلان.

٨٣٩٦ ـ أبو بكر الكلبي العابد

قال ابن أبي الحواري حدّثنا عيسى بن الهذيل قال : سمعت أبا بكر الكلبي ـ وكان من عباد أهل الشام ـ يقول : ابن آدم ، ليس لما بقي من عمرك في الدنيا ثمن.

وسمعته يقول : عند الصباح يحمد القوم السرى ، وعند الممات يحمد القوم التقى.

٨٣٩٧ ـ أبو بكر

رجل من أهل دمشق.

روى العتبي عن أبيه ، عن أبي بكر الدمشقي أن معاوية بن أبي سفيان قال :

فذكر كلاما.

٨٣٩٨ ـ أبو بكر الصيداوي

حدّث عن عقبة بن علقمة البيروتي.

__________________

(١) في مختصر ابن منظور : «مرزول» والمثبت يوافق رواية أنساب الأشراف.

(٢) صهيا : قرية من إقليم بانياس من أعمال دمشق (معجم البلدان).

(٣) جمهرة أنساب العرب ص ٩٠.

٤٩

روى عنه : يعقوب بن سفيان في مشيخته ولم يسمعه.

ويغلب على ظني أنه عثمان بن سعيد بن محمّد بن بشير الصيداوي الذي تقدم ذكره في حرف العين (١).

٨٣٩٩ ـ أبو بكر الشّبلي (٢)(٣)

أحد شيوخ الصوفية المعدودين ، وزهّادهم الموصوفين.

اختلف في اسمه ، فقيل : دلف بن جعبر (٤) ، ويقال : ابن جحدر ، ويقال : بل اسمه جعفر بن يونس.

كان فقيها على مذهب مالك بن أنس ، وكتب الحديث الكثير ، ثم صدف عن ذلك ، ولزم العبادة حتى صار رأسا في المتعبدين ، ورئيسا للمجتهدين. وكان مقامه ببغداد ، وقد زرت قبره بها. وقدم دمشق على ما بلغني في بعض الحكايات.

حكى عنه : أبو بكر محمّد بن أحمد بن الطبيب النصيبي المقرئ ، وأبو الحسين بن جميع الصيداوي ، وأبو عمرو بن علوان ، وأبو العباس الدامغاني ، ومحمّد بن أحمد القصار ، وأبو بكر أحمد بن الحسن الأحنف البغدادي الصوفي ، وأبو الفرج غلام الشبلي وغيرهم.

وأسند أبو عبد الرّحمن السلمي (٥) عن الشّبلي قال : حدّثنا محمّد بن مهدي المصري ، حدّثنا عمرو بن أبي سلمة ، حدّثنا صدقة بن عبد الله ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي فروة الرّهاوي ، عن عطاء ، عن (٦) أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«الق الله فقيرا ، ولا تلقه (٧) غنيا». قال : يا رسول الله ، كيف لي بذلك؟ قال : «ما سئلت

__________________

(١) راجع ترجمته في تاريخ دمشق ـ طبعة دار الفكر ـ ٣٨ / ٣٦٧ رقم ٤٥٩٦.

(٢) أخباره في حلية الأولياء ١٠ / ٣٦٦ والرسالة القشيرية ص ٤١٩ وتاريخ بغداد ١٤ / ٣٨٩ والأنساب (الشبلي) وسير أعلام النبلاء ١٥ / ٣٦٧ وشذرات الذهب ٢ / ٣٣٧ والعبر ٢ / ٢٤٠ ووفيات الأعيان ٢ / ٢٧٣ وصفة الصفوة ٢ / ٤٥٦.

(٣) الشبلي بكسر الشين المعجمة وسكون الباء المنقوطة بواحدة هذه النسبة إلى الشبلية قرية من قرى أشروسنة ، بلدة عظيمة وراء سمرقند.

(٤) كذا في مختصر أبي شامة.

(٥) من طريقه رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٤ / ٣٩٠.

(٦) في مختصر أبي شامة «بن» تصحيف ، والتصويب عن تاريخ بغداد.

(٧) في تاريخ بغداد : تلقاه.

٥٠

فلا تمنع ، وما رزقت فلا تخبأ». قال : يا رسول الله ، كيف لي بذاك؟ قال : «هو ذاك ، وإلّا فالنار» [١٣٣٢١].

وقال الشّبلي :

كنت وردت الشام من مكة ، فرأيت راهبا في صومعة ، فنظر إليّ ، فقلت له : يا راهب ، لما ذا حبست نفسك في هذه الصومعة؟ قال : ليثوّب عملي ، فقلت : يا راهب ، ولمن تعمل؟ قال : لعيسى ، قلت : وبأيّ شيء استحقّ عيسى هذه العبادة منك دون الله؟ قال : لأنه مكث أربعين يوما لم يطعم ، ولم يشرب ، فقلت له : ومن يعمل ذلك يستحق العبادة له؟ قال : نعم.

قال الشبلي : فقلت للراهب : فاستوفها منّي. فمكثت أربعين يوما تحت صومعته ، لا آكل ، ولا أشرب. فقال لي : ما دينك؟ قلت : محمّدي. فنزل ، وأسلم على يديّ. وحملته إلى دمشق ، فقلت : اجمعوا له أشياء ، فإنه قريب العهد بالإسلام. وانصرفت ، وتركته مع الصوفية.

قال الحافظ أبو القاسم ـ رحمه‌الله ـ :

وقد كتبت نحو هذه الحكاية عن أبي [بكر](١) محمّد بن إسماعيل الفرغاني ، وسقتها في ترجمته (٢). وقد ورد وروده ـ يعني الشبلي ـ الشام من وجهين آخرين :

قال أبو الحسين (٣) بن سمعون (٤) : قال لي الشبلي :

كنت باليمن ، وكان باب دار الإمارة (٥) رحبة عظيمة ، وفيها خلق كثير قيام ينظرون إلى منظرة ، فإذا قد ظهر من المنظرة شخص أخرج يده كالمسلّم عليهم ، فسجدوا كلهم. فلما كان بعد سنين كنت بالشام ، وإذا تلك اليد قد اشترت لحما بدرهم ، وحملته. فقلت له : أنت ذلك الرجل؟ قال : نعم ، من رأى ذاك ، ورأى هذا لا يغتر بالدنيا.

وقال : سمعت الشبلي يقول :

كنت في قافلة بالشام ، فخرج الأعراب فأخذوها ، وأميرهم جالس يعرضون عليه.

__________________

(١) استدركت على هامش مختصر أبي شامة.

(٢) تقدمت ترجمته في تاريخ دمشق ٥٢ / ١١٦ رقم ٦١١١ طبعة دار الفكر.

(٣) تحرفت في مختصر ابن منظور إلى : الحسن.

(٤) الخبر من طريقه رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٤ / ٣٩٣.

(٥) في تاريخ بغداد : دار الأمير.

٥١

فخرج جراب فيه لوز وسكر ، فأكلوا منه إلّا الأمير فما كان يأكل ، فقلت له : لم لا تأكل؟ قال : أنا صائم ، قلت : تقطع الطريق ، وتأخذ الأموال ، وتقتل النفس وأنت صائم؟! قال : يا شيخ ، أجعل للصّلح موضعا.

فلمّا كان بعد حين رأيته يطوف حول البيت وهو محرم كالشّنّ (١) البالي. فقلت : أنت ذاك الرجل؟ فقال : ذاك الصوم بلغ بي إلى هذا.

قال أبو عبد الرّحمن محمّد بن الحسين السّلمي (٢) :

دلف بن جعبر ، ويقال : دلف بن جحدر ، ويقال : دلف بن جعفر. ويقال : إنّ اسم الشبلي جعفر بن يونس. سمعت الحسين بن يحيى الشافعي يذكر ذلك ، وهكذا رأيته على قبره مكتوبا ببغداد.

[قال ابن عساكر :](٣) وأظن أن الأصح : دلف بن جحدر.

وأبو بكر الشبلي أصله من أشروسنة (٤) ، ومولده بسرّ من رأى.

[قال :](٥) سمعت محمّد بن عبد الله بن شاذان يقول :

الشبلي من أهل أشروسنة ، بها قرية يقال لها : شبليّة أصله منها. وكان خاله أمير الأمراء بإسكندرية.

قال السّلمي (٦) :

كان الشبلي مولده بسرّ من رأى ، وكان حاجب الموفق (٧) ، وكان أبوه حاجب الحجاب ، وكان الموفق جعل لطعمته دماوند (٨) ، ثم لمّا قعد الموفق ـ وكان ولي العهد من

__________________

(١) الشن : الخلق من كل آنية صنعت من جلد.

(٢) الخبر نقلا عن السلمي في تاريخ بغداد ١٤ / ٣٨٩.

(٣) زيادة منا.

(٤) أشروسنة؟؟؟ بالضم ثم السكون وضم الراء وواو ساكنة وسين مهملة ونون : بلدة كبيرة بما وراء النهر (معجم البلدان).

وجاء في صفة الصفوة : «سروسة».

(٥) القائل : أبو عبد الرحمن السلمي ، والخبر رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٤ / ٣٨٩.

(٦) يعني أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي ، والخبر من طريقه رواه الخطيب في تاريخ بغداد ١٤ / ٣٨٩ وابن الجوزي في صفة الصفوة ٢ / ٤٥٦ والمنتظم ١٤ / ٥٠ ـ ٥١.

(٧) أبو أحمد الموفق ابن الخليفة المتوكل على الله ، وأخو الخليفة المعتمد على الله راجع تاريخ بغداد ٢ / ١٢٧.

(٨) دماوند : لغة في دنباوند ودباوند : جبل قرب الري وكورة (معجم البلدان).

٥٢

قبل أخيه ـ حضر الشبلي يوما مجلس خير النسّاج (١) ، وتاب فيه ، ورجع إلى دماوند ، وقال : أنا كنت حاجب الموفق ، وكان ولاني بلدتكم هذه ، فاجعلوني في حل. فجعلوه في حل ، وجهدوا أن يقبل منهم شيئا ، فأبى. وصار بعد ذلك واحد زمانه حالا ونفسا. سمعت أبا سعيد السّجزي يذكر ذلك كله.

قال الأستاذ أبو القاسم القشيري (٢) :

ومنهم أبو بكر دلف بن جحدر الشبلي. بغدادي المولد والمنشأ ، أصله من أشروسنة.

صحب الجنيد ، ومن في عصره [من العلماء](٣) ، وكان نسيج وحده (٤) حالا وظرفا وعلما ، مالكيّ المذهب ، عاش تسعا وثمانين سنة ، ومات سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة ، وقبره (٥) ببغداد. ومجاهداته في بدايته فوق الحد.

[قال :](٦) سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق (٧) يقول : بلغني أنه اكتحل بكذا وكذا من الملح ليعتاد السّهر ، ولا يأخذه النوم. ولو لم يكن من تعظيمه للشرع إلّا ما حكاه بكران الدينوري في آخر عمره لكان كثيرا (٨).

وكان الشبلي (٩) إذا دخل شهر رمضان جدّ في الطاعات ، ويقول : هذا شهر عظمه ربّي فأنا أولى من يعظمه (١٠).

__________________

(١) اسمه محمد بن إسماعيل من سامرّاء ، وإنما سمي خير النساج لأنه خرج إلى الحجّ ، فأخذه رجل على باب الكوفة ، وقال له : أنت عبدي واسمك خير ، وكان أسود ، فلم يخالفه ، واستعمله الرجل في نسج الخز ، ثم تركه الرجل ، وبقي الاسم معلقا به انظر أخباره في الرسالة القشيرية ص ٤٣٧ وحلية الأولياء ١٠ / ٣٠٧.

(٢) الخبر رواه أبو القاسم القشيري في الرسالة القشيرية ص ٤١٩ رقم ٤٩.

(٣) زيادة عن الرسالة القشيرية.

(٤) في الرسالة القشيرية : شيخ وقته.

(٥) في مختصر أبي شامة : «وقبر» والمثبت عن الرسالة القشيرية.

(٦) القائل أبو القاسم القشيري ، والخبر في الرسالة القشيرية ص ٤٢٠.

(٧) هو الحسن بن علي الدقاق ، أبو علي. أخباره في الرسالة القشيرية (الفهارس).

(٨) وهو ما جاء في الرسالة القشيرية ص ٣٠٧ ـ ٣٠٨ سأل جعفر بن نصر بكران الدينوري : وكان يخدم الشبلي ، ما الذي رأيت منه؟ فقال : قال لي عليّ درهم مظلمة ، وقد تصدقت على صاحبه بألوف ، فما على قلبي شغل أعظم منه ، ثم قال : وضئني للصلاة ، ففعلت فنسيت تخليل لحيته ، وقد أمسك على لسانه ، فقبض على يدي وأدخلها في لحيته ثم مات. فبكى جعفر وقال : ما تقولون في رجل لم يفته حتى في آخر عمره أدب من آداب الشريعة.

وانظر المنتظم ١٤ / ٥١ ـ ٥٢ وصفة الصفوة ٢ / ٤٥٩.

(٩) الرسالة القشيرية ص ٤٢٠.

(١٠) في الرسالة القشيرية : فأنا أول من يعظمه من الناس.

٥٣

وقال الشبلي :

مات أبي وخلف ستين ألف دينار سوى الضياع والعقار وغيرها ، فأنفقتها كلّها ، ثم قعدت مع الفقراء (١) حتى لا أرجع إلى مادي ، ولا أستظهر بمعلوم.

وقال أحمد بن عطاء (٢) : سمعت الشبلي يقول :

كتبت الحديث عشرين سنة ، وجالست الفقراء عشرين سنة.

وكان يتفقه لمالك. وكان له يوم الجمعة نظرة ، ومن بعدها صيحة. فصاح يوما صيحة تشوّش ما حوله من الخلق. وكان بجنب حلقته حلقة أبي عمران الأشيب ، فقال لأبي الفرج العكبري : ما للناس؟ قال : حردوا من صيحتك. وحرد أبو عمران وأهل حلقته. فقام الشّبلي ، وجاء إلى أبي عمران ، فلما رآه أبو عمران قام إليه ، وأجلسه إلى جنبه (٣) ، فأراد بعض أصحاب أبي عمران أن يري الناس [أن الشبلي جاهل ، فقال له : يا أبا بكر ، إذا اشتبه على المرأة دم الحيض بدم الاستحاضة كيف تصنع؟ فأجاب بثمانية عشر](٤) جوابا. فقام أبو عمران وقبّل رأسه ، وقال : يا أبا بكر ، أعرف منها اثني عشر ، وستة ما سمعت بها قط.

قال السّلمي (٥) : سمعت أبا عبد الله الرازي يقول :

لم أر في الصوفية أعلم من الشّبلي ، ولا أتمّ حالا من الكتاني (٦).

وقال السّلمي (٧) : سمعت أبا العباس محمّد بن الحسن البغدادي يقول : سمعت الشبلي يقول :

أعرف من لم يدخل في هذا الشأن حتى أنفق جميع ملكه ، وغرّق في هذه الدّجلة التي ترون سبعين قمطرا (٨) مكتوبا بخطه ، وحفظ «الموطّأ» ، وقرأ (٩) بكذا وكذا قراءة ـ عنى به نفسه ـ.

__________________

(١) الخبر في صفة الصفوة ٢ / ٤٥٦.

(٢) من طريقه رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٤ / ٣٩٣ والذهبي في سير الأعلام ١٥ / ٣٦٨.

(٣) في تاريخ بغداد : بجنبه.

(٤) ما بين معكوفتين سقط من مختصر أبي شامة واستدرك للإيضاح عن تاريخ بغداد.

(٥) الخبر في تاريخ بغداد ١٤ / ٣٩٣.

(٦) أراد أبا بكر محمد بن علي الكتاني بغدادي الأصل توفي سنة ٣٢٢ ه‍ أخباره في الرسالة القشيرية ص ٤٢٧ ومواضع أخرى.

(٧) تاريخ بغداد ١٤ / ٣٩٣ ورواه الذهبي في سير الأعلام ١٥ / ٣٦٩.

(٨) في مختصر أبي شامة : قمطر ، والمثبت عن تاريخ بغداد وسير الأعلام. والقمطر : السفط ، وما تصان فيه الكتب.

(٩) في سير الأعلام : وتلا.

٥٤

قال أبو الحسين (١) زيد بن رفاعة الهاشمي (٢) :

دخل أبو بكر بن مجاهد على أبي بكر الشبلي ، فحادثه ، وسأله عن حاله. فقال ابن مجاهد : نرجو الخير ؛ يختم في كل يوم بين يدي ختمتان وثلاث (٣). فقال له الشبلي : أيها الشيخ قد ختمت في تلك الزاوية ثلاثة عشر ألف ختمة إن كان فيها شيء قبل فقد وهبته لك ، وإني لفي درسه منذ ثلاث وأربعين سنة ما انتهيت إلى ربع القرآن.

قال أبو بكر محمّد بن عمر (٤) :

كنت عند أبي بكر أحمد بن موسى بن مجاهد المقرئ ، فجاء الشبلي ، فقام إليه أبو بكر بن مجاهد ، فعانقه ، وقبّل بين عينيه ، فقلت له : يا سيدي ، تفعل هذا بالشبلي ، وأنت وجميع من ببغداد يتصورونه بأنّه مجنون؟! فقال لي : فعلت كما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فعل به ؛ وذاك أني رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المنام وقد أقبل الشبلي ، فقام إليه ، وقبّل بين عينيه ، فقلت : يا رسول الله ، أتفعل هذا بالشبلي؟ قال لي : «نعم ، هذا يقرأ بعد صلاته : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ)(٥) الآية ، ويتبعها بالصّلاة عليّ.

قال الخطيب (٦) : سمعت أبا القاسم عبيد الله بن عبد الله بن الحسن الخفاف ـ المعروف بابن النقيب ـ يقول :

كنت يوما جالسا بباب الطاق أقرأ القرآن على رجل يكنى بأبي بكر المعيمش (٧) ، وكان وليا لله ، فإذا بأبي (٨) بكر الشبلي قد جاء إلى رجل يكنى بأبي الطيّب الجلّاء ، وكان من أهل العلم ، فسلّم عليه ، وأطال الحديث معه ، وقام لينصرف. فاجتمع قوم إلى أبي الطيب فقالوا : نسألك أن تسأله أن يدعو لنا ، ويرينا شيئا من آيات الله ـ ومعهم (٩) صاحبان له ـ فألح أبو

__________________

(١) في مختصر أبي شامة : الخير ، والمثبت عن تاريخ بغداد.

(٢) من طريقه روي الخبر في تاريخ بغداد ١٤ / ٣٩٢.

(٣) في تاريخ بغداد : ترجو الخير ، تختم في كل يوم بين يدي ختمتين وثلاثا.

(٤) الخبر باختلاف الرواية في تاريخ بغداد ١٤ / ٣٩٥.

(٥) سورة التوبة ، الآية : ١٢٨.

(٦) رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٤ / ٣٩٤.

(٧) في تاريخ بغداد : العميش.

(٨) في مختصر أبي شامة : «فإذا أبا بكر» والمثبت عن تاريخ بغداد.

(٩) كذا في مختصر أبي شامة ، وفي تاريخ بغداد : ومعه.

٥٥

الطيب عليه في المسألة ، واجتمع الناس بباب الطاق (١) ، فرفع الشبلي يده إلى الله تعالى ، ودعا بدعاء لم يفهم ، ثم شخص إلى السماء ، فلم يطبق جفنا على جفن إلى وقت الزوال. وكان دعاؤه وابتداء إشخاص بصره إلى السماء ضحى النهار. فكبّر الناس وضجوا بالدعاء والابتهال. ثم مضى الشبلي إلى سوق يحيى ، وإذا برجل يبيع حلواء ، وبين يديه طنجير (٢) فيه عصيدة تغلي ، فقال الشبلي لصاحب له : هل تريد من هذه العصيدة؟ قال : نعم. فأعطى الحلاوي درهما ، وقال : أعط هذا ما يريد (٣) ، ثم قال : تدعني أعطيه رزقه؟ قال الحلاوي : نعم. فأخذ الشبلي رقاقة ، وأدخل يده في الطنجير (٤) ، والعصيدة تغلي ، فأخذ منه بكفّه ، وطرحها على الرقاقة. ومشى الشبلي إلى أن جاء إلى مسجد أبي بكر بن مجاهد ، فدخل على أبي بكر ، فقام إليه [أبو بكر](٥) ، فتحدث أصحاب ابن مجاهد بحديثهما ، وقالوا لأبي بكر : أنت لم تقم لعلي بن عيسى الوزير ، وتقوم للشبلي؟! فقال أبو بكر : ألا أقوم لمن يعظمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟! رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في النوم ، فقال لي : «يا أبا بكر ، إذا كان في غد فسيدخل عليك رجل من أهل الجنّة ، فإذا جاءك فأكرمه».

قال ابن مجاهد : فلما كان بعد ذلك بليلتين (٦) أو أكثر رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المنام ، فقال لي : «يا أبا بكر ، أكرمك الله كما أكرمت رجلا من أهل الجنّة». فقلت : يا رسول الله ، بم استحق الشبلي هذا منك؟ فقال : «هذا رجل يصلي كل يوم خمس صلوات يذكرني في إثر كلّ صلاة ، ويقرأ : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) ، الآية يفعل ذلك منذ ثمانين سنة ، أفلا أكرم من يفعل هذا»؟.

قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن جعفر الرازي :

كان أهل بغداد يقولون : عجائب الدنيا ثلاث : إشارات الشبلي ، ونكت المرتعش (٧) ، وحكايات جعفر.

__________________

(١) باب الطاق ينسب إلى طاق أسماء ، وهو بالجانب الشرقي من بغداد بين الرصافة ونهر المعلى. (راجع معجم البلدان : طاق أسماء ٤ / ٥).

(٢) الطنجير : بالكسر ، وهو معروف فارسيته باتيله ، والطنجرة مثله. (تاج العروس).

(٣) في مختصر أبي شامة : تريد ، والمثبت عن تاريخ بغداد.

(٤) في مختصر أبي شامة : الطنجر ، والمثبت عن تاريخ بغداد.

(٥) الزيادة عن تاريخ بغداد.

(٦) في تاريخ بغداد : بثلاثين.

(٧) هو عبد الله بن محمد المرتعش أبو محمد نيسابوري من محلة الحيرة ، كان يقيم في مسجد الشونيزية ومات ببغداد سنة ٣٢٩ أخباره في الرسالة القشيرية ص ٤٣١.

٥٦

قال أبو بكر الزبير بن محمّد بن عبد الله :

رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المنام ، فقلت : يا رسول الله ، ما تقول في الجنيد (١)؟ قال : «جمع العلم» ، قلت : فالشبلي؟ قال : «إن صحا انتفع به كثير من الناس» ، قلت : فالحلّاج؟ قال : «استعجل».

قال الشبلي :

كان بدء أمري أني نوديت : يا أبا بكر ، ليس لهذا أردناك ، ولا بهذا أمرناك. فتركت خدمة المعتضد ، ونظرت في الناسخ والمنسوخ ، والتأويل والتفسير ، والتحليل والتحريم. وسمعت الحديث والفقه وكتاب المبتدأ وغير ذلك ، ثم أبدت علي خفقة أذهبت ما سوى الله ، فإذا الله الله.

وقال : كنت في أول بدايتي أكتحل بالملح ، فلمّا زاد علي الأمر أحميت الميل فاكتحلت به.

وقال : أطع الله يطعك كلّ شيء.

قال برهان الدينوري (٢) :

حضر الشبلي ليلة ومعه صبيّ ، فقال للصبي : قم نم ، فقال الصبي : إني آنس برؤيتك ، فأشتهي (٣) النظر إليك إلى أن تنام. فقال الشبلي : إن جاريتي قالت : عددت عليك ستة أشهر لم تنم فيها.

قال [أبو](٤) جعفر الفرغاني (٥) : سمعت الجنيد يقول :

لا تنظروا إلى أبي بكر الشبلي بالعين التي ينظر بعضكم إلى بعض ، فإنه عين من عيون الله.

قال أبو عمر (٦) الأنماطي : سمعت الجنيد يقول :

__________________

(١) الجنيد بن محمد بن الجنيد ، أبو القاسم ، العالم المربي ، انظر أخباره في حلية الأولياء ١٠ / ٢٥٥.

(٢) من طريقه رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٤ / ٣٩٤.

(٣) في تاريخ بغداد : وأشتهي.

(٤) سقطت من مختصر أبي شامة ، وزيدت للإيضاح ، انظر الحاشية التالية.

(٥) رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٤ / ٣٩٥.

(٦) كذا عند أبي شامة ، وفي تاريخ بغداد : أبو عمران ، والخبر في تاريخ بغداد ١٤ / ٣٩٥.

٥٧

لكلّ قوم تاج ، وتاج هؤلاء القوم الشبلي.

قال أبو عمرو بن علوان : سمعت الجنيد يقول :

جزى الله الشبلي عني خيرا ، فإنه ينوب عني في أمر الفقراء شيئا كثيرا.

قال السلمي : سمعت عبد الله بن علي يقول : أخبرني أبو الحسين الفارسي أن الجنيد قال :

إذا كلمتم الشبلي فكلموه من وراء الترس ، فإن سيوف الشبلي تقطر دما ، فقال له ابن عطاء : هو هكذا يا أبا القاسم؟ قال : نعم يا أحمد ، ما ظنك بشخص السيوف في وجهه ، والأسنة في ظهره ، والسهام عن يمينه وشماله ، والنار تحت قدميه؟ قال : فزعقت.

قال عبد الله بن يوسف الصباغ :

كنت مع أبي في الدكان نصبغ ، فلمّا كان يوم من الأيام خرجت فإذا على باب الدكان شيخ جالس ، فقلت مازحا : الشيخ قد صلى الظهر؟ قال : نعم ، والحمد لله ، قلت : أين صليت؟ قال : بمكة. فدخلت إلى أبي ، فقلت : يا أبه ، رجل بباب الدكان قال : صليت الظهر بمكة! فخرج أبي ، فلمّا رآه رجع وقال : هذا الشبلي.

قال أبو الحسين بن سمعون :

اعتل الشبلي ، فقال علي بن عيسى للمقتدر بالله : الشبلي عليل. فأنفذ إليه بطبيب يحمل إليه ما يصف له ، فلمّا كان يوم قال الطبيب للشبلي : والله لو كان دواؤك في قطعة من لحمي ما عسر علي ذلك. قال له الشبلي : دوائي في دون ذلك ، قال : وما هو؟ قال : تقطع الزّنار ، قال : فإذا قطعت الزنار تبرأ؟ قال : نعم. قال : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّدا رسول الله.

فأخبر الخليفة بذلك ، فقال (١) : أنفذنا بطبيب إلى عليل ، وما علمنا أنّا أنفذنا بعليل إلى طبيب.

قال أبو القاسم عيسى بن علي بن عيسى الوزير (٢) :

__________________

(١) في مختصر أبي شامة : قال.

(٢) رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٤ / ٣٩٢ من هذا الطريق ، وباختلاف الرواية في حلية الأولياء ١٠ / ٣٠٤.

٥٨

كان ابن مجاهد يوما عند أبي ، فقيل له : الشبلي؟ قال : يدخل. فقال ابن مجاهد : سأسكته الساعة بين يديك ؛ وكان من عادة الشبلي إذا لبس شيئا خرق فيه موضعا (١) ، فلما جلس قال له ابن مجاهد : يا أبا بكر ، أين في العلم إفساد ما ينتفع به؟ قال له الشبلي : أين في العلم (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ)(٢)؟ قال : فسكت ابن مجاهد. فقال له أبي : أردت أن تسكته فأسكتك! ثم قال له : قد أجمع الناس أنك مقرئ الوقت ؛ أين في القرآن : الحبيب لا يعذّب حبيبه؟ قال : فسكت ابن مجاهد ، فقال له أبي : قل يا أبا بكر. فقال : قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ)(٣). فقال ابن مجاهد : كأنني ما سمعتهما (٤) قط.

قال السلمي : سمعت أبا عبد الله الرازي يقول :

قال أبو العباس بن شريح يوما للشبلي : يا أبا بكر ، أنت مع جودة خاطرك وفهمك لو شغلته بشيء من علوم الفقه؟ فقال : أنا أشتغل بعلم يشاركني فيه مثلك؟!.

قال القشيري (٥) : سمعت أبا حاتم السجستاني يقول : سمعت أبا نصر السراج يقول :

سئل الشبلي ، فقيل له : أخبرنا عن توحيد مجرد بلسان حقّ مفرد؟ فقال : ويحك! من أجاب عن التوحيد بالعبارة فهو ملحد ، ومن أشار إليه فهو ثنويّ (٦) ، ومن أومأ إليه فهو عابد وثن ، ومن نطق فيه فهو غافل (٧) ، ومن سكت عنه فهو جاهل ، ومن توهم (٨) أنه واصل فليس له حاصل ، ومن رأى (٩) أنه قريب فهو بعيد (١٠) ، ومن تواجد فهو فاقد ، وكل ما ميزتموه

__________________

(١) العبارة في حلية الأولياء : أخبرت أنك تحرق الثياب والخبز والأطعمة وما ينتفع به الناس في منافعهم ومصالحهم.

(٢) سورة ص ، الآية : ٣٣.

(٣) سورة المائدة ، الآية : ١٨.

(٤) في تاريخ بغداد : سمعتها.

(٥) الخبر في الرسالة القشيرية ص ٣٠١ ورواه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ١٠ / ٣٧٤.

(٦) ثنوي من أتباع الثنوية وهم أصحاب ماني وأشياعه ، وهم يقولون بوجود مبدأين أساسيين متضادين لا ينفكان وهما في حالة صراع دائمة ، وهما مبدأ الخير ومبدأ الشر. وقيل مبدأ النور ومبدأ الظلمة.

(٧) في مختصر أبي شامة : عاقل ، تصحيف ، والمثبت عن الرسالة القشيرية وحلية الأولياء.

(٨) في الرسالة القشيرية : وهم.

(٩) في مختصر أبي شامة : أرى ، والمثبت عن الرسالة القشيرية.

(١٠) في حلية الأولياء : ومن أرى أنه عتيد فهو بعيد.

٥٩

بأوهامكم (١) ، وأدركتموه بعقولكم في أتمّ معانيكم فهو مصروف مردود إليكم ، محدث مصنوع مثلكم.

قال السلمي : سمعت عبد الله بن موسى السّلامي يقول : سمعت الشبلي يقول :

جل الواحد المعروف قبل الحدود وقبل الحروف.

قال القشيري :

هذا صريح من الشبلي أن القديم سبحانه لا حدّ لذاته ولا .... (٢).

وقال الشبلي (٣) في قوله تعالى : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(٤) : ادعوني بلا غفلة أستجب لكم بلا مهلة.

قال السّلمي (٥) : سمعت عبد الله بن محمّد الدمشقي يقول :

كنت واقفا في مجلس الشبلي في جامع المدينة ببغداد ، فوقف سائل على مجلسه وحلقته ، وجعل يقول : يا الله ، يا جواد ، فتأوّه الشبلي ، وصاح ، وقال : كيف يمكنني أن أصف الحقّ بالجود ، ومخلوق يقول في شكله (٦) :

تعوّد بسط الكف حتى لو أنه

ثناها لقبض لم تجبه (٧) أنامله

تراه (٨) إذا ما جئته متهلّلا

كأنّك تعطيه الذي أنت سائله (٩)

ولو لم يكن في كفّه غير روحه

لجاد بها ، فليتّق الله سائله

هو البحر من أيّ النّواحي أتيته

فلجّته المعروف والجود ساحله

ثم بكى وقال : بلى يا جواد ، فإنك أوجدت تلك الجوارح ، وبسطت تلك الهمم ، ثم مننت بعد ذلك على أقوام بالاستغناء عنهم ، وعما في أيديهم [بك](١٠) ، فإنك الجواد كلّ

__________________

(١) في الرسالة القشيرية : بخيالكم.

(٢) كلمتان ممحوتان في مختصر أبي شامة. ولم أعثر على قول القشيري في الرسالة القشيرية.

(٣) الخبر في حلية الأولياء ١٠ / ٣٦٨.

(٤) سورة غافر ، الآية : ٦٠.

(٥) الخبر والشعر في حلية الأولياء ١٠ / ٣٧٣.

(٦) الأبيات لأبي تمام وهي في ديوانه من قصيدة طويلة يمدح المعتصم ص ٢١٩.

(٧) في الديوان : تطعه.

(٨) هذا البيت ليس في ديوان أبي تمام ، وهو لزهير بن أبي سلمى من قصيدة طويلة يمدح حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري ص ١٤٢ بشرح ثعلب. ط دار الهيئة العامة وقوله : متهللا : مستبشرا.

(٩) في الحلية : آمله.

(١٠) زيادة عن حلية الأولياء.

٦٠