مسكّن الفؤاد عند فقه الاحبة والاولاد

الشيخ زين الدين علي بن أحمد الجبعي العاملي

مسكّن الفؤاد عند فقه الاحبة والاولاد

المؤلف:

الشيخ زين الدين علي بن أحمد الجبعي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ١٦٠

١
٢

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الله تعالى بمقتضى غناه وجوده وكرمه ، شاء أن ينعم على ابن آدم من نعمه الجزيلة ، فأنعم عليه بأول نعمة الوجود وإخراجه من حيز العدم. ثم سخر له ما في الأرض جميعاً وجعله سيد هذه الكرة ، يتصرف في ترابها ومائها وجوها ، ويذل له كل ما عليها من حيوان ، ويخضع له نباتها ومعدنها وجميع كنوزها.

ثم أنعم عليه بالهداية إليه بإرسال الرسل وإنزال الكتب التي تضمن له رضى ربه وسعادة معاشه ومعاده إن أطاع الله.

وكان بعد هذا الإنعام الجزيل والهداية الواضحة الإختبار والإمتحان وهما لا يكونان إلا بالإبتلاء بنقص النعمة أو البلاء في نفس الانسان وماله.

وهنا يعرف الصابر المحتسب من الضجر الجازع.

وقد وعد سبحانه الصابرين بالأجر الجزيل ، ووعدهم بأن يوفيهم أجرهم بغير حساب ، وأعلمهم أنّه هو تعالى معهم إن صبروا.

قال الإمام الباقر عليه‌السلام : إنما يبتلى المؤمن في الدنيا على قدر ، دينه ـ أو قال ـ على حسب دينه (١).

وقال الامام الصادق عليه‌السلام : إن الله إذا أحب عبداً غته بالبلاء غتا (٢).

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ١٩٧ / ٩ ، مشكاة الانوار : ٢٩٨.

٢ ـ الكافي ٢ : ١٩٧ / ٦.

٣

وقال عليه‌السلام : إن عظيم الأجر مع عظيم البلاء (١).

ولذا كان أشد الناس بلاءً ـ كما في الحديث ـ الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل (٢).

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : نحن ـ معاشر الأنبياء ـ أشد بلاء والمؤمن الأمثل فالامثل ، ومن ذاق طعم البلاء تحت ستر حفظ الله له ، تلذذ به أكثر من تلذذه بالنعمة (٣).

وجعل رأس طاعة الله الصبر بنصف الإيمان وعده من مفاتيح الأجر وقرر ان الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا الجسد لمن لا رأس له ولا إيمان لمن لا صبر له ، ومن صبر كان له أجر ألف شهيد.

ولذا قال الإمام علي عليه‌السلام : إن صبرت جرى عليك القضاء وانت مأجور ، وإن جزعت جرى عليك القضاء وأنت مأزور (٤).

قال الامام الكاظم عليه‌السلام : ضرب الرجل على فخذه عند المصيبة إحباط أجره (٥).

وتختلف المصائب الواحدة عن الاُخرى فمن مرض مزمن إلى اسارة محقرة إلى فقد المال و ...

ومن الامور الهامة فقد الأحبة والاولاد ـ وقد وردت روايات كثيرة في هذا الباب منها : من قدم من ولده ثلاثاً صابرا محتسبا كان محجوبا من النار بإذن الله (٦) وان ذلك له جنة حصينه.

وفي جواب الله لداود عليه‌السلام عندما قال : ما يعدل هذا الولد عندك؟

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ١٩٦ / ٣.

٢ ـ رواه الكليني في الكافي ٢ : ١٩٦ / ١ ، وابن ماجة في سننه ٢ : ١٣٣٤ / ٤٠٢٣ ، والترمذي في سننه ٤ : ٢٨ / ٢٥٠٩ ، وأحمد في مسنده ١ : ١٧٢ ، ١٨٠ ، ١٨٥ ، والدارمي في سننه ٢ : ٣٢٠ ، والحاكم النيشابوري في مستدركه ١ : ٤١ باختلاف يسير.

٣ ـ مصباح الشريعة : ٤٨٧.

٤ ـ نهج البلاغة ٣ : ٢٢٤ / ٢٩١.

٥ ـ الكافي ٣ : ٢٢٥ / ٩.

٦ ـ الجامع الكبير ١ : ٨١٧.

٤

قال : يارب كان يعدل هذا عندي ملء الأرض ذهباً ، قال : فلك عندي يوم القيامة ملء الأرض ثواباً (١).

لقد ذهب الرسول الأعظم إلى أكثر من ذلك بقوله : ... إني مكاثر بكم الامم حتى أن السقط ليظل محبنطئاً على باب الجنة ، فيقال له : ادخل الجنة ، فيقول : أنا وأبواي؟ فيقال : أنت وأبواك (٢).

وقد وردت الروايات الكثيرة بتقديم التعازي لصاحب المصيبة ليخفف عنه المصاب ، فعن ابن مسعود عن النبي ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : من عزى مصاباً فله مثل أجره (٣).

وعن أبي برزة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من عزى ثكلى كسي برداً في الجنة (٤).

هذا ، وإن البكاء على الميت لا يقل من الاجر ولا يضر بالثواب ، فإن أول من بكى آدم على ولده هابيل ورثاه بأبيات مشهورة وحزن عليه حزناً كثيراً ، وحال يعقوب أشهر من أن يذكر فقد أبيضت عيناه من الحزن على يوسف وبكى عليه كثيراً.

وأما سيدنا ومولانا علي بن الحسين عليه‌السلام فقد بكى على أبيه أربعين سنة صائما نهاره قائما ليله ، فإذا حضر الإفطار جاء غلامه بطعامه وشرابه فيضعه بين يديه ، ويقول : كل يا مولاي ، فيقول : قتل ابن رسول الله جائعا ، قتل ابن رسول الله عطشانا ، فلا يزال يكرر ذلك ويبكي حتى يبل طعامه من دموعه فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عز وجل (٥).

ولذا قال رسول الله (ص) : تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب (٦).

ومن الذين أبلوا بلاء حسناً في الصبر عند فقد الأحبة والأولاد أبو ذر الغفاري

__________________

١ ـ رواه الشيخ ورام في تنبيه الخواطر ١ : ٢٨٧ ، والسيوطي في الدر المنثور ٥ : ٣٠٦ باختلاف في الفاظه.

٢ ـ رواه السيوطي في الجامع الصغير ٢ : ٥٥ / ٤٧٢٤. والمتقي الهندي في منتخب كنز العمال ٦ : ٣٩٠ عن ابن عباس.

٣ ـ الجامع الكبير ١ : ٨٠١.

٤ ـ سنن الترمذي ٢ : ٢٦٩ / ١٠٨٢.

٥ ـ اللهوف في قتلى الطفوف : ٨٧.

٦ ـ سنن ابن ماجة ١ : ٥٠٦ / ١٥٨٩ ، ومنتخب كنز العمال ٦ : ٢٦٥.

٥

رضي‌الله‌عنه الذي لم يعش له ولد ، وقوله : الحمد لله الذي يأخذهم من دار الفناء ويدخرهم في دار البقاء (١).

فلنا بهم أحسن العبر وأجلها ، وهم لنا اسوة حسنة وما أكثر الصابرين المحتسبين في سبيل الله.

ومن اولئك الذين اصيبوا بهذا المصاب وفقدوا الاحبة والاولاد شيخنا الشهيد الثاني قدس الله روحه الزاكية.

وقد ذكر صاحب روضات الجنات (٢) فقد لأولاده ومصيبته بهم حيث يتوفون صغاراً.

وقال السيد الامين : « وكان لا يعيش له أولاد ، فمات له أولاد ذكور كثيرون قبل الشيخ حسن الذي كان لا يثق بحياته أيضاً » (٣).

وقال الشيخ عباس القمي في معرض حديثه عن الشيخ حسن بن الشهيد : « ولم يكن مرجو البقاء بعد ما قد اصيب والده بمصائب أولاد كثيرين من قبله » (٤).

سبب تأليف الكتاب :

لم يكن تأليف « مسكن الفؤاد » وليد حالة علمية بحتة يقررها واقع الدرس والتدريس ، أو تمليها حاجة المناضرات الحوزوية ، بقدر ما كان إفرازاً لحالة وجدانية وعاطفية عاشها الشهيد الثاني بكل جوارحه وأحاسيسه ، وتفاعل معها تفاعلا إيجابيا طيلة حياته الشريفة ، فقد ذكرت أغلب المصادر التي ترجمت للشهيد الثاني أنّه ابتلي بموت أولاده في مقتبل اعمارهم ، حتى أصبح لا يثق ببقاء أحد منهم ، ولم يسلم منهم إلا ولده الشيخ حسن ، الذي كان يشك الشهيد في بقاءه ، وقد استشهد وعمر ولده أربع أو سبع سنين.

لقد واجه الشهيد الثاني ـ قدس‌سره ـ حالة الحرمان العائلي بأسمي آيات الصبر

__________________

١ ـ رواه المتقي الهندي في منتخب كنز العمال ١ : ٢١٢ ، وأخرجه المجلسي في البحار ٨٢ : ١٤٢.

٢ ـ روضات الجنات ٣ : ٣٧٩.

٣ ـ أعيان الشيعة ٧ : ١٤٤.

٤ ـ الكنى والالقاب ٢ : ٣٤٩.

٦

والجلد ، فألف كتابه « مسكن الفؤاد » ، وقلبه يقطر ألماً وحسرة وهو يرى أولاده أزهاراً يانعة تقتطف أمام عينيه.

يقول رضوان الله عليه في مقدمة كتابه المذكور : « فلما كان الموت هو الحادث العظيم ، والأمر الذي هو على تفريق الأحبة مقيم ، وكان فراق المحبوب يعد من أعظم المصائب ، حتى يكاد يزيغ له قلب ذي العقل ، والموسوم بالحدس الصائب ، خصوصاً ومن أعظم الأحباب الولد ، الذي هو مهجة الألباب ، ولهذا رتب على فراقه جزيل الثواب ، ووعد أبواه شفاعته فيهما يوم المآب.

فلذلك جمعت في هذه الرسالة جملة من الآثار النبوية ، وأحوال أهل الكمالات العلية ، ونبذة من التنبيهات الجلية ، ما ينجلي به ـ إن شاء الله تعالى الصدأ عن قلوب المحزونين ، وتنكشف به الغمة عن المكروبين ، بل تبتهج به نفوس العارفين ، ويستيقظ من اعتبره من سنة الغافلين ، وسميتها « مسكن الفؤاد عند فقد الإحبة والأولاد » ورتبتها على مقدمة ، وأبواب ، وخاتمة » (١).

* * *

ويمتاز كتاب « مسكن الفؤاد » ـ على صغر حجمه ـ بخصوصية موضوعه ، مما جعله مرجعاً يعتمد عليه في بابه ، فقد ركن إليه جمع من أصحاب الموسوعات الروائية كالعلامة المجلسي في بحار الانوار ، والشيخ الحر في الجواهر السنية والشيخ النوري في مستدرك الوسائل ، وغيرهم.

يقول العلامة المجلسي في بحار الانوار ، في بيان الاصول والكتب المأخوذة منها : « ... وكتاب مسكن الفؤاد ... للشهيد الثاني رفع الله درجته » (٢).

وقال الشيخ الحر في مقدمة كتابه الجواهر السنية : « ونقلت الأحاديث المودعة فيه من كتب صحيحة معتبرة ، واصول معتمدة محررة » (٣) وكتابنا أحد هذه الكتب الصحيحة المعتبرة ...

وقال السيد الخونساري في معرض حديثه عن كتاب مسكن الفؤاد : « وإن لكتابه هذا فوائد جمة ، وأحاديث نادرة ، ولطائف عرفانية قل ما يوجد نظيرها في

__________________

١ ـ مسكن الفؤاد : ١٧.

٢ ـ بحار الانوار ١ : ١٩.

٣ ـ الجواهر السنية ٦.

٧

كتاب » (١).

وقال السيد محسن الامين في ترجمة الشهيد الثاني : « وتفرد بالتأليف في مواضيع لم يطرقها غيره ، أو طرقها ولم يستوف الكلام فيها ، مثل : ... والصبر على فقد الأحبة والاولاد » (٢).

وقال في تعداد مصنفاته : « مسكن الفؤاد عند فقد الأحبة والاولاد لم يسبق إلى مثله » (٣).

وذكره الشيخ الطهراني في الذريعة قائلاً : « مسكن الفؤاد عند فقد الاحبة والاولاد ، للشيخ السعيد زين الدين بن أحمد العاملي الشهيد مرتبا على مقدمة وابواب وخاتمة ، أول الأبواب في الأعواض عن فوت الولد ، وثانيها في الصبر ، وثالثها في الرضا ، ورابعها في البكاء » (٤).

وقال إسماعيل باشا في إيضاح المكنون : « مسكن الفؤاد عند فقد الاحبة والاولاد ، لزين الدين بن علي بن أحمد العاملي الشيعي » (٥).

وقال ابن العودي في بغية المريد في الكشف عن أحوال الشيخ زين الدين الشهيد ، في ذكر مصنفاته : « ... ومنها كتاب مسكن الفؤاد عند فقد الاحبة والاولاد » (٦).

وفي أمل الآمل : له مؤلفات منها : « ... وكتاب مسكن الفؤاد عند فقد الاحبة والاولاد » (٧).

وقال الشيخ يوسف البحراني في لؤلؤة البحرين : « وله ـ قدس‌سره ـ من الكتب والمصنفات .. وكتاب مسكن الفؤاد عند فقد الاحبة والاولاد » (٨).

__________________

١ ـ روضات الجنات ٣ : ٣٧٩.

٢ ـ أعيان الشيعة ٧ : ١٤٥.

٣ ـ أعيان الشيعة ٧ : ١٥٦.

٤ ـ الذريعة ٢١ : ٢٠ / ٣٧٤٧.

٥ ـ إيضاح المكنون ٤ : ٤٧٩.

٦ ـ بغية المريد : الواردة ضمن كتاب الدر المنثور ٢ : ١٨٧.

٧ ـ أمل الآمل ١ : ٨٧.

٨ ـ لؤلؤة البحرين : ٣٥.

٨

ومن دلائل اهتمام المصنف قدس‌سره بكتابه هذا ، أنه اختصره بكتاب آخر وسماه « مبرّد الاكباد مختصر مسكَن الفؤاد » ، ذكره الشيخ علي حفيد الشهيد الثاني (١) ، والشيخ الحرّ العاملي (٢) ، والشيخ يوسف البحراني (٣) والسيد الخونساري ، (٤) والسيد محسن الأمين (٥) ، والشيخ آقابزرگ الطهراني (٦).

وترجمه إسماعيل خان إلى اللغة الفارسية وسماه « تسلية العباد » ، قال الشيخ الطهراني في الذريعة : « تسلية العباد في ترجمة مسكن الفؤاد ، تأليف الشيخ الشهيد ترجمه إلى الفارسية إسماعيل خان دبير السلطنة الملقب بمجد الادباء المعاصر المجاور للمشهد الرضوي ، المتوفى بعد طبع الترجمة سنة ١٣٢١ » (٧).

المؤلف :

هو الشيخ زين الدين نور الدين علي بن أحمد بن محمد بن علي بن جمال الدين بن تقي بن صالح بن مشرف ، العاملي الشامي الطوسي الجبعي ، الشهير بالشهيد الثاني.

ولد في ١٣ / شوال / سنة ٩١١ ، وكان أبوه من أكابر علماء عصره وكذلك كان آباؤه إلى (صالح) وبنو عمومته وأخوه عبد النبي وابن أخيه ، وقد تسلسل العلم في بيته زمناً طويلا حتى سميت سلسلته بسلسلة الذهب ، وابنه الشيخ حسن من العلماء المحققين ، وكان الشهيد قدس‌سره واسطة عقدهم.

درس رحمه الله العلوم المعروفة في زمنه ، وأخذ عن علماء الشيعة وأهل السنة ، وبرع رحمه الله وفاق أقرانه على شدة الفقر وشظف العيش ، فقد كان يحرس

__________________

١ ـ الدر المنثور ٢ : ١٨٩.

٢ ـ أمل الآمل ١ : ٨٧.

٣ ـ لؤلؤة البحرين : ٣٥.

٤ ـ روضات الجنات ٣ : ٣٧٩.

٥ ـ أعيان الشيعة ٧ : ١٤٥.

٦ ـ الذريعة ٢٠ : ٢٠٩ / ٢٦١٣.

٧ ـ الذريعة ٤ : ١٧٩ / ٢٦١٣.

٨ ـ الذريعة ٤ : ١٧٩ / ٨٨٢.

٩

مزرعته ـ من العنب ـ ليلاً ، ويحتطب لعياله ، ويشتغل بالتجارة أحياناً ويقوم بحاجات عياله.

سافر إلى إستانبول ـ وكانت عاصمة الدولة العثمانية يومذاك ـ وألف خلال ١٨ يوماً رسالة في حل عشر مسائل من مشكلات العلوم ، فاُسند إليه تدريس المدرسة النورية في بعلبك ، وهي من كبار المدارس ، فأقام فيها خمس سنين يدرس على المذاهب الخمسة ، وهذا اقتدار عظيم له وعلم واسع ما عليه الآن من مزيد.

ألف نحو ثمانين كتاباً أشهرها « الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية » الذي هو من عمد كتب الدراسة الفقهية في الحوزات الشيعية.

ولكنّ التعصّبات المذهبية ـ الداء الذي أودى بالمسلمين ـ لم تترك هذا العالم الفذّ ينفع الناس بعلمه وخلقه ، فقد اضظرمت نار الحسد في صدور الّذين أوصلوا الاُمّة الإسلامية إلى ما هي عليه الآن من ضعف وتأخر .. فحاكوا له الدسائس وأوغروا عليه صدور الامراء ، حتى آل الامر إلى إلقاء القبض علية في حرم الله مكة المكرمة في موسم الحج ، وأخذ مخفوراً إلى استانبول.

وخشي الجلاوزة الذين القوا القبض عليه ان يصل إلى استانبول فتبرأ ساحته مما رموه به ـ وهي البريئة الطاهرة ـ فاستعجلهم الشيطان فقتلوه في الطريق وحملوا رأسه إلى العاصمة.

وكانت شهادته قدس‌سره سنة ٩٦٥ ، وعمره (٥٥) سنة.

وقد كتب في ترجمته تلميذه ابن العودي رسالة مستقلة سماها « بغية المريد في الكشف عن أحوال الشيخ زين الدين الشهيد ».

اُنظر في ترجمته :

الدرالمنثور ٢ : ١٤٩ ـ بغية المريد في الكشف عن أحوال الشهيد ـ ، أمل الامل ١ : ٨٥ ، رياض العلماء ٢ : ٣٦٥ ، لؤلؤة البحرين : ٢٨ ، نقد الرجال : ١٤٥ ، منتهى المقال : ١٤١ ، بهجة الآمال ٤ : ٢٥٤ ، روضات الجنات ٣ : ٣٥٢ ، تنقيح المقال ١ : ٤٧٢ / ٤٥١٧ ، سفينة البحار ١ : ٧٢٣ ، الكنى والالقاب ٢ : ٣٤٤ ، هدية الاحباب : ١٦٧ ، الفوائد الرضوية : ١٨٦ ، أعيان الشيعة ٧ : ١٤٣ ، الأعلام للزركلي ٣ : ٦٤ ، معجم رجال الحديث ٧ : ٣٧٢ ، معجم المؤلفين ٤ : ١٩٣

١٠

منهجية التحقيق :

اعتمدنا في تحقيق الكتاب على ثلاث نسخ :

الاولى النسخة المحفوظة في مكتبة آية الله المرعشي العامة ، الكتاب الثالث ضمن المجموعة المرقمة (٤٤٤) ، من ص١٨٦ إلى ص٢٤٩ ، كتبها صفر الكرماني بخط النسخ الواضح يوم الاثنين ٢٧ ذي القعدة سنة ١٠٨٧ هـ ، على نسخة اخذت من الشيخ محمد العاملي في الشام ن وفي آخر الكتاب توجد عبارة « بلغ مقابلة بعون الله تعالى وحسن توفيقه » ، كما كتب الشيخ يوسف النجفي تلميذ الشهيد الثاني في آخر صفحة من المجموعة أنه قابل النسخة ، وأنهى مقابلتها يوم الاربعاء ٩ ربيع الاول سنة ١٠٨٨ هـ.

تقع المجموعة في ٣٢٠ ورقة ، وكتابنا في ٦٣ ورقة ، في كل ورقة ١٦ سطراً ، بحجم ٥ / ٢٠ × ٥ / ١٠ سم ، وقد رمزنا لهذه النسخة في هامش الكتاب ب ـ « ش ».

الثانية : النسخة المحفوظة في مكتبة جامعة طهران تحت رقم ١٠١٧ ، كتبها بخط النسخ حسين بن مسلم بن حسين بن محمد الشهير بابن شعير العاملي ، تلميذ الشهيد الثاني نحو سنة ٩٥٤ هـ ، تحتوي النسخة على مقدمة الكتاب وبعض من الباب الثاني والثالث والرابع ، توجد في ورقة ٧٣ ب عبارة « تمت ٩٥٤ » بخطّ آخر ، وفي ورقة ٦٩ ألف توجد عبارة « ثم بلغ قراءة وفقه الله تعالى » بخط الشهيد الثاني.

تملك النسخة كل من علي بن محمد حسين الموسوي الشوشتري في ١٥ ج٢ سنة ١٢٦٨ هـ ، وعلي بن حسين بن محمد علي بن زين الدين الموسوي وعلي محمد الموسوي.

ورق النسخة من النوع السمرقندي بحجم ١٤ × ٥ / ١٨ و ٥ / ٨ × ١٣ س ١٧. وقد رمزنا لهذه النسخة ب ـ « د ».

انظر فهرس مكتبة جامعة طهران ، الجزء الثالث ، القسم الاول ، ص ٦٧٩.

الثالثة : النسخة المطبوعة على الحجر في ايران ، كتبها ابن علي أكبر الجيلاني في يوم الاثنين ٢٦ صفر سنة ١٣١٠ هـ في طهران ، وقد رمزنا لها في هامش الكتاب بـ « ح ».

* * *

١١

واستناداً للمنهجية المتبعة في مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث ، مر تحقيق الكتاب بعدة مراحل ، هي كالآتي :

١ ـ لجنة المقابلة : ومهمتها مقابلة النسخ المخطوطة وإثبات اختلافاتها.

٢ ـ لجنة استخراج الأحاديث : ومهمتها إستخراج النصوص الواردة في الكتاب وإسنادها إلى مصادرها.

٣ ـ لجنة ضبط الإختلافات الرجالية : ومهمتها ضبط ما ينتج من مقابلة النسخ من اختلافات في الأعلام ، وإسناد ذلك إلى المصادر الرجالية.

٤ ـ لجنة تقويم النص : ومهمتها إظهار نص مضبوط وصحيح للكتاب أقرب ما يكون لما تركه المؤلف ، وقد اتبعت طريقة التلفيق بين النسخ بحيث يثبت النص الصحيح في المتن ويشار لما عداه في الهامش.

٥ ـ كتابة الهامش : وذلك بالاستفادة من كل ما تقدم لترتيب وتنسيق الهوامش.

٦ ـ الملاحظة النهائية : ويتم فيها مراجعة الكتاب متناً وهامشاً ، لعل فيه مازاغ عن البصر ، لإصلاحه.

وختاما ... نتقدم بجزيل الشكر وعظيم التقدير للإخوة الأفاضل الذين ساهموا في اخراج هذا الكتاب بهذه الحلة الجيدة.

مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث

قم ـ ٢١ شوال ١٤٠٧ هـ

١٢

صوره الورقة الاولى من مخطوطة آية الله المرعشي العامة ـ قم

١٣

صوره الورقة الاخيرة من مخطوطة مكتبة آية الله المرعشي العامة ـ قم

١٤

صوره الورقة الاولى من مخطوطة جامعة طهران

١٥

صوره الورقة الاخيرة من مخطوطة جامعة طهران

١٦

بِسْمِ اللهِ الرّحْمن الرحيم

الحمد لله الذي قضى بالفناء والزوال على جميع عباده ، وأنفذ أمره فيهم على وفق حكمته ومراده ، ووعد الصابرين على قضائه جميل ثوابه وإسعاده ، وأوعد الساخطين جزيل نكاله وشديد وباله في معاده ، ولذذ قلوب العارفين بتدبيره ، فبهجة نفوسهم في تسليمها لقياده ، هذا مع عجز كلّ منهم عن دفاع ما أمضاه وإن تمادى الجاهل في عناده. فإياه ـ سبحانه ـ أحمد على كل حال ، وأسأله الإمداد بتوفيقه وإرشاده.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة أستدفع بها الاهوال في ضيق المحشر ووهاده (١) ، وأشهد أن محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله عبده ورسوله ، أفضل من بشر وحذر ، وأعظم من رضي بالقضاء وصبر ، وخدم به سلطان معاده ، صلى الله عليه وعلى آله الأخيار ، أعظم الخلق بلاءً ، وأشدّهم عناءً ، أسدهم تسليماً ورضاءً ، صلاة دائمة واصلة إلى كل واحد بانفراده.

وبعد : فلما كان الموت هو الحادث العظيم ، والأمر الذي هو على تفريق الأحبة مقيم ، وكان فراق المحبوب يعد من أعظم المصائب ، حتى يكاد يزيغ له قلب ذي العقل (٢) ، والموسوم بالحدس (٣) الصائب ، خصوصاً ومن أعظم الأحباب الولد ، الذي هو

__________________

١ ـ الوهاد : جمع وهدة وهي الحفرة ، اُنظر « القاموس المحيط ـ وهد ـ ١ : ٣٤٧ ».

٢ ـ في نسخة « د » و « ش » : الغفلة.

٣ ـ في نسخة « ش » : بالخدش.

١٧

مهجة الألباب ؛ ولهذا رتب على فراقه جزيل الثواب ، ووعد أبواه شفاعته فيهما يوم المآب.

فلذلك جمعت في هذه الرسالة جملة من الآثار النبوية ، وأحوال أهل الكمالات العلية ، ونبذة من التنبيهات الجلية ، ما ينجلي به ـ إن شاء الله تعالى ـ الصدأ عن قلوب المحزونين ، وتنكشف به الغمة عن المكروبين ، بل تبتهج به نفوس العارفين ، ويستيقظ من اعتبره من سنة الغافلين ، وسميتها (مسكن الفؤاد عند فقد الأحبة والاولاد) ورتبتها على مقدمة ، وأبواب ، وخاتمة.

أمّا المقدمة : فاعلم أنه ثبت أن العقل هو الآلة التي بها عرف الله (١) سبحانه ، وحصل به تصديق الرسل والتزام الشرائع ، وأنه المحرض على طلب الفضائل ، والمخوف من الإتصاف بالرذائل ، فهو مدبر أمر الدارين ، وسبب لحصول الرئاستين ، ومثله كالنور في الظلمة ، فقد يقل عند قوم ، فيكون كعين الأعشى (٢) ، ويزيد عند آخرين ، فيكون كالنهار في وقت الضحى.

فينبغي لمن رزق العقل أن لا يخالفه فيما يراه ، ولا يخلد (٣) إلى متابعة غفلته وهواه ، بل يجعله حاكماً له وعليه ، ويراجعه فيما يرشده إليه ، فيكشف له حينئذ ما يوجب الرضا بقضاء الله سبحانه وتعالى ، سيما فيما نزل به من هذا الفراق ، من وجوه كثيرة ، نذكر بعضها :

الاول : إنك نظرت إلى عدل الله وحكمته ، وتمام فضله ورحمته ، وكمال عنايته ببريته ، إذا أخرجهم إد من العدم (٤) ، وأسبغ عليهم جلائل النعم ، وأيدهم بالالطاف ، وأمدهم بجزيل المعونة والإسعاف ، كلى الوجول ذلك ليأخذوا حظهم من السعادة الأبدية والكرامة السرمدية ، لا لحاجة منه إليهم ، ولا لاعتماد في شيء من أمره عليهم ؛ لأنه الغني المطلق ، والجواد المحقق.

وكلفهم بالتكاليف الشاقة ، والاعمال الثقيلة ؛ يأخذوا منه حظاً وأملاً وليبلوهم أيهم أحسن عملاً ، وما فعل ذلك إلا لغاية منفعتهم ، وتمام مصلحتهم ، وأرسل إليهم الرسل مبشرين ومنذرين ، وأنزل عليهم الكتب ، وأودعها ما فيه بلاغ للعالمين.

__________________

١ ـ في نسخة « د » : الإله.

٢ ـ الإعشى : الذي لا يبصر بالليل ، ويبصر في النهار فقط « الصحاح ـ عشا ـ ٦ : ٢٤٢٧ ».

٣ ـ في نسخة « ش » : يخلل.

٤ ـ في « ح » : من العدم إلى الوجود.

١٨

وتحقيق هذا المرام مستوفى في باب العدل من علم الكلام.

وإذا كانت أفعاله ـ تعالى وتقدس ـ كلها لمصلحتهم ، وما فيه تمام شرفهم ، والموت من جملة ذلك كما نطق به الوحي الإلهي في عدة آيات ، كقوله تعالى : ( وما كان لنفس ان تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً ) (١) ، ( قل لو كنتم في بيوتكم لبرز إليكم الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ) (٢) ، ( أين ما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ) (٣) ، ( الله يتوفى الانفس حين موتها ) (٤) ، إلى غير ذلك من الآيات.

فلولا أن في ذلك غاية المصلحة ، ونهاية الفائدة للعبد الضعيف الغافل عن مصلحته ، التائه في حيرته وغفلته ، لما فعله الله تعالى به ؛ لما قد عرفت من أنه أرحم الراحمين ، وأجود الأجودين ، فإن حدثتك نفسك بخلاف ذلك فاعلم أنه الشرك الخفي ، وإن أيقنته ولم تطمئن نفسك وتسكن روعتك فهو الحمق الجلي.

وإنما نشأ ذلك من الغفلة عن حكمة ( الله تعالى ) (٥) في بريته ، وحسن قضائه في خليقته ، حتى أن العبد ليبتهل ويدعو الله تعالى أن يرحمه ، ويجيب دعائه في أمثال ذلك ، فيقول الله تعالى لملائكته : كيف أرحمه من شيء به أرحمه!‍ فتدبر ـ رحمك الله تعالى ـ في هذه الكلمة الإلهية ، تكفيك في هذا الباب إن شاء الله تعالى.

الثاني : أنه إذا نظرت إلى أحوال الرسل عليهم‌السلام ، وصدقتهم فيما أخبروا به من الامور الدنيوية والاخروية ، ووعدوا به من السعادة الأبدية ، وعلمت أنهم إنما أتوا أتوا بما أتوا به عن الله جل جلاله ، ( واعتقدت أن قولهم ) (٦) معصوم عن الخطأ ، محفوظ من الغلط والهوى ، وسمعت (٧) ما وعدوا به من الثواب على أي نوع من أنواع المصاب (٨) كما ستراه وتسمعه ، سهل عليك موقعه ، وعلمت أن لك في ذلك غاية الفائدة ، وتمام السعادة الدائمة ، وأنك قد أعددت لنفسك كنزاً من الكنوز مذخوراً (٩) ، بل حرزاً ومعقلاً وجنة

__________________

١ ـ آل عمران ٣ : ١٤٥.

٢ ـ آل عمران ٣ : ١٥٤.

٣ ـ النساء ٤ : ٧٨.

٤ ـ الزمر ٣٩ : ٤٢.

٥ ـ في نسخة « د » و « ش » : أيضاً.

٦ ـ في نسخة « د » و « ش » : وقولهم.

٧ ـ في نسخة « د » و « ش » : وسمع.

٨ ـ في نسخة « د » و « ح » : المصائب.

٩ ـ ليس في نسخة « ش » و « د ».

١٩

( من العذاب الأليم والعقاب العظيم ) (١) ، الذي لا يطيقه بشر ، ولا يقوى به أحد ، مع أن ولدك مشاركك في هذه السعادة ، فقد فزت أنت وهو ، فلا ينبغي أن تجزع.

ومثل نفسك : أنه لو دهمك أمر عظيم ، أو وثب عليك سبع أو حية ، أو هجمت عليك نار مضرمة ، وكان عندك أعز أولادك ، وأحبهم إلى نفسك ، وبحضرتك نبي من الأنبياء ، لا ترتاب في صدقه ، وأخبرك : أنك إن افتديت بولدك سلمت أنت وولدك ، وإن لم تفعل عطبت ، و ( الحال أنك ) (٢) لا تعلم هل يعطب ولدك ، أو يسلم؟

أيشك عاقل أن الإفتداء بالولد الذي يتحقق معه سلامة الولد ، ويرجى معه ـ أيضاً ـ سلامة الوالد ، هو عين المصلحة ، وأن عدم ذلك ، والتعرض لعطب الأب والولد هو عين المفسدة! بل ربٌما قدٌم كثير من النٌاس نفسه على ولده ، وافتدى به وإن تيقٌن عطب الولد ، كما اتفق ذلك في المفاوز (٣) والمخمصة (٤).

هذا كله في نار وعطب ينقضي ألمه في ساعة واحدة ، وربما ينتقل بعده إلى الراحة والجنة ، فما ظنك بألم يبقى أبد الآباد ، ويمكث سنين!؟ وإن يوماً عند ربك منها كألف سنة مما تعدون ، ولو وآها أحدنا ، وأشرف عليها ، لود أن يفتدي ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في ألارض جميعاً ثم ينجيه كلا إنها لضى نزاعة للشوى تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى (٥).

ومن هنا جاء ما ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال لعثمان بن مظعون رضي‌الله‌عنه ، وقد مات ولده ، فاشتد حزنه عليه : « يا ابن مظعون ، إن للجنة ثمانية أبواب ، وللنار سبعة أبواب ، أفما يسرك أن لا تأتي باباً منها إلا وجدت ابنك الى جنبه (٦) ، آخذاً بحجزتك يستشفع لك إلى ربك (٧) ، حتى يشفعه الله تعالى؟ ».

وسيأتي له نظائر كثيرة إن شاء الله.

الثالث : إنك تحب بقاء ولدك لينفعك في دنياك ، أو في آخرتك ، ولا تريد

__________________

١ ـ في نسخة « ش » و « د » : من العذاب العظيم.

٢ ـ ما بين القوسين ليس في « ش » و « د ».

٣ ـ المفاوز : البوادي « مجمع البحرين ـ فوز ـ ٤ : ٣٠ ».

٤ ـ المخمصة : المجاعة « مجمع البحرين ـ خمص ـ ٤ : ١٦٩ ».

٥ ـ إقتباس من سورة المعارج ٧٠ : ١١ ـ ١٨.

٦ ـ في نسخة « ح » وأمالي الصدوق : جنبك.

٧ ـ رواه الصدوق في الامالي : ٦٣ / ١.

٢٠