مسكّن الفؤاد عند فقه الاحبة والاولاد

الشيخ زين الدين علي بن أحمد الجبعي العاملي

مسكّن الفؤاد عند فقه الاحبة والاولاد

المؤلف:

الشيخ زين الدين علي بن أحمد الجبعي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ١٦٠

فصل

ويستحب الإسترجاع عند المصيبة ، قال الله تعالى : ( الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانّا اليه راجعون * اولئك عليهم صلواتٌ من ربّهم ورحمةٌ واولئك هم المهتدون ) (١).

وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أربع من كنّ فيه كان فيه (٢) نورالله الأعظم : من كان عصمة أمره شهادة أن لاإله إلاّ الله وأنّي رسول الله ، ومن إذا أصابته مصيبة قال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ومن إذا أصاب خيراً قال : الحمدالله (٣) ، ومن إذا أصاب خطيئة قال : أستغفرالله (٤) وأتوب إليه » (٥).

وقال الباقر عليه‌السلام : « ما من مؤمن يصاب بمصيبة في الدنيا فيسترجع عند المصيبة (٦) ويصبر حين تفجأه المصيبة ، إلاّ غفرالله له ما مضى من ذنبوبه ، إلاّ الكبائر التي أوجب الله تعالى عليها النار ، وكلّما ذكر مصيبة فيما يستقبل من عمره فاسترجع عندها وحمدالله عزّ وجلّ إلاّ غفرالله له كل ذنب اكتسبه فيما بين الإسترجاع الأوّل إلى الإسترجاع الأخير ، إلاّ الكبائر من الذنوب » (٧).

رواهما الصدوق.

وأسند الكلينيّ ، الثاني إلى معروف بن خربوذ ، عن الباقر عليه‌السلام ، ولم يستثن منه الكبائر (٨).

وروى الكلينيّ بإسناده إلى داود بن زربي (٩) ـ بكسر الزاي المعجمة ، ثم

____________

١ ـ البقرة ٢ : ١٥٦ ـ ١٥٧.

٢ ـ في « ش » : فيه.

٣ ـ في الفقيه : زيادة : رب العالمين.

٤ ـ في « ح » زيادة : ربي.

٥ ـ الفقيه ١ : ١١١ / ٥١٤ ، الخصال : ٢٢٢ / ٤٩.

٦ ـ في الفقيه : مصيبته.

٧ ـ الفقيه ١ : ١١١ / ٥١٥.

٨ ـ الكافي ٣ : ٢٢٤ / ٥.

٩ ـ في الكافي : داود بن رزين ، والصواب ما في الأصل راجع « معجم رجال الحديث ٧ : ١٠٠ ، جامع الرواة ١ : ٣٠٣ ».

١٠١

الراء الساكنة ـ عن الصادق عليه‌السلام : « من ذكر مصيبته ولو بعد حين ، فقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمدلله رب العالمين ، اللهم آجرني على مصيبتي ، واخلف عليّ أفضل منها ، كان له من الأجر مثل ما كان عند أوّل صدمة » (١).

وروى مسلم : عن امّ سلمة رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله به : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، اللّهم آجرني في مصيبتي ، واخلف لي خيراً منها ، إلاّ أخلف الله له خيراً منها » فلمّا مات أبو سلمة قلت : أيّ المسلمين خير من أبي سلمة ، أوّل بيت هاجر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ إنّي قلتها فأخلف الله لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

وروى الترمذيّ بإسناده إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : « إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته : قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون : نعم ، فيقول : قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون : نعم ، فيقول : ماذا قال عبدي؟ فيقولون : حمدك ، واسترجع ، فيقول الله تعالى : ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة ، وسموه بيت الحمد » (٣).

ونحوه رواه الكليني عن الصادق عليه‌السلام ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤).

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ٢٢٤ / ٦.

٢ ـ صحيح مسلم ٢ : ٦٣١ / ٩١٨.

٣ ـ سنن الترمذي ٢ : ٢٤٣ / ١٠٢٦.

٤ ـ الكافي ٣ : ٢١٨ / ٤.

١٠٢

فصل

يجوز النوح بالكلام الحسن ، وتعداد الفضائل مع اعتماد الصدق ، لأنّ فاطمة الزهراء عليها‌السلام فعلته في قولها : « يا أبتاه ، من ربه ما (١) أدناه! يا أبتاه ، إلى جبرئيل أنعاه ، يا أبتاه ، أجاب ربّاً دعاه » (٢).

وروي : أنّها أخذت قبضة من تراب قبره صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فوضعتها على عينيها ، وأنشدت تقول :

« ماذا على (من شمّ) (٣) تربة أحمد

أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا

صبّت عليّ مصائب لو أنّها

صبّت على الأيّام صرن (٤) لياليا » (٥)

ولما سبق من أمره صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنوح على حمزة.

وعن أبي حمزة ، عن الباقر عليه‌السلام : « مات ابن المغيرة ، فسألت ام سلمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يأذن لها في المضي إلى مناحته ، فأذن لها وكان ابن عمها ، فقالت :

أنعى الوليد بن الوليد

أبا الوليد ، فتى العشيرة

حامي الحقيقة ماجداً

يسمو إلى طلب الوتيرة

قد كان غيثاً للسنين

وجعفراً (٦) غدقاً وميرة

ـ وفي تمام الحديث ـ ، فما (عاب رسول الله) (٧) صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك ، ولا قال شيئاً » (٨).

وروى ابن بابويه : أنّ الباقر عليه‌السلام أوصى أن يندب في الموسم (٩) عشر

__________________

١ ـ ليس في « ح ».

٢ ـ ذكرى الشيعة : ٧٢ ، إعلام الورى : ١٤٣ ، منتهى المطلب ١ : ٤٦٦ ، صحيح البخاري ٦ : ١٨ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ٣٨٢ ، سنن النسائي ٤ : ١٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٢٢ / ٣٠.

٣ ـ في « ش » : المشتمّ.

٤ ـ في « ش » عدن.

٥ ـ ذكرى الشيعة : ٧٢ ، المعتبر ١ : ٣٤٤ ، منتهى المطلب ١ : ٤٦٦.

٦ ـ الجعفر : النهر. « الصحاح ـ جعفر ـ ٢ : ٦١٥ ».

٧ ـ في « ش » عاب عليها النبي.

٨ ـ الكافي ٥ : ١١٧ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٥٨ / ١٠٢٧ باختلاف يسير.

٩ ـ في الفقيه : المواسم.

١٠٣

سنين (١).

وروى يونس بن يعقوب ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « قال لي أبو جعفر عليه‌السلام : قف من مالي كذا وكذا لنوادب يندبنني ـ عشر سنين ـ بمنى أيام منى » (٢).

قال الأصحاب : والمراد بذلك ، تنبيه الناس على فضائله ، وإظهارها ليقتدى بها ، ويعلم ما كان عليه أهل هذا البيت عليهم‌السلام لتقتفى آثارهم ، لزوال التقية بعد الموت ، ويحرم النوح بالباطل : وهو تعداد ما ليس فيه من الخصال ، واسماع الأجانب من الرجال ، ولطم الخدود والخدش ، وجزّ الشعر ونحوه ، وعليه يحمل ما ورد من النهي عن النياحة.

وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنا بريء ممن حلق وصلق » أي : حلق الشعر ، ورفع صوته (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله لفاطمة عليها‌السلام حين قتل جعفر بن أبي طالب : « لا تدعين بويل ولا ثكل ولا حرب ، وما قلت فيه فقد صدقت » (٤).

وعن أبي مالك الأشعريّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « النائحة إذا لم تتب تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران » (٥).

وعن أبي سعيد الخدريّ : لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله النائحة والمستمعة (٦).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ليس منا من ضرب الخدود ، وشق الجيوب » (٧).

وهذا النهي محمول على الباطل كما يظهر منها ، وبه يجمع بينهما وبين الأخبار

__________________

١ ـ الفقيه : ١ : ١١٦ / ٥٤٧.

٢ ـ الكافي ٥ : ١١٧ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٥٨ / ١٠٢٥.

٣ ـ صحيح مسلم ١ : ١٠٠ ، وسنن النسائي ٤ : ٢٠ ، وسنن ابن ماجة ١ : ٥٠٥ ، الجامع الصغير ١ : ٤١٥ / ٢٧٠٩ ، وفيها سلق بدل صلق ، وكلاهما صحيح.

٤ ـ الفقيه ١ : ١١٢ / ٥٢١.

٥ ـ الخصال : ٢٢٦ ، مسند أحمد ٥ : ٣٤٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٤٤ / ٩٣٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٠٤ / ١٥٨٢ ، المستدرك ١ : ٣٨٣ ، الترغيب والترهيب ٤ : ٣٥١ / ١٢.

٦ ـ مسند أحمد ٣ : ٦٥ ، سنن أبي داود ٣ : ١٩٤ / ٣١٢٨ ، الجامع الصغير ٢ : ٤٠٨ : ٧٢٧١ ، الترغيب والترهيب ٤ : ٣٥١ / ١٣ ، الفتوحات الربانية ٤ : ١٢٩.

٧ ـ سنن ابن ماجة ١ : ٥٠٤ / ١٥٨٤.

١٠٤

السابقة.

وأمّا الخاتمة فتشتمل على فوائد مهمة.

يستحب تعزية أهل الميت استحباباً مؤكّداً ، وهي (تفعلة) من العزاء ـ بالمدّ والقصر ـ وهو السلو وحسن الصبر على المصائب ، يقال : عزّيته فتعزّى ، أي صبّرته فتصبّر.

والمراد بها : طلب التسلّي عن المصائب والتصبّر عن الحزن والإكتئاب ، بإسناد الأمر إلى الله عزّ وجلّ ، ونسبته إلى عدله وحكمته ، وذكر ما وعد الله تعالى على الصبر مع الدعاء للميت ، والمصاب بتسليته عن مصيبته. وقد ورد في استحبابها والحثّ عليها أحاديث كثيرة.

وروى عمرو بن شعيب عن أبيه ، عن جده : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « أتدرون ما حقّ الجار؟ إن استغاثك أغثته ، وإن استقرضك أقرضته ، وإن افتقر عدت عليه ، وإن أصابته مصيبة عزّيته ، وإن أصابه خير هنأته ، وإن مرض عدته ، وإن مات اتبعت جنازته ، ولا تستطل عليه بالبناء ، فتحجب عنه الريح إلاّ بإذنه ، واذا اشتريت فاكهة فأهد له ، فإن لم تفعل فأدخلها سراً ، ولا تخرج بها ولدك تغيظ بها ولده ، ولا تؤذه بريح قدرك إلاّ أن تغرف له منها » (١).

وعن بهز بن حكيم بن معاوية بن جيدة القشيري ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : قلت : يا رسول الله : ما حقّ جاري عليّ؟ قال : « إن مرض عدته » وذكر نحو الأول (٢).

وأمّا الثواب فيها : فعن ابن مسعود ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : « من عزّى مصاباً فله مثل أجره » (٣).

وعن جابر بن عبدالله رضي‌الله‌عنه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من عزّى مصاباً كان له مثل أجره ، من غير أن ينقصه الله من أجره شيئاً (٤) ، ومن كفّن مسلماً كساه الله من سندس وإستبرق وحرير ، ومن حفر قبراً لمسلم بنى الله عزّوجل له بيتاً في الجنة ، ومن أنظر معسراً أظله الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظله ».

وعن جابر أيضا رفعه : « من عزّى حزيناً ألبسه الله عزّ وجلّ من لباس التقوى ،

____________

١ ـ الترغيب والترهيب ٣ : ٣٥٧ / ٢٠.

٢ ـ الترغيب والترهيب ٣ : ٣٥٧ / ذيل حديث ٢٠.

٣ ـ الجامع الكبير ١ : ٨٠١.

٤ ـ الكافي ٣ : ٢٢٧ / ٤ عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله.

١٠٥

وصلّى على روحه في الأرواح » (١).

وسئل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن التصافح في التعزية ، فقال : « هو سكن للمؤمن ، ومن عزّى مصاباً فله مثل أجره ».

وعن عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمر بن حزم ، عن أبيه ، عن جدّه ، أنّه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقول : « من عاد مريضاً فلا يزال في الرحمة ، حتى إذا قعد عنده استنقع فيها ، ثمّ إذا قام من عنده فلا يزال يخوض فيها ، حتى يرجع من حيث خرج ، ومن عزّى أخاه المؤمن من مصيبة كساه الله ـ عزّ وجلّ ـ من حلل الكرامة يوم القيامة » (٢).

وعن أبي برزة (٣) قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من عزّى ثكلى كسي برداً في الجنة » (٤).

وعن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من عزّى أخاه المؤمن في (٥) مصيبة كساه الله عزّوجلّ حلّة خضراء ، يحبربها يوم القيامة ». قيل : يا رسول الله ، ما يحبربها قال : « يغبط بها » (٦).

وروي : أنّ داود عليه‌السلام قال « إلهي ، ماجزاء من يعزّي الحزين والمصاب ابتغاء مرضاتك؟ قال : جزاؤه أن أكسوه رداءً من أردية الإيمان ، أستره به من النار ، وأدخله به الجنة ، قال : يا الهي ، فما جزاء من شيّع الجنائز ابتغاء مرضاتك؟ قال : جزاؤه أن تشيّعه الملائكة يوم يموت إلى قبره ، وأن أصلّي على روحه في الأرواح » (٧).

وروي : أنّ موسى عليه‌السلام سأل ربه : « مالعائد المريض من الأجر؟ قال : أبعث له عند موته ملائكة يشيعونه إلى قبره ، ويؤانسونه إلى المحشر ، قال : يا رب فما لمعزي الثلكى من الأجر؟ قال : أظلّه تحت ظلّي ـ أي : ظلّ العرش ـ يوم لا ظلّ إلاّ ظلّي » (٨).

__________________

١ ـ الجامع الكبير ١ : ٨٠١.

٢ ـ الجامع الكبير ١ : ٨٠٠.

٣ ـ في « ح » : بردة.

٤ ـ سنن الترمذي ٢ : ٢٦٩ / ١٠٨٢.

٥ ـ في « ح » و « ش » : من ، وما أثبتناه من الجامع الكبير.

٦ ـ الجامع الكبير ١ : ٨٠١.

٧ ـ الدر المنثور ٥ : ٣٠٨ ، ورواه المتقي الهندي في منتخب كنزالعمال ٦ : ٣٥٥ باختلاف في ألفاظه.

٨ ـ روى الكليني القسم الثاني من الحديث في الكافي ٣ : ٢٢٦ / ١ باختلاف يسير ، وروى الديلمي في

١٠٦

وروي : أنّ إبراهيم عليه‌السلام سأل ربه ، قال : « أي يا رب ماجزاء من يبلّ الدمع وجهه من خشيتك؟ قال : صلواتي ورضواني ، قال : فماجزاء من يصبّر الحزين ابتغاء وجهك؟ قال : أكسوه ثياباً من الإيمان يتبوأ بها في الجنة ، ويتّقي بها النار ، قال : فما جزاء من سدّد الأرملة ابتغاء وجهك؟ قال : اقيمه في ظلّي ، وأدخله جنتي ، قال : فما جزاء من يتبع الجنازة ابتغاء وجهك؟ قال : تصلي ملائكتي على جسده ، وتشيع روحه ».

__________________

إرشاد القلوب : ٤٣ الحديث كاملأ باختلاف في ألفاظه.

١٠٧

فصل

وأما كيفيتها فقد تقدم خبر المصافحة فيها.

وأمّا ما يقال فيها فما يتفق من الكلمات ، ويروى من الأخبار المؤدية إلى السلوة ، ولا شيء مثل إيراد بعض ما تضمنته هذه الرسالة ، فإنّ فيها شفاءً لمافي الصدور ، وبلاغاً وافياً في تحقيق هذه الأمور.

وعن علي عليه‌السلام قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا عزّى قال : آجركم الله ورحمكم ، وإذا هنّأ قال : بارك الله لكم ، وبارك عليكم ».

وروي : أنّه توفي لمعاذ ولد ، فاشتدّ وجده عليه ، فبلغ ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكتب إليه :

« بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى معاذ ، سلام عليك ، فإنّي أحمد الله الذي لا إله إلاّ هو.

أما بعد : أعظم الله لك الأجر ، وألهمك الصبر ، ورزقنا وإياك الشكر ، فإن أنفسنا (وأهلينا وموالينا) (١) وأولادنا من مواهب الله ـ عزّوجلّ ـ الهنيئة ، وعواريه المستودعة ، نمتّع بها إلى أجل معلوم ، وتقبض لوقت معدود ، ثمّ افترض علينا الشكر إذا أعطانا ، والصبر إذا ابتلانا ، وكان ابنك من مواهب الله الهنيئة ، وعواريه المستودعة ، متّعك الله به في غبطة وسرور ، وقبضه منك بأجر كثير ، الصلاة والرحمة والهدى إن صبرت واحتسبت ، فلا تجمعن عليك مصيبتين ، فيحبط لك أجرك ، وتندم على ما فاتك ، فلو قدمت على ثواب مصيبتك ، علمت أن المصيبة قصرت في جنب الله عن الثواب ، فتنجز من الله موعوده ، وليذهب أسفك على ما هو نازل بك ، فكأن قد ، والسلام » (٢).

وعن أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليهما‌السلام ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : « لمّا توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جاء جبرئيل عليه‌السلام ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مسّجى ، وفي البيت عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، فقال :

__________________

١ ـ في « ش » : وأهالينا وأموالنا.

٢ ـ روي باختلاف في ألفاظه في التعازي : ١٢ / ١٤ ، ومنتخب كنز العمال ٦ : ٢٧٧ ، والمستدرك على الصحيحين ٣ : ٢٧٣.

١٠٨

السلام عليكم يا أهل بيت النبوة (١) ( كلُّ نفس ذائقةُ الموت وإنّما توفّون اُجوركُم يوم القيامة ) (٢) الآية. ألا إنّ في الله عزّوجلّ عزاء من كل مصيبة ، وخلفاً من كلّ هالك ، ودركاً لما فات ، فبالله عزّوجلّ فثقوا ، وإيّاه فارجوا ، فإنّ المصاب من حرم الثواب ، هذا آخر وطئي (٣) من الدنيا » (٤).

وعن جابر بن عبدالله رضي‌الله‌عنه ، قال : لمّا توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عزّتهم الملائكة ، يسمعون الحس ولا يرون الشخص ، فقالوا : السلام عليكم ـ أهل البيت ـ ورحمة الله وبركاته ، إنّ في الله ـ عزّوجلّ ـ عزاء من كل مصيبة ، وخلفاً من كل فائت (٥) ، فبالله فثقوا ، وإياه فارجوا ، فإنّما المحروم من حرم الثواب ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (٦).

وروى البيهقي في ( الدلائل ) قال : لمّا قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أحدق به أصحابه ، فبكوا حوله ، واجتمعوا ، فدخل رجل أشهب اللحية جسيم صبيح ، فتخطّى رقابهم ، فبكى ، ثمّ التفت إلى أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : إنّ في الله عزاء من كل مصيبة ، وعوضاً من كل فائت ، وخلفاً من كل هالك ، فإلى الله فأنيبوا ، وإليه فارغبوا ، ونظره إليكم في البلاء فانظروا ، فإنّ المصاب من لم يؤجر ، وانصرف ، فقال بعضهم لبعض : تعرفون الرجل؟ فقال عليّ عليه‌السلام : « نعم ، هذا أخو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، الخضر عليه‌السلام » (٧).

__________________

١ ـ في « ش » : الرحمة.

٢ ـ آل عمران ٣ : ١٨٥.

٣ ـ في « ح » و « ش » : وطء ، وما أثبتناه من الكافي ، أي نزولي إلى الارض لإنزال الوحي.

٤ ـ الكافي ٣ : ٢٢١ / ٥ ، والبحار ٨٢ : ٩٦ / ٤٧.

٥ ـ في « ح » : هالك.

٦ ـ الكافي ٣ : ٢٢١ / ٦ باختلاف في ألفاظه عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، والبحار ٨٢ : ٩٦.

٧ ـ دلائل النبوة ٧ : ٢٦٩ ، ورواه الحاكم في مستدركه ٣ : ٥٨ ، والمجلسي في البحار ٨٢ : ٩٧.

١٠٩

فصل

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي ، فإنّها من أعظم المصائب » (١).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من عظمت مصيبته فليذكر مصيبته بي ، فإنّها ستهون عليه ».

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إنّه قال في مرض موته : « أيّها الناس ، أيّما عبد من امّتي اُصيب بمصيبة من بعدي فليتعزّ بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري ، فإنّ أحداً من اُمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصييبتي » (٢).

وعن عبدالله بن الوليد بإسناده ، لمّا اُصيب عليّ عليه‌السلام بعثني الحسن إلى الحسين عليهما‌السلام ، وهو بالمدائن ، فلمّا قرأ الكتاب قال : « يا لها من مصيبة ، ما أعظمها! مع أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من أصيب منكم بمصيبة فليذكر مصابي ، فإنّه لن يصاب بمصيبة أعظم منها » (٣).

وروى إسحاق بن عمار ، عن الصادق عليه‌السلام ، أنّه قال : « يا إسحاق ، لا تعدن مصيبة أعطيت عليها الصبر ، واستوجبت عليها من الله عزّ وجلّ الثواب ، إنّما المصيبة التي يحرم صاحبها أجرها وثوابها ، إذا لم يصبر عند نزولها » (٤).

وعن أبي ميسرة (٥) قال : كنّا عند أبي عبدالله عليه‌السلام : فجاء رجل وشكا إليه مصيبته ، فقال له : « أما إنّك إن تصبر تؤجر ، وإلاّ تصبر يمضي عليك قدالله عزّوجلّ الذي قدر عليك (وأنت مذموم) (٦) » (٧).

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ٢٢٠ / ١ باختلاف في ألفاظه عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، الجامع الكبير ١ : ٤١ ، الجامع الصغير ١ : ٧٢.

٢ ـ الجامع الكبير ١ : ٣٧٢ باختلاف في ألفاظه ، والبحار ٨٢ : ١٤٣.

٣ ـ الكافي ٣ : ٢٢٠ / ٣ باختلاف يسير ، والبحار ٨٢ : ١٤٣.

٤ ـ الكافي ٣ : ٢٢٤ / ٧ ، والبحار ٨٢ : ١٤٤.

٥ ـ في الكافي الفضيل بن ميسر.

٦ ـ ليس في « ش ».

٧ ـ الكافي ٣ : ٢٢٥ / ١٠ باختلاف يسير ، والبحار ٨٢ : ١٤٢.

١١٠

وعن جابر رضي‌الله‌عنه قال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « قال لي جبرئيل عليه‌السلام ، يا محمد ، عش ماشئت فإنّك ميت ، وأجبب من شئت فإنّك مفارقه ، واعمل ماشئت فإنّك ملاقيه » (١).

وروي : أنه كان في بني إسرائيل رجل فقيه عابد عالم مجتهد ، وكانت له امرأة ، وكان بها معجباً ، فماتت فوجدعليها وجداً شديداً ، حتى خلا في بيت وأغلق على نفسه واحتجب عن الناس فلم يكن يدخل عليه أحد.

ثم إنّ امرأة من بني إسرائيل سمعت به ، فجاءته فقالت : لي إليه حاجة استفتيه فيها ، ليس يجزيني إلاّ أن أشافهه بها ، فذهب الناس ، ولزمت الباب ، فأخبر ، فأذن لها ، فقال ـ ت : أستفتيك في أمر ، فقال : ماهو؟ قال ـ ت : إنّي استعرت من جارة لي حلياً ، فكنت ألبسه زماناً ، ثمّ إنهم أرسلوا إليّ فيه ، أفأرده إليهم؟ قال : نعم ، قالت : والله إنّه قد مكث عندي زماناً طويلأ (٢) ، قال : ذاك أحقّ لردّك إياه ، فقالت له : رحمك الله ، أفتأسف على ماأعارك الله عزّوجلّ ، ثمّ أخذه منك ، وهو أحقّ به منك؟ فأبصر ما كان فيه ، ونفعه الله بقولها (٣).

وعن أبي الدرداء قال : كان لسليمان بن داود عليهما‌السلام ابن يحبه حباً شديداً ، فمات فحزن عليه حزناً شديداً ، فبعث الله ـ تعالى ـ إليه ملكين في هيئة البشر ، فقال : « ما أنتما؟ قالا : خصمان ، قال : اجلسا بمنزلة الخصوم ، فقال : أحدهما : إني زرعت زرعاً فأتى هذا فأفسده ، فقال سليمان عليه‌السلام : ما يقول هذا؟ قال : أصلحك الله إنه زرع في الطريق ، وإنّي مررت به فنظرت يميناً وشمالاً فإذا الزرع ، فركبت قارعة الطريق ، فكان في ذلك فساد زرعه ، فقال سليمان عليه‌السلام ، ماحملك على أن تزرع في الطريق ، أما علمت أنّ الطريق سبيل الناس ، ولابدّ للناس من أن يسلكوا سبيلهم؟ فقال له أحد الملكين : أو ماعلمت ـ يا سليمان ـ أنّ الموت سبيل الناس ، ولا بدّ للناس من أن يسلكوا سبيلهم؟ » قال : فكأنّما كشف عن سليمان عليه‌السلام الغطاء ، ولم يجزع على ولده بعد ذلك.

رواه ابن أبي الدنيا (٤).

____________

١ ـ الفقيه ١ : ٢٩٨ / ١٣٦٣ مرسلأ ، الجامع الصغير ٢ : ٢٤٨ / ٦٠٧٧ ، والبحار ٨٢ : ١٤٤.

٢ ـ ليس في « ش ».

٣ ـ الموطأ ١ : ٢٣٧ باختلاف في الفاظه ، والبحار ٨٢ : ١٥٤.

٤ ـ أخرجه المجلسي في البحار ٨٢ : ١٥٤.

١١١

وروي أيضا : أنّ قاضياً كان في بني إسرائيل مات له ابن فجزع عليه وساح ، فلقيه رجلان فقالا له : اقض بيننا ، فقال : من هذا فررت ، فقال أحدهما : إنّ هذا مرّ بغنمه على زرعي فأفسده ، فقال الآخر : إنّ هذا زرع بين الجبل والنهر ، ولم يكن لي طريق غيره ، فقال له القاضي : أنت حين زرعت بين الجبل والنهر ، ألم تعلم أنّه طريق الناس؟ فقال له الرجل : فأنت حين ولد لك ، ألم تعلم أنّه يموت؟ فارجع إلى قضائك ، ثم عرجا ، وكانا ملكين (١).

وروي : أنه كان بمكة مقعدان ، كان لهما ابن شاب ، فكان إذا أصبح نقلهما فأتى بهما المسجد ، فكان يكتسب عليهما يومه ، فإذا كان المساء احتملهما وأقبل بهما منزله ، فافتقدهما النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فسأل عنهما ، فقيل : مات ابنهما ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لوترك أحد لأحد لترك ابن المقعدين » (٢).

رواه الطبراني.

وروى ابن أبي الدنيا : « لوترك شيء لحاجة أوفاقة ، لترك الهذيل لأبويه ».

وروي عن بعض العابدات ، أنّها قالت : ما أصابتني مصيبة فأذكر معها النار ، إلاّ صارت في عيني أصغر من التراب.

__________________

١ ـ أخرجه المجلسي في البحار ٨٢ : ١٥٥.

٢ ـ أخرجه المجلسي في البحار ٨٢ : ١٥٥ ، ورواه البيهقي في سننه ٤ : ٦٦ باختلاف في ألفاظه.

١١٢

فصل

ليذكر من اُصيب بمصيبة ، أنّ المصائب والبلايا إنّما يخص في الأغلب من لله به مزيد عناية ، وله عليه إقبال وإليه توجه ، وليتحقق ذلك قبل النظر في الكتاب والسنة فيمن يبتلى في دار الدنيا ، فإنّه يجد أشدّ الناس بلاءً أهل الخير والصلاح بعد الأنبياء والرسل ، والآيات الكريمة منبئة على ذلك ، قال الله تعالى :

( ولولا ان يكون الناس امّةً واحدةً لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضّة ومعارج عليها يظهرون ) (١) الآية ، وقال تعالى : ( ولا يحسبنّ الذين كفروا انّما نملي لهم خيرٌ لانفسهم انّما نملي لهم ليزدادوا اثماً ولهم عذابٌ مهين ) (٢) وقال تعالى : ( وإذا تتلى عليهم آيتنا بيّنات قال الّذين كفروا للّذين آمنوا ايّ الفريقين خير مقاماً واحسن ندياًً * قل من كان في الضّلالة فليمدد له الرّحمن مدَاً ) (٣).

وروى عبدالرحمن بن الحجاج قال : ذكر عند أبي عبدالله عليه‌السلام البلاء ، وما يختص الله عزّوجلّ به المؤمن ، فقال : « سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أشد الناس بلاءً في الدنيا؟ فقال : النبيون ، ثمّ الأمثل فالأمثل ، ويبتلى المؤمن بعد على قدر إيمانه وحسن أعماله ، فمن صحّ إيمانه وحسن عمله اشتدّ بلاؤه ، ومن سخف إيمانه ، وضعف علمه قلّ بلاؤه » (٤).

وروى زيد الشحام عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « إنّ عظيم الأجر مع عظيم البلاء ، وما أحبّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قوماً إلاّ ابتلاهم » (٥).

وعن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : « إنّ لله عزّوجلّ عباداً في الأرض من خالص عباده ، ما ينزل من السماء تحفة إلى الأرض إلاّ صرفها عنهم إلى غيرهم ، ولا بليّة إلاّ صرفها إليهم » (٦).

وعن الحسين بن علوان ، عنه عليه‌السلام ، أنّه قال : « إنّ الله تعالى إذا أحبّ

__________________

١ ـ الزخرف ٤٣ : ٣٣.

٢ ـ آل عمران ٣ : ١٧٨.

٣ ـ مريم ١٩ : ٧٣ و ٧٥.

٤ ـ الكافي ٢ : ١٩٦ / ٢.

٥ ـ الكافي ٢ : ١٩٦ / ٣.

٦ ـ الكافي ٢ : ١٩٦ / ٥ ، تنبيه الخواطر ٢ : ٢٠٤ ، وباختلاف يسيرفي التمحيص ٣٥ / ٢٦.

١١٣

عبداً غته (١) بالبلاء غتاً (٢) ، وإنّا وإياكم لنصبح به ونمسي » (٣).

وعن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : « إنّ الله تبارك وتعالى إذا أحب عبداً غتّه بالبلاء غتّاً (وسجّه بالبلاء سجاً) (٤) فإذا دعاه قال : لبيك عبدي لئن عجلت لك ماسألت إني على ذلك لقادر ، ولكن ادخرت لك ، فما ادخرت خير لك » (٥).

وعن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ عظيم البلاء يكافأ به عظيم الجزاء ، فإذا أحبّ الله عبدا ابتلاه بعظيم البلاء ، فمن رضي فله عندالله تعالى الرضا ، ومن سخط البلاء فله عندالله السخط » (٦).

وعن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال : « إنّما يبتلى المؤمن في الدنيا على قدر دينه ـ أو قال : ـ على حسب دينه » (٧).

وعن ناجية قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إنّ المغيرة يقول : إنّ الله لا يبتلي المؤمن بالجذام ولا بالبرص ولا بكذا ولا بكذا ، فقال : « إن كان لغافلأ عن مؤمن آل ياسين ، إنّه كان مكنَعاً (٨) ـ ثمّ ردّ أصابعه ، فقال ـ : كأنّي أنظر إلى تكنيعه ، أتاهم فأنذرهم ، ثمّ عاد إليهم من الغد فقتلوه ـ ثمّ قال ـ : إنّ المؤمن يبتلى بكلّ بلية ، ويموت بكل ميته ، إلاّ أنّه لا يقتل نفسه » (٩).

وعن عبدالله بن أبي يعفور قال : شكوت إلى أبي عبدالله عليه‌السلام ماألقى من الأوجاع ـ وكان مسقاماً ـ فقال لي : « يا عبدالله ، لو يعلم المؤمن ما له من الأجر في المصائب ، لتمنّى أن يقرّض بالمقاريض (١٠) » (١١).

__________________

١ ـ الغت : الغمس المتتابع بالماء.« النهاية ٣ : ٣٤٢ ».

٢ ـ في « ح » زيادة : وسجه بالبلاء سجا.

٣ ـ الكافي ٢ : ١٩٧ / ٦.

٤ ـ في « ش » : شجه بالبلاء شجا ، والصحيح ثجه بالبلاء ثجا ، أي : صبه عليه صباً. « مجمع البحرين ٢ : ٢٨٣ ».

٥ ـ الكافي ٢ : ١٩٧ / ٧ ، التمحيص : ٣٤ / ٢٥ ، باختلاف يسير.

٦ ـ الكافي ٢ : ١٩٧ / ٨ ، وروي باختلاف يسير عن ابي عبدالله في التمحيص : ٣٣ / ٢٠.

٧ ـ الكافي ٢ : ١٩٧ / ٩ ، مشكاة الأنوار : ٢٩٨.

٨ ـ المكنع : مقفّع اليد ، وقيل مقفع الاصابع ، يابسها ، متقضبها.« لسان العرب ٨ : ٣١٤ ».

٩ ـ الكافي ٢ : ١٩٧ / ١٢ ، تنبيه الخواطر ٢ : ٢٠٤ باختلاف يسير.

١٠ ـ في « ح » زيادة : طول عمره.

١١ ـ الكافي ٢ : ١٩٨ / ١٥ ، تنبيه الخواطر ٢ : ٢٠٤ ، وروي باختلاف يسير في المؤمن : ١٥ / ٣ ، التمحيص : ٣٢ / ١٣.

١١٤

وعن أبي عبدالله عليه‌السلام : « إنّ أهل الحق (١) لم يزالوا في شدة ، أما إنّ ذلك إلى مدّة قليلة وعافية طويلة » (٢).

وعن حمدان ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « إنّ الله ـ عزّوجلّ ـ ليتعاهد المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الرجل أهله بالهدية ، من الغيبة ويحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض » (٣).

وعن أبي عبدالله قال : « دعي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى طعام ، فلمّا دخل إلى منزل الرجل نظر إلى دجاجة فوق حائط قد باضت ، فتقع البيضة على وتد في حائط فتثبت عليه ، ولم تسقط ولم تنكسر ، فتعجّب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله منها ، فقال له الرجل : أعجبت من هذه البيضة؟ فوالّذي بعثك بالحق ما رزئت شيئاً قط ، فنهض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يأكل من طعامه شيئاً ، وقال : من لم يرزأ فما لله فيه من حاجة » (٤).

وأشباه هذه الأخبار كثيرة ، فلنقتصر على هذا القدر.

__________________

١ ـ ليس في « ش » ، و في « ح » : الله ، وما أثبتناه من الكافي.

٢ ـ الكافي ٢ : ١٩٨ / ١٦.

٣ ـ الكافي : ٢ : ١٩٨ / ١٧ ، تنبيه الخواطر ٢ : ٢٠٤ ، وروي باختلاف في ألفاظه في التمحيص : ٥٠ / ٩١.

٤ ـ الكافي ٢ : ١٩٨ / ٢٠.

١١٥

ونختم الرسالة بكتاب شريف ، كتبه سيدنا ومولانا أبو عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام لجماعة من بني عمّه ، حين أصابتهم شدّة من بعض الأعداء على وجه التعزية ، رويناها بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر الطوسيّ ـ قدّس الله روحه ـ عن الشيخ المفيد محمد بن النعمان ، والحسين بن عبيدالله الغضائريّ ، عن الصدوق أبي جعفر محمد بن عليّ بن بابويه ، عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن الثقة الجليل محمد بن أبي عمير ، عن إسحاق بن عمار ، قال : إنّ أبا عبدالله جعفر بن محمد عليهما‌السلام كتب إلى عبدالله بن الحسن ، حين حمل هو وأهل بيته ، يعزّيه عمّا صار إليه :

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى الخلف الصالح والذريّة الطيّبة ـ من ولد أخيه وابن عمه ـ.

أمّا بعد : فلئن كنت قد تفردت ـ أنت وأهل بيتك ممّن حمل معك ـ بما أصابكم ، فما انفردت بالحزن والغيظ والكآبة وأليم وجع القلب دوني ، ولقد نالني من ذلك من الجزع والقلق وحرّ المصيبة مثل مانالك ، ولكن رجعت إلى ما أمرالله عزّ وجلّ به المتقين من الصبر وحسن العزاء ، حين يقول لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( واصبر لحكم ربّك فانّك بأعيننا ) (١).

وحين يقول : ( فاصبر لحكم ربّك ولا تكن كصاحب الحوت ) (٢).

وحين يقول لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حين مثّل بحمزة : ( وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خيرٌ للصّابرين ) (٣).

فصبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يعاقب.

وحين يقول : ( وامر اهلك بالصّلاة واصطبر عليها لانسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ) (٤) ،

____________

١ ـ الطور ٥٢ : ٤٨.

٢ ـ القلم ٦٨ : ٤٨.

٣ ـ النحل ١٦ : ١٢٦.

٤ ـ طه : ٢٠ : ١٣٢.

١١٦

وحين يقول : ( الّذين اذا اصابتهم مصيبةٌ قالوا انّا لله وانّا اليه راجعون * اولئك عليهم صلواتٌ من ربّهم ورحمةُ واولئك هم المهتدون ) (١).

وحين يقول : ( انّما يوفّى الصّابرون اجرهم بغير حساب ) (٢).

وحين يقول عن لقمان لابنه : ( واصبر على مااصابك انّ ذلك من عزم الامور ) (٣) ،

وحين يقول عن موسى عليه‌السلام : ( قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا انّ الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين ) (٤).

وحين يقول : ( الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصّبر ) (٥).

وحين يقول : ( ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثّمرات وبشّر الصّابرين ) (٦).

وحين يقول : ( والصّابرين والصّابرات ) (٧).

وحين يقول : ( واصبر حتّى يحكم الله وهو خير الحاكمين ) (٨) وأمثال ذلك من القرآن كثير.

واعلم ـ أيّ عمّ وابن عمّ ـ أنّ الله ـ عزّوجلّ ـ لم يبال بضرّ الدنيا لوليّه ساعة قط ، ولا شيء أحب إليه من الضرّ والجهد واللأواء (٩) مع الصبر ، وأنّه ـ تبارك وتعالى ـ لم يبال بنعيم الدنيا لعدوه ساعة واحدة قط.

ولولا ذلك ما كان أعداؤه يقتلون أولياءه ويخيفونهم ويمنعونهم ، وأعداؤه آمنون مطمئنون عالون ظاهرون.

ولولا ذلك لما قتل زكريا ويحيى بن زكريا ظلماً وعدواناً في بغيّ من البغايا.

__________________

١ ـ البقرة ٢ : ١٥٦ ، ١٥٧.

٢ ـ الزمر ٣٩ : ١٠.

٣ ـ لقمان ٣١ : ١٧.

٤ ـ الأعراف ٧ : ١٢٨.

٥ ـ العصر ١٠٣ : ٣.

٦ ـ البقرة ٢ : ١٥٥.

٧ ـ الاحزاب ٣٣ : ٣٥.

٨ ـ يونس ١٠ : ١٠٩.

٩ ـ اللأواء : الشدّة. « الصحاح ـ لأى ـ ٦ : ٢٤٧٨ ».

١١٧

ولولا ذلك لما قتل جدّك عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ـ لمّا قام بأمر الله جل وعزّ ـ ظلماً ، وعمّك الحسين بن فاطمة ـ صلّى الله عليهما ـ اضطهاداً وعدواناً.

ولولا ذلك لما قال الله عزّوجلّ في كتابه : ( ولولا ان يكون النّاس امّةً واحدةً لجعلنا لمن يكفر بالرّحمن لبيوتهم سقفاً من فضّة ومعارج عليها يظهرون ) (١).

ولولا ذلك لما قال في كتابه : ( ايحسبون انّما نمدّهم به من مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل يشعرون ) (٢).

ولولا ذلك لما جاء في الحديث : « لولا أن يحزن المؤمن لجعلت للكافر عصابة من حديد ، فلا يصدع رأسه أبداً ».

ولولا ذلك لما جاء في الحديث : « أن الدنيا لا تساوي عندالله عزّوجلّ جناح بعوضة ».

ولولا ذلك ما سقى كافراً منها شربة ماء.

ولولا ذلك لما جاء في الحديث : « لو أنّ مؤمناً على قلة جبل لا بتعث الله له كافراً أو منافقاً يؤذيه ».

ولولا ذلك لما جاء في الحديث أنّه : « إذا أحبّ الله قوماً ـ أو أحب عبداً ـ صبّ عليه البلاء صبّاً ، فلا يخرج من غمّ إلاّ وقع في غمّ ».

ولولا ذلك لما جاء في الحديث : « ما من جرعتين أحبّ إلى الله تعالى أن يجرعهما عبده المؤمن في الدنيا ، من جرعة غيظ كظم عليها ، وجرعة حزن عند مصيبة صبر عليها بحسن عزاء واحتساب ».

ولولا ذلك لما كان أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يدعون على من ظلمهم بطول العمر ، وصحة البدن ، وكثرة المال والولد.

ولولا ذلك ما بلغنا : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا خصّ رجلأ بالترحّم عليه والاستغفار استشهد.

فعليكم ـ يا عمّ وابن عمّ وبني عمومتي واخوتي ـ بالصبر والرضا والتسليم والتفويض إلى الله عزّوجلّ ، والرضا والصبر على قضائه ، والتمسك بطاعته ، والنزول عند أمره.

__________________

١ ـ الزخرف ٤٣ : ٣٣.

٢ ـ المؤمنون ٢٣ : ٥٥ ، ٥٦.

١١٨

أفرغ الله علينا وعليكم الصبر ، وختم لنا ولكم بالسعادة ، وأنقذنا وإيّاكم من كلّ هلكة بحوله وقوته ، إنّه سميع قريب.

وصلّى الله على صفوته من خلقه ، محمد النبيّ وأهل بيته صلوات الله وسلامه وبركاته ورحماته عليهم أجمعين » (١).

هذا آخر التعزية بلفظها ، نقلتها من كتاب « التتمات والمهمات » وعليها نختم الرسالة حامدين لله تعالى على نواله ، مصلّين على صاحب الرسالة ، وعلى آله أهل العصمة والعدالة.

ولقد فرغ منها مؤلفها العبد الفقير إلى الله تعالى زين الدين علي بن أحمد الشاميّ العامليّ عامله الله بفضله وعفا عنهم بمنه وسط نهار الجمعة ، غرّة شهر رجب المرجب الفرد الحرام ، عام أربعة وخمسين وتسعمائة حامداً مصلياً مسلماً مستغفراً والحمد لله وحده ، وصلاته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

____________

١ ـ إقبال الأعمال : ٥٧٨ باختلاف يسير ، ونقله في البحار ٨٢ : ١٤٥ عن مسكن الفؤآد.

١١٩
١٢٠