نزهة الأمم في العجائب والحكم

ابن إياس

نزهة الأمم في العجائب والحكم

المؤلف:

ابن إياس


المحقق: الدكتور محمّد زينهم محمّد عزب
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة مدبولي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٩

وقوله «أن الأسداد إذا فتحت علم [ق ٦٦ ب] أهل أسوان بذلك في الحال» غير مسلم ، بل لم نزل نشاهد النيل في الأعوام الكثيرة إذا فتح منه خليج أو انقطع مقطع فأغرق ماؤه أراضى كثيرة ، لا يظهر النقص منه إلا فيما قرب من ذلك الموضع ، وأما ما برح المفرد يخرج من قوص ببشارة وفاء النيل ، وقد أوفي عندهم ستة عشر ذراعا ، فلا يوفى ذلك بمقياس بمصر إلا بعد ثلاثة أيام أو نحوها.

وأما قوله «أن ما كان من النيل يمر ببلاد الحبشة بخالفه» فليس كذلك ، بل الزيادة في أيام زيادته تكون ببلاد النوبة وما وراءها في الجنوب كما تكون في أرض مصر ، ولا فرق بينهما إلا في شيئين : أحدهما أنه في أرض مصر يجرى في حدود وهناك يتبدد على الأرض. والثانى أن زيادة تعتبر بالقياس في أرض مصر وهناك لا يمكن قياسه لتبدده ومن عرف أخبار مصر علم أن زيادة ماء النيل تكون عن أمطار الجنوب.

ويقال : أن النيل ينصب من عشرة أنهار من جبل القمر المتقدم ذكره ، كل خمسة أنهار [ق ٦٧ أ] من شعبة ، ثم تتبحر تلك الأنهار العشرة في بحريين ، كل خمسة أنهار تبحر بحيرة بذاتها ، ثم يخرج من البحيرة الشرقية بحر لطيف يأخذ شرقا علي جبل فأقول ، ويمتد إلي مدن هناك ثم يصب في البحر الهندى ويخرج من البحيرتين زيضا ستة أنهار [من كل بحيرة ثلاثة أنهار](١).

وتجتمع الأنهار الستة في بحيرة متسعة تسمى البطيحة ، وفيها جبل يفرق الماء نصفين يخرج أحدهما من غربي البطيحة وهو نيل السودان ، ويصير نهرا يسمى بحر الدمادم ، يأخذ مغربا ما بين سمغرة وغانة على جنوبي سمغرة وشمالي غانة ، ثم ينعطف هنا منه فرقة ترجع جنوبا إلي غانة ثم تمر على مدينة برنسة ، ويأخذ تحت جبل في جنوبها خارج خط الأستواء إلى زفيلة ثم تتبحر في بحيرة هناك ، وتستمر الفرقة الثانية مغربة إلى بلد مالي والتكرور حتي تنصب في البحر المحيط شمالي مدينة قلبتبو ويخرج النصف متشاملا آخذا علي الشمال إلي شرقي مدينة جيمى ثم تتشعب [ق ٦٧ ب] منه هناك شعبة تأخذ شرقا إلى مدينة سحرته [بكسر السين والحاء] ثم ترجع جنوبا ثم تعطف شرقا بجنوب إلي مدينة سحرته ثم إلي مدينة مركة ، وينتهي إلي خط الاستواء حيث الطول خمس وستون درجة وتتبخر هناك بحيرة ويستمر

__________________

(١) وردت على هامش المخطوطة.

٨١

عمود النيل من قبالة تلك الشعبة شرقى مدينة شيمى متشاملا أخذا على أطراف بلاد الحبشة ، ثم يشامل علي بلاد السودان إلي [مدينة](١) دنقلة حتى يرمى على الجنادل إلي أسوان ، وبنحدر وهو يشق بلاد الصعيد إلي مدينة فسطاط مصر ، ويمر حتي يصب في البحر الشامى.

وقد استفيض ببلاد السودان أن النيل في أصله ينحدر من جبال سوديين على بعد كأن عليها الغمام ثم يتفرق نهرين يصب أحدهما في البحر المحيط إلي جهة بحر الظلمة الجنوبي ، الآخر يصل إلي مصر حتي يصب في البحر الشامى ويقال أنه في الخبوب يتفرق سبعة أنهار تدخل فى صحراء منقطعة ثم ، تجتمع الأنهار السبعة ويخرج من تلك [ق ٦٨ أ] الصحراء نهرا واحدا في بلاد السودان.

ذكر مقاييس النيل وزيادته

قال ابن عبد الحكيم : أول من قاس بمصر يوسف عليه السلام. وضع مقياسا بمنف ، ثم وضعت العجوز دلوكة أبنة زباء ـ وهى صاحبة حائط العجوز مقياسا بأنصنا وهو صغير الذرع [«ووضع عبد العزيز بن مروان مقياسا بحلوان وهو صغير»](٢) ، ووضع أسامة بن زيد التنوخي في خلافة الوليد مقياسا بالجزيرة وهو أكبرها.

قال يحيي بن بكير : أدركت القياس يقيس في مقياس منف ويدخل بزيادته إلي الفسطاط وقال القضاعي : كان أول من قاس النيل بمصر يوسف النبي عليه السلام وهو مقياس بمنف ، وهو أول مقياس وضعه عليه السلام. وقيل أن النيل يقاس بمصر بأرض علوة كداء إلى أن بني مقياس منف ، وأن القبط كانت تقيس عليه إلي أن بطل.

ومن بعده دلوكة العجوز بنت مقياسا [ق ٦٨ ب] بأنصنا ، وهو صغير الذراع ومقياسا آخر بأخميم وهى التي بنت الحائط المحيط بمصر.

__________________

(١) وردت في الأصل بلاد.

(٢) سقطت هذه العبارة من الناسخ ، والإضافة من المقريزى فى الخطط.

٨٢

وقيل إنهم كانوا يقيسون الماء قبل أن يوضع المقياس بالرصاصة ، فلم يزل المقياس فيما مضي قبل الفتح بقيسارية الأكسية ومعالمه هناك إلى أن بني المسلمون بين الحصين والبحر أبنيتهم الباقية الآن.

وكان للروم أيضا مقياسا بالقصر خلف الباب يمنه من يدخل منه في داخل الزقاق أثره قائم إلي اليوم ، وقد بني عليه وحوله ، ثم بني عمرو بن العاص عند فتحه مصر قياسا بأسوان ثم بني بموضع يقال له دندرة.

ثم بني في أيام معاوية مقياس بأنصنا ، فلم يزل يقاس عليه إلي أن بنى عبد العزيز بن مروان مقياسا بحلوان وكانت منزله ، وكان هذا المقياس صغير الذراع.

فأما المقياس القديم الذى بني في الجزيرة فالذي وضعه أسامة بن زيد ، وقيل أنه كسر فيه ألفى أوقية ، وهو الذي بني بيت المال بمصر ثم [ق ٦٩ أ] كتب أسامة بن زيد التنوخي عامل مصر لسليمان بن عبد الملك ببطلانه وكتب إليه سليمان بأن يبنى مقياسا في الجزيرة فبناه في سنة سبع وتسعين.

ثم بني المتوكل فيها مقياسا أول سنة سبع وأربعين ومائتين فى ولاية يزيد بن عبد الله التركي علي مصر وهو المقياس الكبير المعروف بالجديد ، وأمر بأن يعزل النصارى عن قياسه ، فجعل زيد بن عبد الله على المقياس أبا الرداد المعلم واسمه عبد الله بن عبد السلام بن عبد الله ابن أبي الرداد المؤذن كان يقال أصله من البصرة وقدم مصر وأقام بها ، وجعل علي قياس النيل وأجري عليه سليمان بن وهب صاحب خراج مصر يومئذ سبعة دنانير في كل شهر ، فلم يزل القياس منذ ذلك الوقت في يد أبي الرداد وولده إلي اليوم وتوفي أبو الرداد في سنة ست وستين ومائتين.

ثم ركب أحمد بن طولون في سنة تسع وخمسين [ق ٦٩ ب] ومعه أبو أيوب صاحب خراجه وبكار بن قتيبة (١) القاضى فنظر إلي المقياس وأمر بإصلاحه وقدر له ألف ينار فعمر بها وبني الخازن في الصناعة مقياسا وأثره باق لا يعتمد عليه.

__________________

(١) هو بكار بن قتيبة بن أسد أبو بكرة من بنى الحارث بن كلدة الثقفى قاض محدث ولي القضاء بمصر للمتوكل العباسي سنة ٢٤٦ ه‍ ، ولما صار الأمر إلي أحمد بن طولون بمصر ، أمره بخلع الموفق من ولاية العهد ، فامتنع بكار فاعتقله فأقام في السجن يقصده الناس يروون عنه الحديث ويفتيهم ، وهو باق علي القضاء إلي أن توفي في سجنه بمصر ، ومولده في البصرة سنة ١٨٢ ه‍ / ٧٩٨ م ، ومات سنة ٢٧٠ ه‍ / ٨٨٤ م ، له كتب منها الوثائق والعهود في الفقه.

٨٣

وقال ابن عبد الحكم : ولما فتح عمر بن العاص مصر أتى أهلها إلي عمرو ، حين دخل بؤونة من أشهر القبط ، فقالوا له : أيها الأمير أن لنيلنا هذا سنة لا يجرى إلا بها. فقال لهم وما ذاك. قالوا : إنه إذا كان لثنتى عشرة ليلة تخلو من هذا الشهر ، عمدنا إلى جارية بكر [من أبويها](١) وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون ، ثم ألقيناها في النيل.

فقال لهم عمرو : أن هذا لا يكون في الإسلام ، وأن الإسلام يهدم ما قبله ، فأقاموا بؤونة وأبيب ومسري لا يجري قليلا ولا كثيرا حتي هموا بالجلاء ، فلما رأى ذلك عمرو كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك فكتب إليه عمر ألم تعلم أن الإسلام يهدم ما كان قبله وقد بعثت إليك بطاقة فألقها [ق ٧٠ أ] في داخل النيل.

فلما قدم الكتاب علي عمر وفتح البطاقة فإذا فيها : [«من عبد الله أمير المؤمنين إلى نيل مصر أما بعد : فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر ، وإن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك ، فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك»].

فألقي عمرو البطاقة في النيل قبل يوم الصليب بيوم ، وقد تهيأ أهل مصر للجلاء والخروج منها ، لأنه لا يقوم بمصلحتهم فيها إلا النيل ، وأصبحوا يوم الصليب وقد أجراه الله تعالى ست عشر ذراعا في ليلة ، وقطع تلك السنة السوء من أهل مصر.

وذكر بعضهم أن جاحلا الصدفي هو الذي قرأ بطاقة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلي النيل حين [توقف] فجرى بإذن الله تعالي.

وقال يزيد بن أبي حبيب : أن موسي عليه الصلاة والسلام دعا علي آل فرهون فحبس الله عنهم النيل حتي أرادوا الجلاء ، فطلبوا إلي موسي أن يدعو الله ، فدعا الله رجاء أن يؤمنوا وذلك في ليلة الصليب ، فأصبحوا وقد أجري الله النيل في تلك الساعة [ق ٧٠ ب] ستة عشر ذراعا فاستجاب الله لعمر بن الخطاب ، كما استجاب لنبيه موسي عليه السلام.

قال القضاعى : ووجدت في رسالة منسوبة إلي الحسن بن محمد بن عبد المنعم قال : لما فتحت العرب مصر عرف عمر بن الخطاب ما يلقي أهلها من الغلاء عند وقوف النيل ، فضلا عن تقاصره وأن أفرطت الاستشعار يدعوهم إلى الاحتكار ، وأن الاحتكار يدعوا إلى تصاعد الأسعار للقحط.

__________________

(١) وردت على هامش المخطوطة.

٨٤

فكتب عمر إلي عمرو يسأله عن شرح الحال ، فأجابه إني وجدت ما تروي به مصر حتي لا يقحط أهلها أربع عشرة ذراعا ، والحد الذي يروي منه سائرها حتي يفضل عن حاجتهم ، ويبقي عندهم قوت سنة أخري ست عشر ذراعا ، والنهايتان المخوفتان فى الزيادة والنقصان وهما الظمأ والأستبحار أثنا عشر ذراعا في النقصان ، وثمان عشرة ذراعا في القبط ، وكمال العمارة فيه. [ق ٧١ أ].

فاستشار أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عليا رضي الله عنه في ذلك ، فأمره أن يكتب إلي عمرو أن يبنى مقياسا وأن ينقص ذراعين على أثني عشر ذراعا ، وأن يقر ما بعدها علي الأصل ، وأن تنقص من كل ذراع بعد الستة عشر ذراعا أصبعين ، ففعل ذلك وبناه بحلوان فأجتمع له بذلك كل ما أراد من حل الارجاف ، وزوال ما منه كان يخاف ، بأن جعل الأثنى عشر ذراعا أربع عشرة لأن كل ذراع أربع وعشرون أصبعا ، فجعلها ثمانيا وعشرين من أولها إلى الأثني عشر يكون مبلغ الزيادة علي الأثني عشر ثمانية وأربعين أصبعا ، وهي الذراعان وجعل الأربع عشرة ست عشرة ، والست عشر ثماني عشرة والثماني عشرة عشرين.

قال القضاعي : وفي هذا الباب (١) نظر في وقتنا لزيادة فساد الأنهار وانتقاض الأحوال وشاهد ذلك أن المقاييس (٢) القديمة الصعيدية من أولها إلي آخرها أربع وعشرون أصبعا كل ذراع ، والمقاييس [ق ٧١ ب] الإسلامية علي ما ذكر منها المقياس الذي بناه أسامة بن يزيد التنوخي بالجزيرة وهو هدمه الماء ، وبني المأمون آخر بأسفل الأرض بالبروذات ، وبن المتوكل آخر بالجزيرة وهو الذي يقاس عليه الماء الآن وقد تقدم ذكره.

قال ابن عفير عن القبط المتقدمين : إذا كان الماء في أثني عشر يوما من مسرى أثنتي عشرة ذراعا ، فهي سنة ماؤها ناقص ، وإذا تم ست عشرة ذراعا قبل النوروز ، فالماء يتم ... فأعلم ذلك.

وقال أبو الصلت : وأما النيل وينبوعه ، فهو من وراء خط الاستواء من جبل هناك يعرف بجبل القمر ، فإنه يبتدىء [فى] التزايد في شهر أبيب. والمصريون يقولون : إذا دخل أبيب كان للماء دبيب ، وعند إبتدائه في التزايد يتغير جميع كيفياته ويفسد ، والسبب في ذلك مروره بنقائع مياه يخالطها فيجتلبها معه إلي غير ذلك مما يحتمله.

__________________

(١) وردت عند المقريزى «الحساب» وهي القريبة للصواب.

(٢) وردت في الأصل «المقاس» والصواب في المتن.

٨٥

فإذا بلغ الماء خمسة عشر ذراعا ، وزاد في السادس عشر أصابع ، وكسر الخليج والكسر يوم [ق ٧٢ أ] معدود ، ومقام مشهوز ، ويجتمع العام والخاص. فإذا كسر فتحت الترع ، وهي فوهات الخلجان ففاض الماء وساح وغمر القيعان والبطاح ، وانضم الناس إلي مساكنهم من الضياع والمنازل ، وهي على آكام وربي لا ينتهي الماء إليها ، ولا يتسلط السيل عليها فتعود أرض مصر بأسرها عند ذلك بحرا غامرا لما بين جبليها ، ريثما يبلغ الحد المحدود في مشيئة الله عز وجل وأكثر ذلك يحوم حول ثمانى عشرة ذراعا.

ثم يأخذ عائدا في صبه إلي مجرى النيل ومسربه ، فينصب أولا عما كان من الأرض عاليا ، ويصير فيما كان منها متطامنا ، فيترك كل قرارة كالدرهم ، ويغادر كل ملقة كالبرد المسهم.

وقال القاضي أبو الحسن علي بن محمد الماوردي في كتاب «الأحكام السلطانية» وأما الذراع السوداء فهي أطول من ذراع الدور بأصبع وثلثي أصبح ، وأول من وضعها أمير المؤمنين هارون الرشيد ، قدرها بذراع خادم أسود كان علي رأسه قائما ، وهي التي تتعامل الناس [ق ٧٢ ب] بها في ذراع البز والتجارة والأبنية وقياس نيل مصر.

وأكثر ما وجد في القياس من النقصان في سنة سبع وتسعين ومائة ، وجد في المقياس تسعة أذرع واحد وعشرون أصبعا ، وأقل ما وجد فيه في سنة خمس وستين ومائة فإنه وجد فيه ذراع واحد وعشر أصابع. وأكثر ما بلغ في الزيادة في سنة تسع وتسعين ومائة فإنه بلغ ثمانية عشر ذزاعا وتسعة [عشر] أصبعا. وأقل ما كان في سنة ست وخمسين وثلاثمائة [الهلالية](١) فإنه بلغ أثني عشر ذراعا وتسع عشر أصبعا ، وهي أيام كافور الأخشيدى.

والمقياس عمود [رخام] أبيض مثمن ، في موضع ينحصر فيه الماء عند إنسيابه إليه ، وهذا العمود مفصل على أثنين وعشرين ذراعا ، كل ذراع مفصل علي أربعة وعشرين قسما متساوية تعرف بالأصابع ، ما عدا الأثني عشر ذراعا الأولي فإنها مفصلة علي ثمان وعشرين أصبعا كل ذراع.

وقال المسعودى : قالت الهند : زيادة النيل ونقصانه بالسيول ، ونحن نعرف [ق ٧٣ أ] ذلك بتوالي الأنواء وكثرة الأمطار.

__________________

(١) إضافة من الخطط.

٨٦

وقالت الروم : لم يزد قط ولم ينقص وإنما زيادته ونقصانه من عيوب كثرت فى شاطئه يرأها من سافر ولحق بأعاليه.

وقيل لم يزد قط ولم ينقص وإنما زيادته بريح الشمال ، إذا كثرت واتصلت تحبسه فيقبض علي وجه الأرض.

وقال قوم : سبب زيادته هبوب ريح تسمي ريح الملتن ، وذلك أنها تحمل السحاب الماطر من خلف خط الأستواء ، فيمطر ببلاد السودان والحبشة والنوبة ، فيأتي مدده إلي أرض مصر ، ومع ذلك فإن البحر المالح يقف ماؤه في وجه النيل ، فيتوقف ماؤه حتي تروي البلاد وفي ذلك يقول :

فالنيل ذو فضل ولكنه

الشكر فى ذلك للملتن

فاسمع (١) فللسامع أعلى يدا

عندى وأسمى من يد المحسن

ويبتدىء النيل بالتنفس والزيادة بقية بؤونة (٢) وأبيب (٣) ومسرى (٤). فإذا كان الماء زائدا زاد شهر توت (٥) كله إلي انقضائه. فإذا انتهت الزيادة إلي الذراع الثامن عشر ففيه تمام الخراج ، وخصب الأرض وهو ضار بالبهائم لعدم الرعي [والكلأ](٦).

وأتم الزيادات كلها ، العامة النفع للبلد كله ، سبعة عشر ذراعا [ق ٧٣ ب] وفي ذلك كفايتها وري جميع أرضيها ، وإذا زاد علي ذلك وبلغ ثمانية عشر ذراعا وغلقها ، استبحر من أرض مصر الربع ، وفي ذلك ضرر لبعض الضياع لما ذكرنا من الاستبحار ، وإذا كانت الزيادة علي ثمانية عشر ذراعا ، كانت العاقبة في إنصرافه حدوث وباء [وأكثر الزيادات ثمان عشرة ذراعا](٧).

__________________

(١) وردت هذه الأبيات في الخطط.

(٢) وهو حزيران.

(٣) وهو تموز.

(٤) وهو آب.

(٥) وهو أيلول.

(٦) سقطت من الناسخ.

(٧) وردت هذه العبارة على هامش المخطوطة.

٨٧

وقد بلغ في خلافة عمر بن عبد العزيز تسع عشرة ذراعا ، ومساحة الذراع إلي أن يبلغ أثني عشرة أصبعا ، ومن أثنتي عشرة ذراعا إلي ما فوق ذلك يكون الذراع أربعا وعشرين أذرع ، وأقل ما يبقى في قاع المقياس من الماء ثلاثة أذرع ، وفي تلك السنة يكون الماء قليلا.

والأذرع التي يستسقي عليها بمصر هي ذراعان تسمي منكر ونكيرا ، وهي الذراع الثالث عشر والذراع الرابع عشر ، فإذا انصرف الماء عن هذين الذراعين وزاد نصف ذراع من الخمس عشرة استسقي الناس بمصر ، وكان الضرر الشامل لكل البلدان وإذا تم خمس عشرة ذراع ودخل في الست عشرة ذراعا [ق ٧٤ أ] كان فيه صلاح لبعض الناس ، ولا يستسقى فيه ، وكان في ذلك تقص خراج السلطان واصفي ما يكون ماء النيل في شهر طوبة بعد الغطاس لعشرة تمضي من طوبة ، وأهل مصر يفتخرون بصفاء ماء النيل في ذلك الوقت ، وفيه يخزن الماء أهل تنيس وسائر قري البحيرة.

وقد كانت مصر تروي كلها من ست عشرة ذراعا ، لما أحكموا من جسورها وبناء قناطرها وحفر خلجانها ، وكانت الماء إذا بلغ في زيادته تسع أذرع دخل خليجه المنهى وخليج الفيوم وخليج سردوس وخليج سخا.

وقد تغير في زماننا هذا عامة ما تقدم ذكره لفساد حال الجسور والترع والخلجان وقنواته إنه يزيد في القبط إذا دخلت الشمس برج السرطان وبرج الأسد وبرج السنبلة حين تنقص جميع الأنهار ، وكذلك أن الأنهار تمده بمائها عند غيضها فيكون زيادته ، في خامس بؤونة وتظهر الزيادة في ثاني عشرة وأول دفعة في الزيادة تكون في ثاني أبيب ، ومنتهي الزيادة في الثامن من بابة ، ومن هنا يأخذ في النقصان وذلك في العشرين [ق ٧٤ ب] من بابة فتكون مدة الزيادة من ابتدائها إلي أن ينقص ثلاثة أشهر وخمسة وعشرون يوما وهي شهر : أبيب ومسري وتوت وعشرون يوما من بابة ، ومدة مكثفة بعد زياته أثنا عشر يوما ، ثم يأخذ في النقصان.

ومن العادة أن ينادي عليه دائما في السابع والعشرين من بؤونة بعد ما يؤخذ قاعته وهو ما بقي من الماء القديم في ثالث عشر بؤونة وبفتح الخليج الكبير إذا أكمل الماء ستة عشر ذراعا.

٨٨

وكانوا يقولون : نعوذ بالله من أصبع من عشرين ، وكان إذا بلغ النيل أصابع من عشرين ذراعا ، فاض ماء النيل ، وغرق الصياغ والبساتين ، وفارت البلاليع ، والآن إذا بلغ الماء في سنة أصبعا من عشرين لا يهم الأرض لما قد فسد من الجسور ، وكان إلي بعد الخمسمائة من الهجرة قانون النيل ستة عشر ذراعا في مقياس الجزيرة ، وهى في الحقيقة ثمانية عشر ذراعا.

وكانوا يقولون : إذا زاد علي ذلك ذراعا واحدا زاد خراج مصر مائة ألف دينار ولما يروى من الأراضى العالية ، فإن بلغ ثمانية عشر [٧٥ أ] ذراعا كانت الغاية [القصوي] فإن الثمانية عشر ذراعا في مقياس الجزيرة أثنا وعشرون ذراعا في الصعيد الأعلى ، فإن زاد علي الثمانية عشر ذزاعا واحدا ، نقص من الخراج مائة ألف دينار لما يستبحر من الأراضي المنخفضة.

قال ابن ميسر : في حوادث سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة ، وفيها بلغت زيادة ماء النيل تسعة عشر ذراعا وأربعين وخمسمائة. وفيها بلغت زيادة ماء النيل تسعة عشر ذراعا وأربعة أصابع ، فبلغ الماء الباب الجديد أول الشارع خارج القاهرة ، وكان الناس يتوجهون إلي القاهرة من مصر من ناحية المقابر ، فلما بلغ الخليفة الحافظ لدين الله أبو الميمون عبد المجيد أن الماء وصل إلي الباب الجديد ، أظهر الحزن والانقطاع. فدخل إليه بعض خواصه وسأله عن السبب ، فأخرج لهم كتابا فإذا فيه «إذا وصل الماء الباب الجديد انتقل الإمام عبد المجيد» ثم قال : فكان الأمر كما ذكر ومرض في آخر السنة ، ومات أول سنة أربع وأربعين وخمسمائة.

قال القاضى الفاصل في متجددات [ق ٧٥ ب] سنة سبع وسبعين وخمسمائة. وفي يوم الأثنين السادس والعشرين من شهر ربيع الأول وهو السادس عشر من مسرى ، وفى النيل على ستة عشر ذراعا ، وهو الوفاء ، ولا يعرف وفاؤه بهذا التاريخ في زمن متقدم. وهذا أيضا مما تغير فيه قانون النيل في زماننا ، فإنه صار فى أوائل مسرى ، ولقد كان الوفاء في سنة أثنتي عشرة وثمانمائة في اليوم التاسع ولعشرين من أبيب قبل مسرى بيوم.

وهذا من أعجب ما يؤرخ في زيادات النيل. واتفق أن في الحادي عشر من جمادي الأولي سنة تسع وسبعمائة ، وفي النيل وكان ذلك في اليوم التاسع عشر من بابة بعد النوروز بتسعة وأربعين.

٨٩

وقال بعض المفسرين أن يوم الوفاء النيل هو اليوم الذي وعد فرعون ـ موسى عليه السلام ـ بالاجتماع وذلك قول الله تعالي حاكيا عن فرعون (مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ ، وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى)(١) ، وقد جرت العادة أن اجتماع الناس يكون في هذا الوقت.

ومن أحسن السياسات في أمر النداء على النيل ما حكاه الفقيه [ق ٧٦ أ] ابن زولاق (٢) في سيرة المعز لدين الله.

قال وفي هذا الشهر يعنى شوال سنة سنة أثنتين وستين وثلاثمائة منع المعز لدين الله من النداء بزيادة النيل ، وألا يكتب بذلك إلا إليه وإلي القائد جوهر ، فلما [أباح النداء] يعنى لما تم ست عشرة ذراعا وكسر الخليج ، فانظر وتأمل إلي حسن هذه السياسة ، فإن الناس دائما إذا توقف النيل في أيام زيادته يقلقون من ذلك ويحدثهم أنفسهم بعدم طلوع النيل في تلك السنة ، فيقبضون أيديهم علي الغلال ويمتنعون من بيعها ، ويجتهد كل من كان معه مال في اختزان الغلال.

أما لطلب لربح أولاد خار قوت عياله فيحدث بذلك الغلاء في البلد ، فإن زاد المال انحل السعر ، وأن توقف ونزل والعياذ بالله وقع الغلاء والقحط في البلد ، فمن أجل ذلك كتم أمر زيادة النيل عن العامة خوفا مما ذكرنا في إضطراب البلد وتشحط الغلات فكان في أيامه لا يطلع على زيادة النيل غيره ، وهذا من أعظم فائدة وأجل عائد.

وقال المسبحى (٣) في تاريخ مصر [ق ٧٦ ب] : وخرج الأمر من عند بعض ملوك مصر إلي ابن حيران بتحرير ما يستفتحون به القياسون في كلامهم إذا نادوا علي النيل. فقال ابن

__________________

(١) ٥٩ ك طه : ٢٠.

(٢) هو الحسن بن إبراهيم بن الحسين بن الحسن من ولد سليمان بن زولاق الليثى بالولاء أبو محمد مؤرخ مصرى ، زار دمشق سنة ٣٣٠ هظ ، وولى المظالم في أيام الفاطميين بمصر ، وكان يظهر التشيع لهم. من كتبه خطط مصر وأخبار قضاة مصر ومختصر تاريخ مصر ولد سنة ٣٠٦ ه‍ / ٩١٩ م ومات سنة ٣٨٧ ه‍ / ٩٩٧ م.

(٣) هو محمد بن عبيد الله بن أحمد المسبحى عز الملك أمير مؤرخ عالم بالأدب كان على زى الأجناد أصله من حران ومواده سنة ٣٦٦ ه‍ / ٩٧٧ م ووفاته سنة ٤٢٠ ه‍ / ١٠٢٩ م اتصل بخدمة الحاكم بن العزيز العبيدى صاحب مصر وحظى عنده ، وكانت له معه مجالس ومحاضرات ، وقلده البهنسا ثم ولاه ديوان الترتيب.

له عدة مصنفات منها «تاريخ المغاربة» «ومصر والتصريح» «والقضايا الصائبة» وغيرهم.

٩٠

حيران : أحسن ما يقولون : نعم لا تحصى من خزائن [الله] لا تغنى زاد الله في النيل المبارك كذا وكذا.

وقال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر في منادى البحر.

قد قلت لما أتي القياس في يده

عود بماء النيل قد عودى وقد نودى

أيام سلطاننا سعد السعود وقد

صح القاس بجرى الماء فى العود

وقال المسعودى : ومن عادة نيل مصر إذا كان عند إبتداء زيادة النيل يخضر ماء النيل ، فتقول عامة أهل مصر قد توحم النيل ، ويرون أن الشراب منه حينئذ مضر.

وفى ذلك يقول ابن خطيب داريا :

عجب لنيل ديار مصر لأنه

عجب إذا فكرت فيه يعظم

يطاء الأرضى فهى تلقح دائما

من مائه وهو الذى تتوحم

والسبب في أخضراره أن الوحوش ترد البطيحات التي في أعالي النيل وتستنقع فيها من [ق ٧٧ أ] كثرة عددها لشدة الحر هناك فيتغير ماء تلك البطيحات من ذلك الوحوش ، ولا سيما الفيلة فإذا وقع في الجبهة الجنوبية في أوقات معلومة تكاثرت السيول هناك فيخرج من تلك البطيحات ، ما كان فيها من الماء الذى منقطع بها وقد تغير بسبب ما ذكرناه من الوحوش فيمر إلى أرض مصر وهو مغير اللون والطعم ويجىء عقيبه الماء الجديد من كثرت السيول وهو الزيادة بمصر فحينئذ يكون محمر اللون لما يخالطه من الطين الحر الذى تأتي به السيول. فإذا تناهت زيادته غشى أرض مصر فتصير القرى التي في الأقاليم فوق التلال والروابي قد أحاط بها الماء فلا يوصل إليها إلا في المراكب أو علي الجسور الممتدة المقدم ذكرها.

وكان للمقياس في الدولة الفاطمية معلوم منها لكنس مجارى ماء النيل للمقياس في كل سنة مائة دينار تصرف من الذخيرة لأبي الرداد ، وكان يأتي من مدينة قوص مركب صغير تسمى المفرد تبشر بوفاء [ق ٧٧ ب] النيل قبل أن يبشر ابن أبي الرداد بثلاثة أيام ، وكان لها علي الذخيرة معلوم يسمي المفرد ، وكان لها أيضا علي أرباب الدولة معلوم في كل سنة فبطل ذلك من مصر ما بطل ، وللشعراء في ذلك تغزلات كثيرة. فمن ذلك قول الأديب الفقيسي (١).

__________________

(١) له ذكر في حسن المحاضرة للسيوطى.

٩١

ليهن أحبابى وفي

ومفرد وافى به مؤذنا

ما النيل إلا ادمعى بعدكم

كلا ولا المفرد إلا أنا

وقال الشيخ زين الدين بن الخراط (١) في النيل :

يا نيل مصر لك بالوفا

أوليتنا بالكسر جبرا دائما

أوفت قبل الكسر خمس أصابع

كرما فكانت للوفاء خواتما

ذكر ما قيل

في يوم وفاء النيل بمصر

فمن ذلك قول الشيخ جمال الدين ابن بناته (٢) :

زادت أصابع نيلنا

وطمت فاكمدت الأعادى

وأتت بكل مسرة

ما ذى أصابع ذي أيادى

وقال ابن أبى حجلة :

لما تزايد نبل مصر وانزعت

منه الحياض وللروابى طفقا

نشروا القلوع وبشروا بوفاته

فالرأية البيضاء عليه بالوفاء

وقال ابن الصاحب مضمنا (٣) :

__________________

(١) هو عبد الرحمن بن محمد بن سلمان أبو الفضل زين الدين المعروف بابن الخراط أديب شاعر من القضاة مروزى الأصل ، مات سنة ٨٤٠ ه‍ / ١٤٤٦ م ، له المعانى اليتيمة والمثاني الرخيمة ، وتوفى عن نحو سبعين عاما.

(٢) له ذكر فى فوات الوفيات لابن شاكر.

(٣) سبق الكلام عنه.

٩٢

لله يوم الوفا والناس قد جمعوا

كالروض تطفوا على نهرا زاهره

وللوفا عمود من أصابعه

مخلق تملأ الدنيا بشاريره

وقوله أيضا :

نادى منادى الوفا بمصر

إذ علقوا سترة علامة

من الغلا قد سلمت حقا

وبث في الستر والسلامة

وقال النصير الحمامى (١) :

سمعت فتى يقول ونيل مصر

على درج بدا والبعض غارق

متى غطى لنا الدرج استقمنا

فقلت نعم وتنصلح الدقايق

وقال المعمار :

سمعت يوما سد مصر يقل

النيل وافى زايدا عندى

وكان هذا خبرا صادقا

فرحت أرويه عن السرى

وقال القيراطى (٢) :

لنيل مصر كمال فى زيادته

وفضله غير مخفى ومكيتم

إذا بدت لك من تياره شيم

رأيته ظاهر الأوصاف والشيم

وقال تميم بن المعز (٣) :

يوم لنا بالنيل مختصر

ولكل يوم مسرة قصر

فكأنما أمواجه عكن

وكأنما داراته سرر

وقلت فى معنى ذلك :

__________________

(١) سبق الكلام عنه.

(٢) هو إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن عسكر الطائى برهان الدين القيراطى شاعر من أعيان القاهرة ، اشتغل بالفقه والأدب وجاور بمكة فتوفى فيها. له ديوان شعر سماه مطلع النورين والوشاح المفصل ، ولد سنة ٧٢٦ ه‍ / ١٣٢٦ م ومات سنة ٧٨١ هظ / ١٣٧٩ م.

(٣) سبق له الذكر.

٩٣

شيم البحور تعكرت

دوراتها وتروقت

[ق ٧٨ ب]

فكأنها سرر الملاج

تدورت وتحققت

وقال ابن عبد الظاهر :

يا نيل أجر علي حسن العوايد فى

أرجاء مصرك وأجبر كل مرزق

وأعلم بأنك مصرى فلست ترى

حلوا الفكاهة ما لم

وقال الصفى الحلى :

وفى النيل إذ وفى البسيطة حقها

وزاد على ما جاءه من صابع

فماذا تقول الناس فى جود منعم

يشار إلى أنعامه

وقال النصير الحمامى :

النيل قال وقوله

إذ قال ملى مسامعى

فى غيض من طلب العلا

عم البلاد منافعى

وعيوبها بعد الوفا

قلعتها بأصبعى

وقال شهاب الدين ابن الشاب التائب (١) :

أرى نيل مصر قد غدا يوم كسره

إذا رام جريا فى الخليج تقنطرا

ولكن بعد الكسر زاد تجبرا

وافرط هجما فى القرى وتجسرا

وقوله أيضا :

كان فى يوم الوفا نيلنا

أثقن علم الجرف بالبط

[ق ٧٩ أ] إذ بالصبا صفحات خلجانه

تجدولت بالكسر والبسط

__________________

(١) وردت هذه الأبيات فى حسن المحاضرة للسيوطى

٩٤

وقال سيدى على بن بردبك (١) :

أن بحر النيل قد وفى لنا

ما عليه من قديم قررا

وقضانا الدين إلا أنه

حين وفاها عليه انكسرا

وقال أيضا :

أرى النيل قد وفا وزاد ولم يزل

يجود على أهل القرى بالمكارم

أفاض عليها الماء من بسط راحة

أصابعها فاقت أيادي حاتم

وقال بعضهم :

سد الخليج بكسره جبر الورى

طرا فكل قد غدا مسرورا

الماء سلطان فكيف تواثرت

عنه البشاير إذ غدا مكسورا

وقال ابن النقيب (٢) :

لله در الخليج إذله

تفضلا لا نيطق نشكره

حسبك منه بأن عادته

يجبر من لا يزال يكسره

وقال أيضا :

كأن النيل ذو فهم ولب

لما يبدو لعين الناس منه

فيأتى عند حاجهم إليه

ويمضى حين تستغنون عنه

[ق ٧٩ ب] وقال خليل الكفتى الهمدانى :

__________________

(١) وردت هذه الأبيات فى الخطط.

(٢) هو الحسن بن شاور بن طرخان بن الحسن بن النقيب الكنانى ناصر الدين المعروف بالنفيس ، شاعر من أفاضل مصر ، له ديوان مقاطيع فى مجلدين وكتاب منازل الأحباب ومنازه الألباب مجلدان. مات سنة ٦٧٨ ه‍ / ١٢٨٨ م.

٩٥

مولاى أن البحر لما زرته

حياك وهو أخو الوفا بالأصبع

فانظر لبسطته برؤيتك التى

هى مشتهاه وروضة المتمتع

أرخى عليه الستر لما جئته

خجلا ومد تضرعا بالإصبع

وقال المعمار :

قد زاد بحر النيل من بعد الوفا

منه إصبعين لا أصابت

وأمرض الخزان فأنظر وجهه

ليمدا من سقمه على أصبعين

وقوله أيضا :

جاء الرخاء ووافى النيل وانفرجت

عنا الهموم وهاز القمح ثم رمى

وراح خزانه للنيل ينظره

فاستكثر الماء فى عينيه ثم عمى

وقوله أيضا :

حزن الخزان لما أن رأى

نيلنا قد عم سهلا وجبل

ورأى الزرع عروقا أخرجت

سنبلات ذات حب وسنبل

[ق ٨٠ أ] وبكى إذا رمدت مقلته

زاده الله عروقا وسبل

وقوله أيضا :

ذا النيل ما يبرح فى سعده

وحاله الماشى فما حالا

 ...

لا أوقف الله حالا

وقال بدر الدين ابن الصاحب :

انظر إلى النيل الجديد وقد أتى

فى عسكر الموج المديد معبسا

حصر البلاد فسلمته أرضها

فكسى تراها حين ولى سندسا

٩٦

وقال الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن الشيخ كمال الدين السيوطى (١) هذا البيتين ، وقد اخترع فيهما تشبيها غريبا لم يسبق إليه :

النيل لما أن غدا موجه

وخف بالنخل لذى المنظر

كفروه الصمور قد ركبت

فى دفعه أو كان يدفع بالتي

وقال ابن الصايغ الحنفى :

سمى النيل إذ يحكى السماء فى انبساطه

فالله ما أحلى وأصدقه حاكى

تسير به الأفلال شرقا ومغربا

وحافاته أيضا تحف باملاك

[ق ٨٠ ب]

وما قيل

في إفراط زيادة النيل

قال ابن أبى حجلة :

يا رب أن النيل زاد زيادة

أدت إلى هدم وفرط تشت

ما ضره لوجا على عاداته

فى مقعد من سندس أخضر

وقال بعضهم :

يا نيل يا ملك الأنهار قد شربت

منك البرابا شرابا طيبا وغذا

وقد دخلت القرى تبغى منافعها

فعمها بعد فرط النفع منك إذا

فقال تذكر عنى أننى ملك

وتنثنى ناسيا أن الملوك إذا

__________________

(١) ور فى حسن المحاضرة للسيوطى.

٩٧

وقال بدر الدين ابن الصاحب :

النيل أفرط فيضا

يفيضه المتتابع

فصار مما دهانا

حديثنا بالأصابع

وله أيضا :

النيل زاد جورا

بحكمة المطاع

يعمل فى الرعايا

بالباع والذراع

وقال محيى الدين بن عبد الظاهر :

كم قطع الطرق نيل مصر

حتى لقد خافه السبيل

[ق ٨١ أ] بالسيف والرمح من غديره

ومن قناة لها نصول

وقال صلاح الدين الصفدى :

قد زاد هذا النيل فى عامنا

فأغرق الأرض بأنعامه

وكاد أن يعطف من مائه

عرى على ازداد أهرامه

وقال كشاجم (١) :

كان النيل حين جزى فغصت

به مصر وكسرت التراع

وأحدق بالورى من كل وجه

سموات كواكبها الضياع

__________________

(١) هو محمود بن الحسين أو ابن محمد بن الحسين بن السندى بن شاهك أبو الفتح الرملى المعروف بكشاجم ، شاعر متقين أديب من كتاب الإنشاء من أل الرملة بفلسطين فارسى الأصل ، مات سنة ٣٦٠ ه‍ / ٩٧٠ م.

٩٨

ومما قيل فى توقف زيادة النيل قال الأسعد بن مماتى (١) :

ولقد عهدت النيل شيئا يرى

عمرا ويتبع أمره تسيدا

والآن أضحى فى الورى متشبعا

متوقفا ما أن يحب يزيدا

وقال النصير الحمامى (٢) :

ان عجل النور وأقبل الوفا

عجل للعالم صفع القفا

فقد كفى من دمعهم ما جرى

وما جرى من نيلهم ما كفا

وقال بدر الدين بن الصاحب مضمنا :

قد قلت لما أن تزايد نيلنا

أو كاد ينزل عن وفا المقياس

يا نيل يا ملك المياه بأسرها

ما فى وقوفك ساعة من باسى

ومما قيل فى وصف مراكب النيل قال الشيخ صدر الدين ابن الوكيل كشاجم (٣) :

كان البحر ميدان وفيه

من السفن التى تجرى خيول

يطارد بعضها بعضا وليست

تكل ولا لها عرق يسيل

وما تعزى لأعوج فى انتساب

وللنجار نسبتها توول

__________________

(١) هو أسعد (أبو المكارم) بن مهذب الملقب بالخطير أبى سعيد بن مينا بن زكريا بن مماتى وزير أديب.

كان ناظر الدواوين فى الديار المصرية ، مولد بمصر سنة ٥٥٤٤ / ١١٤٩ م ومات سنة ٦٠٦ ه‍ / ١٢٠٦ م وكان نصرانيا فأسلم هو وجماعته فى إبتداء الدولة الصلاحية ، له عدة مصنفات منها نظم سيرة السلطان صلاح الدين ونظم كليلة ودمنة والفاشوش فى أحكام قراقوش.

(٢) وهو إبراهيم الأنطاكى ثم الحلبى الحمامى موسيقى شاعر له موشحات وألحان مات سنة ٩٢٦ ه‍ / ١٥٢٠ م.

(٣) هو محمد بن عمر بن مكى أبو عبد الله صدر الدين ابني المرحل المعروف بابن الوكيل شاعر من العلماء بالفقه ، ولد بدمياط سنة ٦٦٥ ه‍ / ١٢٦٧ م وانتقل مع أبيه إلي دمشق فنشأ فيها وأقام مدة في حلب. توفي بالقاهرة سنة ٧١٦ ه‍ / ١٣١٧ م ، صنف الأشباه والنظائر في فقه الشافعية ، وله ديوان سماه طراز الدار.

٩٩

وقال سيدى عبد العزيز الديرينى (١) رضى لله عنه فى مركب مقلع :

انظر ألى مركب يزهيك منظره

تسابق الريح فى جرى واسراد

ق ٨٢ أ] وكأنه طائر قد مضه عطش

وافا من الجو منقوضا على الماء

وقال الشهاب بن المنصورى من أبيات فى مركب مقلع وقد أجاد فى التشيه :

كأنما السفن عادات جرين به

لها المراسى شنوف اؤه مرسيل

من كل جارية كالخود زايره

إذ ارها قبل أن نلقاك محلول

وقال ابن تميم :

عجبت للنيل لما أن رأيت به

تلك الصوارى وقد اربت على الحبك

أظنها لم تطل إلا وقد وليت

حمل الرسائل بين الفلك والفلك

وقال الشيخ شمس الدين النواجى :

اركب النيل ما استطعت ففيه

راحة للفتى وغاية بغيه

كم تقرجت حين سافرت فيه

فى بلاد وكم ظفرت يمنيه

[ق ٨٢ ب] وقال ابن رشيق ضد ذلك :

خلقت طينا وماء البحر يتلفه

والقلب فيه نفور من مراكبه

فالبحر غير رفيق بالرفيق له

والبر مثل اسمه بر براكبه

__________________

(١) هو عبد العزيز بن أحمد بن سعيد الدميرى المعروف بالديرينى فقيه شافعى من الزهاد نسبه إلى ديرين فى غريبة مصر وقبره بها ، من كتبه التيسير فى علم التفسير الدرر الملتقطة فى المسائل ، وطهارة القلوب والخضوع لعلام العيوب وإرشاد الحيارى. ولد سنة ٦١٢ ه‍ / ١٢١٥ م ومات سنة ٦٩٤ ه‍ / ١٢٩٥ م.

١٠٠