نزهة الأمم في العجائب والحكم

ابن إياس

نزهة الأمم في العجائب والحكم

المؤلف:

ابن إياس


المحقق: الدكتور محمّد زينهم محمّد عزب
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة مدبولي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٩

لابن فضل الله (١) رحمه الله :

لمصر فضل ظاهرة

بعيشها الرغد النضرة

فى كل سفح

يلتقى ماء الحياة والحضر

وقال البهاء زهير (٢) :

[ق ٢٧ ب]

يا رعى الله أرض مصر وحيا

ما مضى لى بمصر من أوقات

جند النيل والمراكب فيه

مصعدات بنا ومنحدرات

هات زدنى من الحديث عن آل

نيل ودعنى من دجلة والفرات

وقال ابن فضل الله رحمه الله تعالى عليه :

ما مثل مصر فى زمان ربيعها

لصفاء ماء واعتدال نسيم

أقسمت ما تحوى البلاد نظيرها

لما نظر إلى جمال وسيم

وقال أيضا :

بحق لمصر أن تيته إذا جرى بها

النيل وامتدت إليه وعيون

فما مثله من زائر لقدومه

تقر عيون إذ تقره عيون

وقال أيضا :

تكرم مصر النيل أن زارها

وتفرش الخد له فى سراه

لو لم يكن أكرم ضيف أتى

ما قدمت كل قرأها قرأة

وقال الصلاح الصفدى :

رأيت فى أرض مصر مذ حللت بها

عجائب ما رأها الناس فى جيل

تسود فى عينى الدنيا فلم أرها

تيبض إلا إذا ما كنت فى النيل

__________________

(١) له ترجمة فى فوات الوفيات لابن شاكر الكتبى.

(٢) هوزهير بن محمد بن علي المهلبى العتكي بهاء الدين شاكر ، كان من الكتاب يقول الشعر ويرفعه فتعجب به العامة ، ولد بمكة سنة ٥٨١ ه‍ / ١١٨٦ م ، ومات سنة ٦٥٦ ه‍ / ١٢٥٨ م له ديوان شعر.

٤١

وقال بعض شعراء الشام مطلع زجل فى مدح الشام :

أن كان حوى النيل السعيد

رمضة وماه يجرى مضون

محلق الفيحات حوت

روضات وكم فيها عيون

فأجابه على ذلك بعض شعراء مصر :

نيل مصر من باب الجنان

يجري وماه يحيي الغضون

فيا لعيون أن قايسوه

قل ما ترى مثل العيون

ومما تفتخر به مصر على سائر البلاد ما ذكره الشيخ شهاب الدين بن أبي حجلة (١) فى «كتاب السكردان فى السبع زهرات» التى تجتمع بمصر فى صعيد واحد وهى :

النرجس وهو أوله ما تقدم ثم البنفسج ثم البان ثم الورد النصيب ثم الزهر وهو زهر [ق ٢٨ ب] النارنج ثم الياسمين ثم الورد الجورى ويعرف أيضا القحابي وهو آخرها ، فهذه السبع زهرات التى تلهج المصريون بذكرها ويجتمع في وقت واحد بمصر. وأما النسرين وإن كان في مصر من أعظم الزهور ورائحة فإنه غير معدود فى السبع زهرات التي تجتمع في وقت واحد لأنه يأتى في آخر أيام الورد الجوري فلا يلحق النرجس ولا البنفسج ، فلم يكن معدودا في جملة السبع زهرات لأجل ذلك وقد قلت في جمع السبع زهرات التي تجتمع في وقت واحد بمصر ، شعر :

يا طيب وقت بمصر فيه قد جمعت

سبع من الزهر تحو بها البساتين

بنفسج بنرجس زهر وبان لنا

وردا يضىء مرحو ثم اليسمين

ومما تفتخر به مصر أيضا بالسلطان خادم الحرمين الشريفين ، وهو أفضل من سائر ملوك الأرض بذلك ، وفيها يقول الأديب شمس الدين ابن يوسف الدمشقى (٢) [ق ٢٩ أ].

__________________

(١) هو أحمد بن يحيى أبى بكر التلمسانى أبو العباس شهاب الدين ابن أبى حجلة عالم الأدب شاعر من أهل تلمسان سكن دمشق ، وولى مشيخة الصوفية بصهريج منجك (بظاهر القاهرة) ومات سنة ٧٧٦ ه‍ / ١٣٧٥ م بالطاعون ، وكان قد ولد سنة ٧٢٥ ه‍ / ١٣٢٥ م كان حنيفا يميل إلى مذهب الحنابلة ويكثر من الحط على أهل الوحدة وخصوصا ابن الفارض وامتحن بسببه. له أكثر من ثمانين مصنفا منها مقامات وكتاب ديوان الصبابة ومنطق الطير والسجع الجليل فيما جرى فى النيل وسكردان السلطان والطارىء على السكردان وديوان شعر والأدب الغض وحاطب ليل عدة مجلدات وغرائب العجائب وعجائب الغرائب.

(٢) له ذكر فى الخطط للمقريزى.

٤٢

إذا البلاد افتخرت لم تزل

مصر على الشام لها فخر

وكيف لا تفخر مصر وفى

أرجائها السلطان والبحر

ذكر

عجائب مصر التى كانت بها

من الطلسمات والبرابي

وغير ذلك على سبيل الاختصار

قال القضاعى (١) ذكر الجاحظ وغيره أن عجائب الدنيا ثلاثون أعجوبة ، منها بسائر الدنيا عشر أعجوبات وهى : مسجد دمشق وكنيسة الرها وقنطرة سنجر وقصر غمدان وكنيسة رومية ، وصنم الزيتون وإيوان كسرى بالمدائن وبيت الريح بتدمر ، والحورنق ، والسدير بالجزاير (٢) ، والثلاث أحجار ببعلبك ، وذكر أنها بيت المشترى والزهرة ، وأنه كان لكل كوكب من السبعة بيت بها وبقي هذا. ومنها بمصر عشرون أعجوبة فمن ذلك الهرمان وهما [ق ٢٩ ب] أطول بناء وأعجبة ، ليس على الأرض بناء باليد حجر على حجر أطول منهما ، وإذا رأيتهما ظننت أنهما جبلان موضوعان ، وكذلك قال بعض من رأهما : ليس من شيء إلا وأنا أرحمه من الدهر إلا الهرمين ، فإنى لارحم الدهر منهما ، ومن ذلك ضم الهرمين وهو «بلهويه» ويقال «بلهيب» إنه طلسم للرمل لئلا يغلب على ابليز الجيزة. ومن ذلك بربا سمنود وهو من أعاجيبها ذكر عن أبى عمرو الكندى أنه قال : رأيته وقد حزن فيه بعض عمالها قرظا ، فرأيت الجمل إذا

__________________

(١) هو محمد بن سلامة بن جعفر بن على بن حكمون أبو عبد الله القضاعى مؤرخ مفسر من علماء الشافعية كان كاتبا للوزير الجرجرائى على بن أحمد بمصر ، فى أيام الفاطميين وأرسل فى سفارة إلى الروم ، فأقام قليلا فى القسطنطينية وتولى القضاء بمصر نيابة وتوفى بها. من كتبه تفسير القرآن عشرون مجلدا الشهاب فى المواعظ والأدب وتواريخ الخلفاء وخطط مصر وعيون المعارف ونزهة الألباب ودقائق الأخبار وحدائق الاعتبار ، مات سنة ٤٥٤ ه‍ / ١٠٦٢ م.

(٢) وردت فى الأصل جزر.

٤٣

دنا من بابه بحمله وأراء أن يدخله سقط كل دبيب فى القرظ لم يدخل منه شيء إلى البريا ، ثم خرب عند الخمسين والثلاثمائة. ومن ذلك بريا أخميم عجب من العجيب بما فيه من الصور وأعاجيب وصور الملوك الذين يملكون مصر.

وكان ذى النون الأخميمى (١) بقرأة البراني ، فرأى فيها حكما عظيما فأفسد أكثرها.

ومن ذلك بريا ودندرة وهو بريا عجيب فيه ثمانون ومائة كوة ، قد خل الشمس يوم من كوة منها ثم الثانية حتى تنتهى إلي آخرها ثم تسير راجعة إلي موضع بدائها. ومن ذلك حائط العجوز من [ق ٣٠ أ] العريش إلى أسوان تحيط بأرض مصر شرقا وغربا. ومن ذلك الأسكندرية وما فيها من العجائب المنارة والسوارى والملعب الذى كانوا يجتمعون فيه يوم من السنة ، ثم يرمون بكرة فلا تقع في حجر واحد إلا ملك مصر ، وحضر عمرو بن العاص عيدا من أعيادهم فوقعت الكرة فى حجره ، فملك البلد ذلك فى الإسلام ، وكان يحضر هذا الملعب ألف ألف من الناس ، فلا يكون فيهم أحد إلا ينظر فى وجه صاحبه لا يتطاولون فيه بأكثر من مراتب العلية والسفلية يتطاولون فيه بأكثر من مراتب العلية والسفلية.

ومن عجائبها المسلتان وهما جبلان قائمان على سرطانات نحاس فى أركانها ، كل ركن على سرطان. ومن عجائبها عمودا لأعياد ، وهما عمودان ملقيان وراء كل عمود منهما جبل حصبا كحصي الجمار بمنى يقبل إليها الرجل ويرمى بسبع حصيات ويحمل أحدهما ثم يرمي وراءه السبع حصيات ، آخر يقوم ولا يلتفت ويمضي فكأنما يحمل حملا لا يحسن من تعبه بشىء.

ومن عجائبها القبة الخضراء وهى أعجب قبة ، ملبسة نحاسا كأنه الذهب الأبريز لا يبليه القدم ولا يخلفه الدهر.

ومن عجائبها منية عقبة وقصر فارس ، وكنيسة أسفل الأرض وهى مدينة على مدينة ، ليس على [ق ٣٠ ب] وجه الأرض مدينة فى هذه الصفة سواها ، ويقال أنها أرم ذات العماد ، سميت بذلك لأن عمدها ورخامها الأصفنيدس المخطط طولا وعرضا.

ومن عجائب مصر أيضا الجبال التى بصعيدها على نيلها وهى ثلاثة جبال ، منها جبل الكهف ويقال الكف. ومنها الطيلمون ، ومنها جبل زماجيز الساحرة ، يقال أن فيه حلقة من الجبل ظاهرة مشرفة علي النيل ، لا يصل إليها أحد ، يلوح فيها خط محلوق باسمك اللهم.

__________________

(١) له ذكر فى حسن المحاضرة للسيوطى.

٤٤

ومن عجائبها شعب البؤقيرات بناحية أشمون من أرض الصعيد ، وهو شعب فى جبل فيه صدع تأتيه البؤقيرات فى يوم من السنة معروفا ، فتعرض أنفسها علي ذلك الصدع ، فكلما أدخل بوقير منها منقاره فى الصدع ولا تزال يفعل ذلك حتى يستلقي الصدع على بوقير منها فيحبسه وتمضى كلها ، ولا يزال ذلك الذى يحبسه متعلقا حتى يتسلقط ويموت. ومن عجائبها عين الشمس وهي هيكل الشمس ، وبها العمودان اللذان لم ير أعجب منهما ولا من شأنهما طولهما فى السماء نحو [من](١) خمسين ذراعا ، وهما محمولان على وجه الأرض ، وفيهما صورة إنسان على دابة تراه منهما [ق ٣١ أ] واضحا وتجرى من أسفلهما فينبت في أصلهما العوسج وغيره ، وإذا دخلت الشمس دقيقة من الجدى ، وهو أقصر يوم فى السنة ، إنتهت منهما إلى الجنوب ، فتطع على قمة رأسه ، وإذا دخلت دقيقة من السرطان وهو أطول يوم فى السنة إنتهت إلى الشمال منهما ، فتطلع على قمة رأسه الآخر ، وهما منتهى الميلين ، وخط الأستواء فى الواسطة فهما ثم تخطر بينهما ذاهبة وراجعة سائر السنة كذا يقول أهل العلم بذلك.

ومن عجائبها منف وعجائبها وأصنامها ورخامها وأبنيتها ودفائنها وكنوزها وما يذكر فيها أكثر من أن يحصي من آثار الملوك والحكماء [والأنبياء](٢).

ومن عجائبها الفرما وهى أكثر عجائب وأكثر آثارا. من عجائبها الفيوم ومن عجائبها نيلها ومن عجائبها الحجر المعروف بحجر الخل يطفو على الخل ويسبح فيه كأنه سمكة.

وكان يوجد بها حجر إذا أمسكه الإنسان بكلتا يديه تقايأ كل شىء أكله فى بطنه ، وكان بها خرزة إذا جعلتها المرأة فى حقوقها فلا تحبل ، وكان بها حجر يوضع على حرف التنور فيتساقط خبزة ، وكان يوجد بصعيدها حجارة رخوة تتكسر بالليل فتتقد ـ كالمصابيح [ق ٣١ ب] ومن عجائبها : حوض مدور فى بحر النيل من رخام ويركب فيه الواحد والأربعة ويحركوه فيعبرون من جانب إلى جانب ، لا يعلم من عمله ، فأخذه كافور الأخشيدى من الماء فالقى فى البر وكان في أسفله كتابه لا يدرى [ما هي](٣) ثم بطل أمره.

ومن عجائبها : أن بصعيدها ضيعة بعرف بدشني ، فيها سنطة إذا تعددت بالقطع تدبل

__________________

(١) إضافة من عندنا.

(٢) سقطت من الناسخ.

(٣) إضافة من عندنا للسياق.

٤٥

وتجتمع وتضمر ، فيقال لها عفونا عنك وتركناك فتتراجع ، والمشهور ـ وهو الموجود الآن ـ سنطة فى الصعيد ، إذا تركت اليد على ذبلت ، وإذا رفعت عنها تراجعت ، وقد حملت إلى مصر وشوهدت. وبها نوع من الخشب يرسب فى الماء كالأبنوس وبها الخشب السنط الذى يوقد منه القدر الكثير في الزمن الطويل فلا يوجد له رماد.

وذكر ابن نصر المصرى أنه كان على باب القصر الكبير أنه كان على باب القصر الكبير الذى يقال له باب الريحان عند الكنيسة المعلقة ، صنم من نحاس على خلقة الجمل ، وعليه رجل راكب عليه عمامة [منتكب قوسا عربية](١) وفى رجليه نعلان كانت الروم والقبط وغيرهم إذا تظالموا بينهم ، واعتدي بعضهم علي بعض تحاكموا [ق ٣٢ أ] إليه حتي يقفوا بين يدى ذلك الجمل ، فيقول المظلوم المظالم : أنصفنى قبل أن يخرج هذا الراكب الجمل فيأخذ الحق لى م نك شئت أم أبيت يعنون بالراكب النبي صلي الله عليه وسلم. فلما قدم عمرو بن العاص ، غيبت الروم ذلك الجمل لئلا يكون شاهدا عليهم.

قال ابن لهيعة (٢) : بلغني أن تلك الصورة في ذلك الموضع قد أتي عليها سنين لا يدرى عملها.

قال القضاعى : فهذه عشرون أعجوبة من جملتها ما يتضمن عدة عجائب ، فلو بسطت لجاء منها عدد كثيرة.

ويقال ليس من بلد فيه شىء غريب إلا وفي مصر مثله أو شبيه به ، ثم تفضل مصر على البدان بعجائبها التي في بلد سواها.

وفي كتاب «تحفة الألباب» أنه كان بمصر بيت تحت الأرض ، فيه رهبان من النصارى ، وفي البيت سرير صغير من خشب تحته صبي ميت ملفوف في نطع أديم ، مشدود بحبل ، وعلى السرير مثل الباطية فيها أنبوب من نحاس فيه فتيل إذا اشتعل الفتيل بالنار وصار سراجا خرج من ذلك الأنبوب لزيت الصافي الحسن الفائق حتى تمتلىء تلك الباطية وينطفىء السراج

__________________

(١) إضافة من الخطط.

(٢) هو عبد الله بن لهيعة بن عقبة المصرى الفقيه أبو عبد الرحمن قاضى مصر ومسندها ، روي عن عطاء ابن أبى رباح وعمرو بن دينار والأعرج وخلق ، وعنه الثورى والأوزاعى وشعبة والليث وابن المبارك ، وثقة أحمد وغيره. مات سنة ١٧٤ ه‍.

٤٦

بكثرة [ق ٣٢ ب] الزيت ، فإذا إنطفأ لم يخرج منه شىء ، فإذا خرج الصبي الميت من تحت السرير لم يخرج من الزيت شىء ، والباطية يريقها الإنسان فلا تحتها شيئا ولا موضعا فيه ثقب. وأولئك الرهبان يتعيشون من ذلك الزيت ... يشتريه الناس منهم فينتفعون به ..

قال الأستاذ إبراهيم بن وصيف (١) شاه : عديم الملك ابن تقطريم كان جبارا لا يطاق ، عظيم الخلق ، فأمر بقطع الصخور ليعمل هرما كما عمل الأولون ، وكان فى وقته الملكان اللذان أهبطا من السماء ، وكانا فى بئر يقال له «افتارة» وكانا يعلمان أهل مصر السحر. وكان يقال أن الملك عديم بن البودشير استكثر من علمهما ، ثم انتقلا إلى جبل بابل. وأهل مصر من القبط يقولون أنهما شيطانان يقال لهما «مهلة» و «بهالة» وليس هما الملكين ، والملكان ببابل فى بئر هناك يغشاها السحرة إلى أن تقوم الساعة ومن ذلك الوقت عبدت الأصنام. وقال قوم : كانت الشيطان يظهر وينصبها لهم. وقال قوم : أول من نصبها بدوره وأول صنم أقامه صنم الشمس.

وقال آخرون : بل النمرود الأول أمر الملوك بنصبها وعبادتها ، وهو أول من صلب ، وذلك [ق ٣٣ أ] أن امرأة زنت برجل [من أهل الصناعات](٢) وكان لها زوج من أصحابه ، فأمر بصلبهما على منارين ، وجعل ظهر كل واحد منهما إلي ظهر الآخر فإنتهى الناس عن الزنا.

وبني أربع مدائن وأودعها صنوفا كثيرة من عجائب الأعمال والطلسمات ، وكنز فيها كنوزا كثيرة ، وعمل فى الشرق منارا وأقام على رأسه صنما موجها إلي الشرق ، مادا يديه يمنع دواب البحر والرمال أن تتجاوز حده ، وكتب في صدره تاريخ الوقت الذي نصبه فيه ، ويقال أن هذا المنار قائم إلي وقتنا هذا ، ولو لا هذا الغلب الماء الملح من البحر الشرقي على أرض مصر.

وعمل على النيل قنطرة في أول بلد النوبة ، ونصب عليها أربعة أصنام موجهة إلي أربع جهات الدنيا في يد كل صنم حربتان يضرب بهما إذا أتاهم آت من تلك الجهة فلم تزل بحالها إلي أن هدمها فرعون ـ موسي عليه السلام.

وعمل البريا علي باب النوبة وهو هناك إلي وقتنا هذا. وعمل في إحدي المدائن الأربع

__________________

(١) له ذكر فى الخطط للمقريزى.

(٢) إضافة من النجوم الزاهرة والخطط.

٤٧

التي ذكرناها حوضا من صوان أسود مملوء ماء ، لا ينقص علي طول الدهر ولا يتغير ماؤه لأنه اجتلب إليه من رطوبة الهواء. وكان أهل تلك الناحية وأهل تلك المدينة يشربون [ق ٣٣ ب] منه ولا ينقص ماؤه شيء وعمل ذلك لبعدهم عن النيل.

وذكر بعض كهنة القبط أن ذلك الماء ثم لقربه من البحر الملح ، فإن الشمس ترفع بحرها بخار البحر فينحصر من ذلك البخار جزء بالهندسة أو بالسحر (١) وينحط فى ذلك الحوض مثل الظل وتمده بالهواء فلا ينقص ماؤه علي الدهر ، ولو شرب منه العالم كله.

وعمل قدحا علي مثل هذا العمل وأهداه إلي الأسكندر بن فيليب المقدوني (٢) ، ولما مات دفن في إحدي المدائن ذات العجائب ، وقيل في صحراء قفط.

وذكر بعض القبط أن ناووس [عديم] عمل كان في صحراء قفط علي وجه الأرض تحت قبة عظيمة من زجاج أخضر براق ، معقود علي رأسها كرة من ذهب ، عليها طائر من ذهب موشح بجواهر ، منشور الجناحين يمنع من الدخول إلي القبة ، وكلن قطرهما مائة ذراع في مثلها وجعل جسده في وسطها علي سرير من ذهب مشبك وهو مكشوف بالذهب المغروز بالجوهر المنظوم ، وطول القبة أربعون ذراعا ، وجعل في القبة مائة وسبعين مصحفا من مصاحف الحكمة [وسبع موائد بأوانيها](٣) منها مائدة من حجر الشمس المضيء بأنيتها وهو [ق ٣٤ أ] الزبرجد الذى إذا نظرت إليه الأفاعى سالت أعينها ، ومائدة من ملح أبيض مدبر براق بأنيتها ومائدة من زيبق معقود ، وجعل فى القبة جواهر كثيرة وبرابي صنعة مدبرة ، وحوله سبعة أسياف وأتراس من حديد أبيض مدبر وتماثيل أفراس من ذهب عليها سروج من ذهب ، وسبعة توابيت من دنانير عليها صورته ، وجعل معه من أصناف العقاقير والسمومات والأدوية في برابي [من] حجارة.

وقد ذكر من رأي هذه القبة أنهم أقاموا أياها ما قدروا على الوصول إليها ، وأنهم رذا قصدوها وكانوا منها على ثمانية أذرع صارت القبة عن إيمانهم أو عن شمائلهم.

وذكروا أنهم رأوا وجه الملك قدر ذراع ونصف بالكبير ، ولحيته كبيرة مكشوفة وقدروا طول بدنه عشرة أذرع وزيادة.

__________________

(١) وردت فى الخطط (الحكمة).

(٢) وردت في الأصل (المجدونى).

(٣) سقطت من الناسخ.

٤٨

وذكر هؤلاء الذين رأوها أنهم خرجوا لحاجة فوجدوها اتفاقا ، وأنهم سألوا أهل قفط عنها فلم يجدوا أحدا يعرفها سوي شيخ كبير السن ، وقيل أن الذي صنع هذه القبة هو شداد ابن عديم وهو الذي بني مدينة ارمنت وأقام عليها أصناما بأسماء الكواكب من جميع المعادن وزينها بأحسن [ق ٣٤ ب] زينة ونقشها بالجواهر والزجاج الملون وكساه الوشي والديباج ، وعمل في المدائن الداخلة من أنصنا هيكلا شرقي الأسكندرية. وأقام صنما من صوان أسود باسم زحل علي عبور النيل من الجانب الغربي وبني في الجانب الشرقي مدائن في أحداها صورة صنم قائم وله احليل ، إذا أتاه المعقود والمسحور ومن لا ينتشر ذكره فسحه بكلتا يديه.

انتشر ذكره وقوي علي الباة ، وفي أحدهما بقرة لها ضرعان ، إذا انعقد لبن امرأة أتتها ومسحتها بيديها ، فإنه يدر لبنها لوقتها.

وعمل للتماسيح طلسم بناحية أسيوط ، فكانت التماسيح تنصب منها إلي أخميم ، وإذا أمسكها فيقتلها ويستعملها جلودا في السفن.

ويقال أن منقاوس الملك عمل بينا تدور تماثيل بجميع العلل وكتب علي رأس كل تمثال ما يصلح من العلاج فانتفع الناس بها زمانا إلي أن أفسدها بعض الملوك وعمل صورة امرأة مبتسمة لا يراها مهموم إلا زال همه ونسيه ، فكان الناس يتناوبونها ويطوفون حولها ثم عبدوها من بعد ذلك.

وعمل أيضا تمثالا من نحاس مذهب بجناحين لا يمر به زان ولا زانية إلا كشف عورته [ق ٣٥ أ] بيده ، فكان الناس يمتحنون به الزناة ، فامتنعوا الناس من الزنا في أيامه.

فلما ملك كلكن عشقت حظية رجلا من خدمه ، وخافت أن تمتحن بذلك الصنم فأخذت في ذكر الزواني مع الملك وأكثرت من سبهن وذمهن ، فذكر كلكن ذلك الصنم وما فيه من المنافع.

فقالت : صدق الملك غير أن منقاوس لم يصب في أمره ، لأنه أتعب نفسه وحكماءه فيما حعله لإصلاح العامة دون نفسه ، وكان حكم هذا الصنم أن ينصب في دار الملك حيث يكون نساؤه وجواريه ، فإن اقترفت أحداهن ذنبا علم بها فيكون رادعا لهن متي عرض بقلوبهن شيء من الشهوة.

فقال كلكن : صدقت ، وظن أن هذا منها نصح ، فأمر بنزع الصنم من موضعه ونقله إلى داره فبطل عمله ، وعملت المرأة ما كانت همت به.

٤٩

وبنى أيضا هيكلا على جبل القصير للسحرة فكانوا لا يطلقون الرياح للمراكب المقلعة إلا بضريبة [يأخذونها](١) منهم للملك.

وبني أيضا [مناوس] بن منقاوس في صحراء الغرب مدينة بالقرب من مدينة السحرة تعرف بقنطرة ، ذات عجائب وجعل في وسطها قبة عظيمة عليها كالسحابة تمطر شتاء وصيفا [ق ٣٥ ب] مطرا خفيفا ، وتحت القبة مطهرة فيها ماء أخضر يداوى به من كل داء فيبريه. وفى شرقيها بربا لطيفا لها أربعة أبواب ، لكل باب منها عضادتان ، في كل عضادة صورة وجه يخاطب كل واحد منهما صاحبه بما يحدث يومه ، فمن دخل البربا علي غير طهارة [نفخا فى وجهه فزصابه رعدة فظيعة لا تفارقه حتي يموت](٢).

وكانوا يقولون أن في وسطه مهبط النور في صورة العمود من اعتنقه لم يحتجب عن نظرة شىء من الروحانية ، وسمع كلامهم ، ورأى ما يعملون.

وعلى كل باب من أبواب هذه المدينة صورة راهب في يده مصحف فيه علم من العلوم فمن أحب معرفة ذلك العلم وضعه على صدره.

وحكي عن رجل أنه أتي عبد العزيز بن مروان (٣) وهو أمير مصر فعرفه أنه تاه في صحراء الشرق ، فوقع علي مدينة خراب فيها شجرة تحمل كل صنف من الفاكهة ، وأنه أكل منها وتزود.

فقال له رجل من القبط : هذه إحدي مدينتي هرمس وفيها كنوز كثيرة. فوجه عبد العزيز معه جماعة معهم ماء وزاد ، فأقاموا يطوفون تلك الصحارى نحو شهرا فلم يقفوا لها على أثر.

وعملت أم ميلاطس الملك بركة عظيمة في صحراء الغرب ، وجعلت في وسطها عمودا [ق ٣٦ أ] طوله ثلاثون ذراعا ، وفي أعلاه قصعة من حجارة يفوز منها الماء فلا ينقص أبدا.

__________________

(١) إضافة من الخطط.

(٢) وردت على هامش المخطوطة.

(٣) هو عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية أبو الأصبع أمير مصر ، ولد فى المدينة وولى مصر لأبيه استقلالا سنة ٦٥ ه‍ ، فسكن حلوان وأعجبته ، فبنى فيها الدور والمساجد وغرس بها كراما ونخيلا ، وتوفى فيها فنقل إلى الفسطاط ، كان يقظا عارفا بسياسة البلاد ، شجاعا جوادا تنصب حول داره كل يوم ألف قصعة للأكلين وتحمل مئة قصعة على العجل إلى قبائل مصر. واستمر إلى أن توفى سنة ٨٥ ه‍ / ٧٠٤ م.

٥٠

وجعلت حول تلك البركة أصناما من حجارة ملونة ، على صور الحيوانات من الوحش والطير والبهائم فكان كل جنس يأتي إلي صورته ويألفها فيؤخذ باليد وينتفع به.

وعملت لولدها متنزها لأنه كان يحب الصيد ، فجعلت فيه مجالس مركبة على أساطين من مرمر مصفحا بالذهب ، مرصع بالجواهر والزجاج الملون ، وزخرفته بالتصاوير العجيبة والنقوش ، فكان الماء يطلع من فورات ، وينصب إلي أنهار قد صفحت الفضة تجرى إلي حدائق فيها بديع الفروشات ، وقد أقيم حولها تماثيل تصفر بأصناف اللغات ، وأرخت علي المجالس ستورا من ديباج ، واختارت لولدها من حسان بنات عمه وبنات الملوك وأزوجته ، وحولته إلى هذه الجنة ، وبنت حول تلك الجنة مجالس للوزراء والكهنة وأشراف أهل الصناعات ، فكانوا يرفعون إليه جميع ما يعملونه ، فإذا فرغوا من أعمالهم ، حمل إليهم الطعام والشراب.

وكان ميلاطس تقلد الملك بعد أبيه [ق ٣٦ ب] وهو صبي وكانت أمه مدبرة الملك ـ وهي حازمة مجربة ـ فأجرت الأمور على ما كانت عليه في حياة أبيه ، وأحسنت وعدلت في الرعية ، ووضعت عنهم بعض الخراج.

وكانت أيامه سعيدة كلها في الخصب الكثير والسعة للناس والعدل. وكان له يوم يخرج فيه إلي الصيد ، ويرجع إلي جنته فيأمر لكل من معه بالجوائز والأطعمة ويجلس للنظر يوما في مصالح الناس وقضاء حوائجهم ، ويخلو يوما بنسائه.

وكان ملكه ثلاث عشرة سنة فلما هلك من بعده فرسول بن قليمون بن أتريب فعمل منارا على بحر القلزم وعلي رأسه مرآة تجتذب [بها] المراكب إلي شاطىء البحر فلا يمكنها أن تبرح إلا أن تعشر ، فإذا عشرت سارت. ولما مات دفن خلف الجبل الأسود الشرقى ، وكان ملكا حكيما محبا للنجوم والعلوم والحكمة فعمل في أيامه درهم إذا ابتاع [به] صاحبه شيئا اشترط أن يزن له يبتاعه منه بوزن الدرهم ، ولا يطلب عليه زيادة فيغتر البائع بذلك ويقبل منه الشرط فإذا تم ذلك بينهما ، ووقع الوزن بالدرهم فيدخل قبالته جميع الأصناف [ق ٣٧ أ] ولا تعد له ، وقد وجد هذا الدرهم في كنوزهم ، ثم في خزائن بني أمية وكان الناس يتعجبون.

ووجدوا دراهم أخر قيل أنها عملت في وقته أيضا ، ومن شأن هذا الدرهم إذا أراد أن يبتاع حاجة أخذ ذلك الدرهم وقبله وقال له : أذكر العهد وابتاع به ما أراد. فأذا أخذ

٥١

السلعة (١) ومضي بها إلي بيته ، وجد الدرهم قد سبقه إلي منزله ويجد البائع ذلك الدرهم ورقة آس أو قرطاس أو مثل ذلك الدرهم. وفي وقته أيضا عملت الآنية الزجاج التي توزن ، فإذا ملئت ماء أو غيره ثم وزنت لم تزد عن وزنها الأول شيئا. وعمل فى وقته الآنية التي إذا جعل فيها الماء صار خمرا في لونه ورائحته وفعله.

وقد وجد من هذه الأنية باطفيح في إمارة هارون بن خماروية بن أحمذ بن طولون ، شربة جزع بعروة زرقاء [ببياض](٢) وكان الذي وجدها أبو الحسن الصايغ الخراسانى هو ونفر معه ، فأكلوا على شاطىء وشربوا بها الماء فوجدوه خمرا سكروا منه وقاموا ليرقصوا. [ق ٣٧ ب] فوقعت الشربة فانكسرت عدة قطع ، فأغتم الرجل وجاء بها إلي هارون فأسف عليها.

وقال : لو كانت صحيحة لأشتريتها ببعض ملكى.

وأما الآنية النحاسية التي تجعل الماء خمرا ، فإنها منسوبة إلي قلوبطرة بنت بطليموس ملكة الأسكندرية.

وفي الوقت أيضا عملت الصور الحيثمية من الضفادع والخنافس والذباب والعقارب وسائر الحشرات وكانت إذا جعلت في موضع اجتمع إليها ذلك الجنس ولا يقدر علي مفارقة تلك الصورة حتي يقتل ، وكأنه يعمل أعماله كلها بصور درج الفلك وأسمائها وطوالعها ، فيتم له من ذلك ما يريده.

وعمل في صحراء الغرب ملعبا من زجاج ملون في وسطه قبة من زجاج أخضر صافي اللون ، فإذا طلعت عليها الشمس ألقت شعاعها علي مواضع بعيدة ، وعمل في جوانبه الأربعة مجالس عالية من زجاج ، لكل مجلس لون ونقش عليها بغير لونها الأول [ق ٣٨ أ] وعمل طلسمات عجيبة ونقوشات غريبة وصورا بديعة ، كل ذلك من زجاج مطبق يشف.

وكان يقيم في هذا الملعب الأيام ، وعمل له ثلاثة أعياد في كل سنة ، فكان الناس يحجون إليه في كل عيد ، ويذبحون له ويقمون فيه سبعة أيام.

__________________

(١) وردت فى الأصل (البيعة).

(٢) ورد فى الأصل «بيض».

٥٢

ولم يزل هذا الملعب تقصده الأمم ، فإنه لم يكن له نظير ولا عمل في العالم مثله إلى أن هدمه بعض الملوك لعجزه عن عمل مثله.

ويقال أن العقيان قد كثرت في أيامه بمصر وأضرب بالناس ، فأحضر الملك الكاهن وسأله عن سبب كثرتها ، فقال : إن إلهك أرسلها لتعمل لها نظيرا وتسجد له.

فقال : إن كان يرضيه ذلك ، فأنا أفعله. فقال إن ذلك رضاه فأمر بعمل عقاب طوله ذراعان في عرض ذراع من ذهب مسبوك ، وعمل له وشاحين من لؤلؤ منظوم على أنابيب من جوهر أخضر ، وفى منقاره درة معلقة وسروله بأدرك أحمر ، وإقامة على قاعدة من فضة منقوشة ، قد ركبت علي قائمة من زجاج أزرق ، وجعله في أزج ـ يمين الهيكل وألقي عليه ستور الحرير وجعل يقرب له عجلا أسود [ق ٣٨ ب] وبكارة الفراريح وباكورة الفواكه والرياحين.

فلما تمت له سبعة أيام دعاهم إلى السجود فأجابه الناس ، ولم يزل الكاهن يجهد نفسه في عبادة العقاب وعمل له عيدا.

فلما تم له أربعون يوما نطق الشيطان من جوفه ، وكان أول من دعاهم إليه أن يبحر له في أنصاف الشهور بالمندل ويرش العتيق التي يؤخذ من روءس الخوابي وعرفهم أنه قد أزال عنهم العقيان وضررها ، وكذلك يفعل في غيرها مما يخافون.

فسر الكاهن لذلك وتوجه إلى أم الملك يعرفها ذلك ، فسارت إلي الهيكل وسمعت كلام العقاب ، فسرها ذلك وأعظمته ، وبلغ ذلك الملك فركب إلى الهيكل حتى خاطبه وأمره ونهاه.

فسجد له وأقام له سدنة ، وأمر أن يزين بأصناف الزينة ، فكان يقوم بهذا الهيكل ويسجد لتلك الصورة ويسألها عما يريد فتخبره.

وعمل من الكيمياء ما لم يعمله أحد من الملوك ، فيقال أنه دفن في صحراء الغرب [خمسمائة دفين](١) ويقال أنه عمل على باب مدينة صا عمودا عليه صنم في صورة امرأة جالسة وفي يدها مرآة تنظر إليها ، وكان العليل يأتى إلى هذه المرآة وينظر فيها [ق ٣٩ أ] ـ أو ينظر له أحد فيها ، فإن كان يموت من علته تلك رأوه ميتا ، وإن كان يعيش رأه حيا وينظر فيها أيضا للمسافرين فإن رأوه مقبلا بوجهه علموا أنه راجع ، وإن رأوه موليا علموا أنه يتمادى في سفره ، إن كان مريضا أو ميتا رأوه كذلك في المرآة.

__________________

(١) وردت على هامش المخطوطة.

٥٣

وعمل بالأسكندرية [أيضا] صورة راهب جالس علي قاعدة وعلي رأسه صفة برنس ، وفي يده عكاز فإذا مر به تاجر جعل بين يديه شيئا من المال على قدر بضاعته ، فإن تجاوزه ولو يمن بعد من غير أن يضع بين يديه المال ، لم يقدر علي الجواز وثبت قائما مكانه ، فكان يجتمع من ذلك مال عظيم يفرق للفقراء والمساكين وعمل في زمنه كل أعجوبة ظريفة ، وعمل لنفسه ناووسا في داخل أرض الغرب عند جبل يقال له سدام وعمل تحته أزجا طوله مائة ذراع ، وأرتفاعه ثلاثون ذراعا وعرضه عشرون ذراعا بالمرمر والزجاج الملون وسقفه بالحجارة وعمل دار به مساطب من زجاج علي كل مسطبة أعجوبة ، وفي وسط الأرج دكة من زجاج علي كل ركن من أركانها صورة تمنع من الدنو إليها [ق ٣٩ ب] وبين كل صورتين منارة عليها حجر يضىء ، وفى وسط الدكة حوض من ذهب فيه جسده بعد ما ضمد بالأدوية الماسكة ، ونقل إليه ذخائره من الذهب والجواهر وغيره ، وسد باب الأزج بالصخور والرصاص ، وهيل عليها الرمال.

وكان ملكه ثلاثا وسبعين سنة ، وعاش مائتين وأربعون سنة وملك ولده من بعده ايساد فعمل مرآة في مدينة منف تري الأوقاف التي تخصب فيها مصر وتجدب ، وبنى بداخل الواحات مدينة ، ونصب قرب البحر أعلاها كثيرة.

وعمل خلف المقطم صنما يقال له صنم الحيلة ، فكان كل من تعذر عليه أمر يأتيه ويبخر فيتسر ذلك الأمر له. وجعل بحافة البحر المالح منارا يعلم منه أمر البحر وما يحدث فيه ، من أقصي ما يصل إليه البصر علي مسيرة أيام ، وهو أول من أتخذها ويقال أنه بني أكثر مدينة منف.

ولما تدارس (١) بن صا الأحياز كلها بعد أبيه ، وصفا له ملك مصر ، بني في غربي مدينة منف بيتا عظيما من كوكب الزهرة ، وأقام فيه أصناما عظيمة من لاروزد مذهب وسورها بسوارين من زبرجد أخضر [ق ٤٠ أ]. فمنها صنم في صورة امرأة لها ضفيرتان من ذهب أسود مدبر ، وفى رجليها خلخالات من حجر أحمر شفاق ونعلان من ذهب وبيدها قضيب مرجان وهي تشير بسباتها كأنها تسلم على من في الهيكل.

وجعل حداها تمثال بقرة ذات قرنين وضرعين من نحاس أحمر مملوء بذهب ، وفرش الهيكل بحشيشة الزهرة يبدلونها فى كل سبعة أيام.

__________________

(١) ورد عند المقريزى (بدراس).

٥٤

وجعل في الهيكل كراسى للكهنة قد صفحت بالذهب والفضة ، وكان يقرب لهذا الأصناف ألف رأس من الضأن والماعز والوحش والطير ، وكان يحضر يوم الزهرة ويطوف بتلك الصنم التي علي صورة المرأة ، ولم يزل هذا الهيكل إلي أن هدمه بخت نصر ، ويقال كان في غربي مصر مدينة يقال لها هرميدة بها قوم من البربر قد ملكوا عليهم امرأة ساحرة فغزاهم ماليق ، فلم ينل منهم قصدا ورجع فارادت ملكتهم إفساد أرض مصر ، فعملت من سحرها شيئا وارمته في البحر ففاض الماء علي المزارع حتي أفسدها وكثرت التماسيح والضفادع وفشت الأمراض في الناس فأثارت فيهم [٤٠ ب] الثعابين والعقارب فأحضر ماليق الكهنة والحكماء في دار حكمتهم ، وألزمتهم بالنظر لذلك فنظروا في نجومهم فرأوا أن الآفة أتتهم من ناحية الغرب فعلموا حينئذ أنه من فعل تلك الساحرة فأجتهدوا في دفع ذلك بما عندهم من العلم حتي انكشف عنهم الغمة العظيمة. وفي أيام دارم بن الريان وهو فرعون الرابع الذى يقال عبد القبط درعوش ظهر معدن الفضة على ثلاثة أيام من النيل فأثاروا منه شيئا عظيما. وعمل صنما علي اسم القمر لأن طالعه كان برج السرطان ونصبه علي الرخام الذي بناه أبوه في شرقي النيل ونصب حوله أصناما كلها من الفضة وألبسها الحرير الأحمر ، وعمل للصنم عيدا ، كلما دخل القمر برج السرطان.

ولما ولي اكسايس وهو فرعون السادس أقام أعلاما كثيرة حول منف وجعل عليها أساطين يمشى من بعضها إلى بعض وعمل كوة من فضة ونقش عليها صورة الكواكب ودهنها بالدهن الصيني ، وأقامها علي منار في وسط منف.

وعمل أيضا ميزان بكفتين من ذهب فكان معلقا في هيكل الشمس [ق ٤١ أ] وكتب على إحدي كفتيه حق ، والأخري باطل ، وتحته فصوص قد نقش عليها اسم الكوكب ، فيدخل الظالم والمظلوم ويأخذ كل واحد منهما فصا من تلك الفصوص ، ويسمى عليه ما يريده ، ويجعل أحد الفصين في كفة ، فتثقل كفة الظالم وترفع كفة المظلوم.

ولما أراد السفر أخذ فصين وذكر علي أحدهما اسم السفر ، وعلي الآخر الإقامة ، وجعل كل واحد في كفة فإن ثقلا جميعا ولم يرتفع أحدهما علي الآخر أقام وأن ارتفعا سافر وإن ارتفع أحدهما عن الآخر تأخر السفر ثم سافر وكذا من عليه دين أو من له غايب أو ينظر في إصلاح أمره وفساده ، ويقال أن بختنصر لما دخل إلي مصر حمل هذا الميزان قيما حمله إلي بابل ، وجعله في بيت من بيوت النار. وعمل في أيامه أيضا تنورا ويشوى فيه من غير نار

٥٥

ويطبخ فيه بغير نار وسكين تنصب فإذا رآها شيء من البهائم أقبل حتي يذبح نفسه بها ، وعمل ما يستحيل نارا والنار تستحيل هواء وشيئا من النيرجيات كثيرة. وقال [٤١ ب] ابن وصيف شاه : من أن سوريد الذي بني الأهرام هو الذى بني البرابي كلها ، وعمل فيها الكنوز وزبر عليها علوما ، ووكل بها روحانية تحفظها ممن يقصدها.

قال في كتاب الفهرست : (١) وبمصر أبنية يقال ها البرابي والحجارة العظيمة الكبيرة وهى علي أشكال مختلفة وفيها مواضع الصحن والسحق والحل والعقد ، وهذا يدل علي أنها عملت لصناعة الكيمياء. وفي هذه الأبنية نقوش وكتابات لا يدرى ما هى :

قال ابن عبد الحكيم : لما أغرق الله آل فرعون بقيت مصر بعد غرقهم ليس فيها من أشراف أهلها أحد ، ولم يبق بها إلا العبيد والاجراء والنساء ، فأجمع رأيهن أن يولين امرأة منهن يقال لها دلوكة ، وكان لها عقل ومعرفة وتجارب ، وكانت يومئذ بنت مائة وستين سنة ، فملكوها عليهم ، فخشيت أن تتهاوت بها ملوك الأرض فجمعت نساء الأشراف وقالت لهن : أن بلادنا لم يكن يطمع فيها أحد ولا يمد عيناه إليها ، وقد هلك أكابرنا وأشرفنا وذهب السحرة الذين كنا نقوى بهم ، وقد رأيت [ق ٤٢ أ] أن ابنى سورا أصون به جميع بلادنا ، وأضع عليه الحرس من كل ناحية ، فأنا لأنا من أن يطمع فينا الناس ، فبنت جدارا أحاطت به علي جميع أرض مصر كلها [المزارع] والمدائن والقرى ، وجعلت فيه محارس على كل ثلاثة أميال حرس وفيما بين ذلك مخارس صغار علي كل ميل ، وجعلت في كل محرس رجالا ، وأجرت عليهم الأرزاق وأمرتهم أن يحرسوا بالأجراس فإذا أتاهم من يخافونه ضرب بعضهم إلى بعض الأجراس فيأتيهم الخبر من أي وجه كان في ساعة واحدة فينظروا في ذلك ... فمنعت بذلك مصر ممن أرادها.

وفرغت من بنائه فى ستة أشهر وهو الجدار الذى يقال جدار العجوز بمصر ، وقد بقيت بالصعيد منه بقايا كثيرة.

قال المسعودى : وقيل إنما بنته خوفا على ولدها ، وكان كثير القنص فخافت عليه من سباع البر والبحر من التماسيح وغيرها ..

__________________

(١) وصاحبه محمد بن إسحاق بن محمد بن إسحاق أبو الفرج بن أبي يعقوب النديم صاحب الفهرست من أقدم كتب التراجم ومن أفضلها وهو بغدادى ، يظن أنه كان وراقا يبيع الكتب ، وكان معتزليا متشيعا يدل كتابه على ذلك ، مات سنة ٤٣٨ ه‍ / ١٠٤٧ م.

٥٦

قال المقريزى رحمه الله أخبرنى الشيخ المعمر محمد بن المسعودى : أنه سار فى بلاد الصعيد [ق ٤٢ ب] على حائط العجوز ومعه رفقه ، فاقتلع أحدهم منها لبنة ، فإذا هى كبيرة جدا بخلاف المعهود الآن من اللبن في المقدار ، فصار القوم يتأملونها ، وبينما هم في رؤيتها إذ سقطت منهم إلى الأرض فأنقلقت فخرج منها قوله في غاية الكبر الذى يتعجب منه لعدم مثله في زماننا فقشروا ما عليها فوجدوها سالمة من السوس والعيب ، كأنها قريب عهد بحصادها لم يتغير فيها شيء فأكلها الجماعة قطعة قطعة وكأنها خبئت لهم من الزمن القديم والأعصر الخالية.

قال ابن عبد الحكيم : ثم أن ساحرة يقال لها تدوره (١) ، وكانت السحرة تعظمها وتقدمها في علمهم وسحرهم. فبعث إليها دلوكة ابنة زبا [يقال](٢) : أنا قد احتجنا إلى سحرك ، ولا نأمن أن نطمع فينا الملوك ، فأعمل لنا شيئا يغلب به من حولنا ، فقد كان فرعون يحتاج إليك ، فكيف وقد ذهب أكابرنا في الغرق مع فرعون موسي فعملت بربا من حجارة في وسط مدينة منف ، وجعلت له أربعة أبواب ، كل باب منها إلى جهة وصورت فيها صور الخيل والبغال والحمير والإبل والسفن والرجال. وقالت لهم : قد عملت [ق ٤٣ أ] لكم عملا يهلك به كل من أتاكم من كل جهة فأنهم إن كانوا فى البر على خيل أو بغال أو إبل أو في سفن أو رجاله تحركت هذه الصور من جهتهم التى يأتون منها فما فعلتم بالصور من شيء أصابهم مثل ذلك في أنفسهم علي ما تفعلون بهم.

فلما بلغ من حولهم من الملوك ذلك وأن ولاة مصر قد صارت مع النساء طعموا فيها وتوجهوا إليهم ، فلما دنوا من عمل مصر دخلوا إلى تلك الصور الذى البريا وقطعوا رءوسها وفققوا أعينها ونقروا بطونها فأثر مثل ذلك بالخيل التي أرادتهم فتبادرهم الناس.

وكان نساء أهل مصر حين غرق فرعون وقومه ، ولم يبق إلا العبيد والإجراء ، لم يصبرن عن الرجال فبادرت المرأة بعتق عبدها وتتزوجه ، ونتزوج الأخرى أجبرها وشرطن على الرجال أن لا يفعلوا شيئا إلا باذنهن فأجابوا هن إلى ذلك ، فكان أمر النساء علي الرجال من ذلك الوقت.

__________________

(١) وردت عنذ المقريزى (بدور).

(٢) إضافة من عندنا.

٥٧

قال يزيد بن أبي حبيب : أن نساء القبط على ذلك [ق ٤٣] إلى اليوم أتباعا لمن مضى منهم ، لا يبيع أحدهم ولا يشترى إلا قال استأمر امرأتى حتي بلغ صبي من أكابرهم وأشرافهم ، يقال له دركون بن بلوطس فملكوه عليهم.

فلم تزل مصر ممتنعة بتدبير تلك العجوز نحوا من أربعمائة سنة. وكلما انهدم من ذلك البربا شيء من الذى فيه الصور ، لم يقدر أحد على إصلاحه إلا تلك العجوز وولدها وولد ولدها ، وكانوا أهل بيت لا يعرفون ذلك غيرهم ، فانقطع أهل ذلك البيت ، وانهدم من البربا موضع في زمان لقاس بن مرنيوس فلم يقدر أحد علي إصلاحه ومعرفة علمه وبقى على حاله وانقطع ما كتانوا يقهرون به الناس.

فلما قدم بختنصر بيت المقدس وظهر علي بنى إسرائيل وسباهم ، وخرج [بهم] من أرض بابل ، قصد مصر وخرب مدائنها وقراها ، وسبى جميع أهلها ولم يترك بها شيئا حتى بقيت مصر أربعين سنة خرابا ليس فيها مساكن ويجري نيلها ويذهب لا ينتفع ، ثم رد أهل مصر إليها بعد أربعين نسة فعمروها.

وقال بعض الحكماء : رأيت البرابي وأخذت أتأملها فوجدتها مشتملة على جميع أشكال الفلك والذى ظهر أنه لم [ق ٤٤ أ] يعملها حكيم واحد ولا ملك واحد ، بل تولى عملها قوم بعد قوم حتى تكاملت في دور كامل وكانوا يجعلون الكتاب حفرا نقرا في الصخور ونقشا في الحجارة وحلقته مركبة في البنيان يريدون بذلك تخليد ذكرهم.

وقد كتب غير المصريين كذلك كما كتبوا على قبة غمدان وعلى باب القيروان وعلي باب سمرقند وعلى عمود مأرب وعلى ركن المقشر وعلى الأبلق المفرد وعلى باب الرها فكانوا يعمدون إلى الأماكن المشهورة والمواضع المذكورة فيضعون الخط في أبعد المواضع من الدثور وأمنعها من الدروس.

قال المسعودى : وأتخذت دلوكة بمصر البرابى والصور ، وأحكمت آلات السحر ، وجعلت في البرابي صور من يرد من كل ناحية ودوابهم أبلا كانت أو خيلا ، وصورت فيها من يرد من البحر من المراكب من بحر الغرب والشرق وجمعت فى هذا البرابي العظيمة المشيدة البنيان أسرار الطبيعة وخواص الأحجار وجعلت ذلك فى أوقات فلكية ، وأيضا لأنها بالمؤثرات العلوية فكانوا إذا أورد إليهم جيش من نحو الحجاز واليمن عورت تلك الصور التى في البريا من الإبل

٥٨

وغيرها ، فيتعور [ق ٤٤ ب] عيون الإبل من الجيش وإذا كان الجيش من نحو الشام ما فعل بما وصفنا فى تلك الصور التى من تلك الجهة وكذلك من ورد من جيوش الغرب ، ومن ورد فى البحر غير ذلك فمابتهم الملوك والأمم ومنعوا ناحيتهم من عدوهم ، واتصل ملكهم بتدبير هذه العجوز وأثقالها وأتقانها لزم أقطار المملكة وأحكامها. وقد تكلم من سلف وخلف فى [هذه] الخواص ، وأسرار الطبيعة التى كانت ببلاد مصر ، وهذا الخبر من فعل العجوز مستفيض لا يشكون فيه.

والبرابى بمصر من صعيدها وغيره باقية إلى هذا الوقت ، وفيها أنواع الصور مما إذا صورت فى بعض الأشياء أحدثت أفعالا على حسب ما رسمت له وصنعت من أجله على حسب قولهم فى الطبائع التام والله أعلم.

وقيل عن أبى الفيض ذي النون بن إبراهيم المصرى الأخميمى الزاهد ـ وكان حكيما ، وكانت له طريقة يأتيها ، وكان ممن يقر عن أخبار البرابي.

قال : رأيت فى بعض البرابى كتابا تدبرته ، فإذا فيه : يقدر المقدر والقضاء يضحك. ومن آخره كتابه فى ذلك العلم فوجدتها بيت شعر [يقول] [ق ٤٥ أ].

تدبر بالنجوم ولست تدرى

ورب النجم يفعل ما يريد

قال : وكانت هذه الأمة التى اتخذت هذه البرابى ، لهجة بالنظر في أحكام النجوم المواظبين على معرفة أسرار الطبيعة وكان عندها مما دلت عليه أحكام النجوم أن طوفانا سيكون بالأرض أنه أنار تأتي على الأرض فيحرق ما عليها أو ماء يغرقها أو سيف يبيد أهلها.

فخافوا دثور العلوم وفناؤها بفناء أهلها فأتخذوا هذه البرابي ورسموا فيها علومهم في الصور والتماثيل والكتابة وجعلوا بنيانها نوعين : طينا وحجارة وفرزت ما بني بالطين مما بني بالحجارة. وقالوا : إن كان هذا الطوفان نارا استحجر ما بنينا بالطين وبقيت هذه العلوم ، وإن كان الطوفان الوارد ماء أذهب ما بينها بالطين ويبقي ما بنينا بالحجارة ، وإن كان الطوفان سيفا بقي كل من النوعين مما هو من الطين ، وما هو في الحجر وهذا ما قيل والله أعلم ..

وأن الطوفان الذى كانوا يرتقبونه ويقولون نار هو أم ماء أم سيف فكان سيفا فى جميع أهل مصر من بختنصر لما ملك مصر وسبي من بها [ق ٤٥ ب] وأباد أهلها. ومنهم من رأى أن

٥٩

ذلك الطوفان كان وباعم أهلها ومصداق ذلك ما يوجد بلاد تنيس في التلال المنضدة من صغير وكبير وذكر وأنثى كالجبال العظام وهى المعروفة ببلاد تنيس من أرض مصر بذات الكوم وما يوجد ببلاد مصر وصعيدها من الناس المعلسين بعضهم على بعض في الكهوف والغيران والنواويس ومواضع كثيرة من الأرض لا يدرى من أى الأهم هم فلا النصارى تخبرهم أنهم من أسلافهم ولا اليهود يقولون أنهم من أسلافهم ولا المسلمون يدرون من هؤلاء ولا تاريخ ينبىء عن حالهم وعليهم أثوابهم وكثيرا ما يوجد في تلك البرابى والجبال ببلاد مصر بنيان قائم عجيب ببلاد أخميم والبريا الذى ببلاد سمنود وغير ذلك.

ذكر الدفائن والكنوز

التى يسمونها

أهل مصر المطالب

قال الأصل فى جواز تتبع الدفائن ما ورده أبو عمرو بن عبد البر [ق ٤٦ أ] من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم : لما انصرف من الطائف ، مر بقبر أبي رغال (١) فقال هذا قبر أبي رغال وهو أبو ثقيف ، كان إذا أهلك الله قوم صالح في الحرم فمنعه الله.

فلما خرج من الحرم رماه الله بقارعة وآية وذلك أنه دفن معه عمرو بن ذهب فابتدر المسلمون قبره واستخرجوا العمود منه.

ومن حديث عبد الله بن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر. فقال هذا قبر أبي رغال ، وكان بهذا الحرم يدفع عنه ، فلما خرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه وآية ذلك أنه دفن معه ، فابتدره الناس فأخرجوا العصا الذى كان معه.

__________________

(١) هو أبو رغال قسي بن منبه بن البنيت بن يقدم من بني إياد صاحب القبر الذى يرجم إلى اليوم بين مكة والطائف وهو جاهلى ، اختلفوا في اسمه ونسبه ومنشأه مات نحو ٥٠ ق. م / ٥٧٥ م.

٦٠