نزهة الأمم في العجائب والحكم

ابن إياس

نزهة الأمم في العجائب والحكم

المؤلف:

ابن إياس


المحقق: الدكتور محمّد زينهم محمّد عزب
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة مدبولي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٩

[ق ٢٢٣ أ] وملك بعده ابنه قسطنطين الأصغر ، وقد كان الصليب بمصر موسم عظيم تخرج إليه سائر الناس إلى بنى وائل بظاهر القاهرة ويتظاهرون فى ذلك اليوم بالمنكرات من أنواع المحرمات ويخرجوا فيه عن الحد.

فلما كانت الدولة الفاطمية بمصر وبنوا القاهرة واستوطنوها وكانت فى خلافة العزيز بالله إلى رابع شهر رجب سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة فلما كان يوم عيد الصليب أرادت الناس أن تخرج إلى بنى وايل على جرى عاداتهم فمنعوهم من ذلك وضبطت الطرق والدروب ، ثم أعيد ذلك فى سنة أثنين وثمانين وثلاثمائة وخرج الناس إلى بنى وأيل على عاداتهم من الاجتماع واللهو ، ثم بطل ذلك حتى لم يلد يعرف فى هذه الأيام بديار مصر ودثر كما دثر غيره.

والنوروز هو أول السنة القبطية وهو أول يوم من توت وسنتهم فيه أشعال النيران والرش بالماء ، وكان من مواسم المصريين قديما وحديثا [ق ٢٢٣ ب] قال الحافظ أبو الحافظ أبو القاسم على بن عساكر فى تاريخ دمشق من حديث ابن عباس رضى الله عنه قال أن فرعون لما قال للملأ من قومه أن هذا الساحر عليهم ، وقالوا له ابعث إلى السحرة ، فقال فرعون لموسى يا موسى اجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت فتجمع أنت وهارون وتجتمع السحرة ، فقال موسى موعدكم يوم الزينة.

قال ووافق ذلك يوم السبت فى أول يوم من السنة وهو يوم النوروز ويقال أول من أحدثه جمر شيد أحد ملوك الفرس وكان قد ملك الأقاليم السبعة فلما تكمل ملكه ولم يبق له عدو أتخذ ذلك اليوم عيدا وسماه نوروزا أى اليوم الجديد.

وقيل إن سليمان بن داود عليه السلام أول من وضعه وهو اليوم الذى رجع إليه فيه خاتمه. وقيل هو اليوم الذى شفى فيه أيوب عليه السلام وقال له الله سبحانه وتعالى (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ)(١) [ق ٢٢٤ أ] فجعل ذلك اليوم عيدا وسنوا فيه رش الماء ويقال كان بالشام سبط من بنى إسرائيل أصابهم الطاعون فخرجوا إلى العراق فبلغ ملك العجم فأمر أن بنى عليهم حظيرة ويجعلون فيها ، فلما صاروا فيها ماتو جميعا وكانوا أربعة آلاف رجل ، ثم أن الله أوحى إلى نبى ذلك الزمان أذهب إلى بلاد كذا وكذا فحارب سبط بنى فلان فقال يا رب وكيف أحاربهم وقد ماتوا فأوحى الله إليه إنى أحيهم لك فأمطر الله عليهم فى تلك الليلة وهم فى الحظيرة فأصبحوا أحياء فهم الذين قال الله فيهم (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ

__________________

(١) ٣٢ ك ص ٣٨.

٢٤١

وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ)(١) فرفع أمرهم إلى ملك فارس. فقال تبركوا بهذا اليوم ورشوا بعضكم بعضا فيه بالماء وكان ذلك اليوم يوم النوروز فصارت سنة إلى هذا اليوم.

وقال على بن حمزة الأصفهانى فى كتاب أعياد الفرس أن [ق ٢٢٤ ب] أول من أتخذ النوروز جمشيد وقيل جمشاد أحد ملوك الفرس الأول ومعنى النوروز وهو اليوم الجديد ، والنوروز عند الفرس يكون يوم الأعتدال الربيعى كما أن المهرجان أول الأعتدال الخريفى ويزعمون أن النوروز أقدم من المهرجان ويقولون أن المهرجان كان فى أيام أفريدون وأنه أول من عمله وذلك لما قتل الضحاك وهو بيورانيب فجعل يوم قتله عيدا وسماه المهرجان ، وكان حدوثه بعد النوروز بألفى سنة.

وقال ابن وصيف شاه فى ذكر منادش بن منقاوش أحد ملوك القبط فى الدهر القديم وهو أول من عمل النوروز بمصر وكانوا يقيمون سبعة أيام يأكلون ويشربون إكراما للكواكب السبعة.

وقال ابن رضوان : ولما كان النيل هو السبب الأعظم فى عمارة أرض مصر رأى بعض ملوك مصر أن يجعل أول السنة أول الخريف عند استكمال [ق ٢٢٥ أ] النيل فجعل أول شهورهم توت بابه على ترتيب الشهور القبطية.

وقال ابن زولاق : وفى هذه السنة يعنى سنة ثلاث وستين وثلاثمائة منع أمير المؤمنين المعز لدين الله من وقود النيران ليلة النيروز فى السكك ، ومن صب الماء يوم النوروز ورأى من فعل ذلك فضربوا وطيف بهم على الجمال.

وقال ابن المأمون في تاريخه وحل موسم النوروز فى اليوم التاسع من رجب سنة سبع عشرة وخمسمائة وكان يحتمل فى يوم النوروز لأكابر مصر من القبط وغيرهم من أصناف البطيخ والرمان وتمرا جين الموز وأفراد البر وأقفاس الثمر القوس ومشتاب السفر جل وقدور الهريسة المعمولة من لحم الدجاج ولحم الضأن ولحم البقر من كل لون قدره ومعهم بطط الجلاب وغير ذلك.

وقال القاضى الفاضل فى متجددات سنة أربع وثمانين وخمسمائة ، ولما كان يوم النوروز وهو مستهل توت أول السنة [ق ٢٢٥ أ] القبطية وكان فى الأيام الماضية والدول الخالية من

__________________

(١) ٢٤٣ م البقرة : ٢.

٢٤٢

أجل المواسم بمصر فى اللهو والخلاعة وارتكاب المحرمات وأظهار الفواحش وغير ذلك وكان يركب فيه شخص من الخلعة يسمونه أمير النوروز ومعه جمع كبير ويتسلطوا على الناس والأكابر أى رسم ويرسم أميرهم على دور الأكابر ويكتب مناشير على أرباب الدولة بحسب ما يختار من الجمل الكبار ومن امنتع من الأعطاء يهدلوه ويسبوه ولا يزالوا مترسمين حتى يأخذوا معلومهم المقرر على أكابر الدولة فى كل سنة وكانت المونثون والفساق يجتمعون تحت قصر اللؤلؤة بحيث يشاهدهم الخليفة وبأيديهم الملاهى وترتفع الأصوات بالغنى ويشربون الخمر والمزر شربنا ظاهرا ولا ينكر عليهم ذلك فى هذا اليوم وكانوا يتراششون بالماء والخمر وبالماء الممزوج بالأقدار وأن غلط راببس وخرج من داره فى ذلك اليوم شوشوا عليه وأفسدوا ثيابه واستخفوا [ق ٢٢٢٦ أ] بحر منه ، فإما يغدى نفسه منهم بشىء وإلا بهدلوه ولم يزل الحال على ذلك بطول النهار من رش الماء وإفساد ثياب الناس.

وقال اقاضى الفاضل أيضا فى متجددات سنة أثنين وتسعين وخمسمائة وجرى الأمر فى يوم النوروز على العادة من رش الماء وقد استحدثوا فى هذا العام التراجم بالبيض والتصافع بالأنطاع وانقطعوا الناس فى ذلك اليوم عن الخروج من دورهم وكل من ظفروا به فى الطريق طرشوه بماء نجس وصفعوه بذلك الأنطاع ولم يزل يوم النوروز يعمل فيه ما ذكراه من الرش بالماء والتصافع بالجلود وغير ذلك من الأمور الشنيعة إلى أن كانت سنة سبع وثمانين وسبعمائة وكان يؤمئذ الأمر إلى الأمير الكبير برقوق قبل أن يجلس على سرير الملك ويتسلطن فمنع من اللعب فى يوم النوروز وتهدد من لعبه بالعقوبة فأنكفوا الناس عن [ق ٢٦٦ ب] اللعب من حينئذ وصاروا يعملون بعض شىء من ذلك فى الخلجان والبرك ونحوها من مواضع النزه بعد ما كانت أسواق القاهرة تتعطل في يوم النوروز من البيع والشراء ويتعاطى الناس فيه من اللهو واللعب ما يخرجون به عن انوروز وربما كان يقتل فيه الناس نحو أثنين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك إلى أن بطل على ي الملك الظاهر برقوق رحمه الله وقد قال بعضهم فى ذلك شعر :

ولما أتى النوروز باغاية المنى

وأنت على الأعراض والهجر والصد

بعثت بنار الشوق ليلا إلى الحبشى

فنورت صبحا بالدموع على الخد

وقال آخر فى المعنى :

كيف انتها جك بالنوروز يا سكنى

وكلما فيه يحكينى وأحكيه

فتارة كلهيب النار فى كبدى

وتارة كتوالى عبرتى فيه

٢٤٣

وقد كتب الشيخ عبد العظيم بن الجزار مراسله إلى بعض أصحابه فى يوم النوروز على سبيل المداعبة [ق ٢٢٧ أ] فقال :

كتبت بها فى يوم لهو وهامتى

تمارس من أبطاله ما تمارس

وعندى رجال للمجون ترجلت

عما يمهم عن هامهم والطيالس

وللرج ما رزت عليه حيونها

وللماء ما دارت عليه القلانس

مساحت من جر الزقاق على القفا

وأضعات انطاع جنى ويابس

٢٤٤

ذكر ما يوافق أيام الشهور

القبطية من الأعمال فى الزروعات

وزيادة النيل وغير ذلك عن ما نقله

أهل مصر من قدمائهم واعتمدوا

عليه فى أمورهم

أعلم أن المصريين القدماء اعتمدوا فى تاريخهم على السنة الشمسية ليصير الزمان محفوظا وأعمالهم واقعة فى أوقات معلومة من كل سنة لا يتغير وقت عمل من أعمالهم بتقديم ولا تأخير فأول شهورهم.

توت : بالقبطية وهو أيلول وكانت عادة أهل مصر فيه يستخرجوا الخراج عند تمام الماء وافتراشه على سائر الأراضى مصر ويقع تمام الزيادة فى ذلك الشهر ، ثم لا يزال النيل يتراجع فى الزيادة والنقصان حتى يفرغ شهر توت ، وفى أوله يكون يوم النوروز رابعة أول أيلول [ق ٢٢٧ ب] وفى سابعة يلفظ الزيتون وثانى عشرة يطلع الفجر بالصرفة وسابع عشرة يكون عيد الصليب ، وفيه يشرط البلسان وهو البلسم ويستخرج دهنه ويفتح ما تأخر من الترع وترتب المدامسية لحفظ الجسور ، وفى ثامن عشرة تنتقل الشمس إلى برج الميزان فيدخل فصل الخريف ، وفى خامس عشرينه يطلع الفجر بالقوا ويكثر صغر السمك وفيه يعم ماء النيل أراضى مصر وفيه تسجيل النواحى وتطلق التقاوى من سائر الغلال لتخضير الأراضى وفيه يدرك الرمان والبسر والرطب والزيتون والقطن والسفرجل ، وفيه يكون هبوب ريح الشمال ، أقوى من هبوب الجنوب وهبوب الصبا أقوى من آدبور وكان قدماء المصريين لا ينصبون فيه أساسات وكان فيه يكثر العنب الشتوى وتبدوا فيه المحمضات.

بابة : فى أوله يحصد الأرز ويزرع فيه الفول والبرسيم وسائر الحبوب التى لا يشق لها الأرض ، وفى رابعة أول تشرين الأول وفى ثامنه يطلع [ق ٢٢٨ أ] الفجر بالسمك وهو نهاية زيادة النيل في تاسعة يكون مجىء الكراكي إلى أرض مصر فى عاشره يزرع الكتان وفى ثانى عشرة يكون ابتداء شق الأرض بصعيد مصر لبذر القمح والشعير وفى ثامن عشرة نتقل الشمس

٢٤٥

إلى برج العقرب وفيه يقطع الخشب ، وفى تاسع عشرة يكون ابتداء نقصان النيل وتكثر فيه البعوض ، وفى حادى عشرينه يطلع الفجر بالعقر وفى هذا الشهر تصرف المياه عن الأراضى ويخرج المزارعون لتخضير الأراضى فيبدروا بزرع القرط وهو البرسيم ، ثم. بثيت الغلة البدرية أولا فأولا وفيه يستخرج ودهن الاس ردهن النوفر وفيه يدرك الثمر والزبيب والسمسم والقلقاس وفيه يكثر صغار السمك ويقل كباره ويسمن الرأى والابرميس من السمك وتستحكم حلاوة الرومان ويكون فى ذلك الشهر أطيب من سائر الشهور لتى قبلها وفيه تصنع الغنم الضأن والمعز والبقر الجنسية وفيه يملح السمك المعروفة بالبورى ، وفيه يهزل [ق ٢٢٨ ب] الغنم الضأن والمعز والبقر ولا يطيب لحومها وفه يدرك المخمصات وفيه يجب كتابة التذاكر بالأعمال وفيه يغرس المنثور ويزرع السلجم.

هاتور : فى خامسه يكون أول تشرين الثانى ويطلع الفجر بالزبانات فى رابعه وفى سادسه يزرع الخشخاش وفى سابعه يصرف ماء النيل عن أراضى الكتان ويبذر فى النصف منه تمام شهر يسبخ ، وفى ثامنه آوان المطر الموسمى وفى حادى عشرة تهب ريح الجنوب ، وفى خامس عشرة تبرد المياه بمصر ، وفى سابع عشرة يطلع الفجر بالأكليل ، وفى ثامن عشرة تحل الشمس فى برج القوس ، وفى تاسع يغلق البحر المالح ، وفى سابع عشرينه تهب الرياح اللواقح ، وفى هذا الشهر تلبس أهل مصر الصوف فى سابعة ، وفيه تكشف ما يحتاج إليه من قصب السكر برسم المعاصر وتزاح الغلة في جميع ما يحتاج إليه وفيه يدرك البنفسج والنوفر والمنثور من البقولات الأسبانج واللبسان [ق ٢٢٩ أ] وأخبر قدماء المصريين أن فى شهر هاتور تنصب الأساساة وفيه يزرع القمح وكان يكثر العنب الذى تحمل من قوص فى ذلك الشهر ، ثم بطل.

كيهك : أوله الأربعينيات بمصر وتدخل فيه الطير أوكارها ، وفى سادسه كان بشارة مريم يحمل عيسى عليهما السلام ، وفى سابعه يكون أول كانون الأول ، وفى عاشرة الليالى البلق وأولها هاتور فى حادى عشرة أول الليالى السود وتدخل فيه النمل إلى الأجحرة ، وفى ثالث عشرة يطلع الفجر بالشؤلة ويظهر فيه البراغيث ويسخن باطن الأرض ، وفى سادس عشرة يسقط ورق الشجر ، وفى سابع عشرة تنتقل الشمس إلى برج الجدى ويدخل فصل الشتاء ويزرع فيه الهليون ، وفى حادى عشرينه يكون آخر الليالى وفي ثانى عشرينه يكون البشارة للقبط ، وفى ثالث عشرينه تزرع الحلبة والترمس ، وفى سادس عشرينه يطلع الفجر بالنعائم ، وفى عشرينه يبيض النعام ، وفى تاسع عشرينه يكون [ق ٢٢٩ ب] الميلاد وفى هذا الشهر

٢٤٦

يزرع الخيار بعد غراق أرضه وفيه يتكامل بذر القمح والشعير والبرسيم الحرانى ، وفيه ترتب خراس الطير ، وفيه يكون كسر قصب السكر واعتصاره واستخدام الطباخين لطبخ البثور ، وفيه يكون إدراك النرجس والفول الأخضر والكرنب والجزر والكرات الأبيض واللفت وفيه يقل هبوب ريح الشمال ويكثر هبوب ريح الجنوب وفيه يزرع أكثر حبوب الحرث ولا يزرع بعده شىء في أرض مصر سوى السمسم والمقاتى والقطن.

طوبة : فى ثالثه يكون إبتداء زراعة الحمص والجليات والعدس وفى سادسه كانون الثانى ، وفى تاسعه يطلع الفجر باللبدة ، وفى عاشره يكون صوم الغطاس ، وفى حادى عشرة الغطاس ، وفي عشرة يشتد البرد ، وفى رابع عشرة يرتفع الوباء من مصر ، وفى يغرس النخل ، وفى سابع عشرة تحل الشمس أول برج الدلو ويكثر فيه [ق ٢٣٠ أ] النداء ويكون فيه ابتداء غرس الأشجار ، فى عشرينه يكون آخر الليالى السود ، وفي حادى عشرينه يكون أول ابتداء الليالى البلق الثانية ، وفي ثانى عشرينه يطلع الفجر بسعد الرابع ، وفى ثالث عشرينه تهب الرياح الباردة ، وفى رابع عشرينه يفرح جوارح الطير. وفى خامس عشرينه يكون نتاج الإبل المجمورة وفي سابع عشرينه يصفوا ماء النيل ، وفى ثامن عشرينه يتكامل إدراك القرط ، وفى الشهر تقلم الكروم وتنظف زروع الغلة من اللبسان وغيره ، وفيه تبرش الأراضى أول سكة بوسم الصيافى والمقات والقطن والسمسم ويثنى برشها فى أول أمشير وفيه يسقى أرض القلقاس والقصب ونشق الجسور فى آخره ، وفيه يستخرج أراضى الخرس وفيه يكسر القصب الرأسب بعد أفراد ما تحتاج إليه من الزريعة وهو لكل فدان طين قيراط طيب قصب رأس وفيه يهتم بعمارة السواقى وجغرافية الأبار ، وفيه [ق ٢٣٠ ب] يظهر اللوز الأخضر والنبق والهليون ، وفيه هبوب ريح الحبوب أكثر من هبوب ريح الشمال وهبوب الصبا أكثر من هبوب الدبور وفيه يكون الفول الأخضر والجزر أطيب منهما فى غيره وفيه يتناهى ماء النيل فى صفائه ويحرن فلا يتغير ولو طال مكثه ، وفيه يطيب لحوم الضأن وتربط فيه الخيول والبغال على القرط ، وفيه يطالب بثمن الخراج من الفلاحين.

أمشير : فى أوله يختلف الرياح وفى خامسه يطلع الفجر بسعد بلغ ، وفى سادسه يكون أول أشباط وفي تاسعه يجرى الماء فى العود وفى سابع عشرة تحل الشمس أول برج الحوت. وفى ثامن عشرة يخرج النمل من الأحجرة ، وفي تاسع عشرة يطلع الفجر بسعد السعود ، وفى عشرينه تنقل المرم ، وفي خامس عشرينه يورق الشجر وهو آخر غرسها وفى آخره يكون آخر الليالى البلق وفيه يقلع الشلجم ويستخرج خراجه وفيه يثنى برش الصيافى ويبرش أيضا ثالث

٢٤٧

سكة وفيه يعمل مقاطع الجسور [ق ٢٣١ أ] وتمسح الأراضى وترقد البيض فى المعامل أربعة أشهر آخرها بشنس ، وفيه يكون ريح الشمال أكثر الرياح هبوب وفيه ينبغى أن يعمل الخرق للماء فإن عمل فيه من أوانى الخرف للماء كان يبرد الماء فى الصيف أكثر من تبريد ما يعمل فى غيره من الشهور وفيه يتكامل غرس الشجر ويكثر فيه المنثور ويقال أمشير يقول للزرع سير ويلحق الطويل القصير ، وفيه يقل البرد ويهب الهواء الذى يسخن الماء فيه وفيه يأخذوا المقطعين ربع الخراج.

برمهات : أول يوم يطلع الفجر فيه بالأخبية ، وفى خامسه يحصن دود القز ، وفى سادسه يزرع السمسم وفى ثانى عشرة يقلع الكتان ، وفى رابع عشرة يكون أول الأعجاز ويطلع الفجر بالفرع المقدم ، وفى سادس عشرة يفتح الحيات أعينها ، وفى سابع عشرة تنتقل الشمس إلى برج الحمل وهو أول فصل الربيع ، وفى عشرينه يكون آخر الأعجاز ، وفى خامس عشرينه يظهر هوام الأرض ، وفى سابع عشرينه يطلع الفجر بالفرع المؤخر وفى آخره يتفرق السحاب ، وفى هذا الشهر يجرى المراكب السفرية فى البحر المالح إلى ديار مصر من المغرب والروم وفيه تزرع المقاتى والصيفى ويدرك الفول والعدس ويقلع الكتان ، وفيه يزرع أقصاب السكر فى الأراضى المبروشة المختارة لذلك البعيدة العهد عن لزراعة وفيه يؤخذ فى تحصيل النطرون وحمله من وادى هيب ري الشونة السلطانية وفيه يكون ريح الشمال أكثر الرياح هبوبا وفيه يزهد وتعقد أكثر الثمار وفيه يكون اللبن الرايب أطيب منه فى جميع الشهور التي يعمل فيها ، وفى برمهات يطالبوا الفلاحين بالربع الثانى والثمن من الخراج.

برمودة : فى سادسه أول نيسان ، وفى عاشره يطلع الفجر بالرشا ، وفى ثانى عشرة يقلع الفجل ، وفى سابع عشرة تحل الشمس أول برج الثور ، وفى ثالث عشرينه [ق ٢٣٢ أ] يطلع الفجر بالشرطين وهو رأس الحمل وأول منازل القمر ، وفيه ابتداء كسار الفول وحصاد القمح وهو ختام الرع الشتوى وفي هذا الشهر يهتم بقطع خشب السنط وفيه يكثر الورد ، وفيه يظهر الطن الأول من الجميز ، وفيه يقع المساحة على أهل الأعمال ويطالب الفلاح بنصف الخراج ويحصد بذرى الزرع فيه.

بشنس : فى خامسة تكثر الفاكهة وفى سادسه أول أيار وفيه يطلع الفجر بالطين ، وفى ثامنه يكون عيد الشهيد وفى تاسعه انفتاح البحر المالح وفى رابع عشرة يزرع الأرز ، وفى ثامن عشرة تحل الشمس أول برج الجوزاء وفيه يطيب الحصاد ، وفي تاسع عشر يطلع الفجر بالتريا وفيه يزرع السمسم ، وفى رابع عشرية يكون عيد البلسم بالمطرية ويزعمون أنه اليوم

٢٤٨

الذى دخلت فيه مريم إلى مصر ، وفي هذا الشهر يكون دراس الغلة ونقص الكتان وتحصل بزره وفيه يكثر التين وتحمل إلى مصر وفيه [ق ٢٣٢ ب] يستخرج دهن البلسم وفيه يزرع من شهر بؤونة إلى آخر هاتور وأصلح ما يكون طبح ذهنه فى فصل الربيع في برمهات وفيه أكثر ما يهب من الرياح الشمال ، وفيه يدرك التفاح القاسمى ويبتدى فيه التفاح المسكى والبطيخ العبدلى ويقال أنه أول ما عرف بمصر عندما قدم إليها عبد الله بن طاهر بعد المائتين من سنين الهجرة فنسب إليه وقيل العبدلى وفيه يبتدى البطيخ الحوفى والمشمش والخوخ الزهرى ويجيد الورد الأبيض ، وفيه يطالب الفلاح بما يضاف إلى المساحة من أبواب وجوه المال كالصرف والجهبذة وحق الراعى وفيه يستخرج تمام الربع بما تقررت عليه العقود والمساحة ويطلق الحصاد لجميع الناس.

بؤونة : فى ثانية يطلع الفجر بالدبران ، وفى خامسه يتنفس النيل ، وفى سابعة يكون أول حزيران ، وفى تاسعه أوان قطع النخل ، وفى حادى عشرة تهب رياح السموم ، وفى ثانى عشرة يكون عيد ميكائيل وتزل النقطة [ق ٢٣٣ أ] وفي ثالث عشرة يشتد الحر ، وفى خامس عشرة يطلع الفجر بالهقعة ، وفي عشرينه تحل الشمس أول برج السرطان وهو أول فصل الصيف ، وفى سابع عشرينه ينادى على النيل بما زاده من الأصابع ، وفى ثامن عشرينه يطلع الفجر بالهنعة ، وفيه تسافر المراكب لاحضار الغلال والتين والقنود والأعسال وغير ذلك من الأعمال القوصية ونواحى الوجه البحرى ، وفيه يقطف عسل النحل. وفيه تزرع النيلة بالصعيد الأعلى وتسقى كل عشرة أيام دفعتين ويقيم فى الأرض الحيدة ثلاث سنين ، وفى هذا الشهر ينمو التين الفيومى والخوخ الزهرى والكمثرى والقراصيا والقثاء والحصرم ويبتدى إدراك العصفر ، وفيه يدخل بعض العنب ويطيب التوت الأبيض والأسود والخيار وفيه يستخرج تمام نصف الخراج ما بقى بعد المساحة.

أبيب : فى سابعه أول تموز ، وفى عاشره أول قطع الخشب [ق ٢٣٣ ب] وفى حادى عشرة يطلع الفجر بالذراع ، وثانى عشرة ابتداء تعطين الكتان ، وفى خامس عشرة يقل ماء الآبار وفيه تدرك الفواكه ويموت الدود ، وفى حادى عشرينه تحل الشمس بأول برج الأسد وتذهب البراغيث ويبرد باطن الأرض وتهيج أوجاع ، وفى خامس عشرينه يطلع الفجر بالنثرة ، وفى سادس عشرينه يطلع الشعرى العيون اليمانية ، وفيه أكثر ما يهب من الرياح ريح الشمال ويكثر فيه العنب ويجوز فيه التين المقرون بمجىء العنب ويتغير فيه البطيخ العبدلى وتقل حلاوته ويكثر فيه الكمثرى السكرى ويطيب البلح ، وفيه يقوى زيادة النيل فيقال إذا دخل أبيب رى الماء

٢٤٩

زبيب ويباع البزر برسيم البدار ، وفيه يحصد القرطم ، وفيه يعصر الخمر من العنب والزبيب وهو أجود ما يكون إذا عمل فيه الخمر ويقال عند القبط فى أبيب بل الزبيب.

مسرى : فى سابعه يطلع الفجر بالطرف وفى ثامنه أول [ق ٢٣٤ أ] آب وفى حادى عشرة يجمع القطن وفي رابع عشرة يحمى الماء ولا يبرد وفى حادى عشرينه تحل الشمس برج السنبلة وفيه استكمال الثمار وفى عشرينه يطلع الفجر بالجبهة ، وفى ثالث عشرينه يكون آخر السموم ، وفى تاسع عشرينه يطلع سهيل بمصر.

وفى هذا الشهر يكون وفاء النيل وهو ستة عشر ذراعا. وفى ذلك يقول الشيخ تقى الدين ابن حجة فى واقعة حال.

أيا ملكا بالله صار مؤيدا

ومنتصبا فى ملكه نصب تميز

كسرت بمسرى سد مصر

وتنقضى وحقك بعد الكسر أيام نوروز

حتى قيل إذا لم يوف النيل فى مسرى فانتظره فى السنة الأخرى وفيه يجرى ماء النيل فى خليج الإسكندرية وتسافر فيه المراكب بالغلال والبهار وغير ذلك وفيه يكثر البسر ويدرك الموز وأطيب ما يكون الموز فيه ، وفى هذا الشهر يكون ابتداء إدراك الرملن ، وكذلك الليمون وإذا انقضت أيام [ق ٢٣٤ ب] أيام مسرى ابتدأت أيام النسبى وفيه تهيج النعام ويطلع الفجر بالخرتان ، وفى مسرى يغلق الفلاحون خراج أراضى زراعتهم.

٢٥٠

ذكر تحويل السنة الخراجية القبطية

إلى السنة الهلالية العربية وكيف

عمل ذلك فى الملة الإسلامية

وما السبب فيه

قال أبو الحسين بن أحمد بن أبى طاهر فى كتاب أخبار أمير المؤمنين المعتضد بالله أبى العباس أحمد بن أبى طلحة بن المتوكل ، قال أمر المعتضد بالله فى ذى الحجة سنة إحدى وثمانين ومائتين بتأخير النوروز لإحدى عشرة ليلة خلت من حزيران رأفة بالرعية وخرج التوقيع فى المحرم سنة أثنين وثمانين ومائتين بإنشاء الكتب إلى جميع العمال فى النواحى والأمصار بترك إفتتاح الخراج في النوروز الفارسى وأن يجعل فى الحادى عشر من حزيران ويسمى هذا النوروز المعتضدى ، وكان السبب فى نقل الخراج إلى حزيران في أيام المعتضد بالله مما حدث به أبو أحمد بن يحيى المنجم [ق ٢٣٥ أ] النديم.

قال كنت أحدث أمير المؤمنين المعتضد بالله فذكرت خبر المتوكل في تأخير النوروز فاستحسنه ، وقال : كيف كان ذلك قلت حدثنى أي قال دخل المتوكل قبل تأخير خبر النوروز فى بعض بساتينه فمر بزرع فرآه أخضر ، فقال : يا على إن الزرع أخضر بعد ما أدرك ، وقد استأمرنى عبيد الله بن يحيى فى استفتاح الخراج فكيف كانت الفرس تستفتح الخراج فى النوروز والزرع لم يدرك بعد ، قال فقلت له ليس يجرى الأمر اليوم على ما كان يجرى عليه فى أيام الفرس ولا النوروز فى هذه الأيام فى وقته الذى كان فى أيامى قال وكيف ذلك فقلت لأنها كانت تلبس فى كل مائة وعشرين سنة شهرا واحدا وكان النوروز إذا تقدم شهرا فيصير فى الخامس من حزيران ، وقد كبست ذلك الشهر فصار فى خامس أيار واسقطت شهرا ورددته إلى خامس حزيران فكان لا يتجاوز هذا ، فلما تقلد خالد بن عبد الله القسرى على العراق وحضر الوقت الذى [ق ٢٣٥ ب] يكبس فيه الفرس فمنعها من ذلك ، وقال : هذا من النسبى الذي نهي الله عنه حيث قال إنما النسبي زيادة في الكفر وأنا لا أطلقه حتي استاء مر فيه أمير المؤمنين فبدلوا علي ذلك ما لا جزيلا ، فامتنع قبول ذلك ، وكتب إلى هشام بن عبد الملك بعرفه بذلك

٢٥١

ويعلمه أنع من النسبي الذي نهي عنه ، فأمره بمتعهم من ذك ، فلما امتنعوا من الكبيس تقدم النوروز تقدما شديدا حتي صار يقع في نيسان والزرع أخضر فعند ذلك قال له المتوكل : فأعمل لهذا يا على عملا يرد النوروز فيه إلي وقته الذي كان يقع فيه أيام الفرس. وقال : فسرت إلي أبي الحسن عبيد الله بن يحيي عرفته ما جرى وبين المتوكل في أمر النوروز ، فقال لي أبو الحسن قدو الله فرجت عن الناس كربة عظيمة فأحسن الله جزاك ومثلك من يجالس الخلفاء وأحب أن تحرر الحساب في استفتاح الخراج قال : فرجعت وحررت الحساب فوجدت النوروز لم يكن يقدم في أيام الفرس أكثر من شهر يتقدم من [ق ١٣٦ أ] تخلوا من حزيران فيصير في خمسة أيام تخلوا من أيار فتكبس سنتها فتزده إلي خمسة أيام من حزيران ونفدته إلى عبيد الله بن يحيي فعند ذلك أمر أن يستفتح الخراج في خمس من حزيران ويقدم إلي إبراهيم بن العباس كتابه المشهور وأيدي الناي. قال أبو أحمد يحيي بن علي النديم : فلما سمع المعتضد ذلك فقال يا يحيي والله هذا فعل حسن وينبغى أن يعمل به فقلت ما أحد أولي بإحياء السنن الشريفة من سيدنا أمير المؤمنين لما جمعه الله فيه من المحاسن ووهب له من الفضائل فعند ذلك دعا بعبيد بن سليمان وقال اسمع من يحيي ما يخبرك به وأمضى الأمر فى استفتاح الخراج عليه. قال يحيي فصرت إلي عبيد الله بن سليمان وهو في الديوان وعرفته الخبر فأجب تأخيره ليلا تجري الأمر علي المجري الأول بعينه فجعله في إحدي عشر من حزيران واستأمر [ق ٢٣٦ ب] المعتضد في ذلك فامضاه قال يحيي فأنشدت المعتضد في هذا المعني شعره :

يوم نور وزاك يوم واحد لا يتأخر

من حزيران يوافي ابدا فهو حد عشر

وقال : بعض المؤرخين كانت الخلفاء تأخر النوروز عن وقته عشرين يوما وأقل وأكثر ليكون ذلك سببا لتأخير افتتاح الخراج على أهله. فأما المهرجان فلم يكن تؤخره عن وقته يوما واحدا ، فكان أول من قدمه عن وقته بيوم المعتمد بالله بمدينة السلام في سنة خمس وستين ومائتين ، وأمر المعتمد بالهه بتأخير النوروز عن وقته ستين يوما.

وقال : أبو الريحان محمد بن أحمد البيرونى في كتاب الأثار الباقية عن القرون الخالية ، ومنه نقلت بمعنى ما ذكره ابن أبي ظاهر وقد زاد علي ذلك بقوله ونفدت الكتب إلي الأفاق يعني عن المتوكل عن محرم سنة ثلاث وأربعين ومائتين ، وقيل إن المتوكل لم يتم له ما دبره فى أمر

٢٥٢

النوروز [ق ١٣٧ أ] واستمر الأمر حتى ولي الخلافة المعتضد بالله فاغتنا بما فعله المتوكل في تأخير النوروز غير أنه نظر ، فإذا المتوكل قد أخذ ما بين سنته وبين أول تاريخ ملك يزدجرد ملك الفرس ، فجاء المعتضد بالله أخذ ما بين سنته وبين السنة التي زال فيها ملك الفرس بهلاك يزدجرد ظنا أن إهمالهم أمر الكبيس من ذلك الوقت فوجده مايتي سنة وثلاث وأربعين سنة ووجد حصتها من الأرباع ستين يوما وكسر ، فرد ذلك على النوروز في سنته ويجعله منتهي تلك الأيام وهو من خرداد ماءه في تلك السنة ، وكان يوم الاربعاء ووافقه اليوم الحادي عشر من حزيران. ثم وضع النموروز علي شهور الروم لتكبس شهوره إذا كبست الروم شهورها. وقال القاضي أبو الحسن المخزومي في كتاب المنهاج في علم الخراج والسنة الخراجية مركبة علي حكم السنة الشمسية لأن السنة الشمسية ثلاثمائة خمسة وستون يوما وربع يوم وترتب المصريون [ق ٣٢٧ ب] سنتهم علي ذلك ليكون إذا الخراج عند إدراك الغلات من كل سنة وواقفها السنة القبطية لأن أيام شهورها ثلاثمائة وستون يوما وتبيعها خمسة أيام النسبي وربع يوم مضي مسري ، وفي كل أربع سنين يكون أيام النسبي ستة أيام لينجبر الكسر ويسمون تلك السمة كبيسة ، وفي كل ثلاث وثلاثين سنة يسقط سنة فيحتاك إلي نقلها لأجل الفضل بين السنين الشمسية والسنين الهلالية ، لأن السنة الشمسية ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم والسنة الهلالية ثلاثمائة وأربع وخمسون يوما وكسر ، ولما كان الأمر كذلك احتاج إلي استعمال النقل الذي يطابق به أحدي السنين ، وقد قال زبو الحسن المذكور عهدت جباية أموال الخراج في السنين الذي قبل سنة إحدي وأربعين ومائتين من خلافة أمير المؤمنين المتوكل يجري كل سنة في السنة التي بعدها بسبب تأخير الشهور الشمسية عن الشهور القمرية في كل سنة أحد عشر يوما وربع [ق ٢٣٨ أ] يوم زيادة الكسر عليه فلما دخلت سنة أثنين وأربعين ومائتين كان قد انقضي من السنين التي قبلها ثلاثة وثلاثون سنة أولهم سنة ثمان وماذتين من خلافة المأمون واجتمع من هذا المتاجر فيها أيام السنة الشمسية كاملة وهي ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم وزيادة الكسر ونهايات إدراك الغلات المتحصلة في سنة إحدي وأربعين ومائتين في صدر سنة أثنين وأربعين ومائتين ، فعند ذلك أمر المتوكل بالغاء ذكر سنة إحدي وأربعين وماذتين إذ كانت قد انقضت وكسب الخراج إلي سنة أثنين وأربعين ومائتين فجرت الأعمال على ذلك سنة بعد سنة إلي أن انقضت ثلاثة وثلاثون سنة آخرهن انقضاء سنة أربع وسبعين وماذتين.

وقال القاضى الفاضل في متجددات سنة سبع وستين وخمسمائة ومن خطة نقلت نسخة

٢٥٣

منشورة بنقل السنة الخراجية إلي السنة الهلالية والمطابقة بين اسمها الموافقة للشهور العربية [٢٣٨ ب] وللشهور القبطية وخلو سنة سبع من نوروز فنقلت سنة خمس وستين وخمسمائة الخراجية إلي هذه السنة وكان آخر نقلت هذه السنة في الأيام الأفضلية فإن سنة ثمان وتسعين وأربعمائة وسنة وتسع وتسعين الخراجتين نقلنا إلي سنة إحدي وخمسمائة وسبب هذا الانفراج ينتهي زيادة عدد السنة الشمسية علي عدد الهلالية إحدي عشر يوما وإغفال النقل في سنة ثلاث وثلاثين في أيام الوزير الأفضل رضوان ابن رلحشي وانسخت ذيل الزيادة وتداخل السنين بعضها في بعض إلي أن صار التقارب بينهما سنتين في هذا السنة وهو أثقل لا يغدوا التسمية ولا يتجاوز اللفظ ولا ينقص ما لا لديوان ولا لقطع وإنما يقصد به ، إزالة الألباس وحل الأشكال وقال القاضي أبو الحسين وسخت الكتاب الذي إنشاه القاضي الفاضل خرجت الأوامر الملكية الناصرية زاد الله في علايها بإيداع هذا المنشور أنا نؤثر [ق ٢٣٩ ب] من حسن النظرة ما يؤثر أحسن الخبر ولا ينصرف وبناء الفكر عما تحلي السير ويتجلي الغير ولا تزال خواطرنا تعتلي فتطلع الذراري وتعوض فتخرج الذزر وإن أولي ما استجدت به البصاير وحرست فيه المصادرة كل أمر يصحح المعاملات ويشرحها ويطلق عقولهم من عقول الأشكال ويسحها ، ولما وجب نقل السنة الخراجية والمطابقة بينها وبين الهلالية ، لافراجها سنين وموافقة الشهور الخراجية والهلالية في هذه السنة مطلع مستهلين أمضينا هذه السنة الخالية في هذه السنة الآتية راستخرت الله تعالي في نقل سنتي خمس وست وستين وخمسمائة إلي سنة سبع وستين وخمسمائة التي سميت بهذا النقل هلالية خراجية نفيا للأمور المشتبة والتسمية المموهة وتنزه سنين الإسلام عن الكبيس ولتاريخه عن ملابسة التلبيس وأعلاما بالوفاق الذي استشعرته أباؤنا وبنوها وإعلانا بمن مضي من [ق ٢٣٩ ب] السلف التي خلفوها وبنوها ، وفي ذلك ما تحمد به العواقب ، وتنفسخ به المذاهب ويتيسر به المطال ويزول به الأشكال ويؤمن به الاحتمال وينسجم به الغلط في الحساب ويؤلف بين السنين المختلفة الإنساب ويقرب على الكاتب محاولة ويصرف عن نعمة الله هجنته كونها مقدمة في التسنية مؤخرة في التسمية وعن معاملة بيت المال كونها معذوقة بالمطال ، وقد بالغت في التوفية لأن من أعطى في سنة سبع وستين وخمسمائة استحقاق سنة خمس وستين وخمسمائة فلا ريب أنه قد ظل وبحكم السمع وإن كان قد انجز بحكم الشرع فتوسم هذه السنة بالهلالية الخراجية وترفع الحسبانات بهذا الموضع وتعرف التقريرات والتسجيلات علي هذا فليفعل في ذلك ما يقضي بارتياح هذا الانفراج وخبر هذا

٢٥٤

الصدع وليعلم في الدواوين علمه ولينفذ فيها بعد نبوته بحيث ثبت مثله إن شاء الله تعالي.

وإما تاريخ العرب [ق ٢٤٠] فإنه لم يزل في الجاهلية والإسلام يعمل بشهور الأهلة وعدة شهور السنة عندهم أثنا عشر شهرا إلا أنهم اختلفوا في أسمائها فكانت ت ـ العرب العارية تسميها فناتق ويفنل وطليق واسخ وانتح وخلل وكسح وزاهر ونوط وخوف وبغش ونفل ، فناتق هو المحرم ونفيل هو صفر وهكذا ما بعده على عدد أسماء الشهور. وكانت ثمود تسميها موجب وجوجز ومورد وملزم ومصدر وهوبر وهوبل وموها وديمر ودابر وحيفل ومسبل ، فموجب هو المحرم وموخر هو صفر وهكذا ، أما بعده علي عدد أسماء الشهور وكانوا يبدون في شهورهم بديمر وهو شهر رمضان الآن فيكون أول شهور السنة عندهم ، ثم كانت العرب الثانية تسميها بأسماء آخر وهي موتمر وناجر وخوان وصوان والبايدو وزيا وعادل وناتق وواغل ووغل وهواع وبركة فمعني موتمر أنه يأتمر كل شيء مما يأتي به السنة من قضيتها وناجر من النجر وهو شدة [ق ٢٤٠] الحر وخوان من فعال الخيانة وصوان بكسر الصاد وضمها من فعال الصيانة والبايد وهو كانوا يبتدوا فيه بالقتال وزبا فهو الزاهية العظيمة المتكاتقة لكثرة القتال فيه ، وقد جري به المثل فقيل العجب كل العجب بين جمادى ورجب ، وكانوا يستعجلون فيه ويأخذوا الثأر وكثرة الغارات قبل مجيء رجب فإنه شهر حرام ، وكانوا يسمونه عادل ، وقيل الأصم لأنهم كانوا يكفون فيه عن القتال فلا يسنع فيه قعقعة الرماح فسمي الأصم لذلك ، وناتق وهو شعبان وواغل وهو رمضان ، وكانوا يكبرون فيه من شرب الخمر ويسمونه مكيال أيضا لأفراطهم فيه بالشرب ، وكثرت المكيال بالخمر ووغل وهو شوال أول أشهر الحج وهواع وهو ذو القعدة وبركة وهو ذو الحجة وإنما سمي برك لبروك الإبل إذا أحضرت في يوم النحر ويقال له أيضا أيروك ، ثم سميت العرب أشهرها بالمحرم وصفر وربيع الأول [ق ٢٤١ أ) وربيع الآخر وجمادي الأول وجمادي الآخر ورجب وشعبان ورمضان وشوال وذو القعدة وذو الحجة ، فالمحرم كانوا يحرمون فيه القتال ، وصفر كانت تصفر فيه بيوتهم لخروجهم إلي الغزوات وشهرين الربيع لأجل زمن الربيع وجمادين كان يحمد فيهما الماء من شدة البرد ورجب الفرد لأن إفراده عن الأشهر الحرم شعبان تتشعب فيه القبائل ورمضان من الرمضا لأنه كان يأتي فيه القيظ وشوال سيل فيه الإبل إذ بها وذو القعدة لقعودهم في الدور وذو الحجة كانوا يحجون فيه فكانت العرب أولا تستعمل هذه الشهور نحو ما يستعملها أهل الإسلام ، أما بطريق الا هي أو لأن العرب لم يكن لها دراية بمراعاة حساب حركات النيرين فاجتاجت إلي استعمال مباديء الشهور لرؤية الأهلة وجعلت

٢٥٥

زمان الشهر بحسب ما يقع بين كل هلالين فربما كان بعض الشهور تاما أعنى ثلاثين وربما كان [ق ٢٤١ ب] ناقصا أعني تسعة وعشرين وربما كانت أشهرا متوالية ناقصة أكثرها ثلاثة ، وكان يقع حج العرب في أزمته السنة كلها وهو أدا في عاشر ذي الحجة من عهد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فإذا انقضيموسم الحج تفرقت العرب طالبة أماكنها وأقامت أهل مكة بها فلم يزالوا علي ذلك دهرا طويلا إلي غير وادين إبراهيم وإسماعيل فأحبوا أن يتوسعوا في معيشتهم ويجعلوا حجهم في وقت إدراك ثمارهم وغلاتهم ونحو ذلك وأن يثبت ذلك علي حالة واحدة في أطيب الأزمنة وأخصبها فتعلموا كبس الشهور عن اليهود الذين نزلوا في يثرب من عهد شمويل نبي بني إسرائيل وتعلموا النسبي قبل الهجرة بنحو مائتي سنة وقيل إن أول من إنشاء النسبي سرير ابن ثعلبة وانقرض ، ثم أنشأه بعده ابن أخيه القلمس ، اسمه عدي بن عامر بن ثعلبة ابن الحارث بن مالك بن كنانة ، ثم صار النسبي في ولده ، وكان آخرهم أبو ثمامة [ق ٢٤١ أ] جناده وقيل أخذه عوف بن أمية بن قلع عن أبيه عن جده عياد بن حذيفة عن جده حذيفة : وكان يقال لحذيفة القلمس وهو أول من أنشأ الشهور علي العرب فأحل وحرم منها ما حرم ، ثم كان بعد عوف المذكور ولده أبو ثمامة جنادة بن عوف وعليه قام الإسلام ، وكان أبعدهم ذكرا وأطولهم أمدا ويقال أنه نشاد أربعين سنة ولهم يقول عمير بن قيس يفتخر بشعر :

وأتي الناس لم نسبق بؤثر

وأتي الناس لم نعلك لجاماه

السنا الناسبين علي معد

شهور الحل نجعلها حراماه

وقال عباد بن ثعلبة بن أنف الكلب الصيداوي من بني أسد بن خزيمة شعر يفتخر به :

ايزعم اني من فقيم ابن مالك

لعمري لقد غيرت ما كنت أعلم

لهم ناشيء يمشون تحت لواءه

يحل إذا شاء الشهور وتحرم

وقيل كانت العرب تكبس كل أربع عشرين سنة قمرية بتسعة ج أشهر فكانت شهورهم ثابتة مع الأزمنة جارية علي سنين واحد لا تتأخر عن أوقاتها [ق ٢٤٢ ب] ولا يتقدم ، وكان النسبي الأول في المحرم فسمي صفر باسمه وشهر ربيع الأول باسم صفر ، ثم الوي بين أسماء الشهور ، كان النسبي الثاني في صفر فسمي الذي كان يتلوه بصفر أيضا وكذلك حتي دار النسبي في الشهور الأثني عشر وعاد إلي المحرم فأعادوا فعلهم الأول وكانوا يعدون أدوار

٢٥٦

النسبي في الشهور ويجددون بها الأزمنة فيقولون قد دارت السنون من لدن زمان كذا إلي زمان كذا فإن ظهرهم مع ذلك تقدم شهر عن فصل من الفصول الأربعة لما جمع من كسور السنة الشمسية وبقية فصل ما بينهما وبين السنة القمرية الذي ألحقوه بها كبسوها كبس ثانيا ، وكان يطهرخهم ذلك بطوع منازل تاقمر وسقطوها حتي هاجر النبي صلي الله عليه وسلم ، وكان بونة النسبي فصادق شهر شعبان فسمي محرما وشهر رمضان صفر ، وقيل أن الناشيء الأول إنشاد المحرم وجعله كبيسا وآخر المحرم إي صغر وصفر إلي ربيه الأول وكذلك بقية الشهور [ق ٢٤٣ أ] / فوقع حجهم في تلك السنة في عاشر المحرم وجعلت تلك السنة ثلاثة عشر شهرا ونقل الحج بعد كل ثلاث سنين شهرا فمضي علي ذلك مائتان وعشر سنين وكان انقضاؤّا التاسعة من الهجرة في عاشر ذى القعدة وهي السنة التي حج فيها أبو بكر الصديق رضى الله عنه بالناس ، ثم حج رسول الله صلي الله عليه وسلم في السنة العاشرة ، وحجة الوداع لوقوع الحج في عاشر ذي الحجة ، كما كان في عهد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، وكذلك قال رسول الله صلي الله عليه وسلم في حجته [هذه أن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض](١) يعنى رجوع الحج في الشهور التي أفرضه الله فيها وزننزل الله تعالي في إبطال النسيي بقوله عز وجل : (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً)(٢) الآية فبطل ما كان أحدثته الجاهلية قبل ظهور الإسلام من النسيي واستمر وقوع الحج والصوم برؤية الأهلة ولله الحمد [ق ٢٤٣ ب] علي ذلك وكانت العرب لها تواريخ معروفة عندها وقد بأرت وكانت تؤرخ به بني كنانة من موت كعب بن لؤى حتي كان عام الفيل فورخوا به وهو عام مولد رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وكان بين موت كعب بن لؤي والفيل خمسمائة وعشرون سنة ، وكان بين الفيل والفجار أربعين سنة ، ثم عدوا من الفجار إلي هشام بن المغيرة فكانت ست سنين ، ثم عدوا من وفاة هشام بن المغيرة إلي بنيان الكعبة قحطان تسع سنين ، ثم كان بين بناء الكعبة وبين هجرة رسول الله صلي الله عليه وسلم خمسة عشر سنة ، ثم وقع التاريخ من الهجرة.

قال سعيد بن المسيب : جمع عمر بن الخطاب رضى الله عنه الناس فبينما لهم من أي يوم يكتب التاريخ. فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم هاجر رسول الله صلي الله عليه وسلم من مكة إلي المدينة ففعل عمر بن الخطاب ذلك ، قال سهل بن سعد الساعدي :

__________________

(١) ورد في صحيح مسلم.

(٢) ٣٧ م التوبة : ٩.

٢٥٧

[ق ٢٤٤ أ] قد أخطأ الناس في العدد الذي ما عدوا من مبعثه ولا من وفاته وإنما عدوا من مقدمة إلي المدينة.

وقال ميمون بن رافع : أن جمع عمر بن الخطاب رضى الله عنه وجوه الصحابة فقال : أن الأموال قد كثرت في بيت المال وما قسمنا منها غير مؤقت فكيف التوصل إلي ما نضبط به ذلك فقالوا له : يجب أن تعرف ذلك من رسوم الفرس فعندها أحضر عمر بن الخطاب الهرموران وسأله عن ذلك فقال : وإن لنا حسابا نسميه ماه روز معناه حساب الشهور والأيام وهو التاريخ ، ثم طلبوا الصحابة وقتا يجعلونه أولا لتاريخ الإسلام ، فاتفقوا علي أن تكون المبدأ من سنة الهجرة ، وكانت الهجرة النبوية من مكة إلي المدينة وكان قد تضرم من شهور السنة النحرم وصفر وأيام من ربيع الأول ، فلما عزموا علي تأسيس التاريخ من الهجرة رجعوا ثمانية وستين يوما وجعلوا التاريخ من أول المحرم في تلك السنة ، ثم أحصوا من أول يوم في [ق ٢٤٤ ب] المحرم إلي آخر يوم من عمر رسول الله صلي الله عليه وسلم فكان عشر سنين وشهرين ، وأما إذا حسب عمره من يوم الهجرة حقيقة فيكون قد عاش بعد الهجرة تسع سنين وأحد عشر شهرا واثنين وعشرين يوما ، وكان بين مولده صلي الله عليه وسلم وبين مولد المسيح عليه السلام خمسمائة وثمان وسبعين تنقص شهرين وثمانية أيام ، فأبتدأ تاريخ الهجرة من يوم الخميس أول شهر الله المحرم من ذلك العام ، وكان بينه وبين الطوفان ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمسة وثلاثون سنة وعشرة أشهر وأثنان وعشرين يوما علي ما عرفت من الخلاف في ذلك ، وكان بين الطوفان وبين تاريخ الإسكندر بن فلبس المجدوني الرومي تسعمائة وإحدي وستون سنة وأربعة وخمسون يوما ، فتكون من السنين الشمسية تسعمائة واثنين وثلاثين سنة ومائتين وتسعة وثمانين يوما عنها تسعة أشهر وتسعة عشر يوما ، وكان ذلك وبين تاريخ القبط ثلاثمائة وسبع [ق ٢٤٥ أ] وثلاثون سنة وتسعة وثلاثون يوما ، وزعمت اليهود أن من آدم عليه السلام إلي سنة الهجرة أربعة آلاف واثنتان وأربعون سنة وثلاثة أشهر ، وزعمت النصارى أن بينهما خمسة آلاف وتسعمائة وتسعون سنة وثلاثة أشهر ، وزعمت الفرس أن بينهما أربعة آلاف ومائة وأثنان وثمانون سنة وعشرة وتسعة عشر يوما.

وقد عرفت أن شهور تاريخ الهجرة كلها قمرية وأيام السنة منها عدتها ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما وخمس وسدس يوم ، وجميع الأحكام الشرعية مبنية علي رؤية الهلال عند جميع فرق الإسلام ، ما عدا الشيعة فإن الأحكام مبنية عندهم علي عمل شهور السنة بالحساب ، ثم لما احتاج منجمون الإسلام إلي اتخراج ما لا بد منه من معرفة الأهلة وسمت القبلة ، وغير ذلك

٢٥٨

فبنوا أزياحهم علي التاريخ العربي وحجعلوا شهور السنة العربية شهرا كاملا وشهرا ناقصا من السنة كلها وزادوا [٢٤٥ ب] من أجل كبس اليوم الذي هو خمس وسدس يوما في ذي الحجة إذا صار هذا الكسر أكثر من نصف يوم فيكون شهر ذي الحجة في تلك السنة ثلاثين يوما ، ويسمون تلك السنة كبيسة ويصير عددها ثلاثمائة وخمسون يوما ويجتمع في كل كبيس إحدي عشر يوما.

وإما تاريخ الفرس : فإنه يعرف أيضا بتاريخ يزدجرد بن شهريار بن كسري فورخ به الفرس من أجل أن يزدجرد أقام في المملكة بعد ما تبدد ملك فارس واستولي عليه النسائي والمتغلبون وهو آخر ملوك فارس وبقتله تمزق ملكهم ، وكان أول هذا التاريخ يوم الثلاثاء وبينه وبين تاريخ الهجرة تسع سنين وثلاثمائة وثمانية وثلاثون يوما ، وأيام سنة هذا التاريخ تنقص عن السنين الشمسية ربع يوما فيكون في كل مائة وعشرين سنة شهرا واحدا ، ولهم في كبس السنة أشياء يطول شرحها وعمل هذا التاريخ يعتمد في زماننا أهل العراق [ق ٢٤٦ أ] وبلاد العجم ولله عاقبة الأمور من قبل ومن بعد.

قال مؤإلفه ومما يحسن إيراده في ختم هذا الكتاب وهو ما إدركه بأرض مصر من الحوادث الطريفة والأفعال اللطيفة ، وهي منشأة عمارة الأزبكية ونهجتها السنية ، وقد عمرها وأنشأها المقر الأتابكى أزبك من حطخ أتابك العساكر المنصورة أعز الله تعالي أنصاره ، وقد ابتدأ في عمارتها في سنة احد وثمانيم وثمانمائة ولا زالت تتزايد في العمارة إلي سنة تسعين وثمانمائة ، وقد أنشأها مكان سكنه بها الآن ، وهو من أحسن ما عمرت عصرنا وأنشأ بها الجامع والحمامات والطواحين والأفران والحوانيت والربوع وأنشأ بها البركة العظمة التي ليس في القاهرة أكبر مها طولا وعرشا ، وأنشيء عليتلك البركة قصرا ليس له في الحسن نظير ، وقد أنشأ بعض أكابر الدولة علي تلك البركة قصورا لا نهاية بها في الحسن ، وقد صارت [ق ٢٤٦ ب] تلك البركة محفوفة بالأملاك العجيبة والأبنية الغربية وحدد بها القنطرة وأجري إليها ماء النيل من الخليج الناصري ، وقد كان هذا المكان قديما يعرف بخليج الذكر والقنطرة الموجودة الآن وهي قنطرة التكة ولكن عمرت جديدا ، وفي ذلك يقول المعمار شعر :

يا طيب التكة نلت المنا

وفزت منها ببلوغ الوطر

قنطرة من فوقها تكة

وتحتها تلقي خليج الذكر

٢٥٩

وهذا المكان بطاهر المقسم ، وكان مكان الأزبكية قديما يعرف بمناظر اللوق ، ثم خرب ذلك المكان ، وأقام دهرا طويلا ليس به مكان عامرة حتي صار مقطع طريق إلي أن عمرة المقر الأتابكى المقدم ذكره وجرف ما كان به من الكيمان العالية ومهدها وحفر البركة وتعب علي ذلك تعبا كثيرا وأصرف علي ذلك ما لا كبيرا حتي تم له ما أراده وتكاملت في العمارة والنهاية ، وقد صار ماء النيل تدخل إلي تلك البركة بعد [ق ٢٤٧ أ] وفاء النيل بأيام قليلة ويكون يوم دخول الماء إليها يوم مشهود ، ويجتمع هناك الخاص والعام ، ثم بعد دخول الماء إليها بأيام قليلة يضع بها المقر الأتابكى نفطا ووقودا وتدخل إليها المراكب الكثيرة ، وتكون بها ليلة من أعجب الليالى وهذا يستمر في كل عام بها من قبل الأمير الكبير ويجتمع عنده في هذه الليلة سائر الأمراء والمقدمين الألوف وتكون ليلة من العجائب.

وأما في من زمن الربيع فإن هذه البركة يزرع كلها قرطا وتربط عليه الخيول وتضرب فيه الخيام ويصير ربيع في وسط المدينة ، ويجتمع فيه من الناس خلق كثير وقد صارت هذه الأزبكية من أعجب الحوادث الطريفة التي تحدثت في عصرنا ، وقد أنشأ في معني ذلك هذه المقامة شيخنا الإمام العلامة شيخ شمس الدين محمد بن أبي بكر الشهير بالقادري أبغاه الله تعالي في بسيط مديد ، كل خبر وافر وسماها عرف الروضة الزكية في وصف محاسن الأزبكية وهي مقامة كلها [ق ٢٤٧ ب] نظما ونثرا ، ولم تزل نكتسب من فضائل أدبه ونثرا ، حيث قال الحمد لله الذي رفق لاحياء الأرض من أختاره لاحيايها ، وأجري الدعاء له علي لسان أهل ضواحي مصر وأحيائها ، وأحمده حمد من وفقه لعمارة المساجد وأشكره شكر من فاز بدوام الدعاء من كل راكع وساجد ، وأشهد أن لا رله إلا وحده لا شريك له محيي الأرض بعد موتها ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذى أدركنا به سعادة الدارين قبل موتها ، صلي الله عليه وعلي آله وأصابه ، ما تبسم ثغر البرق اللامع لبكاء سحابة وسلم تسليما كثيرا.

وبعد ، فقد سألنى من لا أستطيع رد أمره ولا أفوه لخدمته باذاعة سره أن أشجع علي منوال المتقدمين من المقمات حلة سنية في وصف محاسن العمارة الأبكية يكون سداها من حكاية الفكر والبال ، فأجبته متمثلا لما أمره وما أصعب ما تصديت له ، وما أمره [ق ٢٤٨ أ] لأن من مضى من الأوائل لم يتركوا قولا لقائل إذا المناظر لهم كحائط ليل أو كخايض سيل أو كحمارا أعرج يريد مسابقة الخيل غير أن القدري العاجز إذا دعاه لحربه البطل المبارز واستعان بالقادر الذي يجعل لكل شيء قدرا آمده بمدد عنايته وجعل له من أمره يسرا ، فأقول وبالله المستعان في كل لحظة وعليه التكلان فيما أفوه به من كل لقطة حدثنا راوي الأخبار

٢٦٠