نزهة الأمم في العجائب والحكم

ابن إياس

نزهة الأمم في العجائب والحكم

المؤلف:

ابن إياس


المحقق: الدكتور محمّد زينهم محمّد عزب
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة مدبولي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٩

٢ ـ ذكر الجبل الأحمر

هذا الجبل مطل على القاهرة من شرقها الشمالى ويعرف باليحموم ، واليحموم فى كلام العرب الأسود المظلم.

٣ ـ ذكر جبل يشكر

هذا الجبل [ق ١٣٨ ب] فيما بين القاهرة ومصر وعليه الجامع الطولون ، ويشكر بن جديله قبيلة من قبائل العرب نزلت عند الفتح بهذا الجبل ، فعرف بجبل يشكر لذلك وجامع ابن طولون على هذا الجبل وهو مكان مشهور بإجابة الدعاء مبارك.

وقيل أن موسى عليه السلام ناجى ربه عليه بكلمات ، وكان هذا الجبل يشرف على النيل وليس بينه وبين النيل شىء ، وكان يشرف أيضا على البركتين أحدهما تعرف ببركة الفيل والأخرى يعرف ببركة قارون ، وعلى هذا الجبل كانت تنصب المحاريث التي تحرث الأرض قبل إرسالها إلى الثغور.

٤ ـ ذكر الكبش

الكبش جبل بجوار يشكر كان قديما يشرف على بحر النيل من الجهة الغربية ثم لما نزلت المسلمون مدينة الفسطاط بعد فتح أرض مصر ، سار إلي هذا الجبل كبشة من المسلمين أقاموا فيه فسمى بالكبش الانفراد ، كبشة من الناس فيه فسمى بهم.

٥ ـ ذكر الشرف

اسم لثلاثة مواضع من أرض مصر ، وهو اسم ثلاث جبال صغار فى القاهرة أثنان بين القاهرة ومصر وواحد [ق ١٣٩ أ] فيما بين بركة الحبش وفسطاط مصر ، فأما الذى بظاهر القاهرة فأحدهما عليه قلعة الجبل الآن ، وهو من جملة الجبل المقطم والآخر بين الجامع الطولونى ومصر فيشرف غريبة على جهة الخليج الكبير ويصير فيما بين كوم الجارح وخط الجامع الطولونى.

وأما الثالث فيعرف بالرصد وهو يشرف على جامع راشدة من غريبة ومن قبليه على بركة الحبش فيحسبه من راءه من جهة جامع راشدة جبلا وهو من شرقية سهل يتوصل إليه من

١٦١

القرافة الكبيرة بغير ارتقاء ولا صعود ، وكان يعرف قديما بالجرف ، ثم عرف بالرصد وذلك من أجل الأفضل أبى القاسم شاهنشاه ابن أمير الجيوش بدر الجمالى ، وأقام فوقه كرة من نحاس وزنها قنطار ، وقد ركبت على أعمدة من رخام لرصد الكوكب فعرف حينئذ بالرصد ، وكان الأفضل بناءه مسجد الطيفا الطف من مسجد القبلة ، وما زال موضع هذا الرصد متنزها لأهل مصر. ويقال أن المعز قديم من بلاد المغرب إلى القاهرة لم يعجبه وكأنها وقال لجوهر القائد إذا فاتك بناء القاهرة [ق ١٣٩ ب] على بحر النيل فهل لا كنت بنيتها على الجرف يعنى مكان الرصد ، ويقال أن اللحم علقوه بالقاهرة فتغير بعد يوم وليلة وعلقوه فى موضع هذا الرصد ، فلم يتغير ثلاثة أيام ولياليها لطيب هوائه ، وكان الملك الناصر محمد بن قلاوون قد أنشأ فى هذا المكان سواقى لنقل الماء من أماكن قد حفر خليجا من البحر بجوار الآثار النبوية إلى عند الرصد فينقل بسواقي هناك إلى أن يصبر إلى قلعة الجبل فمات ولم يكمل له ما أراده من ذلك ، وقد قال بعض الشعراء فيه وأجاد فى تغزله وشعره :

وليلة عاش سرورى بها

ومات من يحسدنا بالكمد

بت مع المحبوب فى روضة

وباتت من يرقبنا بالرصد

ذكر مدائن أرض مصر

قال أثير الدين أبو حيان : أعلم أن مدائن مصر كانت كثيرة منها ما دثر وجهل اسمه ورسمه ، ومنها ما عرف اسمه وبقى رسمه ، ومنها ما هو عامر ، فأول مدينة عرف اسمها فى أرض مصر مدينة امسيوس وقذ محا الطوفان رسمها ولها أخبار معروفة وبها كان ملك مصر قبل الطوفان [ق ١٤٠ أ] ثم صارت مدينة مصر بعد الطوفان منف وبها كان ملك القبط والفراعنة إلى أن خربها بختنصر ، فلما كان الإسكندر بن فلبس المقدونى وليس هو ذو القرنين عمر مدينة الإسكندرية عمارة جديدة ، وصارت دار المملكة بمصر إلى أن قدم عمرو بن العاص بجيوش المسلمين وفتح أرض مصر ، فاحتاط بفسطاط مصر. وصارت مدينة مصر إلى أن قدم جوهر القائد من المغرب بعساكر المعز وملك مصر وبنى بها القاهرة ، فصارت دار المملكة بمصر إلي أن ألت الدولة الفاطمية على يد السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب فبنى قلعة

١٦٢

الجبل. وصارت القاهرة مدينة مصر إلي يومنا هذا ، وفى أرض مصر عدة مدائن ليست دار ملك وهى مدينة الفيوم ومدينة دلاص ومدينة اهناس ومدينة البهنسا ومدينة القيس ومدينة طحا ومدينة الأشمونين ومدينة انصنا ومدينة قوص ومدينة أسيوط ومدينة قاوه ومدينة أخميم ومدينة البليتا ومدينة هوة ومدينة قنا ومدينة دندرة ومدينة قفط ومدينة الأقصر ومدينة اسنا [ق ١٤٠ ب] ومدينة أرمنت ومدينة أدفوا ومدينة ثغر أسوان ، وأدركناه فهذه مدائن الوجه القبلى.

ومدائن الوجه البحرى مدنة توب من الحوف الشرقى ومدينة عين شمس ومدينة أتريب ومدينة تنو ومن قراها ناحية زنكلون ومدينة نمى ومدينة بسطه ومدينة قربيط ومدينة البتون ومدينة منف ومدينة منف ومدينة الأوسه وهى دميرة ومدينة طوه ومدينة منوف أيضا ومدينة سخا ومدينة تيدة ومدينة الأفراحون ، ومن جملة قرأها نشا ومدينة نقيره ومدينة بنا ومدينة شبرا بساط ومدينة سمنود ومدينة نوسا سبنين ومدينة وقد غلب كورتها الرمال وتعرف اليوم منها قرية أدكو على ساحل البحر بين إسكندرية ورشيد ومدينة تنيس ومدينة دمياط ومدينة الفرما ومدينة العريش ومدينة صا ومدينة ترنوط ومدينة قرطسا ومدينة احنوت ومدينة رشيد ومدينة مريوط ومدينة لوبية ومراقية وليس بعدهما أرض سوى برقة وديار مصر اليوم [ق ١٤١ أ] وجهان قبلى وبحرى جملتها خمس عشرة ولاية. فالوجه القبلى أكبرهما وهى تسعة أعمال. والوجه البحرى ستة أعمال ، فالوجه القبلى عمل قوص وهم أجلها وأسوان وغرب قمولة وأسوان حد المملكة من الجنوب وعمل أخميم وعمل أسيوط وعمل منفلوط وعمل الأشمونين بها الطحاوية وعمل البهنسا وعمل الفيوم وعمل أطفيح وعمل الجيزة ، والوجه البحرى عمل البحيرة وهو متصل بالإسكندرية وبرقة وعمل الغربية وهى جزيرة بنى نصر وعمل قليوب وعمل الشرقية أشموم طناح ، ومنها الدقهلية والمرتاحية ومن هنا موقع ثغر البرلس وثغر رشيد والمنصورة ، وفى هذا الوجه الإسكندرية ودميط وهما مدينتان أجلهم وأكبرهم ، ويقال أن مصر بن بيصير قسم الأرض بين أولاده فأعطى ولده أشمون من حد بلده إلى رأس البحر إلى دمياط ، وأعطى لولده صا من صا أسفل الأرض إلى الإسكندرية ، وأعطى لولده منوف وسط الأرض السفلى منف [ق ١٤١ ب] وما حولها وأعطى لولده قفط غربى الصعيد إلى الجنادل ، وأعطى لولده أتريب شرقى الأرض البرية إلى ثاران وأعطى لبناته الثلاثة وهي الفرما وسربام وتدوره ، وهي بقاعا من أرض مصر محددة ، وهذا ما ذكروا والله أعلم.

١٦٣

ذكر مدينة أمسوس

وعجائبها وملكها

قال ابن وصيف شاه فى كتاب أخبار مصر وعجايبها وكانت مصر القديمة اسمها أمسوس ، وأول من ملك أرض مصر نفراوش الجبار بن مصرايم الأول بن مركاييل بن دوابيل بن غربان بن آدم عليه السلام ، وهو الذى بنائها المدن وعمل فيها عجائب كثيرة. ومنها طائر يصفر كل يوم عند طلوع الشمس مرتين وعند غروبها مرتين فيستدلون بتصفيره على ما يكون من الحوادث يتهبون لها ، وعمل صنم من حجر أسود فى وسط المدينة تجاهه صنم مثله إذا دخل إلى المدينة سارق لا يقدر أن يزول حتى يسلك بينهما فإذا دخل بينهما أطبقا عليه فيؤخذ.

وعمل أيضا على حد البلاد أصنافا من نحاس مجوفة وملاها كبريتا ووكل لها روحانية النار ، فكانت [ق ١٤٢ أ] إذا قصدهم قاصد أرسلت تلك الأصنام من أفواهها نارا أحرقته فى وقته ، وعمل فوق جبل بطرس منارا يفور بالماء ويسقى ما حوله من المزارع ، ولم تزل هذه الآثار حتى أزالها الطوفان.

ويقال أنه هو الذى أصلح مجرى النيل وكان قبل ذلك يتفرق بين الجبلين ، وأنه وجه إلى بلاد النوبة جماعة هندسوه وشقوا نهرا عظيما منه ، وبنوا عليه المدن وغرسوا عليه الأشجار واجب أن يعرف مخرج النيل ، فسار حتى بلغ خلف خط الاستواء ووقف على البحر الأسود المسمى بالزفتى وراء ماء النيل يجرى عليه مثل الخيوط حتى تدخل تحت جبل القمر ، وقد ملك مصر مائة وثمانون سنة ، وقسم الأرض بين أولاده ، ولما مات لطخ جسده بأدوية مفردة ، وجعل فى تابوت من ذهب وجعلوا كنوزه وأوانيه معه وكتب تاريخه على قبره.

وكان قد بنى في مدينة انصنا بأرض الصعيد ، وعمل فيها جنة وصفح حيطانها بالجواهر الملونة وبالذهب ، وغرس فيها أصناف الأشجار وأجرى تحتها الأنهار من ماء النيل وغرس فيها شجرة مولده تطعم سائر الفواكه [ق ١٤٢ ب] وعمل فيها قبة من رخام أحمر على رأسها صنم يدور مع الشمس ، ووكل بها شياطين إذا خرج أحد من بيته فى الليل هلل وبنى

١٦٤

هذه المدينة على عشرين ميلا. فلم تزل هذه الأثار حتى أفسدها الطوفان ، ولما مات نقراوش الجبار ، وملك من بعده ولده عيقام وقد حكى عنه أهل مصر حكايات لا تصدقها العقول.

ويقال أن إدريس عليه السلام رفع في أيامه وأنه رأى فى علمه كون الطوفان فبنى خط الاستواء قصرا فى سفح جبل القمر من نحاس وجعل فيه خمسة وثمانين تمثالا من نحاس يخرج منها ماء النيل من حلوقها ويصب فى بطحاء حتى ينتهى إلى أرض مصر إلى عيقام هذا يعزى كتب القبط الذى فيها تواريخهم ، وجميع ما يجرى فى أواخر الدهر. ولما مات عيقام أقام من بعده ولده بمرياق ، ويقال له الأشيم فعمل أعمالا عجيبة منها شجرة من نحاس لها أغصان من حديد بخطاطيف ، إذا قرب منها ظالم أخذته بذلك الخطاطيف ولا تفلته حتى يقر بظلمه ، ويخرج منه لخصمه وعمل صنم من كدان أسود وسماه [ق ١٤٣ أ] عبد زحل كانوا يتحاكمون عنده ، فمن زاغ عن الحق ثبت مكانه ولم يقدر على الخروج حتى يرضى خصمه وإلا ثبت مكانه ولو أقام سنة ويقال كان فى زمانه من كانت له حاجة قام بالليل ونظر إلى الكواكب وتضرع وذكر اسم عرياق ، فإذا أصبح وجد حاجته على بابه وعمل شجره من حديد ذات أغصان ، فكانت تجلب كل صنف من أصناف الدواب والوحوش والسباع حتى يتمكن من صيدها فشبع الناس فى أيامه من لحم الوحوش ، وكان إذا أغضب على أهل أقليم سلط عليهم الوحوش والسباع.

ويقال أن هاروت وماروت كانا فى زمانه وكان يحب النساء الحسان ، فعملت عليه امرأة منهن وسميته فهلك وملك من بعده لوجيم ، وهو الذى أخذ الملك من عرياق بن عيقام ورده لبنى نقراوش بعد ما خرج عنهم. وكان عالما بالكهانة والطلسمات فعمل أعمالا عجيبة منها أن العربان كثرت فى أيامه وأتلفت الزرع عمل أربع نارات فى جوانب مدينة أمسوس وجعل على كل منارة صورة غراب فى فمه حية ، قد التوت عليه فنفرت عنهم [ق ١٤٣ ب] الطيور المضره من حينئذ ولم تقر بهم حتى زالت هذه المنارات بالطوفان ، وكان حسن السيرة منصفا للرعية عادلا ، ولما مات دفن فى ناووس ومعه كنوزه وعمل عليه طلسم تمنعه من أخذ إليه ، وملك بعده خصليم ، وكان فاضلا عالما كاهنا فعمل أعمالا عجيبة ، وهو أول من عمل مقياسا لزيادة ماء النيل وبناه الرخام وجعل فى وسطه بركة صغيرة فيها ماء موزون ، وعليها من جانبيها عقابان من نحاس أخرهما ذكر والآخر أثنى ، فإذا كان أول الشهر الذى يزيد فيه النيل عاليا وأن صفرت الأثنى ، كان النيل ناقصا فيستعدون لذلك وهو الذى بنى القنطرة ببلاد النوبة على النيل.

١٦٥

ولما مات دفن فى ناووس ومعه كنوزه وجعل عليه طلسم وملك من بعده ابنه هوصال. وكان فاضلا كاهنا عالما بالسحر والطلسمات ، فعمل عجائب منها :

أنه بنى مدينة وعمل فى وسطها صنم للشمس يدور بدورانها وبنيت مغربا ويصبح مشرقا ويعلم منه الدرجات والدقائق ، وكان نوح عليه السلام فى زمانه [ق ١٤٤ أ] وولد له عشرون ولدا ، وأقام فى الملك مائة وسبع عشرة سنة ولما مات ملك بعده ولده ندرسان. فلما ملك نفى جميع إخوته إلي المدائن الداخلة في المغرب ، واقتصر على حب النساء فأحب امرأة من بنات عمه وكانت ساحرة فعملت له قصرا من خشب منقوش فيه صور الكواكب وفرشته بأحسن الفرش وحمل على الماء. وصار يجلس فيه فبينما هو فيه ذات يوم إذ هبت ريح شديدة اضطرب الماء فانقلب تلك القصر وتكسر فغرق هو ومن معه فى ذلك القصر عن آخرهم. ولم يبق لهم أثر وملك بعده أخوه نمرود الجبار ، ويقال شمرود بن هو صال فكان حسن السيرة فانصف الرعية وبسط العدل فيهم وطلب امرأة أخيه الساحرة المقدم ذكرها ، ففرت هى وابنها إلى بلاد الصعيد وامتنعت عليه بسحرها وأقامت مدة فاجتمعت السحرة إلى ابنها ، وكان اسمه توميدون وحملوه علي طلب الملك فاقتتل هو وشمرود قتالا عظيما فانتصر على شمرود وقتله وملك من بعده وهو توميدون [ق ١٤٤ ب] تدرسان فأقام بمدينة أمسوس ، وكان عالما فاضلا فقوى بسحر أمه وعملت له أعمالا عجيبة منها قبة من زجاج على هيئة الكرة تدور بدوران الفلك وصورت فيها صورا الكواكب ، فكانوا يعرفون بها أسرار الطبايع فلما ماتت أمه الساحرة بعد ستين سنة خلت من ملكه فطلى جسدها بأشياء مفرده ودفنت تحت صنم القمر ، ويقال أنها كانت بعد موتها يسمع من عندها صوت بعض الأرواح ويخبرهم بعجائب ويغيب عما يشارك عنه. ولما مات أبنها توميدون عمل له صورة من زجاج مقسومه نصفين وأدخل جثته فيها بعد ما طلى بالأدوية المانعة من البلاء واطبقت عليه تلك الصورة الزجاج والتحمت ودفن فى هيكل الأصنام ، وكان يعمل له فى كل سنة وملك من بعده أبيه شرياق يعمل أعمالا عجيبة منها : أنه شق من النيل نهرا يمر إلى مدائن العرب وبنى عليه مدنا وآثارا كثيرة ، وملك مصر مائة وثلاثة وستين سنة. ولما مات عمل فى ناووس ومعه [ق ١٤٥ أ] أمواله وكنوزه وطلسم عليه ممن يقصده ، وملك بعده ابنه شهلوق ، وكان عالما خبيرا بالكهانة والطلسمات ، وهو أول من عبد النار وسبب ذلك أنه رأى أباه توميدون فى النوم وهو يأمره أن ينطلق إلى جبل من جبال مصر وهو معروف عندهم فإن فيه كوة على بابها أفعى لها رأسان إذا أقبل إليها إنسان كشرت فى وجهه فخذ معك طائرين من ذكر وأنثى

١٦٦

واذبحهما لها والقيمها أتاهما فإنها تشتغل بأكلهما ، فأدخل أنت إلى الكوة تجد فيها امرأة عظيمة ، من نور فلا تدن فيها تحترق ولكن أقعده من بعيد وسلم عليها فإنها تخاطبك فإنهم ما تقول لك وأعمل به فإنك تظفر بكنوز مصر أم فأنها حافظة لها. فلما انتبه عمل ما أمره أبوه فى المنام ، فلما رأى المرأة فزع منها ثم قعد من بعيد كما قال له أبوه وسلم عليها. فقالت له : أتعرفنى ، قال : لا. قالت أنا صورة النار المعبودة فى الأمم الخالية وقد أردت أن تحيى ذكرى وتجد دلى بيتا تقد لى فيه نارا دائمة وتجعل له عيدا فى كل سنة وتحضره أنت وقومك فإنك تتخذ بدلك عندى يدا [ق ١٤٥ ب] أسلك بها شرقا إلى شرفك وأمنع عنك من تطلبك بسوء وأدلك على كنوز مصرام فضمن لها أن يفعل كلما أمرته به فهند ذلك دلته على كنوز مصرام الذى تحت المدائن المعلقة وعلمته كيف يصير إليها وكيف يحترس من الأرواح الموكلة بها وما ينجبه منها ثم قال لها كيف لى بأن أراك فى وقت آخر.

قالت له : لا تعد أنت تهلك فإن الأفعى لا تمكنك وقت آخر ولكن بحرقى بيتك بكذا وكذا فإنى أتيك فسر بذلك وغابت عنه ، فخرج من عندها وفعل ما أمرته به من عمل بيت النار وظفر بكنوز مصر أم وأقام مدة. ولما مات عمل في ناووس ومعه كنوزه وجعل عليه طلسم يحفظه ممن يقصده وملك بعده ابنه سوريد ، وكان حكيما فاضلا وهو أول من جبى الخراج بمصر ، وعمل أعمالا عجيبة منها مرأة كان ينظر فيها إلى الأقاليم فيعرف ما حدث من الحوادث فيها وما خصب منها ، وما جدت وأقام هذه المرأة فى وسط مدينة امسوس وكانت من نحاس وعمل أيضا صورة [ق ١٤٦ أ] امرأة من نساء مصر إذا أصابتها علة فى موضع من جسمها أتت إلى هذه الصورة ومسحت الموضع الذى تشكوا منه فتزول عنها العلة وأن قل لبنها مسحت ثديها بثدى هذه الصورة فيغزر لبنها وأن عسرت ولادة امرأة مسحت رأس تلك الصورة الذى فى حجرها الصغيرة ، فتضع حملها سريعا وإن أرادت المرأة التحبب إلى زوجها مسحت وجهها وتقول أفعلى بفلان كذا وكذا ، وإذا وضعت الزانية يدها عليها أرتعدت ولم تقدر على الرجوع حتى تتوب ولم تزل هذه الصورة باقية إلى أن أزالها الطوفان.

وفى كتب القبط أن هذه الصورة وجدت بعد الطوفان وإن أكثر الناس عبدوها بعد الطوفان وسوريد هذا هو الذى بنى الهرمين العظيمين بمصر. ولما مات دفن فى الهرم ومعه كنوزه ، ويقال إنه كان قبل الطوفان بثلاثمائة سنة ثم ملك من بعده ابنه هرجيب ، وكان حكيما فاضلا [ق ١٤٦ ب] فى علم السحر فعل أعمالا عجيبة وأظهر علم الكيمياء وبنى أهرام دهشور وحمل

١٦٧

إليها أموالا عظيمة وجعل عليها روحانيات تحفظها من طارق. ولما مات دفن بها وملك بعده ابنه منقاوش ، وكان جبارا سفاكا للدماء ينتزع النساء من أزواجهن غصبا وبنى قصورا من ذهب وفضة وأجرى فيها الأنهار وجعل حصباؤها من أصناف الجواهر النفيسة.

ولما مات دفن فى بعض قصوره وملك من بعده ابنه افروس فأظهر العدل وأحسن للرعية ورد تلك النساء التى أخذت فى أيام أبيه على أزواجهن وعمل أعمالا عجيبة ، منها أنه عمل منارا فى مدينة أمسوس وجعل على ذلك المنار قبة من ذهب ولطخها بلطوخات مفردة فكانت إذا غربت الشمس وجاء الليل اشعلت تلك القبة بنور تضىء له المدينة طول الليل حتى تصير مثل النهار لا تطغيها كثرة الرياح ولا كثرة الأمطار ، فإذا طلع النهار وأشرقت الشمس خمد ضوءها ، وأهدى لبعض ملوك بابل مدهنا من زبرجد أخضر طوله خمسة أشبار ، ويقال إنه وجد هذا المدهن بعد الطوفان وبنى مدائن كثيرة [ق ١٤٧ أ]. وقيل أنه نكح ثلاثمائة امرأة ولم يولدها له ولد ، فإن الله تعالى قد أعقم النساء قبل الطوفان بثلاثمائة سنة.

ولما مات وضع فى ناووس ودفن بالجبل الشرقى بمصر وملك أرمالينوس فعمل أعمالا عجيبة وبنى مدنا كثيرة وكان له ابن عم يسمى فرعان وكان جبارا فابعد عنه فشغفت به بعض محاضى ارمالينوس وتمكن حبه من قلبها فعملت إلى ارمالينوس سما فى شرابه فشربه فهلك وملك بعده فرعان بن مستور فلم ينازعه أحد لشجاعته ولم تطل أيامه حتى رأى قليمون الكاهن كان طيورا بيضاء قد نزلت من السماء وهي تقول من أراد النجاة فليلحق بصاحب السفينة وكان عندهم علم بحدوث الطوفان من أيام سوريد وبنائه الأهرام لأجل ذلك. وقيل جاء الطوفان فى أيام فرعان فاغرق أراضى مصر كلها وخرب عمائرها وأزال تلك المعالم كلها وأقام الماء عليها ستة أشهر ووصل إلى نصف الهرمين الكبار ، وقيل أنه لما أقبل الطوفان كان فرعان سكرانا فقام ليهرب فى الأسراب فتخلخلت الأرض به وسقط فى الماء فهك وهلك كل من دخل فى الأسراب [ق ١٤٧ ب] الذى صنعوه من الزجاج تحت الأرض ، وقد جلست الرياح فيها بتدبر وتقدير فهلك من دخلها بالغنم ولم ينجوا من هذا الأمر إلا من دخل فى السفينة.

١٦٨

ذكر مدينة منف وملوكها

هذه المدينة كانت فى غربى النيل على مسافة أثنى عشر ميلا من أرض مصر وهى أول مدينة عمرت بأرض مصر بعد الطوفان ، وصارت دار المملكة بعد مدينة أمسوس التى تقدم ذكرها.

قال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى فى كتاب جامع البيان فى تفسير القرآن عن السدى أنه قال كان موسى عليه السلام حين كبر كان يركب بمراكب فرعون ويلبس مثل ما يلبس فرعون ، وكان يدعى ابن فرعون ثم أن فرعون ركب يوما وليس معه موسى فلما جاء موسى قيل له أن فرعون قد ركب ، فركب موسى أثره فأدركه المقيل فى منف فدخلها نصف النهار ، وقد تعلقت أسواقها وليس فى طرقها أحد وهى التى تقول الله تعالى ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها وقيل كان بمنف بيت من الصوان [ق ١٤٨ أ] الأخضر المانع الذى لا يعمل فيه الحديد وفيه صورة منقوشة وعلى وجه بابه صور حيات ناشرة صدورها ، فلو اجتمع ألوف من الناس على تحريكه ما قدروا عليه لعظمه وثقله وهذا البيت تقول عنه الصائبة أنه بيت القمر ، وكان هذا البيت من حملة سبعة بيوت كانت ممنف على عدد الكواكب السبعة ، كل بيت منهم باسم كوكب ، وأن هذا البيت كان باقيا إلى هدمه الأمير شيخو العمرى بعد سنة خمسين وسبعمائة ، ومنه الآن شىء من الرخام فى خانقته وجامعه الذين بخط الصليبة.

وقال ابن خرداذبة مدينة منف هى مدينة فرعون التى كان ينزلها وأتخذ لها سبعين بابا من حديد وجعل حيطانها مصفحة بالنحاس الأصفر ، وفيها كانت الأنهار تجرى من تحت سريره ، ولذلك كان يقول أليس لى ملك مصر ، (وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ)(١). ولم تزل منف مدينة محكمة البناء كثيرة الآثار والكنوز والأصنام وكان طولها ثلاثون ميلا وعرضها عشرون ميلا ، وقيل أن بعض نبي يافث بن نوح عليه السلام عمل فى أيام مصرايم [ق ١٤٨ ب] آله تحمل الماء تلقيه على أعلا سور مدينة منف وذلك أنه جعلها درجا مجوفة ، كلما وصل الماء إلى درجة أمتلأت الأخرى حتى يصعد الماء إلى أعلى السور ثم ينحط فيدخل جميع بيوت المدينة ثم يخرج من موضع إلى خارج المدينة ، ولم تزل كذلك إلى أن خربها بختنصر وسبى أهلها ولم يترك بها أحدا من الناس حتى بقيت مصر أربعين سنة خرابا ، وليس

__________________

(١) ٥١ ك الزخرف ٤٣.

١٦٩

بها ساكن وكان النيل يزيد وينقص ولا ينتفع به ولا يزرع عليه ويسيح على الأراضى أو أن الزيادة ولا ينتفعون به لخراب أرض مصر ، وقيل بين بختنصر وبين الطوفان ألفين وثلاثمائة سنة وخمسون سنة ومن حساب ما وقع فى التوراة أن بين الطوفان وبين خراب بيت المقدس على يد بختنصر ألف وستمائة أربعة وثمانون سنة ، ويقال أن ملوك مدين ملكوا مصر بعد غرق فرعون خمسمائة عام حتى آخرجهم منها نبى الله سليمان بن داود عليه السلام فعاد الملك بعدهم إلى القبط.

ويقال أن القبط ملكوا مصر بعد هلاك دلوكة وابنها ستمائة وست وعشرين سنة ، وكان عدة من [ق ١٤٩ أ] ملك أرض مصر من القبط من بعد دلوكة سبعة وعشرون ملكا ، وقد ملك أرض مصر من قبل الطوفان أمم كثيرة من الملوك والجبابرة حتى أتا فرعون ، وقيل أن الفراعنة سبعة والمشهور أنهم من العمالقة وأول الفراعنة بمصر فرعون إبراهيم عليه السلام ، ومنهم الربان بن الوليد وهو فرعون يوسف عليه السلام ، ومنهم الوليد بن مصعب فرعون موسى عليه السلام ، ومنهم سنان بن علوان ، وقيل أن الفراعنة الذين ملكوا مصر خمسة ، والله أعلم.

ذكر مدينة الإسكندرية

وما فيها من العجائب

هذه المدينة من أعظم مدائن الدنيا وأقدمها وضعا ، وقد بنيت غير مرة فأول ما بنيت بعد كون الطوفان فى زمان مصرايم بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام ، وكان يقال لها مدينة رقودة ثم بنيت بعد ذلك مرتين. فلما كان فى أيام اليونانيين جددها الإسكندر بن فلبس المجدونى بعد تخريب بختنصر مدينة منف بمائة وعشر سنين شمسية فعرفت به ، وانتقل بختنصر الملك من مدينة منف إلى الإسكندرية ، فصارت دار المملكة [ق ١٤٩ ب] بديار مصر ، ولم تزل على ذلك حتى ظهر دين الإسلام ، وقدم عمرو بن العاص بجيوش المسلمين وفتح الإسكندرية ، وصارت ديار مصر مع المسلمين فانتقل تحت الملك حينئذ من الإسكندرية دار مملكة ديار مصر.

١٧٠

قال ابن وصيف شاه فى ذكر أخبار مصرايم بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام وكان خبيرا بعمل الطلسمات فلما بنى مدينة رقودة مكان الإسكندرية فكانت تخرج من البحر دواب تفسد زروعهم وبنيانهم فعملوا لها الطلسمات فغابت عنهم ولم تعد بعد ذلك.

وقال خرداذبة أن الإسكندرية بنيت فى ثلاثمائة سنة وأن أهلها مكثوا سبعين لا يمشون فيها بالنهار إلا بخروق سود مخافة على أبصارهم من شدة بياض حيطانها كان يخطف بالأبصار.

وقال ابن وصيف شاه : وكانت العمارة ممتدة من رمال رشيد والإسكندرية إلى برقة ، فكان الرجل يسير فى العمارة فلا يحتاج إلى زاد ، لكثرة الفواكة والخيرات ولا يسير إلا فى ظلال تستره [ق ١٥٠ أ] من حر الشمس.

وقال ابن لهيعة : بلغنى أنه وجد بالإسكندرية حجر مكتوب فيه أنا شداد بن عاد بنيت هذه المدينة إذ لا شيب ولا موت ، وكنزت فى البحر كنزا على أثنى عشر ذراع لن تخرجه أحد إلا فى آخر الزملن عند فساد الأرض والدنيا.

وقال ابن عبد الحكم وكانت الإسكندرية ثلاثة مدن بعضها على بعض ، وقيل كان على الإسكندرية سبعة حصون منيعة وسبعة خنادق.

ويقال أن بنيت الإسكندرية فى ثلاثمائة سنة وسكنت ثلاثمائة سنة وخربت ثلاثمائة سنة ، ولقد مكث أهلها سبعين سنة ما تدخلها إلا وعلى أبصارهم خرق سود من بياض حيطانها وبياض رخامها وكان لا يقد فيها سراجا بالليل وإذا كان فى الليالى المقمر ويدخل الرجل الخيط فى خرم الإبرة وتخيط بالليل من غير سرج ، وكانوا إذا غربت الشمس لم يقدر أحد يخرج من بيته ، ومن خرج منهم اختطف وكان فيها راع يرعى غنمه على شاطىء البحر ، فكان يخرج من البحر شىء يختطف الغنم منه فكمن له الراعى فى موضع حتى خرج فإذا بجارية خرم [ق ١٥٠ ب] خرجت من البحر فمسكها الراعى من شعرها وقوى عليها حتى أتى بها إلى منزله فتانست به وأقامت عنده مدة فرأت أهل المدينة لا يخرجون بعد غروب الشمس فسألتهم عن ذلك فقالوا لها من خرج منا من بعد الغروب اختطف. فقالت لهم أن دواب البحر تتسلط على هذا المكان. فقال لها الراعى فهل من حيلة تمنعهم عن ذلك قالت : نعم تعملون مراكب فيها بيوت من زجاج ويدخل فيها مصورون ويقيمون فى البحر أياما فما رأوه من دوابة البحر صوروه على مثل

١٧١

تلك الصور ، فإذا صح ذلك فاعملوا لها أشباها من نحاس ورصاص وحجارة ، وانصبوها على شاطىء البحر ، فإن تلك الدواب إذا خرجت من البحر ورأت صورها هربت من ذلك المكان ، ولم تعد ففعلوا ذلك فلم تعد إليهم تلك الدواب ، وقيل كان من هذا الدواب ما هو على صورة الآدميين وما هو صورة الوحوش.

ذكر منار الإسكندرية

قال المسعودى رحمة الله عليه : أما مار الإسكندرية فذهب الأكثرون من المصريين [ق ١٥١ أ] والإسكندرانين ممن عنى بأخبار بلدهم أن الإسكندر بن فلبس المقدونى هو الذى بناها ومن هم من بقول أن دلوكة الملكة بنتها وجعلتها مرقبا لمن يرد من العدو إلى بلدهم ومن الناس من رأى بعض الفراعنة بمصر هو الذى بناها وذكروا فى ذلك أخبارا كثيرة وأنها كانت على كرسى من الزجاج على هيئة السرطان فى جوف البحر وعلى أعلاها تماثيل من النحاس فمنها تمثال يدور مع الشمس أين ما كانت من الفلك ومنها تمثال يشير بيده فى البحر إذا صار العدو منه على نحو من ليلة فيسمع لذلك التمثال صوت عال يسمع من مسيرة يومين فعلم أهل المدينة أن العدو قد دنا منهم فيستعدون لذلك وكان طول هذا المنار فى أول الزمان ألف ذراع والمرأة فى علوه والموكلون بها ينظرون فى كل ساعة من النهار فإذا نظروا إلى العدو نشروا أعلاما لمن يراها من بعد فيحذرو الناس لذلك فلا يكون للعدو عليهم سبيل ، وكان حول هذا المنار فى البحر مغاص يخرج منه قطع من أنفس الجواهر يتخذ منه [ق ١٥١ ب] فصوص للخواتم

ويقال أن ذلك من الأوانى الذى أتخذها الإسكندر للشراب. فلما مات كسرتها أمه ورمتها فى البحر ويقال أن هذا المنار إنما جعلت المرآة فى أغلاه لأن ملوك الروم بعد الإسكندر كانت تحارب ملوك مصر فجعل من كان بالإسكندرية من الملوك تلك المرآة يرى من يرد فى البحر من عدوهم وكان من يدخلها يتيه فيها لكثرة بيوتها وطبقاتها وممارقها ، وقيل أن جماعة من المغاربة حين قدموا فى خلافة المقتدر بالله صاحب المشرق (١) دخل منهم جماعة إلى المنار فتاهوا فيها

__________________

(١) وردت فى الأصل المغرب.

١٧٢

وفقد منهم عدد كثير فهلكوا عطشا وجوعا وقد بنى بعض ملوك الإسلام فى هذا المنار مسجدا وجعل فيه مرابطين للجهاد فى سنة تسع وسبعين ومائة سقط رأس المنار من زلزلة.

ويقال أن هذا المنار كان مبنيا بحجارة بينهما رصاص مذاب على قناطر من الزجاج وتلك القناطر على ظهر سرطان من الحديد ، وكان فى المنار ثلاثمائة بيت بعضها فوق بعض ، وكانت الدابة تصعد بحملها إلى سائر البيوت من داخل المنار ، ولهذه البيوت [ق ١٥٢ أ] طاقات تشرف على البحر.

وقال ابن وصيف شاه قد ذكر أخبار من بنى الإسكندرية أنه جعل فى وسطها قبة على أساطين من نحاس والقبة من ذهب ونصبوا فوقها مرآة من معادن شتى قطرها خمسة أشبار ، وكان أرتفاع القبة مائة ذراع فكانوا إذا قصدهم أحد من الأمم من البحر أو من البر عملوا لتلك المرآة عملا ، فالقت شعاعها على العدو وأحرقته ولم تزل هذه المرآة على حالها إلى أن غلب عليها البحر فنسفها.

ويقال أن الإسكندر بنى المنار الثانى على شبه المنار الأول ، وكان أيضا عليه مرآة يرى فيها من يقصدهم من بلد الروم فاحتال بعض ملوك الروم على قلعها فوجه من أزالها وكانت من زجاج مدبر وقيل من حديد الصينى وكان عرضها سبعة أشبار.

وقال المسعودى فى كتاب التنبية وقد كان وزير المتوكل عبد الله بن يحيى بن خاقان لما أمر المتسعين بالله بنفيه إلى برقة فى سنة ثمان وأربعين ومائتين سار إلى الإسكندرية من بلاد مصر فرأى حمرة الشمس على علو المنار التي كان بها [ق ١٥٢ ب] المغيب فقد رأنه يلزمه أن لا يفطر إذا كان صائما أو تغرب الشمس من جميع أقطار الأرض فأمر إنسانا أن يصعد إلى أعالى المنار ومعه حجر وأن يتأمل وقت سقوط الشمس فإذا سقطت رمى بالحجر ففعل الرجل ذلك. فلما غربت الشمس رمى بالحجر فى البحر فحسبوا عند ذلك بالدرج من المغرب إلى العشاء فإذا شعاع الشمس لا يغيب من على المنار إلا وقت دخول العشاء من عظم علوها.

وقد ذكر ارسطاطاليس فى كتاب الآثار العلوية أن بناحية المشرق الصيفى جبل شامخ جدا وأن من علامة ارتفاعه أن الشمس لا تغيب عنه إلا ثلاث ساعات من الليل وتشرق عليه قبل الصبح بثلاث ساعات. وكذلك المنار من بنيان العالم العجيب وكانوا ينظرون فى هذه المرآة مراكب البحر إذا أقبلت من رومية على مسافة تعجز عنها الأبصار ، فكانوا يستعدون لهم قبل ورودهم وطول المنار فى هذا الوقت علي التقريب مائتان وثلاثون ذراعا ، وكان طوله قديما نحو من أربعمائة ذراع فتهدمت علي [ق ١٥٣ أ] طول الزمان وترادف الزلازل والأمطار وكان لهذه

١٧٣

المنارة فى يوم خميس العدس يخرج سائر أهل الإسكندرية إلى المنار كلهم ، ولا بد أن يأكل هناك عدس ويفتح باب المنار ويدخله الناس فمنهم من يصلى ويذكر الله تعالى منهم من يلهوا ولا يزالون إلى نصف النهار ثم ينصرفون إلى منازلهم ، وكان فى هذا المنار يوقدون النار طول الليل حتى يهتدون المسافرون إلى مدينة الإسكندرية.

ويقال أن المنار كان بعيدا عن البحر فلما كان فى أيام قسطنطين هاج البحر وغرق مواضع كثيرة وكنائس عديدة كانت بالإسكندرية ولم يزل يغلب عليها البحر ويأخذ منها شيئا بعد شىء.

وذكر بعضهم أنه قاس بنأها فكان طولها مائتى ذراع وثلاث وثلاثين ذراعا وهى ثلاث طبقات.

فالطبقة الأولى مربعة وهى مائة ذراع وإحدى وعشرون ذراعا.

فالطبقة الثانية : مثمنة وهى إحدى وثمانون ذراعا. والطبقة الثلاثة مدورة وهي إحدى وثلاثون ذراعا ، والقطب ذراعان وقيل لما استولى أحمد بن طولون على الإسكندرية بنى فى أعلى المنار قبة من خشب فأخذتها [ق ١٥٣ ب] الرماح.

وفى أيام الملك الظاهر بيبرس هدم بعض أركان المنار وسقط فأمر ببناء ما انهدم وذلك فى سنة ثلاث وسبعين وستمائة ، وبنى فى أعلاها مسجد وهدم فى ذى الحجة سنة أثنين وسبعمائة عند حدوث الزلزلة ، ثم بنى فى شهور سنة ثلاث وسبعمائة على يدركن الدين بيبرس الجاشنكير ، وباق إلى هذا الزملن.

ذكر ما قالته الشعراء فى المنار

قال الوجيه المناوى :

وسامية لا رجا عهدى أخا السرى

ضياء إذا ما حندس الليل أظلما

ليست بها بردا من الأنس صلفيا

فكان بتذكار الأحبة معلما

وقد ظلبتنى من ذراها بقية

ألاحظ فيها من صحابى انجما

فخيل أن البحر تحتى غمامة

وإنى قد خيمت فى كبد السماء

١٧٤

وقال ابن عبد ربه فى المنار :

لله ذر منار اسكندرية كم

يسمحوا إليه على بعد من الحدق

من شامخ الأنف في أوصافه سمم

كأنه باهث فى داره الأفق

للمنشاب الجوارى عند رؤيته

كموقع النوم فى أجفان ذى أرق

ذكر الملعب الذى بالإسكندرية

وغيره من العجائب

[ق ١٥٤ أ]

قال القضاعى : ومن عجائب مصر الإسكندرية وما بها من العجائب فمن عجايبها المنارة وعامود السوارى والملعب الذى كانوا يجتمعون فيه فى يوم من السنة ويرمون بالكرة فلا يقع فى حجر أحد من الحاضرين إلا ملك مصر ، وحضر فى بعض أعيادهم وهو ذلك اليوم المشهور عندهم عمرو بن العاص فوقعت الكرة فى حجره فملك بعد ذلك مصر فى الإسلام وكان يحضر هذا الملعب ألف ألف من الناس فلا يكون فيهم أحد إلا وهو ينظر فى وجه صاحبه عند وقع الإكرة وكانوا يتلقونها بأكمامهم فرما بها رجل منهم فاقبلت تهوى تهوى حتى وقعت في كم عمرو ، فعجبوا من ذلك وقالوا ما كذبنا هذه الإكرة قط إلا فى هذه المرة أترى هذا الأعرابى بملكنا هذا ما يكون أبدا.

ذكر عمود السوارى

هذا العمود حجر أحمر منقط وهو من الصوان المانع وكان خوله نحو أربعمائة عمود ، ويقال أن ارتفاع هذا العمود سبعون ذراعا وقطره خمسة أذرع وطول القاعدة والسفلى أثنا عشر ذراعا وطول القاعدة العليا سبعة أذرع [ق ١٥٤ ب] ونصف فجملة ذلك تسعة وثمانون ذراعا.

١٧٥

قال المسعودى : وفى الجانب الشرقى من صعيد مصر جبل عظيم كانت الأوائل تقطع منه العمد وغيرها ، وكانوا يحملون ما عملوه بعد النحت ، ويقال أن عمود السوارى الموجودة الآن كان قد أتابه الثبوت ابن مرة العادى وهو يحمله تحت ابطم من حبل بريم الأحمر من قبلى أسوان إلى الإسكندرية فانكسر ضلعة لأنه كان ضعيف القوى فى قومه فشق ذلك على شداد بن عاد وقال ليتنى فديته بنصف ملكى ، وقال قوم عمود السوارى من جملة سبعة أعمدة كانت تحمل رواقا يقال له بيت الحكمة ، وكانت هذه الأعمدة تحملها الرجل منهم تحت أبطه من أسوان إلى الإسكندرية.

قال وهب بن (١) منبه : كان رأس أحدهم مثل القبة العظيمة حتى أن السباع توكر فيها وتلد ويقال أن سبعين رجلا من قوم موسى عليه السلام استظلوا فى قحف عظم رجل من العمالقة.

قال الزمخشرى : كان طول الرجل منهم أربعمائة ذراع وكان يأتى الصخرة العظيمة فتحملها تحت أبطه كالعصا.

قال الأقليسى : [ق ١٥٥ أ] رأيت فى ناووس ثنية أحدهم ، قكان طولها أربعة أشبار وعرضها شبران وزنها ألف مثقال ووجدت فى ذلك الناووس عضدا فكان طوله ثمانية وعشرون ذراعا عرض كل عظيمة من ضلعة ثلاثة أشبار مثل اللوح الرخام.

وقال الأقليسى أيضا ولقد رأيت فى بلغار فى سنة ثلاثين وخمسمائة رجلا طويلا من نسل العاديين فكان طوله أكثر من سبعة أذرع ، وكان يسمى دنقى وكان يأخذ الفرس تحت أبطه كما يأخذ الإنسان الطفل الصغير وكان إذا وقع القتال بتلك الناحية يقابل بشجرة من خشب البلوط يمسكها كالعصاة فى يد لو ضرب بها الفيل قتله. وكان خيرا متواضعا كل ما التقانى تسليم على ويترحب بى ويكرمنى فكنت إذا سملت عليه لا تصل رأسى إلى حقوة ، وكان له أخت على طوله رأيتها أيضا فى مدينة بلغار مرارا عديدة.

قال الأقليسى : أخبرنى القاضى ابن النعمان قاضى بلغار أن هذا المرأة الطويلة العادية أنها قلت زوجها وكانت اسمه آدم وكان من أجل أهل بلغار [ق ١٥٥ ب] فضمته إلى صدرها فكسرت أضلاعه فمات من ساعته قال ولم يكن فى مدينة بلغار حمام تسعهم الأحمام راحدة واسعة الأبواب.

__________________

(١) هو وهب بن منبه بحد كامل اليماني الصنعانى الذمارى أبو عبد الله أبو عبد الله الأنباوى ولد سنة ٣٤ ه‍ ومات سنة ١١٣ ه‍ وقيل سنة ١١٦ ه‍.

١٧٦

وقال ابن الفريانى : أنه شاد فى مدينة أفريقية قبرا احتقر فإذا فيه جثة رجل من العادية فكان قدر عظم رأسه كثورين عظيمين ووجد عند رأسه لوح من رخام مكتوب فيه بالقلم العادية وحروفه مقطعة فإذا فيه مكتوب اناكوش بن كنعان بن ملوك الأرض من آل عاد قد ملكت بهذه الأرض ألف مدينة وتزوجت ألف بكر وركبت الخيول سبعة آلاف ثم لم يغنى عنى ملكى ولا مالى شيئا وجأنى صايح ، فصاح بى حتى أخرجت من الدنيا فمن كان عاقلا ممن جاء بعدنا فاليعتبر بنا قال فأمر بعض الملوك بطاحن ذلك القبر.

وقال ابن أبى عدنان وقفت فى سنة أربع عشر وثمانمائة بدمشق من الباب الصغير على قبر ليدفن ميت لبعض أصحابى ، فلما تهيأ القبر ولم يبق إلا أن يدلى فيه الميت فإذا بالقبر قد انخسف وخرج منه ذباب كثير أزرق الألوان حتى كادت تغم على الحاضرين [ق ١٥٦ أ] فلما حمدت تلك الذباب فنزل الحفار فى ذلك القبر ، فإذا قبر طوله أثنا وعشرون ذراعا وفيه ميت قد صار مثل الرماد ووجد فى ذلك القبر ضرس له ثلاث شعب وهو قدر البطحة الكبيرة وأنه وزن بحضرته فبلغ رطلان وتسمع أوراق بالرطل الشامى فيكون ذلك على هذا الوزن نحو أثنى عشر رطلا بالمصرى فسبحان الخلاق.

ذكر طرف يسير

مما قيل فى الإسكندرية

قال الكندى : أجمع الناس على أن ليس فى الدنيا مدينة على ثلاث طبقات غير الإسكندرية. ولما دخل عبد العزيز بن مروان إلى الإسكندرية سأل رجلا من علماء الروم عنها وعن عدد أهلها. فقال له والله أيها الأمير ما أدرك علم هذا أحد من الناس والذى أخبرك به إن كان فيها من اليهود ستمائة ألف فإن ملك الروم أمر باحصايهم ، قال : فما هذا الخراب الذى فى أطرافها. قال له بلغنى عن بعض ملوك فارس حين ملكوا مصر أنه أمر بأخذ دينار على كل محتكر لعمران الإسكندرية فأتاه كبراء أهلها وعلماؤهم وقالوا [ق ١٥٦ ب] أيها الملك لا تتعب نفسك فإن الإسكندر أقام على بنائها ثلاثمائة سنة ، فلما عمرت أقامت ثلاثمائة سنة وأنها منذ خربه لها ثلاثمائة سنة. وقد قال بعض المفسرين من أهل العلم أنها المدينة التى وصفها الله تعالى فى القرآن. فقال أرم ذات العماد التى لم يخلق مثلها فى البلاد.

١٧٧

وقال أحمد صالح قال لى سفيان بن عيينة : يا مصرى أين تسكن. قلت : اسكن الفسطاط فقال هى الإسكندرية. قلت : نعم. قال تلك كناية الله تجعل فيها خيار سهامه ، وقال تنظرون فى الأهوية والبلدان وترب الأقاليم والأمصار أنه لم تطل أعمار الناس فى بلد من البلدان أطول من ناحية مريوط إلى كورة الإسكندرية وكذك وادى فرغانة.

وقال أبو الحسن بن رضوان : وأما الإسكندرية وتنيس وأمثالها فقرنها من البحر يسكن الحرارة ويعدل البرودة لطهور ريح الصبا فيهم وذلك مما يصلح أبدانهم ويرق طباعهم ويرفع هممهم وليس يعرض لهم ما يعرض لأهل الشيمور من غلظ الطبع والحمارية وقد نسبوا أهل الإسكندرية [ق ١٥٧ أ].

وقد قال فى ذلك أبو الحسن بن حبقة الخزرجي (١) فى معنى ما نسب إلى أهل الإسكندرية من البخل.

نزيل اسكندرية ليس يقرا

بغير الماء أو نعت السوارى

ويتخف حين نكرم بالهواء

الملا ثم والإشارة للمنار

وذكر البحر والأمواج فيه

ووصف مراكب الروم الكبار

فلا يطمع نزلهم خير

فما فيها لذاك الحرف قار

وقال بعضهم :

يقولون المنارة والسوارى

وهل الأعمود أو بناء

ويفتخرون من حمق وجهل

بملثهم وحاصله هواء

وقال شيخ شهاب الدين ابن حجر فيها :

اسكندرية مكرية

وخم ونار تسعر

أن قيل ثغرا أبيض

أقول لكن يبخر

__________________

(١) له ذكر عند المقريزى.

١٧٨

ذكر فتح الإسكندرية

على يد المسلمين

قال الكندى : لما جاز المسلمون الحصن بما فيه فعول عمرو بن العاص على المسير إلى الإسكندرية فسار إليها فى شهر ربيع الأول سنة عشرين من الهجرة فحاصر أهلها ثلاثة [ق ١٥٧ ب] أشهر ولح عليهم فخافوه وسأله المقوقس فى الصلح.

قال ابن لهيعة : وكان سبب فتحها أن رجلا يقال له ابن بسامة وكان بوابا على الإسكندرية فسأل عمرو بن العاص أن يؤمنه على نفسه وأهل بيته وهو يفتح له الباب فأجابه عمرو إلى ذلك ففتح له ابن بسامه الباب ، فدخل عمرو وكان عدة من قتل من المسلمين من حين قدم عمرو بن العاص إلى حين فتحت أثنان وعشرون رجلا ، وكان كل رجل منهم مقام ألف رجل حقيقة وذلك قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، وقد أيطا عليه خبر الفتح ، فكتب إلى عمرو بن العاص إنى قد وجهت معك جيش كل رجل مقوم بألف رجل فإذا أتاك كتابى هذا فاخطب بالناس وحضهم على قتال عدوهم ورغبهم فى الصبر والنية وأن يكون لهم صدمة كصدقة رجل واحد ويكون ذلك عند الزوال من يوم الجمعة ، فإنها ساعة ترك الرحمة فيها ووقت إجابة فلما أتى عمرو بن العاص كتاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب جمع المسلمين كلهم وقرأ عليهم الكتاب وأمرهم أن يدعوا إلى الله عند الزوال [ق ١٥٨ أ] من يوم الجمعة كما أمرهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه ففعلوا ذلك ، ففتح الله عليهم فلما فتحت الإسكندرية أرسل عمرو بن العاص بنشر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بالفتح ، وكان الذى أرسله رجل يسمى معاوية بن خديج ، فقدم إلى المدينة الشريفة وقت الظهر ، فلما دخل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، فقال له : ما عندك يا معاوية. فقال : خير يا أمير المؤمنين إلى المسجد قد فتح الله علينا الإسكندرية. فخرج أمير المؤمنين إلى المسجد وأمر للمؤذن إذن فى الناس الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس فصلى بهم أمير المؤمنين ركعتين شكرا لله تعالى وصلى بهم على من مات من المسلمين فى ذلك الفتح.

وكان الذى كتبه عمرو بن العاص إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب : أما بعد فإنى فتحت مدينة لا أقدر أصف ما فيها غير إنى وجدت فيها أربعة آلاف دار بأربعة آلاف حمام ووجدت بها أثنا عشر ألف بقال يبيعون البقل الأخضر وكان فيما أحصى من الحمامات الذى

١٧٩

فى البلد أثنا عشر ألف حمام ، كل حمام تسع ألف من الرجال ، ووجدت بها ألف مركب [ق ١٥٨ ب] ، من المراكب الكبار الرومية وكان بها من اليهود أربعين ألف يهودى عليهم الجزية ، فهرب أكثرهم فى البحر إلى بلاد الروم ، فحملوا ما قدروا عليه من المال والمتاع فى المراكب ، وساروا إلى ملك الروم وبقي من بقي بها من الأسارى وأهل الذمة فاحصى يومئذ فكانوا ستمائة ألف سوى النساء والصبيان.

فكتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بذلك إليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من كان منهم فى أيديكم فخيروه بين الإسلام ودينه ، فإن أسلم فهو من المسلمين له ما لهم وعليه دينارين.

قال ابن لهيعة جبى عمرو بن العاص جزية الإسكندرية ستمائة ألف دينار لأنه وجد بها من أهل الذمة ثلاثمائة ألف إنسان بفريضة دينارين على كل إنسان فبلغت ذلك القدر.

قال الليث بن سعد : كان فتح الإسكندرية فى أول سنة اثنين وعشرين من الهجرة ، وقيل إن الروم مشت إلى قسطنطين بن هرقل فى سنة خمس وثلاثين ، وقالوا له : أتترك الإسكندرية فى أيدى العرب وهى مدينتنا الكبرى [ق ١٥٩ أ] ، فقال لهم : ما تقدرون أن تقاوا العرب ساعة واحدة إذا لقيتموهم قالوا : يخرج على إنا نموت قتلا فتبايعوا على ذلك ، وخرج لهم ابن هرقل فى ألف مركب يريد الإسكندرية ، فسار فى أيام غالبة من الزنج ، فبعث الله عليهم ريحا فغرقهم الإقستطنطين ملك الروم فإنه نجا بمركبه ، فألقته الزنج بصقلية فسألوه أهلها عن أمره ، فأخبرهم بأمر الزنج وتغريق المراكب بالجيوش فقالوا له : أفنيت النصرانية وأغرقت رجالها ، فلو دخلت العرب علينا لم نجد من يردهم ، ثم أنهم قتلوه وكفى الله المؤمنين القتال (١).

وفى هذه الواقعة يقول بعض الشعوراء :

أنه عقل الفرنج عقل خفيف

حيث راموا قتالنا والنزالا

هلكوا بالهوى فماتوا جميعا

وكفى الله المؤمنين القتالا

__________________

* وردت هذه العبارة على هامش المخطوطة.

١٨٠