نزهة الأمم في العجائب والحكم

ابن إياس

نزهة الأمم في العجائب والحكم

المؤلف:

ابن إياس


المحقق: الدكتور محمّد زينهم محمّد عزب
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة مدبولي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٩

١
٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

والصلاة والسلام علي أفضل خلق الله سيدنا محمد الصادق الأمين ، وعلى آله وصحابته أجمعين ..

وبعد ..

فإن التراث كنز الشعوب والأمم الخالد والباقى على مر عصور الزمان ، وتتمتع الأمة الإسلامية بثراء هذه الكنوز ، فالتاريخ مرآة الأمم والشعوب ، فكل شىء فى الدنيا له تاريخ ، وكل علم من العلوم له تاريخ ، والتاريخ من العلوم الإنسانية فى حياة كل فرد ، وكل شعب وكل أمة. فلهذا حرصت كل الحرص على دراسة هذا العلم الواسع عن طريق الإمعان فى فحص مصادره ومراجعه.

فنقدم للمكتبة العربية كتابا من كتب التراث الهامة وهو كتاب :

«نزهة الأمم فى العجائب والحكم»

للمؤرخ ابن إياس

هو محمد بن أحمد بن إياس الحنفى أبو البركات مؤرخ بحاث مصرى من المماليك ، كان أبوه أحمد متصلا بالأمراء ورجال الدولة ، وتوفى فى شعبان سنة ٩٠٨ ه‍ ، وجده الأمير إياس الفخرى الظاهرى ، من مماليك الظاهر برقوق وقرر دوادرا ثانيا في دولة الناصر فرج بن برقوق. وكان صاحب الترجمة من تلاميذ جلال الدين السيوطى ، ولد سنة ٨٥٢ ه‍ / ١٤٤٨ م وحج سنة ٨٨٢ ه‍ ، له تاريخ ابن إياس المسمى «بدائع الزهور فى وقائع الدهور» «ونشق الأزهار فى العجائب» «ومرج الزهور» ، ثم المخطوطة التى بين أيدينا «نزهة الأمم فى العجائب والحكم» التى تقع فى ٢٦٧ قطعة وقمت بتصويرها من المكتبة المركزية بجامعة القاهرة عن مكتبة أيا صوفيا ، وبها بعض الصفحات المطموسة وقد راجعت إلى المصادر القريبة من

٥

المؤلف لتكملتها ، وخاصة كتاب «الخطط» للمقريزى ، «والنجوم الزاهرة» لابن تغرى بردى ، «ونهاية الأرب» للنويرى.

تتناول هذه المخطوطة حياة مصر منذ الخلق حتى نهاية القرن العاشر الهجرى سواء من الناحية التاريخية ، أو الأثرية أو الجغرافية ، أو الفلكية ، فيعتبر هذا الكتاب موسوعة تاريخية علمية ، وفى نفس الوقت ملخصا لأمهات الكتب ..

وقد قمت بنسخ هذا المخطوطة وإضافة بعض التعليقات والهوامش وعمل فهارس عامة للتاريخ الإسلامى ..

وأسأل الله العون والمغفرة ..

القاهرة ـ السكاكينى

١٤١٣ ه‍ ـ ١٩٩٣ م

الدكتور

محمد زينهم محمد عزب

٦

إهداء

أهدى هذا الكتاب لأمى وابنى أحمد .. ولكل باحث ودارس فى التاريخ وعاشق للتراث ..

٧
٨

بسم الله الرحمن الرحيم

[ق ٢ أ]

الحمد لله الذي عرّف وفهم ، وعلم الإنسان ما لم يكن يعلم واسبغ (١) علي عباده نعما باطنه وظاهره ، ووالي عليهم من مزيد الائه مننا متظافرة متواترة ، وبثهم في أرضه حينا يتقلبون ، واستخلفهم في ماله فهم به يتنعمون ، وهدي قوما إلي اقنتاص شوارد (٢) المعارف والعلوم ، وشوقهم للتفنن في مسارح التدبر والركض (٣) بميادين الفهوم ، وأرشد قوما إلى الانقطاع من دون الخلق إليه ، ووفقهم للاعتماد في كل أمر عليه ، وصرف أخرون عن كل مكروه وفضيلة ، وقيض لهم قرنا قادوهم إلى ذميمة من الأخلاق ورذيلة ، وطبع على قلوب أخرين ، فلا يكادون يفقهون قولا ، وثبطهم عن سبل الخيرات فما استطاعوا قوة ولا حولا ، ثم حكم على الكل بالفناء ، ونقلهم جميعا من دار التمحيص (٤) والإبتلاء إلى برزخ (٥) البيود والبلاء ، وسيحشرهم أجمعين إلى دار الجزاء ، ليوفى كل عامل منهم عمله ، ويسأله عما أعطاه وخوله ، وعن موقفه بين يديه سبحانه وما أعدله لا يسأل عما يفعل [ق ٢ ب] وهم يسألون.

أحمده سبحانه حمد من علم ، أنه إله لا يعبد إلا إياه ، ولا خالق للخلق سواه ، حمدا يقتضى المزيد من النعماء ويوالى المنن بتجدد الآلاء. وصلى الله على سيدنا محمد عبده ونبيه ورسوله وخليله سيد البشر ، وأفضل من مضي وغبر ، الجامع لمحاسن الأخلاق والسير ،

__________________

(١) سبغ ، شىء سابغ أى كامل واف ، وسبغ الشىء يسبغ سبوغا : طال إلى الأرض واتسع ، وأسبغ فلان ثوبه أى أوسعه.

انظر : لسان العرب لابن منظور ـ طبعة دار المعارف ـ القاهرة «مادة سبغ» المجلد الثالث ١٩٢٧ ـ ١٩٢٨.

(٢) هنا بمعني أنواع.

(٣) ركض الدابة يركضها ركضا ضرب جنبيها برجله ومركضة القوس معروفة وهما مركضتان ، وفلان يركض دابته وهو ضربه مركلييها برجليه ..

أنظر : لسان العرب ٣ / ١٧١٨ ـ ١٧١٩.

(٤) بمعنى الشدايد.

(٥) البرزخ ما بين كل شيئين من حاجز ، وفى الصحاح الحاجز بين الشيئين ، والبرزخ ما بين الدنيا والأخرة قبل الحشر من وقت الموت إلى البعث ، فمن مات فقد دخل البرزخ.

٩

والمستحق لاسم الكمال على الأطلاق من البشر ، الذي كان نبيا وآدم بين الماء والطين ، ورقم اسمه من الأزل في عليين ، ثم نقل من الأصلاب الفاضلة الزكية إلي الأرحام الطاهرة المرضية ، حتى بعثه الله عز وجل إلي الخلائق أجمعين ، وختم به الأنبياء والمرسلين أعطاه ما لم يعط من الفضل أحدا من العالمين ، وعلى آله وصحابته والتابعين ، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

وبعد ..

فأني لما طالعت كتب تواريخ الأمم الخالية ورأيت ما فيها من العجائب المتوالية ، استخرت الله (١) أن أجمع كتابا لطيفا أذكر فيه من أغرب ما سمعته ، وأعجب ما رأيته قاصدا فيه الاختصار لكي لا يطول فى التأليف مجموعة ، وفى المثل الساير أقصر الكلام منفوعه ، وقد ذكرت فيه من عجائب مصر وأعمالها ، وما صنعت الحكماء فيها من الطلسمات [ق ٣ أ] المحكمة والبرابى والأهرام وغير ذلك ، وذكرت طرف يسيرة من سير ملوكها ، وذكر شىء من عجائب نيلها ، وذكر شيء من خططها وآثارها ، وذكر سعت أقليمها وأقطارها ، وقد ذكرت في كتابي من أجل ما سطره ، وأفخر ما ذكره قاصدا فيه الاختصار كما تقدم ، وسميته «نزهة الأمم فى العجائب والحكم» والمستعان بالله فى المبدأ والختام ..

ومن هنا نشرع في الكلام على مبتدأ خلقة الأرض في الأزل ، وما فيها من عجائب صنع الله عز وجل.

أقول الجهات من الأرض ستة ، وهى الشرق حيث تطلع الشمس والقمر وسائر الكواكب فى كل قطر من الأفق ، والغرب وهو حيث تغرب فيه ، والشمال وهو حيث مدار الجدى والغرقدين ، والجنوب وهو حيث مدار سهل وهو ما يلى السماء والتخت وهو ما يلى كرة الأرض.

والأرض جسم مستدير كالكرة وقيل ليست بكرية الشكل ، وهي واقعة في الهواء بجميع جبالها وبحارها وعامرها وغامرها. والهواء محيط بها من جميع جهاتها كالمح في البيضة. وذهب الجمهور إلي أن الأرض كالكرة موضوعة في جوف الفلك كالمح في البيضة وأنها في

__________________

(١) وردت هذه الكلمة على هامش المخطوطة.

١٠

الوسط وبعدها في الفلك من جميع الجوانب علي التساوي ، وزعم هشام بن الحكم (١) أن تحت الأرض [ق ٣ ب] جسما من شأنه الأرتفاع ، وهو المانع للأرض من الأنحداد وهو ليس محتاجا إلى ما نعهده ، لأنه ليس بطلب الانحدار ، بل الأرتفاع.

وقال أخرى : وافقه علي مدار واحد من كل جانب والقلك يجد بها من وجه ، فلذلك لا يميل إلي ناحية من الفلك دور أخرى ، لأن قوة الأجزاء متكافية وذلك كحجر المغناطيس في جذبه للحديد ، فإن الفلك بالطبع مغناطيس الأرض فهو يجذبها ، فهي واقفة في الوسط ، وسبب وقوفها في الوسط سرعة تدور الفلك ودفعه أياها من كل جهة إلى الوسط ، كما إذا أوضعت ترابا في قارورة ، وادرتها بقوة فإن التراب يقوم في الوسط. وقد اختلف الناس في مسافة الأرض ، فقيل مسافتها خمسمائة عام ثلث عمران وثلث خراب وثلث بحار ، وقيل المعمور من الأرض مائة وعشرون سنة تسعون لياجوج ومأجوج ، وأثنا عشر للسودان وثمانية للروم وثلاثة للعرب ، وسبعة لسائر الأمم. وقيل الدنيا سبعة أجزاء ستة ليأجوج ومأجوج وواحد لسائر الناس.

وقال ازدشير بن بابل (٢) : الأرض أربعة أجزاء ، جزء منها للترك وجزء للعرب وجزء للفرس وجزء للسودان ، وقيل الأقاليم سبعة والأطراف أربعة ، والنواحى خمسة وأربعون [ق ٤ أ] والمدائن عشرة آلاف مدينة ، والرساتيق مائتا ألف وستة وخمسون ألفا ، وقيل المدن والحصون أحد وعشرون ألفا وستمائة مدينة ،

ففى الأقليم الأول : ثلاثة آلاف ومائة مدينة وقرية كبيرة. وفى الأقليم الثانى : ألفان وسبعمائة وثلاثة عشر مدينة وقرية كبيرة. وفى الأقليم الثالث ثلاثة آلاف وتسع وسبعون مدينة وقرية كبيرة ، وفى الأقليم الرابع : وهو (بابل) ألفان وتسعمائة وأربع وسبعون

__________________

(١) هو هشام بن الحكم الشيبانى بالولاء الكوفى أبو محمد ، متكلم مناظر ، كان شيخ الإمامية فى وقته.

ولد بالكوفة ونشأ بواسط ، وسكن بفداد. وإنقطع إلى يحي بن خالد البرمكى ، فكان القيم بمجالس كلامه ونظره. وصنف كتبا ، منها الإمامية والقدر والشيخ والغلام والدلالات على حدوث الأشياء ، والرد على المعتزلة فى طلحة والزبير والرد على من قال بإمامة المفضول والرد على هشام الجواليقى والرد على شيطان الطاق. مات فى سنة ١٩٠ ه‍.

(٢) هذا ما ورد فى كتاب البلدان لليعقوبى ، طبعة دار صادر ـ بيروت جزءان.

١١

مدينة وقرية كبيرة. وفي الأقليم الخامس : ثلاثة آلاف مدينة وست مدن. وفي الأقليم السادس ثلاثة آلاف وأربعمائة مدينة وثمان مدن. وفي الأقليم السابع ثلاثة آلاف مدينة وثلاثة مدينة فى الجزاير ..

وقال في كتاب هروشيش (١) : لما استقامت طاعة يوليش الملقب قيصر الملك في عامة الدنيا ، تخير أربعة من الفلاسفة فأمرهم أن يأخذوا له وصف حدود الدنيا وعدة جبالها وبحارها وكورها أرباعا ، فولى أحدهم أخذ وصف جزء المشرق ، وولى آخر أخذ وصف جزء المغرب ، وولى آخر أخذ وصف جزء الشمال ، وولى آخر وصف جزء الجنوب ، فتمت كتابة الجميع على أيديهم في نحو من ثلاثين سنة ، فكانت جملة البحار المسماة في الدنيا تسعة وعشرون بحرا منها في جزء المشرق [ق ٤ ب] ثمانية وفى جزء الغرب ثمانية ، وفى جزء الشمال أحد عشر وفي جزء الجنوب أثنان ، وعدة الجزاير المعروفة إحدى وسبعون جزيرة ، منها فى الشرق ثمانية ، وفي الغرب ستة عشر ، وفي جهة الشمال أحد وثلاثون ، وفي جهة الجنوب ستة عشر. وعدة الجبال الكبار المعروفة في جميع الدنيا ستة وثلاثون جبلا منها في الشرق سبعة ، وفي الغرب خمسة وعشرون ، وفى الشمال أثني عشر ، وفي الجنوب أثنان.

والبلدان الكبار ثلاثة وستون بلدا منها في الشرق سبعة وفي الغرب خمسة وعشرون ، وفي الشمال تسعة عشر ، وفي الجنوب أثنى عشر ..

والكور الكبار المعروفة تسع ومائتان كورة ، منها في الشرق خمس وسبعون ، وفي الغرب ستة وستون ، وفي الشمال ستة ، وفي الجنوب أثنان وستون كورة.

والأنهار الكبار المعروفة في جميع الدنيا ستة وخمسون نهرا ، منها لجزء الشرق سبعة عشر. ولجزء الغرب ثلاثة عشر ولجزء الشمال تسعة عشر ولجزء الجنوب سبعة.

والأقاليم السبعة كل أقليم منها كأنه بساط قد مد طوله من المشرق وإلى المغرب وعرضه من الشمال إلى الجنوب. وهذه الأقاليم مختلفة الطول والعرض.

وبالجملة هذه [ق ٥ أ] الأقاليم خطوط متوهمة لا وجود لها في الخارج ، وقد وضعوها القدماء الذين جالوا في الأرض ليقفوا علي حقيقة حدودها ، ويتيقنوا مواقع البلدان منها ويعرفوا طرق مسالكها ، هذا حال الربع المسكنون ، وأما الثلاثة أرباع الباقية قأنها خراب فجهة الشمال واقعة تحت مدار الجدي فكذا فرط هناك البرد وصار ستة أشهر ليلا مستمرا ،

__________________

(١) هذا ما ذكره المقدسى فى كتابه «أحسن التقاسيم لمعرفة الأقاليم».

١٢

وهى مدة الشتاء وعندهم لا يعرف فكذا فرط هناك البرد وصار ستة أشهر ليلا مستمرا ، وهي مدة الشتاء وعندهم لا يعرف فيها نهار ويظلم الهواء فيها ظلمة شديدة ، وتجمد المياة لقوة البرد فلا يتكون هناك نبات ولا حيوان ، ويقابل هذه الجهة الشمالية ناحية الجنوب حيث مدار سهل فيكون النهار ستة أشهر ، نهار بغير ليل ، وهى مدة الصيف عندهم فيحمي الهواء ويصير سموما محرقا يهلك بشدة حرة الحيوان والنبات ، فلا يمكن سلوكه ولا السكن فيه.

وأما ناحية الغرب فيمنع البحر المحيط من السلوك فيه لتلاطم أمواجه وشدة ظلماته ، وأما ناحية الشرق يمنع من سلوكه الجبال الشامخة وصار الناس بأجمعهم قد انحصروا فى الربع المسكون من الأرض ولا علم لأحد منهم بالثلثة أرباع الباقية والأرض كلها بجميع ما عليها من الجبال والبحار نسبتها إلي الفلك كنقطة في دائرة [ق ٥ ب] وقد أعتبرت حدود الأقاليم السبعة بساعات النهار ، وذلك أن الشمس إذا دخلت بربع الحمل يساوي طول النهر والليل في سائر الأقاليم كلها ، فإذا انتقلت في درجات برج الحمل والثور والجوزاء ، وأختلفت ساعت نهار كل أقليم فإذا بلغت أخر الجوزاء.

وأول برج السرطان بلغ طول النهار في وسط الأقليم الأول ثلاث عشرة ساعة سواء ، وصارت في وسط الأقليم الثانى ثلاث عشرة ساعة ونصف ساعة ، وفي وسط الأقليم الثالث أربع عشرة ساعة ، وفي وسط الأقليم الرابع أربع عشرة ساعة ونصف ساعة وفي وسط الأقليم الخامس عشرة ساعة ونصف ساعة ، وفى وسط الأقليم السادس خمسة عشر ساعة ونصف ساعة ، وفي وسط الأقليم السابع ستة عشرة ساعة سواء ، وما زاد على ذلك إلي عرض تسعين درجة يصير نهارا كله ، ومضى طول البلد من أقصى العمارة في الغرب وعرضها من خط الأستواء ، وخط الأستواء هو الموضوع الذي يكون فيه الليل والنهار طول الزمان هو أفكل بلد علي هذا الخط لا عرض له ، وكل بلد في أقصي الغرب لأطول [ق ٦ أ]. ومن أقصي الغرب إلي أقصي الشرق مائة وثمانون درجة ، وكل بلد يكون طوله تسعين درجة فإنه في الوسط ما بين الشرق والغرب ، وكل بلد كان طوله أقل من تسعين درجة فأنه أقرب إلى الغرب وبعد من الشرق ، وما كان طوله من البلاد أكثر من تسعين درجة فإنه أبعد عن الغرب ، وأقرب من الشرق وقد ذكر يعض القدماء أن العالم السفلي مقسوم علي سبعة أقسام ، كل قسم يقال أيضا كما في أعلا الأرض.

١٣

ذكر حدود أرض مصر

وجهاتها وأقطارها

على سبيل الاختصار

أعلم أن التحديد هو صفة المحدود وهو نهاية الشيء. قال أبو الصلت (١) أمية الأندلسي : أن حد مصر في الطول من مدينة برقة التي في جنوب البحر الرومي إلي إيلة (٢) من ساحل الخليج ، الخارج من بحر الحبشة والزنج (٣) والهند والصين ، ومسافة ذلك قريب من أربعين يوما ، وحدها في العرض من مدينة أسوان وأعمالها من الصعيد الأعلى المزاحم لأرض النوبة إلي رشيد وما حاداها من مسافة النيل في البحر الرومي ، ومسافة ذلك من ثلاثين يوما ويكنفها في العرض إلي منتهاها جبلان أحدهما في الضفة الشرقية من النيل وهو من المقطمة والآخر من الضفة الغربية وضيعهما من لدن أسوان إلى أن ينتهيا إلي الفسطاط ، إلي حين ويمر بسبع مسافة ما بينهما ، وينفرج قليلا تأخذ المقطمة منها شرقا والآخر مغربا ، ثم يتسع في أرض مصر من الفسطاط إلي ساحل البحر الرومي الذي عليه الفرما وتنيس ودمياط ورشيد والأسكندرية ، ومن هنا ينقطع في عرضها الذي هو مسافة ما بين أويلها في الجنوب [وأوغلها](٤) في الشمال.

__________________

(١) هو أمية بن عبد العزيز الأندلسى الدانى أبو الصلت : حكيم ، أديب من أهل دانية بالأندلس. ولد فيها ورحل إلي المشرق فأقام بمصر عشرين سنة عاما ، سجن فى خلالها ونفاه الأفضل شاهنشاه منها فرحل إلي الأسكندرية ، ثم انتقل إلى المهدية (من أعمال المغرب) فأتصل بأميرها يحيي بن تميم الصنهاجي ، وأبنه على بن يحيي ، ومن تصانيفه «الحديقة» ورسالة عن الأسطراب والوجيز فى علم الهيأة والأدوية المفردة وتقويم الذهن في علم المنطق ، وله شعر فيه رقة وجودة. ولد سنة ٤٦٠ ه‍ / ١٠٦٨ م ومات سنة ٥٢٩ ه‍ / ١١٣٥ م.

(٢) بالفتح مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلى الشام ، قال أبو عبيدة : أيلة مدينة بين الفسطاط ومكة علي شاطيء بحر القلزم ، تعد فى بلاد الشام ..

(٣) بضم أوله وسكون ثانيه وآخره جيم من قرى نيسابور عن العمرانى.

(٤) إضافة من خطط «المقريزى»

١٤

ذكر بحر القلزم

وما فى من العجائب

أعلم أن هذا البحر فما عرف في ناحية ديار مصر بالقلزم ، لأنه كان بساحله الغربي في شرقى أرض مصر مدينة تسمى القلزم ، وقد خربت فسمى هذا البحر باسم تلك المدينة ، وهذا البحر إنما هو خليج من البحر الكبير المحيط بالأرض الذي يقال بحر اقيانس ، ويعرف أيضا بحر الظلمات لتكاثف المياه المتصاعدة منه وضعف الشمس عن حله ، فيغلظ وتشتد الظلمة فيه وتعظم أمواجه وتكثر أهواله ، ولم يقف أحد علي خبره سوى على ما عرف من بعض سواحله وما قرب من جزائره ، وقد قيل فيه ست جزائر (١) يسكنها قوم متوحشون. وفي جانب هذا البحر الشرقي مما يلي الصين [ق ٧ أ] ست جزائر أيضا تعرف بجزائر السبلى وقد نزل بها بعض العلويين في [أول] الرسلام خوفا على أنفسهم من القتل.

ويخرج من هذا البحر المحيط ستة أبحر أعظمها أثنان وهما اللذان ذكرهما الله تعالى في القرآن بقوله : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ)(٢) الآية. وقوله (وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً)(٣) فأحدهما من جهة الشرق والأخر من جهة الغرب. فالخارج من جهة الشرق يقال له البحر الصينى والهندى والفارسي واليمني والحبشي بحسب ما يمر عليه من البلدان. وأما الخارج من الغرب فيقال له البحر الرومى.

__________________

(١) ورد عند المقريزى فى الخطط جزائر الخالدات.

(٢) ١٩ م الرحمن : ٥٥.

(٣) ٦١ ك النمل : ٢٧.

١٥

ذكر بركة غرندل

أعلم أن أيلة (١) مكانا كان يعرف قديما بمدينة أيلة ، ومكانا أيضا بمدينة فاران (٢) ، وعندها جبل لا يكاد ينجو منه مركب لشدة إختلاف الريح وقوة ممرها من بين شعبتي جبلين ، وهي بركة سعتها ستة أميال تعرف ببركة الغرندل ، ويقال أن فرعون غرق فيها ، فإذا هبت ريح الجنوب لا يمكن سلوك هذه البركة. ويقال أن الغرندل اسم صنم كان في القديم هناك ، قد وضع ليحبس من خرج من أرض مصر مغاضبا للملك ، أو فارا منه وأن موسى عليه السلام لما خرج ببنى إسرائيل من مصر ، وسار بهم مشرقا أمره الله تعالى [ق ٧ ب] أن ينزل تجاه هذا الصنم ، فلما بلغ ذلك فرعون ظن أن الصنم قد حبس موسى ومن معه من بنى إسرائيل ، كما يعهدون من الصنم قديما فخرج بجنوده في طلب موسي وقومه ليأخذهم بزعمه ، فكان من غرقه ما قصته مشهورة.

ذكر البحر الرومى

ولما كانت عدة بلاد من أرض مصر ملطة على البحر الرومي كمدينة وإسكندرية ودمياط وتنيس والفرما والعريش وغير ذلك. وكان حد أرض مصر في الجهة الشمالية إلي هذا البحر ، وكان النيل يصب فيه فحسن أن نذكر شيئا من أخباره ، وقد تقدم في الأقاليم أن يخرج البحر الرومي من جهة الغرب ، وهو يخرج في الأقليم الرابع بين الأندلس والغرب وسائرا إلي القسطنطينية ، ويقال إن هركنش (٣) الجبار حفره وأجراه من البحر المحيط الغربي ، وأن جزيرة الأندلس وبلاد البربر كانت أرضا واحدة يسكنها الأشبان والبربر ، وكان بعضهم يغير على بعض إلي أن ملك هركنش الجبار بن ملك بن سلقوس بن اغريقش بن دوبان فرغب

__________________

(١) بالفتح مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلى الشام وقيل هي أخر الحجاز وأول الشام واشتقاقها قد ذكر في اشتقاق إيلياء بعده.

(٢) بعد الألف راء وأخره نون كلمة عبرانية معربة ، وهي من أسماء مكة ذكرها في التوراة قيل هو اسم لجبال مكة.

(٣) ورد فى الخطط (إسكندر).

١٦

إليه [ق ٨ أ] الأشبان في أن يجعل بينهم وبين البربر خليجا من البحر يمكن به احتراز كل طائفة عن الأخري ، فحفر زقاقا طوله ثمانية عشر (١) ميلا في عرض أثني عشر ميلا ، وبني بجانبيه السكرين وعقد بينهما قنطرة ، يجاز عليها وجعل عندها حرسا يمنعون من البربر الجواز عليها إلا بإذن منه ، وكان قاموس البحر أعلى من أرض هذا الزقاق فطما الماء حتى غيطي السكرين مع القنطرة ، وساق بين يديه بلادا كثيرة ، وطغي علي عدة بلاد ، ويقال أن المسافرين في هذا الزمان بالبحر يخبرون أن المراكب في بعض الأوقات يتوقف سيرها مع وجود الريح ، فيجد دون المانع لها لكونها قد سلكت بين شرافات السور وبين حايطين القنطرة ، ثم عظم هذا الرفاق في الطول والعرض حتي صار بحرا عرضه ثمانية عشر ميلا.

ويذكرون أن البحر إذا جزر تري القنطرة فيه ، وهذا الزقاق صعب السلوك شديد الهول متلاطم الأمواج ، وهذا البحر من هذا الزقاق مشرقا في بلاد البربر وشمال الغرب الأقصي إلي أواسط بلاد المغرب علي أفريقية وبرفة وإسكندرية وشمال اليته وأرض فلسطين وسواحل بلاد الشام ، ثم يعطف من هناك إلي العلايا وانطاكية (٢) إلي ظهر بلاد القسطنطينية حتي ينتهي إلي البحر المحيط الذى خرج منه ، وطول هذا البحر [ق ٨ ب] خمسة آلاف ميل ، وقيل ستة آلاف ميل وعرضه من سبعمائة ميل إلي ثلاثمائة ميل ، وفيه مائة وسبعون جزيرة عامرة فيها أمم كثيرة منها صقالية وبيروقة واقربطش (٣) وقباله البحر الهندى من جهة المغرب بحر خارج من المحيط في مغرب بلاد الزنج ينتهى إلي قريب من جبل القمر ، وفيه مصب النيل المار علي بلاد الحبشة ، وفي أسفله جزائر الخالدات التي هي منتهي الطول فيالمغرب ، وبقابل البحر الشامي من ناحية المشرق وبحر جرجان ، وقيل أنه متصل بالبحر امحيط من بين جبال شاقة وبحر الصقالب ، يخرج من جهة المغرب بين الأقليم السادس والأقليم السابع وهو متسع فيه جزائر كثيرة ، منها جزيرة الأندلس إلا أنها متصلة بالبر الكبير ، وهو جبل كالذراع يتصل بهذا البر عند برسلونة ، ولهم بحر يعرف بيأجوج ومأجوج وهو غزير وفيه عجائب كثيرة.

__________________

(١) ورد عند المقريزى (أثنى عشر).

(٢) بالفتح ثم السكون والياء مخففة قصبة العواصم من الثغور الشامية وهى من أعيان البلاد وأمهاتها موصوفة بالنزاهة والحسن وطيب الهواء وعذوبة الماء وكثرة الفواكه وسعة الخير.

(٣) بفتح الهمزة وتكسر والقاف ساكنة والراء مكسورة وياء ساكنة وطاء مكسورة وشين معجمة اسم جزيرة في بحر المغرب يقابلها من بر أفريقية لوبيا وهى جزيرة كبيرة فيها مدن وقري وينسب إليها جماعة من العلماء.

١٧

وقال أبو الريحان محمد بن أحمد البيرونى (١) في كتاب «تحديد نهايات الأماكن لتصحيح مسافات المساكن» وقد كان حرص بعض ملوك الفرس على من كان بمصر على أن يحفروا ما بين البحرين القلرم والرومي [ق ٩ أ] ويرفعوا البرزخ من بينهما ، وكان أولهم شاسيس بن طراطيس الملك ، ثم من بعده دارنوش الملك ، فلم يتمكن لهم ذلك لأرتفاع ماء القلزم على أرض مصر.

فلما كانت دولة اليونانيين جاء بطليموس الثالث ففعل ذلك على يد الملك ارسمدس بحيث يحصل الغرض بلا ضرر. فلما كانت دولة الروم القياصرة طموه منعا لمن يصل إليهم من أعدائهم.

وذكر بعض أصحاب السير من الفلاسفة أن ما بين الأسكندرية وبلادها وبين القسطنطينية كان في قديم الزمان أرضا تنبت الجميز ، وكانت مسكونة وخمة الأرض ، وكان أهلها قوما من اليونان ، وأن الإسكندر خرق إليها البحر فغلب على تلك الأرض. كان بها فيما يزعمون أن الطائر الذى يقال له القفنس ، وهو طائر حسن الصوت وإذا حان موته زاد حسن صوته قبل ذلك بسبعة أيام ، حتى لا يمكن أحد أن يسمع صوته لأنه يغلب علي قلبه من صوته ما يميت السامع ، وأنه يدركه قبل موته بأيام طرب عظيم وسرور فلا يهدأ من الصباح ، وزعموا أن الموسيقى من الفلاسفة أراد أن يسمع صوت قفنس في تلك الحال ، فخشي أن يقتله حسن صوته فسد أذنيه [ق ٩ ب] سدا محكما ثم قرب إليه فجعل بفتح من أذنية شيئا بعد شيء حتي استكمل فتح الأذن في ثلاثة أيام إلي أن وصل إلي سماعه رتبة بعد رتبة ، وزعموا أن ذلك الطائر هلك ولم يبق منه ولا من فراخه شىء لهجومه ماء البحر عليه وعلى فراخه بالليل في الأوكار ، فلم يبق له ولا لفراخه بقية. ويقال أن بعض الفلاسفة أراد ملك من الملوك قتله فأعطاه قدحا فيه سم ليشربه ، وأعلمه بذلك فظهرت منه مسرة وفرح ، فقال له : ما هذا أيها الحكيم؟ فقال هل أعجز أن أكون مثل قفنس.

__________________

(١) هو محمد بن أحمد أبو الريحان البيرونى الخوارزمى : فيلسوف رياضى مؤرخ ، من أهل خوارزم.

أقام فى الهند بضع سنين ومات فى بلده. أطلع على فلسفة اليونانيين والهنود ، وعلت شهرته ، وأرتفعت منزلته عند ملوك عصره. وصنف كتبا كثيرة جدا متقنة. له عدة مصنفات منها «الآثار الباقية عن القرون الخالية» و «الاستيعاب فى صنيعة الأسطراب» و «الجماهير فى معرفة الجواهر» و «تاريخ الأمم الشرقية» و «القانون المسعودى» فى الهيئة والنجوم والجغرافيا و «تاريخ الهند» و «الإرشاد» فى أحكام النجوم و «التفهيم لصناعة التنجيم» فى الفلك و «استخراج الأوتار» هندسة. ولد سنة ٣٦٢ ه‍ / ٩٧٣ م ومات سنة ٤٤٠ ه‍ / ١٠٤٨ م.

١٨

ذكر اشتقاق

مصر ومعناها وتعداد أسماءها

ويقال كان اسمها في الدهر الأول قبل الطوفان «جزله» ، ثم سميت «مصر» ، وقد اختلف أهل العلم عن المعني الذي من أجله سميت هذه الأرض بمصر. فقال قوم سميت بمصر ابن مركابيل بن دوابيل بن عريان بن آدم عليه السلام ، وهو مصر الأول ، وقيل ، بل سميت بمصر الثانى وهو مصرام بن نقراوش الجبار بن مصريم بن تيصر بن حام بن نوح عليه السلام وذلك بعد الطوفان وهو اسم أعجمي لا ينصرف.

وقال آخرون هو اسم عربي مشتق فأما من ذهب إلي [ق ١٠ أ] أن مصر اسم أعجمى فأنه أستدل إلي ما رواه أهل العلم بالأخبار من نزول مصريم بن بنيصر بهذه الأرض ، وقسمها بين أولاده فعرفت به.

وذكر أبو الحسن المسعودى (١) في كتاب أخبار الزمان : أن بني نوح عليه السلام لما تحاسدوا وبغي بعضهم علي بعض ، ركب نقراوش في نيف وسبعين من كبار قومه جبابرة ، وكلهم يطلبون موضعا من الأرض يقطنون فيه ، فلم يزالوا يمشون حتى وصلوا إلي النيل ، فلما طالوا في المشي رأوا سعة البلد وحسنها أعجبهم ، وقالوا : هذا بلد زرع وعمارة أقاموا فيه واستوطنوه وبنوا فيه الأبنية المحكمة والمصانع العجيبة ، وبني نقراوش مصر ، ونزل بها فلم يزل مطلعا.

__________________

(١) هو علي بن الحسين بن علي أبو الحسن المسعودى ، من ذرية عبد الله بن مسعود ، مؤرخ رحالة بحاثة من أهل بغداد ، أقام بمصر وتوفي بها. قال الذهبي «عداده فى أهل بغداد ، نزل مصر مدة. وكان معتزليا» من تصانيفه «مروج الذهب» و «أخبار الزمان ومن أباده الحدثان» و «التنبية والإشراف» و «أخبار الخوارج» و «ذخائر العلوم وما كان فى سالف الدهور» و «الرسائل» و «والاستذكار بما مر في سالف الأعصار» و «أخبار الأمم من العرب والعجم» و «خزائن الملوك وسر العالمين» و «المقالات في أصول الديانات» و «البيان» فى أسماء الأئمة و «المسائل والعلل فى المذاهب والملل» و «الإبانة عن أصول الديانة». و «سر الحياة» و «الاستبصار» في الإمامة ، و «السياحة المدنية» فى السياسة والاجتماع ، وهو غير المسعودى الفقيه الشافعى وغير شارح المقامات الحريرية.

١٩

وقد كان وقع إليه من العلوم التى كان رواميل قد علمها لآدم عليه السلام ، فلم يزل يقهر الجبابرة الذين (١) كانوا قبله وملوكهم ، ثم أمر أن تبنا له مدينة مكان خيمته ، فقطعوا الصخور من الجبال وآثار ومعادن الرصاص ، وبنوا وزرعوا وعمروا الأرض ، ثم أمر ببناء المدائن والقرى واسكن كل ناحية من الأرض أقاربه وأصحابه ، ثم أمر بحفر النيل حتى أخرجوا ماء إليهم ولم يكن قبل ذلك [ق ١٠ ب] معتدل في مجريانه ، وإنما كان ينبطح ويتفرق فى الأرض حتي وجه إلي النوبة ، وهندسوه وساقوا منه أنهارا إلي مواضع كثيرة من المدن.

وقيل أن قليمون الكاهن خرج من مصر والحق بنوح عليه السلام ، وأمن به هو وأهله وولده وتلاميذه ، وركب معه في السفينة وزوج ابنته بنيصر بن حام بن نوح عليه السلام ، فلما خرج نوح من السفينة وقسم الأرض بين أولاده وكانت أبنة قليمون قد ولدت لبنيصر ابنا سماه مصرايم ، فقال قليمون لنوح : ابعث معى يا نبي الله ولد أبنتي حتي أمضي به بلدي «يعنى مصر» ، وأظهره علي كنوزه وأوقفه علي علومه ورموزه. فأرسله نوح عليه السلام مع جماعته من أهل بيته ، فلما قرب من مصر بني له عريشا من أغصان الشجر وستره بحشيش الأرض ، ثم بني له بعد ذلك في هذا الموضع مدينة سماها درسان أى الجنة ، وزرع وغرس فيها الأشجار فصارت هناك زروع وعمارة ، وكان الذي مع مصرايم جبابرة فقطعوا الصخور وينوا المعالم والمصانع وأقاموا أرغد عيش ، ويقال أن لما غرست الأشجار بمصر فكانت ثمارها [ق ١١ أ] عظيمة بحيث تشق الأترجة نصفين فيحمل البعير نصفها ، وكان القثاء فى طول أربعة عشر شبرا.

وقيل أن مصرايم أول من صنع السفن بالنيل ، وأن سفينة كانت طولها ثلاثمائة ذراع في عرض مائة ذراع ، ويقال أن مصرايم نكح امرأة من بنات الكهنة فولدت له ولدا ، يقال له قبطيم ، ونكح قبطيم بعد سبعين سنة من عمره امرأة فولدت له أربعة نفر : أنه قبطيم وأشمون وأتريب وصا ، فكثروا وعمروا الأرض وبورك فيها ، وقيل إنه كان عدد من وصل معهم ثلاثين رجلا ، فبنوا مدينة سموها ناقة ، ومعنى ناقة يعني مدينة ثلاثون بلغتهم وهي منف ، وكشف أصحاب قليمون الكاهن عن كنوز مصر وعلومها وآثار المعادن وعمل الطلسمات وعمل الكيمياء ، ثم أن مصرايم أمرهم عند موته أن يحفروا له في الأرض سربا ، وأن يفرشوه بالمرمر الأبيض ، ويجعلو فيه جسده ويدفنوا معه جميع ما فى خزائنه من الذهب والجوهر ، وكتبوا عليه أسماء الله

__________________

(١) وردت فى الأصل «الذى».

٢٠