نزهة الأمم في العجائب والحكم

ابن إياس

نزهة الأمم في العجائب والحكم

المؤلف:

ابن إياس


المحقق: الدكتور محمّد زينهم محمّد عزب
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة مدبولي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٩

[ق ١١٧ ب] إلى ليال من برمهات حتى تخرج العين منها وتقلم الأشجار فى طوبة وأمشير ـ إلا السدر وهو شجر النبق فإنه يقلم فى برمودة.

وجميع أراضى مصر تقاس بالفدان وهو عبارة عن أربعمائة قصبة حاكمية طولا فى عرض قصبة واحدة ، والقصبة ستة أذرع وثلثا ذراع بذراع القماش ، وخمسة أذرع النجار تقريبا.

ذكر أقسام مال مصر

وأصل ذلك فى الإسلام أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، بلغه أن تجارا من المسلمين يأتون من المسلمين يأتون أرض الجند فيأخذون منهم [ق ١١٨ أ] منهم العشر ، فكتب عمر إلى موسى الأشعرى وهو على البصرة : أن خذ من كل تاجر يمر بك من المسلمين من كل مائتى درهم خمسة دراهم ، وخذ من تجار العهد يعنى أهل الذمة من كل عشرين درهم درهما.

وأول من أحدث ما لا سوى بمصر أحمد محمد بن مدبر ـ لما ولى خراج مصر بعد سنة خمسين ومائتين ـ فإنه كان من دهاة الناس وشياطين الكتاب ، فابتدع فى مصر بدعا صارت مستمرة من بعده ، فأحاط بالنطرون وحجر عليه بعد ما كان مباحا لجميع الناس ، وقرر على الكلأ الذى ترعاه البهائم ما لا سماه المراعى ، وقرر على ما يطعمه الله من البحر وهو السمك ما لا وسماه المصايد ... وغير ذلك.

فلما ولى الأمير أحمد بن طولون بمصر وأضيفت إليه الثغور الشامية والمصرية تنزه عن أناس هذه الأمور وكتب باسقاطها من جميع أعماله ، وكانت تبلغ بمصر خاصة مائة ألف [ق ١١٨ ب] دينار فى كل سنة ثم أعيدت جميع تلك المظالم والمكوس فى أثناء الدولة الفاطمية عند ما ضعفت دولتهم.

فلما ولى السلطان الملك الناصر صلاح الدين أبو المظفر يوسف بن أيوب بن شادى بملك مصر أمر باسقاط مكوس مصر والقاهرة جميعها ، وكتب بذلك مرسوما عند القاضى الفاضل عبد الرحيم وكان جملة ذلك في كل سنة مائة ألف دينار.

١٤١

فلما ولى ابنه الملك العزيز عثمان أعاد المكوس وزاد فى شناعتها. قال القاضى الفاضل فى متجددات سنة تسعين وخمسمائة وكان قد تتابع فى شهر شعبان أهل مصر والقاهرة فى أظهار المنكرات وترك الإنكار لها وإباحة أهل الأمر والنهى إليها وتفاحش الأمر فى تلك السنة إلى أن غلا سعر العنب لكثرة من يعصره ، وأقيمت طاحون بحارة المحمودية لطحن بذر الحشيش فيها وخميت بيوت المزر ، وأقيمت عليها الضرائب الثقيلة حتى صارت تأخذ منها فى كل يوم [ق ١١٩ أ] ستة عشر دينارا ، وحملت أوانى الخمر على روءس الأشهاد وفى الأسواق من غير منكر لذلك وظهر عقب ذلك وفوق زيادة النيل عن معتادها وغلت سعر الغلة فى وقت ميسورها.

وقال جامع السيرة التركية : ولما استقل الملك المعز عز الدين أيبك التركمانى الصالحى بمملكة مصر فى سنة خمسين وستمائة بعد انقراض دولة بنى أيوب ، فجدد أيبك التركمانى مكوسا وضمانات وأخذ من التجار أموالا ومن أرباب العقارات وغير ذلك.

ولما ولى الملك المظفر سيف الدين قطز مملكة مصر بعد خلع الملك المنصور على ابن المعز أيبك التركمانى أحدث عند سفره الذى قتل فيه مظالم كثيرة لأجل جمع المال وصرفه فى الحركة لقتال التتار منها أنه أحدث على كل إنسان دينارا من الفقراء والنساء وأخذ ثلث الترك الأهلية وأحدث من هذا الأمر شىء كثيرا حتي بلغ ذلك ستمائة ألف دينار ، فلما قتل قطز ومضى خبره.

وجلس الملك الظاهر ركن الدين بيبرس بعده على سريره الملك بمصر [ق ١١٩ ب خ بقلعة الجبل فعند ذلك أبطل جميع ما كان من المظالم قديما وحديثا وكتب بذلك مساميح قرئت على المنابر وذلك فى سنة اثنين وستين وستمائة وأبطل ضمان الحشيس من الديار المصرية وأمر باراقة الخمور وأبطال المنكرات وخراب بيوت المسكرات ومنع الحانات من الخواطى بجميع أقطار مملكة مصر والشام فظهرت من ذلك البقاع جميعا وقد أحضر إليه بشخص يسمى الكازرونى وهو سكران فأمر بصلبه وعلقت الجرة فى عنقه وذلك الذى يقول فيه ابن دانيال.

لقد كان بعد السكر من قبل صلبه

خفيف الأذى إذ كان فى شرعنا جلدك

فلما بدا المصلوب قلت لصاحبى

ألايت فإن الحد قد جاور الحدا

ولما ولى الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفى بمملكة مصر أبطل زكاة الدولة وهو ما

١٤٢

كان يؤخذ من الرجل عن زكاة ماله أبدا ولو عدم منه ولو مات لا يزال يؤخذ من ورثته ، وأبطل ما كان يجبى من أهل إقليم مصر كله إذا حضر مبشر بفتح حصن أو بنصرة عسكر [ق ١٢٠ أ] أو نحوه فيؤخذ من الناس على قدر طبقاتهم وكان يجتمع من ذلك مال كثيرة ، وأبطل ما كان يجنى عنده وفاء النيل من أهل مصر مما كان يعمل شوى وحلوى وفاكهة برسيم المقياس وجعل مصروف ذلك من بيت المال وأبطل أشياء كثيرة من هذا النمط.

ولما ولى الملك الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون أبطل ضمان المغانى ، وكان ذلك بلاء عظيما وهو عبارة عن أخذ مال من النساء البغايات وذلك لو خرجت أجل المرأة فى مصر تريد البغا ونزلت اسمها عند الضامنة وقامت بما يلزمها لما قدر أكبر من فى مصر بمنعها من عمل الفاحشة وكان يؤخذ من كل باع ملكا عن ألف درهم عشرون درهما ، وكان متحصل هذين الجهتين مال كبير جدا.

ولما ولى الملك الظاهر برقوق أبطل من المظالم شيئا كثيرا منها ما كان يؤخذ من بيع القمح من الفقراء بثغر دمياط فمن يبتاع من أردبين إلى ما دونهما ، وأبطل ما كان يؤخذ على الدريس والحلفاة بباب النصر خارج القاهرة ، وأبطل الأبقار التى كانت ترمى على الناس بالوجه البحرى عند فراغ الجسور وأبطل من هذا النمط شيئا كثيرا.

ولما ولى ابنه الملك الناصر فرج بن برقوق [ق ١٢٠ ب] الملك بمصر زاد فى الظلم وتجديد المكوس بواسطة الأمير جمال الدين يوسف الاستا دار فزاد مظالما كثيرة وكان فيما زاده أخذ المكس من الصيادين وكان ذلك قد بطل من مصر وأعمالها من البورى وغيره من السمك ، ولما تجدد المكس عليها قل السمك بالقاهرة وغلا سعره.

قال أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس فى تاريخ مصر أن كان صنما بالإسكندرية يقال له شراحيل على حشفه من حشف البحر مستقبل بأصبع من كفه نحو قسطنطينية أكان مما عمله سليمان بن داود ، أم عمله الإسكندر؟ فكانت الحييتان السمك يدور بذلك الصنم ، وتصاد عنده فيما زعموا ، فكتب رجل يقال له أسامة بن زيد وكان عاملا على مصر للوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين كتابا يذكر فيه إن عندنا بالإسكندرية صنما يقال له شراحيل من نحاس ، وقد غلت علينا الفلوس الجدد والنحاس ، فإن رأى أير المؤمنين أن ينزله ويضربه فلوسا فعلنا ، وأن رأى غير ذلك فالأمر أمره ، فكتب إليه : لا تنزله حتي أبعث إليك أمناء يحصرونه فبعث إليه رجالا [ق ١٢١ أ] أمنتاء حتى أنزلونه من الحشفة فوجدوا عيناه

١٤٣

ياقوتتين ليس لهما قيمة فعند ذلك ضربة فلوسا ، فلما بطل فعله انطلقت الحيات السمك من ذلك المكان ، ولم ترجع إليه من ذلك الوقت.

ولما ولى الملك المؤيد شيخ مملكة مصر بعد الخليفة العباس بن محمد بن أمير المؤمنين المستعين بالله فأمر المؤيد شيخ يجنى الجوالى من اليهود والنصارى فأخذت منهم المثل مثلين وحصل لهم ضرر زايد وأحدث مظالم كثيرة فى أيامه. وقد صار كل ملك من الملوك لا بد أن يحدث شىء فى أيامه من أبواب الظلم فيتبعه على ذلك من يجيء بعده ، وربما يزيد عليه شيئا آخر ، والأمر فى ذلك لله ما شاء فعل ، وقد قال بعضهم.

كم من ملوك طغوا فينا وما عدلوا

ولم تنل منهم رفقا مساكنهم

حتى إذا ما عثوا عن ما نهوا أخذوا

فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم

وقال الإمام على رضى الله عنه :

يسعى ابن آدم فى قضى أؤطاره

والموت يتبعه على آثاره

يلهو وكف الموت فى أطواقه

كالكبش يلعب فى يدى جزاره

يمسى وقد أمن الحوادث ليلة

فلربما يطرقه فى أسحاره

[ق ١٢١ ب]

من ليس يعلم وكيف تصبح داره

من بعده فليعتبر بجواره

قيل كتب قيصر إلى كسرى كتابا وكانا ضدين متباغضين لاقتسامهما نصفين الدنيا ، يقول له فى الكتاب «أعلمنى بمادامت لك الطاعة فى جميع أهل ممللتك مع شطه أقطارها واستثبتت لك الأمور ، وساعدك المقدور وأنت رجل مجوسى ليس لك كتاب منزل ولا نبى مرسل.

وكتب إليه كسرى وهو يقول فى كتابه : استقام إلى أمر مملكتى فى جميع ما ذكرته وما لم تذكره وما هو أعظم منه وذلك أن لى عشرة خصال تؤمن فى مثلها الغاية التى يحذر وقوعها وهى إنى لم أهزل فى أمر ولا نهى ولا أكذب فى رعد ولا عيد ، واستخدم فى أعمالى الكفاءة والأغنياء وعقوبتى للذنب لا للغضب واستلمت قلوب الرعية بتوقيع منافعها ، والحرص على

١٤٤

مدافعها وعميت بالقوت ومبعث من الفضول ونزلت الرعية طبقاتها المتعارفة وحدرت كل أحد أن يتجاوز حد طبقته لأن أكبر أسباب الفساد التى تعرض للدول من أهمال ضبط الطبقات [ق ١٢٢ أ] فيدخل كل منهم فى ما ليس من شكله ولا مخبرة له به ولا من شأنه فيتابع الفساد ويستسرى الأضطراب فحينئذ اجتمعت لي القلوب مع كثرة الاعظام والمهابة ثم إنى لم أخيب قصد من رجائى ولا قطعت حبل من واصلنى ولا أبغضت من أحبنى ولا احتجبت عن مظلوم ولا تهاونت بحقير ولاننا سيئت إحسان كريم ولا رفعت نفسى عن أحد من ذوى رحمى ولا نصرت أحدا من قومى ولا وخرت مجازاة محسن ولا غفلت من عقوبة مجرم.

قال الراوى : فلما وقف قيصر على كتاب كسري كتب إليه قيصر وهو يقول له : يحق لمن كانت له هذه السياسة أن تدوم له الرياسة.

ذكر عجائب

الأهرام وما قيل فيها

أعلم أن الأهرام بأرض مصر كانت كثيرة جدا منها بناحية بوصير شىء كثير بعضها طين ولبن ، وأكثرها حجر وبعضها مدرج وأكثرها مخروط أملس ، وقد كان منها بالجيزة تجاه مدينة مصر عدد كثير كلها صغار قد هدمت فى أيام السلطان [ق ١٢٢ ب] الملك صلاح الدين يوسف بن أيوب على يد قراقوش وبنى لها قلعة الجبل والسور المحيط بالقاهرة ومصر ، وبنى بها القناطر التى بالجيزة وأعظمهم الأهرامات الثلاثة التى هى إلى اليوم قائمة تجاه مصر وقد اختلف الناس فى وقت بنائها واسم بابيها والسبب فى بناءها وقالوا فى ذلك أقوالا متبانية أكثرها غير صحيح وساد وصح لك من بناء ذلك ما يشفى العليل. بعون الملك الجليل.

قال الأستاذ إبراهيم بن وصيف شاه فى أخبار مصر وعجايبها أن الذى بنى الأهرام كان أسمه أجناد سوريد بن شهلوق بن شرياق بن توميودون بن تدرسان بن هو صال أحد ملوك مصر قبل الطوفان الذين يسكنون مدينة أمسوس الأتى ذكرها ، وهو الذى بنى الهرمين العظيمين بمصر وقد نسبوهم قوم إلى شداد بن عاد ، والقبط تنكر أن تكون العادية دخلت بلادهم لقوة سحرهم وسبب بناء الهرمين أنه كان قبل الطوفان بثلاثمائة سنة قد رأى

١٤٥

سوريد المقدم ذكره فى [ق ١٢٣ أ] منامه كأن الأرض قد انقلبت بأهلها وكأن الناس قد هربوا على وجوههم وكأن الكواكب تتساقط ويصدم بعضها بعضا بأصوات هائلة فأغمه ذلك ولم يذكره لأحد وعلم أنه سيحدث فى العالم أمر عظيم ثم رأى بعد ذلك بأيام كان الكواكب الثانية نزلت إلى الأرض فى صور طيور بيض وكأنها تخطف الناس وتلقيهم بين جبلين عظيمين وكأن الجبلين قد انطبقا عليهم وكأن الكواكب النيرة مظلمة مكسوفة فانتبه وهو مذعورا من ذلك ، ودخل إلي هيكل الشمس وتضرع ومرغ خديه على التراب وبكى ، فلما أصبح جمع رؤساء الكهنة من جميع أعمال مصر وكانوا مائة وثلاثين كاهنا فخلا بهم وحكا لهم ما راءه أولا وآخرا ، فاؤلوه بأمر عظيم يحدث فى العالم ، فقال له عظيم الكهان يقال له قليمون أن أحلام الملوك لا تجرى على محال لعظم أقدارهم وأنا أخبر الملك برؤيا رأيتها منذ سنة ولم أذكرها لأحد من الناس رأيت كأنى قاعد مع الملك على وسط المنار الذى بأمسوس ، وكان الفلك قد انحط من موضعه حتى قارب روءسنا [ق ١٢٣ ب] وكانه علينا كالقبة المحيطة بناء ، وكان الملك قد رفع يديه نحو السماء وكواكبها قد خالطتنا فى صور شتى مختلفة الأشكال ، وكان الناس قد جعلوا إلى قصر الملك وهم يستعينون به ، وكان الملك رفع يديه حتى بلغنا رأسه وأمرنى أن أفعل كما فعل ونحن على وجل شديد إذ رأينا موضعا قد انفتح وخرج منه نور مضى وطلعت علينا منه الشمس ركأننا استغيثنا بالشمس فخاطبتنا أن الفلك سيعود إلى موضعه فانبهت مرغوبا ثم نمت ، فرأيت كان مدينة امسوس قد انقلبت بأهلها والأصنام يهوى على روءسها ، وكان اناسا نزلوا من السماء بأيديهم مقامع من حديد يضربون بها الناس ، فقلت لهم ولم تفعلون بالناس كذا ، قالوا : لأنهم كفروا بالههم ، فقلت لهم وهل بقى لهم من ذلك خلاص. قالوا : نعم من أراد الخلاص فاليلحق بصاحب السفينة ثم انبهت مرغوبا فقال الملك خذوا الارتفاع من الكواكب وانظروا هل من حادث فبلغوا غايتهم فى استقصاء ذلك وأخبروا بأمر الطوفان وبعده بالنار التى من برج الأسد تحرق العالم.

قال [ق ١٢٤ أ] الملك انظروا هل يلحق هذه الآفة بلادنا. فقالوا له : نعم : يأتى الطوفان على أكثره ويلحقه خراب يقيم عدة سنين.

قال : فانظروا هل تعود عامرا كما كان أو يبقى مغمورا بالماء دائما. قالوا : بل تعود البلاد كما كانت وتعمر.

قال : ثم ماذا. قالوا يقصدها ملك يقتل أهلها ويغنم مالها. قال : ثم ماذا؟ قالوا : يقصدها قوم مشوهون من ناحية النيل ويملكون أكثرها ، قال : ثم ماذا قالوا : ينقطع نيلها

١٤٦

وتخلوا من أهلها فأمر عند ذلك بعمل هذه الأهرام وأن تعمل لها مسارب يدخل منها النيل إلى مكان ثم يفيض إلى مواضع من أرض المغرب وأرض الصعيد وبلادها ، وفيها من الطلمسات والعجائب وأموالا وأصناما وأجساد ملوكهم وفى سقوفها وحيطانها وأسطواناتها جميع العلوم الغامضة وفيها صور الكواكب كلها وكتب فيها أسماء العقاقير ومنافعها ومضارها ، وعلم الطلمسات وعلم الحساب وعلم الهندسة وجميع علومهم مفسرا لمن يعرف كتابتهم ولغتهم. ولما شرع فى بنائها أمر بقطع الأسطوانات العظام ونشر البلاط الهائلة واستخراج [ق ١٢٤ ب] الرصاص من أرض الغرب واحضار الصخور من ناحية أسوان فبنى بها أساس الأهرام الثلاثة الشرقى والغربى والملون وكانت لهم صحايف وعليها كتابة إذا قطع الحجر وتم أحكامه وضعوا عليه تلك الصحايف وضربوه فيعدوا بتلك الضربة قدر مائة سهم ثم يعاودون ذلك مرات حتى يصل الحجر إلى الأهرام وكانوا يمدون البلاطة وتجعلون فيها نقبا بواسطها قطب من الحديد قائما ثم يركبون عليها بلاطة أخرى مثقوبة الوسط ويدخلون القطب فيها ثم يذاب الرصاص ويصب فى القطب إلى أن كملت وجعل لها أبوابا تحت الأرض بأربعين ذراعا. فأما باب الهرم الشرقى فأنه من الناحية الشرقية على مقدار مائة ذراع من وسط حائط الهرم. وأما باب الهرم الغربى فأنه من الناحية الغربية على مقدار مائة ذراع من وسط حائط الهرم. وأما الهرم الملوك فأنه من ناحية الجنوب على مقدار مائة ذراع وصل إلى باب الأزج المبنى ويدخل إلى باب الهرم وجعل ارتفاع كل واحد من الأهرام فى الهواء مائة [ق ١٢٥ أ] ذراع ، والذراع الملك بذراعهم وهو خمسمائة ذراع بذراعنا الآن وجعل طول كل واحد من جميع جهاته مائة ذراع بذراعهم ثم هندسوها من كل بجانب حتى تحددت أعاليها من أخر طولها على ثلاثمائة ذراع بذراعا ، وكان ابتداء بناءها فى طالع سعيد اجتمعوا عليه وخبروه.

فلما فرغت من بناءها كسوها ديباجا ملونا من فوقها إلى أسفلها وعمل لها عيدا ، حضره أهل مملكته بأجمعهم ثم عمل فى الهرم الغربى ثلاثين مخزنا من حجارة صوان ملونة ومليئة بالأموال الجمة والآلات والتماثيل المعمولة من الجواهر النفسية وآلات الحديد الفاخر من السلاح الذى لا يصد والزجاج الذى ينطوى ولا ينكسر وأصناف العقاقير المفردة والسموم القاتلة.

وعمل فى الهرم الشرقى أصناف القباب الفلكية والكواكب وما عملوه أجداده من التماثيل التى تتقرب بها إلى الكواكب ومصاحبها وكون الكواكب الثانية وما يحدث فى أدوارها وما عمل لها من التواريخ والحوادث التى مضت والأوقات التى ينتظر فيها ما يحدث وكل من [ق ١٢٥ أ] يلى أرض مصر إلى آخر الزمان وجعل فيها المظاهر التى فيها المياه المدبرة وما أشبه ذلك.

١٤٧

وجعل فى الهرم الملون أحبار الكهنة فى توابيت من صوان أسود ، مع كل كاهن مصحف فيه عجائب صناعاته وأعماله وسيرته ، وما عمل فى وقته وما كان يكون من أول الزمان إلى آخره ، وجعل فى الحيطان من كل جانب أصناما تعمل بأيديها جميع الصناعات على مراتبها وأقدارها ، وصفة كل صنعة وعلاجها ، وما يصلح لها ، ولم يترك علما من العلوم حتى كتبه ورسمه فيها ، وجعل فيها أموال الكواكب التى أهديت إليها وأموال الكهنة وهو شىء عظيم لا يحصى وجعل لكل هرم منها خازنا فخازن الهرم الغربى صنم من حجارة صوان مجزع وهو واقف ومعه شبه حربه وعلى رأسه حية ، وقد تطوف بها من قرب منه وثبت إليه وطوفت على عنقه حتى يقتله ثم تعود إلى مكانها ، وجعل خازن الهرم الشرقى صنما من جزع أسود وأبيض ، له عينان مفتوحتان براقتان وهو جالس على كرسى ، ومعه حربه [ق ١٢٦ أ] إذا نظر أحد إليه سمع من جهته صوتا منه فيخر على وجهه ، ولا يبرح حتى تموت ، فلما فرغ من ذلك كله حصن الأهرام بالأرواح الروحانية ، وذبح لها الذبايح لتمنع من أنفسها من أرادها ، إلا من عمل لها أعمال الوصول إليها.

وذكر القبط فى كتبهم أن عليها كتابا منقوشا تفسيره بالعربية : أنا سوريد الملك بنيت هذه الأهرام فى وقت كذا وكذا وتمممت بناءها فى ستين سنة فمن أتى بعدنى. وزعم أنه ملك مثلى فليهدمها فى ستمائة سنة فإن الهدم أيسر من البنيان وإنى كسوتها عند فراغها بالديباج فليكسها من أتى بعدنا حصرا.

وحكى القبط فى كتبهم أن روحانية الهرم الشمالي غلام أمرد أفر اللون عريان فى فمه أنياب كبار وروحانية الهرم الجنوبى امرأة عريانه بادية الفرج فى فمها أنياب كبار تستتهوى الإنسان إذا رآت وتضحك له حتى يدنوا منها فتسلب عقله [ق ١٢٦ ب] وروحانية الهرم الملون شيخ فى يده مجمرة من مجامر الكنايس يبخر بها ، وقد رآه جماعة من الناس مرارا وهو يطوف حول الأهرام وقت القائلة وعند غروب الشمس.

قال : ولما مات سوريد دفن في الهرم ومعه أمواله وكنوزه. وقالت القبط : أن سوريد هو الذى بنى البرانى وأودع فيها الكنوز وغيرها.

قال : وأما الأهرام الدهشورية ، فيقال أن شدات بن عديم هو الذى بناها من الحجارة التي كانت قد قطعت فى زمن أبيه ، وشدات بن عديم هذا يزعم بعض الناس أنه شداد بن عاد ، وتم من أنكر هذا ، وأن العادية ما دخلت مصر ، إنما تشابهت الأسماء بين شداد

١٤٨

وشدات بن عديم وإلا فما قدر أحد من الملوك يدخل مصر ولا قوى على أهلها غير بختنصر والله أعلم.

وذكر أبو الحسن المسعودى فى كتاب أخبار الزمان : أن الخليفة عبد الله المأمون بن هارون الرشيد لما قدم إلى مصر وأتى على الأهرام أحب أن يهدم أحدها ليعلم ما فيها ، فقيل له إنك لا تقدر على ذلك [ق ١٢٧ أ]. فقال : لا بد من فتح شىء منها ، ففتح الثلمة المفتوحة الآن وقد أنفق عليها أموالا عظيمة ، فلما انفتحت وجدوا عرض حايطة قريبا من عشرين ذراعا ، فلما انتهوا إلى آخر الحائط وجدوا خلف النقب مظهره خضراء فيها ذهب مضروب ، وزن كل دينار أو قبة وكان عددها ألف دينار ، فجعل المأمون يتعجب من ذلك الذهب ومن جودته ثم أمر أن يعمل حساب ما أنفقه على فتح الثملة فوجد الذهب الذى أصابوه من النقب بقدر ما أنفقوه عليه لا يزيد ولا ينقص فتعجب المأمون من ذلك عجبا عظيما.

وقيل أن المظهرة التى وجد فيها الذهب كانت من زبرجد فأمر المأمون تحملها إلى خزاينه ، وكان آخر ما حمل من عجائب مصر وأقام الناس سنين يقصدون تلك الثلمة وينزلون من الزلاقة التى فيه فمنهم من يسلم ومنهم من يهلك فأنفق عشرون نفرا من الأعوام على دخول تلك الموضع وأعدوا لذلك ما يحتاجون إليه من طعام وشراب وحبال وشمع ونحوه ونزلوا من الزلاقة فرأوا فيها من الخفاش ما يكون [ق ١٢٧ ب] قدر العقبان يضرب وجوههم ثم أنهم أدلوا أحدهم بالحبال فانطبق عليه المكان وسمعوا صوتا أرعبهم فغشى عليهم ثم أفاقوا وخرجوا من الهرم فبينما هم جلوس يتعجبون مما وقع لهم إذ خرجت الأرض صاحبهم من بين أيديهم حياتكلم بكلام لم يعرفوه ثم سقط ميتا ، فحملوه ومضوا فأخذهم الخفراء وأتوا بهم إلى الوالى فحدثوه خبرهم ثم ساء لهم عن الكلام الذى قاله صاحبهم قبل موته. فقالوا له : قال صك صك سكا سكا ففسروا ذلك من له خبرا بكلامهم ولغتهم فأذا معناه هذا جزاء من يهجم على الملوك ويطلب ما ليس له.

وقال على بن رضوان الطبيب (١) : فكرت فى بناء الأهرام فأوجب علم الهندسة العملية ورفع الثقيل إلى فوق ، أن يكون القوم هندسوا سطحا مربعا ونحتوا الحجارة ذكرا وأنثى ورصوها بالجبس البحرى إلى أن أرتفع البناء مقدار ما يمكن رفع الثقيل. وكانوا كلما وضعوا ضموا البناء حتى يكون السطح الموازى للمربع ألا ينتقل مربعا أصغر من المربع السفلانى ، ثم عملوا في السطح المربع الفوقاني [ق ١٢٨ أ] مربعا أصغر بمقدار ما بقى فى الحاشية ما يمكن رفع الثقيل إليه ، وكلما رفعوا حجرا مهندما رضوه ذكرا وأنثى إلى أن ارتفعوا مقدار

__________________

(١) سبق الحديث عنه.

١٤٩

أمثل المقدار الأول ، ولم يزالوا يفعلون ذلك ، إلى أن بلغوا غاية لا يمكنهم بعدها أن يفعلوا ذلك فقطعوا الأرتفاع ونحتوا الجوانب البارزة التى فرضوها لرفع الثقيل ، ونزلوا فى النحت من فوق إلى أسفل ، فصار الجميع هرما واحدا وقياس الهرم الأول بالذراع الذى يقاس بها اليوم الأغلبية بمصر كل حاشية منه أربعمائة ذراع ، يكون بالذراع السواد التى طول كل ذراع منه أربعة وعشرون أصبعا خمسمائة ذراع ، وذلك متساوية الأضلاع والزوايا ضلعين منها على خط نصف النهار وضلعين على خط المشرق والمغرب ، وكل ضلع بالذراع السواد خمسمائة ذراع وانحط المنحدر على استقامة من رأس الهرم إلى نصف ضلع المربع أربعمائة وسبعين ذراعا يكون إذا تميم أيضا خمسمائة ذراع ، واحيط بالهرم أربع مثلثات كل مثلث منها متساوى الساقين كل ساق منه إذا [ق ١٢٨ ب] تميم خمسمائة وستون ذراع ، والمثلثات الأربعة تجتمع روءسها عند نقطة واحدة وهى رأس الهرم إذا تم ، فيلزم أن يكون عموده أربعمائة وثلاثين ذراعا ، وعلى هذا يكون تكسير كل مثلث من مثلثاته أربعمائة ألف وخمسة وعشرون ألف ذراع إذ جمع تكاسرها ، كان مبلغ تكسير مسطح هذا الهرم خمسمائة ألف ذراع بالحديد ، وما أحسب على وجه الأرض بناء أعظم منه ولا أحسن هندسة ولا أطول منه.

قال : ولما فتح المأمون نقبا من هذا الهرم وجد فيه زلاقة تصعد إلى بيت مربع ووجد فى وسطه قبر رخام وهو باق فيه إلى اليوم ، فقال ولم يقدر أحد بخيطه ، وبذلك أخبر جالينوس الحكيم أنها قبور ، فقال فى أخر الخامسة من تدبير الصحة بهذا اللقط «وهم يسمون من كل فى هذا السن الهرم ، وهو اسم مشتق من الأهرام التى هم إليها صائرون عن قريب» يعنى القبور.

قال الحوقلى فى صفه مصر وبها الهرمان اللذان ليس على وجه الأرض لهما نظير فى ملك مسلم ولا كافر ولا عمل ولا يعمل لهما [ق ١٢٩ أ] مثال وقرأ بعض بنى العباس على أحدهما إنى قد بنيتهما فى ستين سنة ، فمن كان يدعى قوة فى ملكه فليهدمهما فى ستمائة سنة ، فالهرم أيسر من البناء وهم بعض الخلفاء ، قيل المأمون وقيل المعتصم فإذا خراج مصر لا يقوم بهدمها ، وكان خراج مصر فى ذلك الوقت إذا بلغ النيل سبع عشرة ذاراعا وعشر أصابع ، كان الخراج ألف ألف ومائتى ألف وسبعة وخمسين ألف ألف دينار.

وقال أبو يعقوب محمد بن إسحاق الوراق (١) فى كتاب الفهرست وقد ذكر هرمس البابلى قد أختلف فى أمر بنى هذه الأهرام ، قيل أنه كان أحد السبعة الذين رتبوا حفظ البيوت السبعة

__________________

(١) سبق الترجمة له.

١٥٠

وأنه كان حكيم زمانه ، وأنه لما توفى دفن فى البناء الذى يعرف بالهرمين وأن أحدهما قبر هرميس الأول من السبعة الحكماء والآخر قبر تلميذه.

وقال العلامة موفق الدين المعروف بابن المطحن (١) : جاء رجل عجمى فى زمن الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين يوسف بن أيوب قال أن الهرم الصغير تحته مطلب فأخرج إليه الحجار بن وأخذوا فى هدمه [ق ١٢٩ ب] وأقاموا على ذلك شهور ثم تركوه عن عجز.

وقال أبو الحسن المسعودى : كانت القوم يبنون هذا الهرم مدرجا ذا مراق كالدرج فإذا فرغوا منه نحتوه من فوق إلى أسفل فهذه كانت حيلتهم فى البناء لهذه الأهرام.

وذكر أبو زيد (٢) البلخى أنه وجد مكتوب على الأهرام بكتابهم خط مغرب فإذا هو «بنى هذان الهرمان والنسر الواقع فى السرطان».

وقال الهمدانى (٣) فى كتاب الأكليل لم يوجد مما كان تحت الماء وقت الغرق من القرى فى قرية بقية سوى الأهرام ونذكر ترجمتها ووجدت ولم تتغير منهما شىء ، ذكر أبو عبد الله محمد ابن عبد الرحيم القيسى (٤) : أن أهرام مصر عددها ثمانية عشر هرما فى مقابلة الفسطاط من أرض مصر منها ثلاثة أهرام كبار ، دور كل واحد منهما ألفين ذراع فى كل وجه منها خمسمائة ذراع ، وعلوه خمسمائة ذراع وكل حجر من حجارتها ثلاثون ذراع فى غلظ عشرة أذرع ، فهى الثلاثة التى فى الجيزة ، ومنها عند مدينة فرعون يوسف عليه السلام أهرام عديدة ، ومنها عند ميدون [ق ١٣٠ أ] أهرام عظيمة قيل أنها خمس طبقات.

وأما الهرم الذى بدير أبى هرمس فإنه قبر قرياس ، وكان فارس أهل مصر ، وكان يعد بألف فارس وأنه لما مات جزع عليه لملك جزعا شديدا ودفنوه بدير أبى هرمس وبنوا عليه الهرم مدرجا وكان طبنه لم يعرف ل معدن إلا بالفيوم.

وقال ابن عفير عن أشياخه : أن جناد بن مناد بن شمرا بن شداد بن عاد بن عوض بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام قد طال ملكه وبلغ ثلاثمائة سنة ، وهو الذى بنى الأهرام وذكر بعض المحدثين وعلى أن لم يجدوا ولا وقفوا على من بنى هذه الأهرام ولا خبر يثبت عنهم.

__________________

(١) لا زال كتابه مفقود ونقل عنه المقريزى وابن تغرى بردى.

(٢) له ذكر فى الخطط للمقريزى.

(٣) طبع هذا الكتاب فى المطبعة السلفية.

(٤) صاحب كتاب تحفة الألباب.

١٥١

وقال محمد بن عبد الحكم : ما أحسب أن الأهرام بنيت إلا قبل الطوفان لأنها لو بنيت بعد الطوفان لكان علمها عند الناس.

وقال محمد بن عبد الحكم أيضا : كان من وراء الأهرام إلى المغرب أربعمائة مدينة سوى القرى من مصر إلى المغرب.

وقال أبو الريحانى البيرونى (١) فى كتاب الآثار الباقية عن القرون الخالية : أن [ق ١٣٠ ب] الفرس والمجوس تنكر الطوفان وأن بعض الفرس أقربه ولكنهم قالوا بالشام والمغرب وذلك فى زمان طهموت ولكنه لم يعمر العمران كله ولم يتجاوز عقبة حلوان ، ولم يبلغ ممالك الشرق ، وأن أهل المغرب لما أنذر به حكاؤهم بنوا هذه الأهرام بمصر ليدخلوها عند الافة وأن آثار ماء الطوفان وتأثير الأمواج كانت باقية على نصف الهرمين لم يتجاوزهما.

ويقال أنه لما نصب ماء الطوفان لم يوجد تحت الماء قرية عامرة سوى نهاوند ، ووجدت كما هي وأهرام مصر وبرابيها وهى التى بناها هرمس الأول الذى تسميه العرب إدريس وكان قد ألهمه الله تعالى علم النجوم على أن يستنزل بالأرض آفة وأنه سيبقى بقية من العالم يحتاجون فيها إلى علمه فبنى بمصر هذه الأهرام والبرابى وكتب فيها علمه.

وقال أبو الصلت الأندلسى وقد ذكر أخلاق أهل مصر وأنهم كان فيهم طائفة من ذوى المعارف والعلوم والنجوم ويدل على ذلك ما خلفوه من الصنايع البديعة المعجزة كالأهرام والبرابى فأنها [ق ١٣١ أ] من الآثار التى حيرت الأذهان وأعجزت الأفكار ، وهذان الهرمان لهما أشراف على أرض مصر وإطلال على بطايحها واصعاد فى وجوها وهى أعجب شىء بنى على وجه الأرض وفى ذلك يقول أبو الطيب المتنبى بيتين وهما :

أين الذى الهرمان من بنيانه

من قومه من يومه ما المصرع

تتخلف الآثار عن أصحابها

حينا ويدركها الفناء فتتبع

وزعم قوم أن الأهرام قبور لملوك عظام أرادوا أن يتميزوا بها على سائر الملوك بعد مماتهم كما يميزوا فى حياتهم على من قبلهم.

ولما وصل المأمون إلى مصر أمر بنقبها ، فنقب أحدا الهرمين بعد جهد شديد فوجد داخله مراقى ومهاوى يهول أمرها ويعسر السلوك فيها ووجد فى أعلاه بيتا ، وفى وسطه حوض من

__________________

(١) كان متعدد المصنفات فى شتى العلوم.

١٥٢

رخام مطبق ، فلما كشف غطاه لم يجد فيه غير رمة بالية قد أتت عليها الدهور الخالية ، فعند ذلك أمر المأمون بالكشف عن بقية النقب وأدلى جبلا طوله ألف ذراع بالذراع الملكى ، فكان صعوده ثلاث ساعات النهار وأنه وجد مقدار رأس الهرم قدر برك ثمانية جمال ، ويقال أنه وجد على الشخص المقبور فى الحوض الرخام [ق ١٣١] حلة قد بليت ولم يبق منها سوى سلوكها من الذهب ، وأنه مطلى على جسده بقدر شبر من مر وصبر وغير ذلك.

ويقال أنه وجد فى موضع من هذا الهرم ايوان فى صدره ثلاثة أبواب على ثلاثة بيوت طول كل باب منها عشرة أذرع فى عرض خمسة أذرع من رخام منحوت محكم الهندام على صفحاته خط أزرق لم يحسنوا أقرانه ، وأنهم أقاموا ثلاثة أيام يعملون الجبلة فى فتح هذه الأبواب إلى أن راوا بابها على عشرة أذرع وفيه ثلاثة أعمدة قائمة من مرمر ، وفى كل عمود خرق فى طوله ، وفى وسط الخرق صورة طائر ففى الأول من هذه العمدة صورة حمامة من حجر أخضر ، وفى الأخر صورة باز من حجر أصفر ، وفى العمود الثالث صورة ديك من حجر أحمر فحركوا الباز فتحرك الباب الذى فى مقابله ، فرفعوا الباب قليلا ، فارتفع الباب وكان بحيث لا يرفعه مائة رجل من عظمة ورفعوا الديك والحمامة فارتفع البابان الآخران فدخلوا إلى بيت الأوسط فوجدوا فيه ثلاث سرر من حجارة شفاف مضية ، وعليها ثلاثة من الأموات [ق ١٣٢ أ] على كل ميت ثلاث حلل وعند رأسه مصحف بخط مجهول ووجدوا فى البيت الأخر عدة رفوف من حجارة عليها اسفاط من حجارة فيها أوانى من الذهب عجيبة الصنعة مرصعة بأصناف الجواهر ووجدوا فى البيت الثالث عدة رفوف من حجارة عليها اسفاط من حجارة لامة الحرب وعدد السلاح فقاسوا منها سيفا فكان طوله سبعة أذرع [وطول كل ذرع من تلك الدروع أثنا عشر ذراعا ويدخل](١) فى الخودة رأسان من رءوس الناس ، فأمر المأمون أن لا يتعرض للأموات وحمل ما وجدوا فى البيوت ، وأمر برد تلك التماثيل التى فى العمدة فاعيدت كما كانت وانطبقت الأبواب كما كانت فى الأول.

ويقال كانت هذه الأهرام ثمانية عشر هرما منها تجاه مدينة فسطاط بمصر ثلاثة أكبرها دوره ألف ذراع وهو مربع فى كل وجه من وجوهه الأربعة خمسمائة ذراع.

ويقال أن المأمون وجد فيه لما فتحه حوضا من بحر مغطى بلوح من رخام وهو مملوء بالذهب وعلى اللوح مكتوب بقلم غريب [ق ١٣٢ ب] فعرب فكان أنا عمرنا هذه الأهرام فى ألف يوم وابحنا لمن يهدمها فى ألف سنة والهدم أسهل من البناء وكسوناها جميعهما بالدبياج الملون

__________________

(١) وردت هذه العبارة على هامش المخطوطة.

١٥٣

فكسوها بالخضر ، والخضر أيسر من الدبياج ، وجعلنا فى كل جهة من جهاتها مالا يقدر ما يصرفه على نقبها من غير زيادة ولا نقص.

ويقال أنه وجد فيه صورة أدمى من حجر أخضر كالدهنج (١) قد ركب طبقتين ووسطه بجوف كالدواة ففتح فإذا فيه جسد إنسان عليه ذرع من ذهب مزين بأنواع الجواهر وعلى صدره سيف لا قيمة له ، وعند رأسه حجر من ياقوت أحمر قدر بيضة الدجاجة فأخذه المأمون وقال هذا خبر من خراج الدنيا.

ذكر بعض مؤرخين مصر أن هذا الصنم الأخضر الذى فيه الرمه ، لم يزل ملقى عند دار الملك بمدينة مصر إلى سنة إحدى عشرة وخمسمائة من سنين الهجرة وفى بوصير من هذه الأهرام شىء كثير بعضها كبار ، وبعضها صغار وبعضها طين ولبن وأكثرها حجر وبعضها مدرج وأكثرها مخروط أملس ، وقد كان منها بالجيزة عدد كثير كلها صغار [ق ١٣٣ أ] قد هدمت فى زمن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب على يد الطواشى بهاء الدين قراقوش أخذ حجارتها وبنى بها القناطر التى فى الجيزة وقد بقى من هذه الأهرام المهدومة ثلثها.

وأما الأهرام المتحدث عنها فهى ثلاثة أهرام موضوعة على خط مستقيم بالجيزة.

وذكر فى بعض الكتب القديمة أن أحد هذين الهرمين قبرا غاديمون والآخر قبر هرمس ، وأن اغاديمون أقدم من هرمس وأنه كان يحج إليها ويهدى إليها من أقطار البلاد جملة من الأموال ، وكان الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين يوسف بن أيوب أراد أن يهدم هذه الأهرام فأخرج جماعة من الحجارين والنقابين وأقاموا نحو ثمانية أشهر يهدمون كل يوم بعد الجهد الحجر والحجرين ، فأنفقوا على ذلك مالا عظيما ولم يبلغوا من ذلك أربا ، فرجعوا من قريب وذلك فى سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة ، وبازاء هذه الأهرام مغاير كثيرة العدد كبيرة المقدار يدخلها الفارس برمحه ويدور فيها ويطهر من حالها أنها مقاطع حجارة الأهرام آثار أبنية الجبابرة ومغاير كثيرة منقوبه وكل هذا عليه كتابات بهذا [ق ١٣٣ ب] القلم المجهول.

__________________

(١) بمعنى العظيم الخلق من كل شىء ، والواسع السهل : انظر القاموس المحيط ١ / ٣١١.

١٥٤

ذكر ما قالته الشعراء

فى الأهرام من النظم

قال الفقيه عمارة اليمانى (١) تغمده الله برحمته :

خليلى ما تحت السماء بنية

تماثل فى اتقانها هرمى مصر

بناء يخاف الدهر منه وكل ما

على ظاهر الدنيا يخاف من الدهر

أخذ هذا المعنى من قول بعض الحكماء كل شىء يخشى عليه من الدهر إلا الأهرام فأنها يخشى على الدهر منها. وقال بعضهم :

انظر إلى الهرمين واسمع منهما

ما يرويان عن الزمان الغابر

وانظر إلى سر الليالى فيهما

نظرا بعين القلب لا بالناظر

لو ينطقان لخبر انا بالذى

فعل الزمان بأول وبأخر

وقال الشيخ شهاب الدين التيفاشى (٢) :

ألست ترى الأهرام دام بناؤها

ويفنى لدينا العالم الانس والجن

كأن رحى الأفلاك أكوارها على

قواعدها الأهرام وللعالم الطحن

وقال السراج الوراق :

تحقق أن صدر الأرض مصر

ونهداها من الهرمين شاهد

فواعجبا كم أفنت قرونا

على هرم وذاك الثدى ناهد

وقال أيضا :

هل شايد الهرمين تبت سفحها

خوف اهتزاز الأرض من خيلاء

[ق ١٣٤ أ]

__________________

(١) انظر : تاريخه طبعة دار الجيل ـ بيروت تحقيق المحقق.

(٢) وردت هذه الأبيات فى بدائع الزهور.

١٥٥

أم خالها حسناء تجلى فابتنى

بهدين فوق ترايب الحسناء

وللشعراء فيها كلام كثير ولكن المقصود منها النظم الرقيق :

لله أى غريبة عجيبة

فى صنعة الأهرام للألباب

أخفت عن الأسماع قصة أهلها

ونضبت عن الابداع كل رقاب

فكأنما هى كالخيام مقامه

من غير أعمدة ولا أطناب

مثل العراس جردوا أثوابها

عنها ولم تنطق من الأعجاب

وقال الشيخ شهاب الدين المنصورى فيها أيضا :

أن جزت بالهرمين قل كم فيهما

من عبرة للعاقل المتأمل

يفنى الزمان وفى حشاه منهما

غيظ الحسود ضجرة المستقبل

وقوله أيضا فى ذلك :

وا عجبا والعجاب من هرم

فى أرض مصر من حكمه القدما

قد أهرم الأرض ثقل وطاته

فهى إلى الله تشتكى الهرما

وقال القاضى محيى الدين عبد الظاهر فى واقعة حال يصف ليلة بات بها عند الأهرام وهو من ذو بين وأجاد :

لله ليال أقبلت بالنعم

فى ظل بناء شاهق كالعلم

[ق ١٣٤ ب]

بالجيزة والنيل بدا أوله

فى مقتبل الشباب عند الهرم

وللقاضى شهاب الدين ابن فضل الله فى معنى ذلك :

لى البشارة إذا مسيت جاركم

فى أرض مصر بأنى غير مهتضم

حفظتم لى شبابى فى خلالكم

مع أنكم قد وصلتم بى إلى الهرم

١٥٦

ذكر الصنم الذى

يقال له أبو الهول

أعلم أن هذا الصنم بين الهرمين الكبار ويعرف هذا الصنم أولا ببلهيب والآن يعرف أبو الهول.

قال القضاعي : صنم الهرمين صنم كبير من حجارة لا يظهر منه سوى رأسه فقط يسميه العامة أبو الهول يقال أنه طلسم للرمل ليلا يغلب على طين الجيزة ، وقال فى كتاب عجائب البنيان وعند الأهرام رأس وعنق بارزة من الأرض فى غاية العظم يسميه الناس أبو الهول ، ويزعمون أن جثته مدفونة تحت الأرض ويقتضى القياس بالنسبة إلى رأسه أن يكون حوله سبعين ذراعا ، وفى جهة حمرة ودهان يلمع عليه رونق الطروه وهو حسن الصورة كأنه يضحك تبسما ويقابله فى بر مصر قريب من دار الملك صنم عظيم الخلقة والهيئة متناسب الأعضاء وفى حجره مولود [ق ١٣٥ أ] والجميع من صوان مانع ، ويزعم الناس أنه فى خلقه امرأة وأنها سرية أبى الهول المذكور ويقال لو وضع على رأس أبى الهول خيط ومد إلى سريته ذلك الخيط لكان على رأسها مستقيما ويقال أن أبا الهول طلسم يمنعه عن الطين ، وأن السرية طلسم الماء يمنعه عن مصر وأملاكها.

وقال ابن المتوج زقاق الصنم هو الزقاق الشارع أوله بأول السوق الكبير يجاور درب عمار ويعرف هذا الصنم أيضا بسرية فرعون ، وذكر طلسم النيل لأن لا يغلب علي البلد وأن أبى الهول الذى عند الأهرام يقابله ظهره إلى الرمل ، وظهر هذه النيل وكل منهما مستقبل المشرق وقد نزل فى سنة إحدى عشر وسبعمائة أمير يعرف ببلاط فى نفر من الحجارين والقطاعين وكسروا الصنم المعروف بالسرية وقطعوه أعتابا وقواعد ظن أن يكون تحته ذهب ، فلم يجد تحته سوى أعتاب من حجر عظيمة فحفر إلى الماء فلم يوجد شىء وجعلوا من حجر هذا الصنم قواعد تحتانية للعمد الصوان التي بالجامع المسجد المعروف بالجامع الجديد الناصري ، وكم يبقي لهذا الصنم أثر يعرف وقد كان شخص [١٣٥ ب] يعرف بالشيخ محمد صائم الدهر من جملة صوفية الخانقاه الصلاحية سعيد السعداء ، وأقام فى نحو سنة ثمانين وسبعمائة يتغير

١٥٧

أشياء كثيرة من المنكر ، وسار إلى الأهرام وشوش وجه أبى الهول وشعثه فهو على ذلك إلى اليوم ، ومن حينئذ غلب الرمل على أراضى كثيرة من الجيزة وأهل تلك النواحى يرون أن سبب غلبة الرمل على الأراضى فساد وجه أبى الهول ، والله أعلم.

وما أحسن قول ظافر الحداد :

تأمل حكمة الأهرام وأعجب

وعندهما أبو الهول العجيب

كفاويتين فأمانى بخيب

بمحبوبين بينهما رقيب

وماء النيل تحتهما دموع

وصوت الريح عندهما يجيب

وظاهر سجن يوسف مثل صب

تخلف فهو محزون كئيب

ويقال أن اتريب بن قبط بن مضر بن ببصير بن مصريم بن حام بن نوح عليه السلام أوصا أخاه صا عند موته أن يحمله معه فى السفينة ويدفنه بجزيرة فى وسط البحر فلما مات فعل ذلك من غير أن تعلم به أهل مصر فاتهموا أخاه صا بقتله ، وحاربوه تسع سنين حتى أوقفهم على قبر [ق ١٣٦ أ] واترتب فحفروه فلم يجدوا به شيئا وقد نقلته الشياطين إلى موضع أبى الهول ودفنوه هناك بجانب قبر أخيه وجده بيصر فازدادوا له همة وعادوا إلى مدينة منف واحترتوا معه فآتاهم إبليس وذلهم على قبر اترتب فأخرجوه من قبره ، ووضع ، على سرير فتكلم لهم الشيطان عن لسانه حتى افتتنوا به وسجدوا له وعبدوه فيما عبد وأمن الأصنام وقتلوا أخاه صا ، ودفنوه على شاطىء النيل ، فكان النيل إذا زاد لا يعلوا قبره فافتتن به طائفة وقالوا : قد قتل صا ظلما ، وصاروا يسجدون لقبره كما يسجدوا الاخاه اترتب ، ثم أن أفرين عمدوا إلى حجر فنحتوه على صورة أشموم وسموه أبو الهول ونصبوه بين الهرمين وجعلوا يسجدون له فصار أهل مصر ثلاث فرق ، ولم تزل الصابية تعظم أبى الهول ويقرب له الديوك البيض وتبخره بالصندروس ، والله أعلم.

١٥٨

ذكر الجبال

أعلم أن أرض مصر بأسرها محصورة بين جبلين أحدهما من الجنوب إلى الشمال قليل الأرتفاع وأحدهما أعظم من الآخر ، وهو الجبل [ق ١٣٦ ب] الشرقى المعروف بجبل لوقا والغربى جبل صغير وبعضه غير متصل ببعض والمسافة بينهما يضيق فى بعض المواضع وتتسع فى بعضها وأوسع ما يكون بأسفل أرض مصر ، وهذان الجبلان أفرعان لا يتيسر فيهما النبات كما يكون فى جبال البلدان ، إنهما يورقيان ما كان ، لأن قوم طين مصر قوة تجذب منهما الرطوبة وكذلك مياه الآبار فيها المالحة والعذب.

وهذان الجبلان يجففان ما يدفن فيهما وأن أرض مصر بالطبع قليلة الأمطار وجبل لوقا فى مشرق أرض مصر يعوق منها ريح الصبا ويعوق عنها أيضا إشراق الشمس على أرض مصر إذا كانت فى الأفق ويتعدد أسماء هذين الجبلين بحسب مواضعهما من الأقليم ، فالمطل على مصر والقاهرة يسمى الجبل المقطم.

١ ـ الجبل المقطم

أعلم أن الجبل المقطم أوله بالشرق من الصين حيث البحر المحيط ، ويمر على بلاد التتار حتى يأتى فرغانه إلى جبال البتم الممتد بها نهر السند إلى أن يصل إلى جيحون فينقطع ويمضى فى وسطه بين شعبتين منه ، ثم ينقطع فيكون جميع مدن طوس وفيه متصل [ق ١٣٧ أ] به جبال أصبهان وشيراز وشهرزور وشهرورد ، ويمر على سائر دجلة ، ولا يزال هذا الجبل مستمرا من الأعمال أمد وميا فارقين حتى يمر بثغور حلب فيسمى هناك جبل اللكام إلى أن يغدى الثغور فيسمى نهران حتى تجاوز حمص فيسمى لبنان ثم يمتد إلى الشام حتى ينتهى إلى بحر القلزم من جهة ويتصل من الجهة الأخرى ويسمى المقطم ، ثم يتشعب ويتصل من الجهة الأخرى ويسمى المقطم ثم يتشعب ويتصل أواخر شعبة بنهاية المغرب.

وهذا الجبل حديثه يطول شرحه والذى ذكره العلماء أن تسميته بالمقطم ، لأن المقطم مأخوذ من القطم وهو القطع فكأنه لما كان منقطع فى الشجر والنبات سمى مقطما ذكر ذلك على بن الحسن المهنائى.

١٥٩

وقال ابن عبد الحكم عن الليث بن سعد قال : سأل المقوقس عمرو بن العاص أن يبيعه سفح الجبل المقطم بسبعين ألف دينار ، فتعجب عمرو بن العاص من ذلك ، وقال حتى أكتب بذلك إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، فلما كتب بذلك إليه فكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو ابن العاص سله لم أعطاك فيه هذا القدر وهو لا يزرع [ق ١٣٧ ب] ولا ينتفع فسأل المقوقس عمرو بن العاص عن ذلك ، فقال له المقوقس إذا نجد فى كتبنا أن فيه غراس الجنة : فكتب بذلك إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فكتب إليه عمر بن الخطاب أنا لا نعلم غراس الجنة إلا المؤمنين فاقبر فيها من مات من المسلمين ، ولا تبعه شىء فكان أول من قبر فيها من المعافر رجل يقال له (١) عامر ، فقيل عمرت.

فقال المقوقس لابن العاص ما على هذا هم فقطع لهم الحد الذى بين المبرة وبينهم.

وذكر الكندى فى كتاب فضائل مصر أن عمرو بن العاص سار فى سفح الجبل المقطم ومعه المقوقس ، فقال له : ما بال جبلكم هذا أقرع ليس عليه نبات كجبال الشام فلو شققنا فى أسفله نهرا من النيل وعرسناه نحلا. فقال له المقوقس : وجدنا في الكتب أنه كان أكثر الجبال أشجارا ونباتا وفاكهة وكان منزله المقطم بن مصر بن بيصر بن مصريم بن حام بن نوح عليه السلام ، فلما كانت الليلة التى كلم الله فيها موسى عليه السلام «أوحى إلى الجبال إنى مكلم نبيامن أنبيائى على جبل منكم» فسمت الجبال كلها [ق ١٣٨ أ] وتشامخت إلا جبل بيت المقدس فإنه هبط وتصاغر فأوحى الله إليه لم فعلت ذلك ، وهو به أعلم. فقال اعظاما وإجلالا لك يا رب. قال فأمر الله سبحانه وتعالى إلى الجبال أن يحويه كل جبل بما فيه من الأشجار فجادله المقطم بكلما عليه من الأشجار حتى بقى كما ترى ، فأوحى الله إليه إنى مفوضك على فعلك هذا بغراس الجنة ، فعند ذلك أثر عمرو بن العاص أن يجعل له حد وللمسلمين حدا ، وهذا بقى إلي يومنا هذا عند بركة الحبش يدفن فيه النصارى واليهود.

قال : وروى أن موسى عليه السلام لما سجد فسجدت معه كل شجرة من المقطم إلى طرا وأن موسى كان يناجى ربه عند الوادى الذى مقطع الحجارة بطرا.

قيل أن عيسى ابن مريم عليه السلام مر بسفح المقطم عليه جبة صوف وأمه إلى جانبه فالتفت إليها وقال يا أمه هذه مقبرة أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

__________________

(١) هو عقبة بن عامر الجهنى ، كان فقيها علامة قارئا لكتب الله بصيرا بالفرائض فصحا مفوها شاعرا كبير القدر ، ولى إمره مصر لمعاوية ، ثم عزله واغزاه البحر سنة سبع وأربعين.

١٦٠