نزهة الأمم في العجائب والحكم

ابن إياس

نزهة الأمم في العجائب والحكم

المؤلف:

ابن إياس


المحقق: الدكتور محمّد زينهم محمّد عزب
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة مدبولي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٩

وناحت على غصن هناك حمامة

سقاها الهوى من لرعتى وبعادى

فإن أنكروا العذال حالى وحالها

أقول هوى قد ضرنى وكوادى

وقال بعضهم فى المنشية :

منشية الحسن أقمنا بها

مع رغد فى جنة عالية

[ق ١٠١ أ] كأنها فى طيبها جنة

لم تسمع الأذن بها لاعية

أطيارها صاحت بأغصانها

ولم تزل أنهارها جارية

وقال ظافر (١) الحداد فى افتراق النيل عند المقياس وهو تشيبه غريب لم يسبق إليه :

انظر إلى الروضة الغناء والنيل

واسمع بدائع تشبهى وتمثيلى

وانظر إلى البحر مجموعا ومفترقا

تراه أشبه شىء بالسراويل

وقال القاضى فخر الدين ابن مكانس فى الطمية :

بأبى الطمية جنة قد زخرفت

خور وولدان بها ورحيق

لى فى ربى قيناتها الرتب العلى

ولها بقلبى هزة وعلوق

وقال القيراطى فى قناطر أم الخمس التى بالجيزة :

قناطر الجيزة كم قادم

عليك يلقى فيك أقصى منا

أتاك قوم لاطة فانحنى

ظهرت للوطىء وصب الميا

__________________

(١) هو علي بن طافر بن حسين الأزدى الخزرجى أبو الحسن جمال الدين وزير مصر من الشعراد الأدباء المؤرخين. مولده سنة ٥٦٧ ه‍ / ١١٧١ م ومات سنة ٦١٣ ه‍ ١٢١٦ م ، له مصنفات منها بدائع البدائه والدول المنقطعة وذبل المناقب النورية.

١٢١

وقال تقى الدين ابن حجة :

وقالوا كميت النيل يجرى وقد بدا

عليه ظروف السبق قلت كذا جرى

ولكنه نحو القناطر مذاتى

بحرا عليها معجبا ـ فتقنطرا

وقال على بن بردبك فى الورد الذى قد كان فى الخانكى وهو من مقترحات مصر القديمة :

[ق ١٠١ ب]

انظر إلى الورد إذ ما ست معاطفه

فوق الغصون سخيرا والندى

عرب عذارى بوجناة موردة

وبثياب نشاوى من ورود خلا

رقصن ملتحفات سندسا خضرا

فنقطت بنضار فاكتسبت خجلا

وقال الشهاب المنصورى فى الزربية :

قم سيدى نسعى إلى فرج زهت

ما بين إملاق وبين جسور

وترى زار ابيابها مبثوتة

تسبيك بالولدان أو بالجور

وقال الشيخ شهاب الدين ابن أبى حجلة فى قصب الجزيرة :

أمسيت فى قصب الجزيرة مغرما

وبقده العسال كالولهان

عيد إنه لو لا حلاوة ذوقها

شتبهتها فى الشكل بالمران

وقال بعض الموالة فى جميع أسماء مقترحات :

بريم جيزى حلاوى صنعه الخلاق

خلى دموعى خطيرى تحرفى إطلاق

لو لفظ مقياس منية طيب الأخلاق

وخد روضة وخالوا المشتها بولاق

وكان من مقترحات مصر القديمة مكان يعرف بالهمايل ، وهو بالقرب من شبرا وهى عبارة عن سبعة سولقى على بحر النيل [ق ١٠٢ أ] وللشعراء فى مدحها شىء ممن ذلك قول سيدى أبى الفضل بن أبى الوفا.

١٢٢

هل طربا دارت دواليينا

بضوع ريح الزهر الشائع

أم فقدت فى الروض إلفا لها

فلم ندر الأعلى ضائع

اجتمع الشيخ بدر الدين البشتكى والقاضى فخر الدين ابن مكانس فى سواقى الهمايل بشاطىء النيل ، فقام البدر البشتكى :

هذا البدر فى سواقى الهمايل

تركت ادمع العيون هو أمل

ومن للرياض ثور اديب

مظهر من كلامه سحر بابل

هو سعيا على ببى عجل فى الحور

وأغنى عن الولى الهاطل

زد علما على أبى ثور لكن

قال بالدور ماؤه والسلاسل

أغار الجناس حسن توار

واتته توريه فهو كامل

سعيد أثرى من النظم والنثر

فانسى الورى زمان الفاضل

وقد سقيت الرياض يا شيخ بالدور

فها غصنها من السكر مايل

وهذه القصيدة مطولة وما ذكرتها منها هنا كفاية.

ذكر ما قيل فى بركة الرطلى وأرض الطبالة والجنينة من ذلك قال ابن الصبايغ فيها :

[ق ١٠٢ ب]

فى أرض طبالتنا بركة

مدهشة للعين والعقل

ترجع فى ميزان عقلى على

كل بحار الأرض بالرطل

وقال بعضهم أيضا :

انظر إلى بركة الرطلى مبتهجا

واشف بها غلة يايها الحاكى

الماء والنبت والحور الحسان بها

كأنها جنة حفت يا ملاكى

قال آخر :

قد قلت فى بركة الرطلى إذ جمعت

من البدور وأصناف الملاح

١٢٣

إن كان فى الفلك الأعلى يرى قمر

فهذه فلك دارت بألف قمرة

وقال الشهاب المنصورى فى الجنينة :

كم بالجنينة من قتيل حشيشة

لا يستفيق ولا بنفخ الصور

وهبت له الخضراء من أفعالها

آذان اطروش وعين ضرير

وقال أيضا :

كم من أصم بالجنينة أبكم

ورجلاه فى قيد وعيناه فى فقل

أشبهه فى خلقه بابن آدم

مجازا فى أكل الحشيشة بالعجل

ومما قيل فى كوم الريش وهو أيضا من مقترحات مصر :

انظر إلى كرم ريش قد غدا ترها

للب كل سليم الطبع يجتلب

به بحار لا على قد حوت قضبا

من الزبرجد منا يحصل العجب

[ق ١٠٣ أ]ولا تقل كوم ريش ماله ثمن

فإن بالريش حقا يحسن الذهب

ومما قيل فى زمان الربيع بمصر فى وصف الكتان والبرسيم وغير ذلك ، قال شهاب الدين ابن التايب فى زهر الكتان :

انظر لكتان روض وزهرة حين يبلواه

كأنه الفات همزاتها لازورد

وقال آخر فى زهر البرسيم :

وزهر برسيم غدا

ينفى هموم المكمد

كأنه جواهر

فى قضب الزبرجد

وقال آخر فى زهر اللبسان :

كأنما اللبسان

اخرج زهرا فى الشبه

١٢٤

أغصان نبت زبرجد

تيجانها مذهبة

وكان من مفترحات قديما مكان يعرف بالتاج والسبع وجوه وللشعراء فيه تعزلان كثيرة جملة ذلك قول الشيخ تقى الدين بن حجة الحموى فى واقعة حال وهو قوله :

سبع وجوه لتاج مصر

تقول ما فى الوجود شبهى

وعندنا ذو الوجوه يهجى

وأنت تاج بفرد وجه

[ق ٣٠١ ب] وقال المعمار فى خليج الذكر والتكه وكانا من مقترحات مصر قديما وهو مكان الأزبكية الآن والقنطرة الموجودة فى الأزبكية هى قنطرة خليج الذكر ولكن عمرت جديدا ، وأنشأ يقول :

يا طالب التكة نلت المنا

وفزت منها ببلوغ الوطر

قنطرة من فوقها تكة

وتحتها تلقى خليج الذكر

وقال المعمار فى الجزيرة التى تطلع قباله لمقياس :

جزيرة البحر هامت

بها عقول سليمة

لما خوت حسن معنى

وبسطه مستقيمة

فلم يخوصون فيها

وكم مشوا بنميمة

ولم تزل ذى احتمال

ما تلك إلا حليمة

وقال آخر فى جزيرة بولاق أيام التحاويض :

فى جزيرة بولاق رأينا عجب

أشد ساروا معهم طباشا دين

حين رأينا ذيك الوجوه الصباح

أذهلونا خضنا مع الخايفين

١٢٥

قال بعضهم فى مليح بشط بولاق :

فى جانب البحر من بولاق عزلنا

ظبى ينفره عن وصلنا نفر

دوابتاه على قتلى تطاولتا

يا من رأى شاعرا أودى به الشعر

[ق ٤٠١ أ]

ذكر ما كانت عليه

أرض مصر فى زمن الأول

قال المسعودى : وقد كانت أرض مصر على ما زعم أهل السير ، يقال أن الناس كانوا قبل ذلك يسكنون سفح الجبل المقطم فى مغاور كثيرة نقروها ، وهى المغاير التى فى الجبل من قبلى المقطم فى الجبل المتصل بدير القصير الذى يعرف بدير البغل ، المطل على ناحية طرا. ومن وقف عند أهرام نهيا رأى تلك المغاير فى الجبل الشرقى ، ومن صعد من طرا إلى الجبل وسار فيه دخلها ، وهى مغاير متسعة ، وفيها مغاير تنفذ إلى القلزم وتسع المغارة منها أهل مدينة ، وإذا دخلها أحد ولم يهتد بعلامات تدله على المخرج هلك فى تحيره عطشا وجوعا.

ويقال كانت أرض مصر جرداء لا نبات لها ، فقطعها متوشلخ بن أخنوخ بن برد بن مهلابيل بن انوش بن شيث بن آدم عليه السلام.

١٢٦

ذكر أعمال

الديار المصرية وكورها

أعلم أن أرض مصر كانت فى الزمن الأول مائة [وثلاثا] وخمسين كورة ، فى كل كورة مدينة وثلاثمائة وخمس وستون قرية ، فخرب منها قبل تخريب بختنصر ثمان وستون كورة [ق ١٠٤ ب] فلما عمرت مصر بعد تخريب بختنصر لها صارت على خمس وثمانين كورة ثم تناقصت حتى جاء الإسلام ، وفيها أربعون كورة عامرة بجميع قراها لا تنقص شيئا ثم استقرت أرض مصر كلها فى الجملة على قسمين الوجه القبلى وهو ما كان فى جهة الجنوب من مدينة مصر. والوجه البحرى وهو ما كان فى شمال مدينة مصر وقد قسمت أرض مصر جميعها قبليها وبحريها على ستة وعشرون عملا وهى : الشرقية والمرتاحية والدقهلية والإبوانية وثغر ودمياط. والوجه البحرى : جزيرة قويسنا الغربية والسمنودية والدنجاوية والمنوفية والستراوية وفوه والمزاحمتين وجزيرة بنى نصر والبحيرة وإسكندرية وضواحيها وحوف رمسيس.

والوجه القبلى : الجزية والأطفيحية والبوصيرية والفيومية والبهنساوية والأشمونين والمنفلوطية والأسيوطية والأخميمية والقوصية. وهي أيضا ثلاثون كورة وهى كورة الفيوم وفيها مائة وست وخمسون قرية ، ويقال أنها كانت ثلاثمائة وستون قرية ، وكورة منف ووسيم خمس وخمسون قرية ، وكورة الشرقية [ق ١٠٥ أ] وتعرف بالأطفيحية سبع عشر قرية وقرى اهناس ثمان ومنها قمن ، قرى ، وكورتا دلاص وبوصير ست قرىء ، وكورة اهناس خمس وتسعون قرية سوى الكفور ، كورة البهنسى مائة وعشرون قرية ، كورة الفشن سبع وثلاثون قرية ، كورة طحا سبع وثلاثون قرية ، حيز سنودة ثمانى قرى ، كورة الأشمونين مائة وثلاث وثلاثون قرية ، كورة انصنا إحدى عشر قرية ، كورة أسيوط سبع وثلاثون قرية ، كورة شطب ثمانى قرى ، كورة أعلا أنصنا أثنتا عشر قرية ، كورة قهقوة سبع وثلاثون قرية ، كورة هوة عشرون قرية ، كورة فاو ثمانى قرى ، كورة قنا سبع قرى ، كورة دندرة عشر قرى ، كورة قفط أثنان وعشرون قرية ، كورة الأقصر خمس قرى ، كورة اسنا خمس قرى ، كورة أسوان سبع قرى ، كورة قرنى الصعيد ألف وثلاثة وأربعون قرية ، موى المنى والكفور فى ثلاثين قرية ، كورة أسفل الأرض الجوف الشرقى خمس وستون قرية ، كورة أتريب مائة وثمان قرى سوى المنى والكفور ، كورة بنو : سبع وثمانون [ق ١٠٥ ب] قرية سوى المنى والكفور ، كورة سمنود مائة وثمان وعشرون

١٢٧

قرية سوى المنى والكفور ، كورة نوسا إحدى وعشرون قرية سوى المنى والكفور ، كورة الأوسية أربعون قرية سوى المنى والكفور ، كورة البجوم ثلاث عشر قرية سوى المنى وهى شىء كثير. الإسكندرية (الحوف الغربى) : كورة صا ثلاث وسبعون قرية سوى المنى والكفور ، كورة شباس : أثنان وعشرون قرية سوى المنى والكفور الشراك تسع قرى ، كورة ترنوط ثمان قري ، كورة خربتا أثنان وستون قرية سوى المنى ، كورة قرطسا أثنان وعشرون قرية سوى المنى والكفور ، كورتا مصيل والمليدس تسع وأربعون قرية سوى المنى ، كورتا احنو ورشيد سبع عشر قرية ، البحيرة والحصص بالإسكندرية ومريوط ومدينة الإسكندرية ولوبية ومراقية مائة وأربع وعشرون قرية سوى المنى ، والحوف الغربى أربعمائة وتسع وسبعون كورة.

قال المسبحى فى تاريخه : لمصر قرى أسفل الأرض الفا وأربعمائة وتسعا وثلاثون قرية ، ويكون جميع ذلك بالصعيد.

[ق ١٠٦ أ] قال بعض مشايخ أهل مصر أن الذى كان يعمل بمصر على عهد ملوكها أنهم كانوا يكرون القرى فى أيدى أهلها ، كل قرية بكرا معلوم ولا ينقض عليهم إلا فى كل أربع سنين من أجل الظماء فإذا مضت أربع سنين يقضى ذلك وعدل تعديلا جديدا فيرفق بمن استحق الرفق ، ويزاد على من يحتمل الزيادة ولا يجوز عليهم ، فإذا جىء الخراج وجمع كله كان للملك من ذلك الربع خالصا لنفسه ، والربع الثانى لجنده والربع الثالث فى مصلحة الأرض وما تحتاج إليه من جسورها وحفر خليجها وبناء قناطرها والربع الرابع يخرج منه ربع ما يصيب كل قرية من خراجها فيدفن فيها وهى كنوز فرعون التى يتحدث الناس بها.

وذكر بعضهم أن خراج مصر كان فى زمن فرعون أثنين وسبعين ألف ألف دينار ، وأنه كان يرسل ويبة قمح إلى أسفل الأرض وإلى أعلا الصعيد ، فلم يوجد لها أرض فارغة من الزرع تبدر الويبة فيها وإن وجد فيها مكان خالى من الزرع ضرب عنق صاحب الكورة فكانت مصر يومئذ عمارة متصلة أربعين فرسخا فى مثلها وتتابع الظماء [ق ١٠٦ ب) فى أيامه ثلاث سنين فترك لأهل مصر خراج ثلاث سنين ونفق على عساكره من خزاينه.

وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال : لما استبطأ عمر بن الخطاب رضى الله عنه عمرو بن العاص في خراج مصر كتب إليه أن ابعث إلينا رجلا من أهل مصر فبعث إليه رجلا قديما من القبط فاستخبره عمر بن الخطاب عن مصر وخراجها قبل الإسلام ، فقال يا أمير المؤمنين كان لا يؤخذ منها شىء إلا بعد عمارتها ، وهذا ملك لا ينظر إلى العمارة وإنما ليلة يأخذ ما ظهر له

١٢٨

كأنه لا يريدها إلا لعام واحد ، فعرف عمر بن الخطاب ما قاله له القبطى ، ولما ولى عبيد الله بن الحبحاب (١) خراج لهشام بن عبد الميك خرج بنفسه فمسح أرض كلها غامرها وعامرها فما يركبه النيل فوجد فيها ألف ألف فدان والباقى استبحر وتلف واعتبر مدة الحرث فوجدها ستين يوما والحرث يحرث خمسين فدانا وحده.

ذكر مقدار خراج مصر

فى الزمن الأول

قال ابن وصيف شاه : استخرج من [ق ١٠٧ أ] مصر أيام الفراعنة تسعون ألف ألف دينار ، بالدينار الفرعونى وهو ثلث مثاقيل من مثقالنا المعروف الآن بمصر الذى هو أريعة وعشرون قيراطا ، كل قيراط ثلاث حبات فيكون بحساب ذلك أثنى ألف ألف وسبعين ألف ألف دينار مصرية.

ذكر ما عمله المسلمون

عند فتح مصر

قال هشام بن أبي رقية : أن عمرو بن العاص لما فتح مصر قال لقبط مصر : أن من كتمنى كنزا عنده قتلته وأن قبطيا من أهل الصعيد يقال له بطرس قيل لعمرو بن العاص أن عنده كنزا ، فأرسل إليه وقال له : بلغنى أن عندك كنز ، فانكره وجحده فحبسه فى السجن وقال للموكلين به هل تسمعونه يسأل عن أحد من أصحابه. قالوا : لا إنما سمعناه يسأل عن راهب فى الطور ، فأرسل عمرو إلى بطرس وأمره أن ينزع خاتمه من أصبعه فنزعه وأرسله له فأرسل عمرو إلى ذلك الراهب الذى بالطور عن لسان بطرس وهو يقول له : الوداعه الذى عندك

__________________

(١) له ذكر فى كتاب الولاة والقضاة للكندى

١٢٩

أحضرها فأرسل ذلك الراهب حقه مختوم عليها بالرصاص ففتحها عمرو [ق ١٠٧ ب] فوجد فيها صحيقة مكتوب فيها أن أموالكم تحت الفسقية الكبيرة ، فأرسل عمرو إلى الفسقية الكبيرة ، فحبس عنها الماء ثم قلع البلاط التى تحتها فوجد فيها اثنين وخمسين أردبا ذهبا مصريا ، فأرسل عمرو وأحضر بطرس وضرب عنقه عند باب المسجد فخاف جميع القبط على أنفسهم ، وصار كل من كان عنده كنز أظهره عليه وإلا صار مثل بطرس.

ذكر نزول العرب بريف مصر

واتخاذهم الزرع مشاعا

قال الكندى : وفى ولاية الوليد بن رفاعة الفهمى على مصر نقلت بنى قبيس إلى مصر فى سنة تسع ومائة ولم يكن بها أحد منهم قبل ذلك. وقيل لما قدم أبو إسحاق بن الرشيد من العراق إلى مصر فنزل بالحوف ، وأرسل إلي أهله فامتنعوا من الطاعة فقاتلهم ولم يظفر بهم فرجع إلى العراق ، وفى المحرم سنة خمس عشرة ومائتين خامر أسفل الأرض بأسره من عرب البلاد وقبطها وآخرجوا العمال وخلعوا عن الطاعة أجمعين وذلك لسوء سيرة عمال السلطان فيهم فكانت بينهم وبين عساكر الفسطاط [ق ١٠٨ ز] حروب امتدت إلى أن قدم إلى مصر أمير المؤمنين المأمون وذلك فى المحرم سنة سبع عشر ومائتين ، فسخط على عيسى بن منصور الرافعى وكان على إمارة مصر ، وأمر بحل لوائه ، قال له : لم يكن هذا الحدث العظيم إلا عن فعلك وفعل عمالك حملتهم الناس ما لا يطيغون وكتمتم الخبر عنى حتى تعاقم الأمر واضطرب البلد ثم عقد المأمون على جيش بعث به إلى الصعيد وارتحل هو إلى سخا وبعث بالأفشين إلى القبط وكانوا قد خلعوا عن الطاعة فأوقع بهم فى ناحية البشرود وحضرهم حتى ظفر بهم وأسرهم ، ولما مثلوا بين يدى المأمون أمر بقتل الرجال وبيع النساء والأطفال وتم له ما أراد ، ورجع إلى مصر فى صفر ثم دخل إلى حلوان وعاد ، فأرتحل لثمان عشر خلت من صفر فكأن مقامه بالفسطاط وسخا وحلوان تسعة وأربعين يوما ، وكان قد بلغ خراج مصر فى أيامه أربعة آلاف ألف ألف دينار ومائتا ألف دينار وسبعة وخمسين ألف دينار ، ويقال أن المأمون لما سار

١٣٠

فى قرى مصر كان يصنع له بكل قرية دكة يضرب عليها سرادقه والعساكر من حوله فكان يقيم فى القرية يوما وليلة [ق ١٠٨ ب] فمر بقرية يقال لها طاء النمل فلم يدخلها لحقارتها. فلما تجاوزها المأمون خرجت إليه عجور يعرف بمارية القبطية صاحبة القرية وهى تصيح فظنها المأمون مستغيثة متظلمة ، فوقف لها وكان لا يمشى أبدا إلا والتراجمة بين يديه من كل جنس ، فذكروا له أن القبطية قالت أمير المؤمنين ينزل فى كل ضيعة ويتجاوز ضيعتى ، والقبط تعايرنى بذلك ، وأنا أسأل فضل أمير المؤمنين أن يشرفنى بحلوله فى ضيعتى ليكون لى الشرف والعقبى ، ولا يشمت الأعداء بى وبكت بكاءا شديدا ، فوقف لها المأمون وثنى عنان فرسه إليها ونزل عندها فجاء ولدها إلى صاحب المطبخ وسأله كم يحتاج من الغنم والدجاج والفراخ والسمك والتوابل والسكر والعسل والمسك والشمع والفاكهة والعلوقة وغير ذلك مما جرت به العادة ، فأحضرت جميع ذلك وزيادة وكان مع المأمون أخوة المعتصم وولده العباس وأولاد أخيه الواثق والمتوكل ويحيى بن أكتم (١) والقاضى أحمد بن داود (٢) ، فأحضرت لكل واحد منهم ما يخصه على انفراده ، ولم تكل أحدا منهم ولا من [ق ١٠٩ أ] القواد إلى غيره ، ثم أحضرت إلى المأمون من فاخر الطعام ولذيذة شيئا كثيرا حتى استعظم ذلك ، فلما أصبح وقد عزم على الرحيل حضرت إليه ومعها عشر وصايف ، مع كل وصيفة طبق ، فلما عاينها المأمون من بعد قال لمن بين يديه قد جادتكم القبطية بهدية الريف الكافح والصحناه والصبر.

فلما وضعت ذلك بين يديه فإذا فى كل طبق من الذهب شىء كثير ، فاستحسن ذلك منها وأمرها بإعادته ، فقالت : لا والله لا أفعل ذلك ، فتأمل المأمون الذهب فإذا هو ضرب عام واحد كله ، فقال هذا والله أعجب وربما يعجز بيت ما لنا عن مثل ذلك ، فقال يا أمير المؤمنين لا تكسر قلوبنا ولا تحتقر بنا فقال لها أن بعض ما صنعته كفاية فردى ما لك بارك الله فيك وفى مروتك ،

__________________

(١) هو يحيى بن أكثم بن محمد بن قطن الأسيدى أبو محمد المروزى القاضى الفقيه ، روى عن الفضل بن موسى السينانى وابن المبارك وعبد الله بن إدريس وعيسى بن يونس وعبد العزيز بن أبى حازم وجرير وابن أبي عيينة والقطان ووكيع ، روى عنه الترمذى وابن ماجة والبخارى وعلى بن حشرم وأبو داود السنجى وأبو حاتم وإسماعيل القاضى وإبراهيم بن أبى طالب ومحمد بن إسحاق السراج ، ثقة مات سنة ٢٤٠ ه‍.

(٢) هو ابن عبيد الله بن يزيد أبو جعفر بن أبى داود بن المناوى ، رو «عن حفص بن غياث وأبى أسامة وروح ابن عبادة وأبى بدر شجاع بن الوليد وأبى النضر هاشم بن القاسم ووضاح بن يحيى النهشلى وإسحاق بن يوسف الأرزق وعبد الوهاب الخفاف وغيرهم ، ثقة مات سنة ٢٧٢ ه‍.

١٣١

فقالت : يا أمير المؤمنين أن هذا الذهب من الطين ومن عدلك يا أمير المؤمنين وعندى منه شىء كثيرة ، ولا تشمت بى أعداء برده فعند ذلك قبله المأمون منها وأقطعها عدة ضياع وأعطاها من قريتها طاء النمل مائتا بعير خراج ، وانصرف وهو [ق ١٠٩ ب] متعجبا من كبر مروتها وسعة حالها ، وقيل أن المأمون فرق ذلك الذهب جميعه على عساكره بالكبشة هو بنفسه ، فرحم الله تلك الأرواح الطاهرة.

ذكر الديوان

قال القاضى أبو الحسن الماوردى : الديوان محفوظ بحفظ ما تعلق بحقوق السلطنة من الأعمال والأموال ومن يقوم بها من الجيوش والعمال فى تسمية ديوانا ، وجهان أحدهما أن كسرى أنو شروان أطلع ذات يوم على كتاب ديوانه فرأهم يحسبون مع أنفسهم ، فقال ديوانه أى مجانين فسمى موضعهم بهذا الأسم ، ثم حذفت الهاء منه عند كثرة الاستعمال له تحقيقا للأسم فقيل ديوان ، والثانى الديوان اسم بالفارسية للشياطين فسمى الكتاب باسمهم لحذقهم بالأمور ، ووقوفهم على الجلى والخفى ، وجمعهم على ما قرب وبعد فسمى مكان جلوسهم باسمهم فقيل ديوان.

أعلم أن كتابة الديوان على ثلاثة أقسام : كتابة الجيوش والعساكر وكتابة الخراج وكتابة الإنشاء والمكاتبات ، ولا بد لكل دولة من استعمال هذه الأقسام [ق ١٠ أ] الثلاثة.

١٣٢

ذكر ديوان الجيوش والعساكر

أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكتابة عساكره ، فكتبوا فى عصره صلى الله عليه وسلم ، ثم كان أبو بكر رضى الله عنه يعطى الناس فى خلافته الأعطيات ، فلما استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه وضع الديوان وفرض الأعطيات ، ورتب الناس فى الديوان على قدر منازلهم وقدر أعطياتهم بعد ما كانوا فى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتبون فى أوقات دون أوقات ، واقتدى من بعده خليفته أبى بكر رضى الله عنه بذلك بما كان يعمل فى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما كانت خلافة عمر بن الخطاب وكثرت المسلمين وجبت الأموال تأكدت الحاجة إلى ضبطهم فوضع الديوان وفرضه الأعطية ، فكذلك اتفق أهل السير على أن أول من وضع الديوان فى الإسلام عمر بن الخطاب رضى الله عنه وذلك فى المحرم سنة هشرين من الهجرة.

ذكر جيوش مصر

فى الزمن الأول فى الإسلام

قيل لما ولى أحمد بن طولون مصر استكثر من المماليك فبلغت [ق ١١٠ ب] عدتهم أربعة وعشرون ألف غلام تركى وأربعين ألف عبد أسود وسبعة آلاف حر. ثم لما ولى ابنه الأمير أبو الجيوش بعده استكثر من شناترة حوف مصر ، فلما كانت إمارة الأمير أبى بكر بن محمد بن طعج الأخشيدى على مصر بلغت عدة عساكر بمصر والشام أربعمائة ألف ، تشتمل على عدة طوائف ثم لما ولى أبو المسك كافور الأخشيدى استجد عدة من العبيد السودان بمصر ثم لما غلب الإمام المعز لدين الله أبو تميم معد الفاطمى على مصر صارت عساكرها ما بين كنانه وزويلة ونحوها من طوائف البربر وفيهم الروم والصقالبة وهم فى العدد ما يحصوا لكثرتهم

١٣٣

حتى قيل إنه لم يطأ الأرض بعد جيش الإسكندر بن فلبس المجدوبي أكثر من جيوش المعز ، فلما ولى الخلافة بمصر من بعده ولده العزيز بالله أبو منصور نزار استخدم الديلم والأتراك واحتض بهم.

قال الأسعدى المماتى أن عدة الجيوش بمصر فى أيام زريك بن الصالح فكانت أربعين ألف فارس وثلاثين ألف راحل [ق ١١١ أ] وزاد غيره وقال وعشرة شوانى فيها عشرة آلاف مقاتل وهذا عند انقراض الدولة الفاطمية وذلك كله بعد انقراض العمالقة واليونانيين والقبط والعرب وغيرهم من الأجناس.

ولما زالت الدولة المعزية على يد السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب أزال جند مصر من العبيد السود والعربان والأرمن وغيرهم ، واستجد عسكرا من الأكراد والأتراك خاصة ، وبلغت عدة عساكر بمصر إلى أثنى عشر ألف فارس لا غير. فلما مات افترقت من بعده ولم يبق بمصر مع ولده الملك العزيز عثمان سوي ثمانية آلاف فارس وخمسمائة فارس ، إلا أن فيهم من له عشرة أتباع وفيهم من له عشرون ، وفيهم من له أكثر من ذلك ، ثم لم يزالوا فى افتراق وإختلاف حتى زالت دولتهم.

ثم دخات دولة الملك المنصور قلاوون فكانت عدة مماليكة ولده محمد بن قلاوون أثنى عشر ألف مملوك إلى أن زالت دولة بنى قلاوون فى شهر رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة.

ودخلت دولة الملك الظاهر برقوق أخذ فى محو تلك الطوائف [ق ١١١ ب] جميعها وأنشأ لنفسه دولة المماليك الجراكسة فبلغه عدتهم سبعة آلاف. فلما كانت دولة ولده الناصر فرج فاختلفوا عليه فقتل مننهم خلق كثير وعساكر مصر علي قسمين أجناد الحلقة والمماليك السلطانية وأكثرهم كان أجناد الحلقة.

١٣٤

ذكر الإقطاعات

قال هشام بن عروة (١) عن أبيه أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير أرضا فيها نحلا من أموال بنى النضيرة يقال لها الجرف.

وقال سفيان بن عينية عن عمرو بن دينار (٢) قال لما قدم النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أقطع أبا بكر واقطع عمر بن الخطاب رضى الله عنهما.

وعن أبى رافع (٣) قال أعطى النبى صلى الله عليه وسلم قوما أرضا فعجزوا عن عمارتها فباعوها فى زمن عمر بن الخطاب بثمانية آلاف درهم فوضعوا أموالهم عند على بن أبى طالب رضى الله عنه فلما أخذوها وجدوها ناقصة ، فقالوا : هذه ناقصة. قال : أحسبوا زكاتها. قال : فحسبوا زكاتها فوجدوه وافيا. فقال لهم : احسبتم إنى أمسك ما لا ولا أعطى زكاته وأما منذ كانت [ق ١١٢ أ] أيام صلاح الدين يوسف إلى يومنا هذا فإن أراضى مصر كلها صارت تقطع للسلطان وأمرأته وأجناده ، وأرض مصر اليوم على سبعة أقسام :

قسم يجرى فى ديوان السلطان ، وهذا القسم على ثلاثة أقسام منه ما يجرى فى ديوان الوزراء ، ومنه ما يجرى فى ديوان خاص ، ومنه ما يجرى فى الديوان المفرد ، وقسم من أراضى مصر قد أقطعه للأمراء والأجناد ، وقسم ثالث جعل وقفا على الجوامع والمدارس والخوانك وعلى جهات البر وعلى الذرارى وعتقايهم ، وقسم رابع يقال له الأجناس يجرى فيه أراضى بأيدى قوم يأكلونها.

إما عن مسجد أو بجامع أو فى مقابل عمل ، وقسم خامس قد صار ملك يباع ويشترى ويورث ويوهب لكونه اشترى من بيت المال ، وقسم سادس لا يزرع للعجز عن زراعية فترعاه المواشى أو ينبت الحطب ونحوه ، وقسم سابع لا يشمله ماء النيل فهو فقر ، وهذا القسم منه ما لم يزل كذلك منه عرفت أحوال الخليفة ومنه ، ما كان عامرا فى الدهر الأول ثم خرب.

__________________

(١) هشام بن عروة بن الزبير بن العوام الأسدى المدنى ، روى عن أبيه وعمه عبد الله بن الزبير وطائفة ، وعنه أبو حنيفة ومالك وشعبة والسفيانان والحمادان وخلق ، ثقة مات سنة ١٤٥ ه‍.

(٢) هو عمرو بن دينار المكى أبو محمد الجمحى أحد الأعلام ، روى عن جابر وأبى هريرة وابن عمر ، وعنه شعبة وابن عيينة وأيوب وحماد بن زيد وأبو حنيفة ، مات سنة ١٢٥ ه‍.

(٣) هو أبو رافع فضيع المدنى نزيل البصرة مولى ابنه عمر. ثقة.

١٣٥

ذكر ديوان الخراج والأموال

وغيرها من البلاد

يقال لكتابة الخراج قلم التصرف ، وأول ما دون هذا الديوان فى الإسلام بدمشق والعراق علي ما كان عليه قبل الإسلام ، وكان ديوان الشام بالرومية ، وديوان العراق بالفارسية ، وديوان مصر بالقبطية فنقلت دواوين هذه الأمصار إلى العربية ، والذى نقل ديوان مصر من القبطية إلى العربية هو عبد الله بن عبد الملك فى سنة سبع وثمانين من الهجرة ، وأول من نقل ديوان العراق من الفارسية إلى العربية صالح بن عبد الرحمن كاتب الحجاج وذلك بعد سنة ثمانين. وأما ديوان الشام فإن الذى نقله من الرومية إلى العربية أبو ثابت سليمان بن سعد كاتب الرسائل فى خلافة عبد الملك بن مروان وقيل فى خلافة هشام بن عبد الملك ، والله أعلم.

وأما ديوان الإنشاء والكتابة فإن كل ملك أو سلطان أو أمير لا بد له من كاتب الإنشاء يرسم الكتب والمراسيم ، والآن كاتب الإنشاء الشريف يسمى كاتم السر.

ذكر خراج أرض مصر

فى الإسلام

/ [ق ١٣ أ]

قيل أول من جبى خراج مصر فى الإسلام عمرو بن العاص ، فكانت جبايته أثنى عشر ألف ألف دينار ثم جبى عبد الله بن سعد بن أبى سرح مصر أربعة عشر ألف ألف دينار.

فقال عثمان بن عفان رضى الله عنه لعمر بن العاص يا أبا عبد الله ذرت اللقحة بأكثر من درها الأول ، فقال عمرو : أضررتم بولدها ، وهذا الذى جباه عبد الله بن سعد بن أبى سرح

١٣٦

إنما هومن الجماجم خاصة دون الخراج ثم بعد ذلك انحط خراج مصر لنمو الفساد مع الزمان وسريلان الخراب فى أكثر الأرض فحيوها خلفاء بنى العباس دون الثلاثة آلاف ألف ويقال أن أسامة بن زيد جباها فى خلافة سليمان بن عبد الملك مبلغ أثنى عشر ألف ألف دينار هذا والسعر راخ والبلد بغير مكس ، والوقت الثانى فى أيام أحمد بن طولون جبى خراج مصر وقد تسلمها من أحمد بن محمد بن مدبر وقد كانت أرض مصر على أيامه خزاب حتى بقى خراجها ثمانمائة ألف دينار فاستقضى أحمد بن طولون فى العمارة وبالغ فيها فقعدت معه أربعة آلاف ألف دينار وثلاثمائة ألف دينار وجباها ابنه الأمير أبو الجيوش خمارويه [ق ١١٣ ب] بن أحمد ابن طولون ألف ألف دينار مع رخاء الأسعار ، وربما أبيع فى الأيام الطولونية القمح كل عشرة أرادب بدينار.

وذكر ابن خرداذبة : أن خراج مصر كان فى أيام فرعون ستة وتسعون ألف ألف دينار وبلغ خراج مصر فى أيام الأمير أبى بكر بن محمد بن طغج الأخشيدى ألفى ألف دينار سوى ضياعه التى كانت ملكا له ، والأخشيدى أول من عمل الرواتب بمصر ، وكان كاتبه ابن كلا قد أشار عليه.

ولما قدم جوهر القائد من بلاد المغرب بعساكر مولاه المعز لدين الله أبى تميم فجبى الخراج ألف ألف ومائتان ألف دينار وذلك فى سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة وجباها أيضا فى سنة تسع وخمسين وثلاثمائة ثلاثة ألف ألف وأربعمائة ألف دينار ، وآخر ما اعتبر من حال أرض مصر فوجد مدة حرثها ستون يوما ومساحة أرضها مائة ألف ألف وثمانين ألف ألف فدان وإنه لا يتم خراجها حتى تكون فيها أربعمائة ألف وثمانين ألف ألف حرث يلزمون العمل دائما ، فإذا أقيم بها هذا القدر من العمال فى الأرض تمت عمارتها وكمل خراجها ، وآخر ما كان بها مائة ألف وعشرون [ق ١١٤ أ] ألف مزارع فى الصعيد سبعين ألفا وو أسفل الأرض خمسين ألف ، وقد تغيرت أرض مصر الآن تغيرا فاحشا جميع ما كان بها من الأوضاع القديمة ، واختلت إختلالا فاضحا ، فلذلك قل خراجها وضعف حالى جندها.

١٣٧

ذكر الأصناف

التى تزرع بأرض مصر

وأقسامها وغير ذلك

قال أبو بكر بن وحشية فى كتاب الفلاحة النبطية قيل : ولما كان فى سنة ست وثمانمائة انحسر الماء عن قطعة أرض من بركة الفيوم التى يقال لها اليوم بحر يوسف فزرعت وجاء زرعها عجيبا رمى الفدان منها أحد وسبعين أردبا من الشعير بكيل الفيوم وأرد بها تسع ونبات ، وكانت قطيعة الفدان من القمح ببلاد الصعيد فى الأيام الفاطمية ثلاثة أرادب ، فلما مسحت البلاد فى سنة أثنتين وسبعين وخمسماذة يقدر على كل فدان أردبين ونصف ، ثم صار يؤخذ عن فدان أردبين.

أما أراضى أسفل الأرض فتزرع الشعير قبل القمح وغيره فى الأرض التى عرفت وهى رطبة يتقدم زراعته على زراعة القمح بأيام وكذلك بأيام وكذلك حصادة ، فإنه يحصد قبل [ق ١١٤ ب] القمح ويحتاج الفدان منه أن يبذر فيه بحسب الأرض ، ويخرج أكثر من القمح ويكون أدركه فى شهر برمودة ويزرع الفول الحراث من أول شهر بابه ويؤكل وهو أخضر فى شهر كيهك ، ويحتاج الفدان من البدار إلى ثلاث ويبات ونحوها ، ويدرك فى برمودة ، ويتحصل من فدانه ما بين عشرين أردبا إلى ما دون ذلك.

ويزرع العدس والحمص فى شهر هاتور إلى كيهك ، والجلبان لا يزرع إلا فى أرق الأراضى حرثا من الأرض العالية ، ويزرع تلويقا فى الأرضى الخرس ، ويبذر في كل فدان من الحمص من أردب إلى ثمان ويبات. والجلبان من أردب إلى أربع ويبات.

ومن العدس من ويبتين إلى ما دونهما ، وأنجب ما يكون الكتاب إذا زرع فى البرش ويحتاج أن يسبح بتراب سبخ وهو إذا طال رقد ويقلع قضبايا ويسمى حينئذ أسلافا ، وينشر فى موضعه حتى يجف ، فإذا جف حمل وغزل وحوزه فيخرج منه بذر الكتان ويستخرج منه الزيت الحار ، ويزرع الكتان فى شهرها تور ويحتاج الكتان أن يبذر فيه من البذر ما بين أردب وثلاث إلى ما دون ذلك [ق ١١٥ أ] ويدرك فى شهر برمودة ، ويخرج من الفدان ما بين ثلاثين شدة إلى ما دون ذلك ، ومن البذر من ستة أرادب وثلاث إلى ما دونها ، وكانت قطيعة الفدان منه

١٣٨

فى القديم بأرض الصعيد من خمسة دنانير إلى ثلاثة وفى دلاص ثلاثة عشر دينار وفيما عدا ذلك ثلاث دنانير.

ويزرع القرط وهو البرسيم عند أخد ماء النيل فى النقصان ، ولا ينبغى تأخر زراعه إلى أوان هبوب ريح الجنوب التى يقال لها ريح المريسية ، وأول ما يبذر فى شهر بابة وربما زرع بعد النوروز ويبذر فى كل فدان من ويبتين ونصف إلى ما حولها ويدرك الأخضر منه فى آخر شهر كيهك.

ويزرع البصل والثوم من شهر تور إلى نصف كيهك ، ويبذر فى الفدان من البصل من نصف وربع ويبة إلى ويبة والثوم كذلك ويدرك ذلك فى شهر برمودة والبصل الذى يخرج ليزرع زريعته فإنه يزرع من أول كيهك إلى آخر العاشر من طوبة وزريعته لكل فدان أردب ، ويدرك فى برمودة وتحصل من الفدان ما بين عشرين أردبا إلى ما دونها [ق ١١٥ ب] كلها الأصناف الشتوية.

وأما الأصناف الصيفية : فإن البطيخ واللوبيا يزرعان من نصف برمهات إلى نصف برمودة ، ويزرع فى الفدان قد حان ويدرك فى شهر بشنس.

ويزرع السمسم فى شهر برمودة وزريعته ربع ويبة للفدان ، ويدرك فى شهر أبيب ومسرى ويتحصل من الفدان ما بين أردب إلى ستة أرادب ، ويزرع القطن فى برمودة وزريعته أربع ويبات حب لكل فدان ، ويدرك فى توت فيخرج من الفدان من ثمانية قناطير قطن بالجروى إلى ما دونها.

ويزرع قصب السكر من نصف برمهات فى أثر الباق والبرش وتبرش أرضه سبع سكك وانجبه ما يكامل له ثلاث عرقات قبل انقضاء شهر بشنس ، ويحتاج القصب إلى أرض جيدة دمنه قد شملها الرى وعلاها ماء النيل ، وقطع ما بها من الحلفاء ونظفت ثم برشت بالمقلعات وهى محاريث كبار بستة وجوه ، وتجرف حتى تتمهد ثم تبرش ، ومعنى البرش الحرث فإذا صلحت الأرض وطابت وتعمت وصارت ترابا [ق ١١٦ أ] ناعما وتساوت بالتجريف شقت حينئذ بالمقلعات ويرمى فيها القصب قطعتين جفتاه وقطعة مفردة بعد أن يجعل الأرض أحواضا ويفوز لها حد أول يصل الماء منها إلى الأحواض ويكون طول كل قطعة من القصب ثلاث أنابيب كوامل ، وبعض أنبوبة من أعلا القطعة وبعض أخرى من أسفلها ، ويختار ما قصرت أنابيبه وكثرت عيونه من القصب ، ويقلل لهذا الفعل النصب فإذا كمل نصب القصب أعيد التراب عليه ،

١٣٩

ولا بد فى القصب أن تكون القطعة ملقاة لا قائمة ثم يسعى من حين نصبه فى أول فصل الربيع لكل سبعة أيام مرة ، فإذا انبت القصب وصار له أوراقا ظاهرة نبت معه الحلفاه والجمعا التى تسمها أهل مصر الرجلة فعند ذلك تنظف أرضه لما ينبت معه من الحلفا ، ولا يزال يتعاهد ذلك حتى يغزر القصب عراقه فإنه لا يمكن عراق الأرض ولا يكون هذا حتى تبرز الأنبوب ، والعادة أن الذى ينصب من الأقصاب يكون مجارا لبحر فإذا طلع النيل [ق ١١٦ ب] وارتفع سقى القصب عند ذلك ماء الراحة حتى يعلوا على الأرض القصب نحو شبر ثم يفطم بعد ذلك فإذا عمل ما قلناه ، وفى القصب خفة فإن نقص عن ذلك حصل فيه الخلل ، ولا بد للقصب من القطران قبل أن يحلوا حتى لا يسوس ، ويكسر القصب فى شهر كيهك ، ولا بد من حرق آثار القصب بالنار فينبت قصبا يقال له الخلفة ويسمى الأول الرأس وقنود الحلة أجود غالبا من قنود الرأس ، ووقت أدراك الرأس فى طوبة ، والحلقة فى نصف هاتور وثمانية أرادب المعاصر إلى النوروز ويتحصل من الفدان القصب ما بين أربعين أبلوجة قند إلى ثمانين أبلوجة ، ويزرع القلقاس مع القصب ولكل فدان عشرة قناطير قلقاس ويدرك فى هاتور. ويزرع البادنجان فى برمهات وبرمودة وبشنس وبؤنة ويدرك من بؤنة إلى مسرى وتزرع النبيلة من بشنس والزريعة للفدان قدح إلى قدحين.

[ق ١١٧ أ]

ويزرع اللفت فى أبيب وزريعة الفدان قدح واحد ، ويدرك بعد أربعين يوما ويزرع الخس فى طوبة شتلا ويؤكل بعد شهرين.

ويزرع الكرنب فى توت شتلا ويدرك فى هتور. ويغرس الكرم فى أمشير نقلا وتحويلا ، ويخرس التين والتفاح فى أمشير ويقلم التوت فى برمهات ويغرس ويبل اللوز والخوخ والمشمش فى ماء طوبة ثلاثة أيام ـ وهى قضبان ثم يغرس ويحول شجرها فى طوبة.

ويزرع نوع التمر ثم يتحول وديا فتنقل ، ويدفن بصل النرجس فى مسرى.

ويزرع الياسمين فى أيام النسىء وفى أمشير.

ويزرع المرسين فى طوبة وأمشير غرسا.

ويزرع الريحان فى برمودة ، ويزرع حب المنثور فى أيام النيل. ويزرع الموز الشتوى فى طوبة والصيفى فى أمشير. ويحول الخيار شنبر فى برمهات ، وتقلم الكروم على ريح الشمال

١٤٠