الزبدة الفقهيّة - ج ٩

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٩

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: كيميا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6307-62-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٧٠٧

ولو لم يكن للجناية مقدر أخذ الأرش لو كان حيا منسوبا إلى الدية (١) ، ولو لم يبن الرأس بل قطع ما لو كان حيا لم يعش مثله فالظاهر وجوب مائة دينار أيضا عملا بظاهر الأخبار (٢). وهل يفرق هنا (٣) بين العمد والخطأ كغيره (٤) حتى الجنين؟ يحتمله ، لإطلاق التفصيل (٥) في الجناية على الآدمي وإن لم يكن حيا كالجنين ، وعدمه (٦) بل يجب على الجاني مطلقا (٧) وقوفا فيما خالف الأصل (٨) على موضع اليقين (٩) مؤيدا بإطلاق الأخبار (١٠) ، والفتوى بأن الدية على الجاني مع ترك الاستفصال في واقعة الحال السابقة (١١) الدال على العموم (١٢).

______________________________________________________

ـ قال : الإمام ، هذا لله وإن قطعت يمينه أو شي‌ء من جوارحه فعليه الأرش للإمام) (١) ، وفيه : مع ضعف السند لا يقاوم الأخبار المتقدمة ، مع إمكان حمله على أنها تدفع للإمام لأنه أخبر بمواردها فيصرفها في وجوه البر وهو بها أبصر ، ولذا قال المفيد في المقنعة على ما حكي عنه : «يقبضها إمام المسلمين أو من نصبه للحكم في الرعية ويتصدق عن الميت بها».

(١) فيؤخذ الأرش بالنسبة لديته التي هي مائة دينار كما في الجنين.

(٢) لخبر الحسين بن خالد المتقدم : (فمن قطع رأس ميت أو شقّ بطنه ، أو فعل به ما يكون فيه اجتياح نفس الحيّ فعليه دية النفس كاملة).

(٣) في الجناية على الميت.

(٤) من الأحياء حتى الجنين حيث فرق بين العمد والخطأ فيه.

(٥) أي التفصيل بين العمد والخطأ حيث إن الأخبار الدالة عليه مطلقة تشمل الجناية على الحي والميت معا ، وقد تقدمت سابقا في أول الديات.

(٦) بالرفع أي وعدم الفرق.

(٧) أي يجب على الجاني على الميت سواء كان عمدا أو خطأ.

(٨) من جعل الدية على العاقلة حيث إنه على خلاف الأصل.

(٩) وهو الحي والجنين فقط.

(١٠) المتقدمة في الجناية على الميت.

(١١) عند ما سئل الإمام عمن قطع رأس الميت.

(١٢) صفة لترك الاستفصال.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب ديات الأعضاء حديث ٣.

٦٨١

وهل يجوز قضاء دينه من هذه الدية وجهان ، من عدم دخوله في إطلاق الصدقة ووجوه البر ، وكون قضاء الدين ملازما للإرث ، لظاهر الآية (١) ، ومن أن نفعه بقضاء دينه أقوى ، ونمنع عدم دخوله في البر ، بل هو من أعظمها ، ولأن من جملتها (٢) قضاء دين الغارم وهو من جملة أفراده (٣). وهذا أقوى (٤) ولو كان الميت ذميا فعشر ديته ، أو عبدا فعشر قيمته (٥) ويتصدق بها عنه كالحر ، للعموم (٦).

(الثاني ـ في العاقلة) التي تحمل دية الخطأ سميت بذلك (٧).

أما من العقل وهو الشد ومنه سمي الحبل عقالا ، لأنها تعقل الإبل بفناء ولي المقتول المستحق للدية ، أو لتحملهم العقل وهو الدية وسميت الدية بذلك ، لأنها تعقل لسان ولي المقتول ، أو من العقل وهو المنع ، لأن العشيرة كانت تمنع القاتل بالسيف في الجاهلية ثم منعت عنه في الإسلام بالمال (٨).

(وهم (٩) : من تقرب) إلى القاتل(بالأب) كالإخوة والأعمام وأولادهما(وإن)

______________________________________________________

(١) لظاهر الآية : سورة النساء الآية : ١١ (فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ).

(٢) أي جملة وجوه البر.

(٣) أي وقضاء دين الميت من جملة أفراد قضاء دين الغارم.

(٤) ومال إليه المحقق في نكت النهاية واستظهره صاحب الجواهر وكاشف اللثام.

(٥) قد تقدم أنه أورده احتمالا ، وهنا جزم به تبعا للعلامة في القواعد وقد تقدم مستنده.

(٦) أي عموم الأخبار المتقدمة.

(٧) قال في الجواهر : «لعقلها الإبل التي هي الدية بفناء ولي الدم ، أو لعقلها أي منعها القاتل من القتل ، أو لعقلهم عنه أي تحملهم العقل وهو الدية عنه».

(٨) قال في المسالك : «قال العلماء (رحمهم‌الله) : وتغريم غير الجاني خارج عن الأقلية الظاهرة ، إلا أن القبائل في الجاهلية كانوا يقومون بنصرة من جنى منهم ويمنعون أولياء القتل من أن يدركوا بثأرهم ويأخذوا من الجاني حقهم ، فجعل الشرع بدل تلك النصرة بذل المال حيث لا يكون الجاني متعمدا آثما ، وربما شبه إعانة الأقارب بتحمل الدية بإعانة الأجانب الذين غرّموا لإصلاح ذات البين بصرف سهم من الزكاة إليهم وأجلّت على العاقلة نظرا لهم ليتحملوا ما تحملوا في مدة الأجل فلا يشقّ عليهم أداؤه).

(٩) أي العاقلة ، فهي العصبة لصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام : (قضى أمير ـ

٦٨٢

(لم يكونوا وارثين في الحال).

وقيل (١) : من يرث دية القاتل لو قتل ، ولا يلزم من لا يرث ديته شيئا مطلقا(٢).

وقيل (٣) : هم المستحقون لميراث القاتل من الرجال العقلاء من قبل أبيه وأمه. فإن تساوت القرابتان كإخوة الأب وإخوة الأم كان على إخوة الأب الثلثان ، وعلى إخوة الأم الثلث.

وما اختاره المصنف هو الأشهر بين المتأخرين ، ومستند الأقوال غير نقي.

______________________________________________________

ـ المؤمنين عليه‌السلام على امرأة أعتقت رجلا واشترطت ولائه ولها ابن ، فألحق ولائه بعصبتها الذين يعقلون عنه دون ولدها) (١).

والعصبة على المشهور من يتقرب بالأب كالإخوة وأولادهم والعمومة وأولادهم مع عدم اشتراط كونه من أهل الإرث في الحال ، وهذا هو معناها لغة كما عن النهاية الأثيرية والصحاح.

(١) هو للشيخ في النهاية وردّ بأن الزوجين ومن يتقرب بالأم يرثون من الدية وليسوا بعصبة.

(٢) ولو كان من الرجال وممن يتقرب بالأب.

(٣) وهو لابن الجنيد والمستند رواية سلمة بن كهيل : (أتي أمير المؤمنين عليه‌السلام برجل قد قتل رجلا خطأ ، فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : من عشيرتك وقرابتك ـ إلى أن قال ـ : فكتب إلى عامله على الموصل : أما بعد ـ إلى أن قال ـ : ثم انظر فإن كان رجل منهم يرثه له سهم في الكتاب لا يحجبه عن ميراثه أحد من قرابته فألزمه الدية ، وخذه بها نجوما في ثلاث سنين ، فإن لم يكن له من قرابته أحد له سهم في الكتاب وكانوا قرابته سواء في النسب وكان له قرابة من قبل أبيه وأمه سواء في النسب ففضّ الدية على قرابته من قبل أبيه وعلى قرابته من قبل أمه من الرجال المدركين المسلمين ، ثم اجعل الدية على قرابته من قبل أبيه ثلثي الدية واجعل على قرابته من قبل أمه ثلث الدية) (٢) والخبر ضعيف لأن سلمة بن كهيل بتري مذموم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب كتاب العتق حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العاقلة حديث ١ ، وفي الوسائل سقط واتبعنا فيه الكافي والتهذيب والفقيه فراجع.

٦٨٣

(ولا تعقل المرأة (١) والصبي والمجنون (٢) والفقير (٣) عند) استحقاق(المطالبة) وهو حلول أجل الدية وإن كان غنيا أو عاقلا وقت الجناية وإن ورثوا جميعا من الدية.

(ويدخل) في العقل(العمودان) (٤) : الآباء والأولاد وإن علوا أو سفلوا ، لأنهم أخص القوم وأقربهم ، ولرواية سلمة بن كهيل عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في القاتل الموصلي حيث كتب إلى عامله يسأل عن قرابة فلان من المسلمين فإن كان منهم رجل يرثه له سهم في الكتاب لا يحجبه عن ميراثه أحد من قرابته فألزمه الدية وخذ بها نجوما في ثلاث سنين الحديث. وفي سلمة ضعف. والأولوية هنا ممنوعة (٥) لأنه حكم مخالف للأصل والمشهور عدم دخولهم فيه (٦) ، لأصالة

______________________________________________________

(١) لخروجها عن مفهوم العصبة ولصحيح الأحوال قال : (قال ابن أبي العوجاء : ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهما واحدا ويأخذ الرجل سهمين؟ فذكر ذلك بعض أصحابنا لأبي عبد الله عليه‌السلام فقال : إن المرأة ليس عليها جهاد ولا نفقة ولا معقلة وإنما ذلك على الرجال) (١) وقريب منها خبر إسحاق بن محمد النخعي (٢).

(٢) لحديث رفع القلم.

(٣) على المشهور وادعى عليه الإجماع.

(٤) على ما ذهب إليه الإسكافي والمفيد والشيخ في النهاية والحلي وابن سعيد بل نسب في الإيضاح إلى الشهرة ، وذلك لأن العصبة هم المحيطون به من الذكور فتشمل الأب والابن.

وذهب الشيخ في المبسوط والخلاف وابن حمزة وابن فهد بل نسب إلى المشهور عدم الدخول لصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام : (قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام على امرأة أعتقت رجلا واشترطت ولاءه ولها ابن فألحق ولاءه بعصبتها الذين يعقلون عنه دون ولدها) ٣ وفيه : إن الولد كما هو صريح الرواية خارج عمن له الولاء لا أنه خارج عن عصبتها.

(٥) لأن الأولوية في الإرث لا تجري في العقل لأنه حكم على خلاف الأصل فيقتصر فيه على المتيقن.

(٦) أي في العقل.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ميراث الأبوين حديث ١ و ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب العتق حديث ١.

٦٨٤

البراءة ، وقد روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرض دية امرأة قتلتها أخرى على عاقلتها وبرأ الزوج والولد (١).

(ومع عدم القرابة) الذي يحكم بدخوله(فالمعتق) للجاني (٢). فإن لم يكن فعصابته ، ثم معتق المعتق ، ثم عصابته ثم معتق أبي المعتق ، ثم عصابته كترتيب الميراث ، ولا يدخل ابن المعتق وأبوه وإن علا ، أو سفل على الخلاف (٣) ، ولو تعدد المعتق اشتركوا في العقل كالإرث.

(ثم) مع عدمهم أجمع(فعلى ضامن الجريرة) (٤) إن كان هناك ضامن(ثم) مع عدمه ، أو فقره فالضامن(الإمام) من بيت المال (٥).

______________________________________________________

(١) قد صرح الشيخ الحر في هامش الوسائل الباب الثاني من أبواب العاقلة أن الخبر من حديث العامة ، وراجع سنن ابن ماجة ج ٢ ح ٢٦٤٨.

(٢) بلا خلاف فيه لصحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إذا ولي الرجل فله ميراثه وعليه معقلته) (١) الدالة على أن من له الولاء فعليه العقل. ولذا ورد في صحيح إسماعيل بن الفضل : (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل إذا أعتق أله أن يضع نفسه حيث شاء فتولى من أحبّ؟ فقال : إذا أعتق لله فهو مولى للذي أعتقه ، وإذا أعتق فجعل سائبة فله أن يضع نفسه ويتولى من شاء) (٢).

(٣) المتقدم في دخول الأب والابن في العاقلة.

(٤) لصحيح هشام بن سالم المتقدم ، وغيره.

(٥) بلا خلاف ويدل عليه أخبار منها : صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في من أعتق عبدا سائبة أنه لا ولاء لمواليه عليه فإن شاء توالى إلى رجل من المسلمين فليشهد أنه يضمن جريرته وكل حدث يلزمه فإذا فعل ذلك فهو يرثه ، وإن لم يفعل ذلك كان ميراثه يردّ على إمام المسلمين) (٣) مع ضميمة أن من له الولاء فعليه العقل ، ولمرسل يونس عن أحدهما عليهما‌السلام : (في الرجل إذا قتل رجلا خطأ فمات قبل أن يخرج إلى أولياء المقتول من الدية أن الدية على ورثته ، فإن لم يكن له عاقلة ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ولاء ضمان الجريرة حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب العتق حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة حديث ١٢.

٦٨٥

(ولا تعقل العاقلة عمدا) محضا ، ولا شبيها به ، وإنما تعقل الخطأ المحض (١) (و) كذا(لا) تعقل(بهيمة) (٢) إذا جنت على إنسان وإن كانت جنايتها مضمونة على المالك على تقدير تفريطه.

وكذا لا تعقل العصبة قتل البهيمة (٣) ، بل هي كسائر ما يتلفه من الأموال.

(ولا جناية العبد) (٤) بمعنى أن العبد لو قتل إنسانا خطأ ، أو جنى عليه لا تعقل عاقلته جنايته ، بل تتعلق برقبته كما سلف.

(وتعقل الجناية عليه) (٥) أي تعقل عاقلة الحر الجاني على العبد خطأ جنايته عليه. كما تعقل جنايته على الحر (٦) ، لعموم ضمان العاقلة الجناية على الآدمي.

______________________________________________________

ـ فعلى الوالي من بيت المال) (١).

ولخبر عمار بن أبي الأحوص : (سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن السائبة فقال : انظروا في القرآن فما كان فيه فتحرير رقبة ، فتلك يا عمار السائبة التي لا ولاء لأحد عليها إلا الله ، فما كان ولاؤه لله فهو لرسول الله ، وما كان ولاؤه لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإن ولاءه للإمام وجنايته على الإمام وميراثه له) (٢).

(١) بلا خلاف ويدل عليه أخبار منها : خبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام : (لا تضمن العاقلة عمدا ولا إقرارا ولا صلحا) (٣) وقد تقدم الكلام في أول باب الديات.

(٢) بل جنايتها على مالكها مع تفريطه وقد تقدم الكلام في ذلك.

(٣) لو قتلها إنسان خطأ وذلك لأن تحميل العاقلة خطأ الغير على خلاف الأصل فيقتصر فيه على المتيقن ، وهو جناية الآدمي على الآدمي فقط.

(٤) لأن جناية العبد تتعلق برقبته كما تقدم في باب القصاص.

(٥) على العبد لو كان الجاني حرا وكانت الجناية خطأ لعموم أخبار العاقلة ، وعن العلامة أن الجناية الخطائية على العبد على الجاني فقط ، لأن العبد من جملة الأموال ، وهذا على خلاف إطلاق أخبار العاقلة.

(٦) أي كما تعقل جناية الحر على الحر.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب العاقلة حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة حديث ٦.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب العاقلة حديث ١.

٦٨٦

وقيل : لا تضمن العاقلة الجناية عليه أيضا ، بل إنما تعقل الديات (١) والمأخوذ عن العبيد قيمة لا دية كسائر قيم الأموال المتلفة ، وبه قطع في التحرير في باب العاقلة ، وجعله تفسيرا لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تعقل العاقلة عبدا (٢). والأجود الأول ، وعليه نزل الحديث (٣) ، وبه (٤) جزم في أول الديات منه أيضا (٥) كغيره من كتبه.

وبالجملة فإنما تعقل العاقلة إتلاف الحر الآدمي مطلقا (٦) إن كان المتلف صغيرا ، أو مجنونا ، أو خطأ إن كان مكلفا ، لا غيره (٧) من الأموال وإن كان حيوانا.

وشمل إطلاق المصنف ضمان العاقلة : دية الموضحة فما فوقها وما دونها (٨).

وهو في الأول محل وفاق ، وفي الثاني خلاف. منشؤه عموم الأدلة على

______________________________________________________

(١) والدية مختصة بالحر.

(٢) ففي دعائم الإسلام عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : (لا تعقل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا) (١).

(٣) أي على الأول من عدم عقل جناية العبد على غيره.

(٤) بالأول.

(٥) من التحرير.

(٦) سواء كان إتلافه على الحر أو على العبد ، وعمدا أو خطأ.

(٧) أي لا غير الآدمي.

(٨) تضمن العاقلة دية الموضحة فما زاد ، بلا خلاف بينهم.

وما دون الموضحة فذهب الشيخ في الخلاف والمبسوط والحلي في السرائر إلى أنها تضمن أيضا لعموم أخبار تضمين العاقلة.

وذهب المشهور إلى العدم لخبر أبي مريم عن أبي جعفر عليه‌السلام : (قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام أن لا يحمل على العاقلة إلا الموضحة فصاعدا) (٢).

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب العاقلة حديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب العاقلة حديث ١.

٦٨٧

تحملها للدية من غير تفصيل ، وخصوص قول الباقر عليه‌السلام في موثقة أبي مريم الأنصاري قال : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام : أنه لا يحمل على العاقلة إلا الموضحة فصاعدا مؤيدا بأصالة البراءة من الحكم المخالف للأصل وهذا هو الأشهر.

(وعاقلة الذمي نفسه) (١) ، دون عصبته وإن كانوا كفارا(ومع عجزه) عن الدية(فالإمام) عاقلته ، لأنه يؤدي الجزية إليه. كما يؤدي المملوك الضريبة إلى مولاه فكان بمنزلته وإن خالفه في كون مولى العبد لا يعقل جنايته ، لأنه ليس مملوكا محضا كذا عللوه (٢). وفيه نظر.

(وتقسط) الدية على العاقلة (٣) (بحسب ما يراه الإمام) من حالتهم في الغنى والفقر ، لعدم ثبوت تقديره شرعا فيرجع إلى نظره.

(وقيل) والقائل الشيخ في أحد قوليه وجماعة : (على الغني نصف دينار ، وعلى الفقير ربعه) ، لأصالة براءة الذمة من الزائد على ذلك.

______________________________________________________

(١) لا خلاف في أن دية جناية الذمي وإن كانت خطأ في ماله دون عاقلته ، وإن عجز لعدم المال عقلها الإمام عليه‌السلام لصحيح أبي ولّاد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (ليس فيما بين أهل الذمة معاقلة فيما يجنون من قتل أو جراحة ، إنما يؤخذ ذلك من أموالهم ، فإن لم يكن لهم مال رجعت الجناية على إمام المسلمين ، لأنهم يؤدون إليه الجزية كما يؤدي العبد الضريبة إلى سيده ، وهم مماليك للإمام فمن أسلم منهم فهو حر) (١).

(٢) بل هكذا ورد في الخبر الصحيح.

(٣) قد وقع الخلاف على ثلاثة أقوال :

الأول : التفصيل بين الغني والفقير فعلى الأول نصف دينار وعلى الثاني ربعه ، وهو للشيخ في المبسوط والخلاف وللقاضي والعلّامة في القواعد والإرشاد ، واستدلوا على ذلك بأنه من باب الاقتصار على المتيقن ، والزائد مشكوك.

القول الثاني : إن أمر التقسيم بيد الإمام عليه‌السلام أو نائبه على حسب ما يراه من المصلحة ، وقيل : إنه القول المشهور بينهم.

القول الثالث : لصاحب الجواهر وجماعة أن التقسيط على الجميع بالسوية بعد إطلاق أدلة تضمين العاقلة ، ومقتضى العدل يقتضي التسوية بينهم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب العاقلة حديث ١.

٦٨٨

والمرجع فيهما (١) إلى العرف ، لعدم تحديدهما شرعا والأول أجود.

(والأقرب الترتيب في التوزيع) فيأخذ من أقرب الطبقات أولا ، فإن لم يحتمل (٢) تخطى إلى البعيدة ، ثم الأبعد ، وهكذا ينتقل مع الحاجة إلى المولى ، ثم إلى عصبته ، ثم إلى مولى المولى ، ثم إلى الإمام (٣).

ويحتمل بسطها على العاقلة أجمع من غير اختصاص بالقريب ، لعموم الأدلة.

وعلى القول بالتقدير (٤) لو لم تسع الطبقة القريبة الدية بالنصف والربع انتقل إلى الثانية. وهكذا إلى الإمام حتى لو لم يكن له إلا أخ غني أخذ منه نصف دينار. والباقي على الإمام.

(ولو قتل الأب ولده عمدا فالدية لوارث الابن) إن اتفق ولا نصيب للأب منها(فإن لم يكن) له وارث(سوى الأب فالإمام (٥) ، ولو قتله خطأ فالدية على العاقلة ، ولا يرث الأب منها شيئا) على الأقوى (٦) ، لأن العاقلة تتحمل عنه جنايته فلا يعقل تحملها له ، ولقبح أن يطالب الجاني غيره بجناية جناها ، ولو لا الإجماع على ثبوتها على العاقلة لغيره (٧) لكان العقل يأبى ثبوتها عليهم مطلقا (٨).

وقيل : يرث منها نصيبه إن قلنا بإرث القاتل خطأ هنا (٩) ، لعموم وجوب الدية على العاقلة ، وانتقالها إلى الوارث ، وحيث لا يمنع هذا النوع من القتل الإرث يرث الأب لها أجمع ، أو نصيبه عملا بالعموم (١٠) ، ولو قلنا : إن القاتل

______________________________________________________

(١) في الغني والفقير.

(٢) أي لم يسع الأخذ من الأقرب ولم يف بالدية.

(٣) وهو مناف لإطلاق أدلة تضمين العاقلة الشامل للجميع بالسوية.

(٤) أي النصف والربع كما ذهب إليه الشيخ.

(٥) لأن القتل مانع من الإرث وقد تقدم في بابه.

(٦) وقد تقدم الكلام في باب الإرث.

(٧) لغير الجاني القاتل.

(٨) أي يأبى العقل ثبوت الدية على العاقلة سواء كانت الجناية عمدا أو خطأ.

(٩) أي في الدية.

(١٠) أي بعموم أدلة إرث الأب من ابنه.

٦٨٩

خطأ لا يرث مطلقا ، أو من الدية فلا بحث. وكذا القول لو قتل الابن أباه خطأ (١).

(الثالث ـ في الكفارة) اللازمة للقاتل بسبب القتل مطلقا (٢) (وقد تقدمت) في كتابها وأنها (٣) كبيرة مرتبة في الخطأ وشبهه وكفارة جمع في العمد (٤).

(ولا تجب مع التسبيب كمن طرح حجرا) فعثر به إنسان فمات(أو نصب سكينا في غير ملكه فهلك بها آدمي) وإن وجبت الدية ، وإنما تجب مع المباشرة(وتجب بقتل الصبي (٥) والمجنون) ممن هو بحكم المسلم كما تجب بقتل المكلف ويستوي فيها الذكر والأنثى. والحر والعبد مملوكا للقاتل ولغيره(لا بقتل الكافر) (٦) وإن كان ذميا ، أو معاهدا(وعلى المشتركين) في القتل وإن كثروا(كل واحد كفارة) (٧) كملا(ولو قتل) القاتل(قبل التكفير في العمد) (٨) ، أو مات قبل

______________________________________________________

(١) وقد تقدم في باب الإرث.

(٢) عمدا أو خطأ.

(٣) أي كفارة القتل.

(٤) وقد تقدم الكلام في ذلك أيضا ، هذا واعلم أن الكفارة قد ترتبت على عنوان القاتل ، والقاتل يصدق مع المباشرة بلا خلاف بين الفقهاء ، وأما مع التسبيب فعند صدق عنوان القاتل كما لو حفر بئرا بقصد قتل حيوان فوقع فيه إنسان فمات فهو قتل خطأ ، ولو حفره بقصد قتل إنسان فوقع فيه الغير ومات فهو قتل عمدي وهكذا فالمدار في موارد والتسبيب على صدق عنوان القاتل حتى تثبت الكفارة.

(٥) بلا خلاف ولا إشكال لصدق عنوان قتل المؤمن عليه بلا فرق بين الصبي والبالغ والعاقل والمجنون والذكر والأنثى والحر والعبد ولو كان عبدا للقاتل ، بل المشهور وجوب الكفارة لقتل الجنين بعد ولوج الروح لعموم أخبار الكفارة المتقدمة في بابها.

(٦) بلا خلاف لأن الكفارة لقتل المؤمن كما يستفاد من الأدلة والكافر خارج تخصصا ، بلا فرق في الكافر بين الذمي وغيره.

(٧) بلا خلاف لإطلاق أدلة وجوب الكفارة.

(٨) لا خلاف في وجوب الكفارة على القاتل عمدا إذا رضي ولي الدم بالدية لإطلاق الأخبار المتقدمة في باب الكفارات.

ولو قتله ولي الدم فهل عليه كفارة في ماله؟ ففي ذلك قولان :

الأول عدم الوجوب وإليه ذهب الشيخ في المبسوط وابن إدريس في السرائر وابن فهد ـ

٦٩٠

التكفير(أخرجت الكفارات الثلاث من) أصل(ماله إن كان) له مال ، لأنه حق مالي فيخرج من الأصل وإن لم يوص به كالدين ، وكذا كل من عليه كفارة مالية فمات قبل إخراجها ، وغلبوا عليها (١) هنا جانب المالية وإن كان بعضها بدنيا كالصوم ، لأنها في معنى عبادة واحدة فيرجح فيها حكم المال كالحج ، وإنما قيد بالعمد ، لأن كفارة الخطأ وشبهه مرتبة ، والواجب قد يكون ماليا كالعتق والإطعام ، وبدنيا كالصيام ، والحقوق البدنية لا تخرج من المال إلا مع الوصية بها. ومع ذلك تخرج من الثلث كالصلاة ، وحينئذ فالقاتل خطأ إن كان قادرا على العتق ، أو عاجزا عنه وعن الصوم أخرجت الكفارة من ماله كالعامد ، وإن كان فرضه الصوم لم تخرج إلا مع الوصية فلذا قيد ، لافتقار غير العمد إلى التفصيل.

(الرابع ـ في الجناية على الحيوان) الصامت : (من أتلف ما تقع عليه الذكاة) سواء كان مأكولا كالإبل والبقر والغنم أم لا كالأسد والنمر والفهد(بها) (٢) أي بالتذكية بغير إذن مالكه(فعليه أرشه) (٣) وهو تفاوت ما بين قيمته حيا ومذكّى مع

______________________________________________________

ـ في المهذب وابن حمزة في الوسيلة لصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (كفارة الدم إذا قتل الرجل مؤمنا متعمدا فعليه أن يمكّن نفسه من أوليائه ، فإن قتلوه فقد أدى ما عليه إذا كان نادما على ما كان منه عازما على ترك العود ، وإن عفا عنه فعليه أن يعتق رقبة ويصوم شهرين متتابعين ويطعم ستين مسكينا وأن يندم على ما كان منه ويعزم على ترك العود ويستغفر الله تعالى أبدا ما بقي) (١).

والثاني الوجوب وهذا ما ذهب إليه الشيخ في الخلاف والعلّامة في المختلف والتحرير للاستصحاب وأنها من حقوق الله المتعلقة بالمال فلا تسقط بالموت ، وفيه : إنه كالاجتهاد في قبال النص ، نعم عليك القول بوجوب الكفارة في ماله لو مات بغير القود للاستصحاب.

(١) على كفارة القتل.

(٢) أي أتلفه بالتذكية.

(٣) بلا خلاف بين الأصحاب لأن الحيوان لم يخرج عن ملك مالكه بالتذكية فلا محالة فلم يخسر المالك إلا التفاوت بين كونه حيا وبينه ميتا فله هذا التفاوت.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الكفارات حديث ٢.

٦٩١

تحقق النقصان ، لا قيمته (١) ، لأن التذكية لا تعد إتلافا محضا ، لبقاء المالية غالبا ، ولو فرض عدم القيمة أصلا كذبحه في برية لا يرغب أحد في شرائه لزمه القيمة ، لأنه حينئذ مقدار النقص (٢).

(وليس للمالك مطالبته بالقيمة) كملا(ودفعه إليه على الأقرب) (٣) لأصالة براءة ذمة الجاني مما زاد على الأرش ، ولأنه باق على ملك مالكه فلا ينتقل عنه إلا بالتراضي من الجانبين.

وخالف في ذلك الشيخان وجماعة فخيروا المالك بين إلزامه بالقيمة يوم الإتلاف وتسليمه إليه ، وبين مطالبته بالأرش نظرا إلى كونه مفوتا لمعظم منافعه فصار كالتالف.

وضعفه ظاهر (٤) (ولو أتلفه لا بها (٥) فعليه قيمته يوم تلفه إن لم يكن غاصبا) (٦) ، لأنه يوم تفويت ماليته الموجب للضمان(ويوضع منها (٧) ما له قيمة من الميتة) كالشعر والصوف والوبر والريش وفي الحقيقة ما وجب هنا (٨) غير

______________________________________________________

(١) أي لا قيمة الحيوان أجمع ، لأن الحيوان لم يتلف بالتذكية بل نقص.

(٢) أي لأن اللازم من قيمة الحيوان أجمع هو مقدار النقص على المالك.

(٣) هل للمالك دفع المذبوح والمطالبة بالقيمة؟ قيل : نعم وهو اختيار الشيخين في المقنعة والنهاية وجماعة نظرا إلى إتلافه أهم منافعه فهو حينئذ بحكم التالف ، وقيل : لا ، كما عن الشيخ في المبسوط والمتأخرين كما في الجواهر لأنه إتلاف لبعض منافعه فقط فيضمن التلف فقط مع بقاء المالية عرفا للحيوان المذبوح.

(٤) لأنه باق على ماليته عرفا وليس بحكم التالف.

(٥) أي أتلف الحيوان لا بالتذكية ، فيضمن الجاني قيمته يوم إتلافه كغيره من الأموال بلا خلاف فيه ولا إشكال ، ومستنده واضح ، نعم لو بقي في الحيوان المقتول ما له مالية كالصوف والشعر والوبر والريش مما ينتفع به من الميتة فهو باق للمالك ويسقط من القيمة بإزائه.

(٦) وإلا لو كان غاصبا فقد قيل يؤخذ بيوم التلف وقيل بيوم الأداء ، وقيل بأعلى القيم وقد تقدم الكلام فيه في باب الغصب.

(٧) من القيمة التي يدفعها الجاني.

(٨) ما نافية.

٦٩٢

الأرش ، لكن لما كان المضمون أكثر القيمة اعتبرها.

ولو كان المتلف غاصبا فقيل : هو كذلك.

وقيل : يلزمه أعلى القيم من حين الغصب إلى حين الإتلاف. وهو أقوى وقد تقدم ، فمن ثم أهمله(ولو تعيب بفعله) من دون أن يتلف كأن قطع بعض أعضائه ، أو جرحه ، أو كسر شيئا من عظامه(فلمالكه الأرش) (١) إن كانت حياته مستقرة ، وإلّا فالقيمة على ما فصل (٢) وكذا لو تلف بعد ذلك بالجناية (٣).

(وأما) لو أتلف(ما لا تقع عليه الذكاة (٤) ففي كلب الصيد أربعون)

______________________________________________________

(١) وهو التفاوت بين قيمتي الصحيح والمعيب ، لأن الأجزاء مضمونة لدخالتها في مالية الحيوان.

نعم في فقأ العين فالمشهور على الأرش ، والشيخ وجماعة منهم المحقق في الشرائع أن على الجاني ربع القيمة لصحيح أبي العباس عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (من فقأ عين دابة فعليه ربع ثمنها) ١ ، وصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام : (قضى علي عليه‌السلام في عين فرس فقئت ربع ثمنها يوم فقئت العين) ٢ وقريب منهما صحيح عمر بن أذينة ٣.

(٢) أي المصنف من كونها قيمة يوم التلف إن لم يكن غاصبا.

(٣) فيضمن القيمة أيضا.

(٤) لا خلاف بين الأصحاب أن إتلاف الخمر وآلات اللهو وما لا يقبل التذكية كالكلب والخنزير لا يوجب الضمان لعدم كونه مالا شرعا.

إلا أن يكون الخنزير للذمي فيضمن لأنه مال عنده بشرط قيام الذمي بشرائط الذمة لمعتبرة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام : (أن عليا عليه‌السلام ضمّن رجلا أصاب خنزير النصراني) ٤ ، ولخبر مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (أن أمير المؤمنين عليه‌السلام رفع إليه رجل قتل خنزيرا فضمنه ، ورفع إليه رجل كسر بربطا فأبطله) ٥ بحمل الخنزير على أنه ملك للذمي جمعا بين النصوص ، والدال على القيام بشرائط الذمة صحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل الجزية من أهل الذمة على أن لا يأكلوا الربا ولا يأكلوا لحم الخنزير ولا ينكحوا الأخوات ولا بنات الأخ ولا بنات الأخت فمن فعل ذلك منهم برئت منه ذمة الله تعالى وذمة رسول ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء حديث ١ و ٣ و ٢.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب موجبات الضمان حديث ٢ و ١.

٦٩٣

(درهما) (١) على الأشهر رواية وفتوى.

وقيل (٢) : قيمته (٣) كغيره من الحيوان القيمي إما لعدم ثبوت المقدار (٤) أو لرواية السكوني عن الصادق عليه‌السلام أن أمير المؤمنين عليه‌السلام : حكم فيه بالقيمة.

وبين التعليلين بون بعيد (٥) ، وخصه الشيخ (٦) بالسلوقي نظرا إلى وصفه في

______________________________________________________

ـ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : وليست لهم اليوم ذمة) (١) بحمله على التستر في أكل لحم الخنزير.

وأما كلب الغنم والحائط والزرع والصيد ففيه كلام سيأتي.

(١) على المشهور للأخبار منها : معتبرة الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : (دية الكلب السلوقي أربعون درهما) (٢) ، ومعتبرة عبد الأعلى بن أعين عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (في كتاب علي عليه‌السلام دية كلب الصيد أربعون درهما) (٣).

وذهب الشارح إلى أن الروايات ضعيفة السند فالأجود الضمان بالقيمة ، وفيه : إنها منجبرة بعمل الأصحاب.

وذهب ابن الجنيد إلى أن في كلب الصيد قيمته بشرط عدم تجاوزها أربعين درهما ، ومع التجاوز فالأربعون جمعا بين ما تقدم وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فيمن قتل كلب الصيد ، قال : يقوّمه ، وكذلك البازي ، وكذلك كلب الغنم ، وكذلك كلب الحائط) (٤).

ثم هل المراد بكلب الصيد هو المعلّم سواء كان سلوقيا أو لا ، أو خصوص السلوقي ، وهو المنسوب إلى قرية سلوق باليمن أكثر كلابها معلّمة ، فالأكثر على الأول والشيخان على الثاني ، ومن الواضح أن السلوقي هو إشارة إلى كلب الصيد المعلم وهذا يشمل غير السلوقي في البين.

(٢) وهو الإسكافي.

(٣) بشرط عدم تجاوز الأربعين.

(٤) شرعا فالمتجه الضمان بالقيمة ، لكن عرفت أن مستند حكم ابن الجنيد هو الجمع بين الأخبار المتقدمة.

(٥) بين عدم ثبوت المقدار شرعا وبين الحكم بالقيمة تبعا لرواية السكوني.

(٦) بل الشيخان.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ١.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ديات النفس حديث ١ و ٥ و ٣.

٦٩٤

الرواية ، وهو نسبة إلى سلوق قرية باليمن أكثر كلابها معلمة ، والباقون حملوه على المعلم مطلقا للمشابهة.

(وفي كلب الغنم كبش) (١) وهو ما يطلق عليه اسمه ، لعدم تحديد سنه شرعا ولا لغة ، لرواية أبي بصير عن أحدهما.

(وقيل) والقائل الشيخان وابن إدريس وجماعة : في قتله(عشرون درهما) ، لرواية ابن فضال عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام وهي ضعيفة مرسلة ، والعجب من ابن إدريس المانع من الخبر الواحد مطلقا كيف يذهب هنا إلى ذلك ، لكن لعله استند إلى ما توهمه من الإجماع ، لا إلى الرواية.

وفي قول ثالث أن الواجب فيه القيمة كما مر (٢).

(وفي كلب الحائط) (٣) وهو البستان أو ما في معناه (٤) (عشرون درهما) على المشهور ، ولم نقف على مستنده والقول بالقيمة أجود.

______________________________________________________

(١) على الأكثر لرواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (دية الكلب السلوقي أربعون درهما ـ إلى أن قال ـ : ودية كلب الغنم كبش ودية كلب الزرع جريب من برّ ، ودية كلب الأهل قفيز من تراب لأهله) (١).

وذهب البعض بل قيل المشهور كما في كشف اللثام أن ديته عشرون درهما لمرسل ابن فضال عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (دية كلب الصيد أربعون درهما ، ودية كلب الماشية عشرون درهما ، ودية الكلب الذي ليس للصيد ولا للماشية زنبيل من تراب على القاتل أن يعطي وعلى صاحبه أن يقبل) (٢).

وقيل : إن ديته قيمته لخبر السكوني المتقدم ، وهو الأولى بعد حمل نصوص التقدير على تقديره في أزمنة صدور الأخبار المتقدمة.

(٢) في كلب الصيد.

(٣) ذهب المشهور إلى أن ديته عشرون درهما ، وليس له مستند كما اعترف بذلك غير واحد ، فالمتعين القول بالقيمة تبعا لخبر السكوني المتقدم.

(٤) ككلب الدار.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ديات النفس حديث ٢ و ٤.

٦٩٥

(وفي كلب الزرع (١) قفيز من طعام) وهو في رواية أبي بصير المتقدمة ، وخصه (٢) بعض الأصحاب بالحنطة. وهو حسن(ولا تقدير لما عداها (٣) ، ولا ضمان على قاتلها) وشمل إطلاقه (٤) كلب الدار (٥) وهو أشهر القولين فيه ، وفي رواية أبي بصير عن أحدهما أن في كلب الأهل قفيز من تراب واختاره بعض الأصحاب.

(أما الخنزير (٦) فيضمن للذمي مع الاستتار به بقيمته عند مستحليه) إن أتلفه. وبأرشه كذلك إن أعابه(وكذا لو أتلف المسلم عليه) أي على الذمي المستتر. وترك التصريح بالذمي لظهوره ، ولعل التصريح كان أظهر(خمرا ، أو آلة لهو (٧) مع استتاره) بذلك ، فلو أظهر شيئا منهما فلا ضمان على المتلف مسلما كان أم كافرا فيهما.

(ويضمن الغاصب (٨) قيمة الكلب السوقية) ، لأنه مؤاخذ بأشق الأحوال. وجانب المالية معتبر في حقه مطلقا(بخلاف الجاني) فإنه لا يضمن إلا المقدر الشرعي ، وإنما يضمن الغاصب القيمة(ما لم تنقص عن المقدر الشرعي) فيضمن

______________________________________________________

(١) ذهب المشهور إلى أن ديته قفيز من بر لرواية أبي بصير المتقدمة وإلى أن المراد بالبر هو الطعام بل هو خصوص الحنطة واستجوده في المسالك ، وذهب جماعة إلى عدم وجوب شي‌ء لقتله لعدم الدليل الموجب لذلك ، وذهب الصدوق إلى أن فيه زنبيلا من تراب وعلى القاتل أن يعطي وعلى صاحب الكلب أن يقبل لمرسل ابن فضال المتقدم.

(٢) أي خص الطعام.

(٣) لما عدا هذه المذكورات.

(٤) أي إطلاق المصنف بقوله : لما عداها.

(٥) وذهب ابن الجنيد إلى أن في كلب الدار زنبيلا من تراب لخبر أبي بصير المتقدم وهو المسمى بكلب الأهل كما في الرواية.

(٦) فقد تقدم الكلام فيه.

(٧) لأنها من ذوات المالية بنظر الذمي المستتر قياسا على الخنزير وإن كان في خبر مسمع المتقدم عدم الضمان بكسر البربط مطلقا.

(٨) لأن يده يد عدوان وقد تقدم في كتاب الغصب أخذه بأشق الأحوال ، فمن ثم اختلف حكمه عن حكم الجاني.

٦٩٦

المقدر. وبالجملة فيضمن الغاصب أكثر الأمرين من القيمة والمقدر الشرعي.

(ويضمن صاحب الماشية جنايتها ليلا ، لا نهارا) (١) على المشهور ، والمستند رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه قال : كان علي عليه‌السلام لا يضمن ما أفسدت البهائم نهارا ويقول على صاحب الزرع حفظه ، وكان يضمن ما أفسدته ليلا ، وروي ذلك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

(ومنهم) وهم جلة المتأخرين كابن إدريس ، وابن سعيد ، والعلّامة(من اعتبر التفريط) في الضمان(مطلقا) ليلا ونهارا. إما استضعافا للرواية ، أو حملا لها على ذلك (٣).

قال المصنف (٤) : والحق أن العمل ليس على هذه الرواية ، بل إجماع الأصحاب. ولما كان الغالب حفظ الدابة ليلا ، وحفظ الزرع نهارا أخرج الحكم عليه وليس في حكم المتأخرين رد لقول القدماء فلا ينبغي أن يكون الاختلاف هنا إلا في مجرد العبارة عن الضابط أما المعنى فلا خلاف فيه. انتهى.

ولا يخفى ما فيه (٥) وكيف كان فالأقوى اعتبار التفريط وعدمه.

______________________________________________________

(١) على المشهور لرواية عبد الله بن المغيرة عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه‌السلام : (كان علي عليه‌السلام لا يضمّن ما أفسدت البهائم نهارا ، ويقول : على صاحب الزرع حفظ زرعه وكان يضمّن ما أفسدت البهائم ليلا) (١).

وذهب المتأخرون إلى الضمان مع اعتبار التفريط وعدمه مع العدم بلا فرق بين الليل والنهار لضعف الخبر المذكور.

(٢) ففي غوالي اللآلي عن الشهيد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (أنه قضى في ناقة البراء بن عازب لما أفسدت حائطا أن على أهل الحائط حفظها نهارا وعلى أهل الماشية حفظها ليلا) (٢).

(٣) من كون التفريط إنما يحدث ليلا من أهل الماشية دون النهار.

(٤) في شرح الإرشاد.

(٥) قال الشارح في المسالك : (وظاهر الخلاف معنوي لأن مقتضى التفصيل أن ما جنته البهائم نهارا غير مضمون على أربابها سواء فرّط في حفظها أو لا ، لأن على صاحب ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب موجبات الضمان حديث ١.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب موجبات الضمان حديث ١.

٦٩٧

(وروى) محمد بن قيس (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام(في بعير بين أربعة عقله أحدهم فوقع في بئر فانكسر : أن على الشركاء ضمان حصته ، لأنه حفظ وضيعوا روى) ذلك أبو جعفر عليه‌السلام(عن أمير المؤمنين) صلوات الله وسلامه عليه وهو مشكل على إطلاقه ، فإن مجرد وقوعه أعم من تفريطهم فيه ، بل من تفريط العاقل ، ومن ثم أوردها المصنف كغيره بلفظ الرواية.

ويمكن حملها على ما لو عقله وسلمه إليهم ففرطوا ، أو نحو ذلك والأقوى ضمان المفرط منهم ، دون غيره ، والرواية حكاية في واقعة محتملة للتأويل.

(وليكن هذا آخر اللمعة ، ولم نذكر سوى المهم) من الأحكام(وهو المشهور بين الأصحاب). هذا بحسب الغالب ، وإلا فقد عرفت أنه ذكر أقوالا نادرة غير مشهورة ، وفروعا غير مذكورة.

______________________________________________________

ـ الزرع حفظه نهارا ، وأن ما جنته ليلا مضمون مطلقا لأن الحفظ متعلق بمالك البهائم.

ولو فرض عدم تفريطه في حفظها فإن جنايتها ليلا مضمونة نظرا إلى تعليق الحكم على الليل والنهار ، لا على التفريط وعدمه ، خلاف مدلول اللفظ ، وكيف كان فالرجوع إلى التفريط وعدمه هو الأظهر).

(١) في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام : (قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في أربعة أنفس شركاء في بعير ، فعقله أحدهم فانطلق البعير يعبث بعقاله فتردى فانكسر ، فقال أصحابه للذي عقله : أغرم لنا بعيرنا ، قال : فقضى بينهم أن يغرموا له حظه ، من أجل أنه أوثق حظه فذهب حظهم بحظّه منه) (١).

والحكم بإطلاقه مشكل لأن مجرد وقوعه أعم من كونه بتفريطهم ، بل ومن تفريط العاقل ، ولذا قال المحقق في نكت النهاية : «إن صحت هذه الرواية فهي حكاية في واقعة ، ولا عموم للوقائع ، فلعله عقله وسلمه إليهم ففرطوا ، وغير ذلك» فالأقوى الضمان على المفرّط دون غيره.

انتهى كتاب الديات

ولله الحمد أولا وأخيرا

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب موجبات الضمان حديث ١.

٦٩٨

(والباعث عليه) أي على المذكور والمدلول عليه بالفعل ، أو على تصنيف الكتاب وإن كان اسمه مؤنثا(اقتضاء) أي طلب(بعض الطلاب) وقد تقدم بيانه(نفعه الله وإيانا به) وجميع المؤمنين ، ونفع بشرحه كما نفع بأصله بحق الحق وأهله(والحمد لله وحده وصلاته على سيّدنا محمّد النبيّ ، وعترته المعصومين الّذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا).

هذا آخر كلام المصنف(قدس الله روحه) ، ونحن نحمد الله تعالى على توفيقه وتسهيله لتأليف هذا التعليق ، ونسأله من فضله وكرمه أن يجعله خالصا لوجهه الكريم ، موجبا لثوابه الجسيم ، وأن يغفر لنا ما قصرنا فيه من اجتهاد ، ووقع فيه من خلل في إيراد إنه هو الغفور الرحيم.

وفرغ من تسويده مؤلفه الفقير إلى عفو الله ورحمته «زين الدين بن علي بن أحمد الشامي العاملي» عامله الله تعالى بفضله ونعمه وعفا عن سيئاته وزلاته بجوده وكرمه على ضيق المجال ، وتراكم الأهوال الموجبة لتشويش البال خاتمة ليلة السبت وهي الحادية والعشرون من شهر جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وتسعمائة من الهجرة النبوية حامدا مصليا. اللهم صلّ على محمد وآل محمد ، واختم لنا بالخير.

٦٩٩
٧٠٠