الزبدة الفقهيّة - ج ٩

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٩

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: كيميا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6307-62-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٧٠٧

فأذهب بصره(اقتص له بعين واحدة) لأن ذلك هو المماثل للجناية.

(قيل) ـ والقائل ابن الجنيد والشيخ في أحد قوليه وجماعة ـ : (وله مع القصاص) على ذي العينين(نصف الدية) لأنه أذهب بصره أجمع وفيه الدية ، وقد استوفى منه ما فيه نصف الدية وهو العين الواحدة فيبقى له النصف ، ولرواية محمد بن قيس عن الباقر عليه‌السلام قال : «قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل أعور أصيبت عينه الصحيحة ففقئت ، ان تفقأ إحدى عيني صاحبه ويعقل له نصف الدية وإن شاء أخذ دية كاملة ويعفو عن عين صاحبه» ومثلها رواية عبد الله بن الحكم عن الصادق عليه‌السلام.

ونسبة المصنف الحكم إلى القيل مشعرة بردّه أو توقفه ، ومنشؤه قوله تعالى : (وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) (١) فلو وجب معها شي‌ء آخر لم يتحقق ذلك (٢) خصوصا على

______________________________________________________

ـ فقأ عين رجل أعور ، فقال : الدية كاملة فإن شاء الذي فقئت عينه أن يقتص من صاحبه ويأخذ منه خمسة آلاف درهم فعل ، لأن له الدية كاملة وقد أخذ نصفها بالقصاص) (١).

ونقل عن المفيد والشيخ في الخلاف وابن إدريس ومال إليه المحقق والعلامة في التحرير أنه مع القصاص لا ردّ للأصل ، ولعموم قوله تعالى : (الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) (٢) ، وردّ بمنع عمومية العين فإنه مفرد معرّف لا عموم فيه حتى يتمسك به ، ولو سلّم بأن فيه عموما فهو مخصص بالأخبار الواردة في عين الأعور ، وردّ أيضا بأن قوله تعالى المتقدم إنما هو حكاية عن التوراة ولا يلزم حكمها في شرعنا ، وأجيب عنه بأن الآية مقررة في شرعنا لرواية زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام في قوله تعالى : (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) الآية (قال عليه‌السلام : هي محكمة) (٣) ، وهي محكمة أيضا لقوله تعالى عقيب هذه الآية : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الظّٰالِمُونَ) (٤) ومن للعموم تشمل المسلمين مع أن الظلم حرام وتركه واجب ولا يتم ترك الظلم إلا بالحكم بمضمون الآية السابقة.

(١) المائدة الآية : ٤٥.

(٢) من مقابلة العين للعين.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء حديث ٤.

(٢) المائدة الآية : ٤٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب قصاص الطرف حديث ٥.

(٤) المائدة الآية : ٤٥.

٥٢١

القول بأن الزيادة على النص نسخ (١) وأصالة البراءة من الزائد ، وإليه ذهب جماعة من الأصحاب منهم المحقق في الشرائع والعلامة في التحرير من موافقته في المختلف للأول وتردده في باقي كتبه.

وللتوقف وجه (٢) وإن كان الأول لا يخلو من قوة وهو اختيار المصنف في الشرح.

وأجيب عن الآية بأن العين مفرد محلى فلا يعم ، والأصل يعدل عنه للدليل.

وما قيل من أن الآية حكاية عن التوراة (٣) فلا يلزمنا مندفع بإقرارها في شرعنا لرواية زرارة عن أحدهما عليه‌السلام «أنها محكمة» (٤) ولقوله تعالى بعدها : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الظّٰالِمُونَ) (٥) ومن للعموم ، والظلم حرام ، فتركه واجب ، وهو لا يتم إلا بالحكم بها.

وقد ينقدح الشك في الثاني (٦) باحتمال كونه معطوفا على اسم إنّ فلا يدل

______________________________________________________

(١) فإذا كانت الآية نصا فلا محالة ، يكون الخبران الدالان على نصف الدية أيضا زيادة على النص ، ولازمه أن يكون الخبران ناسخين للآية لأنهما متضمنان ما لا يوجد في النص ، مع أنه لا يجوز نسخ الكتاب إلا بالقطعي والخبران غير مقطوعي الصدور.

وفيه : إن الآية نص على التقابل بالعينين وهي مطلقة من ناحية الزيادة فيكون الخبران مقيدين لهذا الإطلاق.

(٢) لما ذكر من دلالة الآية وأصالة البراءة مع عدم صلاحية الروايتين لمعارضة ذلك ، وفيه أن الجميع قد حكم بتمام الدية لو رضي بالدية ، ولازمه أنه لا بد من الرد بعد القصاص فيما لو اقتص بمقدار نصف الدية ، هذا فضلا عن أن الخبرين معتبران لأن أحدهما صحيح السند وهو خبر محمد بن قيس ولا تعارض بينهما وبين الآية ، لأنهما مقيدان لإطلاقها.

(٣) لأن أولها : وكتبنا عليهم فيها.

(٤) أي غير منسوخة.

(٥) المائدة الآية : ٤٥.

(٦) أي في الاستدلال بقوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ) بدعوى أنه يحتمل أن يكون معطوفا على اسم إن في الجملة السابقة ويكون المعنى والله العالم : وكتبنا عليهم فيها (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) ... وكتبنا عليهم (مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الظّٰالِمُونَ).

٥٢٢

على بقائه عندنا لو لا النص على كونها محكمة.

(ولو ذهب ضوء العين مع سلامة الحدقة (١) قيل) في طريق الاقتصاص منه بإذهاب بصرها مع بقاء حدقتها : (طرح على الأجفان) أجفان الجاني(قطن مبلول وتقابل بمرآة محماة مواجهة الشمس) بأن يفتح عينيه ، ويكلّف النظر إليها(حتى يذهب الضوء) من عينه(وتبقى الحدقة).

والقول باستيفائه على هذا الوجه هو المشهور بين الأصحاب ، ومستنده رواية رفاعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام «إن عليا عليه‌السلام فعل ذلك في من لطم عين غيره فأنزل فيها الماء وأذهب بصرها» وإنما حكاه قولا للتنبيه على عدم دليل يفيد انحصار الاستيفاء فيه ، بل يجوز بما يحصل به الغرض من إذهاب البصر ، وإبقاء الحدقة بأي وجه اتفق ، مع أن في طريق الرواية ضعفا وجهالة (٢) يمنع من تعيين ما دلت عليه وإن كان جائزا.

______________________________________________________

(١) لو جنى عليه فأذهب ضوء عينه دون الحدقة ، فالواجب في القصاص المماثلة كغيره من الموارد ، وحينئذ فالقصاص يكون بإذهاب الضوء مع بقاء الحدقة بأي وسيلة اتفق ذلك وهو الذي يوافق الأصل ، إلا أن المشهور اشترطوا أن يكون ذلك بطرح القطن المبلول على أجفان الجاني ويقابل بمرآة محماة بمواجهة الشمس حتى تذوب الناظرة وتبقى الحدقة ، استنادا إلى رواية رفاعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : (إن عثمان ـ عمر ـ أتاه رجل من قيس بمولى له قد لطم عينه فأنزل الماء فيها وهي قائمة ليس يبصر بها شيئا ، فقال له : أعطيك الدية فأبى ، فأرسل بهما إلى علي عليه‌السلام وقال : احكم بين هذين ، فأعطاه الدية فأبى قال : فلم يزالوا يعطونه حتى أعطوه ديتين فقال : ليس أريد إلا القصاص ، قال : فدعا علي عليه‌السلام بمرآة فحماها ثم دعا بكرسف فبلّه ثم جعله على أشفار عينيه وعلى جوانبها ثم استقبل بعينيه عين الشمس قال : وجاء بالمرآة وقال : انظر فنظر فذاب الشحم وبقيت عينه قائمة وذهب البصر) (١).

وذهبت جماعة إلى أن الرواية لا تفيد حصر إذهاب البصر بهذه الطريقة ، فيجوز بغيرها بإلقاء الكافور في العين كما قبل ، أو بغير ذلك.

(٢) ففي السند ابن فضال وهو واقفي وسليمان الدهان وهو مجهول الحال.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب قصاص الطرف حديث ١.

٥٢٣

(ويثبت) القصاص(في الشعر (١) إن أمكن) الاستيفاء المماثل للجناية بأن يستوفى ما ينبت على وجه ينبت ، وما لا ينبت كذلك على وجه لا يتعدى إلى فساد البشرة ، ولا الشعر زيادة عن الجناية ، وهذا أمر بعيد ومن ثم منعه جماعة ، وتوقف آخرون منهم العلامة في القواعد.

(ويقطع ذكر الشاب بذكر الشيخ (٢) ، وذكر المختون بالأغلف ، والفحل بمسلول الخصيتين) ، لثبوت أصل المماثلة ، وعدم اعتبار زيادة المنفعة ونقصانها ، كما تقطع يد القوي بيد الضعيف ، وعين الصحيح بالأعشى (٣) ، ولسان الفصيح بغيره. نعم لا يقطع الصحيح بالعنين (٤). ويثبت في العكس.

(وفي الخصيتين (٥) وفي إحداهما القصاص إن لم يخف) بقطع الواحدة(ذهاب)

______________________________________________________

(١) بلا فرق بين شعر الأهداب واللحية والحاجبين وشعر الرأس والبدن لعموم أدلة القصاص.

وذهب جماعة إلى أن إذهاب الشعر مستلزم لإفساد البشرة وهو زيادة في الاستيفاء فلا بد من الحكم بالدية ابتداء لتعذر القصاص ، ويدل عليه إطلاق خبر مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في اللحية إذا حلقت فلم تنبت الدية كاملة ، فإذا نبتت فثلث الدية) (١) ، ومرسل علي بن حديد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (قلت له : الرجل يدخل الحمام فيصب عليه صاحب الحمام ماء حارا فيمتعط شعر رأسه فلا ينبت فقال : عليه الدية كاملة) (٢) حيث حكم بالدية ابتداء من دون الاستفصال عن إمكان القصاص وعدمه.

(٢) يثبت القصاص في الذكر بلا خلاف ولا إشكال لعموم أدلة القصاص ، فيتساوى ذكر الشاب بذكر الشيخ والفحل بمسلول الخصيتين والأغلف بالمجنون ، ولم يخالف إلا مالك فلم يثبت القصاص بين ذكر الفحل وذكر مسلول الخصيتين لأنه لا منفعة فيه لعدم مائه ، وفيه : إن ذلك نقص في الماء لا في نفس العضو.

(٣) الذي لا يبصر بالليل فقط.

(٤) كما لا تقطع الصحيحة بالشلاء والحر بالعبد لعدم المساواة لأن العنن كالشلل في اليد ، نعم يقطع العنين بالصحيح كما تقطع الشلاء بالصحيحة بلا خلاف في ذلك كله.

(٥) يثبت القصاص فيها بلا خلاف فيه لعموم أدلة القصاص ، بل يثبت القصاص في إحداهما ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب ديات الأعضاء حديث ١ و ٢.

٥٢٤

(منفعة الأخرى) ، فإن خيف فالدية ، ولا فرق في جواز الاقتصاص فيهما بين كون الذكر صحيحا وعدمه ، لثبوت أصل المماثلة.

(وتقطع الأذن الصحيحة بالصمّاء) (١) لأن السمع منفعة أخرى خارجة عن نفس الأذن ، فليس الأمر كالذكر الصحيح والعنين ، حتى لو قطع أذنه فإن زال سمعه فهما جنايتان (٢) ، نعم لا تؤخذ الصحيحة بالمخرومة (٣) بل يقتص إلى حد الخرم ، ويؤخذ حكومة الباقي. أما الثقب فليس بمانع (٤).

______________________________________________________

ـ مع التساوي في المحل إلا أن يخشى ذهاب منفعة الأخرى فلا يجوز ويتعين أخذ الدية لتعذر القصاص حينئذ.

بلا خلاف في ذلك سواء كان المجني عليه صحيح الذكر أو عنينا وسواء كان الجاني صحيح الذكر أو عنينا لثبوت أصل المماثلة في الخصيتين.

وقد ادعي أن أصل العنن في الخصيتين وعليه فلو كان المجني عليه عنينا واعتدي عليه بقطع خصيتيه فلا يجوز قطع خصيتي الجاني للزيادة في الاستيفاء ، وهو العنن مع الاقتصاص منه بقطع خصيتيه ، إلا أن هذه الدعوى مردودة لعدم ثبوتها ، على أن الجاني قد أبطل الإيلاد من الغير فللغير إبطال ذلك منه.

(١) بلا خلاف ولا إشكال لعموم أدلة القصاص ، لأن مرض الصمم ليس في الأذن وإنما هو في الصماخ أو ما ورائه من ناحية الدماغ.

(٢) لما سمعت أن الصمم ليس في الأذن الخارجية وإنما في الصماخ أو ما ورائه.

(٣) المخرومة هي الناقصة كما في المسالك ، وقد ذهب الشيخ وابن حمزة والفاضل والشهيدان إلى عدم اقتصاص الصحيحة بالمخرومة لأنه ظلم ، كما لا تقطع الصحيحة بالشلاء ، نعم يقتص إلى حد الخرم والحكومة فيما بقي.

وفي كشف اللثام وغيره أنه تقتص الصحيحة بتمامها بعد رد دية الخرم على المقتص منه لعموم قوله تعالى : (الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ) (١).

(٤) أي تؤخذ الصحيحة بالمثقوبة بلا خلاف ، لأن الثقب مما يعدّ كمالا في النساء ، وفي غيرهن وإن كان ليس كمالا إلا أنه لا يفوت معه شي‌ء من العضو فلا يغيّر حكم الأذن كما لم يغيّر ماهية الأذن.

__________________

(١) المائدة الآية : ٤٥.

٥٢٥

(والأنف الشام بالأخشم) (١) بالمعجمتين وهو الذي لا يشم ، لأن منفعة الشّم خارجة عن الأنف ، والخلل في الدماغ ، لا فيه. وكذا يستوي الأقنى والأفطس والكبير والصغير.

(واحد المنخرين بصاحبه) (٢) المماثل له في اليمين واليسار ، كما يعتبر ذلك في نحوهما من الأذنين واليدين ، وكما يثبت في جميعه فكذا في بعضه ، لكن ينسب المقطوع إلى أصله (٣) ويؤخذ من الجاني بحسابه ، لئلا يستوعب بالبعض أنف الصغير ، فالنصف بالنصف ، والثلث بالثلث ، وهكذا

(وتقلع السن بالسن المماثلة) كالثنية بالثنية ، والرباعية بالرباعية والضرس به (٤).

وإنما يقتصّ إذا لم تعد المجني عليها (٥) ، ويقض أهل الخبرة بعودها(ولو)

______________________________________________________

(١) الأخشم هو عادم حاسة الشم ، فيؤخذ الشامّ بالأخشم بلا خلاف فيه ولا إشكال لعموم أدلة القصاص ، ولأن الشم من الدماغ فالخلل يكون منه لا من الأنف.

والحكم ثابت بلا فرق بين الأنف الكبير والصغير والأقنى والأفطس ، والأقنى من كان أنفه محدودبا والأفطس من كانت أرنبة أنفه كبيرة ومنتشرة.

(٢) اليمين باليمين واليسار باليسار ، بلا خلاف فيه ولا إشكال لعموم أدلة القصاص مع اشتراط التماثل في المحل لعموم قوله تعالى : (فَعٰاقِبُوا بِمِثْلِ مٰا عُوقِبْتُمْ بِهِ) (١).

(٣) فإن كان المقطوع نصف الأنف فيقطع من الجاني نصف أنفه ، ولا يجوز القصاص بالمساحة هنا ، بمعنى أن يحسب مقدار ما قطع من أنف المجني عليه ويؤخذ بذلك المقدار من أنف الجاني ، لاحتمال أن يكون أنف المجني عليه كبيرا وأنف الجاني صغيرا بحيث يكون أنف الجاني بمقدار نصف أنف المجني عليه وهذا ما يلزم منه القصاص بأنف الجاني بتمامه في قبال نصف أنف المجني عليه ، فلذا عدل عن المساحة إلى النسبة إلى أصل الأنف.

(٤) أي بالضرس ، فاشتراط التماثل بلا خلاف فيه ولا إشكال لعموم قوله تعالى : (فَعٰاقِبُوا بِمِثْلِ مٰا عُوقِبْتُمْ بِهِ) (٢) ، فالسن بالسن والرباعية بالرباعية والناب بالناب والضاحك بمثله والضرس كذلك ، والناجذ المسمى بضرس العقل كذلك أيضا.

(٥) أي أن السن لو قلعت وحكم أهل الخبرة بعودها فلا يقتص من الجاني إلى أن تمضي مدة يجعل معها اليأس من العود ، وعن المبسوط وغاية المراد عدم الخلاف فيه ، وإن لم يحكم أهل الخبرة بعودها أو حكموا بعدم العود استوفي الحق من الجاني ، فإن لم تعد فلا كلام ، ـ

__________________

(١ و ٢) النحل الآية : ١٢٦.

٥٢٦

(عادت السن فلا قصاص) كما أنه لو قضي بعودها أخّر إلى أن يمضي مدة القضاء ، فإن لم تعد اقتص ، وإن عادت بعده لأنها حينئذ هبة جديدة ، وعلى هذا (١) فيقتص وإن عادت على هذا الوجه (٢) لأنها ليست بدلا عادة ، بخلاف ما تقضي العادة بعودها ، ولو انعكس الفرض بأن عادت سن الجاني بخلاف العادة لم يكن للمجني عليه إزالتها ، لما ذكر (٣) (فإن عادت) السن المقتضي بعودها عادة(متغيرة فالحكومة) وهو الأرش ، لتفاوت ما بينهما صحيحة ومتغيرة كما هي.

(وينتظر بسن الصبي) (٤) الذي لم تسقط سنه ونبت بدلها ، لقضاء العادة

______________________________________________________

ـ وإن عادت قبل القصاص فإن كانت ناقصة أو متغيرة كان فيها الحكومة ، والحكومة أن يفرض المجني عليه عبدا وتقدر قيمته بين كونه مقلوع السن مدة ثم نبتت متغيرة أو ناقصة وبين كونه بسن في تلك المدة وما بعدها والسن صحيحة.

ولو عادت كما كانت فلا قصاص ولا دية بلا خلاف ، ولكن مع الأرش لأنه نقص دخل على المجني عليه فلا يهدر ومع عدم الأرش ظلم ، ولكن اختلفوا في تقديره ، فقيل : يفرض عبدا ويقوّم مقلوعها مدة وغير مقلوعها أصلا والتفاوت هو الأرش ، وقيل : إن الأرش هو أرش ذلك الجرح الحاصل بالقلع.

ولو عادت بعد القصاص فلا شي‌ء للجاني لأن سنه قد ذهبت قصاصا بسبب جنايته ، وسنّ المجني عليه العائدة هبة من الله تعالى.

(١) أي على ما تقرر.

(٢) أي بعد القصاص.

(٣) من كونها هبة من الله تعالى ، وحق المجني عليه قد استوفاه بقلع السن أولا من الجاني.

(٤) لا خلاف في أنه ينتظر بها ، لقضاء العادة بعودها عند الصبي وينتظر بذلك إلى حد اليأس ، وعن العلامة الانتظار سنة ، ويعجب منه الشهيد على ما قيل : «بأني لم أقف عليه في كتب الأصحاب ولا سمعته من أحد من الفضلاء».

وعلى كل فلو عادت ففيها الحكومة بلا خلاف لمرسل جميل عن أحدهما عليهما‌السلام : (في سن الصبي يضربها الرجل فتسقط ثم تنبت ، قال : ليس عليه قصاص وعليه الأرش) (١).

وقال الشيخ : المراد بالأرش هو أرش الجرح وإسالة الدم ، وقال آخرون : المراد به تفاوت ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب ديات الأعضاء حديث ١.

٥٢٧

بعودها(فإن لم تعد) على خلاف العادة(ففيها القصاص ، وإلا فالحكومة) وهو أرش ما بين كونه فاقد السن زمن ذهابها وواجدها ، ولو عادت متغيرة أو مائلة فعليه الحكومة الأولى ونقص الثانية (١) (ولو مات الصبي قبل اليأس من عودها فالأرش) (٢).

(ولا تقلع سن بضرس) ، ولا ثنية برباعية ، ولا بناب ، (ولا بالعكس) وكذا يعتبر العلو والسفل واليمين واليسار وغيرها من الاعتبارات المماثلة (٣).

(ولا أصلية بزائدة ، ولا زائدة بزائدة مع تغاير المحل) بل الحكومة فيهما ، ولو اتحد المحل قلعت

(وكل عضو وجب القصاص فيه لو فقد انتقل إلى الدية) ، لأنها قيمة العضو حيث لا يمكن استيفاؤه.

(ولو قطع إصبع رجل ، ويد آخر) (٤) مناسبة لذات الأصبع(اقتص لصاحب)

______________________________________________________

ـ ما بين كونه فاقد السن زمن ذهابها وواجدها لو كان عبدا.

ولو لم تعد كان فيها القصاص كما عليه المشهور لعموم قوله تعالى : (السِّنَّ بِالسِّنِّ) (١) ، وقيل : ولم يعرف قائله بعدم القصاص لأن سن الصبي فضلة وسن البالغ أصلية فلا تتحقق المماثلة ، إلا أنه ضعيف بعد صدق الاسم عليهما.

(١) هكذا في النسخ المطبوعة للروضة ، والأولى فعليه حكومة الأولى ونقص الثانية ، كما ذهب إليه الشيخ في المبسوط والعلّامة في القواعد أمّا الحكومة للأولى لقلعها وأمّا النقص للثانية لأن النقص من فعله ، واستشكل فيه بأن النقص ليس من فعله ، بل قلع الأولى وقد تحمل الحكومة ويقتصر عليها.

(٢) فالأرش لوارثه لاحتمال العود بعد الموت ، وردّ عليهم الشيخ بأن القلع متحقق والعود متوهم فعلى الجاني الدية وليس الأرش إلا أنها دية ما قلع.

(٣) تحقيقا للتماثل في القصاص لقوله تعالى : (فَعٰاقِبُوا بِمِثْلِ مٰا عُوقِبْتُمْ بِهِ) (٢).

(٤) بأن قطع إصبع رجل من يده اليمنى وقطع اليد اليمنى لآخر ، فيقتص للأول من إصبعه لسبقه ، ويقتص للثاني عن يده

إلا أن يد الجاني ناقصة فيرجع على الثاني بدية إصبع لعدم استيفاء تمام حقه ومنه يعرف الحكم في عكس الفرع المذكور.

__________________

(١) المائدة الآية : ٤٥.

(٢) النحل الآية : ١٢٦.

٥٢٨

(الأصبع إن سبق) في الجناية ، لسبق استحقاقه إصبع الجاني قبل تعلق حق الثاني باليد المشتملة عليها(ثم يستوفى لصاحب اليد) الباقي من اليد ويؤخذ دية الأصبع ، لعدم استيفاء تمام حقه فيدخل فيما تقدم من القاعدة ، لوجوب الدية لكل عضو مفقود(ولو بدأ) الجاني(بقطع اليد قطعت يده) للجناية الأولى(وألزمه الثاني دية إصبع) لفوات محل القصاص.

(الفصل الثالث ـ في اللواحق)

(الواجب في قتل العمد القصاص (١) ، لا أحد الأمرين من الدية والقصاص) كما زعمه بعض العامة ، لقوله تعالى : (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) (٢) وقوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصٰاصُ فِي الْقَتْلىٰ الْحُرُّ بِالْحُرِّ) (٣) الآية ، وصحيحة الحلبي ، وعبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام قال : من قتل مؤمنا متعمدا قيد منه إلا أن يرضى أولياء المقتول أن يقبلوا الدية فإن رضوا بالدية وأحب ذلك القاتل فالدية ، إلى آخره.

______________________________________________________

(١) قتل العمد يوجب القصاص ، لا الدية ، عينا لا تخييرا ، على المشهور ويدل عليه قوله تعالى : (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) (١) وقوله تعالى : (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ) (٢) ولصحيحة الحلبي وعبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (سمعته يقول : من قتل مؤمنا متعمدا قيد به إلا أن يرضى أولياء المقتول أن يقبلوا الدية) (٣).

وذهب ابن الجنيد إلى أن ولي المقتول عمدا بالخيار بين القصاص والدية والعفو ، للنبويين فالأول : (من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يفدي وإما أن يقتل) (٤) والآخر : (من أصيب بدم أو خبل ـ والخبل الجراح ـ فهو بالخيار بين إحدى ثلاث إما أن يقتص أو يأخذ العقل أو يعفو) (٥). والنبويان مرويان من غير طرقنا فلا يقاومان ما سمعت من الأدلة.

(٢) سورة المائدة : الآية ٤٥.

(٣) سورة البقرة : الآية ١٧٨.

__________________

(١) المائدة الآية : ٤٥.

(٢) البقرة الآية : ١٩٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات النفس حديث ٩.

(٤ و ٥) سنن البيهقي ج ٨ ، ص ٥٢ ـ ٥٣.

٥٢٩

(نعم لو اصطلحا على الدية جاز) للخبر (١) ، ولأن القصاص حق فيجوز الصلح على إسقاطه بمال (٢) (ويجوز الزيادة عنها) (٣) أي عن الدية(والنقيصة مع التراضي) أي تراضي الجاني والولي ، لأن الصلح إليهما فلا يتقدر إلا برضاهما(وفي وجوبها) أي الدية(على الجاني (٤) بطلب الولي وجه) بل قول لابن الجنيد(لوجوب حفظ نفسه الموقوف على بذل الدية) فيجب مع القدرة ، ولرواية الفضيل عن الصادق عليه‌السلام قال : «والعمد هو القود ، أو رضى ولي المقتول» (٥). ولا بأس به وعلى التعليل لا يتقدر بالدية ، بل لو طلب منه أزيد وتمكن منه وجب.

(ولو جنى على الطرف ومات (٦) واشتبه استناد الموت إلى الجناية فلا قصاص في النفس) ، للشك في سببه ، بل في الطرف خاصة.

______________________________________________________

(١) أي صحيح الحلبي وعبد الله بن سنان المتقدم.

(٢) لعموم أدلة الصلح كقوله تعالى : (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) (١).

(٣) أي ويجوز الصلح بأزيد من الدية كما يجوز بالأنقص بلا خلاف ولا إشكال لعموم أدلة الصلح.

(٤) لو طلب ولي الدم الدية فهل يجب على الجاني القبول بها إن أمكنه دفعها حفظا لنفسه من القتل ، كما يجب على الجاني القبول بالأزيد منها صلحا مع إمكان الدفع حفظا لنفسه ، ذهب ابن الجنيد إلى ذلك وقواه الفاضل وولده ، ونفى عنه البأس الشهيد الأول وعن الكركي أنه جيد ، وذهب المشهور إلى عدم الوجوب إذ لا دليل على حفظ النفس في المقام بعد تعلق حق الغير بها والأمر بإعطاء القصاص مع أن الأمر متوجه إلى الجاني.

(٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ديات الأعضاء ، حديث ١٣ ، ووجه الاستدلال إذا كان العمد منوطا برضا ولي المقتول بالدية فيجب على الجاني حينئذ القبول.

وفيه : إن الاقتصار على رضا ولي المقتول مع السكوت عن رضا القاتل ، لأن القاتل غالبا ما يقبل بدفع الدية لا لأن الدفع واجب عليه على كل حال إذا رضي ولي المقتول.

(٦) وشك في سبب موته واحتمل أنه مستند إلى سراية الجرح ، فلا خلاف ولا إشكال في أنه يقتصر على القصاص في جناية الجرح لأنهما المتيقنة ، ولا يثبت القصاص في النفس إلا بالبينة أو الإقرار.

__________________

(١) النساء الآية : ١٢٨.

٥٣٠

(ويستحب إحضار شاهدين (١) عند الاستيفاء احتياطا) في إيقاعه على الوجه المعتبر(وللمنع من حصول الاختلاف في الاستيفاء) فينكره الولي فيدفع بالبينة.

(وتعتبر الآلة) (٢) أي تختبر بوجه يظهر حالها(حذرا من) أن يكون وقد وضع المستوفي فيها(السم وخصوصا في الطرف) ، لأن البقاء معه مطلوب والسم ينافيه غالبا(فلو حصل منها) أي من الآلة المقتص بها في الطرف(جناية بالسم ضمن المقتص) إن علم به ، ولو كان القصاص في النفس أساء واستوفى ولا شي‌ء عليه.

(ولا يقتص إلا بالسيف (٣) فيضرب العنق لا غير) إن كان الجاني أبانه ، وإلا

______________________________________________________

(١) فطنين بمواقع الاستيفاء وشرائطه احتياطا في الدماء ، ولأنه لو حصلت مجاحدة بين المقتص وأولياء المقتص منه فيمكن إقامة الشهادة حينئذ.

ومع تعبير أكثر من واحد بالاستحباب قال في الجواهر : «وإن كنا لم نعثر على أثر فيه بالخصوص ، وما سمعته أقصاه الإرشاد ـ إلى أن قال ـ ولكن الأمر في الندب سهل للتسامح».

(٢) لا يجوز استيفاء القصاص بالآلة المسموعة ، ولا إشكال في تحريم ذلك في قصاص الطرف ، لأن المقصود في قصاص الطرف إبقاء النفس غالبا بعد القصاص ، مع أن الاستيفاء بالآلة المسمومة إجهاز عليه فيكون قد قتله عمدا فيضمن المقتص.

وأما في قصاص النفس فهو وإن كان المقصود منه إزهاق النفس إلا أنه بالسم يوجب إفساد البدن وتقطعه وتعذر تغسيله وهتك حرمته بل هو بمنزلة المثلة به ، وهو ما لو قطعه بعد القتل كما عن المبسوط. فيحرم حينئذ وإن لم يوجب قصاصا على المقتص.

(٣) بلا خلاف ، فلو قتل بالسيف أو بغيره كالإحراق أو الفرق أو بالمنع عن الطعام فلا يقتص منه بنفس الطريقة التي قتل بها بل يقتص منه بالسيف ، لخبر موسى بن بكر عن الإمام الكاظم عليه‌السلام : (في رجل ضرب رجلا بعصا ، فلم يرفع العصا حتى مات ، قال : يدفع إلى أولياء المقتول ولكن لا يترك يتلذّذ به ولكن يجاز عليه بالسيف) (١) ومثله غيره.

وقال ابن الجنيد : يجوز قتله بمثل القتلة التي قتل بها لقوله تعالى : (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ) (٢) وللنبوي الوارد من طرق العامة : (من حرّق حرّقناه ومن غرّق ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ١٠.

(٢) البقرة الآية : ١٩٤.

٥٣١

ففي جوازه نظر من صدق استيفاء النفس بالنفس (١) وزيادة الاستيفاء (٢) وبقاء حرمة الآدمي بعد موته (٣) ، واستقرب في القواعد المنع.

(ولا يجوز التمثيل به) أي بالجاني بأن يقطع بعض أعضائه(ولو كانت جنايته تمثيلا أو) وقعت(بالتغريق والتحريق والمثقل) بل يستوفى جميع ذلك بالسيف.

وقال ابن الجنيد : يجوز قتله بمثل القتلة التي قتل بها ، لقوله تعالى : (بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ) (٤) وهو متجه لو لا الاتفاق على خلافه.

(نعم قد قيل) والقائل الشيخ في النهاية وأكثر المتأخرين : أنه مع جمع الجاني بين التمثيل بقطع شي‌ء من أعضائه وقتله(يقتص) الولي منه(في الطرف ، ثم يقتص في النفس إن كان الجاني فعل ذلك بضربات) متعددة ، لأن ذلك بمنزلة جنايات متعددة (٥) وقد وجب القصاص بالجناية الأولى ، فيستصحب ، ولرواية محمد بن قيس عن أحدهما عليهما‌السلام (٦) ، ولو فعل ذلك بضربة واحدة لم يكن عليه

______________________________________________________

ـ غرّقناه) (١) وفي نبوي آخر كذلك : (أن يهوديا رضخ رأس جارية بالحجارة ، فأمر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرضخ رأسه بالحجارة) (٢) ، ولأن القصاص للتشفي ولا يحصل إلّا إذا قتل القاتل بمثل ما قتل به ، والأول أولى لقوة أدلته بعد كون النبويين لا يقاومان أخبارنا المروية عن أئمتنا عليهم‌السلام ، وأما كون القصاص للتشفي إلى آخر ما ذكره فإنه استحسان محض والآية مخصصة بالأخبار الحاصرة للقتل بالسيف.

(١) دليل جواز قطع رأس الجاني وإن لم يقطع رأس المجني عليه.

(٢) دليل العدم ، لأن الزيادة محرمة.

(٣) دليل ثان لعدم الجواز ، وحاصله أن الزيادة مثلة لبقاء حرمة الآدمي بعد موته ، وفي أدلة العدم ضعف لأن النصوص السابقة قد حصرت القصاص بالسيف ، والمتبادر منه هو ضرب العنق وإن لم يكن بمثل ما قتل به الجاني.

(٤) سورة البقرة : الآية ١٩٤.

(٥) قد تقدم أن مع تعدد الضربات تتعدد الجنايات عرفا ، ويكون لكل جناية حكمها.

(٦) (في رجل فقأ عين رجل وقطع أنفه وأذنيه ثم قتله ، فقال : إن كان فرّق ذلك اقتص منه ـ

__________________

(١ و ٢) سنن البيهقي ج ٨ ، ص ٤٣ ـ ٤٢.

٥٣٢

أكثر من القتل (١).

وقيل : يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس مطلقا (٢) ذهب إليه الشيخ في المبسوط والخلاف ، ورواه أبو عبد الله عن الباقر عليه‌السلام (٣). والأقرب الأول (٤).

______________________________________________________

ـ ثم يقتل ، وإن كان ضربه ضربة واحدة ضربت عنقه ولم يقتص منه) (١) ومثله حسنة حفص البختري : (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل ضرب على رأسه فذهب سمعه وبصره واعتقل لسانه ثم مات ، فقال : إن كان ضربه ضربة بعد ضربة اقتص منه ثم قتل ، وإن كان أصابه هذا من ضربة واحدة قتل ولم يقتص منه) (٢).

(١) كما هو صريح النصوص المتقدمة.

(٢) سواء وقع ذلك بضربة واحدة أو بضربات.

(٣) كذا في كل نسخ الروضة المطبوعة التي بأيدينا ، والصحيح ورواه أبو عبيدة ـ أعني الحذاء ـ عن الباقر عليه‌السلام ، والخبر صحيح : (سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل ضرب رجلا بعمود فسطاط على رأسه ضربة واحدة فأجافه حتى وصلت الضربة إلى الدماغ فذهب عقله ، قال : إن كان المضروب لا يعقل منها أوقات الصلاة ولا يعقل ما قال ولا ما قيل له فإنه ينتظر به سنة فإن مات فيما بينه وبين السنة أقيد به ضاربه ، وإن لم يمت فيما بينه وبين السنة ولم يرجع إليه عقله أغرم ضاربه الدية في ماله لذهاب عقله ، قلت : فما ترى عليه في الشجة شيئا؟ قال : لا لأنه إنما ضرب ضربة واحدة فجنت الضربة جنايتين فألزمته أغلظ الجنايتين وهي الدية ، ولو كان ضربه ضربتين فجنت الضربتان جنايتين لألزمته جناية ما جنتا كائنا ما كان إلا أن يكون فيهما الموت بواحدة ، وتطرح الأخرى فيقاد به ضاربه) (٣) وذيله محل الشاهد.

(٤) اعلم أن الفقهاء قد اختلفوا في هذه المسألة على أقوال :

الأول : الدخول مطلقا وهو قول الشيخ في الكتابين.

الثاني : عكسه عدم الدخول مطلقا وإليه ذهب الشيخ في المبسوط والخلاف أيضا وتبعه ابن إدريس لعموم قوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ) (٤) ولاستصحاب حكم الجناية الأولى.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٥١ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ١ و ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب ديات المنافع حديث ١.

(٤) البقرة الآية : ١٩٤.

٥٣٣

(ولا يقتص بالآلة الكالة) (١) التي لا تقطع أو لا تقتل (٢) إلا بمبالغة كثيرة لئلا يتعذب المقتص منه سواء في ذلك النفس والطرف(فيأثم) المقتص(لو فعل) ولا شي‌ء عليه سواه.

(ولا يضمن المقتص سراية القصاص) (٣) لأنه فعل سائغ فلا يتعقبه ضمان ، ولقول الصادق عليه‌السلام في حسنة الحلبي : «أيّما رجل قتله الحد في القصاص فلا دية له» (٤) ، وغيرها (٥).

وقيل : ديته في بيت المال استنادا إلى خبر ضعيف (٦).

______________________________________________________

ـ الثالث : التفصيل بين الضربة والضربات ، ففي الضربة يدخل الأضعف في الأقوى ، وإليه ذهب الشيخ في النهاية وأكثر المتأخرين ، لقوة دليله فضلا عن أنه صحيح أبي عبيدة يدل عليه من ناحية صدره ولو إيماء.

(١) بلا خلاف فيه تجنبا للتعذيب ، وللنبوي : (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة) (١) ، ولكن لو فعل أساء وعزّر لأنه فعل محرم ولا شي‌ء عليه.

(٢) الأول في قصاص الطرف والثاني في قصاص النفس.

(٣) بلا خلاف فيه للنصوص منها : خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (من اقتص منه فهو قتيل القرآن) (٢).

وخبر محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : (ومن قتله القصاص فلا دية له) (٣).

وخبر أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (سألته عن رجل قتله القصاص ، له دية؟ فقال : لو كان ذلك لم يقتص من أحد ، وقال : من قتله الحد فلا دية له) (٤).

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب قصاص النفس حديث ٩ ، وفي الوسائل : «قتله الحد أو القصاص فلا دية له».

(٥) تقدم بعضها.

(٦) ذهب الشيخ في الاستبصار إلى ذلك اعتمادا على خبر الحسن بن صالح الثوري عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (من ضربناه حدا من حدود الله فمات فلا دية له علينا ، ومن ضربناه حدا من حدود الناس فمات فإن ديته علينا) (٥) ، وقال ابن إدريس في السرائر : «إن قول ـ

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٨ ، ص ٦٠.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب قصاص النفس حديث ٢ و ٥ و ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب قصاص النفس حديث ٣.

٥٣٤

(ما لم يتعد) حقه (١) فيضمن حينئذ الزائد قصاصا ، أو دية.

(وأجرة المقتص من بيت المال) (٢) ، لأنه من جملة المصالح(فإن فقد) بيت المال(أو كان هناك) ما هو (أهم منه) كسد ثغر ، ودفع عدو ولم يسع لهما(فعلى الجاني) ، لأن الحق لازم له فتكون مئونته عليه.

وقيل : على المجني عليه ، لأنه لمصلحته.

(ويرثه) أي القصاص (٣) ...

______________________________________________________

ـ الشيخ هنا مخالف للقرآن والإجماع ، وإن راوي الخبر زيدي وهو الحسن بن صالح».

(١) فيضمن ويدل عليه خبر أبي العباس عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (سألته عمن أقيم عليه الحد ، أيقاد منه أو تؤدى ديته؟ قال : لا ، إلا أن يزاد على القود) (١).

(٢) إذا لم يستوفه الولي ، فأجرة المقتص من بيت المال لأنه معدّ للمصالح وهذا منها ، فإذا لم يكن بيت مال ، أو كان وكان هناك ما هو أهم منها كالجهاد ولم يف بيت المال بالجميع كانت الأجرة على الجاني دون المستوفي كما عن الخلاف لأنها من مئونة التسليم الواجب على الجاني ، فهي كأجرة الكيّال الواجبة على البائع.

وعن المبسوط أنها واجبة على المستوفي لأن المقتص عامل له فأجرته عليه ، وما على الجاني إلّا التمكين وليس الفعل وهو الأقرب.

(٣) يتولى القصاص من يرث المال ما عدا الزوج والزوجة كما عليه الأكثر بلا فرق بين الذكر والأنثى لعموم أدلة الإرث كقوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ) (٢) مع ضميمة إطلاق قوله تعالى : (فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً) (٣) بناء على إرادة الوارث من الولي في الآية.

وأما استثناء الزوج والزوجة فهو موضع وفاق كما في المسالك لأن القصاص يثبت للولي للتشفي ولا نسب في الزوجية ، نعم مع التراضي بالدية فالدية مال للمقتول يلحقه حكم غيره من الأموال المنقولة فيكون تركة بين الورثة بما فيهم الزوجان وقد تقدم الكلام في باب الإرث.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب قصاص النفس حديث ٧.

(٢) الأنفال الآية : ٧٥.

(٣) الإسراء الآية : ٣٣.

٥٣٥

(وأرث المال) مطلقا (١) (إلا الزوجين) لعموم آية أولي الأرحام (٢) خرج منه الزوجان بالإجماع (٣) فيبقى الباقي.

(قيل : ترثه العصبة) وهم الأب ومن تقرب به(لا غير) دون الأخوة والأخوات من الأم ومن يتقرب بها من الخؤولة وأولادهم. وفي ثالث يختص المنع بالنساء (٤) لرواية أبي العباس عن الصادق عليه‌السلام والأول أقوى.

(ويجوز للولي الواحد المبادرة) (٥) إلى الاقتصاص من الجاني(من غير إذن)

______________________________________________________

ـ وذهب الشيخ في النهاية والاستبصار وجماعة منهم المحقق في الشرائع وادعى ابن إدريس عليه عدم الخلاف إلى أن الذي يتولى القصاص هم الورثة إلا المتقرب بالأم لصحيح ابن سنان : (قال أبو عبد الله عليه‌السلام : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام أن الدية يرثها الورثة إلا الإخوة والأخوات من الأم فإنهم لا يرثون من الدية شيئا) (١) ، ومثلها خبر سليمان بن خالد (٢) وخبر محمد بن قيس (٣) وخبر عبيد بن زرارة (٤). والخبر وإن كان واردا في الإخوة والأخوات إلا أن الحكم يعمم لكل متقرب بها بالأولى لأن الإخوة أقرب من الأخوال وأولادهم ، هذا وأيضا قد دل الخبر على عدم إرثهم من الدية إلا أنه دال بالأولوية على عدم إرثهم القصاص ، لأن الدية فرع القصاص.

وذهب الشيخ في المبسوط ، ونقل عن ابن البراج إلى أن النساء ليس لهن عفو ولا قود سواء تقربن بالأب أو الأم لمعتبرة أبي العباس البقباق عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (قلت : هل للنساء قود أو عفو؟ قال : لا ، وذلك للعصبة) (٥) ، وقال علي بن الحسن بن فضال الراوي لهذا الخبر : «وهذا خلاف ما عليه أصحابنا» ، فلذا حمل على التقية.

(١) ذكرا أو أنثى.

(٢) سورة الأنفال : الآية ٧٥.

(٣) يستشعر من كلامه أن الزوجين من الأرحام ، والخروج تخصيصي مع أنك عرفت أن الخروج تخصص إذ لا نسب في الزوجية.

(٤) سواء تقربن بالأب أو الأم.

(٥) لو كان ولي الدم واحدا فهل يجوز له استيفاء القصاص من دون إذن الإمام أو نائبه الخاص أو العام ، ذهب إلى ذلك الشيخ في المبسوط والفاضل وولده والشهيدان ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب موانع الإرث حديث ٢ و ١ و ٤ و ٥.

(٥) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب موجبات الإرث حديث ٦.

٥٣٦

(الإمام) ، لقوله تعالى : (فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً) (١) ، لأنه حقه ، والأصل براءة الذمة من توقف استيفاء الحق على استئذان غير المستحق(وإن كان استئذانه أولى) (٢) لخطره ، واحتياجه إلى النظر(وخصوصا في قصاص الطرف) ، لأن الغرض معه بقاء النفس ، ولموضع الاستيفاء حدود لا يؤمن من تخطيها لغيره. وذهب جماعة إلى وجوب استئذانه مطلقا (٣). فيعزّر لو استقل (٤) واعتدّ به.

(وإن كانوا جماعة توقف) (٥) الاستيفاء(على إذنهم أجمع) ، سواء كانوا حاضرين أم لا ، لتساويهم في السلطان ، ولاشتراك الحق فلا يستوفيه بعضهم ،

______________________________________________________

ـ والأردبيلي بل عن الرياض نسبته إلى أكثر المتأخرين بل وعامتهم ، لعموم قوله تعالى : (فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً) (١). وتوقف الاستيفاء على الإذن ينافي إطلاق سلطنته وقال الشيخ في الخلاف واختاره العلّامة في القواعد وعن الغنية نفي الخلاف عنه إلى أنه يحتاج إلى الإذن لأن استيفاء القصاص محتاج إلى النظر والاجتهاد لاختلاف الناس في شرائط ثبوته وفي كيفية الاستيفاء ، ولأن الدماء أمر خطير فلا وجه لتسلط الآحاد عليه لئلا يلزم الهرج والمرج ، ولأنه عقوبة تتعلق ببدن الآدمي فلا بد من مراقبة الحاكم كحد القذف ، ويشعر بذلك خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : (من قتله القصاص بأمر الإمام فلا دية له في قتل ولا جراحة) (٢).

وعن المهذب البارع أن توقف قصاص الطرف على الإذن لا خلاف فيه ، وإنما الخلاف في توقف قصاص النفس على الإذن.

(١) سورة الإسراء : الآية ٣٣.

(٢) وجه الأولوية من أجل الخروج عن شبهة الخلاف خصوصا في الطرف حيث ادعى ابن البراج عدم الخلاف في الإذن.

(٣) في الطرف وفي النفس.

(٤) على القول بالاستئذان فلو استوفاه الولي من دون الإذن فعليه التعزير في المبسوط ، ونفاه في الخلاف ، مع أنه لا بد من التعزير لأنه فعل محرم ، نعم لا دية عليه ولا قصاص لأنه قد استوفى حقه وإن كان آثما لعدم أخذه الإذن.

(٥) فلو كان ولي الدم متعددا فهل يتوقف الاستيفاء على اجتماع الأولياء ، اختلف في ذلك ـ

__________________

(١) الإسراء الآية : ٣٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب قصاص النفس حديث ٨.

٥٣٧

ولأن القصاص موضوع للتشفي ولا يحصل بفعل البعض.

(وقيل) والقائل به جماعة منهم الشيخ والمرتضى مدعين الإجماع : (للحاضر) من الأولياء(الاستيفاء) من غير ارتقاب حضور الغائب ولا استئذانه(ويضمن) المستوفي(حصص الباقين من الدية) لتحقق الولاية للحاضر فيتناوله العموم ، ولبناء القصاص على التغليب ، ومن ثم لا يسقط بعفو البعض على مال أو مطلقا (١) ، بل للباقين الاقتصاص مع أن القاتل قد أحرز بعض نفسه (٢) فهنا أولى (٣).

وتظهر الفائدة (٤) في تعزير المبادر إليه وعدمه ، أما قتله فلا ، لأنه مهدر بالنسبة إليه.

(ولو كان الولي صغيرا (٥) وله أب أو جد لم يكن له) أي لوليه من الأب

______________________________________________________

ـ على قولين ، أحدهما : إنه لا يجوز الاستيفاء إلا بعد الاجتماع على المشهور كما عن غاية المرام ، لأنه حق مشترك. ثانيهما : ما ذهب إليه الشيخ في المبسوط والخلاف وابنا حمزة وزهرة بل عن الشيخ والسيد المرتضى الإجماع عليه أنه يجوز المبادرة لكل منهم مع ضمان حصص الباقين لتحقق الولاية لكل واحد بانفراده فيتناوله عموم قوله تعالى : (فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً) (١) ، ولأن القصاص مبني على التغليب بمعنى لو عفا بعضهم أو طالب بالدية مع كون البعض لا يرضى إلا بالقصاص ، قدّم حق من يطالب بالقصاص مع ضمان حقوق الآخرين المطالبين بالدية.

(١) فيما لو كان العفو بلا مال.

(٢) بالعفو.

(٣) لأن الغائب قد لا يعفو ويطالب بالقصاص كالحاضر.

(٤) فعلى الأول لو بادر بعضهم فإنه يعزّر لأنه فعل محرما لأنه استوفى حقه وحق غيره ، ولكن لا قصاص عليه لأن المجني عليه بالنسبة إليه مهدور الدم ، وعلى الثاني لو بادر أحدهم فلا إثم ولا تعزير ولكن يضمن حصص الباقين.

(٥) فهل يؤخر الاستيفاء إلى أن يبلغ وكذا المجنون حتى يفيق أو لا ، ذهب الشيخ في المبسوط والخلاف إلى الأول لأن حق الاستيفاء للصغير والمجنون ، وهما قاصران عن أهلية الاستيفاء فيتعين تأخيره ، وأما ولاية الأب والجد على الصغير فهي قاصرة عن شمولها لمثل هذا الحق.

__________________

(١) الإسراء الآية : ٣٣.

٥٣٨

والجد(الاستيفاء إلى بلوغه) ، لأن الحق له ولا يعلم ما يريده حينئذ ، ولأن الغرض التشفي ولا يتحقق بتعجيله قبله وحينئذ فيحبس القاتل حتى يبلغ.

(وقيل) والقائل الشيخ وأكثر المتأخرين : (تراعى المصلحة) فإن اقتضت تعجيله جاز ، لأن مصالح الطفل منوطة بنظر الولي ، ولأن التأخير ربما استلزم تفويت القصاص. وهو أجود.

(وفي حكمه المجنون).

(ولو صالحه بعض) الأولياء (١) (على الدية لم يسقط القود عنه للباقين على)

______________________________________________________

ـ وذهب الشيخ أيضا والمحقق والعلّامة وولده بل وأكثر المتأخرين إلى أن لولي الطفل والمجنون جواز الاستيفاء لعموم الولاية له مع وجود المصلحة وبناء على الأول فيجب حبس القاتل حتى يبلغ الصبي ويفيق المجنون لكونه مقدمة لحفظ حقهما ، وهو ممنوع لأن الواجب هو القتل ، وأما حبسه فهو تعجيل عقوبة لا مبرر لها ، ويشتد الإشكال في المجنون إذ يحتمل عدم إفاقته فهل يحبس إلى الأبد.

(١) المشهور بين الأصحاب أنه لو عفا بعض الأصحاب على مال أو بدونه فلا يسقط حق الباقين من القود ، ولكن من أراد القصاص عليه أن يرد على المقتول مقدار نصيب من عفا ، وعلى الولي مقدار نصيبه إذا كان رضاه في قبال مال.

لأن الولاية لكل واحد منهم لعموم قوله تعالى : (فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً) (١) ، ولصحيح أبي ولّاد الحناط : (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام في رجل قتل وله أب وأم وابن ، فقال الابن : أنا أريد أن أقتل قاتل أبي ، وقال الأب : أنا أعفو ، وقالت الأم : أنا آخذ الدية ، فقال عليه‌السلام : فليعط الابن أم المقتول السدس من الدية ، ويعطي ورثة القاتل السدس من الدية حق الأب الذي عفا ، وليقتله) (٢).

وفي قباله روايات تدل على سقوط القصاص منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (في رجلين قتلا رجلا عمدا وله وليّان ، فعفا أحد الوليّين ، فقال : إذا عفا عنهما بعض الأولياء درئ عنهما القتل وطرح عنهما من الدية بقدر حصة من عفا ، وأدّى الباقي من أموالهما إلى الذي لم يعف) (٣) ، إلّا أن المشهور لم يعملوا بها فحملوها ـ

__________________

(١) الإسراء الآية : ٣٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب قصاص النفس حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب قصاص النفس حديث ٣.

٥٣٩

(الأشهر) لا نعلم فيه خلافا. وقد تقدم ما يدل عليه ورواه الحسن بن محبوب عن أبي ولاد عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل قتل وله أب وأم وابن؟ فقال الابن : أنا أريد أن أقتل قاتل أبي ، وقال الأب : أنا أعفو ، وقالت الأم : أنا آخذ الدية! قال : «فليعط الابن أم المقتول السدس من الدية ، ويعطي ورثة القاتل السدس من الدية حق الأب الذي عفا عنه وليقتله ، وكثير من الأصحاب لم يتوقف في الحكم.

وإنما نسبه المصنف إلى الشهرة لورود روايات بسقوط القود ، وثبوت الدية كرواية زرارة عن الباقر عليه‌السلام.

(و) على المشهور(يردون) أي من يريد القود(عليه) أي على المقتول(نصيب المصالح) من الدية وإن كان قد صالح على أقل من نصيبه ، لأنه قد ملك من نفسه بمقدار النصيب فيستحق ديته.

(ولو اشترك الأب والأجنبي في قتل الولد (١) اقتص من الأجنبي وردّ الأب نصف الدية عليه) (٢) وكذا لو اشترك المسلم والكافر في قتل الذمي فيقتل الكافر إن شاء الولي ويرد المسلم نصف ديته(وكذا الكلام في) اشتراك(العامد والخاطئ) فإنه يجوز قتل العامد بعد أن يرد عليه نصف ديته(والراد هنا العاقلة) : عاقلة الخاطئ لو كان الخطأ محضا ولو كان شبيه عمد فالخاطئ.

(ويجوز للمحجور عليه) (٣) للسفه والفلس(استيفاء القصاص إذا كان بالغا)

______________________________________________________

ـ إما على التقية وإما على ما لو كان الذي يريد القصاص لا يريد أن يضمن حصة من عفا.

(١) إذا كان هناك مانع لقتل القاتل إما لكونه أبا للمقتول أو لكون القتل قد صدر خطأ أو لكون القاتل مسلما والمقتول ذميا فقد عرفت سقوط القصاص فكذلك لو اشترك أكثر من واحد في القتل وكان أحد الشريكين كذلك ، وبناء عليه فعلى الشريك الذي لم يثبت عليه القصاص أن يدفع نصف الدية إلى الشريك الذي ثبت عليه القصاص على فرض قتله ، إلا في القتل الخطائي فالدافع هو العاقلة.

(٢) عمل الأجنبي على فرض قتله.

(٣) لا خلاف في أن مستحق القصاص إذا كان محجورا عليه وكان مسلوب العبارة كالصبي والمجنون فلا أثر لعفوه ، لأنه مسلوب العبارة شرعا واستيفاء القصاص على الخلاف من ـ

٥٤٠