الزبدة الفقهيّة - ج ٩

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٩

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: كيميا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6307-62-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٧٠٧

وتعلقت الجناية بما فيه من الرقية مبعضة (١) ، فيسعى في نصيب الحرية ، ويستوفى الباقي منه (٢) ، أو يباع فيه.

ولو كان القتل خطأ فعلى الإمام (٣) بقدر ما فيه من الحرية والمولى بالخيار في الباقي كما مر (٤) ، سواء أدى نصف ما عليه فصاعدا أم لا وكذا القول في كل مبعض.

ولا يقتل المبعض مطلقا (٥) بمن انعتق منه أقل مما انعتق من الجاني كما لا

______________________________________________________

ـ هذا فإذا فداه مولاه تبقى الكتابة بحالها وإذا دفعه إلى أولياء المقتول بطلت الكتابة في هذا البعض من الرقية ، وهم بالخيار بين إبقائه في مالهم وبين بيعه على الغير بمقدار ذلك البعض ، ولو كان القتل خطأ فما يقابل نصيب الحرية تتحمله العاقلة ومع عدمها فعلى الإمام ، وما يقابل نصيب الرقية فيأتي فيه نفس الكلام السابق ، وهذا ما عليه أكثر المتأخرين وتقتضيه القواعد ، وفي بعض الأخبار دلالة عليه.

وفي المسألة أقوال أخر منها : أن المطلق لو أدى نصف ما عليه فهو وإن تحرر منه نصفه إلا أنه بمنزلة الحر فيأخذ حكم الحر ، فعلى العاقلة وعند عدمها فعلى الإمام نصيب الجناية مطلقا عند الخطأ ، وعليه عند العمد ، ذهب إلى ذلك الصدوق وهو مذهب للشيخ في الاستبصار ، ومستندهما رواية علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام : (وسألته عن المكاتب إذا أدى نصف ما عليه ، قال : هو بمنزلة الحر في الحدود وغير ذلك من قتل وغيره) (١).

ومنها : أن ما قابل نصيب الرقية فعلى مولاه ، وما قابل نصيب الحرية فعلى الإمام ، وهو مذهب الشيخ في النهاية واختاره ابن إدريس وهو قول الصدوق.

(١) أي تعلقت الجناية بالنسبة بين الحرية والرقية ، ولكل حكم.

(٢) أي يستوفى الباقي من الجناية بمقدار الرقية من العبد ، والاستيفاء إما باسترقاقه وإما بدفع مولاه ، ولو امتنع المولى عن الدفع فيجوز بيعه بمقدار رقيته.

(٣) لأنه عاقلته عند فقدان الحر من عاقلته.

(٤) أي فالمولى بالخيار بالباقي من الجناية المتعلق بمقدار رقيته ، فإما أن يفكه بأقل الأمرين من قيمة هذا البعض وأرش ما تعلق به من الجناية ، وإما أن يدفعه إلى أولياء المقتول يسترقونه بمقدار جناية الرقية.

(٥) سواء تبعض بالكتابة أو بغيرها ، والمعنى لا يقتل بالذي هو أقل منه حرية ولا يقتل بالقن لعدم التساوي في الحرية.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ديات النفس حديث ٣.

٤٨١

يقتل بالقن ، ويقتل بمن تحرر منه مثله أو أزيد. كما يقتل بالحر (١) (ولو قتل حر حرين (٢) فصاعدا فليس لهم) أي لأوليائهم(إلا قتله) لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يجني الجاني على أكثر من نفسه» (٣) ولا فرق بين قتله لهم جميعا ومرتبا. ولو عفا بعضهم فللباقي القصاص (٤).

______________________________________________________

(١) لتحقق التساوي.

(٢) فإن اجتمع أولياء المقتولين في الاستيفاء فليس لهم إلا نفسه ، وليس لهم مع قتله دية حتى يكون قتله بنفس والدية بنفس ثانية ، بلا خلاف للأخبار منها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (وليس يجني أحد أكثر من جنايته على نفسه) (١).

وخبر هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (لا يجني الجاني على أكثر من نفسه) (٢) خلافا لبعض العامة فأوجب الدية مع القتل وهو كما ترى.

ولو اصطلحوا كان لكل مقتول ديته لأنه لا يطل دم امرئ مسلم ، ثم لو قتله الأولياء جميعا بأن تمكنوا من ضرب عنقه دفعة أو وكّلوا من يقتله كان قتله استيفاء لحقهم ، ولو بدر أيّ الوليين إلى قتله فقد استوفي حق الجميع سواء كان القاتل قد قتلهما معا أو على التعاقب وسواء بدر ولي المقتول السابق أو اللاحق ، نعم لو تشاحّ الأولياء في البدار إلى قتله قدّم ولي الأول ، وإذا قتلهما دفعة أو أشكل الأمر أقرع بينهم لأن القرعة لكل أمر مشكل.

ولو أراد أحد الوليين قتله دون الآخر فهل يستحق الآخر الدية من تركة المقتول قولان ، أحدهما نعم كما عن ابني الجنيد وزهرة وفخر المحققين والمقداد ، لأنه لو لم تثبت الدية للثاني للزم طلّ دم امرئ مسلم وهو منهي عنه (٣) ، وعن المشهور أن ليس للثاني دية ، لأن الأصل في القصاص القتل وبعد قتل ولي أحد المقتولين له قد فات محل حق الثاني فلا دية له حينئذ لأن دية العمد لا تثبت إلا صلحا والصلح متوقف على وجود القاتل وهو منتف بقتل ولي أحدهما.

(٣) هذا وارد عن أبي عبد الله عليه‌السلام في خبر هشام بن سالم (٤) وليس نبويا ، نعم أورد ابن أبي جمهور الأحسائي هذا النبوي : (لا يجني الجاني على أكبر من نفسه) (٥).

(٤) كأن كان الباقي وليا للمقتول أولا أو ثانيا.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ١ و ١٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ١٠.

(٥) غوالي اللآلي ج ٢ ، ص ١٥٩ ، حديث ٤٤٠.

٤٨٢

وهل لبعضهم المطالبة بالدية ، ولبعض القصاص؟ وجهان. من ظاهر الخبر (١) وتعدد المستحق (٢) ، وكذا (٣) في جواز قتله بواحد (٤) أما الأول ، أو بالقرعة ، أو تخييرا (٥) وأخذ الدية من ماله للباقين. نعم لو بدر واحد منهم فقتله عن حقه استوفاه ، وكان للباقين الدية ، لفوات محل القصاص إن قلنا بوجوبها (٦). حيث يفوت وسيأتي. وظاهر العبارة منع ذلك كله (٧) لتخصيصه (٨) حقهم بقتله.

(ولو قطع) الحر(يمين اثنين) حرين (٩) (قطعت يمينه بالأول ويسراه بالثاني)

______________________________________________________

(١) المتقدم لا يجني الجاني على أكثر من نفسه ، ولازمه عدم ثبوت الدية للباقي.

(٢) لأنه مع عدم ثبوت الدية للباقي فيلزم طل دم امرئ مسلم.

(٣) أي الوجهان السابقان يأتيان.

(٤) إما المقتول الأول أو الذي أخرجته القرعة عند قتلهما دفعة أو أشكل الأمر.

(٥) والتخيير للحاكم.

(٦) أي بوجوب الدية للباقين حيث يفوت حمل القصاص وقد تقدم أنه قول ابن الجنيد وجماعة.

(٧) أي منع ثبوت الدية في هذه التفاصيل.

(٨) لتخصيص المصنف.

(٩) قطعت يمينه للأول ، ويسراه للثاني بلا خلاف فيه لخبر حبيب السجستاني عن أبي جعفر عليه‌السلام : (سألته عن رجل قطع يدين لرجلين اليمنيين ، فقال : يا حبيب تقطع يمينه للذي قطع يمينه أولا ، وتقطع يساره للرجل الذي قطع يمينه أخيرا ، لأنه إنما قطع يد الرجل الأخير ويمينه قصاص للرجل الأول.

فقلت : إن عليا عليه‌السلام إنما كان يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ، فقال : إنما كان يفعل ذلك فيما يجب من حقوق الله ، فأما يا حبيب حقوق المسلمين ، فإنه تؤخذ لهم حقوقهم في القصاص اليد باليد إذا كانت للقاطع يدان ، والرجل باليد إذا لم يكن للقاطع يد.

فقلت له : أو ما تجب عليه الدية وتترك له رجله؟ فقال : إنما تجب عليه الدية إذا قطع يد رجل وليس للقاطع يدان ولا رجلان فثمّ تجب عليه الدية لأنه ليس له جارحة يقاصّ منها) (١).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب قصاص الطرف حديث ٢.

٤٨٣

لتساوي اليدين في الحقيقة ، وإن تغايرا من وجه يغتفر عند تعذر المماثلة من كل وجه ، ولصحيحة حبيب (١) السجستاني عن أبي جعفر عليه‌السلام في رجل قطع يدين لرجلين اليمينين فقال عليه‌السلام : «يا حبيب يقطع يمينه للذي قطع أولا ويقطع يساره للذي قطع يمينه أخيرا لأنه إنما قطع يد الرجل الأخير ويمينه قصاص للرجل الأول».

ولو قطع يد ثالث (٢) قيل : قطعت رجله لقوله عليه‌السلام في هذه الرواية : (والرجل باليد إذا لم يكن للقاطع يدان. فقلت له : أما توجب له الدية وتترك رجله؟ فقال : إنما توجب عليه الدية إذا قطع يد رجل وليس للقاطع يدان ولا رجلان. فثم توجب عليه الدية ، لأنه ليس له جارحة يقاصّ منها ولأن المساواة الحقيقية لو اعتبرت لم يجز التخطي من اليمنى إلى اليسرى.

وقيل : ينتقل هنا إلى الدية ، لفقد المماثل الذي يدل قوله تعالى : (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) (٣) عليه ، والخبر يدفع فقد التماثل (٤) ويدل على مماثلة الرجل لليد شرعا وإن انتفت لغة وعرفا. نعم يبقى الكلام في صحته (٥) فإن الأصحاب وصفوه بالصحة مع أنهم لم ينصوا على توثيق حبيب. ولعلهم أرادوا بصحته فيما عداه فإنهم كثيرا ما يطلقون ذلك (٦). وحينئذ (٧) فوجوب الدية أجود. وأولى منه لو

______________________________________________________

(١) لم ينص على توثيق حبيب في كتب الرجال كما في المسالك ، ومع ذلك وصفت روايته بالصحة لوقوع الحسن بن محبوب المجمع على تصحيح ما يصح عنه في سندها ، ولورودها في الكتب الثلاثة وهذا ما يفيد الاطمئنان بصدورها.

(٢) فذهب المشهور إلى أنه تقطع رجله اليمنى ، أما رجله فلخبر حبيب المتقدم : (والرجل باليد إذا لم يكن للقاطع يد) ، وأما كونها يمينا فللمماثلة. وذهب ابن إدريس إلى سقوط القصاص وثبوت الدية لفوات المحل بعد قطع اليدين ، وأما الرجل باليد فلا تماثل بينهما بخلاف اليدين بعد تضعيف الخبر لكون حبيب لم ينص على توثيقه.

(٣) المائدة الآية : ٤٥.

(٤) رد من الشارح على ابن إدريس.

(٥) أي صحة الخبر.

(٦) أو لوقوع الحسن بن محبوب في مسنده وهو الأولى.

(٧) أي وحين عدم صحة خبر حبيب.

٤٨٤

قطع يد رابع وبعدها (١) ، فالدية قطعا.

(ولو قتل العبد حرين (٢) فهو لأولياء الثاني إن كان القتل) أي قتله للثاني(بعد الحكم به للأول) بأن اختار الأول استرقاقه قبل جنايته على الثاني ، وإن لم

______________________________________________________

(١) أي أولى بالدية بناء على عدم صحة الخبر ، وعند المشهور تقطع رجله اليسرى للخبر وعند ابن إدريس تثبت الدية ، نعم لو قطع يد خامس وهذا هو مراد الشارح بقوله «وبعدها» فلا جارحة له فلا بد من الدية وهذا ما نص عليه الخبر.

(٢) فإن قتلهما دفعة واحدة اشترك وليّهما فيه بلا خلاف ، ولو قتلهما على التعاقب كان لأولياء الأخير كما ذهب إليه الشيخ في النهاية ، لانتقاله بالجناية إلى ولي الأول ، فإذا جنى الثانية انتقل من الأول إلى الثانية ، ولخبر علي بن عقبة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (عن عبد قتل أربعة أحرار واحدا بعد واحد ، قال : هو لأهل الأخير من القتلى إن شاءوا قتلوا وإن شاءوا استرقوا ، لأنه إذا قتل الأول استحق أولياؤه ، فإذا قتل الثاني استحق منهم فصار لأولياء الثاني ، فإذا قتل الثالث استحق من أولياء الثاني فصار لأولياء الثالث ، فإذا قتل الرابع استحق من أولياء الثالث فصار لأولياء الرابع ، إن شاءوا قتلوا وإن شاءوا استرقوا) (١).

وذهب المشهور حتى الشيخ في الاستبصار إلى أنه لولي الثاني إن حكم الحاكم به للأول ، ومع عدم الحكم فيشتركان فيه لصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (في عبد جرح رجلين قال : هو بينهما إن كانت الجناية محيطة بثمنه ، قيل له : فإن جرح رجلا في أول النهار وجرح آخر في آخر النهار ، قال : هو بينهما ما لم يحكم به الوالي في المجروح الأول ، فإن جنى بعد ذلك جناية فإن جنايته على الأخير) (٢) ، والخبر الأول ضعيف لوقوع الحسن بن أحمد بن سلمة في سنده وهو لم يمدح ولم يذم ، فضلا عن أنه غير معارض لصحيح زرارة ضرورة أن الجناية لا توجب انتقاله وإنما هي سبب في استحقاق الاسترقاق فلا بد أن يحكم الحاكم أنه لهم حتى يستحقونه فعلا ، أو يختارون الاسترقاق حتى يكون عبدا لهم فإذا جنى جناية ثانية فينتقل عنهم إلى أولياء المقتول الثاني على الخلاف بينهم ، فذهب الشيخ في الاستبصار إلى أن أولياء المقتول الأول لا يملكون العبد إلا إذا حكم الحاكم ، وذهب المحقق وتبعه المشهور إلى أنه يكفي اختيار أولياء المقتول الأول لأن حكم الحاكم تبعا لاختياره ولذا جعل الخيار للولي بين الاسترقاق والقتل كما تقدم في الكثير من النصوص.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ٣ و ١.

٤٨٥

يحكم به حاكم لبراءته من الجناية الأولى باسترقاقه لها (١) (وإلا) تكن جنايته على الثاني بعد الحكم به للأول(فهو بينهما). لتعلق حقهما معا به ، وهو على ملك مالكه ، ولصحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام في عبد جرح رجلين ، قال : «هو بينهما إن كانت الجناية تحيط بقيمته قيل له : فإن جرح رجلا في أول النهار وجرح آخر في آخر النهار؟ قال : هو بينهما ما لم يحكم الوالي في المجروح الأول. قال : فإن جنى بعد ذلك جناية؟ قال : جنايته على الأخير».

وقيل : يكون للثاني ، لصيرورته لأولياء الأول بالجناية الأولى فإذا قتل الثاني انتقل إلى أوليائه ، ولرواية علي بن عقبة عن الصادق عليه‌السلام في عبد قتل أربعة أحرار واحدا بعد واحد؟ قال : فقال : «هو لأهل الأخير من القتلى إن شاءوا قتلوه وإن شاءوا استرقوه ، لأنه إذا قتل الأول استحقه أولياؤه. فإذا قتل الثاني استحق من أولياء الأول فصار لأولياء الثاني. وهكذا وهذا الخبر مع ضعف سنده يمكن حمله على ما لو اختار أولياء السابق استرقاقه قبل جنايته على اللاحق ، جميعا بينه ، وبين ما سبق. وكذا الحكم لو تعدد مقتوله (٢).

(وكذا لو قتل عبدين) (٣) لمالكين يستوعب كل منهما قيمته(أو) قتل(حرا وعبدا) كذلك (٤) فإن موليي العبدين يشتركان فيه ما لم يسبق مولى الأول إلى

______________________________________________________

(١) أي لمّا رضي أولياء المقتول الأول الاسترقاق وقد استرقوه وأصبح عبدا لهم خرج من تبعة الجناية الأولى فلو جنى فيما بعد فيخرج عن ملكهم إلى ملك ولي المقتول الثاني.

(٢) أي كان أكثر من اثنين.

(٣) وكانت قيمة كل واحد منهما تستوعب قيمة القاتل ، فإن كان القتل دفعة فلا إشكال في اشتراك الموليين في الحق قصاصا واسترقاقا ، وإن كان على التعاقب فهو لأولياء العبد الثاني إن حكم الحاكم أو اختار مولى الأول الاسترقاق ، وإن لم يحكم الحاكم ولم يختر المولى شيئا ثم جنى جناية بعد جنايته الأولى فقد ذهب المشهور إلى تعلق الجنايتين برقبته ولا وجه لترجيح إحداهما على الأخرى ، وذهب الشيخ في المبسوط إلى تقديم الجناية الأولى لسبق الاستحقاق ، وفيه : إن سبق أحد السببين لا يوجب ذلك لأن مجرد الجناية لا توجب انتقاله عن ملك مالكه الأصلي ما لم يختار ولي الدم الاسترقاق والمفروض عدمه ، ونفس الحكم فيما لو قتل حرا وعبدا وكان قيمة العبد المقتول ظلما تستوعب قيمة القاتل.

(٤) أي تستوعب قيمته قيمة القاتل.

٤٨٦

استرقاقه قبل جنايته على الثاني ، فيكون لمولى الثاني وكذا ولي الحر ومولى العبد. ولو اختار الأول المال (١) ورضي به المولى تعلّق حق الثاني برقبته.

وقيل : يقدم الأوّل لأن حقه أسبق ويسقط الثاني ، لفوات محل استحقاقه. والأول أقوى.

(ومنها التساوي في الدين (٢). فلا يقتل مسلم بكافر حربيا كان) الكافر(أم ذميا) ومعاهدا كان الحربي أم لا(ولكن يعزر) القاتل(بقتل الذمي والمعاهد) لتحريم قتلهما(ويغرم دية الذمي) ويستفاد من ذلك (٣) جواز قتل الحربي بغير إذن

______________________________________________________

(١) أي اختار الدية ولم يختر الاسترقاق ولا القتل ، فالدية تثبت في ذمة مولى العبد القاتل فهي بحاجة إلى رضاه ويسقط حق الأول عن العبد ، فلو جنى العبد فيما بعد جناية كانت متعلقة برقبته.

(٢) أي ومن شرائط القصاص التساوي في الدين ، فلا يقتل المسلم بالكافر مطلقا سواء كان حربيا أم ذميا أم مستأمنا ، بلا خلاف فيه لقوله تعالى : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (١) وإثبات القصاص لوارث الكافر إن كان كافرا سبيل واضح ، وللأخبار منها : خبر محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام : (لا يقاد مسلم بذمي في القتل ولا في الجراحات) (٢).

وعن بعض العامة ومنهم أبو يوسف صاحب أبي حنيفة أنه يقتل به ، وقد قال الشاعر في ذلك :

يا قاتل المسلم بالكافر

جرت وما العادل كالجائر

يا من ببغداد وأطرافها

من فقهاء الناس أو شاعر

جار على الدين أبو يوسف

بقتله المسلم بالكافر

فاسترجعوا وابكوا على دينكم

واصبروا فالأجر للصابر

نعم يعزر المسلم إن كان الذي قتله ممن يحرم قتله كالذمي والمستأمن ، بخلاف الحربي منهم فإنه مهدور الدم فلا يعزر المسلم لو قتله عمدا وإن لم يستأذن الإمام عليه‌السلام ، وكذلك يغرّم دية الذمي بلا خلاف في ذلك.

(٣) أي يستفاد من حصر التعزير بقتل الذمي والمعاهد أنه لو قتل الحربي فلا تعزير.

__________________

(١) النساء الآية : ١٤١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ٥.

٤٨٧

الإمام ، وإن توقف جواز جهاده عليه (١) ، ويفرق بين قتله وقتاله جهادا ، وهو كذلك ، لأن الجهاد من وظائف الإمام (٢). وهذا يتم في أهل الكتاب (٣) لأن جهادهم يترتب عليه أحكام غير القتل تتوقف على الحاكم ، أما غيرهم فليس في جهاده إلّا القتل ، أو الإسلام. وكلاهما لا يتوقف تحقيقه على الحاكم لكن قد يترتب على القتل أحكام أخر مثل أحكام ما يغنم منهم ونحوه وتلك وظيفة الإمام أيضا.

(وقيل) (٤) ـ والقائل جماعات من الأصحاب منهم الشيخان ، والمرتضى والمحقق ، والعلامة في أحد قوليه ، والمصنف في الشرح (٥) مدعيا الإجماع فإن

______________________________________________________

(١) على إذن الإمام عليه‌السلام.

(٢) تعليل لاحتياج الجهاد لإذنه عليه‌السلام ، بخلاف قتل الحربي فإنه ليس من وظائف الإمام عليه‌السلام.

(٣) أي كون جهادهم من وظائف الإمام ، لأن جهادهم قد ينتهي إلى قبول الجزية وتعيين قدرها ، وقد ينتهي إلى الإسلام ، وقد ينتهي إلى القتال ، وتعيين واحد منها بحاجة إلى الحاكم.

وأما جهاد غيرهم فهو دائر بين القتال وإسلامهم ، وكلاهما غير متوقف على الحاكم ، لأنهم إن أسلموا فهو وإلا فيجب القتال شرعا ، نعم بعد قتالهم تترتب أحكام مثل تقسيم الغنيمة بينهم ، وهي متوقفة على الحاكم إلا أنها أجنبية عن أهل الجهاد الذي هو مفروض الكلام.

(٤) ما تقدم لا كلام فيه ، ولكن لو قتل المسلم ذميا وكان معتادا على قتل الكفار فقد وقع الخلاف في حكمه على أقوال :

الأول : يقتل قصاصا بعد أن يردّ أولياء المقتول فاضل دية المسلم عن دية الذمي ، وإليه ذهب المشهور للأخبار منها : صحيح إسماعيل بن الفضل عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (قلت له : رجل قتل رجلا من أهل الذمة ، قال : لا يقتل به إلا أن يكون متعوّدا للقتل).

الثاني : إنه يقتل حدا لا قصاصا لإفساده في الأرض وهو قول ابن الجنيد وأبو الصلاح الحلبي.

الثالث : إنه لا يقتل به ، وهو قول ابن إدريس ، وتردد المحقق في الشرائع والعلامة في القواعد والشهيد في اللمعة ، والنصوص المتقدم بعضها حجة على هذين القولين الأخيرين.

(٥) شرح الإرشاد.

٤٨٨

المخالف ابن إدريس وقد سبقه الإجماع (١) ـ : إنه(إن اعتاد قتل أهل الذمة اقتصّ منه بعد رد فاضل ديته).

ومستند هذا القول مع الإجماع المذكور : رواية إسماعيل بن الفضل عن الصادق عليه‌السلام «قال : سألته عن دماء المجوس ، واليهود ، والنصارى هل عليهم وعلى من قتلهم شي‌ء إذا غشوا المسلمين وأظهروا العداوة لهم والغش؟ قال : لا ، إلّا أن يكون متعودا لقتلهم ، قال : وسألته عن المسلم هل يقتل بأهل الذمة وأهل الكتاب إذا قتلهم؟ قال : لا إلا أن يكون معتادا لذلك لا يدع قتلهم فيقتل وهو صاغر» (٢).

وأنه مفسد في الأرض (٣) بارتكاب قتل من حرم الله قتله.

والعجب أن ابن إدريس احتج على مذهبه (٤) بالإجماع على عدم قتل المسلم بالكافر وهو استدلال في مقابلة الإجماع. قال المصنف في الشرح : والحق أن هذه المسألة إجماعية ، فإنه لم يخالف فيها أحد سوى ابن إدريس وقد سبقه الإجماع ، ولو كان هذا الخلاف مؤثرا في الإجماع لم يوجد إجماع أصلا ، والإجماع على عدم قتل المسلم بالكافر يختص بغير المعتاد.

وأعجب من ذلك نقل المصنف ذلك (٥) قولا مشعرا بضعفه ، بعد ما قرره من الإجماع عليه ، مع أن تصنيفه لهذا الكتاب بعد الشرح.

واحتج في المختلف لابن إدريس برواية محمد بن قيس عن الباقر عليه‌السلام قال : «لا يقاد مسلم بذمي» (٦) وأجاب (٧) بأنه مطلق فيحمل على المفصل (٨).

______________________________________________________

(١) فمخالفته لا تضر فلذا ادعى المصنف الإجماع ، وأنت خبير أن هكذا إجماع مبني على قاعدة اللطف ، وقد حرر في محله عدم حجيته.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ١.

(٣) دليل ثالث على قتل المسلم المتعوّد ، وفيه : إن هذا الدليل يوجب قتله حدا بخلاف الدليلين السابقين فإنهما ظاهران في قتله قصاصا من ناحية رد فاضل الدية.

(٤) من عدم قتل المسلم بالذمي وإن كان معتادا.

(٥) أي قتل المسلم المتعود بالذمي كما في اللمعة هنا.

(٦) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ٥.

(٧) أي العلامة عن الاستدلال المذكور.

(٨) وهو خبر إسماعيل المتقدم.

٤٨٩

وفيه (١) : إنه (٢) نكرة في سياق النفي فيعم ، ومعه (٣) يخص العام بالمخصص المفصل (٤) ، والمناقشة لفظية (٥). والأقوى المشهور.

ثم اختلف القائلون بقتله ، فمنهم من جعله قودا كالشيخ ومن تبعه ، فأوجبوا رد الفاضل من ديته.

ومنهم من جعله حدا ، لفساده ، وهو العلامة في المختلف ، وقبله ابن الجنيد وأبو الصلاح.

ويمكن الجمع بين الحكمين (٦) فيقتل لقتله وإفساده ، ويرد الورثة الفاضل.

وتظهر فائدة القولين (٧) في سقوط القود بعفو الولي ، وتوقفه على طلبه (٨) على الأول ، دون الثاني. وعلى الأول (٩) ففي توقفه على طلب جميع أولياء المقتولين

______________________________________________________

(١) أي في جواب العلامة.

(٢) أي خبر محمد بن قيس.

(٣) مع العموم.

(٤) فكيف جعله العلامة مطلقا محمولا على مقيده ، بل عاما محمولا على مخصصه.

(٥) بل قد يطلق لفظ المطلق على العام في بعض الأحيان بحسب ما له من المعنى اللغوي.

(٦) وظاهر الأخبار أن قتله قصاصا خصوصا خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إذا قتل المسلم النصراني ، فأراد أهل النصراني أن يقتلوه قتلوه وأدّوا فضل ما بين الديتين) المحمول على المتقوّد ، فلو كان حدا فلا معنى لرد فاضل ديته ولا لكون قتله بيد أهل المقتول النصراني بل بيد الحاكم ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإذا ضعف القول بكونه حدا يظهر ضعف قول الشارح بالجمع بين الحكمين ولذا قال في الجواهر : «ومن الغريب ما في الروضة من احتمال القول بالقتل حدا مع رد فاضل الدية ، إذ هو ـ مع أنه إحداث قول يمكن دعوى الإجماع المركب على خلافه ، وإن سبقه إليه الكركي في حاشية الكتاب ـ غير واضح الوجه ومناف لما سمعته من النصوص».

(٧) فعلى القول بقتله قصاصا يسقط القتل بعفو الولي ، ويتوقف القتل على طلبه ، وعلى القول بكونه حدا فيجب قتله على كل حال وبيد الحاكم.

(٨) أي توقف القود على طلب الولي.

(٩) أي على القول بكون قتله قصاصا ، فلا يقتل إلا إذا كان معتادا كما هو المفروض ، ولازمه أنه قد قتل جماعة من الكفار حتى يصدق الاعتياد في حقه ، وحينئذ فهل المعتبر طلب جميع أولياء المقتولين أو طلب ولي المقتول الأخير الذي قد قتله بعد الاعتياد ، ـ

٤٩٠

أو الأخير خاصة وجهان ، منشؤهما : كون قتل الأول جزء من السبب ، أو شرطا فيه. فعلى الأول الأول ، وعلى الثاني الثاني. ولعله أقوى.

ويتفرع عليه أن المردود عليه هو الفاضل عن ديات جميع المقتولين ، أو عن دية الأخير. فعلى الأول الأول أيضا وعلى الثاني الثاني.

والمرجع في الاعتياد إلى العرف (١) وربما يتحقق بالثانية ، لأنه مشتق من العود (٢) فيقتل فيها (٣) ، أو في الثالثة. وهو الأجود ، لأن الاعتياد شرط في القصاص فلا بد من تقدمه على استحقاقه.

(ويقتل الذمي بالذمي) (٤) وإن اختلفت ملتهما كاليهودي والنصراني(وبالذمية (٥) مع الرد) أي رد أولياؤها عليه فاضل ديته عن دية الذمية وهو نصف ديته(وبالعكس) (٦) ...

______________________________________________________

ـ وجهان مبنيان على أن الاعتياد هل هو جزء في سبب قتله أو شرط ، فإن قلنا إنه جزء السبب ، فيكون قتل كل واحد منهم جزءا لأن جزء الجزء جزء فيكون القتل متوقفا على طلب الجميع.

وإن قلنا إنه شرط للسبب لأن السبب هو قتل الذمي بعد الاعتياد ، فالقتل حينئذ متوقفا على طلب ولي الأخير فقط. إلا أن ظاهر النصوص هو رضا ولي المقتول الأخير فقط.

(١) كما في كل لفظ ليس للشارع فيه مصطلح خاص.

(٢) ويتحقق العود بالثانية فيجب قتله في الثالثة حينئذ.

(٣) أي في الثانية ، وهو ليس في محله لأن قتله بعد الاعتياد.

(٤) وإن اختلفت ملتهما ، بلا خلاف فيه ، لقوله تعالى : (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) (١) ولخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (أن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يقول : يقتص اليهودي والنصراني والمجوسي بعضهم من بعض ، ويقتل بعضهم بعضا إذا قتلوا عمدا) (٢).

(٥) أي يقتل الذمي بالذمية ، بلا خلاف لنفس الأدلة السابقة ، بعد ردّ فاضل ديته على أوليائه ، كما يقتل المسلم بالمسلمة بعد ردّ فاضل الدية على أوليائه.

(٦) أي تقتل الذمية بالذمي ، بلا خلاف فيه لنفس الأدلة السابقة ، ولا يستحق ولي المقتول ـ

__________________

(١) المائدة الآية : ٤٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ١.

٤٩١

تقتل الذمية بالذمي مطلقا (١) (وليس عليها غرم) كالمسلمة إذا قتلت بالمسلم ، لأن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه.

(ويقتل الذمي بالمسلم (٢) ويدفع ماله) الموجود على ملكه حالة القتل (٣)

______________________________________________________

ـ ظلما إذا أراد القتل إلا نفس الجاني لما ورد في خبر هشام بن سالم : (لا يجني الجاني على أكثر من نفسه) (١).

(١) أي بدون رد.

(٢) لو قتل الذمي مسلما عمدا ، رفع القاتل وماله إلى أولياء المقتول ، وهم مخيرون بين قتله واسترقاقه على المشهور ، ويدل عليه خبر ضريس الكناسي عن أبي جعفر عليه‌السلام : (في نصراني قتل مسلما فلما أخذ أسلم ، قال : اقتله به ، قيل : وإن لم يسلم ، قال : يدفع إلى أولياء المقتول فإن شاءوا قتلوا ، وإن شاءوا عفوا ، وإن شاءوا استرقوا ، قيل : وإن كان معه عين ـ مال ـ قال : دفع إلى أولياء المقتول هو وماله) (٢).

بلا فرق في ماله بين المساوي لفاضل دية المسلم والزائد عليه لعموم الأخبار خلافا للصدوق من جواز الأخذ من ماله بمقدار التفاوت بين دية المسلم والذمي ، ولا فرق بين كون المال مما ينقل وغيره للإطلاق.

هذا وقد وقع الخلاف بين المشهور في أن أخذ ماله هل لكونه قد خرج عن الذمة بقتله المسلم عمدا ، ولما خرج صار حربيا فيجوز قتله أو استرقاقه وأخذ ماله كما ذهب إليه الفاضل الهندي وابن زهرة وغيرهما ، أو أن جواز الأخذ لماله لكونه حكما لقتله المسلم كما هو ظاهر النص المتقدم ، وإلا لو كان أخذ ماله لكونه خارجا عن الذمة لجاز لغير أولياء المقتول أخذ ماله وهو على خلاف الفتوى والنص ، وذهب ابن إدريس إلى عدم جواز أخذ ماله إن أرادوا قتله ، نعم إن استرقوه فهو وماله لأولياء المقتول لأن العبد وما يملك لمولاه.

ووقع الخلاف بينهم أيضا في استرقاق ولده الصغار ، فذهب المفيد وسلار وابن حمزة إلى استرقاقهم للتبعية لأبيهم المسترق لأنه صار حربيا بقتله المسلم والحربي يجوز استرقاقه هو وأولاده الصغار ، وغيرهم على العدم ولا يجوز

استرقاقهم لاستصحاب حريتهم ولمنع التبعية لأن جناية الأب لا تتخطاه إذ لا تزر وازرة وزر أخرى ولخلو النص المتقدم عن ذلك مع أنه في مقام البيان ، ومما تقدم تعرف أنه لم يخرج عن أحكام الذمة فيبقى أولاده كذلك.

(٣) ظاهره حال الجناية مع أن ظاهر النصوص أن يدفع هو وماله حال القصاص.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ١٠.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ١.

٤٩٢

(وولده الصغار) غير المكلفين (١) (إلى أولياء المسلم) على وجه الملك(على قول) الشيخ المفيد وجماعة ، وربما نسب إلى الشيخ أيضا. ولكن قال المصنف في الشرح : إنه لم يجده في كتبه.

وإنما نسب الحكم إلى القول ، لعدم ظهور دلالة عليه ، فإن رواية ضريس التي هي مستند الحكم خالية عن حكم أولاده ، وأصالة حريتهم لانعقادهم عليها. وعموم : (لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ) (٢) ينفيه. ومن ثم رده ابن إدريس وجماعة.

ووجّه القول بأن الطفل يتبع أباه فإذا ثبت له الاسترقاق شاركه فيه ، وبأن المقتضي لحقن دمه واحترام ماله وولده : هو التزامه بالذمة وقد خرقها بالقتل فيجري عليه أحكام أهل الحرب.

وفيه : إن ذلك يوجب اشتراك المسلمين فيهم ، لأنهم في‌ء أو اختصاص الإمام عليه‌السلام بهم ، لا اختصاص أولياء المقتول.

والأجود : الاقتصار على ما اتفق عليه الأصحاب ووردت به النصوص من جواز قتله ، والعفو ، والاسترقاق له ، وأخذ ماله.

(وللولي استرقاقه إلا أن يسلم) قبله (٣) (فالقتل لا غير) لامتناع استرقاق المسلم ابتداء ، وأخذ ماله باق على التقديرين (٤).

______________________________________________________

(١) لأن المكلف يخرج عن تبعية أبويه ، فلو أسلم أو كفر يترتب عليه حكمه وإن كان على خلاف ما ذهب إليه أبواه.

(٢) الأنعام الآية : ١٦٤.

(٣) أي قبل الاسترقاق فيتعين إما القتل وإما العفو ، بلا إشكال فيه ولا خلاف ويدل عليه حسنة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (في نصراني قتل مسلما فلما أخذ أسلم ، قال : اقتله به ، قيل : فإن لم يسلم قال يدفع إلى أولياء المقتول هو وماله) (١) وخبر ضريس المتقدم.

(٤) أسلم أو لم يسلم ، غايته مع عدم الإسلام يؤخذ ماله ويسترق ، وفيه : إن جواز أخذ ماله مبني على فرض عدم إسلامه كما نص عليه الخبر فإذا أسلم فلا يجوز أخذ ماله لأنه لا ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ١.

٤٩٣

(ولو قتل الكافر مثله ثم أسلم القاتل (١) فالدية) عليه لا غير(إن كان المقتول ذميا) ، لامتناع قتل المسلم بالكافر في غير ما استثني (٢) ، ولو كان المقتول الكافر غير ذمي (٣) فلا قتل على قاتله مطلقا ، ولا دية.

(وولد الزنا (٤) إذا بلغ وعقل وأظهر الإسلام مسلم يقتل به ولد الرشيدة) بفتح الراء وكسرها : خلاف ولد الزنا ، وإن كان لشبهة ، لتساويهما في الإسلام ، ولو قتله قبل البلوغ لم يقتل به. وكذا لا يقتل به المسلم مطلقا (٥) عند من يرى أنه كافر وإن أظهر الإسلام.

(ويقتل الذمي بالمرتد) (٦) فطريا كان أم مليا. لأنه محقون الدم بالنسبة إليه ، لبقاء علقة الإسلام (٧) ، وكذا العكس على الأقوى (٨) لتساويهما في أصل الكفر ،

______________________________________________________

ـ يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس ، نعم يتعين قتله قصاصا وهذا اقتصر عليه خبرا ضريس وابن سنان.

(١) فلا يقتل به لعدم المساواة ، بلا خلاف ولا إشكال ، ويلزم القاتل الدية إذا كان المقتول ذا دية ، وأما إذا كان حربيا فلا شي‌ء على القاتل لجواز قتل الحربي كما تقدم.

(٢) من صورة الاعتياد.

(٣) أي كان حربيا فلا شي‌ء على قاتله سواء كان قاتله مسلما أو لا ، معاهدا أو ذميا ، ولا شي‌ء عليه من قتل أو دية لأن الحربي مهدور الدم.

(٤) فلو قتل ولد الزنا ولد الرشيدة ، فإنه يقتل به لتساويهما في الإسلام ، نعم من حكم بكفره وأنه أظهر الإسلام لا يقتله به لعدم التساوي ، وبناء على الأول فلا بد من اشتراط البلوغ والعقل في ولد الزنا حين القتل العمدي ليكون مسلما ذا تكليف ، وأما ما قبل البلوغ والإسلام فهو ليس بمسلم إلا بالتبعية والمفروض أنه منفي شرعا عمن تولد منه أبا وأما.

(٥) سواء كان قبل البلوغ أو بعده فلا يقتل المسلم به عند من يحكم بكفره بعد البلوغ كابن إدريس.

(٦) ولو كان المرتد عن فطرة ، بلا خلاف ولا إشكال ، لأن المرتد محقون الدم بالنسبة إليه فيندرج تحت عموم أدلة القصاص وإن كان مباح الدم بالنسبة للمسلمين.

وعن الشافعية أنه لا يقتل به لأنه مباح الدم فلا يجب القصاص بقتله كما لا يجب القصاص بقتل الذمي حربيا.

(٧) ولذا يجب عليه قضاء ما فاته من العبادات حال الردة.

(٨) أي يقتل المرتد بالذمي ، فقد تردد العلامة في القواعد بقتله ، لأن المرتد متحرم بالإسلام ـ

٤٩٤

كما يقتل اليهودي بالنصراني ، أما لو رجع الملي إلى الإسلام فلا قود ، وعليه دية الذمي.

(ولا يقتل به المسلم) (١) وإن أساء بقتله ، لأن أمره إلى الإمام عليه‌السلام(والأقرب : أن لا دية) للمرتد مطلقا (٢) بقتل المسلم له(أيضا) لأنه بمنزلة الكافر (٣) الذي لا دية له ، وإن كان قبل استتابة الملي (٤) ، لأن مفارقته للكافر بذلك (٥) لا يخرجه عن الكفر ، ولأن مقدر الدية شرعي فيقف ثبوتها على الدليل

______________________________________________________

ـ ولذا يجب عليه قضاء ما فاته حال الردة ، وكذلك يمنع أن يرثه الذمي ولا يجوز استرقاقه ويمنع أن ينكح الذمية وهذه اللوازم كاشفة عن أنه أشرق من الذمي وأن الذمي أسوأ حالا منه ، فلا يقتل به لعدم التساوي في الدين.

وذهب العلامة في التحرير والإرشاد والشيخ في الخلاف والمبسوط والمحقق في الشرائع وغيرهم إلى أن المرتد يقتل بالذمي للتساوي في الكفر كما يقتل اليهودي بالنصراني لأنهما من ملة واحدة باعتبار أن الكفر ملة واحدة.

نعم لو رجع المرتد إلى الإسلام فلا يقتل بالذمي وإن صدرت الجناية حال ردته لعموم (لا يقاد مسلم بذمي) (١) ، ولكن عليه دية الذمي.

(١) أي لو قتل المسلم مرتدا فلا يقتل به قطعا بلا خلاف ولا إشكال لعدم التساوي في الدين.

ووقع الخلاف في الدية ، فعن المحقق والعلامة أنه لا دية على المسلم لأن المرتد مباح الدم ، وإن كان قتله إلى الإمام فقتله من دون إذنه يوجب إثما ولا يوجب دية. ويحتمل وجوب الدية لأنه محقون الدم بالنسبة إلى غير الإمام ، وهو ضعيف لأن الإمام لا يقتله بعنوان حق خاص بل لكونه مباح الدم ، غايته اشتراط إذن الإمام لعدم لزوم الهرج والمرج لو جوزنا القتل بدون إذنه.

(٢) فطريا كان أو ملّيا.

(٣) استدل الشارح على عدم وجوب الدية بقتل المرتد بدليلين :

الأول : إن المرتد كافر فيأخذ حكمه ، والكافر لا دية له إلا ما خرج بالدليل كالذمي.

الثاني : إن الدية تقدير شرعي لا تثبت إلا بدليل ، والمفروض عدمه فنتمسك بالبراءة.

(٤) لأنه كافر حينئذ ، ولا دية لكافر.

(٥) أي بالاستتابة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ٥.

٤٩٥

الشرعي وهو منتف ، ويحتمل وجوب دية الذمي (١) لأنه أقرب منه إلى الإسلام. فلا أقل من كون ديته كديته ، مع أصالة البراءة من الزائد. وهو ضعيف (٢).

(ومنها انتفاء الأبوة (٣) ـ فلا يقتل الوالد وإن علا (٤) بابنه) وإن نزل لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يقاد لابن من أبيه» (٥) والبنت كالابن إجماعا ، أو بطريق أولى (٦) ، وفي بعض الأخبار عن الصادق عليه‌السلام : «لا يقتل والد بولده ويقتل الولد

______________________________________________________

(١) أي ويحتمل وجوب دية المرتد ، وقد تقدم دليله مع تضعيفه ، غايته أن دية المرتد هي دية الذمي وذلك لأن المرتد أشرف حالا من الذمي لبقاء علقة الإسلام فيه فتثبت دية الذمي في حقه قطعا والزائد مشكوك ننفيه بالبراءة.

(٢) أي احتمال الدية.

(٣) أي ومن شرائط القصاص أن لا يكون القاتل أبا للمقتول ، فلو قتل الوالد ولده لا يقتل به بلا خلاف فيه للأخبار منها : صحيح حمران عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (لا يقاد والد بولده ، ويقتل الولد إذا قتل والده عمدا) (١).

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (سألته عن الرجل يقتل ابنه أيقتل به ، قال : لا) (٢).

وخبر الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : الفضيل (لا يقتل الرجل بولده إذا قتله ، ويقتل الولد بوالده إذا قتل والده) (٣).

نعم على الوالد كفارة القتل وهي كفارة الجمع لعموم أدلتها ، ويعزره الحاكم بما يراه لخبر جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام (في الرجل يقتل ابنه أو عبده ، قال : لا يقتل به ولكن يضرب ضربا شديدا وينفى عن مسقط رأسه) (٤) وهو محمول على ما لو رآه الحاكم مصلحة.

(٤) أي الجد وأبيه وهكذا ، كما صرح به غير واحد بناء على إطلاق لفظ الأب عليهم لغة وعرفا ، وتردد المحقق في ذلك واقتصر على الأب الأدنى لكونه المتبادر من النصوص.

(٥) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب القصاص حديث ١١ ، والحديث : (يا علي لا يقتل والد بولده).

(٦) فالوالد لا يقتل بالابن مع أنهما ذكران ، فعدم قتله بالبنت مع أن ديتها نصف دية الذكر أولى.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ١ و ٢ و ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ٩.

٤٩٦

بوالده» (١) وهو شامل للأنثى وعلّل أيضا (٢) بأن الأب كان سببا في وجوب الولد ، فلا يكون الولد سببا في عدمه ، وهو لا يتم في الأم.

(ويعزر) الوالد بقتل الولد(ويكفّر ، وتجب الدية) لغيره من الورثة (٣) (ويقتل باقي الأقارب (٤) بعضهم ببعض كالولد بوالده ، والأم بابنها) والأجداد من قبلها (٥) ، وإن كانت لأب ، والجدات مطلقا (٦) ، والأخوة والأعمام ، والأخوال وغيرهم.

ولا فرق في الوالد بين المساوي لولده في الدين والحرية ، والمخالف فلا يقتل الأب الكافر بولده المسلم ، ولا الأب العبد بولده الحر للعموم ولأن المانع شرف الأبوة. نعم لا يقتل الولد المسلم بالأب الكافر ، ولا الحر بالعبد ، لعدم التكافؤ.

(ومنها كمال العقل (٧) ـ فلا يقتل المجنون بعاقل ولا مجنون) سواء كان

______________________________________________________

(١) وهو خبر الفضيل الآخر ، غير الخبر المتقدم ، الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ٤.

(٢) أي علل عدم قتل الوالد بولده ، لأنه سبب في وجود الولد فلا يحسن أن يصير الولد سببا في عدم الوالد ، وهذا التعليل من العامة وهو منقوض بالأم ، فالأم سبب في وجود الولد مع أنها تقتل به بلا خلاف فيه بيننا لعموم ما دلّ على القصاص ، وعدم المخصص إذ الأخبار أخرجت الأب فقط.

وعن الإسكافي منا والعامة أنها لا تقتل به قياسا على الأب وهو مردود لحرمة القياس.

(٣) لأن القتل مانع من الإرث كما تقدم في كتاب الإرث ، والدية من جملة مال المقتول.

(٤) بلا خلاف لعموم أدلة القصاص وعدم شمول المخصص إلا للأب ، وخالف الإسكافي منا والعامة فاستثنوا الجدات قياسا على الأجداد.

(٥) أي من قبل الأم ، وإن كانت الأجداد من قبلها من ناحية أبيها.

(٦) جدات لأم أو لأب.

(٧) أي ومن شرائط القصاص كمال العقل ، فلا يقتل المجنون لو قتل عاقلا بلا خلاف ، لحديث رفع القلم ، ولأخبار خاصة في المقام منها : صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : (كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يجعل جناية المعتوه على عاقلته خطأ كان أو عمدا) (١).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب العاقلة من كتاب الديات حديث ١.

٤٩٧

الجنون دائما أم أدوارا إذا قتل حال جنونه(والدية) ثابتة(على عاقلته) ، لعدم قصده القتل فيكون كخطإ العاقل ، ولصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يجعل جناية المعتوه على عاقلته خطأ كان أو عمدا».

وكما يعتبر العقل في طرف القاتل كذا يعتبر في طرف المقتول (١). فلو قتل العاقل مجنونا لم يقتل به ، بل الدية إن كان القتل عمدا ، أو شبهه وإلا فعلى العاقلة (٢). نعم لو صال المجنون عليه ولم يمكنه دفعه إلا بقتله فهدر (٣).

______________________________________________________

ـ وخبر إسماعيل بن زياد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (أن محمد بن أبي بكر كتب إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام يسأله عن رجل مجنون قتل رجلا عمدا ، فجعل الدية على قومه ، وجعل خطأه وعمده سواء) (١).

والأخبار مطلقة سواء كان المقتول مجنونا أو عاقلا ، وسواء كان القاتل مجنونا مطبقا أو أدواريا بشرط صدور الفعل منه حال الجنون.

(١) فلا يقتل العاقل بالمجنون بلا خلاف فيه ، لصحيح أبي بصير : (سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل قتل رجلا مجنونا ، قال : إن كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه فلا شي‌ء عليه من قود ولا دية ، ويعطى ورثته الدية من بيت مال المسلمين ، وإن كان قتله من غير أن يكون المجنون أراده فلا قود لمن لا يقاد منه ، وأرى أن على قاتله الدية في ماله يدفعها إلى ورثة المجنون ويستغفر الله (عزوجل) ويتوب إليه) (٢).

(٢) بلا خلاف في كل ذلك ولا إشكال ويقتضيه الخبر المتقدم والقواعد.

(٣) ظاهره أنه لا دية له وهو المشهور ، وعن المفيد وابن سعيد أن الدية من بيت مال المسلمين لخبر أبي بصير المتقدم ولخبر أبي الورد : (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أو لأبي جعفر عليهما‌السلام : أصلحك الله ، رجل حمل عليه رجل مجنون فضربه المجنون ضربة ، فتناول الرجل السيف من المجنون فضربه فقتله ، فقال : أرى أن لا يقتل به ولا يغرم ديته وتكون ديته على الإمام ، ولا يبطل دمه) (٣) وقد أعرض المشهور عن الذيل الموجب للدية على الإمام ، لأن المجنون محارب ، ودفع المحارب لا يوجب دية إن توقف على قتله كما تقدم في مسألة المحارب.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب العاقلة من كتاب الديات حديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ٢.

٤٩٨

(ولا يقتل الصبي ببالغ) ولا صبي (١) (بل تثبت الدية على عاقلته) بجعل عمده خطأ محضا إلى أن يبلغ وإن ميّز ، لصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «عمد الصبي وخطؤه واحد» وعنه (٢) أن عليا عليه‌السلام كان يقول : «عمد الصبيان خطأ تحمله العاقلة» واعتبر في التحرير مع البلوغ الرشد وليس بواضح (٣).

(ويقتل البالغ بالصبي) (٤) ...

______________________________________________________

ـ وفيه : يحتمل الفرق بين المحارب العاقل والمجنون ويكفي في إثباته هذان الخبران واحدهما صحيح.

(١) لأن البلوغ شرط في القصاص بلا خلاف ، لحديث رفع القلم ولأخبار خاصة منها : صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (عمد الصبي وخطأه واحد) (١).

وخبر إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام : (أن عليا عليه‌السلام كان يقول : عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة) (٢).

وعن الشيخين والصدوقين أنه يقتص منه إذا بلغ خمسة أشبار لرواية السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إن أمير المؤمنين عليه‌السلام سئل عن رجل وغلام اشتركا في قتل رجل ، فقال : إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتص منه ، وإن لم يكن قد بلغ خمسة أشبار قضى بالدية) (٣).

وعن الشيخ في النهاية والمبسوط والاستبصار أنه يقتص منه إذا بلغ عشرا ، اعتمادا على رواية تدل على ذلك ، وقد اعترف في الجواهر بعدم عثوره عليها وقال : «إنه لم نظفر بها مسندة كما اعترف به غير واحد من الأساطين». نعم في رواية سليمان بن حفص والحسن بن راشد عن العسكري عليه‌السلام : (إذا بلغ ثمان سنين فجائز أمره في ماله وقد وجبت عليه الفرائض والحدود) (٤) إلا أنه لا عامل بها.

وقال الشارح في المسالك : «والحق أن هذه الروايات مع ضعف سندها شاذة مخالفة للأصول الممهدة ، بل لما أجمع عليه المسلمون إلا ما شذّ فلا يلتفت إليها».

(٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٣) قال في الجواهر : «لا وجه له إلا أن يريد به كمال العقل لا الرشد بالمعنى المصطلح».

(٤) وفاقا للمشهور ، وهو المذهب كما في المسالك ، ولم يخالف إلا أبو الصلاح. ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب العاقلة حديث ٢ و ٣ و ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الوقوف والصدقات حديث ٤.

٤٩٩

على أصح القولين ، لعموم «(النَّفْسَ بِالنَّفْسِ») (١) وأوجب أبو الصلاح في قتل البالغ (٢) الدية كالمجنون لاشتراكهما في نقصان العقل ، ويضعف بأن المجنون خرج بدليل خارج وإلا كانت الآية متناولة له بخلاف الصبي مع أن الفرق بينهما متحقق.

(ولو قتل العاقل) من يثبت عليه بقتله القصاص(ثم جنّ (٣) اقتصّ منه) ولو حالة الجنون ، لثبوت الحق في ذمته عاقلا ، فيستصحب كغيره من الحقوق.

(ومنها أن يكون المقتول محقون الدم) (٤) أي غير مباح القتل شرعا(فمن أباح)

______________________________________________________

ـ ومستند المشهور عموم أدلة القصاص ولمرسل بن فضال عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (كل من قتل شيئا صغيرا أو كبيرا بعد أن يتعمد فعليه القود) (١) ، وهو منجبر بعمل الأصحاب.

ومستند أبي الصلاح قد اختلف فيه ، فعن كشف اللثام لم نظفر له بمستند ، وفي المسالك أن الدليل هو قياسه على العاقل لو قتل مجنونا لاشتراكهما في نقص في العقل ، وردّ أنه قياس لا نقول به بالإضافة إلى وجود الفارق وهو أن الصبي عنده عقل بخلاف المجنون.

والحق أن المستند هو التعليل في خبر أبي بصير المتقدم في قتل المجنون حيث ورد فيه : (فلا قود لمن لا يقاد منه) (٢) وهو عام يشمل المجنون والصبي فلا يكون استدلاله قياسا.

(١) المائدة الآية : ٤٥.

(٢) من باب إضافة المصدر إلى فاعله ، والمفعول هو الصبي.

(٣) لم يسقط القود بلا خلاف ، سواء ثبت القتل بالبينة أو بالإقرار للاستصحاب ، ولخبر بريد العجلي : (سئل أبو جعفر عن رجل قتل رجلا عمدا فلم يقم عليه الحد ولم تصح الشهادة حتى خولط وذهب عقله ، ثم إن قوما آخرين شهودا عليه بعد ما خولط أنه قتله.

فقال : إن شهدوا عليه أنه قتله حين قتله وهو صحيح ليس به علة من فساد عقل قتل به ، وإن لم يشهدوا عليه بذلك وكان له مال يعرف دفعت إلى ورثة المقتول الدية من مال القاتل ، وإن لم يترك مالا أعطي الدية من بيت المال ، ولا يبطل دم امرئ مسلم) (٣) ، وعن بعض العامة المنع من الاقتصاص منه ما دام مجنونا.

(٤) أي ومن شرائط القصاص أن يكون المقتول محقون الدم بالنسبة للقاتل ، وهو احتراز عن ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ١.

٥٠٠