الزبدة الفقهيّة - ج ٩

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٩

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: كيميا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6307-62-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٧٠٧

كتاب القصاص

٤٤١
٤٤٢

(كتاب القصاص)

القصاص ـ بالكسر (١) ـ وهو اسم (٢) لاستيفاء مثل الجناية من قتل ، أو قطع ، أو ضرب ، أو جرح. وأصله اقتفاء الأثر. يقال : قصّ أثره إذا تبعه فكأن المقتص يتبع أثر الجاني فيفعل مثل فعله.

(وفيه فصول : الأول).

(في قصاص النفس. وموجبه (٣) : إزهاق النفس) أي إخراجها ، قال

______________________________________________________

(١) وهو فعال من قصّ أثره إذا تتبعه ومنه قوله تعالى : (وَقٰالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ) (١) أي اتبعي أثره ، والمراد به هنا استيفاء أثر الجناية من قتل أو قطع أو جرح أو ضرب ، فكأن المقتصّ يتّبع أثر الجاني فيفعل مثل فعله ويدل عليه الكتاب والسنة ، ومن الأول قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصٰاصِ حَيٰاةٌ يٰا أُولِي الْأَلْبٰابِ) (٢) وقوله تعالى : (مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنٰا عَلىٰ بَنِي إِسْرٰائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسٰادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمٰا قَتَلَ النّٰاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيٰاهٰا فَكَأَنَّمٰا أَحْيَا النّٰاسَ جَمِيعاً) (٣) وقوله تعالى : (وَإِنْ عٰاقَبْتُمْ فَعٰاقِبُوا بِمِثْلِ مٰا عُوقِبْتُمْ بِهِ) (٤)

(٢) أي اسم مصدر.

(٣) أي سببه ، والمراد بسبب قصاص النفس هو قتل النفس المحترمة وعرّف بأنه إزهاق النفس ـ

__________________

(١) القصص الآية : ١١.

(٢) البقرة الآية : ١٧٩.

(٣) المائدة الآية : ٣٢.

(٤) النحل الآية : ١٢٦.

٤٤٣

الجوهري : زهقت نفسه زهوقا أي خرجت ، وهو هنا مجاز في إخراجها عن التعلق بالبدن إذ ليست داخلة فيه حقيقة كما حقق في محله(المعصومة) التي لا يجوز إتلافها ، مأخوذ من العصم وهو المنع(المكافئة) لنفس المزهق لها في الإسلام ، والحرية ، وغيرهما من الاعتبارات الآتية(عمدا) قيد في الإزهاق أي إزهاقها في حالة العمد ، وسيأتي تفسيره(عدوانا) احترز به عن نحو المقتول قصاصا فإنه يصدق عليه التعريف ، لكن لا عدوان فيه فخرج به.

ويمكن إخراجه بقيد المعصومة ، فإن غير المعصوم أعم من كونه بالأصل كالحربي ، والعارض كالقاتل على وجه يوجب القصاص ، ولكنه أراد بالمعصومة : ما لا يباح إزهاقها للكل.

وبالقيد الأخير (١) إخراج ما يباح قتله بالنسبة إلى شخص دون شخص آخر.

______________________________________________________

ـ المعصومة المكافئة عمدا وعدوانا.

والمراد بإزهاق النفس إخراجها ، قال الجوهري : «زهقت نفسه زهوقا أي خرجت ، والإزهاق مجاز في الإخراج هنا ، لأن النفس متعلقة بالبدن وليست داخلة حقيقة فيه ، فيعبر عن قطع الصلة بين النفس والبدن بالخروج». والمراد بالمعصومة هي التي لا يجوز إتلافها ، مأخوذ من العصم أي المنع فتخرج النفس غير المعصومة كالكافر الحربي والمحارب واللص ونحوها.

والمراد بالمكافئة هي النفس المكافئة لنفس القاتل في الإسلام والحرية والبلوغ والعقل وغير ذلك من الشرائط الآتية.

والتقييد بالعمد لإخراج قتل النفس خطأ ، ولإخراج قتل الصبي والمجنون الذي لا يتحقق منهما العمد بعد أن كان عمدهما خطأ.

والتقييد بالعدوان لإخراج قتل القاتل ، فإن قتله ليس عدوانا وإن كان عمدا ، لأنه بحق وعليه فالمراد من العدوان هو القتل بغير حق.

وترك المحقق في النافع قيد العدوان استغناء عنه بقيد المعصومة ، إذ المقتول قصاصا أو دفاعا غير معصوم النفس والدم بالنسبة للقاتل ، وإن كان معصوما بالنسبة إلى غيره.

وردّ بأنه لا بد من قيد العدوان ، لأن المراد بالمعصومة هو أنه لا يباح إزهاقها لكل مسلم ، ونفس المقتول قصاصا أو دفاعا لا يباح إزهاقها للكل ، وإن أبيح قتله بالنسبة للورثة.

(١) أي ويمكن بالقيد الأخير.

٤٤٤

فإن القاتل معصوم بالنسبة إلى غير ولي القصاص.

ويمكن أن يريد بالعدوان : إخراج فعل الصبي والمجنون. فإن قتلهما للنفس المعصومة المكافئة لا يوجب عليهما القصاص ، لأنه (١) لا يعد عدوانا ، لعدم التكليف وإن استحقا التأديب. حسما للجرأة. فإن العدوان هنا بمعنى الظلم المحرّم وهو منفي عنهما.

ومن لاحظ في العدوان المعنى السابق (٢) احتاج في إخراجهما (٣) إلى قيد آخر فقال : هو إزهاق البالغ العاقل النفس المعصومة انتهى.

ويمكن إخراجهما بقيد العمد ، لما سيأتي من تفسيره بأنه قصد البالغ إلى آخره. وهو أوفق بالعبارة (٤) (فلا قود بقتل المرتد) (٥) ونحوه من الكفار الذين لا عصمة لنفوسهم. والقود ـ بفتح الواو ـ : القصاص سمّي قودا ، لأنهم يقودون الجاني بحبل وغيره ، قاله الأزهري.

(ولا يقتل غير المكافئ) كالعبد بالنسبة إلى الحر (٦).

وإزهاق نفس الدابة المحترمة (٧) بغير إذن المالك ، وإن كان محرما ، إلا أنه

______________________________________________________

(١) لأن قتلهما.

(٢) هو القتل بغير حق ولذا أخرج المقتول قصاصا به.

(٣) أي إخراج قتل الصبي وقتل المجنون.

(٤) لأن إخراجهما بالعمد إذا تحقق كما هو الواقع ، فلا معنى لإخراجهما بالقيد الذي بعده.

(٥) القود بفتح القاف والواو ، وهو القصاص ، يقال : أقدت القاتل بالقتيل ، أي قتلته به ، وسمي قودا لأنهم يقودون الجاني بحبل أو غيره قاله الأزهري.

ولا قود بقتله لأنه يجب قتله كما تقدم في باب الحدود ، ومثله الكفار الذين يجوز قتلهم كالكافر الحربي ، وسيأتي أن القصاص شرطه التساوي في الدين.

(٦) لأن القصاص شرطه التساوي في الحرية والرقية كما سيأتي.

(٧) لا ينطبق عليها موجب القصاص ، لأن إزهاقها وإن كان محرما لأنه إتلاف مال محترم فهو تعد ويضمن ، ولكن لا ينطبق عليها أنها معصومة إن فسرت بأنها ما لا يجوز إزهاقها لكل مسلم ، لأنه يجوز إزهاقها بالنسبة لمالكها وإن فسرت المعصومة بأنها ما لا يجوز إزهاقها لشخص دون آخر فلا تخرج عن التعريف بهذا القيد ، وإنما تخرج بقيد المكافئة.

٤٤٥

يمكن إخراجه بالمعصومة حيث يراد بها : ما لا يجوز إتلافه مطلقا (١) ، ولو أريد بها (٢) : ما لا يجوز إتلافه لشخص دون آخر ـ كما تقدم (٣) ـ خرجت بالمكافئة.

وخرج بقيد «العمد» القتل خطأ وشبهه (٤) فإنه لا قصاص فيهما.

(والعمد يحصل بقصد البالغ (٥) إلى القتل بما يقتل غالبا) (٦) وينبغي قيد «العاقل» أيضا (٧) ، لأن عمد المجنون خطأ ، كالصبي ، بل هو أولى بعدم القصد

______________________________________________________

(١) أي لا يجوز إزهاقها لكل مسلم.

(٢) بالمعصومة.

(٣) عند ما أخرج المقتول قصاصا بقيد المعصومة وهذا كاشف عن تفسيرها بما لا يباح إزهاقها لشخص دون آخر.

(٤) أي شبه الخطأ.

(٥) تحقق العمد بالقصد هو المتبادر لغة وعرفا ، وتقييد القصد بالبالغ للأخبار منها : صحيح ابن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (عمد الصبي وخطأه واحد) (١).

وخبر إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام : (أن عليا عليه‌السلام يقول : عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة) (٢).

(٦) إما أن يستعمل آلة تقتل غالبا كالسيف ، أو يستعمل آلة ويكرر استعمالها حتى يتحقق القتل كتكرار الضرب بالعصا حتى الموت ، فالفعل في المثالين قاتل ، بل لو صدر منه الفعل القاتل فهو قاتل عمدا وإن لم يقصد القتل ويدل عليه إطلاق خبر أبي الصباح الكناني والحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (سألناه عن رجل ضرب رجلا بعصا فلم يقلع عنه الضرب حتى مات ، أيدفع إلى وليّ المقتول فيقتله؟ قال : نعم ولكن لا يترك يعبث به ولكن يجيز عليه بالسيف) (٣) ، ومثله خبر موسى بن بكير (٤) ، وخبر سليمان بن خالد (٥).

(٧) في تحقق العمد للأخبار منها : صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : (كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يجعل جناية المعتوه على عاقلته خطأ كان أو عمدا) (٦).

وخبر إسماعيل بن زياد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (أن محمد بن أبي بكر كتب إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام يسأله عن رجل مجنون قتل رجلا عمدا ، فجعل الدية على قومه ، وجعل خطأه وعمده سواء) (٧).

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب العاقلة حديث ٢ و ٣.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ٢ و ١٠ و ١٢.

(٦ و ٧) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب العاقلة حديث ١ و ٥.

٤٤٦

من الصبي المميز (١). وبعض الأصحاب جعل العمد هو القصد إلى القتل إلخ ... من غير اعتبار القيدين (٢) نظرا إلى إمكان قصدهما الفعل ، فاحتاج إلى تقييد ما يوجب القصاص بإزهاق البالغ العاقل كما مر.

(قيل : أو) يقتل(نادرا) (٣) إذا اتفق به القتل. نظرا إلى أن العمد يتحقق بقصد القتل من غير نظر إلى الآلة فيدخل في عموم أدلة العمد وهذا أقوى.

(وإذا لم يقصد القتل بالنادر) (٤) أي بما يقع به القتل نادرا(فلا قود وإن اتفق)

______________________________________________________

(١) لتحقق العمد من الصبي المميز بالقصد ، بخلاف المجنون الفاقد للشعور والمسلوب منه قصد الفعل.

(٢) أي البلوغ والعقل ، كالمحقق ، لأن العمد متقوم بالقصد والقصد قد يصدر من الصبي والمجنون ، ولأجل إخراج عمد الصبي والمجنون عن موجب القصاص عرّف موجب القصاص بأنه إزهاق البالغ العاقل لنفس معصومة إلى آخر القيود.

(٣) لو قصد القتل واستعمل آلة أو فعلا لا تقتل غالبا فاتفق القتل فهو قتل عمدي ، على الأشهر بل نسب إلى الأكثر كما في كشف اللثام لأن العمد متقوم بالقصد وهو متحقق هنا بالإضافة إلى إطلاق الأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (العمد كل ما اعتمد شيئا فأصابه بحديدة أو بحجر أو بعصا أو بوكزة فهذا كله عمد) (١).

وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (لو أن رجلا ضرب رجلا بخزفة أو بآجرة أو بعود فمات كان عمدا) (٢).

ولم يعرف المخالف ولذا قال في الجواهر : «لم أجد فيه خلافا» ، ولعله للاحتياط في الدم إذا استعمل آلة غير قاتلة ، فغاية ما صدر منه قصد القتل ، وقصد القتل مع الآلة غير القاتلة كقصد القتل بلا ضرب بها أصلا غير موجب للقتل ، وفيه : إنه لا يمكن الاحتياط مع ظهور الأخبار في كونه عمدا.

(٤) بحيث لم يقصد القتل ولم يستعمل آلة قاتلة كأن ضربه بالكف فمات ، فقد ذهب المشهور إلى أنه شبيه العمد لعدم تحقق قصد القتل ، فينتفي العمد لأنه متقوم بالقصد ، وللأخبار منها : خبر يونس عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إن ضرب رجل رجلا بعصا أو حجر فمات من ضربة واحدة قبل أن يتكلم فهو يشبه العمد) (٣).

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ٣ و ٨ و ٥.

٤٤٧

(الموت كالضرب بالعود الخفيف ، أو العصا) الخفيفة في غير مقتل بغير قصد القتل ، لانتفاء القصد إلى القتل ، وانتفاء القتل بذلك عادة ، فيكون القتل شبيه الخطأ.

وللشيخ قول بأنه ـ هنا ـ عمد استنادا إلى روايات ضعيفة أو مرسلة لا تعتمد في الدماء المعصومة (١).

(أما لو كرر ضربه بما لا يحتمل (٢) مثله بالنسبة إلى بدنه) ، لصغره ، أو

______________________________________________________

ـ وصحيحة أبي العباس عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (قلت له : أرمي الرجل بالشي‌ء الذي لا يقتل مثله ، قال : هذا خطأ) (١).

وخبره الآخر عنه عليه‌السلام : (سألته عن الخطأ الذي فيه الدية والكفارة ، أهو أن يعتمد ضرب الرجل ولا يعتمد قتله ، فقال : نعم) (٢) وهي صريحة بانتفاء العمد عند عدم قصد القتل كما في المقام ، وكذلك صحيحة أبي العباس وزرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إن العمد أن يتعمده فيقتله بما يقتل مثله ، والخطأ أن يتعمده ولا يريد قتله فيقتله بما لا يقتل مثله) (٣).

وذهب الشيخ في المبسوط إلى أنه عمد يجب فيه القود لصحيح الحلبي المتقدم : (إن العمد كل من اعتمد شيئا فأصابه بحديدة أو بحجر أو بعصا أو بوكزة) (٤) ، ولخبر أبي بصير المتقدم : (لو أن رجلا ضرب رجلا بخزفة أو بآجرة أو بعود فمات كان عمدا) (٥) ، ولخبر جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما‌السلام : (قتل العمد كلما عمد به الضرب ففيه القود) (٦).

وردّ بأن هذه الأخبار محمولة على ما لو قصد القتل ، والمفروض عدمه في مقامنا.

(١) فالمرسل هو خبر جميل بن دراج ، والضعيف هو خبر أبي بصير وذلك لوقوع علي بن أبي حمزة في السند ، وكذلك خبر الحلبي لوقوع محمد بن عيسى عن يونس وهو ضعيف كما في المسالك ، وفيه : أن الشارح قد اعتمد قول ابن الوليد من أن ما انفرد به محمد بن عيسى عن يونس لا يعتمد عليه ، والأقوى قبول قوله فقد أثنى عليه الفضل بن شاذان ويقول ليس في أقرانه مثله فلذا وصفنا الخبر بالصحيح ، ومع ذلك ، يصلح مستندا لقول الشيخ لأنه محمول على ما لو قصد القتل.

(٢) أي بما لا يحتمله مثله ، بالنسبة إلى زمانه وبدنه من حيث الضعف والمرض والصغر ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ٧.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ٩ و ١٣.

(٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ٣ و ٨ و ٦.

٤٤٨

مرضه ، (وزمانه) لشدة الحر أو البرد(فهو عمد) ، لأنه حينئذ يكون الضرب بحسب العوارض مما يقتل غالبا.

(وكذا لو ضربه دون ذلك) (١) من غير أن يقصد قتله(فأعقبه مرضا فمات) ، لأن الضرب مع المرض مما يحصل معه التلف ، والمرض مسبّب عنه ، وإن كان لا يوجبه منفردا.

ويشكل بتخلف الأمرين معا ، وهما : القصد إلى القتل وكون الفعل مما يقتل غالبا ، والسببية غير كافية في العمدية (٢) ، كما إذا اتفق الموت بالضرب بالعود الخفيف ، ولو اعتبر هنا القصد (٣) لم يشترط أن يتعقبه المرض.

(أو رماه بسهم ، أو بحجر غامز) أي كابس على البدن لثقله(أو خنقه بحبل ولم)

______________________________________________________

ـ ونحوها من الحر والبرد فمات فهو عمد ، بلا خلاف ولا إشكال سواء قصد القتل أو لا لأنه قاصد للفعل المميت فهو بمنزلة ما لو قصد القتل ، ولمرسل يونس المتقدم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (وإن علاه وألح عليه بالعصا أو بالحجارة حتى يقتله فهو عمد يقتل به) (١) ، وصحيح الحلبي وأبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (سألناه عن رجل ضرب رجلا بعصا فلم يقلع عنه الضرب حتى مات ، أيدفع إلى وليّ المقتول فيقتله؟ قال : نعم) (٢).

(١) أي ضربه بما يتحمله مثله مع عدم قصد القتل فأعقبه المرض المسبّب له الموت فهو عمد ، لأن المرض صيّر الضرب سببا للقتل بواسطته ، وفيه : كيف يحكم عليه بالعمد مع انتفاء قيدي العمد من قصد القتل ومن كون الفعل قاتلا بحسب الغالب.

(٢) لا يقال : إن الضرب سبب للموت بواسطة المرض فلذا كان عمدا فإنه يقال : لا تكفي السببية في انطباق العمدية ما لم يتحقق أحد قيدي العمدية وهما منتفيان هنا بحسب الفرض. ولذا لو اتفق موته بالضرب بعود خفيف مع عدم قصد القتل فهو ليس عمدا بالاتفاق.

(٣) لا يعتبر القصد إلى القتل في هذا الفرع ولذا لم يذكره المصنف وقد نبّه على ذلك الشارح أيضا وذلك لأن العمدية هنا متحققة بحسب مبنى المصنف من سببيّة الضرب للموت بواسطة المرض ، وأما لو اعتبر القصد إلى القتل فلا داعي لذكر المرض المسبّب للموت والمسبّب عن الضرب وعليه فاشتراط المرض دليل على أنه غير قاصد للقتل.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ٥ و ٢.

٤٤٩

(يرخ عنه حتى مات (١) ، أو بقي المخنوق ضمنا) (٢) بفتح الضاد وكسر الميم أي مزمنا(ومات) بذلك(أو طرحه في النار فمات) (٣) منها(إلّا أن يعلم قدرته على الخروج) (٤) لقلتها ، أو كونه في طرفها يمكنه الخروج بأدنى حركة فيترك. لأنه حينئذ قاتل نفسه.

(أو) طرحه(في اللجّة) (٥) فمات منها ولم يقدر على الخروج أيضا إلى آخره.

______________________________________________________

(١) عادة الفقهاء أنهم يعرّفون العمد ثم يقسمونه إلى ما يحصل بالمباشرة وإلى ما يحصل بالتسبيب ، والمراد بالأول هو أن يصدر الفعل من الفاعل والمترتب عليه الموت مباشرة ، والمراد بالثاني هو أن الفعل الصادر من الفاعل لا يترتب عليه الموت مباشرة وإنما يكون الفعل مسببا للموت كحفر البئر بقصد القتل ، فالموت ليس مستندا للحفر بل لوقوع المقتول فيها غير أن الحفر كان سببا في جعل خطي المقتول سببا في قتله.

وذكروا للأول الذبح والخنق باليد وسقي السم القاتل بإيجاره في حلقه والضرب بالسيف والسكين والضرب بالحجر الغامز أي الكابس على بدنه لثقله والجرح في المقتل ولو بغرز الإبرة ، وذكروا للثاني حفر البئر في طريق الغير وتقديم الطعام المسموم فأكل منه الآخر مع عدم علمه بأنه مسموم وهكذا.

وربما أن النصوص خالية عن لفظي المباشرة والتسبيب كان التفريق بينهما غير مجد نعم ورد في النصوص القتل العمدي وعليه فكل ما صدق عليه هذا العنوان فهو عمد سواء كان بالمباشرة أو بالتسبيب ولذا قال في الجواهر : «ولكن التحقيق عدم الثمرة لذلك ، بعد صدق اسم القتل عمدا أو خطأ بهما ، إذ ليس في شي‌ء من الأدلة عنوان الحكم بلفظ المباشرة أو السبب ، وإنما الموجود ـ قتل متعمدا ـ ونحوه ، فالمراد في القصاص مثلا على صدقه».

ولعل لهذا خلّط المصنف بين أمثلة القسمين مع عدم ذكره للتقسيم بين المباشرة والتسبيب ، فيصدق على الأمثلة الثلاثة أنه قتل عمدي إما من جهة قصد القتل وإما من جهة كون الفعل الصادر قاتلا بحسب الغالب.

(٢) أي خنقه بالحبل وتركه باقي النفس إلا أنه أبقاه مريضا بسبب الخنق فمات من ذلك المرض فيصدق القتل العمدي إما لقصد القتل وإما لكون الفعل قاتلا على نحو التسبيب.

(٣) إن لم يكن قادرا على الخروج منها إما لكون النار في حفيرة لا يمكن له الخروج منها وإما لكونه خفيف الحركة فقهرته النار وإما لكونه مكتوفا ونحو ذلك فيصدق عليه القتل العمدي إما لقصد القتل وإما لكون الفعل قاتلا بحسب الغالب.

(٤) فترك الخروج تخاذلا حتى مات فلا قصاص على الفاعل ، لأن المفعول قد أعان على نفسه بلبثه الذي هو كون غير كون الإلقاء فيستند القتل إلى المفعول لا إلى الفاعل.

(٥) وهو غير قادر على الخروج من الماء سواء كان يعلم السباحة أو لا ، فهو عمد وفيه القصاص. ـ

٤٥٠

وربما فرق بينهما (١) وأوجب ضمان الدية في الأول ، دون الثاني ، لأن الماء لا يحدث به ضرر بمجرد دخوله ، بخلاف النار ويتجه وجوبها (٢) مع عدم العلم باستناد الترك إلى تقصيره ، لأن النار قد تدهشه (٣) وتشنج أعضاءه بالملاقاة فلا يظفر بوجه المخلص.

ولو لم يمكنه الخروج من الماء إلا إلى مغرق آخر فكعدمه (٤) ، وكذا من أحدهما إلى الآخر (٥) ، أو ما في حكمه (٦). ويرجع في القدرة وعدمها إلى إقراره بها (٧) ، أو قرائن الأحوال.

(أو جرحه عمدا فسرى) الجرح عليه(ومات) (٨) وإن أمكنه المداواة (٩) لأن

______________________________________________________

ـ ولو ألقاه وهو قادر على الخروج وتركه حتى مات فلا قصاص على الفاعل لأن المفعول قد أعان على نفسه ، ولو شك في قدرته على الخروج وعدمها فالأصل الضمان مع عدم العلم بالمسقط إذ قد يتحير أو يندهش فيعجز عن الخروج.

(١) لم أجد من قال بالفرق ولعله احتمال من الشارح ليس إلا ، والفرق هو الضمان في الإلقاء في النار دون الضمان في الإلقاء في الماء وذلك لأن الماء لا تحدث ألما بمجرد الدخول بخلاف النار.

ورد هذا الفارق بأن الضمان بسبب الدخول هو ضمان الضرر لا ضمان الدية ، فلا يثبت ضمان الدية إلا بعد الموت مع العلم بعدم قدرته على الخروج وهذا جار في الإلقاء في الماء.

(٢) أي الدية عند الشك في قدرته على الخروج.

(٣) وكذا الماء فلا وجه لتخصيص البحث في الإلقاء في النار فقط.

(٤) أي الخروج من مفرق إلى آخر كالعدم إذ لا فائدة منه ما دام أنه غريق على كل حال.

(٥) أي من النار إلى الماء وبالعكس ولكن لا قدرة له للخروج من الثاني فهو كالأول في عدم القدرة على الخروج.

(٦) أي فيما لو كان قادرا على الخروج من الماء إلى ما هو بحكم الماء الذي يغرق فيه ، كما لو كان قادرا على الخروج من الماء إلى متلف كالسبع أو إلى وقوع من شاهق وهكذا.

(٧) أي إقرار المقتول بالقدرة وذلك قبل الإلقاء.

(٨) مع عدم نفع الدواء لهذا الجرح أو مع عدم إمكانه المداواة فسرى الجرح حتى مات فعلى الفاعل القود بلا خلاف ولا إشكال لصدق القتل عمدا.

(٩) وترك التداوي تقصيرا فحكموا على الجاني القود أيضا لصدق القتل عمدا ، وفيه ما تقدم من أن الموت مستند إلى تهاونه لا إلى الجاني وإن كان الجرح مضمونا على الجاني فيتحمل ضرر الجرح لا ضرر القتل.

٤٥١

السراية مع تركها من الجرح المضمون ، بخلاف الملقى في النار مع القدرة على الخروج فتركه تخاذلا ، لأن التلف حينئذ مستند إلى الاحتراق المتجدد ، ولو لا المكث لما حصل (١).

وأولى منه ما لو غرق بالماء (٢) ، ومثله (٣) ما لو فصده فترك المفصود شدّه (٤) ، لأن خروج الدم هو المهلك والفاصد سببه. ويحتمل كونه كالنار ، لأن التلف مستند إلى خروج الدم المتجدد الممكن قطعه بالشد.

(أو ألقى نفسه من علوّ على إنسان) (٥) فقتله قصدا (٦) ، أو كان مثله يقتل غالبا (٧). ولو كان الملقي له غيره (٨) بقصد قتل الأسفل قيد به مطلقا (٩) ،

______________________________________________________

(١) وكذلك الموت في فرعنا مستند إلى تهاونه لا إلى فعل الجاني.

(٢) أي وأولى من الإلقاء في النار مسألة الإلقاء في الماء من عدم القصاص على الجاني في المسألتين لو أمكن له الخروج ولم يخرج تخاذلا.

ووجه الأولوية : أن الفرق بتمامه مستند إلى استمرار الكون في الماء المستند إلى تخاذل الغريق دون أن يكون نفس الإلقاء وابتداء الكون في الماء سببا في الغريق بخلاف مسألة الإلقاء في النار فإن الاحتراق وإن حصل عن استمرار الكون المستند إلى تخاذل المفعول إلا أن ابتداء الكون المستند إلى فعل الفاعل له أثر في الضرر وإن لم يصل إلى درجة الاحتراق.

(٣) أي ومثل الجرح الذي سرى فأوجب الموت.

(٤) أي شد مكان الفصد إلى أن سرى الدم فمات ، فإن هلاكه مستند إلى سريان الجرح ومن آثاره والجرح مضمون فيكون أثره مضمونا ، وفيه : إن الهلاك مستند إلى تقصيره في الشد لأن خروج الدم الموجب للموت مستند إلى تقصيره في ترك الشد فيكون قد أعان على نفسه وهذا ما ذهب إليه المشهور هنا.

(٥) فهلك الأسفل فعلى الأعلى القود لأنه قتل عمدي إما لقصده القتل وإما لكون الفعل قاتلا غالبا وهما شرطا القتل العمدي.

(٦) أي قصد القتل بالوقوع وإن لم يكن الوقوع قاتلا غالبا.

(٧) وإن لم يقصد القتل.

(٨) لو ألقى الأول الثاني من مكان مرتفع على ثالث بقصد قتل الثالث ، فلو قتل كان القود على الأول لأنه قتل عمدي ، لأنه المسبّب للفعل وهو قاصد للقتل وهو أحد شرطي العمد ، والمباشر وهو الثاني لا شي‌ء عليه لأنه كالآلة هنا لوقوعه بغير اختياره.

(٩) أي قيد الملقي بالمقتول سواء كان الإلقاء مما يقتل غالبا أو لا لقصده القتل.

٤٥٢

وبالواقع (١) إن كان الوقوع مما يقتل غالبا ، وإلا (٢) ضمن ديته ، ولو انعكس انعكس (٣).

(أو ألقاه من مكان شاهق) (٤) يقتل غالبا ، أو مع قصد قتله(أو قدّم إليه طعاما مسموما (٥) يقتل مثله) كميّة وكيفية(ولم يعلمه) بحاله(أو جعله) أي الطعام المسموم(في منزله (٦) ولم يعلمه به).

ولو كان السم مما يقتل كثيره خاصة فقدّم إليه قليله بقصد القتل فكالكثير (٧) ، وإلا فلا (٨) ، ويختلف باختلاف الأمزجة والخليط أما لو وضعه في طعام نفسه ، أو في ملكه ، فأكله غيره بغير إذنه فلا ضمان (٩). سواء قصد بوضعه قتل الآكل (١٠) كما لو علم دخول الغير داره كاللّص أم لا ، وكذا لو دخل بإذنه

______________________________________________________

(١) وهو الثاني والمعنى : قيد الملقي بالواقع ـ الذي هو الثاني ـ إن مات بالإلقاء مع كون الوقوع مما يقتل غالبا وإن لم يقصد قتله لتحقق أحد شرطي العمد.

(٢) أي وإن لم يكن الوقوع يقتل غالبا هذا من جهة ولم يقصد الملقي قتل الواقع الذي هو الثاني ومع ذلك مات بالإلقاء فهو شبيه العمد فعليه الدية فقط.

(٣) أي لو قصد الملقي قتل الثاني بالوقوع ، فإن مات الثاني فعليه القود لقصده القتل وإن لم يكن الوقوع مما يقتل غالبا ، ولو مات الثالث فعليه القود إن كان الوقوع مما يقتل غالبا ، وإن لم يكن الوقوع قاتلا غالبا فعليه الدية لأنه شبيه العمد بعدم فرض عدم قصد القتل بالنسبة للثالث.

(٤) فهو قتل عمدي إما لكونه مما يقتل غالبا وإما لقصد القتل.

(٥) فهو عمد لقصده القتل بالتقديم ولكون الطعام المسموم مما يقتل غالبا.

(٦) فهو قتل عمدي ، واستشكل فيه بأنه لم يقدمه للأكل ليكون تسبيبا فالمباشر وهو الآكل أقوى من السبب ، وردّ بأن المباشرة في الأكل ساقطة لجهله بالحال فكأنه قدمه إليه بلا فرق بينهما.

(٧) في أنه قتل عمدي لقصد القتل وإن كان ما قدم لا يقتل غالبا.

(٨) أي فلا عمد لعدم قصد القتل بعد فرض كون القليل مما لا يقتل غالبا ، نعم عليه الدية لأنه شبيه العمد.

(٩) من قصاص أو دية ، للأصل بعد أن كان الآكل متعديا بأكله من الطعام بغير إذن المالك فضلا عن عدم الإذن بالدخول.

(١٠) لعدم صدق عنوان التعدي حينئذ.

٤٥٣

وأكله بغير إذنه (١).

(أو حفر بئرا بعيدة القعر في طريق) ، أو في بيته بحيث يقتل وقوعها غالبا ، أو قصده(ودعا غيره إلى المرور عليها مع جهالته) بها (٢) (فوقع فمات) (٣).

أما لو دخل بغير إذنه فوقع فيها فلا ضمان (٤) وإن وضعها لأجل وقوعه كما لو وضعها للّص.

(أو ألقاه في البحر فالتقمه الحوت إذا قصد إلقام الحوت) (٥) أو كان وجوده (٦) والتقامه غالبا في ذلك الماء(وإن لم يقصد) إلقامه ولا كان غالبا فاتفق ذلك (٧) (ضمنه أيضا على قول) لأن الإلقاء كاف في الضمان ، وفعل الحوت أمر

______________________________________________________

(١) فيصدق أن الآكل متعديا فلا ضمان على الواضع.

(٢) أي جهالة المارّ بالبئر.

(٣) فهو قتل عمدي لقصد القتل أو لكون الوقوع مما يقتل غالبا.

(٤) لعدم تعديه على الواقع ، لعدم دعوته له بالمرور.

(٥) لو ألقاه في الماء بقصد التقام الحوت له فالتقمه سواء كان قبل الوصول إلى الماء أو بعده ، فعليه القود بلا خلاف ولا إشكال ، لأنه قتل عمدي لتحقق شرطيه من قصد القتل ومن كون إلقائه إلى الحوت مما يقتل غالبا.

(٦) أي وجود الحوت ، فلو رماه إلى الماء مع قصد الرمي إلى الماء مع وجود الحوت فيه غالبا والتقامه له فيكون قصد الرمي إلى الماء قصدا لالتقام الحوت له فعليه القود بالاتفاق لاندراجه تحت الفرع السابق حينئذ.

(٧) بأن ألقاه في الماء مع قصد الرمي في الماء وليس وجود الحوت غالبا في ذلك فاتفق وجوده والتقامه ، فذهب الشيخ والعلامة أن عليه القود لأن الإلقاء في الماء إتلاف بحسب العادة فيكون الفعل مما يقتل غالبا وبه يتحقق القتل العمدي ، وهو مثل ما ألقاه من علو يقتل مثله فأصابته سكين في القعر فقتلته فعليه القود بالاتفاق فكذلك في موردنا ، وأيضا هو قتل عمدي لتحقق قصد القتل غايته قصد قتله بالإلقاء إلى الماء فتحقق قتله بسبب آخر وهو التقام الحوت له وتحقق الموت بغير السبب الذي قصده لا يضرّ لأن القصد إلى سبب معين قصد إلى مطلق السبب ضرورة تحقق المطلق في المقيد ، ومطلق السبب صادق على الابتلاع.

وعن جماعة منهم المحقق عدم القود لأن تلفه بالتقام الحوت غير مقصود وما قصد من موته بالإلقاء في البحر لم يتحقق وعليه فلم يتحقق ما قصده ليكون عمدا فعليه الدية ـ

٤٥٤

زائد عليه ، كنصل منصوب في عمق البئر الذي يقتل غالبا ، ولأن البحر مظنة الحوت ، فيكون قصد إلقائه في البحر كقصد إلقامه الحوت (١).

ووجه العدم أن السبب الذي قصده لم يقتل به والذي قتل به غير مقصود فلا يكون عمدا وإن أوجب الدية. وحكاية المصنف له قولا يشعر بتمريضه. وقد قطع به العلامة ، وهو حسن ، لأن الغرض كون الإلقاء موجبا للضمان كما ظهر من التعليل (٢). وكذا الخلاف (٣) لو التقمه الحوت قبل وصوله إلى الماء من حيث إن الإلقاء في البحر إتلاف في العادة (٤). وعدم قصد إتلافه بهذا النوع (٥) والأول أقوى (٦).

(أو أغرى به كلبا عقورا فقتله ولا يمكنه التخلص) منه (٧). فلو أمكن بالهرب أو قتله أو الصياح به ونحوه فلا قود ، لأنه أعان على نفسه بالتفريط. ثم

______________________________________________________

ـ فقط ، وفيه : إنه عمد لتحقق قصد القتل وإن لم يتحقق القتل بعين السبب المقصود ، إذ لا يشترط في العمد قصد سبب القتل وأن يكون القتل بنفس السبب المقصود ، بل يشترط قصد القتل وتحقق القتل المقصود بأي سبب كان.

(١) إذا كان وجود الحوت غالبا ، وحسب الفرض عدم الغلبة ومعه فلا دليل على الملازمة بين القصدين ، بالإضافة إلى أن الشيخ والعلامة لم يستدلا بهذا التلازم بين القصدين.

(٢) تعليل الشارح بقوله السابق : «لأن الإلقاء كاف في الضمان».

(٣) أي وقع الخلاف بينهم كالخلاف في الفرع السابق.

(٤) فعليه الضمان.

(٥) فلا ضمان.

(٦) أي الضمان.

(٧) وكان الكلب العقور مما يقتل غالبا ، أو لم يكن كذلك إلا نادرا إلا أنه قصد القتل به فهو عمد وعليه القود ، لأن الكلب كالآلة التي لا ينسب إليها القتل ، وإن كان للكلب شبه اختيار إلا أن القاتل حقيقة وعرفا هو المغري وليس الكلب ، هذا كله إذا لم يمكنه التخلص ، وأما إذا أمكنه التخلص ولو بالهرب أو بالصياح ونحوه ولم يفعل حتى قتل فلا قود على المغري لأن المقتول قد أعان على نفسه بالتفريط.

نعم إن كان التخلص تخلصا من القتل فقط بعد أذية كالعضة مما لا يمكن التخلص منها فيضمن ضرر العضة فقط.

٤٥٥

إن كان التخلص الممكن من مطلق أذاه (١) فكإلقائه في الماء فيموت مع قدرته على الخروج ، وإن لم يمكن إلا بعد عضة لا يقتل مثلها فكإلقائه في النار كذلك (٢) فيضمن جناية لا يمكنه دفعها (٣).

(أو ألقاه إلى أسد (٤) بحيث لا يمكنه الفرار منه) فقتله ، سواء كان في مضيق أم برية(أو أنهشه حية قاتلة فمات (٥) أو طرحها عليه فنهشته فهلك) أو جمع بينه وبينها في مضيق ، لأنه مما يقتل غالبا.

(أو دفعه في بئر حفرها الغير) متعديا بحفرها أم غير متعد في حالة كون الدافع(عالما بالبئر) (٦) ، لأنه مباشر للقتل فيقدم على السبب لو كان (٧) (ولو جهل) الدافع بالبئر(فلا قصاص عليه) (٨) لعدم القصد إلى القتل حينئذ لكن عليه الدية ، لأنه شبيه عمد.

______________________________________________________

(١) القتل وغيره.

(٢) أي مع قدرته على الخروج.

(٣) أي فيضمن المغري جناية لا يمكن للمقتول دفعها.

(٤) البحث فيه كالبحث في إغراء الكلب العقور به ، بلا خلاف فيه بيننا ، نعم يزيدون هنا قيدا وهو : سواء كان الإلقاء إليه في مضيق أو في برية خلافا لبعض العامة حيث فرق بينهما فحكم بالقود في الأول دون الثاني.

وردّ بأن المفروض لا يمكنه التخلص ، نعم لو أمكنه الخلاص سواء كان الإلقاء في مضيق أو في برية ولم يتخلص فلا ضمان لأن المقتول فرّط في حفظ نفسه.

(٥) بأن يقبض على حية وينهشها بدنه فيموت ، فعليه القود لأنه مباشر للإتلاف لأن الحية كالآلة ، وكذا لو طرحه إليها أو ألجأه إليها فيأتي الكلام السابق من إمكان التخلص فلا ضمان ، ومن عدم إمكان التخلص فالضمان.

وذهب بعض العامة إلى أنه لو جمع بينه وبينها في مضيق فنهشته فمات فلا قود على الفاعل ، لأن الحية تهرب من الإنسان في المضيق بخلاف السبع ، وفيه : إن المفروض عدم التمكن من الخلاص فلا بد من الضمان ، فلو هربت كما قاله هذا البعض لكان قادرا على الخلاص فلو لم يتخلص ثم تعرض لها فلا ضمان حينئذ لتفريطه.

(٦) فلو حفر الأول بئرا فوقع الثاني بها بدفع من الثالث فالقاتل هو الدافع دون الحافر بلا خلاف ولا إشكال ، لأن المباشر للقتل هو الدافع ، والحافر وإن كان سببا إلا أنه سبب بعيد والمباشر أقوى منه ، إذ استند الإلقاء إلى فعل الدافع دون أن يستند إلى المباشر.

(٧) أي لو كان قتل ، بمعنى لو قتل المدفوع بالإلقاء.

(٨) لعدم قصده إلى القتل ، ولا قصاص على الحافر أيضا لعدم قصده القتل بالحفر.

٤٥٦

(أو شهد عليه زورا بموجب القصاص فاقتص منه) (١) لضعف المباشر بإباحة الفعل بالنسبة إليه فيرجح السبب(إلا أن يعلم الولي التزوير ويباشر) القتل(فالقصاص عليه) ، لأنه حينئذ قاتل عمدا بغير حق.

(وهنا مسائل)

(الأولى ـ لو أكرهه على القتل (٢) فالقصاص على المباشر) لأنه القاتل عمدا

______________________________________________________

(١) لو شهد اثنان على رجل بالقتل أو الارتداد ، أو شهد أربعة عليه بالزنا بما يوجب القتل فحكم الحاكم بقتله فقتل ، ثم تبيّن أن الشهادة كانت زورا وبهتانا ، فالمباشر للقتل وهو الجلاد والآمر به وهو الحاكم لا ضمان عليهما ، لأن الشهود هم السبب والسبب مقدّم هنا على المباشر والآمر ، لعدم تعدي المباشر والآمر لاعتمادهما على البينة ويدل عليه أخبار منها : مرسل ابن محبوب عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا ، ثم رجع أحدهم بعد ما قتل الرجل ، فقال عليه‌السلام : إن قال الراجع وهمت ضرب الحد وغرّم الدية ، وإن قال تعمدت قتل) (١).

وخبر مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إن أمير المؤمنين عليه‌السلام قضى في أربعة شهداء على رجل أنهم رأوه مع امرأة يجامعها فرجم ، ثم رجع واحد منهم ، فقال : يغرم ربع الدية إذا قال شبّه عليّ ، فإن رجع اثنان وقالا شبّه علينا غرما نصف الدية ، وإن رجعوا وقالوا شبّه علينا غرموا الدية ، وإن قالوا شهدنا بالزور قتلوا جميعا) (٢).

نعم لو علم الحاكم بزور الشهود ومع ذلك أمر بالقتل كان القصاص عليه دون الشهود لقصده إلى القتل مع كون المباشر أقوى لكون القتل مستندا إلى أمره.

(٢) لو توعد الظالم شخصا بالقتل إن لم يقتل الآمر ، فلو أقدم المكره على قتل الآخر فالقصاص على المباشر دون الآخر المكره ، بل لا دية عليه ولا كفارة نعم يحبس حتى الموت ، بلا خلاف فيه ، وذلك لعدم تحقق الإكراه عندنا في القتل ويدل عليه صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (في رجل أمر رجلا بقتل رجل فقتله ، قال : يقتل به الذي قتله ، ويحبس الآمر بقتله في الحبس حتى يموت) (٣). وخالف في ذلك بعض العامة فأوجب القصاص على الآمر دون المباشر محتجا بأنه قتله دفعا عن نفسه فأشبه قتل ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ١.

٤٥٧

ظلما ، إذ لا يتحقق حكم الإكراه في القتل عندنا ، ولو وجبت الدية (١) كما لو كان المقتول غير مكافئ فالدية على المباشر أيضا(دون الآمر) فلا قصاص عليه ، ولا دية(ولكن يحبس الآمر) دائما(حتى يموت) ويدل عليه مع الإجماع صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام في رجل أمر رجلا بقتل رجل فقتله فقال : «يقتل به الذي قتله ، ويحبس الآمر بقتله في الحبس حتى يموت» هذا إذا كان المقهور (٢).

(ولو أكره الصبي غير المميز (٣) ، أو المجنون فالقصاص على مكرههما) لأن المباشر حينئذ كالآلة. ولا فرق في ذلك بين الحر والعبد (٤).

______________________________________________________

ـ الصائل ، وأجيب بمنع القياس مع وجود الفارق بين الموردين.

(١) يعني لو أكره على القتل فقتل ولم تجب إلا الدية إما لعفو ولي الدم عن القاتل وإما لكون المقتول غير مكافئ للقاتل ، فالدية حينئذ على المباشر دون الآمر لما تقدم.

(٢) لأنها شرائط التكليف.

(٣) وكذا المجنون فالقصاص على المكره بلا خلاف لأنهما بالنسبة كالآلة في نسبة الفعل.

وأما الصبي المميز فذهب الشيخ في المبسوط والنهاية إلى أنه يقتص منه إن بلغ عشرا ، وعن الصدوق والمفيد في المقنع والمقنعة إلى أنه يقتص منه إن بلغ خمسة أشبار لخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (قال أمير المؤمنين : إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتص منه وإذا لم يكن بلغ خمسة أشبار قضى بالدية) (١) ، والمشهور ذهبوا إلى أنه لا تكليف في حقه لنصوص أن عمد الصبي وخطأه واحد وقد تقدمت.

(٤) أما الحر فقد تقدم وأما العبد فلو أمر السيد عبده بالقتل فقتل ، ففي خبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (في رجل أمر عبده أن يقتل رجلا فقتله ، فقال : يقتل السيد به) (٢) ، وفي خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل أمر عبده أن يقتل رجلا فقتله ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : وهل عبد الرجل إلا كسوطه أو كسيفه؟ يقتل السيد ويستودع العبد في السجن) (٣). فقد حملهما الشيخ في الخلاف على ما لو كان العبد صغيرا أو كبيرا غير مميز ، وفي التهذيب جعلهما مخالفين للقرآن حيث نطق أن (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) (٤) ، ثم حملهما على ما لو كان عادة السيد أن ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ١ و ٢.

(٤) المائدة الآية : ٤٥.

٤٥٨

(ويمكن الإكراه فيما دون النفس) (١) عملا بالأصل (٢) في غير موضع النص (٣) كالجرح وقطع اليد فيسقط القصاص عن المباشر(ويكون القصاص على المكره) بالكسر على الأقوى ، لقوة السبب بضعف المباشر بالإكراه خصوصا لو بلغ الإكراه حد الإلجاء.

ويحتمل عدم الاقتصاص منه (٤) ، لعدم المباشرة فتجب الدية ويضعّف (٥) بأن المباشرة أخص من سببية القصاص فعدمها أعم من عدمه.

(الثانية ـ لو اشترك في قتله جماعة) (٦) ...

______________________________________________________

ـ يأمر عبده بقتل الناس ، والأوفق ترك العمل بهما لأن صحيح زرارة المتقدم بإطلاقه معارض لهما وهو مقدم عليهما لموافقته للقواعد.

(١) بحيث أكرهه على ما دون قتل الآخر وإلا قتل ، فيجوز له الإقدام على الفعل المكره عليه ، ولا شي‌ء على المكره لعدم العدوان بسبب الإكراه ، والقصاص على الآمر المسبّب الذي هو أقوى من المباشر.

واستشكل العلامة في القواعد بأن الآمر المسبّب لم يباشر القتل ولم يلجئه إليه إلجاء فتثبت الدية دون القصاص لعدم مباشرته للقتل ، وفيه : إن الأقوائية في السبب على المباشرة المقتضية لثبوت الدية على الآمر هي بعينها تقتضي القصاص منه.

(٢) من تحقق الإكراه الموجب لرفع التكليف في كل فعل كان التوعد على تركه أزيد من فعله.

(٣) وهو القتل إذ لا يتحقق الإكراه فيه كما تقدم.

(٤) من السبب المكره.

(٥) والحاصل أن سبب القصاص ليس منحصرا في المباشرة حتى يرتفع القصاص عند ارتفاع المباشرة ، بل قد يثبت القصاص مع عدم المباشرة كما في مسألة حافر البئر ليقع به الغير الجاهل بالحال ، وعليه فالمباشرة أخص من القصاص ، فلا محالة يكون عدمها أعم من عدمه إذ قد يثبت عدم المباشرة ولا يثبت عدم القصاص كما في مسألة حافر البئر.

(٦) لو اشترك جماعة في قتل واحد كان الوليّ بالخيار بين قتل الجميع وبين قتل البعض ، فإن قتل الولي واحدا من القتلة فقد استوفى حقّه ، ويردّ على المقتول قصاصا ما زاد من ديته عن جنايته ويكون الرد من القتلة الباقين ، وإن قتل الجميع أو أزيد من واحد فيلزم الولي أن يرد عليهم الزائد عن جنايتهم ، فمثلا لو كان القتلة اثنين وقتل الولي أحدهما فالمقتول قد أهدر نصفه بجنايته ، ويرد القاتل المتروك النصف الثاني ، ولو كان القتلة اثنين وقتلهما ـ

٤٥٩

بأن ألقوه من شاهق (١) ، أو في بحر. أو جرحوه جراحات مجتمعة ، أو متفرقة ولو مختلفة كمية وكيفية فمات بها(قتلوا به) جميعا إن شاء الولي(بعد أن يرد عليهم ما فضل عن ديته) فيأخذ كل واحد ما فضل من ديته عن جنايته(ولو قتل البعض فيرد الباقون) من الدية(بحسب جنايتهم فإن فضل للمقتولين فضل) عما ردّه شركاؤهم(قام به الولي). فلو اشترك ثلاثة في قتل واحد واختار وليه قتلهم أدى إليهم ديتين يقتسمونها بينهم بالسوية فنصيب كل واحد منهم ثلثا دية ويسقط ما يخصه من الجناية وهو الثلث الباقي.

ولو قتل اثنين أدى الثالث ثلث الدية عوض ما يخصه من الجناية ويضيف الولي إليه دية كاملة ، ليصير لكل واحد من المقتولين ثلثا دية. وهو فاضل ديته عن جنايته ، ولأن الولي استوفى نفسين بنفس فيرد دية نفس.

______________________________________________________

ـ الولي فعلى الولي لكل واحد نصف نفس لا تدارك لها إلا بالدية فيرد على وليّ كلّ منهما نصف الدية وهكذا ، ويدل عليه أخبار منها : خبر الفضيل بن يسار قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : (عشرة قتلوا رجلا فقال : إن شاء أولياؤه قتلوهم جميعا وغرّموا تسع ديات ، وإن شاءوا تخيروا رجلا وأدى التسعة الباقون إلى أهل المقتول الآخر عشر الدية على كل رجل منهم ، ثم الولي بعد يلي أدبهم وحبسهم) (١).

وخبر ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (في رجلين قتلا رجلا : إذا أراد أولياء المقتول قتلهما أدوا دية كاملة وقتلوهما وتكون الدية بين أولياء المقتولين ، فإن أرادوا قتل أحدهما فقتلوه أدى المتروك نصف الدية إلى أهل المقتول) (٢) ، وعن بعض العامة أنه ليس للولي إلا قتل واحد منهم ويأخذ حصة الآخرين ، وعن بعض آخر منهم أن الولي له الحق في قتل الجميع من غير رد عما زاد عن جنايتهم ، وقال في الجواهر : «كما ترى مجرد تهجس وتخمين لا يوافق عقلا ولا نقلا».

(١) لا فرق في السبب الذي اشتركوا به في قتله سواء صدر من كل واحد سبب قاتل أو اجتمعوا على سبب واحد قاتل ، وسواء كانت المشاركة بينهم بالتساوي أو بالتفاوت ما دام قد تحقق قصد القتل من الجميع لتحقق اشتراكهم في القتل وهو المدار في الحكم على ما ورد في النصوص.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ٤.

٤٦٠