الزبدة الفقهيّة - ج ٩

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٩

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: كيميا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6307-62-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٧٠٧

(أو أحد الأئمة (١) عليهم‌السلام يقتل) ويجوز قتله لكل من أطلع عليه(ولو من غير إذن الإمام) (٢) أو الحاكم (٣) (ما لم يخف) القاتل(على نفسه ، أو ماله ، أو على مؤمن) نفسا أو مالا (٤) فينتفي الجواز ، للضرر ، قال الصادق عليه‌السلام أخبرني أبي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : الناس فيّ أسوة سواء من سمع أحدا يذكرني بسوء فالواجب عليه

______________________________________________________

ـ الإمام) (١) ، وخبر محمد بن مسلم : (قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أرأيت لو أن رجلا سبّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيقتل؟ قال : إن لم تخف على نفسك فاقتله) (٢) ، ولذا قيّد الحكم بما لم يخف على الضرر على نفسه أو ماله مما يكون فواته فيه ضرر على النفس أو عرضه.

(١) فكذلك يقتل بلا خلاف فيه للأخبار منها : صحيح هشام بن سالم : (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في رجل سبّ به لعليّ عليه‌السلام : فقال لي : حلال الدم ، والله لو لا أن تعمّ بريئا) (٣) ، وخبر العامري : (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أيّ شي‌ء تقول في رجل سمعته يشتم عليا عليه‌السلام ويبرأ منه ، فقال لي : والله هو حلال الدم ، وما ألف منهم برجل منكم ، دعه) (٤).

(٢) كما هو صريح صحيح هشام بن سالم المتقدم ، وخالف في ذلك المفيد والفاضل واشتراط إذن الإمام لخبر عمار السجستاني : (إن أبا عبد الله بن النجاشي سأل الصادق عليه‌السلام فقال : إني قتلت ثلاثة عشر رجلا من الخوارج ، كلهم سمعتهم يبرأ من عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقال : لو كنت قتلتهم بأمر الإمام لم يكن عليها في قتلهم شي‌ء ، ولكنك سبقت الإمام فعليك ثلاثة عشر شاة تذبحها بمنى وتصدق بلحمها) (٥) وحمل على الاستحباب لقصور سنده.

(٣) لخبر علي بن جعفر : (أخبرني أخي موسى عليه‌السلام : ـ إلى أن قال ـ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : أخبرني أبي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إن الناس في أسوة سواء ، من سمع أحدا يذكرني فالواجب عليه أن يقتل من شتمني ، ولا يرفع إلى السلطان ، والواجب على السلطان إذا دفع إليه أن يقتل من نال مني) (٦).

(٤) بالنسبة للمؤمن.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب حد المرتد حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب حد القذف حديث ٣.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب حد القذف حديث ١ و ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب ديات النفس حديث ٢.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب حد القذف حديث ٢.

٣٢١

أن يقتل من شتمني ولا يرفع إلى السلطان ، والواجب على السلطان إذا رفع إليه أن يقتل من نال مني.

وسئل عليه‌السلام عن من سمع يشتم عليا عليه‌السلام وبرئ منه قال : فقال لي : هو والله حلال الدم ، وما ألف رجل منهم برجل منكم دعه. وهو إشارة إلى خوف الضرر على بعض المؤمنين.

وفي إلحاق الأنبياء عليهم‌السلام بذلك وجه قوي (١) ، لأن تعظيمهم وكمالهم قد علم من دين الإسلام ضرورة فسبهم ارتداد.

وألحق في التحرير بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمه وبنته (٢) من غير تخصيص بفاطمة(صلوات الله عليها).

ويمكن اختصاص الحكم بها عليه‌السلام (٣) للإجماع على طهارتها بآية التطهير (٤). وينبغي تقييد الخوف على المال بالكثير المضر فواته ، فلا يمنع القليل بالجواز وإن أمكن منعه الوجوب. وينبغي إلحاق الخوف على العرض بالشتم ونحوه على وجه لا يتحمل عادة بالمال بل هو أولى بالحفظ (٥).

(ويقتل مدّعي النبوة) بعد نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لثبوت ختمه للأنبياء من الدين ضرورة فيكون دعواها كفرا (٦).

______________________________________________________

(١) وادعى في الغنية عليه الإجماع ، ولأن كما لهم وتعظيمهم علم من دين الإسلام ضرورة فسبهم ارتداد ، وفيه : إنه لا يدل على قتله إذ ليس كل مرتد يقتل إلا إذا كان فطريا ، ولمرسل الطبرسي عن الرضا عن آبائه عليهم‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (من سب نبيا قتل ومن سب صاحب نبي جلد) (١).

(٢) مراعاة لقدره.

(٣) إلا أن يرجع السب إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيقتل كما لو سب أم النبي بعنوان أنها أم للنبي أو بنته كذلك.

(٤) الأحزاب الآية : ٣٣.

(٥) لأن المال يبذل لحفظ العرض وليس العكس.

(٦) فيقتل إذا كان مرتدا فطريا ، والأولى الاستدلال بالأخبار التي أوجبت قتله مطلقا سواء ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب حد القذف حديث ٤.

٣٢٢

(وكذا) يقتل(الشاك في نبوة نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) (١) أو في صدقه(إذا كان على ظاهر الإسلام) احترز به (٢) عن إنكار الكفار لها كاليهود والنصارى فإنهم لا يقتلون بذلك ، وكذا غيرهم من فرق الكفار وإن جاز قتلهم بأمر آخر (٣).

(ويقتل الساحر) (٤)

______________________________________________________

ـ كان مرتدا فطريا أو مليا منها : خبر ابن أبي يعفور : (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن بزيعا يزعم أنه نبي فقال : أن سمعته يقول ذلك فاقتله ، قال : فجلست إلى جنبه غيرة مرة فلم يمكنّي ذلك) (١) ، وخبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام : (قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أيها الناس إنه لا نبي بعدي ولا سنة بعد سنتي ، فمن ادعى ذلك فدعواه وبدعته في النار ، فاقتلوه) (٢) ، وخبر ابن فضال عن الرضا عليه‌السلام (إلى أن قال ولا نبي بعده إلى يوم القيامة فمن ادعى بعده نبيا أوتي بكتاب بعده فدمه مباح لكل من سمع منه) (٣).

(١) أو في صدقه ، فإنه يقتل بلا خلاف فيه لصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (من شك في الله وفي رسوله فهو كافر) (٤) ولخبر الحارث بن المغيرة (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : لو أن رجلا أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : والله ما أدري أنبي أنت أم لا ، كان يقبل منه؟ قال : لا ، ولكن كان يقتله ، إنه لو قبل ذلك ما أسلم منافق أبدا) (٥).

(٢) احترز بالتقيد (إذا كان على ظاهر الإسلام).

(٣) كما لو كانوا محاربين.

(٤) إن كان مسلما ويؤدب إن كان كافرا ، بلا خلاف فيه للأخبار ، منها : خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن ساحر المسلمين يقتل وساحر الكفار لا يقتل ، قيل : يا رسول الله ، لم لا يقتل ساحر الكفار؟ فقال : لأن الكفر أعظم من السحر ، ولأن السحر والشرك مقرونان) (٦).

وخبر زيد بن علي عن آبائه عليهم‌السلام : (سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الساحر ، فقال : إذا جاء رجلان عدلان فشهدا بذلك فقد حلّ دمه) (٧) ، وخبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إن عليا عليه‌السلام كان يقول : من تعلم شيئا من السحر كان آخر عهده بربه ، وحدّه القتل إلا أن يتوب) (٨).

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب حد المرتد حديث ٢ و ٣ و ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب حد المرتد حديث ٢٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب حد المرتد حديث ٤.

(٦) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب بقية الحدود حديث ١.

(٧ و ٨) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب بقية الحدود حديث ١ و ٢.

٣٢٣

وهو من يعمل بالسحر (١) وإن لم يكن مستحلا (٢) (إن كان مسلما ويعزّر) الساحر(الكافر) قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ساحر المسلمين يقتل ، وساحر الكفار لا يقتل» قيل : يا رسول الله ولم لا يقتل ساحر الكفار؟ فقال : لأن الكفر أعظم من السحر ، ولأن السحر والشرك مقرونان (٣) ، ولو تاب الساحر قبل أن يقام عليه الحد سقط عنه القتل ، لرواية إسحاق بن عمار عن الصادق عليه‌السلام «أن عليا عليه‌السلام كان يقول : من تعلم شيئا من السحر كان آخر عهده بربه وحده القتل إلا أن يتوب». وقد تقدم في كتاب البيع تحقيق معنى السحر وما يحرم منه.

(وقاذف أم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرتد يقتل) (٤) إن لم يتب(ولو تاب لم تقبل) توبته(إذا كان) ارتداده(عن فطرة) كما لا تقبل توبته في غيره (٥) على المشهور (٦) ، والأقوى قبولها وإن لم يسقط عنه القتل. ولو كان ارتداده عن ملة قبل إجماعا. وهذا بخلاف ساب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإن ظاهر النص والفتوى وجوب قتله وإن تاب. ومن ثم قيده هنا خاصة (٧) ، وظاهرهم أن سابّ الإمام كذلك (٨).

(الفصل الرابع)

(في الشرب) (٩)

______________________________________________________

(١) بل في خبر إسحاق المتقدم قتل المتعلم وإن لم يعمل.

(٢) أي ولم يكن يرى حلية السحر ، لأن النص عام يشمل المستحل وغيره ، وعن بعض اختصاصه بالمستحل وقال في الجواهر : «لم نتحققه وعلى تقديره غير واضح الوجه».

(٣) فكما أن عقاب المشرك مؤخر إلى يوم القيامة فكذلك عقاب السحر بخلاف المسلم.

(٤) لأن القذف بمعناه المصطلح إنكار للضرورة الدينية من أن أمهات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عفيفات لم تنجسهن الجاهلية بأنجاسها.

(٥) غير القذف.

(٦) فقدم البحث فيه في كتاب الإرث ، وفيه : إنه تكليف بما لا يطاق فلذا اختار الشارح قبولها.

(٧) أي قيد المصنف الحكم بكونه إذا كان ارتداده عن فطرة ولازمه إذا كان ارتداده مليا فتقبل توبته ويسقط الحد.

(٨) يقتل وإن تاب لعموم النصوص المتقدمة.

(٩) أي في حد شرب المسكر.

٣٢٤

أي شرب المسكر ، ولا يختص عندنا بالخمر (١) ، بل يحرم جنس كل مسكر ، ولا يختص التحريم بالقدر المسكر منه(فما أسكر جنسه) أي كان الغالب فيه الإسكار وإن لم يسكر بعض الناس لإدمانه أو قلة ما تناول منه ، أو خروج مزاجه عن حد الاعتدال(يحرم) تناول(القطرة منه) (٢) فما فوقها.

(وكذا) يحرم(الفقاع) (٣) وإن لم يسكر ، لأنه عندنا بمنزلة الخمر ، وفي بعض الأخبار هو خمر مجهول. وفي آخر هو خمر استصغره الناس (٤) ولا يختص التحريم بتناولهما صرفا (٥) ، بل يحرمان(ولو مزجا بغيرهما) وإن استهلكا بالمزج (٦).

(وكذا) يحرم عندنا(العصير) العنبي(إذا غلى) (٧) بأن صار أسفله أعلاه

______________________________________________________

(١) أي لا يختص التحريم بالخمر ، والخمر هو المسكر المتخذ من العنب ، سواء كان المسكر متخذا من التمر أو العنب أو الزبيب أو العسل أو الشعير أو الحنطة أو الذرة خلافا لأبي حنيفة حيث أباح بعضها ، وقد تقدم الكلام في باب الأشربة المحرمة.

(٢) بلا خلاف للنصوص الكثيرة منها : خبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (عن رجل شرب حسوة خمر ، قال : يجلد ثمانين ، قليلها وكثيرها حرام) (١) ، وقد تقدم الكلام في باب الأشربة المحرمة.

(٣) بلا خلاف للأخبار منها : خبر عمار بن موسى : (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفقاع ، فقال : هو خمر) (٢) ، وخبر الحسن بن الجهم وابن فضال : (سألنا أبا الحسن عليه‌السلام عن الفقّاع فقال : هو خمر مجهول وفيه حد شارب الخمر) (٣).

(٤) وهو خبر الوشاء عن الرضا عليه‌السلام ، الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ١.

(٥) للمسكر والفقاع.

(٦) لخبر عمر بن حنظلة قال : (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما ترى في قدح من مسكر يصبّ عليه الماء حتى تذهب عاديته ويذهب سكره؟ فقال : لا والله ، ولا قطرة قطرت في حبّ إلا أهريق ذلك الحبّ) (٤) ، واستشكل الأردبيلي والفاضل الهندي في صدق اسم المسكر على المستهلك بالماء ، وفيه : إنه اجتهاد في قبال النص.

(٧) سواء كان الغليان بنفسه أو بالنار ، وإن لم يقذف الزبد ، فيحرم بلا خلاف فيه ويدل عليه ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب حد المسكر حديث ٧.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ٤ و ١١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ٢.

٣٢٥

(واشتد) بأن أخذ في القوام وإن قل ، ويتحقق ذلك (١) بمسمى الغليان إذا كان بالنار (٢).

واعلم أن النصوص وفتوى الأصحاب ومنهم المصنف في غير هذه العبارة مصرحة بأن تحريم العصير معلق على غليانه من غير اشتراط اشتداده. نعم من حكم بنجاسته جعل النجاسة مشروطة بالأمرين (٣).

______________________________________________________

ـ الأخبار الكثيرة منها : صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (كل عصير اصابه النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه) (١) وحسنة حماد بن عثمان عنه عليه‌السلام : (لا يحرم العصير حتى يغلي) (٢) ، خبر حماد بن عثمان الآخر عنه عليه‌السلام : (سألته عن شرب العصير ، قال : تشرب ما لم يغل ، فإذا غلى فلا تشربه ، قلت : جعلت فداك : أي شي‌ء الغليان؟ قال : القلب) (٣).

والنصوص لم تشترط في حرمته إلا الغليان ، وقد اعتبر في القواعد الغليان أو الاشتداد ، والمراد بالغليان هو قلب أسفله أعلاه كما في الخبر وهو المعنى العرفي له ، والمراد بالاشتداد أن يحصل له ثخانة وكثافة ، إلا أن الاشتداد لم يدل عليه دليل ومنه تعرف ضعف قول العلامة في القواعد ، مع أنه قد اكتفى بالغليان فقط في التحرير والمختلف ، وتعرف ضعف قول المحقق في المعتبر من أنه يحرم عند الغليان ولا ينجس إلا مع الاشتداد.

هذا من جهة ومن جهة أخرى فالنصوص لم تصرح إلا بحرمته ، وأما نجاسته فلا ، ولذا ذهب البعض إلى طهارته ، وقد حققنا المسألة في باب الطهارة وقلنا إن الأخبار قد صرحت بحرمته باعتبار أنه أحد أفراد المسكر إلا أنه فرد خفي فلا بد من الحكم بنجاسته إذا ثبتت حرمته ولذا شاع بين المتأخرين كما في المسالك ، القول بنجاسته.

ومن جهة ثالثة يحدّ شاربه ثمانين جلدة وهو إجماعي كما في التنقيح وغيره وقال في الرياض : «ولم أقف على حجة معتدّ بها سواه» ، نعم على القول بأنه من أفراد المسكر الخفية فيكفي التمسك بعموم أدلة جلد شارب المسكر.

(١) أي الاشتداد.

(٢) للقول بالتلازم بين الغليان والاشتداد إذا كان الغليان بالنار أما لو كان الغليان بنفسه فلا ، وفيه : أنه لا تلازم بين مجرد وأوله وبين الاشتداد كما هو الظاهر بالوجدان.

(٣) من الغليان والاشتداد.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ١ و ٢.

٣٢٦

والمصنف هنا جعل التحريم (١) مشروطا بهما ، ولعله بناء على ما ادعاه في الذكرى من تلازم الوصفين ، وأن الاشتداد مسبّب عن مسمى الغليان : فيكون قيد الاشتداد هنا مؤكدا.

وفيه نظر ، والحق أن تلازمهما مشروط يكون الغليان بالنار كما ذكرناه ، أما لو غلى وانقلب بنفسه فاشتداده بذلك (٢) غير واضح (٣). وكيف كان فلا وجه لاشتراط الاشتداد في التحريم ، لما ذكرناه من إطلاق النصوص بتعليقه على الغليان ، والاشتداد وإن سلّم ملازمته لا دخل له في سببية التحريم.

ويمكن أن تكون النكتة في ذكر المصنف له (٤) اتفاق القائل بنجاسته على اشتراطه فيها (٥) ، مع أنه لا دليل ظاهرا على ذلك مطلقا (٦) كما اعترف به المصنف في غير هذا الكتاب ، إلا أن يجعلوا الحكم بتحريمه دليلا على نجاسته (٧). كما ينجس العصير لما صار خمرا وحرم. وحينئذ فتكون نجاسته مع الاشتداد مقتضى الحكم بتحريمه معه (٨) ، لأنها مرتبة عليه (٩) ، وحيث صرحوا باعتبار الاشتداد في النجاسة وأطلقوا القول بالتحريم بمجرد الغليان لزم أحد الأمرين :

إما القول بعدم ترتب النجاسة على التحريم (١٠) ، أو القول بتلازم الاشتداد والغليان ، لكن لما لم يظهر للنجاسة دليل سوى التحريم الموجب لظن كونه كالخمر وغيره من الربوبات المسكرات لزم اشتراك التحريم والنجاسة في معنى واحد وهو

______________________________________________________

(١) لا النجاسة.

(٢) أي بما لو غلى بنفسه.

(٣) وكذا الغليان بالنار إذا كان في أوله.

(٤) للاشتداد.

(٥) أي اشتراط الاشتداد في النجاسة.

(٦) أي على النجاسة سواء كان قبل الاشتداد أو بعده أو قبل الغليان أو بعده.

(٧) وهو الصحيح باعتبار أنه من الأفراد الخفية للمسكر.

(٨) أي بتحريم العصير مع الاشتداد.

(٩) أي لأن النجاسة مرتبة على التحريم.

(١٠) لأن شرط النجاسة مغاير لشرط التحريم.

٣٢٧

الغليان مع الاشتداد (١) ، ولما كانا متلازمين كما ادعاه (٢) لم يناف تعليق التحريم على الغليان تعليقه على الاشتداد للتلازم ، لكن في التصريح بتعليقه عليهما (٣) تنبيه على مأخذ الحكم (٤) ، وجمع (٥) بين ما أطلقوه في التحريم ، وقيدوه في النجاسة.

وهذا حس (٦) لو كان (٧) صالحا لدليل النجاسة ، إلا أن عدم دلالته أظهر (٨) ولكن المصنف في البيان اعترف بأنه لا دليل على نجاسته إلا ما دل على نجاسة المسكر وإن لم يكن مسكرا فرتب بحثه عليه (٩).

(و) إنما يحرم العصير بالغليان إذا(لم يذهب ثلثاه به ، ولا انقلب خلًّا) فمتى تحقق أحدهما حلّ وتبعته الطهارة أيضا.

أما الأول فهو منطوق بالنصوص (١٠).

______________________________________________________

(١) بل الغليان فقط ، ولم يشترط الاشتداد في النجاسة إلا المحقق في المعتبر ، والعلامة في القواعد ، فراجع.

(٢) المصنف سواء كان الغليان بالنار أو بنفسه ، أو بالنار فقط كما ادعاه الشارح فقط ، وقد عرفت منع التلازم.

(٣) أي بتعليق التحريم على الغليان والاشتداد.

(٤) من أن دليل النجاسة هو نفس التحريم ، وذلك لأن النجاسة مشروط بالاشتداد على قول والتحريم على الغليان كما هو ظاهر النصوص والفتاوى ، فتقييد التحريم بالغليان والاشتداد تنبيه على أن التحريم هو دليل الحكم بالنجاسة المشروطة بالاشتداد.

(٥) عطف على (تنبيه).

(٦) أتعب الشارح نفسه الشريفة للجمع بين وضعي الاشتداد والغليان في التحريم ، مع أنك قد عرفت أن الاشتداد لا أثر له في الأخبار ، وأن الغليان فقط هو شرط التحريم والنجاسة ولا داعي لهذا البحث في الجمع.

(٧) أي التحريم.

(٨) بدعوى أن الإمام في مقام البيان ولم يصرح إلا بالتحريم فهو أدل على الطهارة منه على النجاسة ، وقد عرفت أنه في مقام بيان أنه من الأفراد الخفية للمسكر فيحقه حكمه من التحريم والنجاسة.

(٩) من أن التحريم هل هو دليل على النجاسة وإن لم يكن العصير مسكرا ، وأما لو كان مسكرا فيندرج تحت عموم أدلة حرمة ونجاسة المسكر.

(١٠) وقد تقدم بعضها في أول البحث فراجع.

٣٢٨

وأما الثاني فللانقلاب إلى حقيقة أخرى وهي مطهرة (١). كما لو انقلب الخمر خلا مع قوة نجاسته (٢) بالإضافة إلى العصير ، ولو صار دبسا (٣) قبل ذهاب الثلثين ففي طهره وجهان أجودهما العدم ، مع أنه فرض نادر ، عملا بالاستصحاب مع الشك في كون مثل ذلك (٤) مطهرا (٥).

(ويجب الحدّ ثمانون جلدة (٦)

______________________________________________________

(١) بلا خلاف فيتبع الحكم الماهية ، وبما أن ماهية الخل الطهارة فيحكم بطهارته.

(٢) أي فالانقلاب مطهر للخمر إذا انقلب خلا مع أن نجاسة الخمر مدلول النصوص حرامة ، فبالأولى الحكم بطهارة العصير إذا انقلب خلا مع أن نجاسته محل خلاف.

(٣) قال في المسالك «لا فرق مع عدم ذهاب ثلثيه في تحريمه بين أن يصير دبسا وعدمه ، لإطلاق النصوص باشتراط ذهاب الثلثين ـ إلى أن قال ـ مع أن هذا فرض بعيد ، لأنه لا يصير دبسا حتى يذهب أربعة أخماسه بالوجدان فضلا عن الثلثين.

ويحتمل الاكتفاء بصيرورته دبسا على تقدير إمكانه لانتقاله عن اسم العصير كما يطهر بصيرورته خلا كذلك» انتهى.

والاحتمال الثاني أقوى ، لأن النصوص المصرحة باشتراط ذهاب الثلثين في حليته بشرط إبقاء كونه عصيرا.

(٤) من الانقلاب إلى الدبس.

(٥) ولا يجري الاستصحاب بعد القطع بكونه قد خرج عن ماهية العصير إلى ماهية أخرى يأخذ حكمها وهي الدبس ، مع أنك عرفت أنه فرض غير ممكن فلا داعي للبحث في حكمه.

(٦) بلا خلاف فيه للأخبار الكثيرة منها : موثق إسحاق بن عمار : (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل شرب حسوة خمر ، قال : يجلد ثمانين جلدة قليلها وكثيرها حرام) ، (١) وصحيح بريد بن معاوية : (سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إن في كتاب علي عليه‌السلام يضرب شارب الخمر ثمانين وشارب النبيذ ثمانين) (٢) ، وخبر زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في تعليل الثمانين للحد : (أنه عليه‌السلام قال : إذا شرب الرجل الخمر فسكر هذى ، فإذا هذى افترى ، فإذا فعل ذلك فاجلدوه جلد المفتري ثمانين) (٣).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب حد المسكر حديث ١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب حد المسكر حديث ١ و ٧.

٣٢٩

(بتناوله) أي تناول شي‌ء مما ذكر من المسكر (١) والفقاع (٢) والعصير (٣). وفي إلحاق الحشيشة بها (٤) قول حسن (٥) ، مع بلوغ المتناول (٦) وعقله ، واختياره ، وعلمه(وإن كان كافرا إذا تظاهر به) (٧) أما لو استتر (٨) ، أو كان صبيا ، أو مجنونا ، أو مكرها ، أو مضطرا لحفظ الرمق ، أو جاهلا بجنسه ، أو تحريمه فلا حد وسيأتي التنبيه على بعض القيود. ولا فرق في وجوب الثمانين بين الحر والعبد على الأشهر (٩) ،

______________________________________________________

(١) كما في صحيح بريد بن معاوية المتقدم.

(٢) كما في خبر ابن الجهم وابن فضال المتقدم سابقا.

(٣) للإجماع المتقدم كما في الرياض ، ولشمول أخبار المسكر له باعتباره أنه من أفراده.

(٤) أي بالثلاثة.

(٥) باعتبار أن الجميع مسكر ، ووجه عدم الإلحاق أن أدلة وجوب الحد منصرفة إلى المسكر المائع بالأصالة ، والخشية ليس منه.

(٦) شروع في قيود ثبوت الحد على شارب المسكر ، أما البلوغ والعقل فلحديث رفع القلم ، وأما الاختيار والعلم فلحديث رفع عن امتي تسعة أشياء منها الجهل وعدم العلم والإكراه.

وقيّد المصنف الشارب بكونه متناولا وهو قيد خامس ليعم الشرب أو أخذه ممزوجا بغيره من الأدوية وغيرها ولذا قال في المسالك «المراد بالتناول إدخاله إلى البطن بالأكل والشرب خالصا وممزوجا بغيره ، سواء بقي مع مزجه مميزا أو لا ، ويخرج من ذلك استعماله بالاحتقان والسعوط حيث لا يدخل الحلق ، لأنه لم يعدّ تناولا فلا يحدّ به وإن حرم».

(٧) إن وصلية ، والكافر لا يحدّ إذا شربها متسترا في بيته للأخبار منها : موثق أبي بصير عن أحدهما عليهما‌السلام : (كان عليّ عليه‌السلام يجلد الحر والعبد واليهودي والنصراني في الخمر والنبيذ ثمانين ، قلت : ما بال اليهودي والنصراني؟ قال : إذا أظهروا ذلك في مصر من الأمصار ، لأنهم ليس لهم أن يظهروا شربها) (١) ، وصحيح أبي بصير الآخر : (حد اليهودي والنصراني والمملوك في الخمر والفرية سواء ، وإنما صولح أهل الذمة على أن يشربوها في بيوتهم) (٢).

(٨) الكافر.

(٩) للأخبار منها : خبرا أبي بصير المتقدمين وهما قد صرحا بالتسوية بين العبد والحر في الجلد ثمانين. ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب حد المسكر حديث ٢ و ٦.

٣٣٠

لرواية أبي بصير ، وبريد بن معاوية ، وزرارة عن الصادق عليه‌السلام (١).

(وفي العبد قول) للصدوق(بأربعين) (٢) جلدة نصف الحر ، ونفى عنه في المختلف البأس. وقواه المصنف في بعض تحقيقاته ، لرواية أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في مملوك قذف حرا.

قال : يحدّ ثمانين ، هذا من حقوق المسلمين ، فأما ما كان من حقوق الله(عزوجل) فإنه يضرب نصف الحد.

قلت : الذي من حقوق الله ما هو؟

قال : إذا زنى ، أو شرب الخمر فهذا من الحقوق التي يضرب فيها نصف الحد ، وحمله الشيخ على التقية ، وروى يحيى بن أبي العلاء عنه عليه‌السلام : حد

______________________________________________________

ـ ومنها : ما يشمله بإطلاقه كخبر بريد بن معاوية : (سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إن في كتاب علي عليه‌السلام يضرب شارب الخمر ثمانين ، وشارب النبيذ ثمانين) (١) ، وخبر زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (إذا شرب الرجل الخمر فسكر هذى ، فإذا هذى افترى ، فإذا فعل ذلك فاجلدوه جلد المفتري ثمانين) (٢).

(١) قد تقدم أن الخبر عن أبي جعفر عليه‌السلام ، وقد صرح بذلك أيضا في المسالك.

(٢) لخبر أبي بكر الحضرمي : (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن عبد مملوك قذف حرا ، قال : يجلد ثمانين هذا من حقوق المسلمين ، فأما ما كان من حقوق الله فإنه يضرب نصف الحد ، قلت : الذي من حقوق الله ما هو؟ قال : إذا زنى أو شرب الخمر فهذا من الحقوق التي يضرب فيها نصف الحد) (٣) ، ويؤيده خبر حماد بن عثمان : (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : التعزير كم هو؟ قال : دون الحد ، قلت : دون ثمانين؟ قال : لا ولكن دون الأربعين فإنها حد المملوك) (٤) وهو شامل لكل حد للمملوك.

وخبر الحضرمي معلّل فهو المقدم عند التعارض لكونه آبيا عن التخصيص إلا أن المشهور الأول.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب حد المسكر حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب حد المسكر حديث ٧.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب المسكر حديث ٧ و ٦.

٣٣١

المملوك نصف حد الحر (١) من غير تفصيل (٢). وخصه (٣) بحد الزنا.

والتحقيق أن الأحاديث من الطرفين غير نقية الإسناد وأن خبر التنصيف أوضح (٤) ، وأخبار المساواة أشهر.

(ويضرب الشارب) (٥) ومن في معناه (٦) (عاريا) مستور العورة(على ظهره وكتفيه) وسائر جسده(ويتّقى وجهه ، وفرجه ، ومقاتله. ويفرّق الضرب على جسده) غير ما ذكر (٧) (ولو تكرر الحد قتل في الرابعة) (٨) ، لما رواه الصدوق في

______________________________________________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب المسكر حديث ٩.

(٢) بين حق الله وحق الناس ، ويؤيده أيضا خبر حماد بن عثمان المتقدم.

(٣) أي الشيخ.

(٤) لأنه معلّل.

(٥) غير المرأة عاريا مستور العورة ، فيضرب على ظهره وكتفيه وسائر جسده ويتقى وجهه وفرجه ومقاتله للصحيح أبي بصير (سألته عن السكران والزاني قال : يجلدان بالسياط مجردين بين الكتفين ، فأما الحد في القذف فيجلد على ما به ضربا بين الضربين) (١) ، وعن الشيخ في المبسوط أنه يضرب بدون تجريده من ثيابه ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بالضرب ولم يأمر بالتجريد وهو ضعيف لما سمعت في الخبر.

(٦) وهو مطلق المتناول للمسكر وأنه لم يكن بطريق الشراب ، وأيضا شارب الحشيشة على قول الشارح لأنه يدخل دخانها وهو ليس بشرب حقيقة.

(٧) من الفرج والمقاتل والوجه.

(٨) ذهب المشهور إلى أنه يقتل في الثالثة للنصوص المستفيضة منها : صحيح أبي عبيدة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (من شرب الخمر فاجلدوه ، فإن عاد فاجلدوه ، فإن عاد فاقتلوه) (٢) وصحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من شرب الخمر فاجلدوه ، فإن عاد فاجلدوه ، فإن عاد الثالثة فاقتلوه) (٣) وصحيح سليمان بن خالد الآخر (كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يجلد في النبيذ المسكر ثمانين كما يضرب في الخمر ، ويقتل في الثالثة كما يقتل صاحب الخمر) (٤) ويؤيده صحيح يونس عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام (أصحاب الكبائر كلها إذا أقيم عليهم الحدود مرتين قتلوا في الثالثة) (٥). ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب المسكر حديث ١.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب حد المسكر حديث ٣ و ١ و ١٣ و ٢.

٣٣٢

الفقيه مرسلا أنه يقتل في الرابعة (١) ، ولأن الزنا أعظم منه ذنبا ، وفاعله يقتل في الرابعة كما مضى. فهنا أولى. وذهب الأكثر إلى قتله في الثالثة ، للأخبار الكثيرة الصحيحة الصريحة في ذلك بخصوصه ، وصحيحة يونس عن الكاظم عليه‌السلام يقتل «أصحاب الكبائر كلهم في الثالثة إذا أقيم عليهم الحد مرتين». وهذا أقوى. والمرسل غير مقبول مطلقا (٢) خصوصا مع معارضة الصحيح ويمنع قتل الزاني في الرابعة وقد تقدم(ولو شرب مرارا) ولم يحد(فواحد) (٣) كغيره مما يوجب الحد

______________________________________________________

ـ وذهب الشيخ في الخلاف والمبسوط والصدوق في المقنع إلى أنه يقتل في الرابعة واستدل الشيخ في الخلاف بالنبوي (من شرب الخمر فاجلدوه ، ثم إن من شرب فاجلدوه ، ثم إن شرب فاجلدوه ، ثم إن شرب فاقتلوه) (١) ، ولأن الزنا أعظم من الشرب ولذا يجلد في الزنا مائه وفي الشرب ثمانين ، مع أنه لا يقتل في الزنا إلا في الرابعة فيكون في الشرب كذلك من باب أولى ، وللاحتياط في الدماء. وفيه : عدم حجية النبوي لأنه من طرق العامة فضلا عن عدم مقاومته للنصوص الصريحة والصحيحة على قتله في الثالثة ، ولأنه يقتل في الثالثة في الزنا على قول ، وقد تقدم ، ولا معنى لوجوب الاحتياط في الرابعة مع وجود هذه النصوص الصحيحة الدالة على قتله في الثالثة ، فإن الاحتياط هنا موجب لطرح الهداية وهذا لا يجوز لأن فيهما حكما إلزاميا.

(١) قال في الوسائل : «قال الصدوق في الفقيه : وروي أنه يقتل في الرابعة» (٢) وقال الشيخ في الوسائل أيضا : «قال الكليني : قال جميل : وروي عن بعض أصحابنا أنه يقتل في الرابعة ، قال ابن أبي عمير : كأن المعنى أن يقتل في الثالثة ، ومن كان إنما يؤتى به يقتل في الرابعة» (٣) فهذا المرسل عن الصدوق تارة وعن جميل كما في الكافي تارة أخرى لا يصلح لمعارضة النصوص السابقة فضلا عن أن قول ابن أبي عمير يدل على شيوع الحكم بقتله في الثالثة فلذا حمل المرسل على من يؤتى به في الرابعة إلى الإمام بحيث لم يتحقق إتيانه مع حده ثلاث مرات بل مرتين فيقتل عند إتيانه للإمام ثالثا وإلا كان بالنسبة لشربه رابعة.

(٢) مع المعارض أولا ، وإن كان مع المعارض أولى بعدم القبول ، فكيف إذا كان المعارض متعددا وصحيح السند.

(٣) بلا خلاف فيه لصدق اسم الشرب على الجميع مع عدم تخلل الحد حتى يحسب مرة ، ـ

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٨ ص ٣١٤.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب حد المسكر حديث ٩ و ٧.

٣٣٣

(ويقتل مستحل الخمر (١) إذا كان عن فطرة) ولا يستتاب ، لأنه مرتد من حيث إنكاره ما علم من دين الإسلام ضرورة.

(وقيل) : والقائل الشيخان : (يستتاب) شاربها عن فطرة. فإن تاب وإلا قتل والأقوى الأول.

نعم لو كان عن ملة استتيب قطعا كالارتداد بغيره فإن تاب وإلا قتل وتستتاب المرأة مطلقا (٢).

(وكذا يستتاب) الرجل(لو استحل بيعها فإن امتنع) من التوبة(قتل) (٣) كذا

______________________________________________________

ـ سواء اختلف جنس المشروب أو اتحد.

(١) لأنه قد كفر بإنكار ما علم ضرورة أنه من الدين ، فيقتل إذا كان عن فطرة لأن هذا هو حكم المرتد الفطري ولا يستتاب.

وذهب الشيخان إلى أن مستحل الخمرة يستتاب ، فإن تاب أقيم عليه الحد ، وإن امتنع قتل من غير فرق بين الفطري والملي ، لا لما رواه المفيد (أنه ردت العامة والخاصة أن قدامة بن مظعون شرب الخمر ، فأراد عمر أن يحدّه ، فقال : لا يجب عليّ الحد ، إن الله يقول : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ جُنٰاحٌ فِيمٰا طَعِمُوا إِذٰا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا) فدرأ عنه عمر الحد.

فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام فمشى إلى عمر فقال : ليس قدامة من أهل هذه الآية ولا من سلك سبيله في ارتكاب ما حرّم الله ، إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لا يستحلون حراما ، فاردد قدامة فاستتبه مما قال ، فإن تاب فأقم عليه الحد ، وإن لم يتب فاقتله فقد خرج عن الملة ، فاستيقظ عمر لذلك وعرف قدامة الخبر فأظهر التوبة والإقلاع فدرأ عنه القتل ولم يدر كيف يحدّه ، فقال لعلي عليه‌السلام : أشر عليّ ، فقال : حده ثمانين جلدة ، إن شارب الخمر إذا شربها سكر ، وإذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، فجلده عمر ثمانين جلدة). وحمل الخبر على كون المنكر لحرمة الخمر لشبهة في حقه لقرب سهوه بالإسلام مثلا كقدامة فيتجه قول الشيخين حينئذ.

(٢) سواء كان ارتدادها عن فطرة أو ملة ، وقد تقدم البحث فيه في كتاب الإرث فراجع.

(٣) اعلم أنه لا نصوص على كفر منكر الضرورة ، وإنما هو حكم تبعا للقواعد بحيث إن إنكار الضرورة موجب لتكذيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتكذيبه موجب للكفر ، وعليه فلا داعي لجعل الإنكار في خصوص الضرورة كما فعل المشهور أو في خصوص ما تم عليه إجماع ـ

٣٣٤

أطلقه المصنف من غير فرق بين الفطري والملي ، ولو باعها غير مستحل عزّر (١).

(ولا يقتل مستحلّ) شرب(غيرها) أي غير الخمر من المسكرات ، للخلاف فيه بين المسلمين. وهو كاف في عدم كفر مستحله وإن أجمعنا على تحريمه.

وربما قيل (٢) بإلحاقه بالخمر وهو نادر ، وأولى بالعدم (٣) مستحل بيعه.

(ولو تاب الشارب) للمسكر(قبل قيام البينة) عليه(سقط الحد) عنه (٤) (ولا يسقط) الحد لو كانت توبته(بعدها) أي بعد قيام البينة لأصالة البقاء وقد تقدم مثله.

(و) لو تاب(بعد إقراره) بالشرب(يتخير الإمام) بين إقامته عليه ، والعفو ،

______________________________________________________

ـ جميع المسلمين ولم يقع فيه الخلاف كما فسر الضرورة بذلك الشارح في المسالك بل إن ما ثبت على نحو العلم أنه من الدين فإنكاره موجب للكفر لأنه موجب لتكذيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنظر المنكر العالم ، ومنه تعرف ضعف ما قاله المصنف والشارح في مستحل بيع الخمر أو مستحل غير الخمر من المسكرات بدعوى أن حكمها مختلف فيه.

(١) لإقدامه على الفعل المحرم ، وقد عرفت سابقا ثبوت التعزير على ارتكاب الكبائر بحسب ما يراه الحاكم.

(٢) وهو قول ابن إدريس.

(٣) عدم الإلحاق.

(٤) بلا خلاف فيه ، ودليلهم الإجماع ولذا قال في الرياض بعد ما حكى الإجماع (وهو الحجة مضافا إلى جميع ما مرّ في الزنا من الأدلة) ، وأغلب الظن أن الحكم بالسقوط هنا من باب القياس على الزنا الذي هو أشد وإن تاب بعدها لم يسقط على المشهور للاستصحاب خلافا لأبي الصلاح فجوّز للإمام العفو عنه وقال في الرياض عنه (وحجته غير واضحة).

ولو تاب قبل الإقرار فيسقط الحد عنه ، وإن تاب بعده فالمشهور أن الإمام مخيّر بين العفو والاستيفاء لتخيره في باب الزنا واللواط اللذين هما أعظم من الشرب.

وذهب ابن إدريس إلى وجوب الاستيفاء وذلك لأن التوبة لا توجب التخيير إلا في الرجم فقط مع بطلان القياس عندنا ، وقول ابن إدريس أقوى اقتصارا على مورد النص في التخيير ، وفي غير مورد النص فيرجع إلى الأصول العملية ، والأصل العملي هنا يقتضي بقاء الحد فيجب استيفائه.

٣٣٥

لأن التوبة إذا أسقطت تحتم أقوى العقوبتين (١) وهو القتل فإسقاطها (٢) لأدناهما (٣) أولى.

وقيل : يختص الحكم بما يوجب القتل ، ويتحتم هنا (٤) استيفاؤه عملا بالأصل والأول أشهر.

(ويثبت) هذا الفعل(بشهادة عدلين (٥) ، أو الإقرار مرتين) (٦) مع بلوغ المقر (٧) ، وعقله ، واختياره ، وحريته(ولو شهد أحدهما بالشرب ، والآخر بالقي‌ء (٨)

______________________________________________________

(١) في الزنا وهو القتل.

(٢) أي إسقاط التوبة.

(٣) وهو الجلد.

(٤) في حد الشرب.

(٥) بلا خلاف فيه لعموم ما دل على اعتبار البينة ، واشتراط العدلين من الرجال لما مرّ من عدم اعتبار شهاد النساء لا منفردات ولا منضمات في الحدود.

(٦) على المشهور وادعى عليه الشيخ في المبسوط الإجماع ، ولا نص عليه خاص وإنما لتنزيل إقراره منزلة الشهادة على نفسه فيعتبر فيه التعدد كما يعتبر فيها.

(٧) قد تقدم أن إقرار الصبي والمجنون والمكره والعبد لا عبرة به لحديث رفع القلم وحديث الرفع ولأن إقرار العبد في حق غيره لا في حق نفسه.

(٨) وجب الحد على المشهور ، بل عن الخلاف والتنقيح والسرائر دعوى الإجماع عليه ، والأصل فيه خبر الحسين بن زيد عن أبي عبد الله عن أبيه عليهم‌السلام قال (أتي عمر بن الخطاب بقدامة بن مظعون وقد شرب الخمر ، فشهد عليه رجلان أحدهما خصيّ وهو عمرو التميمي والآخر المعلّى بن الجارود ، فشهد أحدهما أنه رآه يشرب ، وشهد الآخر أنه رآه يقي‌ء الخمر ، فأرسل عمر إلى ناس من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال لأمير المؤمنين عليه‌السلام : ما تقول يا أبا الحسن ، فإنك الذي قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت أعلم هذه الأمة وأقضاها بالحق ، فإن هذين قد اختلفا في شهادتهما؟ قال : ما اختلفا في شهادتهما وما قاءها حتى شربها) (١).

وفي الطريق ضعف لأن فيه موسى بن جعفر البغدادي وهو مجهول الحال ، وجعفر بن ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب حد المسكر حديث ١.

٣٣٦

قيل : يحد لما روي عن علي عليه‌السلام) في حق الوليد (١) لمّا شهد عليه واحد بشربها ، وآخر بقيئها فقال علي عليه‌السلام : (ما قاءها إلا وقد شربها) قال المصنف في الشرح (٢) : عليها فتوى الأصحاب ولم أقف فيه على مخالف ، لكن العلامة جمال الدين بن طاوس قال في الملاذ : لا أضمن درك طريقه (٣). وهو مشعر بالتوقف ، وكذلك العلامة استشكل الحكم في القواعد من حيث إن القي‌ء وإن لم يحتمل إلا الشرب ، إلا أن مطلق الشرب لا يوجب الحد ، لجواز الإكراه. ويندفع بأن الإكراه خلاف الأصل ، ولأنه لو كان كذلك لادعاه ، ويلزم من قبول الشهادة كذلك (٤) قبولها لو شهدا معا بالقي‌ء (٥) نظرا إلى التعليل المذكور.

وقد يشكل ذلك (٦) بأن العمدة في الأول (٧) الإجماع كما ادعاه ابن إدريس

______________________________________________________

ـ يحيى وهو مجهول العين ، وعبد الله بن عبد الرحمن وهو مشترك بين الثقة وغيره ، ولذا قال السيد جمال الدين بن طاوس في ملاذ الشيعة : لا أضمن درك طريقه ، وهو مشعر بتردده ، وكذلك تردد فيه المحقق في الشرائع والعلامة في القواعد حيث إن القي‌ء وإن استلزم الشرب إلا أن مطلق الشرب لا يكفي في إثبات الحد بل لا بد من وقوعه على وجه الاختيار.

وردّ إشكال السند بأنه منجبر بعمل الأصحاب المؤيد بدعوى الإجماع كما عن جماعة ، وردّ أشكال المتن بأن الأصل عدم الإكراه ، ولو كان الإكراه واقعا لادّعاه ، ولو ادعى الاكراه سمع منه بلا بينة ولا يمين لما تقدم من أن قول المنكر مقبول بلا يمين لأن الحدود تدرأ بالشبهات.

(١) كما في المسالك والرياض وغيرهما ، إلا أنه في الوسائل والجواهر أنه في حق قدامة بن مظعون.

(٢) شرح الإرشاد.

(٣) الدرك هو العيب ، والمراد أن طريقه معيوب أو يحتمل العيب فلا أتعهد بصحته.

(٤) بحيث شهد أحدهما على الشرب والآخر على القي‌ء.

(٥) نظرا إلى التعليل الوارد فيها : ما قاءها حتى شربها ، وهذا ما ذهب إليه الشيخ جماعة بل قيل إنه المشهور ، واقتصر بعضهم على مورد النص فلا تقبل الشهادة لو شهدا بالقي‌ء لاحتمال أن القي‌ء مستلزم لمطلق الشرب ، وفيه : أنه مندفع بما سمعت سابقا.

(٦) قبول الشهادة على القي‌ء.

(٧) وهو الشهادة على الشرب والقي‌ء.

٣٣٧

وهو منفي في الثاني (١) واحتمال الإكراه يوجب الشبهة وهي تدرأ الحد وقد علم ما فيه. نعم يعتبر إمكان مجامعة القي‌ء للشرب المشهود به (٢) ، لو شهد أحدهما أنه شربها يوم الجمعة ، وآخر أنه قاءها قبل ذلك ، أو بعده بأيام لم يحد ، لاختلاف الفعل ولم يقم على كل فعل شاهدان(ولو ادعى الإكراه قبل) ، لاحتماله فيدرأ عنه الحد ، لقيام الشبهة(إذا لم يكذبه الشاهد) (٣) بأن شهد ابتداء بكونه مختارا ، أو أطلق الشهادة بالشرب ، أو القي‌ء ثم أكذبه في الإكراه لمّا ادعاه.

(ويحد معتقد حلّ النبيذ) (٤) المتخذ من التمر(إذا شربه) ولا يعذر (٥) في الشبهة (٦) بالنسبة إلى الحد وإن أفادته (٧) درء القتل لإطلاق النصوص الكثيرة ، بحد شاربه كالخمر ، وأولى بالحد لو شربه محرّما له ولا يقتل أيضا (٨) كالمستحل (٩) (ولا)

______________________________________________________

(١) في الشهادة على القي‌ء فقط.

(٢) فلا بد أن يجامع القي‌ء المشهور به للشرب المشهور به لتكون الشهادة من اثنين على فعل واحد ، أما لو شهد أحدهما بأنه شربها يوم الجمعة وشهد الآخر أنه قاءها يوم الخميس فهي شهادة من اثنين على فعلين بل هي شهادتان.

(٣) فمع التكذيب لا تسمع دعوى الإكراه لوجود البينة على عكسها.

(٤) ادعى سيد الرياض الاتفاق على عدم سقوط الحد لو اعتقد الحلية وشرب لإطلاق أدلة حد الشارب ، وفيه :

أولا : لا معنى لتخصيص الكلام من المصنف في النبيذ بل يعم سائر المسكرات التي وقع الخلاف بين المسلمين في حرمته.

وثانيا : كيف يحد مع أنه جاهل بالحرمة بل معتقد بالحلية ، وحديث الرفع حاكم هنا حتى لو كان مقصرا في مقدمات العلم بالحلية كما لو شرب النبيذ بعنوان أنه ماء فالجهل عذر في الشبهة الحكمية كالشبهة الموضوعية.

(٥) وقد عرفت عذره للجهل.

(٦) وهي شبهة حلية النبيذ كما عن أبي حنيفة.

(٧) أي أفادت الشبهة الشخص المعتقد للحلية.

(٨) أي معتقد الحلية لو شرب النبيذ لا يقتل ، ولكن قد عرفت مع تكرار الحد لا بد من قتله لو كان شربه في كل مرة موجبا للحد وقد حدّ.

(٩) أي لا يقتل معتقد الحلية بخلاف المستحل للخمر فإنه يقتل ، وذلك لوضوح حكم الخمر بالحرمة بخلاف النبيذ فإنه مختلف فيه ، وفيه : قد عرفت أن المدار في كفر المنكر ـ

٣٣٨

(يحد الجاهل بجنس المشروب) (١) فاتفق مسكرا(أو بتحريمه (٢) ، لقرب إسلامه) (٣) أو نشوئه في بلاد بعيدة عن المسلمين يستحل أهلها الخمر فلم يعلم تحريمه ، والضابط إمكانه (٤) في حقه.

(ولا من اضطره العطش (٥) أو) اضطر إلى(إساغة اللقمة بالخمر) بحيث

______________________________________________________

ـ والمستحل على إنكار ما علم ثبوته في الدين حتى يكون موجبا لتكذيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعليه فالمستحل يقتل إن علم بحرمة الخمر ، ولذا لو اعتقد الحلية وشرب الخمر وكان اعتقاده لشبهة معذورا فيها كما لو كان قريب عهد في الإسلام فلا يقتل فضلا عن سقوط حد الشرب عنه وهذا لا خلاف فيه بين الأصحاب لحكم العقل بكون الجهل عذرا ، ولخبر ابن بكير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال : شرب رجل الخمر على عهد أبي بكر ، فرفع إلى أبي بكر ، فقال له : أشربت خمرا؟ قال : نعم ، قال : ولم وهي محرّمة؟ قال : إني أسلمت وحسن إسلامي ومنزلي بين ظهراني قوم يشربون الخمر ويستحلونه ، ولو علمت أنها حرام اجتنبتها ، فالتفت أبو بكر إلى عمر فقال : ما تقول في أمر هذا الرجل؟ فقال عمر : معضله وليس لها إلا أبو الحسن.

فقال أبو بكر : أدعوا لنا عليا ، فقال عمر : يؤتى الحكم في بيته ، فقاما والرجل معهما ومن حضرهما من الناس حتى أتوا أمير المؤمنين عليه‌السلام فأخبراه بقصة الرجل.

فقال عليه‌السلام : ابعثوا معه من يدور به على مجالس المهاجرين والأنصار ، من كان تلا عليه آية التحريم فليشهد عليه ، ففعلوا ذلك به فلم يشهد عليه أحد بأنه قرأ عليه آية التحريم ، فخلى سبيله وقال له : إن شربت بعدها أقمنا عليك الحد) (١).

(١) لأن الجهل عذر في الشبهة الموضوعية كما تقدم.

(٢) لأن الجهل عذر أيضا في الشبهة الحكمية كما تقدم.

(٣) تعليل للجهل بالتحريم ، وهذا مورد خبر ابن بكير المتقدم.

(٤) إمكان الجهل.

(٥) ذهب المشهور ومنهم الشيخ في النهاية إلى جواز الشرب حينئذ ، لأهمية حفظ النفس ولنفي الحرج والضرر ، وللأخبار منها : خبر عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الرجل أصابه عطش حتى خاف على نفسه فأصاب خمرا ، قال : يشرب منه قوته) (٢).

ومنه : تعرف جواز إساغة اللقمة بالخمر والمسكر إذا توقف حفظ النفس على ذلك وذهب ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب حد المسكر حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ١.

٣٣٩

خاف التلف بدونه.

(ومن استحل شيئا من المحرمات المجمع عليها) من المسلمين بحيث علم تحريمها (١) من الدين ضرورة(كالميتة ، والدم ، والربا ، ولحم الخنزير) ونكاح المحارم ، وإباحة الخامسة والمعتدة ، والمطلقة ثلاثا(قتل إن ولد على الفطرة) لأنه مرتد. وإن كان ملّيّا استتيب فإن تاب وإلا قتل (٢) ، كل ذلك إذا لم يدّع شبهة ممكنة في حقه ، وإلا قبل منه.

ويفهم من المصنف وغيره أن الإجماع كاف في ارتداد معتقد خلافه وإن لم يكن معلوما ضرورة وهو يشكل في كثير من أفراده على كثير من الناس.

(ومن ارتكبها غير مستحل) لها(عزّر) (٣) إن لم يجب الحد كالزنا والخمر ، وإلا دخل التعزير فيه. وأمثلة المصنف مستغنية عن القيد (٤) وإن كان العموم (٥) مفتقرا إليه

(ولو أنفذ الحاكم إلى حامل لإقامة حد فأجهضت) أي أسقطت حملها خوفا(فديته) أي دية الجنين(في بيت المال) (٦) ، ...

______________________________________________________

ـ الشيخ في المبسوط إلى عدم الجواز لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (المضطر لا يشرب الخمر لأنها لا تزيده إلا شرا ، ولأنه إن شربها قتلته فلا يشرب منها قطرة) (١).

ولخبر الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا عليه‌السلام (والمضطر لا يشرب الخمر لأنها تقتله) (٢).

(١) فالعلم بالحرمة هو المدار على كفر المنكر ، وليس المدار على كونه الحكم مجمعا عليه وقد تقدم سابقا.

(٢) وقد تقدم في أكثر من مورد حكم المرتد الفطري والملي.

(٣) لما تقدم أن التعزير على فعل الكبائر التي لا حدّ لها.

(٤) أما الأمثلة فهي الميتة والدم والربا ولحم الخنزير فهي مستغنية عن قيد (أن لم يجب فيها الحد).

(٥) أي فعل الكبائر يوجب التعزير إن لم يكن مستحلا.

(٦) على الأكثر ، لأن قتله خطأ محض من الحاكم إذ لم يقصد باستدعائها قتل الجنين وإلا كان نفس الاستدعاء موجبا للقتل ويكون من شبيه العمد ، وخطأ الحكام من بيت المال كما ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ١ و ٣ و ٢.

٣٤٠