الزبدة الفقهيّة - ج ٩

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٩

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: كيميا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6307-62-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٧٠٧

العاقلين (١) (وإن كانا متزوجين ، ولا جز ، ولا تغريب (٢) على أحدهما) إجماعا ، لقوله عليه‌السلام : «إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها» (٣) وكان هذا (٤)

كل الواجب (٥). ولا قائل بالفرق (٦).

وربما استدل بذلك (٧) على نفي التغريب على المرأة ، لقوله تعالى : (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مٰا عَلَى الْمُحْصَنٰاتِ مِنَ الْعَذٰابِ) (٨) فلو ثبت التغريب على الحرة لكان على الأمة نصفها (٩).

______________________________________________________

ـ عليهما الضرب خمسين نصف جلدة) (١) وخبر عبيد بن زرارة أو بريد العجلي : (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أمة زنت؟ قال : تجلد خمسين جلدة ، قلت : فإنها عادت ، قال : تجلد خمسين ، قلت : فيجب عليها الرجم في شي‌ء من الحالات؟ قال : إذا زنت ثماني مرات يجب عليها الرجم ـ إلى أن قال ـ وما العلة في ذلك؟ قال : لأن الله (عزوجل) رحمها أن يجمع عليها ربق الرّق وحدّ الحر) (٢).

(١) لأنه مع عدم البلوغ أو عدم العقل لا تكليف لرفع القلم عنهما.

(٢) بلا خلاف كما في الجواهر ، وهو مذهب الأصحاب كما في المسالك ، ولما فيه من الإضرار بالسيد وتفويت المنفعة عليه ، ولأن التغريب للتشديد والعبد قد اعتاد الانتقال من بلد إلى آخر فليس في تغريبه تشديد ، بالإضافة إلى أن الإمام عليه‌السلام لم يثبت عليه إلّا الجلد خمسين في كل الحالات كما في خبر عبيد بن زرارة أو بريد العجلي المتقدم فضلا عن نفي التغريب عنه بالصرامة في خبر محمد بن قيس المتقدم وهو المعتمد. غير أن الشافعي في التغريب سنة أو نصفها ، قولان له عملا بعموم النص من التغريب على الزاني غايته نصف الحد المقرّر للزاني ، وقال في الجواهر : «ولا ريب في بطلانه» للأدلة السابقة.

(٣) سنن ابن ماجة ج ٢ ص ٨٥٧ ، وفي ما روي من طرقنا غنى وكفاية.

(٤) أي الجلد.

(٥) لأنه في مقام البيان ولم يذكر إلا الجلد.

(٦) بين العبد والأمة ، فالخبر الوارد في الأمة يدل على حد العبد حينئذ.

(٧) بعدم الفرق.

(٨) النساء الآية : ٢٥.

(٩) أي نصف سنة تغريب المرأة ، مع أن الأمة لا تغريب عليها بالاتفاق فيستكشف عدم ـ

__________________

(١) المصدر السابق حديث ٣ ..

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب حد الزنا حديث ١.

٢٦١

(وسادسها الحد المبعّض (١) وهو حد من تحرر بعضه فإنه يحد من حد الأحرار) الذي لا يبلغ القتل (٢) (بقدر ما فيه من الحرية) أي بنسبته إلى الرقّية(ومن حد العبيد بقدر العبودية). فلو كان نصفه حرا حد للزنا خمسا وسبعين جلدة : خمسين لنصيب الحرية ، وخمسا وعشرين للرقّية ، ولو اشتمل التقسيط على جزء من سوط ـ كما لو كان ثلثه رقا فوجب عليه ثلاثة وثمانون وثلث (٣) ـ قبض على ثلثي السوط وضرب بثلثه. وعلى هذا الحساب (٤).

(وسابعها الضغث) بالكسر وأصله الحزمة (٥) من الشي‌ء ، والمراد هنا القبض

______________________________________________________

ـ تغريب المرأة ، وهذا الاستدلال للشيخ في الخلاف.

وفيه : إنه دليل منعكس وذلك أن الأخبار الكثيرة قد دلت على أن الأمة ليس عليها إلّا الجلد فلوجب أن لا يثبت على المرأة إلّا الجلد دون الرجم وإن اختلف عدده بين الحرة والأمة مع أنه على خلاف الاتفاق من ثبوت الرجم على المحصنة من النساء.

(١) وهو حد الأحرار بنسبة ما أعتق منه وحد المماليك بنسبة الرقية ، فمن أعتق نصفه مثلا يحدّ خمسة وسبعون سوطا ، خمسون لأنها نصف ما على الحر وخمسة وعشرون نصف ما على العبد ، للأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في المكاتب : (يجلد في الحد بقدر ما أعتق منه) (١) وخبر محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام : (قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في مكاتبة زنت وقد أعتق منها ثلاثة أرباع وبقي الربع ، فجلدت ثلاثة أرباع الحد حساب الحرة على مائة فذلك خمس وسبعون جلدة ، وربعها على حساب الخمسين من الأمة اثنا عشر سوطا ونصف ، فذلك سبعة وثمانون جلدة ونصف) (٢).

(٢) إذ لا قتل على الرق ، ولعدم صحة تبعيض القتل.

(٣) لأن ثلثي الحرية ستة وستون سوطا وثلثان ، وثلث الرقية ستة عشر سوطا وثلثان ، فالمجموع ثلاثة وثمانون سوطا وثلث.

(٤) ويدل عليه أخبار منها ذيل خبر محمد بن قيس المتقدم برواية الكليني حيث فسر نصف السوط بقوله عليه‌السلام : (يؤخذ السوط من نصفه فيضرب به وكذلك الأقل والأكثر) (٣).

(٥) بضم الحاء ، مجموعة من الحطب أو غيره ، من تحزم إذا شد وسطه بالحزام.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب حد الزنا حديث ١ و ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب حد الزنا حديث ٤.

٢٦٢

على جملة من العيدان ونحوها (١) (المشتمل على العدد) المعتبر في الحد (٢) وضربه به دفعة واحدة مؤلمة بحيث يمسه الجميع أو ينكبس بعضها على بعض فيناله ألمها ، ولو لم تسع اليد العدد أجمع ضرب به مرتين فصاعدا إلى أن يكمل ، ولا يشترط وصول كل واحد من العدد إلى بدنه(وهو حد المريض (٣) مع عدم احتماله الضرب المتكرر) متتاليا وإن احتمله في الأيام متفرقا (٤).

(واقتضاء المصلحة التعجيل) ولو احتمل سياطا خفافا فهي أولى (٥) من الضغث فلا يجب إعادته (٦) بعد برئه مطلقا (٧). والظاهر الاجتزاء في الضغث بمسمى المضروب (٨) به مع حصول الألم به في الجملة وإن لم يحصل بآحاده ، وقد

______________________________________________________

(١) كالقصب.

(٢) كالمائة بالنسبة للزنا والثمانين لشرب الخمر.

(٣) بل هو حد المريض والمستحاضة ، فإذا وجب رجمهما يرجمان بلا خلاف لإطلاق أدلة رجم المحصن وللنهي عن تعطيل الحدود ولو ساعة ، وأما إذا وجب جلدهما فلا يجلدان توقيا من السراية إلى القتل أو غيره ، ويتوقع بالحد البرء حينئذ ويدل عليه أخبار منها : خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (أتى أمير المؤمنين عليه‌السلام برجل أصاب حدا وبه قروح في جسده كثيرة فقال : أخّروه حتى يبرأ لا تنكثوها فتقتلوه) (١) وخبر السكوني الآخر عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (لا يقام الحد على المستحاضة حتى ينقطع الدم عنها) (٢).

نعم إذا اقتضت المصلحة التعجيل ولو لعدم رجاء البرء كالسل والزمانة أو خيف موته فيبقى في ذمته الحد ضرب بالضغث المشتمل على العدد لأخبار منها : خبر سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (أتي النبي برجل كبير البطن قد أصاب محرّما ، فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعرجون فيه مائة شمراخ ، فضربه مرة واحدة فكان الحد) (٣).

(٤) بأن يضرب كل يوم بعض الحد.

(٥) لأنه بالسياط الخفاف يتحقق الحد الأصلي.

(٦) إعادة الحد لبراءة ذمته فلا موجب للضرب ثانية.

(٧) سواء ضرب بالسياط ضربا خفيفا أو بالضغث.

(٨) للنص المتقدم.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب مقدمات الحدود حديث ٤ و ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب مقدمات الحدود حديث ٧.

٢٦٣

روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعل ذلك في مريض زان بعرجون (١) فيه مائة شمراخ فضربه ضربة واحدة.

ولو اقتضت المصلحة تأخيره إلى أن يبرأ ثم يقيم عليه الحد تاما فعل. وعليه يحمل ما روي عن تأخير أمير المؤمنين عليه‌السلام حد مريض إلى أن يبرأ.

(وثامنها الجلد) المقدر(و) معه(عقوبة زائدة (٢) وهو حد الزاني في شهر رمضان ليلا ، أو نهارا) وإن كان النهار أغلظ حرمة وأقوى في زيادة العقوبة(أو غيره من الأزمنة الشريفة) كيوم الجمعة وعرفة ، والعيد(أو في مكان شريف) كالمسجد ، والحرم ، والمشاهد المشرفة(أو زنى بميتة (٣) ويرجع في الزيادة إلى رأي)

______________________________________________________

(١) العذق الصغير.

(٢) كمن زنى في شهر رمضان ليلا أو نهارا عوقب زيادة على الحد بحسب ما يراه الحاكم لانتهاكه حرمة شهر رمضان ، وكذا لو كان في مكان شريف كالمساجد والمشاهد الشريفة أو زمان شريف بلا خلاف فيه كما في الجواهر للمرسل : (أتي أمير المؤمنين عليه‌السلام بالنجاشي الشاعر قد شرب الخمر في شهر رمضان فضربه ثمانين ثم حبسه ليلة ثم دعا به من الغد فضربه عشرين فقال له : يا أمير المؤمنين ضربتني ثمانين في شرب الخمر ، وهذه العشرون ما هي؟ قال : هذا لتجرئك على شرب الخمر في شهر رمضان) (١) ومن التعليل يستفاد الحكم لغير مورد الخبر.

(٣) لا فرق بين الحية والميتة في الزنا ففي خبر الجعفي عبد الله بن محمد عن أبي جعفر عليه‌السلام : (في رجل نبش امرأة فسلبها ثيابها ثم نكحها ، قال : إن حرمة الميت كحرمة الحي تقطع يده لنبشه وسلبه الثياب ، ويقام عليه الحد في الزنا إن أحصن رجم ، وإن لم يكن أحصن جلد مائة) (٢) ورواية إبراهيم بن هاشم : (لما مات الرضا عليه‌السلام حججنا فدخلنا على أبي جعفر عليه‌السلام وقد حضر خلق من الشيعة ـ إلى أن قال ـ فقال أبو جعفر عليه‌السلام : سئل أبي عن رجل نبش قبر امرأة فنكحها ، فقال أبي : يقطع يمينه للنبش ويضرب حد الزنا ، فإن حرمة الميتة كحرمة الحية) (٣) ، فزيادة الحد لشناعة الفعل حسب ما يراها الحاكم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب حد المسكر حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب نكاح البهائم ووطء الأموات حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب حد السرقة حديث ٦.

٢٦٤

(الحاكم) الذي يقيم الحد ، ولا فرق بين أن يكون مع الجلد رجم وغيره. ولو كان الزنا لا جلد فيه ، بل القتل عوقب قبله (١) ، لمكان المحترم ما يراه (٢) وهذا لا يدخل في العبارة.(٣)

(تتمة ـ لو شهد لها أربع) نساء(بالبكارة بعد شهادة الأربعة بالزنا قبلا فالأقرب درء الحد) (٤) أي دفعه(عن الجميع) : المرأة والشهود بالزنا ، لتعارض الشهادات ظاهرا فإنه كما يمكن صدق النساء في البكارة يمكن صدق الرجل في الزنا. وليس أحدهم أولى من الآخر فتحصل الشبهة الدارئة للحد عن المشهود عليه ، وكذا عن الشهود ، ولإمكان عود البكارة (٥).

وللشيخ قول بحد شهود الزنا للفرية. وهو بعيد ، نعم لو شهدن أن المرأة رتقاء (٦) ، أو ثبت أن الرجل مجبوب (٧)

______________________________________________________

(١) عوقب بالزيادة قبل القتل لئلا تفوت.

(٢) أي لسبب المحترم بحسب ما يراه الحاكم.

(٣) أي عبارة المصنف ، فكون الزيادة على الحد قبل الحد لا تدل عليها عبارة المصنف.

(٤) عن المرأة بلا خلاف فيه لخبر السكوني عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما‌السلام : (أنه أتي أمير المؤمنين عليه‌السلام بامرأة بكر زعم أنها زنت فأمر النساء فنظرن إليها فقلن هي عذراء ، فقال عليه‌السلام : ما كنت لأضرب من عليها خاتم من الله) (١) وخبر زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام : (في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا ، فقالت : أنا بكر فنظر إليها النساء فوجدنها بكرا ، فقال : تقبل شهادة النساء) (٢) ولكن هل يحدّ الشهود للفرية؟ قال ابن الجنيد والشيخ في النهاية وابن إدريس في كتاب الشهادات من السرائر نعم ، لأن تقديم شهادة النساء مستلزم لرد شهادتهم المستلزم لكذبهم الموجب للقذف.

وغيرهم على أنه لا حد على الشهود ، لعدم النص عليه مع أنه الإمام عليه‌السلام كان في مقام البيان في خبر زرارة المتقدم ، وثانيا يحتمل صدقهم واقعا بالتحام البكارة بعد الزنا.

(٥) بمعنى التحامها.

(٦) بحيث كان الفرج ملتحما لا مدخل للقضيب فيه.

(٧) أي مقطوع الذكر حتى مقدار الحشفة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب حد الزنا حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الشهادات حديث ٤٤.

٢٦٥

حدّ الشهود ، للقذف (١) ، مع احتمال السقوط في الأول (٢) ، للتعارض ، ولو لم يقيدوه بالقبل فلا تعارض (٣)

(ويقيم الحاكم الحد) مطلقا (٤) (بعلمه) ، سواء الإمام (٥) ونائبه (٦) ،

______________________________________________________

(١) للعلم بكذب الشهود حينئذ.

(٢) إذ في الثاني قد ظهر كذبهم إذ لا قضيب له فكيف ادعوا معاينة الإيلاج. وأما الأول فيحتمل صدق الجميع أما الشهود على الزنا إذ لا فرج إلّا وله قضيب يناسبه هذا فضلا عن إمكان الدخول قدر الحشفة بدون فض البكارة وحتى لو كانت رتقاء ، وبهذا يحتمل صدق الجميع عند شهادة النساء ببكارتها وهي ليست برتقاء.

(٣) إذ من الممكن أن يكون الزنا في الدبر ، بل قد عرفت إمكان الزنا في القبل مع وجود البكارة.

(٤) سواء كان الحد من حقوق الله أو من حقوق الناس ، غايته يتوقف الثاني على مطالبة أربابه به.

(٥) أي المعصوم ، وهو لا خلاف فيه لعصمته المانعة من تطرق التهمة ، غايته إن كان الحد من حقوق الله أقامه من دون توقف ، وإن كان من حقوق الناس توقف إقامته على المطالبة حدا كان أو تعزيرا ويدل على التفصيل أخبار منها : خبر الحسين بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب الخمر أن يقيم عليه الحد ولا يحتاج إلى بينة مع نظره لأنه أمين الله في خلقه ، وإذا نظر إلى رجل يسرق فالواجب عليه أن يزبره وينهاه ويمضي ويدعه ، قلت : وكيف ذلك؟ قال : لأن الحق إذا كان لله فالواجب على الإمام إقامته وإذا كان للناس فهو للناس) (١) وصحيح الفضيل عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (من أقرّ على نفسه عند الإمام بحق أحد من المسلمين فليس على الإمام أن يقيم عليه الحد الذي أقرّ به عنده حتى يحضر صاحب الحد أو وليه ويطلبه بحقه) (٢).

(٦) الخاص أو العام فقد وقع الخلاف فيه ، فذهب المشهور إلى أنه يحكم بعلمه غايته في حق الله يقيمه مباشرة وفي حقوق الناس يتوقف على المطالبة ، لأن العلم أقوى من الظن الحاصل من الشهود ، فإذا جاز في الثاني ففي الأول من باب أولى ، ولعموم الأدلة الدالة على الحد المعلق على وجود الوصف كقوله تعالى : (وَالسّٰارِقُ وَالسّٰارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمٰا) (٣) وقوله تعالى : (الزّٰانِيَةُ وَالزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا) ٤ فإذا علم الحاكم ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مقدمات الحدود حديث ٣ و ٢.

(٣) المائدة الآية : ٤٠.

(٤) النور الآية : ٢.

٢٦٦

وسواء علم بموجبه (١) في زمن حكمه أم قبله ، لعموم قوله تعالى : (الزّٰانِيَةُ وَالزّٰانِي فَاجْلِدُوا وَالسّٰارِقُ وَالسّٰارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمٰا) ، ولأن العلم أقوى دلالة من الظن المستند إلى البينة ، وإذا جاز الحكم مع الظن جاز مع العلم بطريق أولى ، وخالف في ذلك ابن الجنيد وقد سبقه الإجماع ولحقه ، مع ضعف متمسكه بأن حكمه بعلمه تزكية لنفسه (٢) ، وتعريض لها للتهمة ، وسوء الظن به (٣). فإن التزكية (٤) حاصلة بتولية الحكم ، والتهمة حاصلة في حكمه بالبينة والإقرار وإن اختلفت (٥) بالزيادة والنقصان. ومثل هذا لا يلتفت إليه(وكذا) يحكم بعلمه(في حقوق الناس) ، لعين ما ذكر ، وعدم الفارق(إلّا أنه بعد مطالبتهم) به كما في حكمه لهم بالبينة والإقرار(حدا (٦) كان) ما يعلم بسببه(أو تعزيرا) (٧) ، لاشتراك الجميع في المقتضي(ولو وجد مع زوجته رجلا يزني بها فله قتلهما) (٨) فيما بينه

______________________________________________________

ـ بالوصف فلا بد أن يعمل بالحكم المترتب عليه وإلّا لزم فسقه أو تعطيل الحد.

وقيل : لا يجوز إقامة الحد بعلم الحاكم وقد نسب هذا القول إلى ابن الجنيد للنبوي في قضية الملاعنة : (لو كنت راجما من غير بينة لرجمتها) (١) ، ولأن الحكم بعلمه فيه تزكية لنفسه وهذا منهي عنه ، وموجب للتهمة في حقه ، وفيه : أما الرواية فهي من طرق العامة وأما التزكية والتهمة فجاريتان في الشهود مع أنه لا يضرهم ذلك فكذلك الحاكم ، بالإضافة إلى أنها أمور استحسانية لا تصلح مدركا للحكم الشرعي ، وذهب ابن إدريس إلى منع إقامة حدود الله بعلمه نعم يجوز في حقوق الناس ، وذلك لأن الحدود في حقوق الله مبنية على الرخصة والمسامحة ـ كما في المسالك ـ فلا يناسبها الحكم بعلمه ، وفيه إنه استحسان محض.

(١) موجب الحد وهو فعل الزاني أو السارق وهكذا.

(٢) بأنه صادق فيما علم.

(٣) فقد يتهم بأن حكمه من أجل عداوته له.

(٤) بيان ضعف دليل ابن الجنيد ، وكان يكفي في الرد أنها أمور استحسانية.

(٥) أي التهمة كما لو وقع الإقرار في خلوة ، ويتهم بأنه تهاون في تشخيص الشهادة.

(٦) كحد القذف.

(٧) كما لو أهان محصنة.

(٨) لو اطلع الإنسان على زوجته تزني ولم يكن من أهل استيفاء الحدود فمقتضى الأصل عدم ـ

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٧ ص ٤٠٧.

٢٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ جواز استيفاء الحد منهما بنفسه ، لكن وردت الرخصة في جواز قتل الزوجة والزاني بها ، سواء كان الزوجان حرين أو عبدين أو مختلفين ، وسواء كان الزوج دخل بها أو لا وسواء كان العقد دواما أو متعا ، وسواء كان الفعل موجبا للرجم أو للجلد ، نعم لا بد من تقييد ذلك بمطاوعة الزوجة له وإلّا فلا يجوز قتلها لو اغتصبها الزاني ، وعن ابن إدريس تقييد الحكم بإحصانهما حتى يثبت قتلهما وإلّا فلا يستحقان إلا الجلد.

ولو قتلهما الزوج فلا إثم عليه في نفس الأمر ، وإن كان عليه إقامة بينة الزنا ظاهرا لو ادعي عليه عند الحاكم ، ولو لم يستطع إقامة البينة اقتص منه إذا لم يصدقه ولي الدم ، وإنما وسيلته مع الفعل باطنا الإنكار ظاهرا أو يوري بما يخرجه عن الكذب ، ففي خبر الفتح بن يزيد الجرجاني قال لأبي الحسن عليه‌السلام : (رجل دخل دار غيره ليتلصص أو للفجور فقتله صاحب الدار ، فقال : من دخل دار غيره هدر دمه ولا يجب عليه شي‌ء) (١) وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (أيّما رجل اطلع على قوم في دارهم لينظر إلى عوراتهم ففقئوا عينه أو جرحوه فلا دية عليهم وقال : من اعتدى فاعتدي عليه فلا قود له) (٢) وخبر سعيد بن المسيب : (أن معاوية كتب إلى أبي موسى الأشعري : إن ابن أبي الجسرين وجد رجلا مع امرأته فقتله فاسأل لي عليا عن هذا ، قال أبو موسى : فلقيت عليا عليه‌السلام فسألته ـ إلى أن قال ـ فقال : أنا أبو الحسن إن جاء بأربعة يشهدون على ما شهد وإلّا دفع برمته) (٣).

وهذه الأخبار لا تدل على مدعاهم ، أما الخبر الأول والثاني فيدلان على جواز قتل الرجل من باب الدفاع عن العرض ، ولذا لو دخل للواط ولتقبيل زوجته جاز قتله ولو لغير الزوج كالأخ والأب والولد لكن الدفاع عن العرض مشروط بكون الزوجة كارهة والكره منفي هنا بحسب الفرض ، ولا يدلان على قتل المرأة لأنها متلبسة بالزنا ، وأما الخبر الثالث فهو يدل على أن القاتل مطالب بالبينة ظاهرا وإلّا قتل به وهذا لا إشكال فيه ، ولكن لا يدل على جواز قتله واقعا فضلا عن جواز قتل المرأة.

ولذا ورد في صحيح داود بن فرقد عدم جواز القتل قال : (سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إن أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالوا لسعد بن عبادة : أرأيت لو وجدت على بطن ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ٧.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦٩ ـ من أبواب القصاص في النفس حديث ٢.

٢٦٨

وبين الله تعالى(ولا إثم عليه) بذلك وإن كان استيفاء الحد في غيره (١) منوطا بالحاكم.

هذا هو المشهور بين الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا ، وهو مروي أيضا (٢) ، ولا فرق في الزوجة بين الدائم ، والمتمتع بها ، ولا بين المدخول بها وغيرها ، ولا بين الحرة والأمة ، ولا في الزاني بين المحصن وغيره ، لإطلاق الإذن المتناول لجميع ذلك.

والظاهر اشتراط المعاينة على حد ما يعتبر في غيره (٣) ، ولا يتعدى إلى غيرها (٤) وإن كان رحما ، أو محرما اقتصارا فيما خالف الأصل على محل الوفاق. وهذا الحكم بحسب الواقع كما ذكر(ولكن) في الظاهر(يجب) عليه(القود) مع إقراره بقتله ، أو قيام البينة به(إلا مع) إقامته(البينة) على دعواه(أو التصديق) من

______________________________________________________

ـ امرأتك رجلا ما كنت صانعا به؟ قال : كنت أضربه بالسيف ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ما ذا يا سعد؟ فقال سعد : قالوا لو وجدت على بطن امرأتك رجلا ما كنت صانعا به فقلت : اضربه بالسيف ، فقال : يا سعد فكيف بالأربعة شهود؟

فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد رأي عيني وعلم الله أن قد فعل ، قال : إي والله بعد رأي عينك وعلم الله أن قد فعل ، إن الله قد جعل لكل شي‌ء حدا وجعل لمن تعدى ذلك الحد حدا) (١). وفي رواية أبي مخلّد عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله وزاد : (وجعل ما دون الأربعة الشهداء مستورا على المسلمين). وهو ظاهر في عدم جواز قتل المرأة والرجل الزانيين بحسب واقع الأمر إلّا بعد إقامة البينة.

(١) غير الزنا بالزوجة كما لو كانت قريبة له.

(٢) ما هو مروي قد تقدم وقد عرفت الإشكال في دلالته ، نعم قال الشهيد في الدروس : (روي أن من رأى زوجته تزني فله قتلهما) (٢) ، وفيه : إنه مرسل بالإضافة إلى أن هذا المرسل لو كان موجودا قبل الشهيد لوجد في كتب الفقه والأحاديث فمن المحتمل جدا أن يكون قد فهم من الأخبار المتقدمة هذا الحكم وأورده بعنوان الرواية.

(٣) من مطلق الزنا.

(٤) إلى غير الزوجة كالأم والأخت والبنت.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب مقدمات الحدود حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب حد الزنا حديث ٢.

٢٦٩

ولي المقتول ، لأصالة عدم استحقاقه (١) القتل ، وعدم الفعل المدعى.

وفي حديث سعد بن عبادة المشهور لما قيل له : لو وجدت على بطن امرأتك رجلا ما كنت صانعا به؟ قال : كنت أضربه بالسيف فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فكيف بالأربعة الشهود إن الله تعالى جعل لكل شي‌ء حدا ، وجعل لمن تعدى ذلك الحد حدا (٢).

(ومن تزوج بأمة على حرة مسلمة ووطئها قبل الإذن) من الحرة وإجازتها عقد الأمة(فعليه ثمن حد الزاني) (٣) : اثنا عشر سوطا ونصف. بأن يقبض في النصف (٤) على نصفه(٥).

______________________________________________________

(١) أي أصالة عدم استحقاق المقتول القتل.

(٢) قد تقدم الخبر ، والمشهور حملوه على مطالبة الزوج بالشهود ظاهرا مع جواز القتل واقعا ، مع أن صريح الخبر عدم جواز القتل واقعا.

(٣) لخبر منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (سألته عن رجل تزوج أمة على مسلمة ولم يستأمرها قال : يفرّق بينهما ، قلت : فعليه أدب؟ قال : نعم اثنا عشر سوطا ونصف ، ثمن حد الزاني وهو صاغر ، قلت : فإن رضيت المرأة الحرة المسلمة بفعله بعد ما كان فعل؟ قال : لا يضرب ولا يفرّق بينهما ، يبقيان على النكاح الأول) (١) كما في رواية الشيخ في التهذيب إلّا أن الكليني رواه بنفس السند والمتن مع ذكر الذمية بدل الأمة ، نعم في خبر حذيفة بن منصور تصريح بالأمة من دون إشكال وتردد قال : (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج أمة على حرة لم يستأذنها؟ قال : يفرّق بينهما ، قلت : عليه أدب؟ قال : نعم اثنا عشر سوطا ونصف ثمن حد الزاني وهو صاغر) (٢).

(٤) أي عند ضربه نصف سوط.

(٥) على نصف السوط لصحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (قال : في نصف الجلدة وثلث الجلدة ، أن يؤخذ بنصف السوط وثلث السوط) (٣) ، وبهذا صرح غير واحد ، كما في الجواهر.

وقيل : ولم يعرف قائله أنه يضرب بين الضربين الشديد والضعيف فهو تنصيف كيفي ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب حد الزنا حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب مقدمات الحدود حديث ١.

٢٧٠

وقيل : أن يضربه ضربا بين ضربين.

(ومن افتض بكرا بإصبعه) فأزال بكارتها(لزمه مهر نسائها) (١) وإن زاد عن مهر السنة إن كانت حرة ، صغيرة كانت أم كبيرة مسلمة أم كافرة (٢) (ولو كانت أمة فعليه عشر قيمتها) لمولاها على الأشهر (٣). وبه رواية في طريقها طلحة بن زيد (٤) ، ومن ثم قيل بوجوب الأرش (٥) ، وهو ما بين قيمتها بكرا وثيبا ، لأنه (٦) موجب الجناية على مال الغير وهذا الحكم في الباب عرضي (٧) ، والمناسب فيه (٨) الحكم بالتعزير لإقدامه على المحرّم.

وقد اختلف في تقديره (٩) فأطلقه جماعة (١٠) ، وجعله بعضهم من ثلاثين إلى ثمانين (١١) ،

______________________________________________________

ـ والخبر حجة عليه إذ قد دل على التنصيف الكمّي.

(١) بلا خلاف فيه.

(٢) كل ذلك لإطلاق الخبر الآتي.

(٣) لرواية طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي عليه‌السلام : (إذا اغتصب أمة فافتضها فعليه عشر قيمتها وإن كانت حرة فعليه الصداق) (١) وصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (في امرأة افتضت جارية بيدها ، قال : عليها مهرها وتجلد ثمانين) (٢) وفي خبره الآخر : (عليها المهر وتضرب الحد) (٣).

(٤) بتري عامي المذهب ، إلا أن كتابه معتمد كما في الفهرست.

(٥) والقائل ابن إدريس اطراحا لرواية طلحة بن زيد الدالة على عشر القيمة ، ومال الشارح في المسالك إلى وجوب أكثر الأمرين من الأرش وعشر الثمن.

(٦) لأن الأرش.

(٧) أي الحكم بلزوم مهر نسائها في الحرة وعشر قيمتها في الأمة عرضي في باب الحدود.

(٨) في هذا الفعل الحكم بالتعزير لأنه فعل محرم.

(٩) تقدير التعزير.

(١٠) كما عن الصدوق في المقنع ويؤيده صحيح ابن سنان المتقدم.

(١١) كما عن المفيد.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب حد الزنا حديث ٥.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب حد الزنا حديث ٤ و ١.

٢٧١

وآخرون إلى تسعة وتسعين (١) ، وفي صحيحة ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام في امرأة افتضت جارية بيدها : «قال عليها المهر وتضرب الحد (٢)» وفي صحيحته أيضا أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قضى بذلك ، وقال : تجلد ثمانين (٣).

(ومن أقر بحد ولم يبينه ضرب حتى ينهى عن نفسه (٤) ، أو يبلغ المائة) (٥)

______________________________________________________

(١) كما عن ابن إدريس ، وعن الشيخ من ثلاثين إلى سبعة وتسعين ، وعن الأكثر أنه يناط برأي الحاكم ، والسبب في الاختلاف أن صحيح ابن سنان أثبت الحد ، وفي خبره الآخر حدده بثمانين فهذا يشعر بكونه تعزيرا فاختلفوا في تقديره.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب حد الزنا حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب حد الزنا حديث ٢.

(٤) فلا يكلف البيان بلا خلاف فيه كما عن الرياض ، وأشكل عليه بأنه تعطيل لحد الله تعالى فلا بد أن يكلف بالبيان كما لو أقر بحق الآدمي وسكت فيكلف بالبيان.

وهو مردود لإطلاق الخبر الآتي حيث لم يكلفه المعصوم بذلك ، نعم نذهب أنه يضرب حتى ينهى عن نفسه لخبر محمد بن قيس عن أبي جعفر عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : (في رجل أقرّ على نفسه بحد ولم يسمّ أيّ حد هو ، قال : أمر أن يجلد حتى يكون هو الذي ينهى عن نفسه في الحد) (١). ونوقش في السند بأن محمد بن قيس مشترك بين الثقة وغيره وبأن سهل بن زياد أمره معلوم من التهمة له بالغلو والكذب ، وردّ بأن محمد بن قيس هو الثقة برواية عاصم بن حميد والأمر في سهل سهل مع انجباره بعمل الأصحاب.

(٥) قد اختلف في تحديد الضرب ، فقيل : لا يزاد على المائة لأن أعلى الحدود حد الزنا وهو مائة ، وقيل ـ كما عن ابن إدريس ـ : يجلد أقله ثمانين وأكثره مائة ، لأن أقل حد هو ثمانون لشرب الخمر ويدل عليه مرسل الصدوق في المقنع : (قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل أقرّ على نفسه بحد ولم يبين أيّ حد هو ، أن يجلد ثمانين ، فجلد ثم قال : لو أكملت جلدك مائة ما ابتغيت عليه بينة غير نفسك) (٢) هذا وهناك إشكال عام على هذه الأخبار والفتاوى وهو : أنه قد يكون الحد رجما أو قتلا فكيف يكتفى بالجلد بالإضافة إلى أن الحد لا يثبت بالإقرار مرة فكيف يجلد بعد إقراره مرة واحدة هذا فضلا عن أنه لو ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب مقدمات الحدود حديث ١.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب مقدمات الحدود حديث ٢.

٢٧٢

والأصل فيه رواية محمد بن قيس عن الباقر عليه‌السلام أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قضى في رجل أقر على نفسه بحد ولم يسم أي حد هو قال : أمر أن يجلد حتى يكون هو الذي ينهى عن نفسه الحد وبمضمونها عمل الشيخ وجماعة ، وإنما قيده المصنف بكونه لا يتجاوز المائة ، لأنها أكبر الحدود وهو حد الزنا.

وزاد ابن إدريس قيدا آخر وهو أنه لا ينقص عن ثمانين نظرا إلى أن أقل الحدود حد الشرب.

وفيه نظر (١) إذ حد القواد خمسة وسبعون (٢) ، والمصنف والعلّامة وجماعة لم يحدوه في جانب القلة كما أطلق في الرواية ، لجواز أن يريد بالحد التعزير ولا تقدير له قلة ، ومع ضعف المستند (٣) في كل واحد من الأقوال (٤) نظر.

أما النقصان عن أقل الحدود (٥) فلأنه وإن حمل على التعزير ، إلا أن تقديره للحاكم لا للمعزّر فكيف يقتصر على ما يبينه ، ولو حمل (٦) على تعزير مقدّر وجب

______________________________________________________

ـ سلم بالجلد وبثبوته مرة فقد يكون أزيد من المائة كما لو زنا في مكان محترم أو زمان شريف فتكون الزيادة بنظر الحاكم لا بنظر المحدود هذا كله بالنسبة للزيادة ، وأما بالنسبة للأقل فليس أقل حد الثمانين بل الخمسة والسبعين وهي حد القيادة ، بل يمكن أن يكون مقصوده من الحد التعزير وهو أقل من هذا بكثير على أن التعزير بنظر الحاكم لا بنظر المحدود حتى يناط الجلد بما إذا نهى عن نفسه.

(١) في قول ابن إدريس.

(٢) أما لو كان مستند ابن إدريس مرسل الصدوق فلا إشكال إلّا من ناحية أن مذهبه عدم العمل بأخبار الآحاد فضلا عن المراسيل.

(٣) من ناحية كون محمد بن قيس مشتركا بين الثقة وغيره ، وقد عرفت رده.

(٤) الثلاثة المتقدمة وهي :

الأول : عدم تجاوز المائة كما عليه المصنف.

الثاني : يضرب ما بين المائة والثمانين كما عليه ابن إدريس.

الثالث : عدم تحديد الحد لا من جانب القلة ولا من جانب الكثرة لاحتمال إرادة التعزير منه.

(٥) وهو القول الثالث.

(٦) أي الحد في الرواية.

٢٧٣

تقييده (١) بما لو وقف على أحد المقدرات منه (٢) ، مع أن إطلاق الحد على التعزير خلاف الظاهر واللفظ إنما يحمل على ظاهره ، ومع ذلك فلو وقف على عدد لا يكون حدا (٣) كما بين الثمانين والمائة أشكل قبوله منه (٤) ، لأنه خلاف المشروع.

وكذا عدم تجاوز المائة (٥) فإنه يمكن زيادة الحد عنها بأن يكون قد زنى في مكان شريف أو زمان شريف ، ومع ذلك فتقدير الزيادة على هذا التقدير إلى الحاكم ، لا إليه.

ثم يشكل بلوغ الثمانين (٦) بالإقرار مرة ، لتوقف حد الثمانين على الإقرار مرتين ، وأشكل منه بلوغ المائة بالمرة والمرتين.

(وهذا) هو بلوغ المائة(إنما يصح إذا تكرر) الإقرار(أربعا) (٧) كما هو (٨) مقتضى الإقرار بالزنا(وإلا فلا يبلغ المائة). وبالجملة فليس في المسألة فرض يتم مطلقا (٩) لأنا إن حملنا الحد على ما يشمل التعزير لم يتجه الرجوع إليه (١٠) في

______________________________________________________

(١) أي تقييد الحد في الفتاوى.

(٢) من التعزير كخمسة وعشرين سوطا لمن وطء زوجته ، وثمن الحد لمن تزوج أمة على حرة وهكذا.

(٣) إشكال.

(٤) أي قبول العدد المتوقف عليه من قبل المقرّ ، ووجه الإشكال أنه لا حد بين الثمانين والمائة وهذا معنى قوله : لأنه على خلاف المشروع وفيه : إن مراد ابن إدريس أنه لا يتجاوز المائة ولا يقل عن الثمانين تبعا لمرسل الصدوق فيكون الحد إما ثمانين أو مائة ، لا أنه ما بين المائة والثمانين.

(٥) إشكال على القول الأول.

(٦) إشكال على قول ابن إدريس وقول المصنف ، حيث إن الثمانين حد شرب الخمر وهو لا يثبت إلّا بالإقرار مرتين فكيف ثبت هنا بمرة واحدة ، والمائة حد الزنا وهو لا يثبت إلّا بالإقرار أربعا فكيف ثبت هنا بمرة واحدة.

(٧) وهذا القيد من المصنف وإن رفع الإشكال الأخير ، إلا أنه يشكل عليه بأن قيد الأربعة لم يرد في الرواية.

(٨) أي التكرار أربعا.

(٩) من الأقوال السابقة.

(١٠) إلى المحدود بل يكون بنظر الحاكم.

٢٧٤

المقدار ، إلا أن نخصه بمقدار تعزير من التعزيرات المقدرة. وحينئذ يتجه أنه يقبل بالمرة (١) ، ولا يبلغ الخمسة والسبعين (٢) ، وإن أقر مرتين لم يتجاوز الثمانين (٣) ، وإن أقر أربعا جاز الوصول إلى المائة (٤) وأمكن القول بالتجاوز (٥) ، لما ذكر ، مع أنه في الجميع (٦) كما يمكن حمل المكرر على التأكيد لحد واحد ، يمكن حمله على التأسيس فلا يتعين كونه حدّ زنا ، أو غيره ، بل يجوز كونه تعزيرات متعددة ، أو حدودا كذلك (٧) مبهمة ، ومن القواعد المشهورة أن التأسيس أولى من التأكيد (٨) ، فالحكم مطلقا (٩) مشكل ، والمستند ضعيف(١٠).

ولو قيل بأنه مع الإقرار مرة لا يبلغ الخمسة والسبعين في طرف الزيادة ، وفي طرف النقيصة يقتصر الحاكم على ما يراه كان حسنا (١١).

(وفي التقبيل) المحرم(والمضاجعة) أي نوم الرجل مع المرأة(في إزار) أي ثوب(واحد) ، أو تحت لحاف واحد (١٢) (التعزير بما دون الحد) ، لأنه فعل محرم

______________________________________________________

(١) لأن التعزيرات المقدرة تثبت بالإقرار مرة واحدة.

(٢) لأنها حد القوّاد ، والتعزيرات دون الحدود ولو بسوط.

(٣) لأنها حد الشرب وهو يثبت بالمرتين.

(٤) حد الزنا.

(٥) عن المائة إذا لم ينه عن نفسه فيكون إقرارا منه بأنه زنى في مكان محترم أو زمان شريف ، وهذه الزيادة تعزير والتعزير يثبت بالمرة ، وسكوته بعد المائة إقرار منه وهذا يكفي في ثبوت التعزير ، إلا أن هذه الزيادة منوطة بنظر الحاكم لا بنظره.

(٦) أي الإقرار فيما لو تكرر مرتين أو أربعا.

(٧) متعددة ويكون كل إقرار عن حد ، ولا شي‌ء من الحدود يثبت بإقرار واحد فلا يثبت الجميع.

(٨) لأن الإفادة خير من الإعادة عند العرف.

(٩) بالنسبة إلى جميع الأقوال.

(١٠) قد عرفت عدمه ، مع أنه لعل الحد من أجل ما في إقراره مرة واحدة من شيوع الفاحشة فيكون حدا مستقلا فلا بد من التمسك بظاهر الرواية.

(١١) وهذا لا يتم إلّا بناء على أن الحد في الرواية بمعنى التعزير ، وقد اعترف الشارح سابقا ، بأنه خلاف الظاهر.

(١٢) قد اختلفت الأخبار بمن وجدا تحت لحاف واحد ، فطائفة تدل على ما دون الحد كصحيح ـ

٢٧٥

لا يبلغ حد الزنا ، والمرجع في كمية التعزير إلى رأي الحاكم.

والظاهر أن المراد بالحد الذي لا يبلغه هنا حد الزنا ، كما ينبه عليه في بعض الأخبار : أنهما يضربان مائة سوط غير سوط.

(وروى) الحلبي في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام ورواه غيره أيضا أنهما يجلدان كل واحد(مائة جلدة) حد الزاني ، وحملت (١) على ما إذا أضاف إلى ذلك (٢) وقوع الفعل(٣)

______________________________________________________

ـ حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إن عليا عليه‌السلام وجد رجلا وامرأة في لحاف واحد فجلد كل واحد منهما مائة سوطا إلّا سوطا) (١) وخبر زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (في الرجل والمرأة يوجدان في لحاف واحد فقال : يجلدان مائة غير سوط) (٢) ومثله خبر أبان (٣).

وطائفة تدل على الحد منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (حد الجلد أن يوجدا في لحاف واحد) (٤) وخبر عبد الرحمن بن الحذاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إذا وجد الرجل والمرأة في لحاف واحد جلد مائة) (٥) وخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إذا وجد الرجل والمرأة في لحاف واحد ، قامت عليهما البينة بذلك ولم يطلع منهما على ما سوى ذلك جلد كل واحد منهما مائة جلدة) (٦).

والمشهور قد عمل بالطائفة الأولى ما دون الحد ، إلّا أنهم فهموا من الحد التعزير وهو مناط برأي الحاكم فلذا اختلفوا في تحديده ففي الشيخ في النهاية أوجب التعزير وأطلق ، وفي الخلاف جعله أقلّ من الحد ، وعن المفيد أنه ما بين عشر جلدات إلى تسعة وتسعين تبعا لما يراه الحاكم ، وقال عنه في الجواهر : «لا دليل عليه» ، وعن المحقق وجماعة إلى أن هذا التعزير منوط بنظر الحاكم مطلقا ، وقد اتفقوا على أن الروايات وإن لم تذكر إلّا الوجدان تحت لحاف واحد لكن أسقطوا خصوصية هذا النحو من الاستمتاع وعمموه إلى كل استمتاع دون الزنا كالتقبيل والتفخيذ وكل ما هو دون الفرج.

(١) صحيحة الحلبي.

(٢) أي النوم تحت لحاف واحد.

(٣) أي وقوع الزنا وقد علم الإمام بذلك وهذا الجمع للشيخ كما في المسالك ، وعن الصدوق حمل نصوص المائة على ما لو ثبت الزنا بالبينة أو الإقرار ونصوص المائة إلّا ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب حد الزنا حديث ٢٠ و ٣ و ١٩ و ١ و ٥ و ٩.

٢٧٦

جمعا بين الأخبار ، (ولو حملت) المرأة ولا بعل(لها) (١) ولا مولى ولم يعلم وجهه(لم تحد) ، لاحتمال كونه بوجه حلال ، أو شبهة(إلا أن تقر أربعا بالزنا) فتحد

______________________________________________________

ـ واحدا على ما لو ثبت الزنا بعلم الإمام وقال في الجواهر : «لم أجده لغيره ولا الشاهد عليه».

مع أن حمل نصوص المائة على التقية غير بعيد لصحيح عبد الرحمن بن الحجاج : (كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فدخل عليه عبّاد البصري ومعه أناس من أصحابه فقال له : حدثني عن الرجلين إذا أخذا في لحاف واحد ، فقال له : كان علي عليه‌السلام إذا أخذ الرجلين في لحاف واحد ضربهما الحد ، فقال له عبّاد : إنك قلت لي : غير سوط ، فأعاد عليه ذكر الحد حتى أعاد ذلك مرارا فقال : غير سوط ، فكتب القوم الحضور عند ذلك الحديث) (١) ، وهو ظاهر بكون نصوص المائة للتقية هذا مع أن حد الرجلين في اللحاف الواحد كحد الرجل والمرأة في اللحاف الواحد لصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (حد الجلد في الزنا أن يوجدا في لحاف واحد ، والرجلان يوجدان في لحاف واحد ، والمرأتان توجدان في لحاف واحد) (٢) فتبقى نصوص المائة إلّا سوطا فهي محمولة على التعزير وعلى أن يكون التعزير ما بين الثلاثين إلى تسعة وتسعين جمعا بين ما تقدم وبين رواية سليمان بن هلال : (سأل بعض أصحابنا أبا عبد الله عليه‌السلام فقال : جعلت فداك ، الرجل ينام مع الرجل في لحاف واحد ، فقال : ذوا محرم؟ فقال : لا ، قال : من ضرورة؟ قال : لا ، قال : يضربان ثلاثين سوطا ثلاثين سوطا) (٣).

(١) ولا مولى ، لا تحد عندنا بالاتفاق ، لأن الحمل لا يستلزم الزنا لاحتمال أن يكون من شبهة أو إكراه أو دخول مني الغير في فرجها بنحو حلال كما لو دخلت الحمام وجلست على الأرض وكان عليها مني الغير ، ولأصالة حمل فعل المسلم على الصحة ولأصالة البراءة من وجوب الحد ، فلا يجب علينا حينئذ البحث والفحص عن كيفية الحمل ، وذهب الشيخ في المبسوط والعلامة في القواعد إلى أنها تسأل فإن أقرت بالزنا أربعا حدت وإلّا فلا ، وهو مما لا وجه له كما في الجواهر ، وعن مالك حدها ومما تقدم تعرف ضعفه الظاهر.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب حد الزنا حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب حد الزنا حديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب حد الزنا حديث ٢١.

٢٧٧

لذلك ، لا للحمل(وتؤخر) الزانية الحامل (١) (حتى تضع الحمل) وإن كان من الزنا ، وتسقيه اللباء ، وترضعه إن لم يوجد له كافل ثم يقيم عليها الحد إن كان رجما ، ولو كان جلدا فبعد أيام النفاس (٢) إن أمن عليها التلف ، أو وجد له مرضع ، وإلا فبعده ويكفي في تأخيره عنها : دعواها الحمل لا مجرد الاحتمال.

(ولو أقر) بما يوجب الحد(ثم أنكر (٣) سقط الحد إن كان مما يوجب الرجم ولا يسقط غيره) وهو الجلد وما يلحقه (٤).

هذا إذا لم يجمع في موجب الرجم بينه وبين الجلد (٥) ، وإلا ففي سقوط

______________________________________________________

(١) فلا يقام الحد ولا القصاص سواء كان جلدا أو رجما ، على الحامل ولو من الزنا حتى تضع ولدها وتخرج من نفاسها وترضع ولدها إن لم تجد مرضعة بلا خلاف ، لخوف الضرر على ولدها إن كان جلدا ، ولخوف قتله إن كان رجما إذ السبيل عليها ولا سبيل عليه ولأخبار منها : مرسل المفيد في الإرشاد عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : (أنه قال لعمر وقد أتي بحامل قد زنت فأمر برجمها ، فقال له علي عليه‌السلام : هب لك سبيل عليها ، أيّ سبيل لك على ما في بطنها والله يقول : (وَلٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ) ، فقال عمر : لا عشت لمعضلة ليس لها أبو الحسن ، ثم قال : فما أصنع بها يا أبا الحسن؟ قال : احتط عليها حتى تلد ، فإذا ولدت ووجدت لولدها من يكفله فأقم الحد عليها) (١) وفي خبر عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (أنه سئل عن محصنة زنت وهي حبلى قال : تقر حتى تضع ما في بطنها وترضع ولدها ثم ترجم) (٢) ومثله غيره.

(٢) لأن النفاس مرض ولا يقام الحد على المريض إن كان الحد جلدا.

(٣) لو أقر بما يوجب الرجم ثم أنكر سقط الرجم عنه بلا خلاف لأخبار منها : حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إذا أقرّ الرجل على نفسه بحد أو فرية ثم جحد جلد ، قلت : أرأيت إن أقرّ على نفسه بحد يبلغ فيه الرجم أكنت ترجمه؟ قال : لا ، ولكن كنت ضاربه) (٣) وصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (من أقرّ على نفسه بحد أقمته عليه إلّا الرجم فإنه إذا أقرّ على نفسه ثم جحد لم يرجم) (٤).

(٤) من التغريب والجز على المشهور ومستندهم الأخبار السابقة ، وذهب الشيخ في الخلاف وابن زهرة في الغنية وقالا بالسقوط وادعى عليه الشيخ الإجماع بدعوى أن الأقوى الذي هو الرجم يسقط بالإنكار فسقوط الأضعف أولى ، وفيه : إنه اجتهاد في قبال النص.

(٥) فلو أقرّ بما يوجب الرجم والجلد معا كزنا المحصن إذا كان شيخا ثم جحد فيسقط ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب حد الزنا حديث ٧ و ٦.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب مقدمات الحدود حديث ٢ و ٣.

٢٧٨

الحد مطلقا (١) بإنكاره ما يوجب الرجم نظر ، من إطلاق سقوط الحد الشامل للأمرين ، ومن أن الجلد لا يسقط بالإنكار لو انفرد فكذا إذا انضم ، بل هنا أولى لزيادة الذنب فلا يناسبه (٢) سقوط العقوبة مطلقا مع ثبوت مثلها في الأخف. والأقوى سقوط الرجم دون غيره.

وفي إلحاق ما يوجب القتل (٣) كالزنا بذات محرم أو كرها قولان. من تشاركهما (٤) في المقتضي وهو الإنكار لما بني على التخفيف ، ونظر الشارع (٥) إلى عصمة الدم ، وأخذه فيه بالاحتياط. ومن عدم النص عليه (٦) ، وبطلان القياس (٧).

(ولو أقر بحد ثم تاب تخير الإمام (٨) في إقامته عليه) والعفو عنه(رجما كان)

______________________________________________________

ـ الرجم بلا خلاف ولكن هل يسقط الجلد ، وجه السقوط من إطلاق الروايات الدالة على سقوط موجب الرجم بالإنكار وهو الموجب للجلد هنا فإذا سقطت موجب الرجم فلا مقتضى للجلد ، ووجه عدم السقوط من أن الجلد لا يسقط بالإنكار إذا كان منفردا فكذا إذا انضم إلى الرجم.

(١) أي الشامل للجدل والرجم.

(٢) فلا يناسب الذنب الأشد.

(٣) بالرجم ، لأن الرجم قتل ، وما يوجب القتل كالزنا بذات محرم أو الزنا بامرأة كرها لها.

ذهب ابن حمزة وسيد الرياض إلى إلحاقه بالرجم وأنه يسقط بالإنكار للاحتياط في الدماء ويؤيده مرسل جميل بن دراج عن أحدهما عليهما‌السلام : (إذا أقرّ الرجل على نفسه بالقتل قتل إذا لم يكن عليه شهود ، فإن رجع وقال : لم أفعل ترك ولم يقتل) (١).

وغيرهما قد ذهب إلى عدم الإلحاق ، لخروجه عن النص المعتبر إذ المعتبر وارد في الرجم.

(٤) أي القتل والرجم فهما مشتركان في الإنكار للحد والحد مبني على التخفيف.

(٥) دليل ثان وهو المعبر عنه بالاحتياط في الدماء.

(٦) على القتل ، وهو دليل لعدم الإلحاق.

(٧) وفيه : من ذهب إلى الإلحاق لم يتمسك بالقياس وإنما بالمرسلة المتقدمة.

(٨) في إقامة الحد عليه أو العفو عنه ، وعلى المشهور سواء كان الحد رجما أم جلدا ، وقيده ابن إدريس بالرجم دون الجلد. ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب مقدمات الحدود حديث ٤.

٢٧٩

الحد(أو غيره) على المشهور ، لاشتراك الجميع في المقتضي (١) ولأن التوبة إذا أسقطت تحتم أشد العقوبتين (٢) ، فإسقاطها لتحتم الأخرى (٣) أولى ، ونبه بالتسوية بينهما على خلاف ابن إدريس حيث خص التخيير بما إذا كان الحد رجما ، وحتم إقامته لو كان جلدا محتجا بأصالة البقاء (٤) ، واستلزام التخيير تعطيل الحد المنهي عنه في غير موضع الوفاق (٥) ، وينبغي على قول ابن إدريس إلحاق ما يوجب القتل بالرجم ، لتعليله بأنه يوجب تلف النفس ، بخلاف الجلد.

(الفصل الثاني)

(في اللواط) (٦)

______________________________________________________

ـ ومستند المشهور أخبار منها : مرسل البرقي : (جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فأقرّ بالسرقة ، فقال له : أتقرأ شيئا من القرآن؟ قال : نعم سورة البقرة ، قال : قد وهبت يدك لسورة البقرة ، فقال الأشعث : أتعطل حدا من حدود الله؟ فقال : وما يدريك ما هذا ، إذا قامت البينة فليس للإمام أن يعفو ، وإذا أقرّ الرجل على نفسه فذاك إلى الإمام إن شاء عفا وإن شاء قطع) (١) ، والتعليل عام يشمل كل ما يوجب الحد ومنه الزنا.

وخبر تحف العقول عن أبي الحسن الثالث : (وأما الرجل الذي اعترف باللواط فإنه لم يقم عليه البينة وإنما تطوع بالإقرار من نفسه ، وإذا كان للإمام الذي من الله أن يعاقب عن الله كان له أن يمنّ عن الله ، أما سمعت قول الله : (هٰذٰا عَطٰاؤُنٰا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسٰابٍ) (٢) ولم تصرح الروايتان بالتوبة ، إلّا أن الثانية مشعرة بها لقوله : (تطوع بالإقرار) ، والتطوع لا يكون إلا عن توبة وندم.

(١) أي الجلد والرجم يشتركان في الاعتراف بالذنب.

(٢) وهو الرجم.

(٣) وهو الجلد.

(٤) بقاء الجلد بعد ثبوت موجبه من الإقرار.

(٥) إذ موضع الوفاق في سقوط تحتم الرجم.

(٦) وهو وطء الذكران من الآدميين ، واشتقاقه من فعل قوم لوط ، وحرمته ضروري من الدين ، ويدل عليه مضافا إلى الكتاب أخبار كثيرة منها : رواية الحضرمي عن أبي ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب مقدمات الحدود حديث ٣ و ٤.

٢٨٠