الزبدة الفقهيّة - ج ٩

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٩

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: كيميا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6307-62-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٧٠٧

كتاب الحدود

٢٠١
٢٠٢

(كتاب الحدود (١)

وفيه فصول)

(الأول في) حد(الزنا) (٢)

______________________________________________________

(١) جمع حد ، وهو لغة : المنع ، ومنه أخذ الحد الشرعي لكونه ذريعة إلى منع الناس عن فعل الفاحشة ، وشرعا هو عقوبة خاصة تتعلق بإيلام البدن ، عيّن الشارع كميّتها في جميع الأفراد.

والتعزير لغة : التأديب ، وشرعا عقوبة أو إهانة لا تقدير لها بأصل الشرع غالبا ، وإلّا فقد ورد تحديد لبعض أفراد التعزير كتعزير المجامع زوجته في نهار رمضان بخمسة وعشرين سوطا.

ثم قد دل على تشريع الحدود والتعزير آيات وأخبار كثيرة منها : خبر سدير قال : (قال أبو جعفر عليه‌السلام : حد يقام في الأرض أزكى فيها من مطر أربعين ليلة وأيامها) (١). وعن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم عليه‌السلام في قوله تعالى : (يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا) (٢) قال : (ليس يحييها ، و

لكن يبعث الله رجلا فيحيون العدل فتحيى الأرض بإحياء العدل ، ولإقامة حد فيه أنفع في الأرض من القطر أربعين صباحا) (٣).

(٢) من الكبائر ، بل أجمع على تحريمه كل الملل ، وهو من الأصول الخمسة التي يجب تقريرها في كل شريعة ، والأصول الخمسة هي التي عليها مدار نظام العالم وهي تحريم الزنا ـ

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب مقدمات الحدود حديث ٢ و ٣.

(٢) الروم الآية : ١٩.

٢٠٣

بالقصر لغة حجازية ، وبالمد تميمية ، (وهو) (١) أي الزنا(إيلاج) أي إدخال الذكر (٢) (البالغ (٣) العاقل (٤) في فرج امرأة) ، بل مطلق أنثى (٥) قبلا أو دبرا (٦) (محرمة) عليه (٧) (من غير عقد) نكاح بينهما(ولا ملك) (٨) من الفاعل (٩) للقابل(ولا)

______________________________________________________

ـ والقتل ، والسرقة وترك الضائع والظلم ، وحاصل الجميع ما يوجب الفساد في الأنفس والأولاد والأموال.

(١) شروع في تحقيق معنى الزنا ، وأحسن تعاريفه ما عن الرياض : (إيلاج الإنسان وإدخاله فرجه وذكره الأصلي في فرج امرأة محرمة عليه أصالة من غير عقد نكاح ولو متعة بينهما ، ولا ملك من الفاعل القابل ، ولا شبهة دارئة).

(٢) ليس المراد به المذكر في قبال المؤنث كما توهم ، بل آلة المذكر وهي القضيب.

(٣) قيد لإخراج الصبي لحديث رفع القلم عنه حتى يحتلم.

(٤) قيد لإخراج المجنون لحديث رفع القلم حتى يفيق ، ولكن هذان الحدان ليسا في محلهما ، لأن الكلام في تعريف معنى الزنا لا في ثبوت الحد عليه ، والزنا واضح عرفا ففي الخبر : (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لماعز ـ بعد إقراره بالزنا أربعة ـ أتعرف الزنا؟ فقال : هو أن يأتي الرجل حراما كما يأتي أهله حلالا) (١).

(٥) لأنه لا يشترط بلوغ الأنثى ليتحقق الزنا ، بل لو دخل في الصغيرة لكان زنا ويجب عليه الحد دونها ، نعم لو كانت كبيرة لوجب الحد عليهما.

(٦) على المشهور كما في المختلف ، أو بلا خلاف كما في الرياض ، لكن عن الوسيلة التردد في دبر المرأة على قولين ، أحدهما أنه زنا ـ وهو الأثبت ـ ، والثاني أنه لواط ، وعن المقنعة خصّه في الفرج خاصة وكذا الشيخ في النهاية ، وفيه : إن الزنا عرفا هو للأعم وهذا ما صرّح به ابن إدريس بالإضافة إلى إطلاق الأخبار الشامل لهما ففي الخبر : (إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم) (٢).

(٧) بالأصالة ، وذلك لا يكون إلا إذا كانت أجنبية من دون عقد ولو متعة ، ولا ملك من طرفه ، أما لو كانت محرمة عليه بالعارض كالحائض والنفساء والمظاهرة ونحوه فلا يتحقق مفهوم الزنا ولا حدّ عليه لانصراف أخبار حد الزنا عنه.

(٨) لتحقيق الحرمة بالأصالة وقد عرفت ذلك آنفا.

(٩) أي لو كان الرجل الفاعل مالكا للمرأة القابل فهي أمته فيجوز نكاحها ، أما لو كانت هي ـ

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٨ ص ٢٢٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الجنابة حديث ١.

٢٠٤

(شبهة) (١) موجبة لاعتقاد الحل(قدر الحشفة) (٢) مفعول المصدر (٣) المصدّر به (٤) ويتحقق قدرها بإيلاجها نفسها ، أو إيلاج قدرها من مقطوعها وإن كان تناولها (٥) للأول (٦) لا يخلو من تكلف (٧). في حالة كون المولج(عالما) بالتحريم (٨) (مختارا)

______________________________________________________

ـ المالكة فلا يصح نكاحها بالملك

(١) قيد لمعنى الزنا الموجب للحد ، لأنه مع الشبهة تدرأ الحدود كما في مرسل الصدوق : (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ادرءوا الحدود بالشبهات) (١) ، والمراد بالشبهة هو اعتقاد حلية وطئها كمن وجد على فراشه امرأة فاعتقد أنها زوجته.

(٢) يتحقق الزنا بالإيلاج ، ويتحقق الإيلاج بإدخال الحشفة أو مقدارها من مقطوعها ، ولا يشترط إدخال تمام العضو حتى يتحقق الإيلاج والإدخال كما احتمله في كشف اللثام مستدلا عليه بما تقدم : (إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم) (٢) الظاهر منه إدخال الجميع ، وذلك لأن المناط على التقاء الختانين كما في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إذا التقى الختانان فقد وجب الحد) (٣) ، والتقاء الختانان متحقق بإدخال الحشفة فقط.

(٣) أعني الإيلاج.

(٤) أي المأتي به في صدر التعريف.

(٥) تناول العبارة.

(٦) إيلاجها بنفسها.

(٧) لأنه مع وجودها لا داعي لتقدير قدرها.

(٨) قيد لثبوت الحد لا لتحقيق معنى الزنا ، فالجاهل القاصر لا حد عليه للبراءة الشرعية والعقلية ، ولصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (لو أن رجلا دخل في الإسلام وأقرّ به ، ثم شرب الخمر وزنى وأكل الربا ولم يتبين له شي‌ء من الحلال والحرام ، لم أقم عليه الحد إذا كان جاهلا ، إلا أن تقوم عليه البينة أنه قرأ السورة التي فيها الزنا والخمر وأكل الربا ، وإذا جهل ذلك أعلمته وأخبرته ، فإن ركبه بعد ذلك جلدته وأقمت عليه الحد) (٤).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب مقدمات الحدود حديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الجنابة حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب حد الزنا حديث ١٧.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب مقدمات الحدود حديث ١.

٢٠٥

في الفعل (١).

فهنا قيود :

أحدها : الإيلاج. فلا يتحقق الزنا بدونه كالتفخيذ وغيره (٢) ، وإن كان محرما يوجب التعزير.

وثانيها : كونه من البالغ (٣) ، فلو أولج الصبي أدّب خاصة.

وثالثها : كونه عاقلا (٤) فلا يحدّ المجنون على الأقوى لارتفاع القلم عنه ،

______________________________________________________

(١) مع الإكراه لا حد ، لسقوط التكليف عقلا عن المكره ولصحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (إن عليا عليه‌السلام أتي بامرأة مع رجل فجر بها ، فقالت : استكرهني والله يا أمير المؤمنين ، فدرأ عنها الحد) (١) ومثلها غيرها.

(٢) كاللعب بالعضو.

(٣) قد عرفت أنه قيد للحد لا لمعنى الزنا.

(٤) قيد للحد لا لمعنى الزنا ، هذا وقد ذهب الشيخان والصدوق والقاضي وابن سعيد إلى أن المجنون لو زنى يجلد وإن كان محصنا يرجم لرواية أبان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إذا زنى المجنون أو المعتوه جلد الحد ، وإن كان محصنا رجم) (٢).

وفي سندها إبراهيم بن الفضل وهو مجهول بالإضافة إلى معارضته بأخبار تفيد أنه لا حد على المجنون منها : صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : (في امرأة مجنونة زنت ، قال : إنها لا تملك أمرها ليس عليها شي‌ء) (٣). فهي وإن كانت واردة في المجنونة لكن تشمل المجنون لأنه لا يملك أمره أيضا.

وصحيحة فضيل بن يسار : (سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا حد لمن لا حد عليه ، يعني لو أن مجنونا قذف رجلا لم أر عليه شيئا) (٤).

وصحيح حماد بن عيسى عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام : (لا حد على مجنون حتى يفيق ولا على صبي حتى يدرك ولا على النائم حتى يستيقظ) (٥) فلا بد من حمل الخبر ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب حد الزنا حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب حد الزنا حديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب حد الزنا حديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب مقدمات الحدود حديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب مقدمات الحدود حديث ١.

٢٠٦

ويستفاد من إطلاقه عدم الفرق بين الحر والعبد ، وهو كذلك وإن افترقا في كمية الحد وكيفيته.

ورابعها : كون الإيلاج في فرجها فلا عبرة بإيلاجه في غيره من المنافذ وإن حصل به الشهوة والإنزال. والمراد بالفرج العورة كما نص عليه الجوهري فيشمل القبل والدبر ، وإن كان إطلاقه على القبل أغلب

وخامسها : كونها امرأة وهي البالغة تسع سنين ، لأنها تأنيث المرء وهو الرجل ولا فرق فيها بين العاقلة والمجنونة والحرة والأمة الحية والميتة ، وإن كان الميتة أغلظ كما سيأتي ، وخرج بها إيلاجه في دبر الذكر فإنه لا يعد زنا وإن كان أفحش (١) وأغلظ عقوبة (٢).

وسادسها : كونها محرمة عليه. فلو كانت حليلة بزوجية ، أو ملك لم يتحقق الزنا ، وشملت المحرمة الأجنبية المحصنة (٣) ، والخالية من بعل ، ومحارمه وزوجته الحائض والمظاهرة (٤) ، والمولى منها (٥) ، والمحرمة وغيرها (٦) وأمته المزوجة ، والمعتدة (٧) والحائض ونحوها (٨) وسيخرج بعض هذه المحرمات.

وسابعها : كونها غير معقود عليها ، ولا مملوكة ، ولا مأتية بشبهة ، وبه (٩) يخرج وطء الزوجة المحرّمة لعارض مما ذكر وكذا الأمة فلا يترتب عليه الحد وإن حرم ولهذا احتيج إلى ذكره بعد المحرمة (١٠) ،

______________________________________________________

ـ الأول على ما لو كان جنونه أدواريا وكانت فاحشته حال تعقله.

(١) لكونه أشد انحرافا من الزنا.

(٢) لأن حده القتل مطلقا.

(٣) ذات البعل.

(٤) التي ظاهرها بأن جعلها عليه كظهر أمه.

(٥) التي وقع الإيلاء بينه وبينها بأن حلف على ترك وطئها.

(٦) كالمعتكفة ، والصائمة.

(٧) من غيره.

(٨) كالنفساء وهما وصفان للأمة.

(٩) بهذا القيد.

(١٠) أي احتيج إلى ذكر هذا القيد السابع بعد قيد المحرمة في تعريف الزنا.

٢٠٧

إذ لولاه (١) لزم كونه (٢) زنا يوجب الحد وإن كان بالثاني يستغنى عن الأول (٣) إلا أن بذلك (٤) لا يستدرك القيد (٥) ، لتحقق الفائدة مع سبقه والمراد بالعقد : ما يشمل الدائم والمنقطع ، وبالملك : ما يشمل العين والمنفعة (٦) كالتحليل وبالشبهة (٧). ما أوجب ظن الإباحة ، لا ما لو لا المحرمية لحللت (٨) كما زعمه بعض العامة.

وثامنها : كون الإيلاج بقدر الحشفة فما زاد. فلو أولج دون ذلك لم يتحقق الزنا كما لا يتحقق الوطء لتلازمهما (٩) هنا (١٠) فإن كانت الحشفة صحيحة اعتبر مجموعها ، وإن كانت مقطوعة أو بعضها اعتبر إيلاج قدرها ولو ملفقا منها ومن الباقي ، وهذا الفرد (١١) أظهر في القدرية (١٢) منها نفسها (١٣).

وتاسعها : كونه عالما بتحريم الفعل. فلو جهل التحريم ابتداء لقرب عهده بالدين (١٤) ،

______________________________________________________

(١) لو لا القيد السابع.

(٢) كون وطأ زوجته المحرمة عليه لعارض.

(٣) أي وإن كان بالقيد السابع يستغنى عن قيد المحرمة.

(٤) بذكر الثاني بعد الأول.

(٥) أي الأول فيبقى لذكره فائدة كفائدة ذكر كل عام بعده خاص.

(٦) لأنه أعم من ملك الرقبة وملك منفعة البضع.

(٧) أي والمراد بالشبهة ، وهي توهم الفاعل أو المفعول أو كليهما أن ذلك الفعل سائغ له ، وذهب أبو حنيفة إلى أن الرجل لو عقد على امرأة لا يحل له وطؤها كالأم عالما بالتحريم ووطئها فلا حد عليه ، وكذلك إذا استأجرها للوطء وذلك لأنه وطئ شبهة إذ بالعقد اشتبه.

وفيه : مع الفرض أنه عالم بالحرمة كيف يشتبه بالعقد.

(٨) له بالعقد.

(٩) أي الإيلاج والوطء.

(١٠) في باب الحدود.

(١١) إذا كانت مقطوعة أو بعضها.

(١٢) عند قول المصنف : «قدر الحشفة» ، فإنه ينطبق على مقطوع الحشفة ولو بعضها دون ما لو كان سليم الحشفة.

(١٣) أي من الحشفة نفسها.

(١٤) قد تقدم الخبر فيه.

٢٠٨

أو لشبهة كما لو أحلته نفسها فتوهم الحل مع إمكانه في حقه (١) لم يكن زانيا ، ويمكن الغنى عن هذا القيد بما سبق (٢) لأن مرجعه إلى طروء شبهة. وقد تقدم اعتبار نفيها والفرق (٣) بأن الشبهة السابقة (٤) تجامع العلم بتحريم الزنا كما لو وجد امرأة على فراشه فاعتقدها زوجته مع علمه بتحريم وطء الأجنبية وهنا (٥) لا يعلم أصل تحريم الزنا ، غير كاف في الجمع بينهما (٦) مع إمكان إطلاق الشبهة على ما يعم الجاهل بالتحريم.

وعاشرها : كونه مختارا. فلو أكره على الزنا لم يحد على أصح القولين (٧) في الفاعل وإجماعا في القابل. ويتحقق الإكراه بتوعد القادر المظنون فعل ما توعّد به لو لم يفعل (٨) بما يتضرر به في نفسه (٩) ، ...

______________________________________________________

(١) أي إمكان توهم الحل في حقه.

(٢) في القيد السابع من قوله : «ولا مأتية بشبهة».

(٣) بين القيد التاسع وبين ما ذكر من الشبهة في القيد السابع.

(٤) المذكورة في القيد السابع.

(٥) في القيد التاسع ، والحاصل أن السابق مختص بالشبهة الموضوعية وهذا مختص بالشبهة الحكمية.

(٦) لأن إحداهما موضوعية والأخرى حكمية.

(٧) لا خلاف في أنه لا حد على الزنا مع الإكراه لسقوط التكليف عقلا عن المكره ، وكذلك لا خلاف في وقوع الإكراه في طرف المرأة ، ففي صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام : (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في امرأة أقرت على نفسها أنه استكرهها رجل على نفسها ، قال : هي مثل السائبة لا تملك نفسها فلو شاء لقتلها ، فليس عليها جلد ولا نفي ولا رجم) (١) ومثلها غيرها.

ولكن وقع الخلاف في وقوع الإكراه في طرف الرجل ، فعن ابن زهرة أنه لا يقع ، لأن الإكراه يمنع من انتشار العضو وانبعاث القوى ، وفيه : إن الإكراه على ارتكاب ما حرم الله وليس عن أصل الشهوة.

(٨) ضمير الفاعل راجع إلى المكره ، والمفعول به محذوف وتقديره الزنا.

(٩) نفس المكره.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب حد الزنا حديث ٤.

٢٠٩

أو من يجري مجراه (١) كما سبق تحقيقه في باب الطلاق.

فهذه جملة قيود التعريف (٢) ومع ذلك فيرد عليه أمور.

الأول : أنه لم يقيد المولج بكونه ذكرا فيدخل فيه (٣) إيلاج الخنثى قدر حشفته .. إلخ مع أن الزنا لا يتحقق فيه (٤) بذلك (٥) ، لاحتمال زيادته (٦) ، كما لا يتحقق به الغسل ، فلا بد من التقييد بالذكر (٧) ليخرج الخنثى.

الثاني : اعتبار بلوغه وعقله (٨) إنما يتم في تحقق زنا الفاعل ، وأما في زنا المرأة فلا (٩) خصوصا العقل ، ولهذا يجب عليها الحد بوطئهما لها وإن كان في وطء الصبي يجب عليها الجلد خاصة (١٠) ، لكنه حد في الجملة بل هو الحد المنصوص في القرآن الكريم(١١).

الثالث : اعتبار كون الموطوءة امرأة (١٢) وهي كما عرفت مؤنث الرجل.

وهذا إنما يعتبر في تحقق زناها.

______________________________________________________

(١) أي مجرى الضرر النفس كالضرر في المال أو الولد أو العرض.

(٢) تعريف الزنا عند المصنف.

(٣) تعريف المصنف للزنا.

(٤) في الخنثى.

(٥) بإدخال قدر الحشفة.

(٦) أي لاحتمال كون ما أدخله عضوا زائدا ولذا لم يثبت في حقه الغسل.

(٧) إلا أن يقال إن مراد المصنف من قوله إيلاج الذكر ، أي إيلاج المذكر فلا إشكال.

(٨) وفيه : إنهما قيدان للحد لا لمعنى الزنا ، وعلى كل فهما شرطان لثبوت الحد على الفاعل.

(٩) إذ يكفي في تحقق زناها الموجب للحد أن يزني بها الصبي أو المجنون.

(١٠) وإن كانت محصنة.

(١١) لم ينص القرآن إلا على الجلد فقط في قوله تعالى : (الزّٰانِيَةُ وَالزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلٰا تَأْخُذْكُمْ بِهِمٰا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّٰهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (١).

(١٢) أي اعتبارها في تعريف المصنف ، هذا بالنسبة لزنا المرأة ، أما الرجل فلا ، إذ يكفي في تحقق زناها الإيلاج في الصغيرة دون التاسعة.

__________________

(١) النور الآية : ٢.

٢١٠

أما زنا الفاعل فيتحقق بوطء الصغيرة كالكبيرة وإن لم يجب به الرجم لو كان محصنا ، فإن ذلك لا ينافي كونه زنا يوجب الحد كالسابق.

الرابع : إيلاج قدر الحشفة (١) أعم من كونه من الذكر وغيره لتحقق المقدار فيهما ، والمقصود هو الأول فلا بد من ذكر ما يدل عليه بأن يقول : قدر الحشفة من الذكر ، ونحوه إلا أن يدّعى : أن المتبادر هو ذلك وهو محل نظر (٢).

الخامس : الجمع بين العلم ، وانتفاء الشبهة (٣) غير جيد في التعريف كما سبق إلا أن يخصص العالم بفرد خاص كالقاصد ، ونحوه (٤).

السادس : يخرج زنا المرأة العالمة (٥) بغير العالم (٦) كما لو جلست على فراشه متعمدة قاصدة للزنا مع جهله بالحال فإنه يتحقق من طرفها وإن انتفى عنه ومثله (٧) ما لو أكرهته (٨).

ولو قيل : إن التعريف لزنا الفاعل خاصة سلّم من كثير مما ذكر (٩) لكن يبقى فيه (١٠) الإخلال (١١) بما يتحقق به زناها.

______________________________________________________

(١) كما نص عليه المصنف ، ولم يقيد أنه من القضيب فيشمل ما لو كان قدر الحشفة من الإصبع ولذا كان عليه أن يقيد أن هذا القدر من القضيب لإخراج غيره.

(٢) لاحتمال كون الانصراف بدويا ناشئا من كثرة الوجود لا من كثرة الاستعمال.

(٣) لأنه مع كونه عالما فتنتفي في حقه الشبهة ، ومع انتفاء الشبهة فهو عالم ، فهما متلازمان فيكفي ذكر أحدهما.

(٤) أو يجعل بكون انتفاء الشبهة لرفع الجهل في الشبهات الموضوعية ويكون العلم لرفع الجهل في الشبهات الحكمية وهو المتعين.

(٥) عن تعريف المصنف ، لأنه اشترط علم الفاعل ولم يشترط علم المفعول بها.

(٦) فيما كانت زانية بمن يعتقد أنها حلال له ، والجار والمجرور متعلقان بزنا المرأة العالمة.

(٧) في الخروج عن تعريف المصنف.

(٨) فإنه زنا من طرفها ولا يشمله تعريف المصنف لأنه اشترط اختيار الفاعل فقط لا الأعم منه ومن اختيارها.

(٩) وهو الإشكال الثاني والثالث والسادس.

(١٠) في تعريف المصنف.

(١١) بمعنى أنه لا داعي لترك زنا المرأة في مقام تعريف الزنا.

٢١١

وحيث اعتبر في الزنا انتفاء الشبهة(فلو تزوج الأم) أي أمّ المتزوج(أو المحصنة) المتزوجة بغيره(ظانا الحل) لقرب عهده من المجوسية ، ونحوها من الكفر ، أو سكناه في بادية بعيدة عن أحكام الدين(فلا حد) عليه للشبهة والحدود تدرأ بالشبهات.

(ولا يكفي) في تحقق الشبهة الدارئة للحد(العقد) على المحرمة(بمجرده) من غير أن يظن الحل إجماعا ، لانتفاء معنى الشبهة حينئذ (١) ونبه بذلك على خلاف أبي حنيفة حيث اكتفى به (٢) في درء الحدود ، وهو (٣) الموجب لتخصيصه (٤) البحث عن قيد الشبهة ، دون غيرها من قيود التعريف.

(ويتحقق الإكراه) على الزنا(في الرجل) على أصح القولين (٥) (فيدرأ الحد عنه به (٦) كما) يدرأ(عن المرأة بالإكراه لها) لاشتراكهما في المعنى (٧) الموجب لرفع الحكم ، ولاستلزام عدمه (٨) في حقه (٩) التكليف بما لا يطاق.

وربما قيل (١٠) بعدم تحققه في حقه (١١) بناء على أن الشهوة غير مقدورة (١٢) وأن الخوف يمنع من انتشار العضو وانبعاث القوة.

ويضعف بأن القدر الموجب للزنا وهو تغييب الحشفة غير متوقف على ذلك

______________________________________________________

(١) أي حين عدم ظنه للحل.

(٢) بالعقد مجردا ولو كان عالما بالحرمة ، وأنها لا تحل له بالعقد.

(٣) أي خلاف أبي حنيفة.

(٤) لتخصيص المصنف.

(٥) وقد تقدم الكلام فيه.

(٦) عن الرجل بالإكراه.

(٧) لاشتراك الرجل والمرأة في معنى الإكراه.

(٨) أي عدم تحقق الإكراه الموجب لرفع الحكم ولو أكره.

(٩) في حق الرجل.

(١٠) والقائل ابن زهرة.

(١١) حق الرجل.

(١٢) عند الإكراه.

٢١٢

كله (١) غالبا لو سلّم توقفه (٢) على الاختيار ، ومنع الخوف منه (٣).

(ويثبت الزنا) (٤) في طرف الرجل والمرأة (٥) (بالإقرار به أربع مرات مع كمال المقر) ببلوغه (٦) وعقله (٧) (واختياره (٨)

______________________________________________________

(١) انبعاث القوى وانتشار العضو.

(٢) توقف انتشار العضو وانبعاث القوى.

(٣) أي وسلّم كون الخوف مانعا من انتشار العضو.

(٤) فالمشهور أنه يثبت بالإقرار أربع مرات ، وخالف ابن أبي عقيل فاكتفى بالمرة.

ودليل المشهور أخبار منها : خبر جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : (لا يقطع السارق حتى يقرّ بالسرقة مرتين ، ولا يرجم الزاني حتى يقرّ أربع مرات) (١). ومرسل جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما‌السلام : (لا يرجم الزاني حتى يقرّ أربع مرات بالزنا إذا لم يكن شهود) (٢).

واحتج ابن أبي عقيل بصحيحة الفضيل : (سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : من أقر على نفسه عند الإمام بحق من حدود الله مرة واحدة ـ حرا كان أو عبدا ، أو حرة كانت أو أمة ـ فعلى الإمام أن يقيم الحد عليه للذي أقر به على نفسه كائنا من كان ، إلا المحصن فإنه لا يرجم حتى يشهد عليه أربع شهود) (٣).

وفيه : أن الفرق بين المحصن وغيره في الإقرار كما هو ظاهر الخبر لم يعمل به ابن أبي عقيل ، ولا فرق بين العبد والحر بظاهر الخبر ، وهو موافق للعامة ومعارض بغيره فلا بدّ من تقديم الغير.

(٥) لإطلاق الأدلة السابقة.

(٦) لأنه لا عبرة بإقرار الصبي مع رفع القلم عنه فلا يثبت عليه حد ، نعم يؤدب إما لكذبه ، أو لصدور الفعل منه.

(٧) لا عبرة بإقرار المجنون مع رفع القلم عنه فلا يثبت عليه الحد.

(٨) لو أكره على الإقرار فلا يصح بلا خلاف ولا إشكال ، وفي خبر أبي البختري عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : (من أقر عند تجريد أو حبس أو تخويف أو تهديد فلا حدّ عليه) (٤).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب حد الزنا حديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب مقدمات الحدود حديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مقدمات الحدود حديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب الإقرار حديث ١.

٢١٣

(وحريته (١) ، أو تصديق المولى له) فيما أقر به ، لأن المانع من نفوذه كونه إقرارا في حق المولى. وفي حكم تصديقه انعتاقه (٢) ، لزوال المانع من نفوذه.

ولا فرق في الصبي بين المراهق وغيره (٣) في نفي الحد عنه بالإقرار.

نعم يؤدّب لكذبه ، أو صدور الفعل عنه ، لامتناع خلوه (٤) منهما ولا في المجنون (٥) بين المطبق ومن يعتوره الجنون أدوارا إذا وقع الإقرار حالة الجنون.

نعم لو أقر حال كماله (٦) حكم عليه.

ولا فرق في المملوك بين القن (٧) والمدبر (٨) ، والمكاتب بقسميه (٩) وإن تحرر بعضه ، ومطلق المبعض (١٠) وأم الولد ، وكذا لا فرق في غير المختار (١١) بين من

______________________________________________________

(١) لأن إقرار العبد ليس إقرارا في حقه بل في حق مولاه لأنه ملك له ، فيتوقف نفوذه على تصديق المولى له ، وعليه يحمل صحيح ضريس عن أبي جعفر عليه‌السلام : (العبد إذا أقرّ على نفسه عند الإمام مرة أنه قد سرق قطعه ، والأمة إذا أقرت بالسرقة قطعها) (١) ، وإلا فهي مطروحة ، أو محمولة على التقية.

(٢) كما يتوقف نفوذ إقرار العبد على تصديق المولى ، كذلك يتوقف نفوذه على انعتاقه بعد الإقرار ، لأن المقتضي من وقوع الإقرار منه ثابت فإذا ارتفع المانع وهو حق الغير فيه فلا بد أن يؤثر المقتضي أثره.

(٣) لإطلاق دليل رفع القلم عن الصبي ، والمراد بالمراهق هو القريب من البلوغ.

(٤) الصبي.

(٥) أي لا فرق في المجنون ، وكل ذلك لإطلاق دليل رفع القلم عن المجنون.

(٦) لأنه إقرار من عاقل فينفذ لعموم : (إقرار العقلاء على أنفسهم جائز).

(٧) الذي لم يتشبث بالحرية.

(٨) هو الذي يعتق دبر وفاة سيده.

(٩) المشروط والمطلق.

(١٠) سواء كان تبعضه بالمكاتبة أو غيرها ، ولا فرق في هذه الأقسام لأنه إقرار في حق المولى لا في حقهم.

(١١) أي في المكره سواء أكره حتى ارتفع قصده أو لا ، لصدق الإكراه في الحالتين.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب حد السرقة حديث ٢.

٢١٤

ألجئ إليه بالتوعد ، وبين من ضرب حتى ارتفع قصده.

ومقتضى إطلاق اشتراط ذلك (١) : عدم اشتراط تعدد مجالس الإقرار بحسب تعدده. وهو أصح القولين ، للأصل ، وقول الصادق عليه‌السلام في خبر جميل : «ولا يرجم الزاني حتى يقر أربع مرات» من غير شرط التعدد فلو اشترط لزم (٢) تأخر البيان (٣).

______________________________________________________

(١) أي مقتضى إطلاق اشتراط ثبوت الزنا بالإقرار أربعا عدم اشتراط تعدد المجالس بل يكفي لو وقعت الإقرارات الأربعة في مجلس واحد كما ذهب إليه الأكثر ، لأصالة عدم اشتراط التعدد في المجالس ، ولخبر جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (لا يرجم الزاني حتى يقرّ أربع مرات) (١) من دون تقييده بالمجالس الأربعة ، ومثله غيره.

وذهب الشيخ في الخلاف وابن حمزة إلى اشتراط تعدد المجالس بحيث لو أقرّ أربعا في مجلس واحد لا يثبت الزنا الموجب للحد لما وقع لماعز في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث أقرّ في أربعة مواضع ، فقد روي من طرق العامة : (أن ماعز بن مالك جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله إني زنيت ، فأعرض عنه ، ثم جاء من شقه الأيمن فقال : يا رسول إني زنيت فأعرض عنه ، ثم جاءه فقال : إني قد زنيت ، ثم جاءه فقال : إني قد زنيت ، قال ذلك أربع مرات ، فقال : أبك جنون؟ قال : لا يا رسول الله ، فقال : فهل أحصنت؟ قال : نعم ، فقال رسول الله : اذهبوا به فارجموه) (٢).

وفي رواية أخرى أنه قال : (لعلك قبّلت أو غمزت أو نظرت ، قال : لا يا رسول الله ، قال : أنكتها لا تكني؟ قال : نعم كما يغيب المرود في المكحلة والرشا في البئر ، قال : فهل تدري ما الزناء؟ قال : نعم أتيت منها حراما كما يأتي الرجل من امرأته حلالا) (٣).

ومثله ما ورد في خبر أبي بصير (٤) عند ما أتت امرأة إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام وأقرت أربعا ففي كل مرة يأمرها بالانصراف لوضع الوليد أو لإرضاعه أو لكفالته.

وفيه : إن تعدد المجالس في قضية ماعز اتفاقي ولا دلالة في الأخبار على اعتبار تعدد المجالس مع أن الأمير عليه‌السلام قد أمرها بالانصراف في كل مرة لا لتحصيل تعدد المجالس بل من أجل ما في بطنها.

(٢) أي تعدد المجالس ولم يذكره الإمام عليه‌السلام في خبر جميل.

(٣) عن وقت الحاجة وهو قبيح.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب مقدمات الحدود حديث ٥.

(٢ و ٣) سنن البيهقي ج ٨ ص ٢٢٥ ـ ٢٢٧.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب حد الزنا حديث ١.

٢١٥

وقيل : يعتبر كونه في أربعة مجالس. لظاهر خبر ماعز بن مالك الأنصاري حيث أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أربعة مواضع والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يردده ويوقف عزمه بقوله : لعلك قبّلت ، أو غمزت ، أو نظرت الحديث.

وفيه أنه لا يدل على الاشتراط وإنما وقعت المجالس اتفاقا ، والغرض من تأخيره إتيانه بالعدد المعتبر.

(ويكفي) في الإقرار به (١) (إشارة الأخرس) (٢) المفهمة يقينا كغيره ويعتبر تعددها أربعا (٣) كاللفظ بطريق أولى (٤) ، ولو لم يفهمها الحاكم اعتبر المترجم ، ويكفي اثنان (٥) ، لأنهما شاهدان على إقرار ، لا على الزنا(ولو نسب) المقر(الزنا إلى امرأة) معينة كأن يقول : زنيت بفلانة (٦) (أو نسبته) المرأة المقرة به(إلى رجل)

______________________________________________________

(١) بالزنا.

(٢) بلا خلاف لإطلاق ما دل على أن إشارة الأخرس كنطق غيره ففي خبر مسعدة بن صدقة قال : سمعت جعفر بن محمد يقول : (إنك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح وكذلك الأخرس في القراءة في الصلاة والتشهد وما أشبه ذلك) (١).

(٣) لما دل على أن الزنا لا يثبت إلّا بالإقرار أربعا.

(٤) إن اعتبار التعدد أربعا قد ثبت في اللفظ الدال على الإقرار وضعا ، فاعتبار التعدد أربعا في الإشارة ـ التي هي فعل ـ الدالة على الإقرار من غير وضع فبطريق أولى.

(٥) لأن الترجمة شهادة على المعنى المراد من الإشارة ممن يعرفون مداليل أفعال الأخرس ، فيكفي فيها اثنان وليست شهادة على الزنا حتى يشترط كونهم أربعا.

(٦) لا إشكال في احتياج ثبوت الزنا في حقه إلى إقراره أربع مرات وهذه واحدة ، وأما ثبوت القذف منه للمرأة ففيه تردد ، من أن ظاهره القذف عرفا ، وأنه هتك لحرمتها ويؤيد بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خبر السكوني : (لا تسألوا الفاجرة من فجر بك ، فكما هان عليها الفجور يهون عليها أن ترمي البري‌ء المسلم) (٢). وخبره الآخر عن علي عليه‌السلام : (إذا سألت الفاجرة من فجر بك فقالت : فلان ، جلدتها حدين ، حدا للفجور ، وحدا لفريتها على الرجل المسلم) (٣). ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب القراءة في الصلاة حديث ٢.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من أبواب حد الزنا حديث ١ و ٢.

٢١٦

معين بأن تقول : زنيت بفلان(وجب) على المقر(حد القذف) لمن نسبه إليه (١) (بأول مرة) (٢) ، لأنه قذف صريح ، وإيجابه (٣) الحد لا يتوقف على تعدده.

(ولا يجب) على المقر(حد الزنا) الذي أقر به(إلا بأربع مرات) كما لو لم ينسبه إلى معين ، وهذا موضع وفاق ، وإنما الخلاف في الأول.

ووجه ثبوته ما ذكر فإنه قد رمى المحصنة أي غير المشهورة بالزنا ، لأنه المفروض ، ومن أنه (٤) إنما نسبه إلى نفسه بقوله : زنيت. وزناه ليس مستلزما لزناها ، لجواز الاشتباه عليها أو الإكراه. كما يحتمل المطاوعة وعدم الشبهة ، والعام لا يستلزم الخاص.

وهذا (٥) هو الذي اختاره المصنف في الشرح. وهو متجه (٦) ، إلا أن الأول أقوى (٧) إلا أن يدعي ما يوجب انتفاءه عنها كالإكراه والشبهة عملا بالعموم (٨).

ومثله القول في المرأة وقد روي عن علي عليه‌السلام قال : إذا سألت الفاجرة من فجر بك فقالت : فلان جلدتها حدين : حدا للفجور وحدا لفريتها على الرجل

______________________________________________________

ـ ووجه العدم أنه نسب الزنا إلى نفسه ، وثبوت الزنا في حقه لا يستلزم ثبوته في حقها لاحتمال أن تكون مكرهة ، أو مشتبهة.

(١) للذي نسب الزنا إليه.

(٢) لأن القذف غير مشروط بتكراره أربعا.

(٣) إيجاب القذف.

(٤) وجه العدم.

(٥) أي عدم الحد.

(٦) لأن الحدود تدرأ بالشبهات ولم نقطع بأنه أراد قذفها.

(٧) أي ثبوت القذف أقوى لأن قوله ظاهر في ذلك إلا أن يعقبه بما يدل على كرهها أو اشتباهها.

(٨) بعموم دليل القذف ، وهو قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمٰانِينَ جَلْدَةً) (١).

__________________

(١) النور الآية : ٤

٢١٧

المسلم(و) كذا يثبت الزنا(بالبينة كما سلف) في الشهادات من التفصيل.

(ولو شهد به (١) أقل من النصاب) المعتبر فيه (٢) وهو (٣) أربعة رجال (٤) ، أو ثلاثة وامرأتان (٥)

______________________________________________________

(١) بالزنا.

(٢) في الزنا.

(٣) أي النصاب.

(٤) بلا خلاف ويدل عليه قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمٰانِينَ جَلْدَةً) (١).

(٥) على المشهور لأخبار منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (سألته عن شهادة النساء في الرجم ، فقال : إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان ، وإذا كان رجلان وأربع نسوة لم تجز في الرجم) (٢). وصحيحة عبد الله بن سنان : (سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال ، ولا يجوز في الرجم شهادة رجلين وأربع نسوة ، ويجوز في ذلك ثلاثة رجال وامرأتان) (٣).

وخالف العماني والمفيد والديلمي إلى أن الزنا لا يثبت بذلك لصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إذا شهد ثلاثة رجال وامرأتان لم يجز في الرجم) (٤). وهو مؤيد بما دلّ على عدم قبول شهادتهن في الحدود كخبر غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليه‌السلام : (لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في القود) (٥).

ورجحت الطائفة الثانية بموافقتها لظاهر القرآن حيث لم يصرح إلّا بأربعة رجال ، ورجحت الطائفة الأولى بصحيح الحلبي الآخر عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (عن رجل محصن فجر بامرأة فشهد عليه ثلاثة رجال وامرأتان وجب عليه الرجم ، وإن شهد عليه رجلان وأربع نسوة فلا تجوز شهادتهم ولا يرجم ولكن يضرب حد الزاني) (٦). وبخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (سأله عن المرأة يحضرها الموت وليس عندها إلا امرأة تجوز شهادتها؟ فقال : تجوز شهادة النساء في العذرة والمنفوس ، وقال : تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجال) (٧) إلا أن هذا الخبر المشتمل على الذيل ـ

__________________

(١) النور الآية : ٤.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الشهادات حديث ٣ و ١٠.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الشهادات حديث ٢٨ و ٢٩.

(٦) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب حد الزنا حديث ١.

(٧) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الشهادات حديث ٢١.

٢١٨

أو رجلان وأربع نسوة (١) وإن ثبت بالأخير الجلد خاصة(حدّوا) (٢) أي من شهد وإن كان واحدا(للفرية) (٣) وهي الكذبة العظيمة ، لأن الله تعالى سمّى من قذف ولم يأت بتمام الشهداء كاذبا فيلزمه كذب من نسبه وجزم به (٤) من غير أن يكون الشهداء كاملين وإن كان صادقا في نفس الأمر. والمراد أنهم يحدّون للقذف.

(ويشترط) في قبول الشهادة به (٥) (ذكر المشاهدة) للإيلاج(كالميل في المكحلة) (٦)

______________________________________________________

ـ قد رواه الشيخ في التهذيب عن القاسم عن أبان عن عبد الرحمن.

وقد رواه مجردا عن الذيل عن عبد الله بن سليمان (١) تارة وعن عبد الله بن سنان (٢) تارة أخرى وقد رواه الكليني مجردا أيضا عن عبد الرحمن (٣) ، وهذا ما يوجب احتمال أن يكون الذيل من زيادات الراوي.

(١) على المشهور لصحيح الحلبي الثاني المتقدم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (وإن شهد عليه رجلان وأربع نسوة فلا تجوز شهادتهم ولا يرجم ولكن يضرب حد الزاني) (٤) ، وخالف الصدوقان والعلّامة في المختلف بدعوى أن الشهادة المذكورة لو أثبتت الزنا الموجب للجلد لأثبتت الزنا الموجب للرجم للتلازم.

وفيه : إنه اجتهاد في قبال النص المذكور.

(٢) أي من شهد دون النصاب ، وسيأتي الكلام فيه.

(٣) الافتراء هو الكذب ، لأن الله سماه كاذبا في قوله تعالى : (لَوْ لٰا جٰاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدٰاءِ فَأُولٰئِكَ عِنْدَ اللّٰهِ هُمُ الْكٰاذِبُونَ) (٥).

(٤) أي من نسب الزنا وجزم به فهو كاذب

(٥) بالزنا.

(٦) لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (حد الرجم أن يشهد عليه أربعة أنهم رأوه يدخل ويخرج) (٦). وصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام : (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا يرجم رجل ولا امرأة حتى يشهد عليه أربعة شهود على الإيلاج والإخراج) (٧). وفي صحيحه الآخر : (لا يجلد رجل ولا امرأة) (٨) ، وفي معتبرة أبي ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الشهادات حديث ٢١ و ١٤ و ٢٤.

(٥) النور الآية : ١٣.

(٦ و ٧ و ٨) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب حد الزنا حديث ١ و ٢ و ١١.

٢١٩

فلا يكفي الشهادة بالزنا مطلقا (١) وقد تقدم في حديث ماعز (٢) ما ينبه عليه ، وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا يرجم الرجل والمرأة حتى يشهد عليهما أربعة شهداء على الجماع والإيلاج ، والإدخال كالميل في المكحلة» (٣).

وفي صحيحة الحلبي عنه قال : «حد الرجم أن يشهد أربعة أنهم رأوه يدخل ويخرج» وكذا لا يكفي دعوى المعاينة حتى يضموا إليها (٤) قولهم : من غير عقد ، ولا شبهة إلى آخر ما يعتبر. نعم تكفي شهادتهم به (٥) (من غير علم بسبب التحليل) بناء على أصالة عدمه(فلو لم يذكروا) في شهادتهم(المعاينة) على الوجه المتقدم (٦) (حدوا) للقذف ، دون المشهود عليه ، وكذا لو شهدوا بها ولم يكملوها بقولهم : ولا نعلم سبب التحليل ونحوه.

______________________________________________________

ـ بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (لا يجب الرجم حتى يشهد الشهود الأربع أنهم قد رأوه يجامعها) (١). وفي خبره الآخر : (لا يرجم الرجل والمرأة حتى يشهد عليهما أربعة شهداء على الجماع والإيلاج والإدخال كالميل في المكحلة) (٢). وفي خبره الثالث : (أنهم رأوه يدخل ويخرج) (٣). ومن هذه الأخبار فاشتراط المعاينة كما عن البعض في محله ، ودعوى أنه لا تشترط المعاينة بل يكفي مطلق العلم وإلا لانسد باب الشهادة على الزنا مع أنه قد ثبت الحد على الزنا في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي زمن أمير المؤمنين عليه‌السلام.

غير مسموعة بعد هذا التصريح والاشتراط في هذه الأخبار الصحيحة ، ومع أنه غالب ما ثبت في زمن المعصومين إنما كان بالإقرار لا بالشهادة فلا تغفل.

(١) من دون ذكر المشاهدة.

(٢) من قوله : (كما يغيب المرود في المكحلة).

(٣) وهو خبره الثاني المتقدم في الشرح.

(٤) إلى المعاينة.

(٥) بالزنا كأن يشهدوا على المعاينة مع قولهم لا نعلم سببا للتحليل فتكون شهادة على الزنا ، لأصالة عدم وجود السبب المحلّل عند الشك ، غايته لو ادعى وجود السبب المحلّل من زوجية أو ملكية يسقط عنه الحد ولا يكلف ببينة.

(٦) من الإيلاج والإدخال ، لم يحدّ المشهود عليه ، وحدّ الشهود حدا للقذف.

__________________

(١ و ٢ و ٣) المصدر السابق حديث ٣ و ٤ و ٥.

٢٢٠