الزبدة الفقهيّة - ج ٨

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٨

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: كيميا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6307-61-2
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٤٠٠

مطلقا (١) ، لأصالة بقاء الملك ، وخروجه يحتاج إلى سبب ناقل ، وهو (٢) محصور ، وليس منه (٣) الخراب.

وقيل : يملكها المحيي بعد صيرورتها مواتا ويبطل حق السابق ، لعموم من أحيا أرضا ميتة فهي له ، ولصحيحة خالد الكابلي عن الباقر عليه‌السلام قال : وجدنا في كتاب علي عليه‌السلام (إِنَّ الْأَرْضَ لِلّٰهِ يُورِثُهٰا مَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ وَالْعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ). إلى أن قال : فإن تركها وأخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمّرها ، أو أحياها فهو أحق بها من الذي تركها ، وقول الصادق عليه‌السلام : أيما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها ، وكرى أنهارها ، وعمّرها فإنّ عليه فيها الصدقة ، فإن كانت أرضا لرجل قبله فغاب عنها وتركها وأخربها ثم جاء بعد يطلبها فإنّ الأرض لله ، ولمن عمرها.

وهذا هو الأقوى ، وموضع الخلاف ما إذا كان السابق قد ملكها بالاحياء. فلو كان قد ملكها بالشراء ونحوه (٤) لم يزل ملكه عنها اجماعا على ما نقله العلامة في التذكرة عن جميع أهل العلم.

(وكل أرض أسلم عليها أهلها طوعا) كالمدينة المشرفة ، والبحرين (٥) وأطراف اليمن(فهي لهم (٦) على الخصوص يتصرفون فيها كيف شاءوا(وليس عليهم فيها سوى الزكاة مع) اجتماع(الشرائط) المعتبرة فيها (٧).

______________________________________________________

ـ فإن تعذر جاز الإحياء وعليه الأجرة للأول بدعوى أنه به الجمع بين الأخبار ، فالطائفة الأولى تدل على بقاء الملك للأول وتدل على أن له الأجرة لقوله عليه‌السلام : (فليؤد إليه حقه).

(١) سواء كان تملكه بالإحياء أم بغيره.

(٢) السبب الناقل.

(٣) من السبب الناقل.

(٤) كالهبة.

(٥) تمثيله للبحرين مشكل ، لأنها مما سلمت للمسلمين طوعا بحيث لم يوجف عليها خيل ولا ركاب فتكون من الأنفال وهذا ما حكم به الشارح في كتاب الخمس هنا فراجع.

(٦) على ما تقدم بيانه في كتاب الخمس.

(٧) في الزكاة.

١٦١

هذا إذا قاموا بعمارتها. أما لو تركوها فخربت فإنها تدخل (١) في عموم قوله : (وكل أرض ترك أهلها عمارتها فالمحيي أحق بها) منهم (٢) لا بمعنى ملكه لها بالاحياء ، لما سبق من أن ما جرى عليها ملك مسلم لا ينتقل عنه بالموت فيترك العمارة التي هي أعم من الموت أولى ، بل بمعنى استحقاقه التصرف فيها ما دام قائما بعمارتها(وعليه (٣) طسقها) أي أجرتها(لأربابها) الذين تركوا عمارتها.

أما عدم خروجها عن ملكهم فقد تقدم ، وأما جواز احيائها مع القيام بالأجرة فلرواية سليمان بن خالد وقد سأله عن الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها ويجري أنهارها ويعمرها ويزرعها فما ذا عليه؟ قال : الصدقة قلت : فإن كان يعرف صاحبها قال : فليؤد إليه حقه ، وهي (٤) دالة على عدم خروج الموات به (٥) عن الملك أيضا (٦) ، لأن نفس الأرض حق صاحبها لا أنها مقطوعة السند (٧) ضعيفة فلا تصلح ، وشرط في الدروس إذن المالك في الاحياء ، فإن تعذر فالحاكم ، فإن تعذر جاز الاحياء بغير إذن ، وللمالك حينئذ طسقها. ودليله غير واضح.

والأقوى أنها (٨) إن خرجت عن ملكه (٩) احياؤها بغير أجرة وإلا (١٠) امتنع التصرف فيها بغير إذنه (١١) ، وقد تقدم ما يعلم منه خروجها عن ملكه وعدمه.

______________________________________________________

(١) إذا كان تملكهم لها بسبب الإحياء وإلا فلا.

(٢) من أهلها.

(٣) على المحيي.

(٤) أي رواية سليمان بن خالد.

(٥) بالموات.

(٦) كما أن ما تقدم من الأدلة دال على عدم الخروج على الملك بسبب الموات.

(٧) بل هي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ولذا تعجب منه الحر العاملي في وسائله.

(٨) أن الأرض التي ترك أهلها عمارتها.

(٩) بسبب الموات كما قواه الشارح سابقا.

(١٠) أي وإن لم تخرج عن ملكه كما عليه الماتن.

(١١) أي إذن الأول.

١٦٢

نعم للإمام عليه‌السلام تقبيل (١) المملوكة الممتنع أهلها من عمارتها بما شاء لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

(وأرض الصلح التي بأيدي أهل الذمة) وقد صالحوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو الإمام عليه‌السلام على أن الأرض لهم(فهي لهم) عملا بمقتضى الشرط (٢) (وعليهم الجزية) ما داموا أهل ذمة. ولو أسلموا صارت كالأرض التي أسلم أهلها عليها طوعا ملكا لهم بغير عوض ، ولو وقع الصمح ابتداء على الأرض للمسلمين كأرض خيبر فهي كالمفتوحة عنوة (٣).

(ويصرف الإمام عليه‌السلام حاصل الأرض المفتوحة عنوة) المحياة حال الفتح(في مصالح المسلمين) الغانمين وغيرهم كسد الثغور ، ومعونة الغزاة ، وارزاق الولاة.

هذا مع حضور الإمام ، أما مع غيبته فما كان منها بيد الجائر يجوز المضي معه (٤) في حكمه فيها (٥) ، فيصح تناول الخراج والمقاسمة منه (٦) بهبة ، وشراء ، واستقطاع ، وغيرها مما يقتضيه حكمه (٧) شرعا. وما يمكن استقلال نائب الإمام به وهو الحاكم الشرعي فأمره (٨) إليه يصرفه في مصالح المسلمين كالأصل (٩).

(ولا يجوز بيعها) أي بيع الأرض المفتوحة عنوة المحياة حال الفتح لأنها للمسلمين قاطبة من وجد منهم ذلك اليوم ، ومن يتجدد إلى يوم القيامة ، لا

______________________________________________________

(١) أي إعطائها للغير بأجرة حتى يعمرها.

(٢) بلا خلاف ولا إشكال فيه وقد تقدم بحثه في كتاب الجهاد.

(٣) بلا خلاف ولا إشكال لعموم أدلة الصلح ، وتقدم بحثه في كتاب الجهاد.

(٤) مع الجائر.

(٥) في الأرض المفتوحة عنوة ، وهي الأرض الخراجية لورود الأخبار الكثيرة بحلّ الخراج والمقاسمة من الجائر على الأرض الخراجية ، وقد تقدم بحثه في كتاب المكاسب.

(٦) من الجائر.

(٧) حكم الجائر المخالف.

(٨) أي أمر ما يستقل به نائب الإمام للنائب.

(٩) أي المنسوب عنه وهو الإمام عليه‌السلام.

١٦٣

بمعنى ملك الرقبة ، بل بالمعنى السابق. وهو (١) صرف حاصلها في مصالحهم.

(ولا هبتها ، ولا وقفها ، ولا نقلها) بوجه من الوجوه المملّكة لما ذكرناه من العلة (٢).(وقيل) والقائل به جماعة من المتأخرين ومنهم المصنف وقد تقدم في كتاب البيع اختياره له : (إنه يجوز) جميع ما ذكر من البيع والوقف وغيره(تبعا لآثار المتصرف) من بناء ، وغرس ويستمر الحكم ما دام شي‌ء من الأثر باقيا ، فإذا زال رجعت الأرض إلى حكمها الأول (٣).

ولو كانت ميتة حال الفتح ، أو عرض لها الموتان (٤) ثم أحياها محي ، أو اشتبه حالها (٥) حالته (٦) ، أو وجدت في يد أحد يدعي ملكها حيث لا يعلم فساد دعواه فهي كغيرها من الأرضين المملوكة بالشرط السابق (٧) يتصرف بها المالك كيف شاء بغير إشكال، (وشروط الاحياء) المملك للمحيي(ستة : انتفاء يد الغير) عن الأرض الميتة (٨) ، فلو كان عليها يد محترمة لم يصح احياؤها لغيره ، لأن اليد تدل على الملك (٩) ظاهرا إذا لم يعلم انتفاء سبب صحيح للملك أو الأولوية إلا (١٠)

______________________________________________________

(١) المعنى السابق.

(٢) وهي أن المفتوحة عنوة ملك لجميع المسلمين.

(٣) من أنها ملك لجميع المسلمين ، وقد تقدم بحثه مفصلا في كتاب المكاسب.

(٤) بفتح الميم والواو ، وقد عرض لها ذلك بعد حال الفتح وفيه : أنها باقية على ملك المسلمين كما ادعى عليه الإجماع في التذكرة إلا أن يكون مراده أنه قد عرض لها الموتان حال الفتح بخلاف ما لو كانت ميتة حال الفتح فهي ميتة من رأس وعليه فلا إشكال حينئذ.

(٥) أي حال الأرض.

(٦) أي حال الفتح.

(٧) وهو إذنه مع حضوره عليه‌السلام أو غيبة الإمام بدون إذنه ، وذلك لاحتمال أن تكون من الأرض الموات حال الفتح وأحياها.

(٨) انتفاء اليد المحترمة من مسلم أو مسالم عن الأرض الميتة شرط في جواز إحيائها للغير بلا خلاف فيه ولا إشكال ، ولا يشترط العلم بالسبب الموجب لليد ، بل يكفي عدم العلم بكونها غير محترمة ، واليد تثبت إما بالملك أو بالحق كحق التحجير.

(٩) أو الأولوية.

(١٠) أي وإن علم بانتفاء السبب لليد.

١٦٤

لم يلتفت إلى اليد (١).

(وانتفاء ملك سابق) للأرض قبل موتها (٢) لمسلم (٣) ، أو مسالم (٤) فلو كانت مملوكة لأحدهما لم يصح احياؤها لغيره استصحابا للملك السابق ، وهذان الشرطان (٥) مبنيان على ما سبق من عدم بطلان الملك بالموت (٦) مطلقا (٧) ، تقدم ما فيه من التفصيل المختار (٨).

(وانتفاء كونه حريما لعامر (٩) ، لأن مالك العامر استحق حريمه ، لأنه (١٠) من مرافقه ومما يتوقف كمال انتفاعه عليه (١١) ، وسيأتي تفصيل الحريم.

______________________________________________________

(١) لأنها غير محترمة.

(٢) أي موت الأرض.

(٣) متعلق بقوله : (لملك).

(٤) وهو الكافر المعاهد.

(٥) من انتفاء اليد والملك.

(٦) أي بسبب الموت.

(٧) سواء كان الملك بالشراء أم بالإحياء.

(٨) وأنه إذا تملكه بالإحياء فإنه يبطل بالموت وعليه فينتفي الشرط الثاني.

(٩) الشرط الثالث أن لا يكون الموات حريما لعامر من بستان أو دار أو قرية أو بلد مما يتوقف الانتفاع عليه بلا خلاف فيه للنبوي (من أحيا ميتة في غير حق مسلم فهي له) (١) ، وخبر محمد بن عبد الله (سألت الرضا عليه‌السلام عن الرجل تكون له الضيعة ويكون لها حدود تبلغ حدودها عشرين ميلا وأقل وأكثر ، يأتيه الرجل فيقول له : أعطني من مراعي ضيعتك وأعطيك كذا وكذا درهما ، فقال : إذا كانت الضيعة له فلا بأس) (٢).

والأخير ظاهر في ملكيته للمرافق ولحريم الضيعة كما هو مالك لها وهذا هو الأشهر ، وعن جماعة عدم الملك بل الحريم من الحقوق لعدم الإحياء ، وبعبارة أخرى أن الملك يحصل بالإحياء ولا إحياء في الحريم بحسب الفرض.

(١٠) أي الحريم من مرافق العامر.

(١١) أي كمال انتفاع العامر على الحريم.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ص ١٤٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ١.

١٦٥

(وانتفاء كونه مشعرا) أي محلا(للعبادة (١) كعرفة ، والمشعر ومنى ولو (٢) كان يسيرا لا يمنع المتعبدين ، سدا لباب مزاحمة الناسكين ، ولتعلق حقوق الناس كافة بها (٣) فلا يسوغ تملكها مطلقا (٤) لادائه إلى تفويت هذا الغرض الشرعي.

وجوّز المحقق اليسير منه (٥) ، لعدم الإضرار مع أنه غير ملك لأحد ، وهو (٦) نادر ، وعليه (٧) لو عمد بعض الحاج فوقف به (٨) لم يجز ، للنهي عن التصرف في ملك الغير ، لأنا بنينا عليه (٩) وهو (١٠) مفسد للعبادة (١١) التي هي عبارة عن الكون ، ومن ضرورياته (١٢) المكان.

______________________________________________________

(١) الشرط الرابع أن لا يكون الموات مما قد سماه الشارع مشعرا ومحلا للعبادة كعرفة ومنى والمشعر وغيرها من الأماكن والمواضع المحترمة التي جعلها تعالى مناسك للعبادة ، بل هي في الحقيقة ليست من الموات بمعنى المعطل عن الانتفاع ، بل هي من الوقف لأن الشارع وهو المالك الحقيقي قد وقفها موطنا للعبادة ، ولذا لا يصح تملكها بالأحياء لأنه مناف للوقف المذكور بلا خلاف فيه ولا إشكال ، والمشهور على عدم الفرق بين إحياء اليسير والكثير وعدم الفرق بين ما يحتاجه الناسك وعدمه ، لاشتراك جميع أجزاء المشعر في استحقاق الخلق لعبادتهم وهذا ما يمنع من أحيائها ، وعن المحقق استثناء اليسير الذي لا يؤدي إلى المضيق على الناسكين ، ولا يحتاج إليه غالبا ، لعدم الإضرار وعدم تفويت المصلحة المطلوبة معه ، وليس هو ملك لأحد ولا موقوف ، وبهذا يحصل الفرق بينها وبين المساجد الموقوفة.

(٢) وصلية.

(٣) بالمشاعر.

(٤) يسيرا كان أو كثيرا.

(٥) من المشعر.

(٦) أي قول المحقق نادر ليس له موافق.

(٧) على قول المحقق.

(٨) بما أحياه الغير.

(٩) أي على فرض صحة إحياء اليسير من المشعر ولازمه تملك المحيي.

(١٠) أي النهي.

(١١) التي هي الوقوف في المشعر.

(١٢) أي ضروريات الكون.

١٦٦

وللمصنف تفريعا عليه (١) وجه بالجواز (٢) جمعا بين الحقين (٣) وآخر بالتفصيل بضيق المكان فيجوز (٤) بسعته فلا (٥) ، وإثبات الملك مطلقا (٦) يأباهما (٧) ، وإنما يتوجهان (٨) لو جعله (٩) مشروطا بأحد الأمرين (١٠).

(أو مقطعا) من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو الإمام عليه‌السلام لأحد المسلمين (١١) ، لأن

______________________________________________________

(١) على صحة إحياء اليسير من المشعر.

(٢) أي جواز الوقوف فيه.

(٣) أي حق المسلم بالأحياء وحق المسلم بالوقوف.

(٤) أي يجوز الوقوف.

(٥) لا يجوز الوقوف والمعنى أنه يجوز وقوف الحاج لأجل النسك مع ضيق مكان الحجاج وأما مع سعته فلا يجوز.

(٦) أي من غير تقييد.

(٧) أي يأبى هذين القولين الأخيرين من جواز الوقوف مطلقا أو مع ضيق المكان.

(٨) أي القولان الأخيران من جواز الوقوف مطلقا أو مع ضيق المكان.

(٩) أي جعل الملك الناشئ من الأحياء.

(١٠) من عدم الإضرار عند ضيق المكان أو جواز الوقوف فيه للناسك لو حصل الملك بالإحياء.

(١١) الشرط الخامس أن لا يكون الموات مما أقطعه إمام الأصل ، ولو أقطعه وهو له ، لأن الموات من مال المعصوم عليه‌السلام فقد سلّطه عليه ، وعليه فلا يجوز لغيره أن يتملكه بالإحياء ، بلا خلاف ولا إشكال كما أقطع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبد الله بن مسعود الدور (١) ، وهي اسم موضع بالمدينة بين ظهراني عمارة الأنصار ، ويقال أن المعنى أنه أقطعه ذلك ليتخذها دورا ، وأقطع وابل بن حجر أرضا بحضر موت (٢) ، وأقطع الزبير حضر فرسه ، وهو عدو فرسه ، بل قيل : إن الزبير أجرى فرسه حتى قام الفرس ثم رمى بسوطه طلبا للزيادة ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أعطوه من حيث بلغ السوط (٣) ، وأقطع بلال بن الحارث العقيق(٤).

وعليه فالإقطاع إن لم يفد الملك فلا ريب أنه يفيد الاختصاص وهو مانع عن المزاحمة ، فلا يصح دفع هذا الاقتصاص بالإحياء من قبل الغير بلا إشكال ولا خلاف.

__________________

(١) نيل الأوطار ج ٦ ص ٥٩.

(٢ و ٣) سنن البيهقي ج ٦ ص ١٤٤.

(٤) سنن البيهقي ج ٦ ص ١٤٩.

١٦٧

المقطع له يصير أولى من غيره كالتحجير فلا يصح لغيره التصرف بدون إذنه (١) لم يفد (٢) ملكا ، وقد روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقطع بلال بن الحرث العقيق وهو واد بظاهر المدينة واستمر تحت يده إلى ولاية عمر ، واقطع الزبير بن العوّام حضر فرسه ـ بالحاء المهملة المضمومة والضاد المعجمة وهو عدوه ـ مقدار ما جرى فأجرى فرسه حتى قام ، أي عجز عن التقدم فرمى بسوطه طلبا للزيادة على الحضر فأعطاه من حيث وقع السوط ، واقطع صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غيرهما مواضع أخر.

(أو محجّرا (٣) أي مشروعا في إحيائه شروعا لم يبلغ حد الاحياء فإنه بالشروع يفيد أولوية لا يصح لغيره التخطي إليه ، وإن لم يفد (٤) ملكا فلا يصح بيعه (٥). لكن يورث ويصح الصلح عليه (٦) ، إلا أن يهمل الاتمام ، فللحاكم حينئذ الزامه به (٧) ، أو رفع يده عنه (٨) ، فإن امتنع أذن لغيره في الاحياء ، وان اعتذر

______________________________________________________

(١) إذن المقطع له.

(٢) أي الإقطاع.

(٣) الشرط السادس أن لا يكون الموات قد سبق إليه سابق بالتحجير ، والتحجير يفيد أولوية واختصاصا ، وهو شروع في الإحياء وهو لا يفيد التملك ، لأن التملك مسبّب عن الأحياء وهو مغاير للتحجير ، ولكنه يفيد الأحقية ، لأن الأحياء يفيد الملك فالشروع فيه يفيد الأحقية بلا خلاف فيه ولا إشكال كما يفيد الاستيام مع الشراء الأحقية دون الملك.

وعليه فلو بادر غيره وقاهره وأحياها لم يملكها لتعلق حق الغير بها وفي النبوي (من أحيا أرضا ميتة في غير حق مسلم فهي له) (١).

(٤) أي التحجير.

(٥) إذ لا بيع إلا في ملك وهو لم يفد ملكا.

(٦) لأنه حق.

(٧) بالإتمام.

(٨) تخييره بين الأحياء وبين التخلية بينها وبين غيره مما لا خلاف فيه ممن تعرض لهذا الفرع كما في الجواهر. ولو امتنع أخرجها السلطان من يده لئلا يعطلها ، نعم إن ذكر عذرا في التأخير أمهله الإمام بمقدار ما يزول معه العذر.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ص ١٤٢.

١٦٨

بشاغل أمهله مدة يزول عذره فيها ، ولا يتخطى غيره إليها (١) ما دام ممهّلا.

وفي الدروس جعل الشروط (٢) تسعة ، وجعل منها (٣) إذن الإمام مع حضوره (٤) ، ووجود (٥) ما يخرجها عن الموات بأن يتحقق الاحياء إذ لا ملك قبل كمال العمل المعتبر فيه (٦) ، وإن (٧) أفاد الشروع (٨) تحجيرا لا يفيد سوى الأولوية كما مر. وقصد (٩) التملك فلو فعل أسباب الملك بقصد غيره (١٠) أو لا مع قصد لم يملك كحيازة سائر المباحات من الاصطياد ، والاحتطاب والاحتشاش.

والشرط الأول (١١) قد ذكره هنا في أول الكتاب (١٢).

والثاني (١٣) يلزم من جعلها (١٤) شروط الاحياء مضافا إلى ما سيأتي من قوله : والمرجع في الاحياء إلى العرف الخ.

______________________________________________________

(١) إلى الأرض.

(٢) أي شروط الأحياء المملّك.

(٣) من الشروط.

(٤) وقد تقدم الكلام فيه.

(٥) أي وجعل منها وجود.

(٦) في الملك والمعنى حصول الأحياء الذي هو سبب في التملك.

(٧) وصلية.

(٨) أي الشروع في الأحياء.

(٩) أي وجعل من الشروط قصد التملك ـ وفي الجواهر : (أنه لا دليل على اشتراط ذلك ، بل ظاهر الأدلة خلافه) انتهى ، بل إطلاق الأخبار دال على حصول الملك بالإحياء من دون إشعار فيها على اشتراط قصد التملك ـ كما في الرياض ـ اللهم إلا أن يكون إجماعا ولم أتحققه أو يدعى اختصاص إطلاق النصوص بصورة القصد ، وقال في الجواهر : (والإجماع مظنة عدمه لا العكس كما أن دعوى الانسباق من النصوص ولا أقل من الشك واضحة المنع وإن مال إليه في الرياض لذلك) انتهى.

(١٠) أي قصد غير الملك.

(١١) من إذن الإمام مع حضوره.

(١٢) أي كتاب إحياء الموات.

(١٣) أي اشتراط وجود ما يخرجها عن الموات.

(١٤) أي من جعل الشروط شروطا للأحياء ، وهذا ما يستدعي وجود الإحياء.

١٦٩

والثالث (١) يستفاد من قوله في أول الكتاب (٢) : يتملكه من أحياه (٣) إذ التملك يستلزم القصد إليه (٤) فإن الموجود في بعض النسخ يتملكه بالتاء بعد الياء ، ويوجد في بعضها (٥) يملكه ، وهو لا يفيد (٦).

ويمكن استفادته (٧) من قوله بعد حكمه برجوعه إلى العرف : لمن أراد الزرع ، ولمن أراد البيت ، فإن الإرادة لما ذكر (٨) ، نحوه تكفي في قصد التملك وإن لم يقصده (٩) بخصوصه.

وحيث بيّن أن من الشرائط أن لا يكون حريما لعامر نبّه هنا على بيان حريم بعض الأملاك بقوله : (وحريم العين ألف ذراع (١٠) حولها من كل جانب(في)

______________________________________________________

(١) أي اشتراط قصد التملك.

(٢) أي كتاب إحياء الموات.

(٣) أي يأخذه ملكا لنفسه.

(٤) إلى التملك.

(٥) بعض النسخ.

(٦) أي يملكه.

(٧) أي استفادة قصد التملك.

(٨) من الزرع والبيت.

(٩) أي لم يقصد التملك.

(١٠) حريم العين في الأرض الرخوة الف ذراع ، وفي الأرض الصلبة خمسمائة على المشهور لخبر عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (يكون بين البئرين إذا كانت أرضا صلبة خمسمائة ذراع ، وإن كانت أرضا رخوة ألف ذراع) (١).

وبه يقيّد مرسل حفص عن أبي عبد الله عليه‌السلام (يكون بين العينين ألف ذراع) (٢) ، وأيضا به يقيّد خبر مسمع السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في حديث : وما بين العين إلى العين خمسمائة ذراع) (٣) ومثله خبر مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ١.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ٥ و ٦.

١٧٠

الأرض(الرخوة ، وخمسمائة في الصلبة) بمعنى أنه ليس للغير استنباط عين أخرى في هذا القدر ، لا المنع من مطلق الاحياء (١). والتحديد بذلك (٢) هو المشهور رواية ، وفتوى ، وحدّه الجنيد بما ينتفي معه الضرر ، ومال إليه العلامة في المختلف استضعافا للمنصوص (٣) ، واقتصارا على موضع الضرر وتمسكا بعموم نصوص جواز الإحياء ، ولا فرق بين العين المملوكة والمشتركة بين المسلمين. والمرجع في الرّخاوة ، والصلابة إلى العرف (٤).

(وحريم بئر الناضح (٥) ...

______________________________________________________

ـ ومع ذلك ذهب ابن الجنيد إلى أن حد ذلك بشرط عدم إضرار الثانية بالأولى ، ونفى عنه البأس في المختلف واستظهره الشارح في المسالك جمعا بين ما دل على التحديد وبين ما دل على نفي الإضرار وعلى جواز الإحياء من غير تحديد.

هذا وقال الشارح في المسالك : (فائدة هذا الحريم منع الغير من إحداث عين أخرى في ذلك المقدار لئلا ينتقل ماء العين الأولى إلى الثانية ، ومن ثمّ اختلف باختلاف الأرض بالرخاوة والصلبة) انتهى.

(١) كالزرع والغرس والبناء.

(٢) من الألف في الرخوة والخمسمائة في الصلبة.

(٣) وفيه أنه منجبر بعمل الأصحاب.

(٤) كما هو الشأن في تحديد المعاني للألفاظ الواردة في لسان الشارع بعد عدم ثبوت الحقيقة الشرعية فيها ولا المتشرعية.

(٥) وهو البئر الذي يستقى عليه للزرع وغيره ، وحريمه ستون ذراعا فلا يجوز لأحد إحياء المقدار المزبور بحفر بئر أخرى أو غيره كزرع أو شجر أو نحوهما ضرورة اشتراك الجميع في الضرر على ذي البئر المزبورة على المشهور كخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في حديث : وما بين بئر الناضح إلى بئر الناضح ستون ذراعا) (١) ، ومثله خبر مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢).

نعم المروي في صحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (حريم البئر العادية أربعون ذراعا حولها) (٣) وفي خبر وهب بن وهب عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه‌السلام (أن علي بن أبي طالب عليه‌السلام كان يقول : حريم البئر العادية خمسون ذراعا إلا أن تكون ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ٥ و ٦.

(٣) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ١ و ٨.

١٧١

وهو (١) البعير الذي يستقى عليه للزرع ، وغيره(ستون ذراعا) من جميع الجوانب ، ولا يجوز احياؤه بحفر بئر أخرى ، ولا غيره (٢) (و) حريم بئر(المعطن (٣) واحد المعاطن وهي مبارك الإبل عند الماء لتشرب قاله الجوهري ، والمراد البئر التي يستقى منها لشرب الإبل(أربعون ذراعا) من كل جانب كما مر (٤).

(وحريم الحائط مطرح آلاته (٥) من حجر ، وتراب ، وغيرهما على تقدير

______________________________________________________

ـ إلى عطن أو إلى طريق ، فيكون أقل من ذلك إلى خمسة وعشرين ذراعا) (١) ولذا قال الشارح في المسالك : (ونسبة البئر إلى العادية إشارة إلى إحداث الموات ، لأن ما كان في زمن عاد وما شابهه فهو موات غالبا ، وخصّ عاد بالذكر لأنها في الزمن الأول كان لها آثار في الأرض فنسب إليها كل قديم ، وبسبب اختلاف الروايات وعدم صحتها جعل بعضهم حريم البئر ما يحتاج إليه في السقي منها وموضع وقوف الناضح ـ النازح ـ والدولاب ومتردد البهائم ومصب الماء ، والموضع الذي يجتمع فيه لسقي الماشية والزرع من حوض وغيره ، والموضع الذي يطرح فيه ما يخرج منه بحسب العادة.

وقال ابن الجنيد : حريم الناضح قدر عمقها ماء ، وحمل الرواية على الستين على أن عمق البئر ذلك) انتهى.

(١) أي الناضح.

(٢) وقال الشارح في المسالك عن فائدة حريم هذا البئر : (فإن فائدته منع الغير من إحياء ذلك المقدار مطلقا حتى الزرع والشجر ، لأن الغرض منه الانتفاع بالبئر فيما أعدّ له وما يحتاج إليه عادة) انتهى.

(٣) بكسر الطاء التي يستقى منه لشرب الإبل ، وحريمه أربعون ذراعا من كل جانب ، بمعنى عدم جواز إحيائه بحفر بئر أخرى ولا غيره لخبر عبد الله بن مقفل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (من احتفر بئرا فله أربعون ذراعا حولها لعطن ماشيته) (٢) ، وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ما بين بئر المعطن إلى بئر المعطن أربعون ذراعا) (٣) ومثله خبر مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤).

(٤) في بئر الناضح والعين.

(٥) حريم الحائط في المباح مقدار مطرح آلاته من حجر وتراب وغيرهما ، بلا خلاف فيه ، ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ٨.

(٢) كنز العمال ج ٣ ص ٥١٧.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ٥ و ٦.

١٧٢

انهدامه لمسيس الحاجة إليه (١) عنده(وحريم الدار (٢) مطرح ترابها) ورمادها ، وكناستها ، (وثلوجها ، ومسيل مائها) حيث يحتاج إليهما (٣).

(ومسلك الدخول والخروج في صوب الباب) إلى أن يصل إلى الطريق أو المباح ولو بازورار (٤) لا يوجب ضررا كثيرا (٥) ، أو بعدا (٦) ، ويضم إلى ذلك (٧) حريم حائطها بما سلف ، وله منع من يحفر بقرب حائطه بئرا ، أو نهرا ، أو يغرس شجرة تضرّ بحائطه أو داره (٨) ، وكذا لو غرس في ملكه ، أو أرض (٩) أحياها ما

______________________________________________________

ـ وفي الجواهر : (بل في التذكرة عندنا مشعرا بدعوى الإجماع عليه نظرا إلى إمساس الحاجة إليه لو استهدم) انتهى.

وقال الشارح في المسالك : (وقيّد الحريم بكونه في المباح للاحتراز من الحيطان الكائنة في الأملاك المتجاورة ، فلا حريم لها) انتهى.

(١) إلى الحريم عند الانهدام.

(٢) حريم الدار مقدار مطرح ترابها وقمامتها ورمادها وثلجها ومصب مائها ومسلك الدخول والخروج ونحو ذلك مما تحتاج إليه عادة ، على المشهور ، وعن بعضهم عدم الحريم للدار ، وقال في الجواهر : (وإن كنا لم نتحققه لأحد منا ، وإنما هو لبعض الشافعية ، ولعل وجهه عدم الدليل عليه) انتهى ، وهو منقوض بأن مثله جار في الحائط وبأن نفي الضرر يقتضي ثبوت الحريم لها.

(٣) إلى مطرح الثلوج ومسيل الماء.

(٤) الازورار الميل والعدول عن الشي‌ء.

(٥) ومفهومه أن الضرر اليسير كالمعدوم ، والحاصل أن للدار مسلكا في الجملة سواء كان بالاستقامة أو بالتعرج غير الموجب للضرر الكثير ، فلا يجوز لغيره إحياء هذا المسلك.

(٦) وهو من باب عطف الخاص على العام الذي هو الضرر.

(٧) أي حريم الدار.

(٨) أو تضر بداره فله المنع لنفي الضرر.

(٩) عطف على (ملكه) والمعنى لو غرس في أرض أحياها بحيث تبرز أغصان الغرس لو بقي إلى المباح أو تسري عروقه إليه لم يكن للغير أحياؤه ، لأنه من الحريم التابع للملك الذي يرجع فيه إلى العرف.

وعليه فلو حاول الغير الإحياء كان للغارس منعه وإن لم يكن بعد قد برزت الأغصان أو سرت العروق ، فالاستعداد كاف في إثبات الحريم بلا خلاف فيه بين من تعرض له كما في الجواهر ، ثم كل ذلك لنفي الضرر.

١٧٣

تبرز أغصانه ، أو عروقه إلى المباح ولو بعد حين لم يكن لغيره (١) احياؤه وللغارس منعه (٢) ابتداء (٣).

هذا (٤) كله إذا أحيا هذه الأشياء في الموات ، أما الأملاك المتلاصقة فلا حريم لأحدها على جاره ، لتعارضها (٥) فإن كل واحد منها (٦) حريم بالنسبة إلى جاره ولا أولوية ، ولأن من الممكن شروعهم في الاحياء دفعة فلم يكن لواحد على آخر حريم.

(والمرجع في الإحياء إلى العرف (٧) ، ...

______________________________________________________

(١) أي لغير الغارس.

(٢) منع الغير من الإحياء.

(٣) وإن لم تصل الأغصان والعروق إليه.

(٤) أي ما ذكر من الحريم.

(٥) أي تعارض الأملاك بل ولعموم السلطنة.

(٦) من الأملاك.

(٧) لفظ الإحياء ورد في الأخبار وقد تقدم بعضها ، ولم تثبت له حقيقة شرعية ولا لغوية فيرجع فيه إلى العرف كما هو الشأن في أمثاله ، ولكن بعض الأفراد محتاج إلى تنقيح لذا تعرض له الأصحاب.

ومن جملة ما تعرضوا له إحياء الموات للغرس ، وقال الشارح في المسالك (وقد اختلفت عبارات الفقهاء فيما يتحقق به الإحياء لهذه المنفعة) انتهى ، فالمحقق اعتبر أحد أمور : إما غرسها بالفعل ونبات غرسها وسوق الماء إليها ، وإما عضد شجرها وإصلاحها بإزالة الأصول وتسوية الأرض إن كانت مستأجمة ، أو بقطع المياه الغالبة عليها وتهيئتها للعمارة ، وظاهره أن كل واحد من الأمور الثلاثة كاف في الإحياء محتجا بدلالة العرف عليه ، وأشكل عليه الشارح في المسالك : والأقوى عدم اشتراط الغرس مطلقا ، وعدم الاكتفاء بكل واحد من الثلاثة على انفراده على تقدير الحاجة إليها اجمع بأن كانت الأرض مستأجمة والماء غالبا عليها ، بل لا بد حينئذ من الجمع بين قطع الشجر ودفع الماء ، وإن وجد أحدهما خاصة اكتفى بزواله ، وإن خليت عنهما واحتاجت إلى الماء فلا بد من تهيئته للسقي ـ إلى أن قال ـ ولو خليت عن الجميع بأن كانت غير محتاجة إلى السقي ولا مستأجمة ولا مشغولة بالماء اعتبر في إحيائها التحجير عليها بحائط ونحوه ، وفي الاكتفاء حينئذ بغرسها مع ثبات الغرس وجه ، وفي كلام الفقهاء اختلاف كثير في اعتبار ما يعتبر ـ

١٧٤

لعدم ورود شي‌ء معين فيه (١) من الشارع(كعضد (٢) الشجر) من الأرض(وقطع المياه الغالبة) عليها (٣) (والتحجير) حولها (٤) (بحائط) من طين ، أو حجر(أو مرز (٥) بكسر الميم ـ وهو جمع التراب حول ما يريد احياءه من الأرض ليتميز عن غيره(أو مسنّاة) الميم ـ وهو نحو المرز ، وربما كان أزيد منه (٦) ترابا.

ومثله (٧) نصب القصب والحجر ، والشوك ، ونحوها حولها (٨) ، (وسوق)

______________________________________________________

ـ من ذلك ، والمحصّل ما ذكرناه) انتهى.

والرجوع إلى العرف في إحياء الأرض للغرس يقتضي إزالة مانعه على تقدير وجوده ، وإيجاد مقتضيه على تقدير عدمه ، نعم الاكتفاء بالتحجير في إحياء الغرس إشكال بل الظاهر عدم تحقق الإحياء فيه.

ومن جملة ما تعرضوا له إحياء الموات للزرع ففي الشرائع وغيره الاكتفاء بالتحجير بجمع التراب حواليه ليفصل المحيا عن غيره وبسوق الماء إليها بساقية أو ما شابهها ، وأشكل عليه بأن التحجير تمييز للمحيا عن غيره وهو غير محقّق لصدق الإحياء عرفا ، وبأن سوق الماء فعلا غير شرط في صدق الإحياء.

وفي الدروس اقتصر على حصول الإحياء بعضد الأشجار والتهيئة للانتفاع وسوق الماء أو اعتياد الغيث والسيح ، وقال : يحصل الإحياء أيضا بقطع المياه الغالبة ، وهو ظاهر في عدم الاحتياج إلى غيره ، ومثله غيره مما أوجب اختلافا كثيرا في عباراتهم ، والمرجع إلى العرف كما عرفت وهو يقتضي في الزرع إزالة مانعه على تقدير وجوده وإيجاد مقتضيه على تقدير عدمه كما في الغرس ، نعم لا يشترط في الإحياء فعلية الزرع والغرس ، لأن الإحياء يتحقق بالتهيئة لا بالانتفاع بالفعل ، لأن استيفاء المنفعة خارج عن حد الإحياء كما أنه لا يعتبر في إحياء الدار أن يسكنها.

(١) في الإحياء.

(٢) أي قطعه.

(٣) على الأرض الموات.

(٤) حول الأرض ليفصل المحيا عن غيره.

(٥) بكسر الميم وهو جمع التراب حواليها.

(٦) من المرز.

(٧) ومثل الحائط والمرز والمسناة في التحجير.

(٨) حول الأرض.

١٧٥

(الماء) إليها حيث يحتاج إلى السقي(أو اعتياد الغيث (١).

كل ذلك(لمن أراد الزرع والغرس) بإحياء الأرض.

وظاهر هذه العبارة (٢) أن الأرض التي يراد احياؤها للزراعة لو كانت مشتملة على شجر والماء مستول عليها لا يتحقق احياؤها إلا بعضد شجرها وقطع الماء عنها ، ونصب حائط وشبهه (٣) حولها ، وسوق ما يحتاج إليه من الماء إليها إن كانت مما تحتاج إلى السقي به (٤) ، فلو أخلّ بأحد هذه لا يكون إحياء ، بل تحجيرا ، وإنما جمع بين قطع الماء وسوقه إليها لجواز أن يكون الماء الذي يحتاج إلى قطعه غير مناسب للسقي بأن (٥) يكون وصوله إليها على وجه الرشح (٦) المضر بالأرض من غير أن ينفع في السقي ونحو ذلك (٧) ، فلو كان كثيرا يمكن السقي به كفى قطع القدر المضر منه (٨) وابقاء الباقي للسقي.

ولو جعل الواو في هذه الأشياء بمعنى لو كان كل واحد منها كافيا في تحقيق الإحياء ، لكن لا يصح في بعضها ، فإن من جملتها (٩) سوق الماء أو اعتياد الغيث ، ومقتضاه (١٠) أن المعتاد لسقي الغيث لا يتوقف احياؤه على شي‌ء من ذلك (١١).

______________________________________________________

(١) حيث لا يحتاج إلى السقي.

(٢) لأنه جمع بينها بالواو الدال على الجمع بين المذكورات ، ولا يحتاج الإحياء للزرع إلى هذه المذكورات إلا بما قاله الشارح.

(٣) كالمرز والمسنّاة ونصب القصب والحجر حولها.

(٤) بالماء.

(٥) تفسير لعدم المناسب.

(٦) بلا جريان.

(٧) مما لا ينتفع به في السقي.

(٨) من الماء.

(٩) أي من جملة هذه الأشياء.

(١٠) أي مقتضى أن الواو بمعنى أو.

(١١) من قطع الأشجار وقطع المياه الغالبة عليها والتحجير.

١٧٦

وعلى الأول (١) لو فرض عدم الشجر ، أو عدم المياه الغالبة لم يكن مقدار ما يعتبر في الإحياء مذكورا (٢) ، ويكفي كل واحد مما يبقى (٣) على الثاني (٤) ، وفي الدروس اقتصر على حصوله (٥) بعضد الأشجار والتهيئة للانتفاع ، وسوق الماء ، أو اعتياد الغيث ، ولم يشترط الحائط والمسنّاة ، بل اشترط أن يبين الحد بمرز وشبهه ، قال : ويحصل الإحياء أيضا بقطع المياه الغالبة ، وظاهره (٦) الاكتفاء به (٧) عن الباقي (٨) أجمع ، وباقي عبارات الأصحاب مختلفة في ذلك (٩) كثيرا.

والأقوى الاكتفاء بكل واحد من الأمور الثلاثة السابقة (١٠) مع سوق الماء حيث يفتقر إليه ، وإلا (١١) اكتفى بأحدها (١٢) خاصة ، هذا إذا لم يكن المانعان الأولان (١٣) ، أو أحدهما موجودا ، وإلا (١٤) يكتف بالباقي فلو كان الشجر مستوليا عليها والماء كذلك لم يكف الحائط (١٥) ، وكذا أحدهما (١٦) وكذا لو كان

______________________________________________________

(١) بناء على أن الواو على أصلها بمعنى الجمع.

(٢) أي مذكورا في كلام الماتن ، لأن المذكورات إنما هي في فرض وجود الشجر والمياه الغالبة.

(٣) وهو التحجير وسوق الماء أو اعتبار الغيث.

(٤) على كون الواو بمعنى (أو).

(٥) أي حصول الإحياء.

(٦) أي ظاهر المصنف في الدروس.

(٧) بقطع المياه الغالبة.

(٨) من قطع الأشجار والتهيئة للانتفاع وسوق الماء أو اعتياد الغيث.

(٩) في إحياء الأرض للزرع.

(١٠) من قطع الأشجار وقطع المياه الغالبة والتحجير ، والسابقة في كلام الماتن في اللمعة.

(١١) أي وإن لم يفتقر إلى الماء.

(١٢) بأحد الأمور الثلاثة السابقة.

(١٣) من الشجر والمياه ، لا يقال : إذا لم يكن شي‌ء من المانعين الأولين موجودا فلا وجه للقول بكفاية كل واحد ، بل يتعين حينئذ الثالث فقط ، لأنا نقول : ليس المراد عدم وجودهما في أول الأمر بل حين تحقق أحدهما وهذا ما أفاده الآقا جمال.

(١٤) فلو كان المانعان أو أحدهما موجودا لم يكتف بالباقي من التحجير وسوق الماء بل لا بدّ من رفعه أيضا.

(١٥) وكذا السوق بل لا بد من رفع المانع الموجود.

(١٦) من الشجر أو الماء.

١٧٧

الشجر (١) لم يكف دفع الماء ، وبالعكس لدلالة العرف على ذلك كله.

أما الحرث والزرع (٢) فغير شرط فيه (٣) قطعا ، لأنه (٤) انتفاع بالمحيى (٥) كالسكنى لمحيي الدار.

نعم لو كانت الأرض مهيأة للزراعة ، والغرس لا يتوقف إلا على الماء كفى سوق الماء إليها مع غرسها ، أو زرعها ، لأن ذلك يكون بمنزلة تميزها بالمرز ، وشبهه (٦) (وكالحائط) ولو بخشب ، أو قصب(لمن أراد) بإحياء الأرض(الحظيرة (٧) المعدة للغنم ونحوه ، أو لتجفيف الثمار ، أو لجمع الحطب والخشب والحشيش وشبه ذلك ، وإنما اكتفى فيها (٨) بالحائط لأن ذلك (٩) هو المعتبر عرفا فيها (١٠) (و) كالحائط(مع السقف (١١) ...

______________________________________________________

(١) أي موجودا لم يكف قطع الماء الغالبة.

(٢) الفعليان.

(٣) في الإحياء للزرع.

(٤) أي لأن الحرث والزرع.

(٥) وقد عرفت أن استيفاء المنفعة خارج عن حد الإحياء.

(٦) فلا داعي لتميزها حينئذ بالتحجير.

(٧) إذا أراد زريبة للدواب أو حظيرة لها أو لتجفيف الثمار فيها ، أو لجمع الحطب والحشيش اعتبر التحويط بقصب أو خشب أو نحوهما ، ولا يشترط السقف بلا خلاف فيه بيننا ولا إشكال قضاء للعرف ، وكذا لا يشترط نصب الباب للعرف كذلك.

(٨) في الحظيرة.

(٩) من التحويط.

(١٠) في الحظيرة لو أراد إحياء الأرض عند إرادتها.

(١١) من أراد السكن اعتبر التحويط مع السقف ، أما التحويط بأن يحوط جميع أجزاء الدار ولو بخشب أو قصب ونحوهما وأما التسقيف ولو بعضه ليتهيأ للسكن وليقع عليه اسم المسكن عرفا ، بلا خلاف فيه بين من تعرض له.

نعم لا يشترط نصب الباب ، لأن نصب الباب للحفظ والسكن لا تتوقف عليه ولا اسم المسكن ، وبعض العامة قد اعتبره لأن العادة في المنازل أن تكون لها أبواب ، وما لا باب له لا يتخذ مسكنا والعرف شاهد على خلافه وكذلك بعض العامة لم يشترط السقف ـ

١٧٨

بخشب ، أو عقد (١) ، أو طرح (٢) بحسب المعتاد(إن أراد البيت) واكتفى في التذكرة في تملك قاصد السكنى بالحائط (٣) المعتبر في الحظيرة ، وغيره (٤) من الأقسام التي يحصل بها الاحياء لنوع مع قصد غيره (٥) الذي لا يحصل به (٦).

وأما تعليق الباب (٧) للحظيرة والمساكن فليس بمعتبر عندنا ، لأنه للحفظ لا لتوقف السكنى عليه.

(القول في المشتركات)

بين الناس في الجملة وإن كان بعضها (٨) مختصا بفريق خاص ، وهي (٩) أنواع ترجع أصولها إلى ثلاثة : الماء ، والمعدن ، والمنافع ، والمنافع ستة : المساجد والمشاهد ، والمدارس ، والرباط ، والطرق ، ومقاعد الأسواق ، وقد أشار إليها (١٠)

______________________________________________________

ـ للنبوي (من أحاط حائطا على أرض فهي له) (١) ، ولأنه لو بناها للغنم ملكها بمجرد الحائط فإذا ملكها جاز له أن يبنيها دارا من غير اشتراط التسقيف لأن القصد لا اعتبار به ، ونفى عنه البأس في التذكرة ، والعرف شاهد على خلافه إذ إحياء كل شي‌ء بحسب حاله.

(١) وهو تداخل اللبن المبني بها السقف.

(٢) بحيث يبنى السقف بعيدان يطرح عليها البوريا ، ثم التراب.

(٣) أي اكتفى بالحائط.

(٤) أي غير الحائط أي واكتفى بغير الحائط.

(٥) غير النوع المذكور.

(٦) أي الذي لا يحصل هذا الغير المقصود بذلك الإحياء ، قال في التذكرة : (لو قصد نوعا وفعل إحياء يملك به نوعا آخر ، هل يفيد الملك؟ الوجه عندي ذلك ، فإنه مما يملك به الحظيرة لو قصدها ، وهو أحد وجهي الشافعية) انتهى.

(٧) أي نصبه.

(٨) بعض المشتركات المدرسة الموقوفة على طلبة العلوم الدينية ، والرباط الموقوف على قبيل خاص من الناس.

(٩) أي المشتركات.

(١٠) إلى المشتركات.

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب إحياء الموات حديث ٣ ، وسنن البيهقي ج ٦ ص ١٤٨.

١٧٩

المصنف في خمسة أقسام.

(فمنها المسجد (١) وفي معناه المشهد (٢) (فمن سبق إلى مكان منه فهو أولى به) ما دام باقيا فيه.(فلو فارق) ولو لحاجة كتجديد طهارة أو إزالة نجاسة(بطل حقه (٣) وإن (٤) كان ناويا للعود(إلا أن يكون رحله) وهو (٥) شي‌ء من أمتعته ولو

______________________________________________________

(١) لا إشكال ولا خلاف في أن من سبق إلى مكان منه فهو أحق به ما دام جالسا فيه ، سواء كان جلوسه لأجل الصلاة أم لمطلق العبادة أم لتدريس العلم والإفتاء أم لنفس الجلوس لإطلاق مرسل الفقيه (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل) (١) ومثله غيره.

(٢) لخبر محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قلت : نكون بمكة أو بالمدينة أو بالحيرة أو المواضع التي يرجى فيها الفضل ، فربما خرج الرجل يتوضأ فيجي‌ء آخر فيصير مكانه قال : من سبق إلى موضع فهو أحق به يومه وليلته) (٢).

(٣) فلو قام مفارقا رافعا يده عنه بطل حقه بلا خلاف فيه ولا إشكال فلو عاد وقد شغله غيره فلا حق له لزوال ولايته مع رفع يده عنه بسبب انتقاله عنه بنية المفارقة فهو بمعنى رفع اليد عنه ، ومنه تعرف بطلان حقه حتى لو نوى العود إليه نعم لو قام لضرورة كتجديد الطهارة وإزالة النجاسة وقضاء الحاجة فعن المحقق عدم البطلان وتابعه العلامة في التذكرة واستدل له بالنبوي (إذا قام أحدكم من مجلسه في المسجد فهو أحق به إذا عاد إليه) (٣) ، ومرسل الصدوق (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل) (٤) ، وهما مشكلان مع قطع النظر عن السند بأنه أعم من المدعى والمحقق لا يقول به على العموم وإنما في صورة الضرورة وعليه فالمخصص لهما مع عدم الضرورة هو المخصص معها ، والأقوى بطلان حقه لحصول المفارقة القاضية برفع اليد عنه.

(٤) وصلية.

(٥) أي الرحل.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب آداب التجارة حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب أحكام المساجد حديث ١.

(٣) سنن البيهقي ج ٦ ص ١٥١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب آداب التجارة حديث ١.

١٨٠