الإكتفا - ج ٢

أبي الربيع سليمان بن موسى بن سالم الحميري الكلاعي الأندلسي

الإكتفا - ج ٢

المؤلف:

أبي الربيع سليمان بن موسى بن سالم الحميري الكلاعي الأندلسي


المحقق: محمّد عبد القادر أحمد عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2943-0

الصفحات: ٦٣٢
الجزء ١ الجزء ٢

وأبلغ القلب المروع أمانه

وأقول للنفس التي ظمئت ردى

وأهش للأفق المبارك جوه

متجددا من نوره المتجدد

وأسح فى أبيات آل محمد

دمعا كنظم اللؤلؤ المتبدد

والله يعلم أن آل رسوله

آل تمكن حبهم فى محتدى

وبكربتى منهم أبوح وأنطوى

وبحسرتى فيهم أروح وأغتدى

قف بالمنازل سائلا عن أهلها

أين الرسالة والرسول المهتدى

أين الصواحب والصحابة حوله

إذ بايعوه بالقلوب وباليد

أين الذين بسبقهم عز الهدى

وعلت على الأديان ملة أحمد

أين الذين لعتبة ولشيبة

وإلى الوليد سموا بكل مهند

أين الذين بيوم أحد صرعوا

ما بين مثنى فى الإله وموحد

أين الذين بمؤتة وجلادها

ماتوا كراما كالليوث الحرد

أين الثمانية الذين بصبرهم

تابت بأوطاس بصائر من هدى

يا مسجد التقوى غدوت بفضلهم

ومكانهم فى الدين أفضل مسجد

وبقيت بعدهم مثابة رحمة

فى غربة المستوحش المتفرد

تبكى على خير البرية كلها

بدموع كل مصدق وموحد

فقد السماء كما فقدت نديهم

ونحيبهم فى مهبط أو مصعد

وتفرد الرحمن بالغيث الذي

كان الرسول بوحيه عبق الند

ولقد أقام الدين من خلفائه

أصهاره كل بأحمد يقتدى

وأتتك بعدهم الملوك فمصلح

يضع الأمانة عند آخر مفسد

يا بيت عائشة المجن ثلاثة

تطموا به نظم الطراز الأوحد

مثوى النبيّ وصاحبيه وفسحة

عيسى ابن مريم حازها بالموعد

بوركت من بيت يضم رسالة

ونبوة وخلافة فى ملحد

منى إليك تحية يهفو بها

قلب بذكرهم وحلهم ند

صلى الإله وأرضه وسماؤه

والعالمون على النبيّ المقتدى

بالأنبياء المهتدى بهداهم

رشدا تبين فى الكتاب المرشد

وقال أبو عبد الله أيضا يعارض حسان فى كلمته الثالثة التي أولها :

نب المساكين أن الخير فارقهم

 ......................

بهذه الكلمة المرسومة :

٨١

هون عليك من الأرزاء ما خطرا

بعد الرسول ولا تعدل به خطرا

واذكره فى كل محذور تغص به

تلقى المصاب به قد هون الحذرا

أبعد أحمد يستقرى مضاجعه

فودع البيت والأركان والحجرا

مستقبلا طيبة والله ينقله

إلى رضاه فلما يعد أن صدرا

ثم استعز به شكو يعالجه

يغشى بسورته الأبيات والحجرا

حتى انتهى دوره فى بيت عائشة

فى نومها يتبع الأنفاس والأثرا

فمال فى حجرها طلقا أسرته

غض البشاشة إلا اللمح والنظرا

فأذهل الناس طرا عن حياتهم

موت الرسول ومنهم من نفى الخبرا

فيا له من نظام بات فى قلق

لو لا أبو بكر الصديق لانتثرا

إن كنت معتبرا فانظر تقلله

والأرض تبر ودين الله قد ظهرا

لم يرض منها سوى قبر تضمنه

كان الفراش له فى نومه مدرا

يا قبر أحمد هل من زورة أمم

قبل الحمام تسر السمع والبصرا

وهل إلى طيبة ممشى يقربها

يا طيبة إن تأتى يومه سفرا

فتنشق النفس فى أرجائها أرجا

يشفى السقام وينفى الذنب والضررا

وأستجير ببطن الأرض من كرب

فى ظهرها لم تدع شمسا ولا قمرا

أستجمل الله من أسرار قدرته

عزما يخوض إليه البدو والحضرا

وقوة بالضعيف الهم ناهضة

وحجة تنظم الآصال والبكرا

يا حب أحمد كن لى فى زيارته

أقوى ظهير إلى أن أقضى الوطرا

صلى الإله صلاة غير نافدة

تكاثر الريح والأشجار والمطرا

على البشير النذير المصطفى كرما

من كل بطن وصلب طيب ظهرا

على ابن آمنة الماحى بملته

من كان بالله والإسلام قد كفرا

وأهله الطيبين الأكرمين ومن

آوى وساهم فى البلوى ومن نصرا

وأمهات جميع المؤمنين ومن

هدى هداه ومن صلى ومن نحرا

ونضر الله حسانا وأعظمه

وقد بعثت الجوى والحزن والذكرا

أبا الوليد لقد هيجت لى شجنا

نافحت عنهم بروح القدس مقتدرا

وأنت شاعر آل الله قاطبة

ضريحه وامسحى عن وجهه العفرا

يا رحمة الله أمى غير صاغرة

فى الحق أن تمسح الأعطاف والغررا

فإنه سابق والسابقات لها

عمت فى المدر استثنت ولا الوبرا

أبقى له منبر الإنشاد مكرمة

فى الحق أن تمسح الأعطاف والغررا

٨٢

ولم يسل لسانا فى مقاولة

وإنما سل عضبا صارما ذكرا

يا مقولا نضر الله الرسول به

لا زلت فى جنة الفردوس مشتهرا

وقال أيضا رحمه‌الله يبكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويعارض حسان فى كلمته المتقدمة قبل ، رابعة لكلماته ، وهى التي أولها :

آليت ما فى جميع الناس مجتهدا

 ..........................

بهذه الكلمة الموسومة بعد :

قلبى إلى طيبة ذو غلة صادى

إلى البشير النذير الخاتم الهادى

إلى أبى القاسم الماحى بملته

كفران كل كفور جهله بادى

حتى أعفر خدى فى مواطئه

غورا بغور وأنجادا بأنجاد

وأرسل الدمع سحا فى منازله

مستفرغا جهد أفلاذ وأكباد

فى حيث أودع جبريل رسالته

وحيا إليه بتوفيق وإرشاد

وأشرب الماء من أروى منابعه

فطيبه قد سرى فى ذلك الوادى

يا حب أحمد إنى منك فى ثقة

وأنت أحضر أعتادى وأزوادى

سر بى إليه وجاور بى مثابته

حتى أضمن أكفانى وأعوادى

وما تمكنت من قلبى لتبدع بى

ولا لتقطعنى عن ذلك النادى

نور من الله لو أنى سريت به

لما افتقرت إلى هاد ولا حادى

لم يقذف الله فى قلبى محبته

إلا لأحمل فوق الرأس والهاد

متى أقول لوفد الله عن كثب

يا رايحين انظرونى إننى غاد

وقد برئت إلى الرحمن من نشبى

وقد تخليت عن أهلى وأولادى

مستبدلا بجوار الله منقطعا

إلى الرسول انقطاع العاطف الباد

صلى الإله وأهل الأرض يقدمهم

أهل السموات من مثنى وآحاد

على الذي أنقذ الله العباد به

من ظلمة الكفر رشدا بعد إفناد

على ابن آمنة المختار من نفر

ما فوق مجدهم مرمى لمزداد

على النبيّ الذي تمت نبوته

وآدم طينة قدت لأجساد

على الرسول بن عبد الله أكرم من

أورى بنور أضاء الأرض وقاد

وبعده صلوات الله عاطرة

على الصحابة أعداد بأعداد

وأهله الطيبين الأكرمين فهم

فى الأرض أطهر غياب وشهاد

يا رب واحفظ مقامى فى محبتهم

فإنها وإليك المنتهى زادى

٨٣

فهذا ما تيسر لنا ذكره من مراثى الشعراء فى سيد المرسلين وخاتم الأنبياء. وبقى علينا منها كثير تخطيناه ، إما لتخطى الاختيار له والانتقاء ، وإما لقصد الاختصار والاكتفاء ، وأكثر الشعراء أفحمتهم المصيبة القاصمة للظهور ، الرزية المتجددة على بلى الأزمان وتجدد الدهور ، عن أن يفوهوا فى ذلك ببنت شفة أو يفوا بما يناسب ذلك الكرب العظيم والخطب الجسيم من صفة متصفة ، وأولئك أولى الناس بالمعذرة ، وأحقهم بالتجاوز عن مقصدهم المقصرة ، فمصاب المسلمين به عليه أفضل الصلاة والسلام أعظم من أن تؤدى حقيقته سعة الكلام ، أو تستقل أساليب القول المتشعبة ومنادح العبارات المتطنبة المهذبة بأيسر جزء من مآثره الكرام ومحاسنه العظام ، أو تفى الألفاظ على اتساعها وتعدد ضروبها وأنواعها بشرح ما يتحمل فيه القلوب المؤمنة من برح الآلام ، والإعراب عن قدر مصيبة فقده على الإسلام ، فجزاه الله عن نهجه لنا السبيل إلى دار السلام أفضل ما أعده من الجزاء لأنبيائه المختصين من عنايته بشرف الاجتباء والاصطفاء دون الأنام ، وأدر عليه وعليهم من سحب الرحمة والبركات والسلام والصلوات ما يزرى بهطال الديم وواكف الغمام.

وهنا انتهى ما يختص من هذا المجموع بمغازى نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكر أيامه وكافة أمره إلى حين وفاته.

ونشرع الآن فى صلة ذلك بمغازى خلفائه الثلاثة الأول رضى الله عن جميعهم على نحو ما علمنا به فى مغازى من قصد التهذيب ، وبذل الجهد فى حسن الترتيب ، وربنا الكريم جلت قدرته نعم الوكيل بالمعونة على ذلك ، لا حول ولا قوة إلا به ، هو حسبى لا إله إلا هو ، عليه توكلت وإليه أنيب.

٨٤

ذكر خلافة أبى بكر الصديق رضي‌الله‌عنه (١)

وما حفظ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الإيماء إليها

والإشارات الدالة عليها مع ما كان من تقدمه صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الإنذار بالفتن

الكائنة بعده وما صدر عنه من الأقاويل المنذرة بالردة

فى الصحيح من الآثار ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لما سمع صوت عمر فى صلاته بالناس عند ما أمر عليه‌السلام فى مرضه أبا بكر أن يصلى ، فلم يوجد حاضرا ، قال : يأبى الله ذلك والمسلمون ، يأبى الله ذلك والمسلمون.

وعن حذيفة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اقتدوا باللذين من بعدى ، أبى بكر وعمر» (٢).

وقال على بن أبى طالب رضي‌الله‌عنه : استخلف أبو بكر ، فأقام واستقام. وقال صعصعة : استخلف الله أبا بكر ، فأقام المصحف.

وذكر يعقوب بن محمد الزهرى ، عن شيوخه ، قالوا : وذكروا استخلاف أبى بكر بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومن قبل ما وصف لهم صفة من يلى بعده ، حتى كاد يقول : خليفتى أبو بكر.

وحدث جبير بن مطعم (٣) أن امرأة أتت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، تكلمه فى شيء ، فأمرها أن ترجع

__________________

(١) راجع : المنتظم لابن الجوزى (٤ / ٥ ـ ٧).

(٢) انظر الحديث فى : سنن الترمذى (٣٦٦٢ ، ٣٨٠٥) ، سنن ابن ماجه (٩٧) ، مسند الإمام أحمد (٥ / ٣٨٢ ، ٣٨٥ ، ٣٩٩ ، ٤٠١ ، ٤٠٢) ، السنن الكبرى للبيهقى (٥ / ١٢ ، ٨ / ١٥٣) ، مستدرك الحاكم (٣ / ٧٥) ، مجمع الزوائد للهيثمى (٩ / ٥٣ ، ٢٩٥) ، حلية الأولياء لأبى نعيم (٩ / ١٠٩) ، شرح السنة للبغوى (١٤ / ١٠١ ، ١٠٢) ، مشكاة المصابيح للتبريزى (٦٢٢١) ، إتحاف السادة المتقين للزبيدى (٢ / ٢٣٠) ، البخاري فى التاريخ الكبرى (٨ / ٢٠٩ ، ٩ / ٥٠) ، كشفا الخفاء للعجلونى (١ / ١٨١) ، الدر المنثور للسيوطى (١ / ٣٣٠) ، المعجم الكبير للطبرانى (٩ / ٦٨) ، كنز العمال للمتقى الهندى (٣٦٥٦ ، ٣٢٦٤٦ ، ٣٢٦٥٧ ، ٣٣١١٧ ، ٣٣٦٧٩ ، ٣٦٧٤٦ ، ٣٦٨٥٣) ، الكامل فى الضعفاء لابن عدى (٢ / ٦٦٦ ، ٧٩٧).

(٣) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٣١٥) ، الإصابة الترجمة رقم (١٠٩٤) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٦٩٨) ، مشاهير علماء الأمصار الترجمة رقم (٣٥) ، جمهرة أنساب العرب (١١٦) ، تهذيب الكمال (١٨٨) ، تهذيب التهذيب (٢ / ٦٣) ، تذهيب التهذيب (١ / ١٠٢) ، ـ

٨٥

إليه ، فقالت : يا رسول الله ، إن جئت فلم أجدك ، تعنى الموت ، قال : «فأتى أبا بكر».

وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «رأى الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ونيط عمر بأبى بكر ، ونيط عثمان بعمر» ، قال جابر : فلما قمنا من عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قلنا : أما الرجل الصالح فرسول الله ، وأما ذكر من نوط بعضهم ببعض ، فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث الله به نبيه.

وعن أبى هريرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بينا أنا نائم ، رأيتنى على قليب عليها دلو ، فنزعت منها ما شاء الله ، ثم أخذها ابن أبى قحافة فنزع منها ذنوبا أو ذنوبين ، وفى نزعه ، والله يغفر له ، ضعف ، ثم استحالت غربا ، فأخذها ابن الخطاب ، فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر بن الخطاب ، حتى ضرب الناس بعطن».

وفى رواية : «فأروى الظمئة ، وضرب الناس بعطن» (١).

وقد أخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بردة المرتدين من بعده ، فحدث أبو سعيد الخدرى ، قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بينا أنا نائم ، رأيت فى يدى سوارين من ذهب ، فكرهتهما فنفختهما فطارا ، فأولتهما : كذابين يخرجان ، مسيلمة والعنسى» (٢).

وعن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بين يدى الساعة كذابون ، منهم صاحب اليمامة ، يعنى مسيلمة ، وصاحب خيبر ، يعنى طليحة ، ومنهم العنسى يعنى الأسود ، ومنهم الدجال ، وهو أعظمهم فتنة» (٣).

__________________

ـ خلاصة تذهيب الكمال (٥٢) ، شذرات الذهب (١ / ٦٤) ، العقد الثمين (٣ / ٤٠٨).

(١) انظر الحديث فى : صحيح البخاري (٥ / ٧ ، ٩ / ٤٥ ، ٤٩ ، ١٧١) ، صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة (١٧) ، السنن الكبرى للبيهقى (٨ / ١٥٣) ، فتح البارى لابن حجر (٧ / ١٩ ، ١٢ / ٤١٤) ، مشكاة المصابيح للتبريزى (٦٠٣١) ، شرح السنة للبغوى (١٤ / ٨٩) ، البداية والنهاية لابن كثير (٦ / ٢٢٦) ، كنز العمال للمتقى الهندى (٣٢٧٣) ، دلائل النبوة للبيهقى (٦ / ٣٤٤) ، السنة لابن أبى عاصم (١٤ / ٨٩).

(٢) انظر الحديث فى : صحيح البخاري (٥ / ٢١٧ ، ٩ / ٥٢) ، مسند الإمام أحمد (١ / ٢٦٣) ، البداية والنهاية لابن كثير (٥ / ٥٠) ، فتح البارى لابن حجر (١٢ / ٤٢٠).

(٣) انظر الحديث فى : مسند الإمام أحمد (٣ / ٣٤٥ ، ٥ / ٩٥ ، ٩٦ ، ١٠٠ ، ١٠١ ، ١٠٦) ، الدر المنثور للسيوطى (٦ / ٥١) ، كنز العمال للمتقى الهندى (٣٨٣٧١) ، مجمع الزوائد للهيثمى (٦ / ٥١).

٨٦

وعن عبد الله بن حوالة (١) ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ثلاث من نجا منهن فقدنجا : من موتى ، ومن قتل خليفة مصطبر بالحق يعطيه ، ومن الدجال» (٢).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لعبدة بن مسهر الحارثى فيما يعظه به لما قدم عليه : «وإن أدركتك الردة فلا تتبعن كندة».

ودعا أيضا لجرير بن عبد الله (٣) لما وفد عليه ، فقال : «اللهم اشرح صدره للإسلام ، ولا تجعله من أهل الردة».

ولما أسر المسلمون يوم بدر سهيل بن عمرو العامرى ، سأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن ينزع ثنيتيه السفلاوين ، وكان أعلم الشفة السفلى ، قال : فإنه خطيب ليقوم عليك خطيبا بمكة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعمر : «عسى أن يقوم مقاما يسرك» (٤) ، فلما توفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وانتهى خبر وفاته إلى مكة ، تكلم بها قوم كلاما قبيحا ، ووعى ذلك عليهم ، فقام سهيل بن عمرو بخطبة أبى بكر ، كأنه كان يسمعها ، فقال : أيها الناس ، من كان يعبد محمدا ، فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله ، فإن الله حى لم يمت ، وقد نعى الله عزوجل نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إليكم وهو بين أظهركم ، ونعاكم إلى أنفسكم ، فهو الموت حتى لا يبقى أحد ، ألم تعلموا أن الله تعالى قال : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) [الزمر : ٣٠] ، وقال : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ). الآية [آل عمران : ١٤٤] ، وقال تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) [آل عمران : ١٨٥] ، وقال : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص : ٨٨].

فاتقوا الله ، واعتصموا بدينكم ، وتوكلوا على ربكم ، فإن دين الله قائم ، وكلمته تامة ، وإن الله ناصر من نصره ، ومعز دينه ، جمعكم الله على خيركم.

__________________

(١) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (١٥٣٦) ، الإصابة الترجمة رقم (٤٦٥٨) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٢٩٠٩) ، تجريد أسماء الصحابة (١ / ٣٠٦) ، تهذيب التهذيب (٥ / ١٩٤) ، تقريب التهذيب (١ / ٤١١) ، تهذيب الكمال (٢ / ٦٧٦) ، خلاصة تذهيب الكمال (٢ / ٥١) ، الوافى بالوفيات (١٧ / ١٥٦) ، الثقات (٣ / ٣٤٣) ، حلية الأولياء (٢ / ٣).

(٢) انظر الحديث فى : البداية والنهاية لابن كثير (٧ / ٢١١) ، مجمع الزوائد للهيثمى (٤ / ٣٣٤).

(٣) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٣٢٦) ، الإصابة الترجمة رقم (١١٣٩) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٧٣٠٩ ، طبقات خليفة (١١٦ ، ١٣٨) ، تاريخ خليفة (٢١٨) ، الجرح والتعديل (٢ / ٥٠٢) ، تهذيب الكمال (١٩١) ، تهذيب التهذيب (٢ / ٧٣) ، خلاصة تذهيب الكمال (٦١) ، شذرات الذهب (١ / ٥٧ ، ٥٨).

(٤) انظر الحديث فى الشفاء للقاضى عياض (١ / ٦٧٦) ، الجامع الكبير (٢ / ٧٨٦).

٨٧

وفى كلام أكثر من هذا وعظهم به ، وذكرهم. وقد كان الناس نفروا وهموا ، فنفعهم الله بكلامه ، فلم يرتد بمكة أحد ، فلما بلغ عمر بن الخطاب مقام سهيل ، قال : أشهد أن ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حق ، فهو والله هذا المقام.

ذكر بدء الردة بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما كان من تأييد

الله لخليفة رسوله عليه‌السلام فيها

قالت عائشة رضي‌الله‌عنها : لما توفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، نجم النفاق وارتدت العرب ، واشرأبت اليهودية والنصرانية ، وصار المسلمون كالغنم المطيرة فى الليلة الشاتية ، لفقد نبيهم ، حتى جمعهم الله على أبى بكر ، فلقد نزل بأبى ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها ، فو الله ما اختلفوا فيه من أمر إلا طار أبى بعلائه وغنائه ، وكان من رأى ابن الخطاب علم أنه خلق عونا فللإسلام ، كان والله أحوذيا ، نسيج وحده ، قد أعد للأمور أقرانها.

وفى الصحيح من حديث أبى هريرة ، قال : لما توفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واستخلف أبو بكر رضي‌الله‌عنه ، بعده ، وكفر من كفر من العرب ، قال عمر بن الخطاب لأبى بكر : كيف تقاتل الناس ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم منى نفسه وماله إلا بحقه ، وحسابه على الله؟» فقال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعونى عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لقاتلتهم على منعه ، فقال عمر بن الخطاب : فو الله ما هو إلا أن رأيت أن الله قد شرح صدر أبى بكر للقتال ، فعرفت أنه الحق (١).

__________________

(١) انظر الحديث فى : صحيح البخاري (١ / ١٣ ، ١٠٩ ، ٢ / ١٣١ ، ٤ / ٥٨ ، ٩ / ١٩ ، ١١٥ ، ١٣٨) ، صحيح مسلم كتاب الإيمان (٣٢ ، ٣٣ ، ٣٥) ، سنن النسائى الصغرى (٧ / ٧٧ ، ٧٨ ، ٧٩ ، ٨ / ٨١) ، سنن أبى داود (١٥٥٦ ، ٢٦٤٠) ، سنن الترمذى (٢٦٠٦ ، ٢٦٠٧ ، ٣٣٤١) ، سنن ابن ماجه (٣٩٢٧ ، ٣٩٢٨ ، ٣٩٢٩) ، مسند الإمام أحمد (١ / ١١ ، ١٩ ، ٣٥ ، ٤٨ ، ٢ / ٣٧٧ ، ٤٢٣ ، ٤٧٥ ، ٥٠٢ ، ٥٢٧ ، ٥٢٨ ، ٣ / ٣٠٠ ، ٣٢٢ ، ٣٣٩ ، ٤ / ٨) ، سنن البيهقي الكبرى (١ / ٧ ، ٥٤ ، ٢ / ٣ ، ٩٢ ، ٤ / ١٠٤ ، ١١٤ ، ٧ / ٣ ، ٤ ، ٨ ، ١٩ ، ١٣٦ ، ١٧٦ ، ١٧٧ ، ١٩٦ ، ٩ / ٤٩ ، ١٨٢) ، مستدرك الحاكم (٢ / ٥٢٢) ، تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر (٦ / ١٧١) ، شرح السنة للبغوى (١ / ٦٦ ، ٦٩ ، ٥ / ٤٨٨) ، كنز العمال للمتقى الهندى (٣٧٥ ، ٣٧٩ ، ـ

٨٨

قال عمر بن الخطاب : والله لرجح إيمان أبى بكر بإيمان هذه الأمة جميعا فى قتال أهل الردة.

وذكر يعقوب بن محمد الزهرى عن جماعة من شيوخه ، قالوا : فكان أبو بكر أمير الشاكرين الذين ثبتوا على دينهم ، وأمير الصابرين الذين صبروا على جهاد عدوهم ، أهل الردة بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وبرأى أبى بكر أجمعوا على قتالهم ، وذلك أن العرب افترقت فى ردتها ، فقالت فرقة : لو كان نبيا ما مات ، وقال بعضهم : انقضت النبوة بموته ، فلا نطيع أحدا بعده ، وفى ذلك يقول قائلهم :

أطعنا رسول الله ما عاش بيننا

فيا لعباد الله ما لأبى بكر

أيورثها بكرا إذا مات بعده

فتلك وبيت الله قاصمة الظهر

وقال بعضهم : نؤمن بالله ، ونشهد أن محمدا رسول الله ، ونصلى ، ولكن لا نعطيكم أموالنا ، فأبى أبو بكر إلا قتالهم على حسب ما تقدم ذكره.

وجادل أبو بكر الصحابة فى جهادهم ، وكان من أشدهم عليه عمر وأبو عبيدة بن الجراح (١) ، وسالم مولى أبى حذيفة (٢) ، وقالوا له : احبس جيش أسامة بن زيد ، فيكون عمارة وأمانة بالمدينة ، وارفق بالعرب حتى ينفرج هذا الأمر ، فإن هذا الأمر شديد غوره وتهتكه من غير وجهه ، فلو أن طائفة من العرب ارتدت قلنا : قاتل بمن معك ممن ثبت من ارتد ، وقد اتفقت العرب على الارتداد ، فهم بين مرتد ، ومانع صدقة ، فهو مثل المرتد ،

__________________

ـ ١٦٨٣٦ ، ١٦٨٤٦) ، إتحاف السادة المتقين للزبيدى (١ / ١٥٥) ، مشكاة المصابيح للتبريزى (١٧٩٠) ، البداية والنهاية لابن كثير (١٠ / ٣٣٤) ، فتح البارى لابن حجر (١ / ٤٩٧ ، ١٣ / ١٧٤ ، ٢٥٠ ، ٣٣٩) ، نصب الراية للزيلعى (٣ / ٣٨٠ ، ٤٨٠ ، ٤ / ٣٢٤ ، ٣٣٩) ، الدر المنثور للسيوطى (٥ / ٢٧٤ ، ٦ / ٣٤٣) ، زاد المسير لابن الجوزى (٩ / ١٠٠) ، جمع الجوامع (٤٤١١ ، ٤٤١٤ ، ٤٤١٨) ، المعجم الكبير للطبرانى (٢ / ١٩٨ ، ٣٤٧ ، ٦ / ١٦١ ، ٨ / ٣٨٢) ، التاريخ الكبير للبخارى (٣ / ٣٦٧ ، ٧ / ٣٥) ، مصنف ابن أبى شيبة (١٠ / ١٢٢ ، ١٢٣ ، ١٢٤ ، ١٢ / ٣٧٤ ، ٣٧٦ ، ٣٧٧ ، ٣٨٠).

(١) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٣١٠٨) ، الإصابة الترجمة رقم (١٠٢٣٣) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٦٠٨٤) ، تهذيب الكمال (١٦٢٣) ، تقريب التهذيب (٢ / ٤٤٨) ، تهذيب التهذيب (١٢ / ١٥٩) ، المؤتلف والمختلف (٨٤٠) ، التبصرة والتذكرة (٣ / ٢٧).

(٢) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٨٨٦) ، الإصابة الترجمة رقم (٣٠٥٩) ، أسد الغابة الترجمة رقم (١٨٩٢) ، وهو : سالم بن معقل ، مولى أبى حذيفة.

٨٩

وبين واقف ينظر ما تصنع أنت وعدوك ، قد قدم رجلا وأخر رجلا (١).

وفى كتاب الواقدى من قول عمر لأبى بكر : وإنما شحت العرب على أموالها ، وأنت لا تصنع بتفريق العرب عنك شيئا ، فلو تركت للناس صدقة هذه السنة.

وقدم على أبى بكر عيينة بن حصن الفزارى ، والأقرع بن حابس ، فى رجال من أشراف العرب ، فدخلوا على رجال من المهاجرين ، فقالوا : إنه قد ارتد عامة من وراءنا عن الإسلام ، وليس فى أنفسهم أن يؤدوا إليكم من أموالهم ما كانوا يؤدون إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإن تجعلوا لنا جعلا نرجع فنكفيكم من وراءنا ؛ فدخل المهاجرون والأنصار على أبى بكر ، فعرضوا عليه الذي عرضوا عليهم ، وقالوا : نرى أن تطعم الأقرع وعيينة طعمة يرضيان بها ويكفيانك من وراءهما ، حتى يرجع إليك أسامة وجيشه ، ويشتد أمرك ، فإنا اليوم قليل فى كثير ، ولا طاقة لنا بقتال العرب ، قال أبو بكر : هل ترون غير ذلك؟ قالوا : لا ؛ قال أبو بكر : إنكم قد علمتم أنه كان من عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إليكم المشورة فيما لم يمض فيه أمر من نبيكم ولا نزل به الكتاب عليكم ، وأن الله لن يجمعكم على ضلالة ، وإنى سأشير عليكم ، فإنما أنا رجل منكم ، تنظرون فيما أشير به عليكم وفيما أشرتم به ، فتجتمعون على أرشد ذلك ، فإن الله يوفقكم ، وأما أنا فأرى أن ننبذ إلى عدونا ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، وأن لا نرشو على الإسلام أحدا ، وأن نتأسى برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنجاهد عدوه كما جاهدهم ، والله لو منعونى عقالا لرأيت أن أجاهدهم عليه حتى آخذه ، فائتمروا يرشدكم الله ، فهذا رأيى ؛ وأما قدوم عيينة وأصحابه إليكم ، فهذا أمر لم يغب عنه عيينة ، هو راضه ثم جاء له ولو رأوا ذباب السيف لعادوا إلى ما خرجوا منه أو أفناهم السيف فإلى النار ، قتلناهم على حق منعوه وكفر. فبان للناس وجه أمرهم ، وقالوا لأبى بكر لما سمعوا رأيه : أنت أفضلنا رأيا ، ورأينا لرأيك تبع. فأمر أبو بكر الناس بالتجهز ، وأجمع على المسير بنفسه لقتال أهل الردة.

وكانت أسد وغطفان من أهل الضاحية قد ارتدت ، ولم ترتد عبس ولا بعض أشجع ، وارتدت عامة بنى تميم وطوائف من بنى سليم : عصية وعميرة وخفاف ، وبنو عوف بن امرئ القيس ، وذكوان ، وبنو جارية ، وارتد أهل اليمامة (٢) كلهم ، وأهل البحرين (٣) ،

__________________

(١) انظر : غزوات ابن حبيش (١ / ٢٢).

(٢) راجع قصة ارتداد أهل اليمامة فى : المنتظم لابن الجوزى (٤ / ٧٩ ـ ٨٣) ، تاريخ الطبرى (٣ / ٢٨٠ ، ٢٨١).

(٣) راجع قصة أهل البحرين فى : المنتظم لابن الجوزى (٤ / ٨٣ ـ ٨٥).

٩٠

وبكر بن وائل ، وأهل دبى من أزد عمان (١) ، والنمر بن قاسط ، وكلب ، ومن قاربهم من قضاعة ، وعامة بنى عامر بن صعصعة ، وفيهم علقمة بن علاثة ، وقيل : إنها تربصت مع قادتها وسادتها ينظرون لمن تكون الدبرة ، وقدموا رجلا وأخروا أخرى ، وارتدت فزارة ، وجمعها عيينة بن حصن ، وتمسك بالإسلام من بين المسجدين ، وأسلم وغفار وجهينة ومزينة وكعب وثقيف ، قام فيهم عثمان بن أبى العاص فى بنى مالك ، وقام فى الأحلاف رجل منهم ، فقال : يا معشر ثقيف ، نشدتكم الله أن تكونوا أول العرب ارتدادا وآخرهم إسلاما ؛ وأقامت طئ كلها على الإسلام ، وهذيل ، وأهل السراة وبجيلة وخثعم ومن قارب تهامة من هوازن نصر وجشم وسعد بن بكر وعبد القيس ، قام فيهم الجارود فثبتوا على الإسلام ، وارتدت كندة وحضرموت وعنس.

وقال أبو هريرة : لم يرجع رجل واحد من دوس ولا من أهل السراة كلها. وقال أبو مرزوق التجيبى : لم يرجع رجل واحد من تجيب ولا من همدان ، ولا من الأبناء بصنعاء ، ولقد جاء الأبناء وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فشق نساؤهم الجيوب وضربن الخدود ، وفيهم المرزبانة ، فشقت درعها من بين يديها ومن خلفها.

وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لما صدر من الحج سنة عشر ، وقدم المدينة فأقام حتى رأى هلال المحرم سنة إحدى عشرة ، وبعث المصدقين فى العرب ، فبعث على عجز هوازن عكرمة بن أبى جهل (٢) ، وبعث حامية بن سبيع الأسدي على صدقات قومه ، وعلى بنى كلاب الضحاك بن سفيان (٣) ، وعلى أسد وطئ عدى بن حاتم (٤) ، وعلى بنى يربوع

__________________

(١) راجع قصة أهل عمان فى : المنتظم لابن الجوزى (٤ / ٨٥ ـ ٨٦) ، تاريخ الطبرى (٣ / ٣١٤).

(٢) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (١٨٥٧) ، الإصابة الترجمة رقم (٥٦٥٤) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٣٧٤١) ، مشاهير علماء الأمصار الترجمة رقم (١٧٤) ، طبقات خليفة (٢٠ / ٢٩٩) ، تاريخ خليفة (٩٢) ، الجرح والتعديل (٧ / ٦ ، ٧) ، العقد الثمين ، (٦ / ١١٩ ، ١٢٣) ، شذرات الذهب (١ / ٢٧ ، ٢٨) ، سير أعلام النبلاء (١ / ٣٢٣) ، العبر (١ / ١٨) ، تهذيب الكمال (٩٥٠) ، تهذيب التهذيب (٧ / ٢٥٧) ، خلاصة تذهيب الكمال (٢٧٠).

(٣) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (١٢٥٥) ، الإصابة الترجمة رقم (٤١٨٦) أسد الغابة الترجمة رقم (٢٥٥٦) ، تجريد أسماء الصحابة (١ / ٢٧٠) ، الوافى بالوفيات (١٦ / ٣٥٢) ، الأعلام (٣ / ٢١٤) ، تهذيب الكمال (١ / ٦١٥) ، تهذيب التهذيب (٤ / ٤٤٤) ، خلاصة تذهيب الكمال (٢ / ٣) ، المعرفة والتاريخ (٣ / ٣٦٩) ، التحفة اللطيفة (٢ / ٢٥٠) ، الجرح والتعديل (٤ / ٢٠١٨) ، دائرة معارف الأعلميّ (٢٠ / ٢٥٥).

(٤) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (١٨٠٠) ، الإصابة الترجمة رقم (٥٤٩١) ، أسد ـ

٩١

مالك بن نويرة (١) ، وعلى بنى دارم وقبائل بنى حنظلة الأقرع بن حابس (٢) ، وبعث الزبرقان بن بدر (٣) على صدقات قومه ، وقيس بن عاصم المنقرى (٤) على صدقات قومه.

فلما بلغتهم وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اختلفوا ، فمنهم من رجع ، ومنهم من أدى إلى أبى بكر ، وكان الذين حبسوا صدقات قومهم وفرقوها بين قومهم مالك بن نويرة ، وقيس بن عاصم ، والأقرع بن حابس التميمى ، وأما بنو كلاب فتربصوا ، ولم يمنعوا منعا بينا ، ولم يعطوا ، كانوا بين ذلك.

وبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على فزارة نوفل بن معاوية الديلى (٥) ، فلقيه خارجة بن حصن ابن حذيفة بن بدر الفزارى بالشربة ، فقال : أما ترضى أن تغنم نفسك؟ فرجع نوفل بن

__________________

ـ الغابة الترجمة رقم (٣٦١٠) ، الجرح والتعديل (٧ / ٢) ، مروج الذهب (٣ / ١٩٠) ، جمهرة أنساب العرب (٤٠٢) ، تاريخ بغداد (١ / ١٨٩) ، تهذيب الكمال (٩٢٥) ، تذهيب التهذيب (٣ / ٣٦) ، خلاصة تذهيب الكمال (٢٢٣) ، تهذيب التهذيب (٧ / ١٦٦) ، شذرات الذهب (١ / ٧٤) ، سير أعلام النبلاء (٣ / ١٦٢).

(١) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٢٣٣١) ، الإصابة الترجمة رقم (٧٧١٢) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٤٦٥٦).

(٢) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٦٩) ، الإصابة الترجمة رقم (٢٣١) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٢٠٨) ، تجريد أسماء الصحابة (١ / ٢٦) ، الوافى بالوفيات (٩ / ٣٠٧) ، التحفة اللطيفة (١ / ٣٣٧) ، أزمنة التاريخ الإسلامى (١ / ٥٣١) ، التاريخ الصغير (٥٩) ، الجامع فى الرجال (٢٨١) ، تهذيب الأسماء واللغات (١ / ١٢٤).

(٣) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٨٧٠) ، الإصابة الترجمة رقم (٢٧٨٩) ، أسد الغابة الترجمة رقم (١٧٢٨) ، تجريد أسماء الصحابة (١ / ١٨٨) ، تقريب التهذيب (١ / ٢٥٧) ، الطبقات الكبرى (٧ / ٣٦) ، الثقات (٣ / ١٤٢) ، الأعلام (٣ / ٤١).

(٤) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٢١٦٤) ، الإصابة الترجمة رقم (٧٢٠٩) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٤٣٧٠) ، تجريد أسماء الصحابة (٢ / ٢٢) ، تقريب التهذيب (٢ / ١٢٩) ، تهذيب التهذيب (٨ / ٣٩٩) ، خلاصة تهذيب الكمال (٢ / ٣٥٧) ، الأنساب لابن السمعانى (٧ / ١٤١) ، أزمنة التاريخ الإسلامى (٨١٦) ، الثقات (٣ / ٣٣٨).

(٥) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٢٦٧٣) ، الإصابة الترجمة رقم (٨٨٥٤) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٥٣٢٢) ، تجريد أسماء الصحابة (٢ / ١١٥) ، تهذيب التهذيب (١٠ / ٤٩٢) ، تقريب التهذيب (٢ / ٣٠٩) ، خلاصة تذهيب الكمال (٣ / ١٠٣) ، الجرح والتعديل (١ / ٤٨٧) ، العقد الثمين (٧ / ٣٥٣) ، الأنساب لابن للسمعانى (٥ / ٤٤٩) ، الأعلام (٨ / ٥٥) ، الطبقات الكبرى (١ / ٨٧).

٩٢

معاوية هاربا حتى قدم على أبى بكر الصديق بسوطه ، وقد كان جمع فرائض فأخذها منه خارجة ، فردها على أربابها ، وكذا فعلت سليم بعرباض بن سارية (١) ، وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بعثه على صدقاتهم ، فلما بلغتهم وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أبوا أن يعطوه شيئا ، وأخذوا منه ما كان جمع ، فانصرف من عندهم بسوطه ، وأما أسلم وغفار ومزينة وجهينة ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بعث إليهم كعب بن مالك الأنصاري ، فسلموا إليه صدقاتهم ، لما بلغتهم وفاته ، وتأدت إلى أبى بكر ، فاستعان بها فى قتال أهل الردة ، وكذلك فعل بنو كعب مع أمير صدقاتهم بشر بن سفيان الكعبى ، وأشجع مع مسعود بن رحيلة الأشجعى (٢) ، فقدم بذلك كله على أبى بكر.

وكان عدى بن حاتم قد حبس إبل الصدقة ، يريد أن يبعث بها إلى أبى بكر إذا وجد فرجة ، والزبرقان بن بدر مثل ذلك ، فجعل قومهما يكلمونهما فيأبيان ، وكان أحزم رأيا وأفضل فى الإسلام رغبة ممن كان فرق الصدقة فى قومه ، فقالا لقومهما : لا تعجلوا ، فإنه إن قام بهذا الأمر قائم ألفاكم لم تفرقوا الصدقة ، وإن كان الذي تظنون ، فلعمرى إن أموالكم لبأيديكم ، فلا يغلبنكم عليها أحد ، فسكتوهم حتى أتاهم يقين خبر القوم ، فلما اجتمع الناس على أبى بكر جاءهم أنه قد قطع البعوث ، وسار بعث أسامة بن زيد إلى الشام ، وأبو بكر يخرج إليهم ، فكان عدى بن حاتم يأمر ابنه أن يسرح مع نعم الصدقة ، فإذا كان المساء روحها ، وإنه جاء بها ليلة عشاء ، فضربه ، وقال : ألا عجلت بها؟.

ثم راح بها الليلة الثانية فوق ذلك قليلا ، فجعل يضربه ، وجعلوا يكلمونه فيه ، فلما كان اليوم الثالث قال : يا بنى إذا سرحتها فصح فى أدبارها وأم بها المدينة ، فإن لقيك لاق من قومك أو من غيرهم فقل أريد الكلأ ، تعذر علينا ما حولنا ، فلما أن جاء الوقت الذي كان يروح فيه ، لم يأت الغلام ، فجعل أبوه يتوقعه ويقول لأصحابه : العجب لحبس ابنى ، فيقول بعضهم : نخرج يا أبا طريف فنتبعه ، فيقول : لا والله ؛ فلما أصبح تهيأ ليغدو ، فقال قومه : نغدو معك ، فقال : لا يغدو معى منكم أحد ، إنكم إن رأيتموه حلتم بينى

__________________

(١) انظر ترجمته فى : الإستيعاب الترجمة رقم (٢٠٤٩) ، الإصابة الترجمة رقم (٥٥١٧) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٣٦٣٠) ، مشاهير علماء الأمصار الترجمة رقم (٣٣١) ، شذرات الذهب (١ / ٨٢) ، حلية الأولياء (٢ / ١٣) ، سير أعلام النبلاء (٣ / ٤١٩) ، تقريب التهذيب (٢ / ١٧) ، خلاصة تذهيب التهذيب (٢٦٩) ، تاريخ الإسلام (٢ / ٤٨٣).

(٢) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٢٤٠٨) ، وفيه : مسعود بن «رخيلة بن عائذ الأشجعى» ، الإصابة الترجمة رقم (٧٩٦١) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٤٨٨٣).

٩٣

وبين ضربه ، وقد عصى أمرى كما ترون ؛ فخرج على بعير له سريعا حتى لحق ابنه ، ثم حدر النعم إلى المدينة ، فلما كان ببطن قناة لقيته خيل لأبى بكر ، عليها ابن مسعود ، ويقال محمد بن مسلمة (١) وهو أثبت عندنا ، فلما نظروا إليه ابتدروه ، وما كان معه ، وقالوا له : أين الفوارس الذين كانوا معك؟ قال : ما معى أحد ، قالوا : بلى ، لقد كان معك فوارس ، فلما رأونا تغيبوا ، فقال ابن مسعود : خلوا عنه فما كذب ولا كذبتم ، جنود الله معه ، ولم يرهم. فقدم على أبى بكر بثلاثمائة بعير ، وكانت أول صدقة قدم بها على أبى بكر.

وذكر بعض من ألف فى الردة : أن الزبرقان بن بدر هو الذي فعل هذا الفعل المنسوب فى هذا الحديث إلى عدى بن حاتم ، فإما أن يكونا فعلاه معا توفيقا من الله لهما ، وإما أن يكون هذا مما يعرض فى النقل من الاختلاف ، والذي ينسب ذلك إلى الزبرقان يقول : إنه قال فى ذلك :

لقد علمت قيس وخندف أننى

وفيت إذا ما فارس الغدر ألجما

أتيت التي قد يعلم الله أنها

إذا ذكرت كانت أعف وأكرما

أنفت لعوف أن يسب أبوهم

إذا اقتسم الناس السوام المقسما

وروحتها من أهل جوفاء صبحت

تدوس بأيديها الحصاد المحرما

حبوت بها قبر النبيّ وقد أبى

فلم يجبه ساع من الناس مقسما

وقال أيضا :

وفيت بأذواد النبيّ ابن هاشم

على موطن ضام الكريم المسودا

فأديتها ألفا ولو شئت ضمها

رعاء يكون الوشيج المقصدا

وذكر ابن إسحاق : أن عدى بن حاتم كانت عنده إبل عظيمة اجتمعت له من صدقات قومه عند ما توفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما ارتد من الناس وارتجعوا صدقاتهم ، وارتدت بنو أسد ، وهم جيرانهم ، اجتمعت طيئ إلى عدى بن حاتم ، فقالوا : إن هذا الرجل قد مات ، وقد انتقض الناس بعده ، وقبض كل قوم ما كان فيهم من صدقاتهم ، فنحن أحق بأموالنا من شذاذ الناس ، فقال : ألم تعطوا من أنفسكم العهد والميثاق على الوفاء طائعين غير مكرهين.

__________________

(١) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٢٣٧٢) ، الإصابة الترجمة رقم (٧٨٢٢) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٤٧٦٨) ، تهذيب الكمال (١٢٧١) ، تهذيب التهذيب (٩ / ٤٥٤) ، خلاصة تذهيب الكمال (٣٥٩) ، شذرات الذهب (١ / ٤٥ ، ٥٣) ، الجرح والتعديل (٨ / ٧١) ، الاستبصار (٢٤١ ، ٢٤٢) ، تاريخ الإسلام (٢ / ٢٤٥).

٩٤

قالوا : بلى ، ولكن قد حدث ما ترى ، وقد ترى ما صنع الناس. قال : والذي نفس عدى بيده ، لا أخيس بها أبدا ، ولو كنت جعلتها لرجل من الزنج ، لوفيت له بها ، فإن أبيتم لأقاتلنكم ، يعنى على ما فى يده وما فى أيديهم ، فليكونن أول قتيل يقتل على وفاء ذمته عدى بن حاتم ، أو يسلمها ، فلا تطمعوا أن يسب حاتما فى قبره عدى ابنه من بعده ، فلا يدعونكم عذر عاذر إلى أن تعذروا ، فإن للشيطان قادة عند موت كل نبى ، يستخف لها أهل الجهل حتى يحملهم على قلائص الفتنة ، وإنما هى عجاجة لا ثبات لها ، ولا ثبات فيها ، إن لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، خليفة من بعده يلى هذا الأمر ، وإن لدين الله أقواما سينهضون ويقومون به بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كما قاموا بعهده وذو بيته فى السماء ، لئن فعلتم ليقارعنكم على أموالكم ونسائكم بعد قتل عدى وغدركم ، فأى قوم أنتم عند ذلك ، فلما رأوا منه الجد ، كفوا عنه ، وسلموا له.

ويروى أن مما قال له قومه : أمسك فى يدك ، فإنك إن تفعل تسد الحليفين ، يعنون طيئا وأسدا.

فقال : ما كنت لأفعل حتى أدفعها إلى أبى بكر ، فجاء بها حتى دفعها إليه ، فلما كان زمن عمر بن الخطاب ، رأى من عمر رحمه‌الله ، جفوة ، فقال له عدى : ما أراك تعرفنى؟ قال عمر : بلى ، والله ، والله يعرفك من السماء ، أعرفك والله : أسلمت إذ كفروا ، ووفيت إذ غدروا ، وأقبلت إذ أدبروا ، بلى ، وايم الله أعرفك.

وقدم أيضا الزبرقان بن بدر بصدقات قومه على أبى بكر ، فلم يزل لعدى والزبرقان بذلك شرف وفضل على من سواهما.

وأعطى أبو بكر عديا ثلاثين بعيرا من إبل الصدقة ، وذلك أن عديا لما قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، نصرانيا فأسلم وأراد الرجوع إلى بلاده أرسل إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يعتذر من الزاد ويقول : «والله ، ما أصبح عند آل محمد شقة من الطعام ، ولكن ترجع ويكون خير» ، فلذلك أعطاه أبو بكر تلك الفرائض.

ولما كان من العرب ما كان من التوائهم عن الدين ومنع من منع منهم الصدقة جد بأبى بكر الجد فى قتالهم ، وأراه الله رشده فيهم ، وعزم على الخروج بنفسه إليهم ، وأمر الناس بالجهاز ، وخرج هو فى مائة من المهاجرين ، وقيل : فى مائة من المهاجرين والأنصار ، وخالد بن الوليد يحمل اللواء ، حتى نزل بقعاء ، وهو ذو القصة (١) ، يريد أبو

__________________

(١) ذو القصة : مكان على بريد من المدينة ، وهو الذي أخرج إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا عبيدة بن الجراح رضي‌الله‌عنه. انظر : الروض المعطار (٤٧٧) ، معجم ما استعجم (٣ / ١٠٨٦).

٩٥

بكر أن يتلاحق الناس من خلفه ، ويكون أسرع لخروجهم ، ووكل بالناس محمد بن مسلمة يستحثهم ، فانتهى إلى بقعاء عند غروب الشمس ، فصلى بها المغرب ، وأمر بنار عظيمة فأوقدت ، وأقبل خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر وكان ممن ارتد ، فى خيل من قومه إلى المدينة يريد أن يخذل الناس عن الخروج ، أو يصيب غرة فيغير ، فأغار على أبى بكر رضي‌الله‌عنه ، ومن معه ، وهم غافلون ، فاقتتلوا شيئا من قتال ، وتحيز المسلمون ، ولاذ أبو بكر بشجرة ، وكره أن يعرف ، فأوفى طلحة بن عبيد الله على شرف فصاح بأعلى صوته لا بأس ، هذه الخيل قد جاءتكم ، فتراجع الناس ، وجاءت الأمداد ، وتلاحق المسلمون ، فانكشف خارجة بن حصن وأصحابه ، وتبعه طلحة بن عبيد الله فيمن خف معه ، فلحقوه فى أسفل ثنايا عوسجة ، وهو هارب لا يألو فيدرك أخريات أصحابه ، فحمل طلحة على رجل بالرمح فدق ظهره ، ووقع ميتا ، وهرب من بقى ، ورجع طلحة إلى أبى بكر ، فأخبره أن قد ولوا منهزمين هاربين ، وأقام أبو بكر ببقعاء أياما ينتظر الناس ، وبعث إلى من كان حوله من أسلم وغفار ومزينة وأشجع وجهينة وكعب يأمرهم بجهاد أهل الردة ، والخفوف إليهم ، فتحلب الناس إليهم من هذه النواحى ، حتى شحنت منهم المدينة.

قال سبرة الجهنى (١) : قدمنا معشر جهينة أربعمائة معنا الظهر والخيل ، وساق عمرو ابن مسرة الجهنى مائة بعير عونا للمسلمين ، فوزعها أبو بكر فى الناس ، وجعل عمر بن الخطاب ، وعلى بن أبى طالب يكلمان أبا بكر فى الرجوع إلى المدينة لما رأيا عزمه على المسير بنفسه ، وقد توافى المسلمون وحشدوا ، فلم يبق أحد من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، من المهاجرين والأنصار من أهل بدر إلا خرج ، وقال عمر : ارجع يا خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، تكن للمسلمين فئة وردءا ، فإنك إن تقتل يرتد الناس ويعل الباطل الحق ، وأبو بكر مظهر المسير بنفسه ، وسألهم بمن نبدأ من أهل الردة ، فاختلفوا عليه ، فقال أبو بكر : نصمد لهذا الكذاب على الله وعلى كتابه ، طليحة.

ولما ألحوا على أبى بكر فى الرجوع ، وعزم هو عليه ، أراد أن يستخلف على الناس ،

__________________

(١) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٩١٣) ، الإصابة الترجمة رقم (٣٠٩٤) ، أسد الغابة الترجمة رقم (١٩٣٦) ، مشاهير علماء الأمصار (٣٥) ، الوافى بالوفيات (١٥ / ١١١) ، تهذيب الكمال (١٠ / ٢٠٣) ، تهذيب التهذيب (٣ / ٤٥٠٣) ، تقريب التهذيب (١ / ٢٨٣) ، خلاصة تذهيب التهذيب (١٣٣) ، تاريخ الإسلام (١ / ٢١٢).

٩٦

فدعا زيد بن الخطاب (١) لذلك ، فقال : يا خليفة رسول الله ، قد كنت أرجو أن أرزق الشهادة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلم أرزقها ، وأنا أرجو أن أرزقها فى هذا الوجه ، وإن أمير الجيش لا ينبغى أن يباشر القتال بنفسه ، فدعا أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، فعرض عليه ذلك ، فقال مثل ما قال زيد ، فدعا سالما مولى أبى حذيفة ليستعمله ، فأبى عليه ، فدعا أبو بكر خالد بن الوليد فأمره على الناس ، وقال لهم وقد توافى المسلمون قبله ، وبعث مقدمته أمام الجيش : أيها الناس ، سيروا على اسم الله تعالى وبركته ، فأميركم خالد بن الوليد ، إلى أن ألقاكم ، فإنى خارج فيمن معى إلى ناحية خيبر حتى ألاقيكم. ويروى أنه قال للجيش : سيروا ، فإن لقيتكم بعد غد فالأمر إلى ، وأنا أميركم ، وإلا فخالد بن الوليد عليكم ، فاسمعوا له وأطيعوا.

وإنما قال ذلك أبو بكر لأن تذهب كلمته فى الناس ، وتهاب العرب خروجه ، ثم خلا بخالد بن الوليد ، فقال : يا خالد ، عليك بتقوى الله ، وإيثاره على من سواه ، والجهاد فى سبيله ، فقد وليتك على من ترى من أهل بدر من المهاجرين والأنصار ، فسار خالد ، ورجع أبو بكر ، وعمر ، وعلى ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبى وقاص فى نفر من المهاجرين والأنصار من أهل بدر رضي‌الله‌عنهم جميعهم ، إلى المدينة.

وصية أبى بكر الصديق رضي‌الله‌عنه ،

خالد بن الوليد حين بعثه فى هذا الوجه

قال حنظلة بن على الأسلمى : بعث أبو بكر رضي‌الله‌عنه ، خالد بن الوليد إلى أهل الردة ، وأمره أن يقاتلهم على خمس خصال ، فمن ترك واحدة من الخمس قاتله : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصيام شهر رمضان. زاد زيد بن أسلم : وحج البيت ، وقال : كن ستا.

وعن نافع بن جبران أن أبا بكر حين بعث خالد بن الوليد عهد إليه ، وكتب معه هذا الكتاب : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما عهد به أبو بكر ، خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى

__________________

(١) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٨٥١) ، الإصابة الترجمة رقم (٨٩٠٤) ، أسد الغابة الترجمة رقم (١٨٣٤) ، تجريد أسماء الصحابة (١ / ١٩٨) ، سير أعلام النبلاء (١ / ٢٩٧) ، تهذيب التهذيب (٣ / ٤١١) ، تقريب التهذيب (١ / ٢٧٤) ، خلاصة تذهيب الكمال (١ / ٣٥٢) ، الأعلام (٣ / ٥٨) ، العبر (١٤) ، الثقات (٣ / ١٣٦) ، الاستبصار (٢٩٦ ، ٢٩٧) ، صفة الصفوة (١ / ٤٤٧) ، التحفة اللطيفة (١ / ٩٩) ، الرياض المستطاب (٨٩).

٩٧

خالد بن الوليد ، حين بعثه فيمن بعثه من المهاجرين والأنصار ، ومن معهم من غيرهم لقتال من رجع عن الإسلام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، عهد إليه وأمره أن يتقى الله ما استطاع فى أمره كله ، علانيته وسره ، وأمره بالجد فى أمر الله والمجاهدة لمن تولى عنه إلى غيره ورجع عن الإسلام إلى ضلالة الجاهلية وأمانى الشيطان.

وعهد إليه وأمره أن لا يقاتل قوما حتى يعذر إليهم ويدعوهم إلى الإسلام ، ويبين لهم الذي لهم فى الإسلام والذي عليهم فيه ، ويحرص على هداهم ، فمن أجابه إلى ما دعاه إليه من الناس كلهم ، أحمرهم وأسودهم ، قبل منه ، وليعذر إلى من دعاه بالمعروف وبالسيف ، فإنما يقاتل من كفر بالله على الإيمان بالله ، فإذا أجاب المدعو إلى الإيمان ، وصدق إيمانه ، لم يكن عليه سبيل ، وكان الله حسيبه بعد فى عمله ، ومن لم يجبه إلى ما دعا إليه من دعائه الإسلام ، ممن رجع عن الإسلام بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن يقاتل أولئك بمن معه من المهاجرين والأنصار ، حيث كانوا ، وحيث بلغ مراغمه ، ثم يقتل من قدر عليه من أولئك ، ولا يقبل من أحد شيئا دعاه إليه ولا أعطاه إياه الإسلام والدخول فيه والصبر به وعليه وشهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله.

وأمره أن يمضى بمن معه من المسلمين حتى يقدم اليمامة فيبدأ ببنى حنيفة ومسيلمتهم الكذاب ، فيدعوهم ويدعوه إلى الإسلام ، وينصح لهم فى الدين ، ويحرص على هداهم ، فإن أجابوا إلى ما دعاهم إليه من دعاية الإسلام قبل منهم ، وكتب بذلك إلى ، وأقام بين أظهرهم حتى يأتيه أمرى ، وإن هم لم يجيبوا ولم يرجعوا عن كفرهم واتباع كذابهم على كذبه على الله عزوجل ، قاتلهم أشد القتال بنفسه وبمن معه ، فإن الله ناصر دينه ومظهره على الدين كله ، كما قضى فى كتابه ولو كره الكافرون ، فإن أظهره الله عليهم إن شاء الله وأمكنه منهم فليقتلهم بالسلاح ، وليحرقهم بالنار ، ولا يستبق منهم أحدا قدر على أن يستبقيه ، وليقسم أموالهم وما أفاء الله عليه وعلى المسلمين إلا خمسه ، فليرسل به إلى أضعه حيث أمر الله به أن يوضع إن شاء الله.

وعهد إليه أن لا يكون فى أصحابه فشل من رأيهم ولا عجلة عن الحق إلى غيره ، ولا يدخل فيهم حشو من الناس حتى يعرفهم ويعرف ممن هم ، وعلام اتبعوه وقاتلوا معه ، فإنى أخشى أن يدخل معكم ناس يتعوذون بكم ليسوا منكم ولا على دينكم ، فيكونون عيونا عليكم ، ويتحفظون من الناس بمكانهم معكم ، وأنا أخشى أن يكون ذلك فى الأعراب وجفاتهم ، فلا يكونن من أولئك فى أصحابك أحد إن شاء الله تعالى ، وارفق بالمسلمين فى سيرهم ومنازلهم ، وتفقدهم ، ولا تعجل بعض الناس عن بعض فى المسير

٩٨

ولا فى الارتحال من مكان ، واستوص بمن معك من الأنصار خيرا فى حسن صحبتهم ، ولين القول لهم ، فإن فيهم ضيقا ومرارة وزعارة ، ولهم حق وفضيلة وسابقة ووصية من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فاقبل من محسنهم وتجاوز عن مسيئهم كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

ويروى أن أبا بكر رحمه‌الله ، كتب مع هذا الكتاب كتابا آخر إلى عامة الناس ، وأمر خالدا أن يقرأه عليهم فى كل مجمع ، وهو : بسم الله الرحمن الرحيم ، من أبى بكر خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى من بلغه كتابى هذا من عامة أو خاصة ، تاما على إسلامه أو راجعا عنه ، سلام على من اتبع الهدى ولم يرجع بعد الهدى إلى الضلالة والعمى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبد ورسوله ، الهادى غير المضل ، أرسله بالحق من عنده إلى خلقه بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، لينذر من كان حيا ، ويحق القول على الكافرين ، فهدى الله بالحق من أجاب إليه ، وضرب بالحق من أدبر عنه حتى صاروا إلى الإسلام طوعا وكرها ، ثم أدرك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، عند ذلك أجله الذي قضى الله عليه وعلى المؤمنين ، فتوفاه الله ، وقد كان بين له ذلك ولأهل الإسلام فى الكتاب الذي أنزل عليه ، فقال له : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) [الزمر : ٣٠] ، وقال : (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء : ٣٤ ، ٣٥] ، وقال للمؤمنين : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) [آل عمران : ١٤٤] ، فمن كان إنما يعبد محمدا ، فإن محمدا قد مات ، صلوات الله عليه ، ومن كان إنما يعبد الله وحده لا شريك له ، فإن الله بالمرصاد ، حى قيوم لا يموت ، ولا تأخذه سنة ولا نوم ، حافظ لأمره ، منتقم من عدوه ، وإنى أوصيكم أيها الناس بتقوى الله ، وأحضكم على حظكم ونصيبكم من الله وما جاءكم به نبيكم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأن تهتدوا بهدى الله ، وتعتصموا بدين الله ، فإن كل من لم يحفظه الله ضائع ، وكل من لم يصدقه الله كاذب ، وكل من لم يسعده الله شقى ، وكل من لم يرزقه الله محروم ، وكل من لم ينصره الله مخذول ، فاهتدوا بهدى الله ربكم وما جاءكم به نبيكم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإنه : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) [الكهف : ١٧] ، وإنه قد بلغنى رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أن أقر بالإسلام وعمل به ، اغترارا بالله وجهالة بأمر الله ، وطاعة للشيطان ، (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا

٩٩

حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) [فاطر : ٦] ، وإنى قد بعثت خالد بن الوليد فى جيش من المهاجرين الأولين من قريش والأنصار وغيرهم ، وأمرته أن لا يقاتل أحدا ولا يقتله حتى يدعوه إلى داعية الله ، فمن دخل فى دين الله وتاب إلى الله ورجع عن معصية الله إلى ما كان يقر به من دين الله وعمل صالحا قبل ذلك منه ، وأعانه عليه ، ومن أبى أن يرجع إلى الإسلام بعد أن يدعوه بداعية الله ويعذر إليه بعاذرة الله ، أن يقاتل من قاتله على ذلك أشد القتال بنفسه ومن معه من أنصار دين الله وأعوانه ، ثم لا يبقى على أحد بعد أن يعذر إليه ، وأن يحرقهم بالنار ، ويسبى الذرارى والنساء ، وأمرته أن لا يقبل من أحد شيئا إلا الرجوع إلى دين الله ، وشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد أمرته أن يقرأ على الناس كتابى إليهم فى كل مجمع وجماعة ، فمن اتبعه فهو خير له ، ومن تركه فهو شر له.

وعن عروة بن الزبير ، قال : جعل أبو بكر رضي‌الله‌عنه ، يوصى خالد بن الوليد ويقول : يا خالد ، عليك بتقوى الله ، والرفق بمن معك من رعيتك ، فإن معك أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أهل السابقة من المهاجرين والأنصار ، فشاوروهم فيما نزل بك ، ثم لا تخالفهم ، وقدم أمامك الطلائع ترتاد لك المنازل ، وسر فى أصحابك على تعبئة جيدة ، فإذا لقيت أسدا وغطفان فبعضهم لك وبعضهم عليك ، وبعضهم لا عليك ولا لك ، متربص دائرة السوء ، ينظر لمن تكون الدبرة ، فيميل مع من تكون له الغلبة ، ولكن الخوف عندى من أهل اليمامة ، فاستعن بالله على قتالهم ، فإنه بلغنى أنهم رجعوا بأسرهم ، وإن كفاك الله الضاحية فامض إلى أهل اليمامة ، فإنك تلقى عدوا كلهم عليك ، لهم بلاد منكرة ، فلا تؤتى إلا من مفازة ، فارفق بجيشك فى تلك المفازة ، فإن فى جيشك قوما أهل ضعف ، أرجو أن تنصر بهم حتى تدخل بلادهم إن شاء الله تعالى.

فإذا دخلت بلادهم فالحذر الحذر إذا لقيت القوم فقاتلهم بالسلاح الذي يقاتلونك به ، السهم للسهم ، والرمح للرمح ، والسيف للسيف ، فإن أعطاك الله الظفر عليهم ، فأقل البقيا عليهم إن شاء الله تعالى ، وإياك أن تلقانى غدا بما يضيق صدرى به منك ، اسمع عهدى ووصيتي ، لا تغيرن على دار سمعت فيها أذانا حتى تعلم ما هم عليه ، وإياك وقتل من صلى ، واعلم يا خالد أن الله يعلم من سريرتك ما يعلم من علانيتك ، واعلم أن رعيتك إنما تعمل بما تراك تعمل ، كف عليك أطرافك ، وتعاهد جيشك ، وانههم عما لا يصلح لهم ، فإنما تقاتلون من تقاتلون بأعمالكم ، وبهذا نرجو لكم النصر على أعدائكم ، سر على بركة الله تعالى.

١٠٠