الزبدة الفقهيّة - ج ٧

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٧

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: كيميا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6307-60-4
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٥٧٢

والأصل عدم النسخ ، وعلى الأول (١) هل يتقيد جواز العضل ببذل ما وصل إليها منه من مهر ، وغيره فلا يجوز الزيادة عليه (٢) أم لا يتقيد (٣) إلا برضاه (٤) ، اختار المصنف الأول (٥) حذرا من الضرر العظيم ، واستنادا إلى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لجميلة

______________________________________________________

(١) من جواز العضل.

(٢) على الواصل كما عليه الشهيد في بعض تحقيقاته حذرا من الضرر العظيم ، واستنادا إلى النبوي (أن جميلة زوجة ثابت بن قيس أتت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأظهرت الكراهة منه فنزلت الآية ـ آية العضل ـ وكان قد أصدقها حديقة ، فقال ثابت : يا رسول الله ترد الحديقة؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما تقولين؟ قالت : وأزيده ، فقال : لا ، حديقة فقط ، فاختلعت منه) (١) ، وفي بعض ألفاظ الخبر كما في المسالك : (أما الزيادة فلا ، ولكن حديقته).

والخبر ظاهر في عدم جواز الزيادة على الواصل إليها منه.

وعن الأكثر جواز الزيادة لإطلاق الاستثناء في قوله تعالى : (وَلٰا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مٰا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلّٰا أَنْ يَأْتِينَ بِفٰاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) (٢) ، ولعدّ الأصحاب هذا خلعا ، والبذل فيه غير متقيّد بقدر مخصوص.

وفي الاستدلال الجانبين نظر ، أما استدلال الشهيد ففيه أن بذل الزائد لو كان ضررا لجرى مثله في الخلع ، ولوجب عدم بذل الزائد فيه حينئذ مع أن بذل الزائد في الخلع جائز بالاتفاق ، وأما الخبر فلا دلالة فيه على موضع النزاع لأن المرأة المذكورة ليست من هذا الباب ، أعني التي يجوز عضلها لفاحشتها ، بل زوجة جميل كانت كارهة له على أصل قاعدة الخلع وهو مريد لها هذا من جهة ومن جهة أخرى فتقييد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم البذل بالحديقة لكون الزوج طلبها ، وإلا لجازت الزيادة بالاتفاق.

وأما استدلال الأكثر فالآية غير مطلقة لأن المستثنى منه فيها مقيّد ببعض ما أعطاها ، والاستثناء تابع له كما هو الواضح وإطلاق الخلع على موردنا من العضل أول الكلام ، لأن الخلع مشروط بكراهتها له وقد لا تكون كارهة. فالأولى الاستدلال على جواز بذل الزائد بأصالة عدم الاشتراط.

(٣) أي لا يتقيد جواز العضل بقدر مخصوص.

(٤) أي رضا الزوج كما عليه الأكثر.

(٥) وهو التقييد.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٧ ص ٣١٣.

(٢) سورة النساء ، الآية : ١٩.

١٦١

بنت عبد الله بن أبي لما كرهت زوجها ثابت بن قيس وقال لها : أتردين عليه حديقته قالت: نعم وأزيده ، لا حديقته (١) فقط.

ووجه الثاني (٢) إطلاق الاستثناء (٣) الشامل للزائد ، وعدّ الأصحاب مثل هذا خلعا (٤) ، وهو (٥) غير مقيد (٦).

وفيه (٧) نظر ، لأن المستثنى منه (٨) إذهاب بعض ما أعطاها فالمستثنى هو ذلك البعض فيبقى المساوي (٩) والزائد على أصل المنع ، فإن خرج المساوي بدليل آخر (١٠)

______________________________________________________

(١) هذا مقول قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي أشار إليه بقوله : واستنادا إلى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هذا والخبر كما رواه صاحب الغوالي (أن جميلة بنت عبد الله بن أبي كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس ، فكانت تبغضه ويحبها ، فأتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا أنا ولا ثابت ، لا يجمع رأسي ورأسه شي‌ء ، والله ما أعيب عليه في دين ولا خلق ، ولكنّي أكره الكفر في الإسلام ، ما أطيقه بغضا ، إن رفعت جانب الخباء فرأيته وقد أقبل في عدة ، فإذا هو أشدهم سوادا وأقصرهم قامة ، وأقبحهم وجها ، فنزلت آية الخلع ، وكان قد أصدقها حديقة ، فقال ثابت : يا رسول الله ، فلتردّ عليّ الحديقة ، قال : فما تقولين؟

قالت : نعم وأزيده ، قال : لا ، الحديقة فقط ، فقال لثابت : خذ منها ما أعطيتها وخلّ عن سبيلها ، فاختلعت منه بها ، وهو أول خلع وقع في الإسلام) (١).

(٢) أي القول الثاني من عدم تقييد جواز العضل بما وصل إليها منه.

(٣) أي الاستثناء الوارد في الآية وهو قوله تعالى : (إِلّٰا أَنْ يَأْتِينَ بِفٰاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) (٢).

(٤) بل هو صريح خبر الغوالي المتقدم.

(٥) أي الخلع.

(٦) أي غير مقيّد بعدم الزيادة ، بخلاف المبارأة فإنها مقيّدة بعدم الزيادة.

(٧) أي في الوجه الثاني.

(٨) أي المستثنى منه في الآية المتقدمة.

(٩) أي المساوي لما أعطاها الزوج.

(١٠) وفيه : إنه إذا ثبت أصل المنع فلا دليل لخروج المساوي.

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من كتاب الخلع حديث ٣.

(٢) سورة النساء ، الآية : ١٩.

١٦٢

بقي الزائد ، وإطلاق الخلع عليه (١) محل نظر ، لأنها (٢) ليست كارهة ، أو الكراهة غير مختصة بها (٣) بحسب الظاهر ، وذكرها (٤) في باب الخلع لا يدل على كونها منه (٥).

(وإذا تم الخلع فلا رجعة للزوج (٦) قبل رجوعها في البذل(وللزوجة)

______________________________________________________

(١) على مثل هذا الطلاق الذي عضلها في البذل فيه.

(٢) أي الزوجة التي أتت بفاحشة ليست كارهة قبل العضل.

(٣) لأن ظاهر الفصل ثبوت الكراهة للزوج أيضا مع المرأة فتكون من المبارأة.

(٤) أي ذكر مسألة عضل الزوجة التي أتت بفاحشة.

(٥) أي من الخلع ، هذا وكان على الشارح أن يذكر النظر في القول الأول كما فعل في المسالك ، وقد تقدم وجه ضعفه فلا نعيد.

(٦) لا خلاف ولا إشكال أنه إذا صح الخلع فلا رجعة له للأخبار

منها : صحيح ابن بزيع (سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن المرأة تباري زوجها أو تختلع منه بشهادة شاهدين على طهر من غير جماع ، هل تبين منه بذلك؟ أو تكون امرأته ما لم يتبعها بطلاق؟ فقال عليه‌السلام : تبين منه ، وإن شاءت أن يردّ إليها ما أخذ منها وتكون امرأته فعلت) (١) ، وصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث : (ولا رجعة للزوج على المختلعة ولا على المبارأة إلا أن يبدو للمرأة فيردّ عليها ما أخذ منها) (٢) ، وموثق أبي العباس عن أبي عبد الله عليه‌السلام (المختلعة إن رجعت في شي‌ء من الصلح يقول : لأرجعنّ في بضعك) (٣).

ومنها يعرف أنها إذا رجعت في البذل يرجع إليها إن شاء بلا خلاف فيه أيضا. وإنما الكلام في موارد

الأول : هل يعتبر في رجوعها اتفاقهما على ذلك فلو لم يرض الزوج برجوعها في البذل فلا يجوز لها الرجوع كما عن ابن حمزة والشارح في المسالك ونفى عنه البأس في المختلف واستدل له بأن الخلع عقد معاوضة فيعتبر في فسخه رضاهما ، أو لا يعتبر رضاهما في جواز رجوعها في البذل بل يجوز رجوعها في البذل وإن لم يرض الزوج كما هو المشهور لإطلاق النصوص ، بل لصريح صحيح ابن بزيع المتقدم (وإن شاءت أن يردّ إليها ما أخذ منها وتكون امرأته فعلت) ، وهو ظاهر في كفاية رضاها فقط.

المورد الثاني : هل يعتبر في صحة رجوعها فيما بذلت إمكان رجوعه في الطلاق ، بحيث

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب الخلع حديث ٩.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الخلع حديث ٤ و ٣.

١٦٣

(الرجوع في البذل ما دامت في العدة) إن كانت ذات عدة ، فلو خرجت عدتها ، أو لم يكن لها عدة كغير المدخول بها ، والصغيرة ، واليائسة فلا رجوع لها مطلقا (١) (فإذا رجعت) هي حيث يجوز لها الرجوع صار الطلاق رجعيا يترتب عليه أحكامه (٢) من النفقة ، وتحريم الأخت (٣) والرابعة (٤) (ورجع هو إن شاء) ما دامت العدة باقية ولم يمنع من رجوعه مانع كما (٥) لو تزوج بأختها ، أو رابعة قبل رجوعها (٦)

______________________________________________________

لو كان الطلاق بائنا ولها عدة ، كالطلاق الثالث فهو بائن ولها عدة لأنه مدخول بها غير يائس فلا يجوز لها الرجوع في البذل لأنه لا يمكن للزوج أن يرجع هنا ، لأن الطلاق بائن على كل حال بحسب مورده ، وهذا هو المشهور بين الأصحاب.

وذهب المحقق في الشرائع والعلامة في التبصرة وجماعة إلى عدم اعتبار ذلك تمسكا بإطلاق الأخبار ، واستدل للمشهور بصحيح ابن بزيع وموثق أبي العباس المتقدمين ، الدالين على التلازم بين جواز رجوعها وجواز رجوعه ، ولا أقل من أن التلازم هو مفاد النصوص فقط ، فيبقى جواز رجوعها في مورد عدم جواز رجوعه على أصالة عدم الجواز.

المورد الثالث : فإذا رجعت المرأة بالبذل وجاز للزوج الرجوع فهل يترتب على المرأة أحكام العدة الرجعية من وجوب النفقة والسكنى وتجديد عدة الوفاة لو مات في هذه العدة إلى آخر الأحكام أو لا ، وجهان أو قولان كما في الجواهر.

استدل للأول أن المراد من العدة الرجعية هو ما جاز للزوج الرجوع فيها ، وهنا بعد رجوع المرأة في البذل يجوز للزوج الرجوع فهي في عدة رجعية حينئذ واستدل للثاني بأن العدة ابتدأت على البينونة وأن الخلع طلاق بائن ، وهذا ما يوجب سقوط جميع أحكام العدة الرجعية ، فإذا رجعت في البذل نشك في رجوع أحكام العدة الرجعية وإن جاز للزوج الرجوع ، والاستصحاب يقتضي عدم الرجوع.

(١) أي أصلا ، لأنه يشترط في صحة رجوعها إمكان رجوعه.

(٢) أي أحكام الطلاق الرجعي. وقد تقدم الكلام فيه في المورد الثالث.

(٣) لأن الرجعية بحكم الزوجة ويحرم الجمع بين الأختين.

(٤) أي الرابعة من الزوجات غير المطلقات ، فلا تصح لأن الرجعية زوجة فتكون الجديدة حينئذ خامسة.

(٥) تمثيل للمانع.

(٦) أي رجوعها في البذل.

١٦٤

إن جوزناه (١).

نعم لو طلقها (٢) بائنا في العدة (٣) جاز له الرجوع (٤) حينئذ (٥) فيها (٦) ، لزوال المانع ، ولو كان الطلاق (٧) بائنا (٨) مع وجود العدة كالطلقة الثالثة ففي جواز رجوعها في العدة وجهان. من إطلاق (٩) الإذن فيه (١٠) المتناول له (١١). ومن أن (١٢) جواز رجوعها في البذل مشروط بإمكان رجوعه في النكاح بالنظر إلى الخلع ، لا بسبب أمر خارجي (١٣)

______________________________________________________

(١) أي جوّزنا تزويجه بالأخت أو الرابعة قبل رجوعها بالبذل ، وهذا إشارة إلى أنه يحتمل أنه لا يجوز التزويج بالأخت أو الرابعة قبل رجوعها في البذل ، لأنه متزلزل كالرجعي فيكون في حكم الرجعي ، وإن كان بحسب الظاهر هو بائن بالفعل.

(٢) أي طلق الأخت أو الرابعة.

(٣) أي عدة المختلعة الأولى.

(٤) أي الرجوع إلى المختلعة الأولى.

(٥) أي حين طلاق الأخت أو الرابعة.

(٦) أي في عدة المختلعة الأولى إن رجعت هي بالبذل.

(٧) أي طلاق المختلعة.

(٨) أي أن الطلاق الخلعي لو كان بائنا من غير جهة الخلع كما لو كان ثالثا مع ثبوت العدة لكونها مدخولا بها غير يائس ففي جواز رجوع المختلعة في البذل في أثناء العدة وجهان ، تقدم الكلام فيه في المورد الثاني سابقا.

(٩) دليل لجواز الرجوع في البذل كما عن المحقق والعلامة.

(١٠) في رجوعها بالبذل.

(١١) أي لرجوعها في البذل في هذا المقام ، وهو عدم إمكان رجوعه في الطلاق.

(١٢) دليل على عدم جواز الرجوع في البذل كما هو المشهور.

(١٣) مراد الشارح أن جواز رجوعها مشروط بإمكان رجوعه في الجملة بالنظر إلى أصل الخلع ، وإن امتنع رجوعه بسبب أمر خارجي يمكن زواله ، كالتزويج بالأخت أو الرابعة حيث يمكن زواله بالطلاق البائن أو موتهما ، فلذا لم يمنع التزويج المذكور لو ارتفع قبل رجوع المختلعة في البذل.

أما لو لم يمكن الرجوع للزوج بالنظر إلى أصل الخلع والمراد به أصل الطلاق ، كما في مقامنا حيث وقع الطلاق بائنا لأنه ثالث ، فلا يجوز لها الرجوع في البذل لأنه مشروط بإمكان رجوعه في الطلاق.

١٦٥

يمكن زواله كتزويجه بأختها ، ولأنه (١) برجوعها يصير الطلاق رجعيا ، وهذا (٢) لا يمكن أن يكون رجعيا.

ولا يخفى أن هذين (٣) مصادرة على المطلوب (٤).

لكن المشهور المنع. والوجهان (٥) آتيان فيما لو رجعت ولمّا يعلم (٦) حتى خرجت العدة حيث يمكنه الرجوع لو علم. من إطلاق (٧) الإذن لها في الرجوع ، ولزوم (٨) الإضرار به (٩).

______________________________________________________

(١) لأن الشأن والواقع ، وهو دليل ثان على عدم جواز رجوعها في البذل ، وهو راجع في الحقيقة إلى الأول.

(٢) أي هذا الطلاق الثالث.

(٣) وهما دليل عدم جواز رجوعها في البذل.

(٤) لأنهما عين المتنازع فيه ، لأنه لم لا يجوز أن ترجع هي في البذل وإن لم يمكنه الرجوع في الطلاق.

(٥) من جواز رجوعها في البذل في أثناء العدة وعدم الجواز.

(٦) أي ولما يعلم الزوج بالرجوع ، وبناء على اشتراط التلازم وهو أنه لا يصح لها الرجوع في البذل إلا إذا أمكن له الرجوع في الطلاق فقد وقع البحث بينهم في أنه هل للزوجة الرجوع فيما بذلت من دون أن يعلم الزوج بذلك إلا بعد العدة كما عن العلامة في القواعد نظرا إلى تحقق شرط جواز رجوعها ، وهو جواز الرجوع للزوج واقعا وإن لم يعلم به.

أم ليس لها ذلك كما عن جماعة نظرا إلى أن شرط جواز رجوعها هو علم الزوج برجوعها ليكون له الرجوع إذا أراد ، ويدل عليه موثق أبي العباس عن أبي عبد الله عليه‌السلام (المختلعة إن رجعت في شي‌ء من الصلح يقول : لأرجعنّ في بضعك) (١) وهو ظاهر في صورة علمه برجوعها ، ولا أقل أنه القدر المتيقن فيبقى غيره على أصالة عدم جواز الرجوع.

(٧) دليل على جواز رجوعها وإن لم يعلم الزوج بذلك في العدة ، ويكون شرط رجوعها في البذل إمكان رجوعه في

الطلاق وإن لم يعلم به.

(٨) دليل على عدم جواز رجوعها إن لم يعلم الزوج بذلك في العدة ، ويكون شرط رجوعها في البذل علمه بالرجوع ليكون له الرجوع إذا أراد.

(٩) ووجه الإضرار أنه لو صح رجوعها بالبذل من غير علمه للزم العود عليه بالبذل مع

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الخلع حديث ٣.

١٦٦

والأقوى الجواز (١) هنا (٢) ، للإطلاق (٣) ، ولأن (٤) جواز رجوعه (٥) مشروط بتقدم رجوعها (٦) فلا يكون (٧) شرطا فيه (٨) ، وإلا (٩) دار (١٠) ، والإضرار (١١) حصل باختياره حيث أقدم على ذلك (١٢) مع أن له (١٣) طريقا إلى الرجعة في

______________________________________________________

فوات البضع عليه ، وهو عين الضرر وهو منفي بالشريعة.

(١) أي جواز رجوعها في البذل.

(٢) وإن لم يعلم الزوج بذلك في العدة.

(٣) أي إطلاق الأدلة الدالة على جواز رجوعها في البذل ، وفيه أن موثق أبي العباس المتقدم هو من جملة الأدلّة على جواز رجوعها في البذل ، وهو ظاهر في صورة علمه برجوعها.

(٤) دليل ثان على الجواز.

(٥) أي رجوع الزوج في الطلاق.

(٦) أي رجوع الزوجة في البذل.

(٧) أي رجوع الزوج في الطلاق.

(٨) في رجوع الزوجة في البذل.

(٩) أي وإن كان جواز رجوعه شرطا في رجوعها كما هو مقتضى اشتراط علمه بالرجوع في جواز رجوعها في البذل.

(١٠) وقد رده الشارح في المسالك بقوله : (والدور إنما يلزم لو توقف رجوعها على رجوعه بالفعل ، أما إذا توقف على جوازه بالقوة بمعنى تمكنه من الرجوع بعد رجوعها فلا) انتهى.

والمعنى أن الذي هو شرط في رجوعها علمه بالرجوع حتى يمكن له الرجوع إليها بعد رجوعها إذا شاء ، وتمكنه من الرجوع إليها بعد رجوعها هو الشرط في رجوعها ، مع أن رجوعها شرط في رجوعه الفعلي لا في تمكنه من الرجوع المذكور فلم يتكرر الحد الأوسط حتى يلزم الدور.

(١١) دفع لدليل عدم جواز رجوعها عند عدم علم الزوج بذلك ، وحاصله أن الضرر المنفي هو الضرر الناشئ من الغير ، أما الضرر الناشئ من نفس المكلف فلا ينفي حكما ، وهنا الضرر ناشئ من نفس الزوج حيث أقدم على خلعها وهو عالم بجواز رجوعها وإن لم يعلم بذلك فهو الذي أقدم على تفويت البضع.

(١٢) أي على الخلع الذي من حكمه جواز رجوعها على هذا الوجه.

(١٣) أي للزوج ، وهذا جواب ثان عن دليل الإضرار ، وهو جواب مبني على عدم الضرر بخلاف الجواب الأول فإنه قد سلم بالضرر إلا أنه من قبل نفسه.

١٦٧

الأوقات المحتملة (١) إلى آخر جزء من العدة.

(ولو تنازعا في القدر) أي قدر الفدية(حلفت) (٢) لأصالة عدم زيادتها عما تعترف به منها ، (وكذا) يقدم قولها مع اليمين(لو تنازعا في الجنس) مع اتفاقهما (٣) على القدر (٤) بأن اتفقا على أنها (٥) مائة لكن ادعى أنها (٦) دنانير وادّعت أنها دراهم ، لأصالة(٧)

______________________________________________________

(١) أي المحتملة لرجوع الزوجة وإن لم يعلم الزوج بالرجوع.

(٢) لو اتفقا على الجنس واختلفا في القدر بأن قال : بذلت ألفا ، فقالت : مائة ، فلا إشكال وظاهرهم عدم الخلاف فيه أن يقدم قولها مع يمينها ، لأن المائة قدر متفق عليه بينهما ومختلفان في الزائد ، وهي منكرة لموافقة قولها أصالة عدم الزيادة.

(٣) إذا اتفقا على وقوع الطلاق بعوض مبذول من جانبها ، واتفقا على قدره واختلفا في جنسه بأن قال : بذلت مائة دينار ، فقالت : بل مائة درهم ، قدّم قولها مع يمينها كما عليه الأكثر ، لأن الزوج هو المدعي بحسب ظاهر كلامه ، وهي بحسب ظاهر كلامها منكرة لما يدعيه الزوج ، ويوافق قولها أصالة البراءة مما يدعيه.

وفي المسالك والروضة هنا أنها تحلف يمينا جامعة بين نفي ما يدعيه وإثبات ما تدعيه ، وفيه أن المنكر وظيفته اليمين على نفي دعوى الخصم فقط ، وأما ما تدعيه فهو ثابت عليها بلا يمين لثبوته بإقرارها.

هذا وعن بعض العامة أنهما يتحالفان ، لأن كلا منهما مدّع ومدّع عليه ، ولا جامع بين دعوى الذهب والفضة ، ومع التحالف يثبت مهر المثل ولا يحكم بفسخ أو انفساخ الطلاق لاتفاقهما على وقوعه بعوض مبذول ، وفي المبسوط جعله أولى ، واستحسنه الشارح في المسالك.

قلت : إن الخلع إذا كان معاوضة حقيقية واختلفا في جنس العوض ، فكل منهما مدع ومدع عليه ، لأن تشخيص المعاوضة بما يدعيه أحدهما من العوض مغاير للمعاوضة على ما يدعيه الآخر ، وتجري ضابطة التحالف ، إلا أن الخلع طلاق بحسب واقعه وإن اشتمل على معاوضة من الفداء في قبال البضع ، فالخلع واقع على كل حال ، والزوج مدع والمرأة غير مدعية على الزوج شيئا فلا بد من قاعدة اليمين على من أنكره كما عليه الأكثر.

(٤) أي الفدية.

(٥) أي الزوج.

(٦) أي المائة.

(٧) تعليل لتقديم قولها مع اليمين ، وهي أصالة البراءة مما يدعيه.

١٦٨

عدم استحقاق ما يدعيه ، ولأنه مدّع (١) فعليه البينة ، فتحلف يمينا جامعة بين نفي ما يدعيه ، وإثبات ما تدعيه (٢) فينتفي مدعاه ، وليس له (٣) أخذ ما تدعيه (٤) ، لاعترافه بأنه لا يستحقه (٥). وينبغي جواز أخذه (٦) مقاصة ، لا أصلا (٧).

ويحتمل تحالفهما لأن كلا منهما منكر لما يدعيه صاحبه ، وهي (٨) قاعدة التحالف ، وحينئذ (٩) فيسقط ما تداعياه بالفسخ (١٠) أو الانفساخ (١١) ، ويثبت مهر المثل ، إلا أن أصحابنا أعرضوا عن هذا الاحتمال رأسا ، ومخالفونا جزموا به(أو الإرادة) (١٢)

______________________________________________________

(١) أي مدع بحسب ظاهر قوله.

(٢) لا داعي للحلف على ما تدعيه حتى يثبت

أولا : لأن المنكر لا يحلف على إثبات ما يدعيه بل يحلف على نفي دعوى الخصم.

وثانيا : أن ما يدعيه المنكر ثابت في حقه لإقراره به.

(٣) أي للزوج.

(٤) أي تدعيه المرأة من مائة درهم ، لأنه يدعي ثبوت مائة دينار ، والدينار مغاير للدرهم ، إذ الأول من الذهب والثاني من الفضة.

(٥) أي لا يستحق ما تدعيه المرأة.

(٦) أي أخذ الزوج لما تدعيه المرأة من باب التقاص ، وليس من باب الاستحقاق ، وفيه أنه قد ثبت في كتاب القضاء قاعدة إذهاب اليمين بحق المدعي ، وأنه لا يجوز التقاص بعد اليمين بلا خلاف فيه بينهم.

(٧) أي من كل وجه.

(٨) أي مسألة إنكار كل منهما لما يدعيه الآخر.

(٩) أي حين التحالف.

(١٠) بأن يفسخ كل منهما ما يدعيه من دون يمين.

(١١) بسبب اليمين.

(١٢) بحيث اتفقا على ذكر القدر ، واتفقا على عدم ذكر الجنس لفظا ، واتفقا على أنهما قد أرادا جنسا معينا اتفقت إرادتهما عليه ، ولكن الآن اختلفا في ذلك الجنس الذي أراداه حالة العقد ، بأن قالت له : طلقني على ما مائة فطلقها بها ، ثم قال : أردنا بها مائة دينار ، فقالت : بل مائة درهم ، فعن المحقق وجماعة أن القول قولها مع يمينها ، لأن العقد صحيح في نفسه حيث اتفقا على إرادة جنس معين والإرادة كافية في صحة العقد وإن لم يتلفظ بها ، وحينئذ فيرجع الاختلاف في الإرادة إلى الاختلاف في الجنس المعين ، فيرجع

١٦٩

مع اتفاقهما عليها (١) بأن اتفقا على ذكر القدر وعدم ذكر الجنس لفظا ، وعلى إرادة جنس معين لكن اختلفا في الجنس المراد.

وإنما كان القول قولها فيها (٢) ، لأن الاختلاف في إرادتها ولا يطّلع عليها إلا من قبلها فيقدم قولها فيها (٣).

ويشكل بأن المعتبر إرادتهما معا للجنس المعين ، ولا تكفي إرادتها خاصة ، وإرادة كل منهما لا يطلع عليها إلا من قبله (٤).

ولو علل (٥) بأن الإرادة إذا كانت كافية عن ذكر الجنس المعين (٦) كان الاختلاف فيها (٧) اختلافا في الجنس المعين (٨) فتقديم قولها من هذه الحيثية (٩) لا

______________________________________________________

إليها فيه ، ولأن الاختلاف في إرادتها ولا يطّلع عليها إلا من قبلها.

وفيه أن الاختلاف في الجنس المعين لا يقتضي الرجوع إليها وتقديم قولها ، بل يقتضي التحالف كما هو قول في المسألة ، وبأن الاختلاف هنا يرجع إلى تعيين ما اتفقا عليه من الإرادة ، فالمعتبر إرادتهما معا لا إرادتها فقط ، وإرادة كل منهما لا يطلع عليها إلا من قبله ، فلذا استوجه الشارح في المسالك التحالف وهو القول الثاني في المسألة ، وذهب الشيخ في المبسوط إلى أنه يبطل الخلع هنا ، لأن البذل هنا أصبح مجهولا وهو يقتضي الفساد ، وفيه أن المجهولية المانعة هي الواقعة حال العقد ، مع أنهما متفقان على عدمها وإنما حصلت الجهالة بتنازعهما في المراد.

(١) على الإرادة وحينئذ فالاختلاف على المراد من الجنس.

(٢) في مسألة الإرادة.

(٣) في الإرادة ، وهذا هو قول المحقق وجماعة.

(٤) أي من قبل كل منهما.

(٥) أي علّل الحكم بتقديم قولها بما يأتي فلا إشكال.

(٦) والإرادة كافية لأنه لا يشترط في صحة البذل ذكر الجنس لفظا ، بل يكفي في الصحة إرادته.

(٧) في الإرادة.

(٨) ومع الاختلاف في الجنس المعين يقدم قول المرأة مع يمينها على ما تقدم بيانه.

(٩) أي حيثية كون الاختلاف اختلافا في الجنس المعين فلا إشكال ، لأن الإشكال وارد لو كان تقديم قولها من جهة كون الاختلاف في الإرادة ، فتخصيص تقديم إرادتها دون إرادتهما مشكل.

١٧٠

من جهة تخصيص الإرادة.

وقال الشيخ : يبطل الخلع هنا (١) مع موافقته (٢) على السابق (٣) ، وللقول بالتحالف هنا (٤) وجه كالسابق (٥).

ولو كان اختلافهما في أصل الإرادة (٦) مع اتفاقهما على عدم ذكر الجنس فقال أحدهما : أردنا جنسا معينا ، وقال الآخر : إنا لم نرد ، بل اطلقنا ، رجع النزاع إلى دعوى الصحة والفساد. ومقتضى القاعدة تقديم مدعيها (٧) منهما مع يمينه.

ويحتمل تقديم منكرها (٨)

______________________________________________________

(١) في الإرادة.

(٢) أي موافقة الشيخ.

(٣) من تقديم قولها مع اليمين إذا كان الاختلاف في الجنس ، والفرق بين قوليه غير واضح ، لأن الاختلاف في الإرادة راجع إلى الاختلاف في الجنس ، فلم حكم ببطلان الخلع في الأول وبصحته مع تقديم قولها في الثاني.

(٤) في الإرادة.

(٥) أي فيما لو اختلفا في الجنس مع اتفاقهما على القدر.

(٦) بحيث يدعي أحدهما إرادة جنس والآخر ينكرها ، وذلك لو اتفقا على عدم ذكر الجنس ، فقال أحدهما : أردنا جنسا معينا ، وقال الآخر : لم نرد جنسا بل أطلقنا ، فيرجع النزاع إلى دعوى الصحة والفساد ، لأن مدعي إرادة الجنس يدعي صحة الخلع ، والآخر يدعي بطلانه ، لأن الخلع مشروط بتحديد العوض جنسا وقدرا.

ومن المعلوم تقديم مدعي الصحة مع يمينه ، لأصالة الصحة في العقود ، وعن التحرير تقديم قول المرأة هنا سواء كانت دعواها الإرادة أم عدمها ، لأن مرجع النزاع إلى وجود إرادتها وعدمه ، ولا يطلع عليها إلا من قبلها فيقدم قولها مع يمينها ، وفيه : ما تقدم أن مرجع الاختلاف والنزاع إلى إرادتهما معا لا إلى إرادتها فقط ، وإرادة كل منهما لا يطلع عليها إلا من قبله.

وعن القواعد تقديم منكر الإرادة لموافقة قوله أصالة عدم الإرادة ، فيحلف ويحكم ببطلان الخلع ، وفيه أنهما متفقان على وقوع الخلع بعوض مبذول من جانبها ، فلا تسمع دعوى منكر إرادة الجنس حينئذ.

(٧) أي مدعي الصحة وهو مدعي إرادة الجنس.

(٨) أي منكر الإرادة.

١٧١

والبطلان (١) ، لأصالة عدمها (٢). وهو ظاهر القواعد ، وتقديم (٣) قول المرأة ، لرجوع النزاع إلى إرادتها كما هو ظاهر التحرير ،

وفيه ما ذكر (٤).

(ولو قال : خلعتك على ألف في ذمتك فقالت : بل في ذمة زيد حلفت على الأقوى (٥) ، لأنه مدع وهي منكرة لثبوت شي‌ء في ذمتها فكانت اليمين عليها. وقال ابن البرّاج : عليه اليمين ، لأن الأصل في مال الخلع أن يكون في ذمتها ، فإذا ادعت كونه (٦) في ذمة غيرها لم تسمع ، لأصالة عدم انتقالها عن ذمتها. وعلى الأول (٧) لا عوض عليها ، ولا على زيد ، إلا باعترافه (٨) ، وتبين منه بمقتضى دعواه (٩).

ومثله (١٠) ما لو قالت (١١):

______________________________________________________

(١) أي بطلان الخلع مع اليمين.

(٢) أي عدم الإرادة.

(٣) أي ويحتمل تقديم قول المرأة.

(٤) من أن النزاع يرجع إلى إرادتهما معا لا إلى إرادتها خاصة.

(٥) وهو قول الشيخ ومشهور المتأخرين ، لأصالة براءة ذمتها من العوض ، ولأنه يدعي شغل ذمتها ، فهو المدعي وهي المنكرة فيقدم قولها مع يمينها ، ولو حلفت فيسقط عنها العوض ، ولا يلزم زيدا بمجرد دعوى الرجل بل يتوقف على اعترافه بذلك ، وتبين المرأة منه بمجرد دعواه ، لأنه معترف بخلعها على الوجه الصحيح شرعا.

وعن ابن البراج أن القول قوله مع يمينه ، وعليها البينة ، لأن الأصل في حال الخلع أن يكون في ذمة الزوجة ، وفيه أنه أصل غير ثابت بناء على جواز التبرع من الأجنبي.

(٦) أي كون حال الخلع.

(٧) من تقديم قولها مع اليمين.

(٨) أي اعتراف زيد.

(٩) أي دعوى الزوج ، لأنه معترف بخلعها على الوجه الصحيح شرعا.

(١٠) أي ومثل الفرع المتقدم من تقديم قولها مع اليمين.

(١١) أي فيما لو قالت في جواب دعواه السابقة عند ما قال : خلعتك على ألف في ذمتك ، فقالت : بل خالعك فلان والعوض عليه ، فهي منكرة لوقوع العقد معها ، فيقدم قولها مع اليمين لأصالة براءة ذمتها من العوض ، ولأصالة عدم وقوع العقد منها ، ولا شي‌ء

١٧٢

بل خالعك فلان والعوض عليه ، لرجوعه (١) إلى إنكارها الخلع من قبلها ، أما لو قالت : خالعتك على ألف ضمنها فلان عني ، أو دفعتها ، أو أبرأتني ، ونحو ذلك (٢) فعليها المال مع عدم البينة (٣).

(والمبارأة) وأصلها المفارقة. قال الجوهري (٤) : تقول : بارأت شريكي إذا فارقته ، وبارأ الرجل امرأته (٥) (وهي كالخلع (٦) في الشرائط والأحكام(إلا أنها) تفارقه (٧) في أمور :

منها : أنها (٨) (تترتب على كراهية كل من الزوجين) لصاحبه. فلو كانت

______________________________________________________

للزوج على الأجنبي لاعترافه بأن الخلع لم يجر معه ، وتحصل البينونة لاعتراف الزوج بوقوع الخلع على الوجه الصحيح ، وهذا مبني على صحة تبرع الأجنبي ، نعم لو قلنا بفساد تبرع الأجنبي كما هو المشهور فهي تدعي فساد الخلع وهو يدعي صحته فيقدم قوله مع يمينه كما هو واضح لقاعدة تقديم مدعي الصحة على مدعي الفساد.

(١) أي رجوع النزاع.

(٢) بحيث يدعي عليها عوض الخلع فتعترف بلزومه لها ابتداء ، وتعترف بوقوع العقد معها ، ولكن ادعت أنه ضمنه عنها فلان ، أو أبرأها منه ، أو دفعته إليه فهي المدعية وهو المنكر ، لأصالة عدم وصول حقه من مال الخلع إليه بعد اعترافها بثبوت هذا الحق له ، فيقدم قوله مع يمينه ، ولا يقبل قولها إلا بالبينة.

(٣) أي مع عدم البينة منها وصدور اليمين منه.

(٤) في الصحاح.

(٥) أي إذا فارقها.

(٦) اعلم أن المبارأة طلاق بعوض مترتب على كراهة كل من الزوجين صاحبه ، ولها أحكام تخصها ، وأحكام تشترك مع الخلع فيها ، وشرائط الخالع والمختلعة والعوض أحكام مشتركة ، فلذا اقتصروا على الأحكام التي تخص المباراة وهي قليلة

منها : أن المباراة مشروطة بكراهية كل من الزوجين بلا خلاف فيه للأخبار.

منها : موثق سماعة (سألته عن المباراة كيف هي؟ فقال : يكون للمرأة شي‌ء على زوجها من مهر أو من غيره ، ويكون قد أعطاها بعضه فيكره كل واحد منهما صاحبه ، فتقول المرأة لزوجها : ما أخذت منك فهو لي وما بقي عليك فهو لك ، وأبارئك فيقول الرجل لها : فإن أنت رجعت في شي‌ء مما تركت فأنا أحق ببضعك) (١).

(٨) أي المباراة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب الخلع والمبارأة حديث ٣.

١٧٣

الكراهة من أحدهما خاصة ، أو خالية عنهما (١) لم تصح بلفظ المباراة. وحيث كانت الكراهة منهما(فلا تجوز الزيادة) في الفدية(على ما أعطاها) من المهر (٢) ، بخلاف الخلع حيث كانت الكراهة منها (٣) فجازت الزيادة (٤) ، ونبّه (٥) بالفاء (٦) على كون هذا الحكم (٧) مرتبا على الكراهة منهما ، وإن كان (٨) حكما آخر يحصل به الفرق بينها (٩) ، وبين الخلع.

(و) منها (١٠)

______________________________________________________

(١) أي كانت المباراة خالية عن كراهة الزوجين.

(٢) ومن جملة الأحكام التي تختص بها المبارأة أنه لا يحلّ له الزائد عما أعطاها بلا خلاف فيه للأخبار.

منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (المباراة يؤخذ منها دون الصداق ، والمختلعة يؤخذ منها ما شئت) (١) ، وصحيح أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (المبارأة تقول المرأة لزوجها ـ إلى أن قال ـ ولا يحلّ لزوجها أن يأخذ منها إلا المهر فما دونه) (٢) ، ومرسل الصدوق (روي أنه لا ينبغي له أن يأخذ منها أكثر من مهرها ، بل يأخذ منها دون مهرها ، والمبارأة لا رجعة لزوجها عليها) (٣).

وإنما الخلاف في أنه هل يجوز له أخذ المهر كملا كما عليه المشهور كما هو مفاد صحيح أبي بصير المتقدم ، أو لا بد أن يأخذ ما دون المهر كما عن الصدوقين والعماني كما هو مفاد صحيح زرارة ومرسل الصدوق المتقدمين.

(٣) من الزوجة.

(٤) فهو اعتبار عقلي غير منصوص.

(٥) أي المصنف.

(٦) في قوله (فلا تجوز الزيادة على ما أعطاها).

(٧) من عدم جواز الزيادة.

(٨) أي عدم جواز الزيادة.

(٩) بين المباراة.

(١٠) أي ومن الأمور التي تفارق المباراة الخلع.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب الخلع حديث ١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من كتاب الخلع حديث ٤ و ٢.

١٧٤

أنه (١) (لا بد منها من الاتباع بالطلاق (٢) على المشهور ، بل لا نعلم فيه مخالفا ، وادعى جماعة أنه اجماع ، (ولو قلنا في الخلع : لا يجب) اتباعه بالطلاق ، وروي أنها (٣) لا تفتقر

______________________________________________________

(١) أن الشأن والواقع.

(٢) في المبارأة.

(٣) أي إتباع صيغتها بالطلاق ، على المشهور بين الأصحاب ، وادعى عليه الإجماع المحقق في الشرائع وجماعة ، وإن تم فهو الحجة وإلا فالأخبار الواردة في المقام تدل على افتقار صيغتها إلى الطلاق وهي : خبر حمران (سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يتحدث قال : المبارأة تبين من ساعتها من غير طلاق ولا ميراث بينهما ، لأن العصمة منها قد بانت ساعة كان ذلك منها ومن الزوج) (١) ، وموثق جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام (المبارأة تكون من غير أن يتبعها الطلاق) (٢) ، وصحيح ابن بزيع (سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن المرأة تباري زوجها أو تختلع منه بشهادة شاهدين على طهر من غير جماع هل تبين منه بذلك ، أو تكون امرأته ما لم يتبعها بطلاق ، قال : تبين منه) (٣).

وقد حملها الشيخ على التقية وفيه : أن المباراة لا يستعملها العامة كما في المسالك ، ولا يعتبرون فيها ما يعتبره أصحابنا ، بل يجعلونها من جملة كنايات الخلع أو الطلاق ، فلا وجه لحمل ما ورد من أحكامها على التقية ، مع أنه لا معارض لها من الأخبار حتى تحمل على التقية.

وقد حملها صاحب الجواهر على ما لو كانت المبارأة بصيغة الخلع فلا تحتاج إلى الطلاق ، وحمل فتوى الأصحاب على الاحتياج إلى الطلاق فيما لو كانت المباراة بغير صيغة الخلع بل بالكنايات ، وفيه أنه على خلاف ظاهر النصوص والفتاوى نعم قال الشيخ في التهذيب : الذي عمل عليه في المبارأة أنه لا يقع بها فرقة ما لم يتبعها بطلاق ، وهو مذهب جميع أصحابنا المحصلين من تقدم منهم ومن تأخر ، وفي كلامه إيذان بوجود المخالف ، لأنه نسب القول إلى المحصلين من الأصحاب لا إلى الأصحاب مطلقا.

وعلى كل فإن هذه الأخبار الدالة على عدم إتباع المبارأة بالطلاق بمرأى منهم ومسمع وقد أعرضوا عنها فيشكل الاعتماد عليها ، واتفاقهم على نحو يفيد الإجماع الكاشف عن قول المعصوم أشكل ، والاحتياط سبيل النجاة.

(٤) أي المبارأة.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من كتاب الخلع حديث ٣ و ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب الخلع حديث ٩.

١٧٥

أيضا إلى الاتباع ، وربما كان به قائل ، لأن الشيخ نسب في كتابي (١) الحديث القول بلزوم اتباعها بالطلاق إلى المحصلين من أصحابنا ، وهو يدل بمفهومه على مخالف منهم غير محصّل. والمحقق في النافع نسبه إلى الشهرة وكيف كان فالعمل به (٢) متعين.

وصيغتها(بارأتك) بالهمزة (٣) (على كذا) فأنت طالق.

ومنها أن صيغتها لا تنحصر في لفظها ، بل تقع بالكنايات الدالة عليها كفاسختك على كذا أو أبنتك ، أو بتتك ، لأن البينونة تحصل بالطلاق وهو صريح ، بخلاف الخلع على القول المختار فيه (٤) ، وينبغي على القول بافتقاره (٥) إلى الطلاق أن يكون كالمباراة.

(ويشترط في الخلع والمباراة شروط الطلاق) من كمال الزوج (٦) ، وقصده ، واختياره (٧) ، وكون المرأة طاهرا طهرا لم يقاربها فيها بجماع إن كانت مدخولا بها حائلا غير يائسة ، والزوج حاضرا ، أو في حكمه (٨) ، وغيرها من الشروط.

______________________________________________________

(١) وهما التهذيب والاستبصار.

(٢) بالاتباع.

(٣) قد تقدم عدم اعتبار لفظ خاص في الخلع ، وكذا الكلام في صيغة المبارأة كما في الخلع من الافتقار إلى بذل من المرأة والقبول من الزوج ، وأن يقول : بارأتك على كذا فأنت طالق ، ولو قال : بدلا من بارأتك : فاسختك أو أبنتك أو بنتك أو غيره من الألفاظ الدالة على الفرقة متبعا لها بالطلاق صح ، لأن الطلاق بالعوض ليس إيقاعا خارجا عن الخلع أو المبارأة ، بل هو إما خلع وإما مباراة ، فإن قصد به الخلع وقد جمع شروطه فهو خلع ، وإن قصد به المبارأة وقد جمع شروطها فهو مبارأة وإلا فهو طلاق رجعي أو بائن بحسب مورده.

وعلى كل فالطلاق المتعقب للصيغة هو كاف في البينونة مهما كان اللفظ الدال على الفرقة في المبارأة.

(٤) من أنه لا يجب إتباع الخلع بالطلاق.

(٥) أي بافتقار الخلع.

(٦) من البلوغ والعقل.

(٧) وهذه الأمور الأربعة شروط للزوج.

(٨) أي حكم الزوج الحاضر وهو الغائب القادر على استعلام حالها ، وقد تقدم في الخلع أن الخلع وكذا المبارأة طلاق فيشترط فيهما جميع شرائط الطلاق ، والدليل هو الدليل.

١٧٦

كتاب الظهار

١٧٧
١٧٨

(كتاب الظهار (١)

______________________________________________________

(١) الذي هو مصدر (ظاهر) مثل (قاتل) مأخوذ من الظهر ، وفي مصباح المنير (ظاهر من امرأته ظهارا مثل قاتل قتالا ، وتظهر إذا قال لها : أنت عليّ كظهر أمي ، إنما خصّ ذلك بالظهر ، لأن الظهر من الدابة موضع الركوب ، والمرأة مركوبة وقت الغشيان ، فركوب الأم مستعار من ركوب الدابة ، ثم شبّه ركوب الزوجة بركوب الأم الذي هو ممتنع ، وهو استعارة لطيفة) انتهى.

هذا وكان الظهار في الجاهلية طلاقا محرّما أبدا ، فغيّر الشارع حكمه إلى التحريم ولزوم الكفارة بالعود.

ثم إن حقيقته الشرعية تشبيه الزوج زوجته بمحرمة عليه نسبا أو رضاعا أو مصاهرة على ما سيأتي من الخلاف فيه ، والأصل فيه قوله تعالى : (قَدْ سَمِعَ اللّٰهُ قَوْلَ الَّتِي تُجٰادِلُكَ فِي زَوْجِهٰا وَتَشْتَكِي إِلَى اللّٰهِ ، وَاللّٰهُ يَسْمَعُ تَحٰاوُرَكُمٰا إِنَّ اللّٰهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ، الَّذِينَ يُظٰاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسٰائِهِمْ ، مٰا هُنَّ أُمَّهٰاتِهِمْ ، إِنْ أُمَّهٰاتُهُمْ إِلَّا اللّٰائِي وَلَدْنَهُمْ ، وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً ، وَإِنَّ اللّٰهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ، وَالَّذِينَ يُظٰاهِرُونَ مِنْ نِسٰائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمٰا قٰالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّٰا ، ذٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ شَهْرَيْنِ مُتَتٰابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّٰا ، فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعٰامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ، ذٰلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللّٰهِ وَرَسُولِهِ ، وَتِلْكَ حُدُودُ اللّٰهِ ، وَلِلْكٰافِرِينَ عَذٰابٌ أَلِيمٌ) (١).

والسبب في نزولها على ما في صحيح حمران عن أبي جعفر عليه‌السلام (أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : إن امرأة من المسلمين أتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يا رسول الله إن فلانا زوجي قد نثرت له بطني ، وأعنته على دنياه وآخرته ، د فلم ير مني مكروها ، وأنا أشكوه إلى الله وأليك ، قال : فما تشكينه؟ قالت : إنه قال لي اليوم : أنت عليّ حرام كظهر

__________________

(١) سورة المجادلة ، الآيات : ١ ـ ٤.

١٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أمي ، وقد أخرجني من منزلي فانظر في أمري.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أنزل الله عليّ كتابا أقضي به بينك وبين زوجك ، وأنا أكره أن أكون من المتكلفين فجعلت تبكي وتشتكي ما بها إلى الله وإلى رسوله ، وانصرفت فسمع الله محاورتها لرسوله وما شكت إليه فأنزل إليه عزوجل بذلك قرآنا : بسم الله الرحمن الرحيم قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله ـ إلى قوله تعالى ـ وإن الله لعفوّ غفور ، فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المرأة فأتته فقال لها : جئني بزوجك فأتته به ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد أنزل الله فيك قرآنا فقرأ عليه ما أنزل الله من قوله : قد سمع إلى قوله وإن الله لعفوّ غفور.

فضمّ امرأتك إليك فإنك قد قلت منكرا من القول وزورا قد عفا الله عنك وغفر لك فلا تعد. فانصرف الرجل وهو نادم على ما قال لامرأته ، وكره الله ذلك للمؤمنين بعد ، فأنزل الله عزوجل : (الَّذِينَ يُظٰاهِرُونَ مِنْ نِسٰائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمٰا قٰالُوا) ، يعني ما قال الرجل الأول لامرأته : أنت عليّ حرام كظهر أمي ، قال : فمن قالها بعد ما عفا الله وغفر للرجل الأول فإن عليه تحرير رقبة ـ إلى آخر الآيات المتقدمة ثم قال : ـ فجعل الله عقوبة من ظاهر بعد النهي هذا) (١).

وهذا الرجل الذي هو مورد نزول آية الظهار هو أوس بن الصامت على ما في خبر أبان وغيره عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كان رجل على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقال له : أوس بن الصامت ، وكان تحته امرأة يقال لها : خولة بنت المنذر) (٢) الحديث ، وفي خبر النعماني عن علي عليه‌السلام قال : (وأما المظاهرة في كتاب الله فإن العرب كانت إذا ظاهر الرجل منهم من امرأته حرمت عليه إلى آخر الأبد ، فلما هاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان بالمدينة رجل من الأنصار يقال له : أوس بن الصامت ، وكان أول رجل ظاهر في الإسلام فجرى بينه وبين امرأته كلام فقال لها : أنت عليّ كظهر أمي ، ثم إنه ندم على ما كان منه ، فقال : ويحك إنا كنا في الجاهلية تحرم علينا الأزواج في مثل هذا قبل الإسلام ، فلو أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسأليه عن ذلك فجاءت المرأة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبرته) (٣) الحديث.

إذا تقرر ذلك فاعلم أن الظهار محرم بلا خلاف فيه بين العلماء لتوصيفه بالمنكر وبالزور في الآية المتقدمة ، وهما محرمان مع تصريح صحيح حمران المتقدم بقوله (فجعل الله عقوبة

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب الظهار حديث ٢.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب الظهار حديث ١ و ٤.

١٨٠