السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-194-7
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٤٠
وحتى لو قلنا بما يقوله أولئك الناس : من أنه «صلىاللهعليهوآله» كان يقول : ضعوا هذه الآية في مكان كذا من سورة كذا (١) ، فإننا لا نرى مبررا
__________________
(١) الجامع الصحيح للترمذي ج ٥ ص ٢٧٢ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٤٣ والإتقان ج ١ ص ٦٢ والبرهان للزركشي ج ١ ص ٢٤١ عن الترمذي ، والحاكم. والتمهيد ج ١ ص ٢١٣ وتاريخ القرآن للصغير ص ٨١ عن : مدخل إلى القرآن الكريم لدراز ص ٣٤. لكن في غرائب القرآن للنيسابوري ، بهامش جامع البيان للطبري ج ١ ص ٢٤ ومناهل العرفان ج ١ ص ٢٤٠ هكذا : «ضعوا هذه السورة في الموضع الذي يذكر فيه كذا». ومستدرك الحاكم ج ٢ ص ٣٣٠ و ٢٢١ وتلخيصه للذهبي بهامشه وغريب الحديث ج ٤ ص ١٠٤ ، والبرهان للزركشي ج ١ ص ٢٣٤ و ٢٣٥ وراجع ص ٦١ وغرائب القرآن بهامش جامع البيان ج ١ ص ٢٤ وفتح الباري ج ٩ ص ١٩ و ٢٠ و ٣٩ و ٣٨ ، وكنز العمال ج ٢ ص ٣٦٧ عن أبي عبيد في فضائله ، وابن أبي شيبة ، وأحمد ، وأبي داود ، والترمذي ، وابن المنذر ، وابن أبي داود ، وابن الأنباري معا في المصاحف ، والنحاس في ناسخه ، وابن حبان ، وأبي نعيم في المعرفة ، والحاكم وسعيد بن منصور ، والنسائي ، والبيهقي ، وفواتح الرحموت بهامش المستصفى ج ٢ ص ١٢ عن بعض من ذكر ، والدر المنثور ج ٣ ص ٢٠٧ و ٢٠٨ عن بعض من ذكر ، وعن أبي الشيخ ، وابن مردويه ومشكل الآثار ج ٢ ص ١٥٢ والبيان ص ٢٦٨ عن بعض من تقدم ، وعن الضياء في المختارة ، ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٢ ص ٤٨ وراجع : بحوث في تاريخ القرآن وعلومه ص ١٠٣ ومناهل العرفان ج ١ ص ٣٤٧ ومباحث في علوم القرآن ص ١٤٢ عن بعض من تقدم ، وتاريخ القرآن للصغير ص ٩٢ عن أبي شامة في المرشد الوجيز .. وجواهر الأخبار والآثار بهامش البحر الزخار ج ٢ ص ٢٤٥ عن أبي داود والترمذي وسنن أبي داود ج ١ ص ٢٠٩ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٢ ص ٤٢ وأحكام القرآن للجصاص ج ١ ص ١٠ ومسند أحمد ج ١ ص ٥٧ و ٦٩.
لبقاء هذه الآيات معلقة في الهواء ، في حين أن عشرات السور تنزل عليه ، ثم بعد عشرين سنة تنزل آية أو أكثر ، فيقول : ضعوها في السورة الفلانية في الموضع الفلاني.
خامسا : ما هي خصوصية الصنم الذي كان على المروة حتى تطلب قريش من النبي «صلىاللهعليهوآله» أن يتركه؟! ولماذا لم تطلب منه أن يترك لها هبلا أو غيره مما هو بنظرها أهم وأعظم من سائر الأصنام؟!
صنم لكل قبيلة ، وحيّ ، وبيت!! :
وقد صرحت الروايات : بأن ثلاث مائة وستين صنما كانت موجودة في المسجد الحرام ، وبأنه كان لكل قبيلة ولكل حي صنم ، بل كان في كل بيت صنم أيضا.
وقد نعى الله تعالى على لسان يوسف «عليهالسلام» على المشركين هذا الأمر بالذات ، فقال : (.. أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (١).
وللعلامة الطباطبائي رحمهالله إشارات لطيفة في معنى هذه الآية ، لا بأس بمراجعتها (٢).
ونكتفي هنا بالقول : بأن هناك أمورا ثلاثة وقع فيها أولئك الناس ، لا يقبلها عقل ، ولا ترضاها فطرة ، وهي :
١ ـ عبادة غير الله من مخلوقات الله تعالى العاقلة ، ممن لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، مثل البشر ، والملائكة والجن ..
__________________
(١) الآية ٣٩ من سورة يوسف.
(٢) الميزان (تفسير) ج ١١ ص ١٧٥ ـ ١٧٨.
٢ ـ عبادة الأحجار ، والأشجار ، وسواها مما لا يعقل ، ولا يبصر ولا يسمع ، ولا يضر ، ولا ينفع.
٣ ـ التعدد والتفرق في الأرباب. فإن تفرق الأرباب يعني :
أولا : إما اعتقادهم لجامعية كل واحد منها لصفات الألوهية غير المحدودة والمطلقة في كل شيء .. فيصبح تعددها عبثا مع نشوء أسئلة كثيرة عن حالها لو تعارضت إراداتها فيما بينها في جميع أنحاء التصرفات ، وأسئلة عن وحدة إدراكها للمصالح أو المفاسد ، وعن شمول قدرتها على التصرف بكل شيء ، حتى في موارد تعلق إرادات الأرباب الأخرى أيضا ، بل هناك أسئلة عن حالها ، لو تعلقت إرادتها بإلغاء سائر الأرباب.
ثانيا : وإما اعتقاد إطلاق القدرة وسائر صفات الألوهية في رب واحد ، أو أرباب بعينها ، وعدم صلاحية ما عداه أو ما عداها ، بسبب ما تعانيه ـ بنظره ـ من نقص وعجز ، وجهل ، وفقر ، وما إلى ذلك ..
وهذا يعني : أن يكون لكل واحد رب يخصه ، ثم هو ينكر ما عداه ؛ فهو لا يعترف بأرباب سائر القبائل ، ولا بالأرباب التي يعبدها سائر الناس في بيوتهم ، وأحيائهم ، وبلادهم. وبذلك تصبح نفس تلك الأرباب سببا للضعف ، والتفرّق ، والتلاشي ، والتمزق للوحدة الإجتماعية ، ومادة للخلاف ، والتناحر ، والتباين ، والتدابر فيما بين الناس.
كف حصى يرمي به الرسول صلىاللهعليهوآله :
وعن أخذ النبي «صلىاللهعليهوآله» كفا من حصى ، ثم رميه له باتجاه الأصنام ، وقراءته الآية الشريفة نقول :
إن هذا الفعل يختزن التعبير عن رفض الباطل عملا ، فضلا عن القول ، وقد كان رمي الجمرات في منى يعطي معنى رفض الباطل عملا ، فضلا عن القول بالإضافة إلى دلالات أخرى لا مجال لشرحها الآن ، غير أن الناس استمروا على تداول هذه الطريقة للتعبير عن هذا المعنى في مواقفهم الرافضة لأقوال أو أفعال بعينها ..
غير أن ما يميز هذه الواقعة هو :
أولا : أنها قد صدرت من نبي كريم ، شأنه هداية البشر إلى ما يرضي الله تبارك وتعالى.
ثانيا : إن رمي هذه الحصيات قد رافقه ظهور المعجزة ، وهو أن تلك الأصنام قد خرت لوجهها.
ثالثا : إنه رمي يتجاوز مجرد إعلان الرفض والإدانة إلى كونه إظهارا وتجسيدا لانتصار الحق ، وزهوق الباطل ، بصورة حقيقية ، وواقعية ، وعملية.
رابعا : إن هذه الواقعة قد بينت مدى معاناة هذا النبي الكريم والعظيم «صلىاللهعليهوآله» مع قومه ، الذين لم تنفع جميع تلك الآيات والمعجزات في ردعهم عن جحودهم ، وعن تعمد الإفتراء والتجني ، والإتهام له بالسحر ، والكهانة ، والشعر ، وبغير ذلك مما هم على يقين من زيفه وبطلانه ..
كما أن كل ما عاينوه من ألطاف وتأييدات إلهية لهذا النبي الكريم «صلىاللهعليهوآله» ، وانتصارات له تصل إلى حد الإعجاز لم يستطع أن يردعهم عن غيهم ، وعن تعمد الباطل في حقه.
فهم حتى حين يرون بأم أعينهم كيف تتبخر آخر آمالهم ، وتتلاشى حتى أضغاث أحلامهم ، ويرون الكرامة تلو الكرامة ، والمعجزة إثر
المعجزة ، ويسقط من يدهم آخر حجر ، وينمحي عن صفحة الواقع العملي للشرك آخر أثر .. ما فتئوا يقولون : ما رأينا أسحر من محمد!!
فهل ترى قوما أسوأ رأيا ومحضرا منهم؟! وهل هناك أصبر من رسول الله «صلىاللهعليهوآله»؟!
علي عليهالسلام يكسر أصنام الكعبة :
قال الصالحي الشامي : عن علي «عليهالسلام» قال : انطلق رسول الله «صلىاللهعليهوآله» حتى أتى بي الكعبة ، فقال : «اجلس» ، فجلست بجنب الكعبة ، فصعد رسول الله «صلىاللهعليهوآله» على منكبي ، فقال : «انهض» ، فنهضت ، فلما رأى ضعفي تحته قال : «اجلس» ، فجلست.
ثم قال : «يا علي ، اصعد على منكبي» ، ففعلت ، فلما نهض بي خيّل إلي لو شئت نلت أفق السماء.
فصعدت فوق الكعبة ، وتنحى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، فقال : «ألق صنمهم الأكبر» ، (وفي نص آخر : لما ألقى الأصنام ، لم يبق إلا صنم خزاعة) وكان من نحاس موتد بأوتاد من حديد إلى الأرض ، فقال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : «عالجه» ، ويقول لي : «إيه إيه» (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً).
فلم أزل أعالجه حتى استمكنت منه.
زاد في سائر المصادر قوله :
حتى إذا استمكنت منه ، قال لي رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : اقذف به ، فقذفت به فتكسر كما تتكسر القوارير. ثم نزلت ، فانطلقت أنا ورسول
الله «صلىاللهعليهوآله» نستبق حتى توارينا بالبيوت ، خشية أن يرانا أحد من الناس ، أو من قريش (١).
قال الحاكم : فما صعدت حتى الساعة (٢).
وقيل : إن هذا الصنم كان من قوارير صفر ، وقيل : من نحاس (٣).
وفي نص آخر : أنه «صلىاللهعليهوآله» قال لعلي «عليهالسلام» : ارم به ، فحمله رسول الله «صلىاللهعليهوآله» حتى صعد فرمى به فكسره ،
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٣٦ عن ابن أبي شيبة ، والحاكم ، وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٨٦ ومناقب الإمام علي لابن المغازلي ص ٤٢٩ والتبصرة لابن الجوزي ص ٤٤٢ ومناقب الأخيار ص ٣ ومسند أحمد ج ١ ص ٨٤ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٥ وج ٢ ص ٣٦٧ وتلخيص المستدرك بهامشه ، والمصنف لابن أبي شيبة ج ١٤ ص ٤٨٨ ونظم درر السمطين ص ١٢٥ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٨٦ عن خصائص العشرة للزمخشري وبدايع الأمثال ص ١٤٨ وينابيع المودة ص ١٣٩ و ٤٢٠ وراجع : وتاريخ بغداد ج ١٣ ص ٣٠٢ والمناقب للخوارزمي ص ٧٣ وخصائص الإمام علي «عليهالسلام» للنسائي (ط التقدم بمصر) ص ٣١ وصفة الصفوة ج ١ ص ١١٩ وتذكرة الخواص ص ٣١ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ٢٤ ومفتاح النجا ص ٢٧ وذخائر العقبى (ط مكتبة القدس) ص ٨٥ ومنتخب كنز العمال (بهامش مسند أحمد) ج ٥ ص ٥٤ وفرائد السمطين ، وتفريح الأحباب ص ٣١٦ وبذل القوة للسندي الحنفي ص ٢٢٤ وكنز العمال (ط حيدرآباد) ج ٥ ص ١٥١ وغالية المواعظ ج ٢ ص ٨٨.
(٢) مستدرك الحاكم ج ٢ ص ٣٦٧ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٨٦ عن الطبراني ، وأحمد ، والترمذي ، والصالحاني ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٨٦.
(٣) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٨٦ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٨٦.
فجعل أهل مكة يتعجبون ، ويقولون : ما رأينا أسحر من محمد (١).
«ثم إن عليا «عليهالسلام» أراد أن ينزل ، فألقى نفسه من صوب الميزاب ، تأدبا وشفقة على النبي «صلىاللهعليهوآله».
ولما وقع على الأرض تبسم ، فسأله النبي «صلىاللهعليهوآله» عن تبسمه.
فقال لأني ألقيت نفسي من هذا المكان الرفيع ، وما أصابني ألم.
قال : كيف يصيبك ألم وقد رفعك محمد ، وأنزلك جبريل»؟! (٢).
وفي نص آخر : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» كان بمنزل خديجة ، فدعا عليا «عليهالسلام» في إحدى الليالي ، فذهبا إلى الكعبة فكسرا الأصنام ، فلما أصبح أهل مكة قالوا : من فعل هذا بآلهتنا؟ الخ .. (٣).
وفي نص آخر : أنه «صلىاللهعليهوآله» قال : يا علي ، اصعد على منكبي ، واهدم الصنم.
فقال : يا رسول الله ، بل اصعد أنت ، فإني أكرمك أن أعلوك.
فقال «صلىاللهعليهوآله» : إنك لا تستطيع حمل ثقل النبوة ، فاصعد أنت ..
إلى أن قال : ثم نهض به.
قال علي «عليهالسلام» : فلما نهض بي ، فصعدت فوق ظهر الكعبة
__________________
(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٨٦ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٨٦.
(٢) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٨٦ عن الزرندي ، والصالحاني ، ومناقب الإمام علي لابن المغازلي ص ٢٠٢.
(٣) إحقاق الحق (الملحقات) ج ٨ ص ٦٨٩.
الخ .. (١).
وجاء في نص آخر قوله «صلىاللهعليهوآله» لعلي «عليهالسلام» : لو أن ربيعة ومضر جهدوا أن يحملوا مني بضعة وأنا حي ما قدروا ، ولكن قف يا علي ، فضرب بيده إلى ساقيه ، فرفعه حتى تبين بياض إبطيه ، ثم قال : ما ترى يا علي؟
قال : أرى أن الله قد شرفني بك ، حتى لو أردت أن أمس السماء لمسستها الخ .. (٢).
وفي نص آخر : قال علي «عليهالسلام» : أراني كأن الحجب قد ارتفعت ، ويخيل إليّ أني لو شئت لنلت أفق السماء.
فقال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : طوبى لك تعمل للحق ، وطوبى لي أحمل للحق (٣).
علي عليهالسلام يكسر الأصنام :
وقال بعض الشعراء ، وقد نسب القندوزي الحنفي هذا الشعر إلى الإمام الشافعي ، ونسبه عطاء الله بن فضل الله الحسيني الهروي في الأربعين إلى حسان بن ثابت :
__________________
(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٨٦.
(٢) المناقب لابن المغازلي ص ٢٠٢ والمناقب المرتضوية ص ١٨٨ والبحار ج ٣٨ ص ٨٦ وكشف اليقين ص ٤٤٧ والطرائف ص ٨٠ والعمدة لابن البطريق ص ٣٦٤ و ٣٦٥.
(٣) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٨٦ وإحقاق الحق (الملحقات) ج ١٨ ص ١٦٢.
قيل لي قل في عليّ مدحا |
|
ذكره يخمد نارا مؤصده |
قلت لا أقدم في مدح امرئ |
|
ضل ذو اللب إلى أن عبده |
والنبي المصطفى قال لنا |
|
ليلة المعراج لما صعده |
وضع الله بظهري يده |
|
فأحسّ القلب أن قد برده |
وعلي واضع أقدامه |
|
في محل وضع الله يده (١) |
وفي حديث يزيد بن قعنب عن فاطمة بنت أسد : أنها لما ولد علي «عليهالسلام» في جوف الكعبة ، وارادت أن تخرج به هتف بها هاتف : يا فاطمة سميه عليا ، فهو علي ..
إلى أن قال عن علي «عليهالسلام» : وهو الذي يكسر الأصنام ، وهو الذي يؤذن فوق ظهر بيتي الخ .. (٢).
وفي بعض المصادر : أنه «عليهالسلام» جمع الحطب ، وأوقد نارا ، ثم وضع قدمه على عضد النبي «صلىاللهعليهوآله» ، وصار يأخذ الأصنام عن جدار الكعبة ، ويلقيها في النار (٣).
__________________
(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٨٧ وينابيع المودة (ط إسلامبول) ص ١٣٩ وإحقاق الحق (الملحقات) ج ٨ ص ٦٨٣ وج ١٨ ص ١٦٣.
(٢) إحقاق الحق (الملحقات) ج ٥ ص ٥٧ عن بشائر المصطفى ، وعن تجهيز الجيش للدهلوي العظيم آبادي.
(٣) أنيس الجليس للسيوطي (ط سنة ١٢٩١ ه) ص ١٤٨ وإحقاق الحق (الملحقات) ج ١٨ ص ١٦٧.
ونقول :
إن لنا مع النصوص المتقدمة وقفات ، ومحاكمات هي التالية :
تحطيم الأصنام قبل الهجرة ، ويوم الفتح :
ورد في الرواية الأولى المتقدمة عن علي «عليهالسلام» : أنه بعد أن ذكر تكسير الأصنام ، قال :
ونزلت من فوق الكعبة ، وانطلقت أنا والنبي «صلىاللهعليهوآله» نسعى حتى توارينا بالبيوت ، وخشينا أن يرانا أحد من قريش ، أو من الناس (١).
قال الحلبي الشافعي : «وهذا يدل على أن ذلك لم يكن يوم فتح مكة ، فليتأمل» (٢).
ونقول :
وهي ملاحظة صحيحة ، فإن هذه الرواية تتحدث عن تحطيم الأصنام قبل الهجرة إلى المدينة ، وأنه «صلىاللهعليهوآله» انطلق إليها من منزل خديجة ، كما في بعض الروايات ، وهذا معناه :
أن النبي «صلىاللهعليهوآله» وعليا «عليهالسلام» قد حطما الأصنام مرتين :
الأولى : في مكة ، وبصورة سرية ، كما فعل إبراهيم الخليل «عليهالسلام» بأصنام قومه الذين قالوا : من فعل هذا بآلهتنا .. وكذلك قال المكيون ، فاستحق علي «عليهالسلام» بذلك أن يقول في حقه النبي «صلى الله عليه
__________________
(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٨٦.
(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٨٦.
وآله» : إنه أول من حطم الأصنام بعد إبراهيم الخليل «عليهالسلام».
والثانية : في فتح مكة ، أمام أعين مشركي مكة أنفسهم.
ولعل الرواة قد خلطوا بين الواقعتين .. والأمر في ذلك سهل.
لماذا التعرض للأصنام سرا؟!
ويرد سؤال : لماذا يتعرض النبي «صلىاللهعليهوآله» للأصنام سرا قبل الهجرة؟ مع علمه بأن ذلك لا يرغم أهل مكة على تغيير موقفهم ، بل قد يزيدهم ذلك إصرارا على غيهم ، وعلى مناصرة أصنامهم ، والتشدد في المحافظة عليها.
ويمكن أن يجاب : بأن المقصود : هو تقديم العبرة لهم بصورة عملية ، وإقامة الحجة عليهم بها ، ليحيا من حيي عن بينة ، ويهلك من هلك عن بينة .. ولعله يكون من بينهم من يستفيق من سكرته ، ويثوب إلى رشده ، فيدرك عجز تلك الأصنام عن الدفاع عن نفسها ، فكيف تتمكن من الدفع عن غيرها؟!
فما يدّعى لها من قدرات وآثار ، ما هي إلا مزاعم ليس فقط لا تستند إلى برهان ، بل لقد أثبت البرهان بوارها وبطلانها.
وهذا البرهان والحجة ليس مجرد معادلة ذهنية ، وافتراضات تجريدية ، بل هو عمل جوارحي ، وفعل مباشر يستهدف الأصنام نفسها .. ولا يستهدف غيرها ، ليقال لعلها لم تنتصر له ، لأنها كانت غاضبة عليه ، فتركته نهبا للبلاء ، وحجبت رعايتها له ، ولطفها به.
وهذا هو نفس الدرس الذي أراد إبراهيم «عليهالسلام» أن يلقنه
لقومه حين حطم أصنامهم.
وقد جاءت كلمة قوم إبراهيم «عليهالسلام» : «من فعل هذا بآلهتنا»؟ متوافقة مع قول أهل مكة .. وهي كلمة مهمة ، لأنها تتضمن اعترافا بوجود من هو أقوى من هذه الآلهة ، وإقرارا بعجزها عن منعه من إلحاق الأذى بها ، وحاجتها إلى غيرها ليحميها منه.
وبما أن عمل هذا القوي قد كان بصورة سرية ، فذلك يعني : أنه يتجنب الاصطدام بالناس العاديين ، وهذا يدل على : أن قدراته ليست ذاتية ولا مطلقة ، فهو إذن ليس من جنس الآلهة ، لكي يلتمس لها بعض العذر في عجزها عن مواجهته وردعه.
علي عليهالسلام ينوء بثقل النبوة :
تقدم : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» هو الذي طلب من علي «عليهالسلام» أن يجلس ، ليصعد «صلىاللهعليهوآله» على ظهره .. وإذ به «عليهالسلام» ينوء بثقل النبوة ..
وهنا سؤلان :
أولهما : ألم يكن النبي «صلىاللهعليهوآله» يعلم بأن للنبوة ثقلا ينوء به علي «عليهالسلام»؟! فإن كان يعلم بذلك ، فما هي الحكمة في أن يطلب منه علي «عليهالسلام» أن يجلس أولا ، ليصعد هو على ظهره؟!
ثانيهما : هل للنبوة ثقل؟! وما هو نوعه ، وحقيقته؟! وهل هو ثقل مادي كسائر الأثقال؟!
ونقول في الجواب على السؤال الأول :
إننا ننزه رسول الله «صلىاللهعليهوآله» عن أن ينسب إليه عدم المعرفة بأن للنبوة ثقلا ينوء به علي «عليهالسلام» .. ولذلك نرجح الروايات الأخرى التي صرحت : بأن عليا «عليهالسلام» آثر أن يصعد النبي «صلىاللهعليهوآله» على ظهره ، لأنه يجل النبي ويكرمه عن أن يصعد هو على ظهره ، فأخبره «صلىاللهعليهوآله» بأن ثقل النبوة يمنع من ذلك.
غير أن ذلك لا يمنعنا من أن نقول أيضا :
إن عليا «عليهالسلام» كان يعلم بأن للنبوة ثقلا ينوء به مثله. ولعله أراد من النبي «صلىاللهعليهوآله» أن يصرّح بذلك ، ليعلم الناس : أن صعوده على ظهر النبي «صلىاللهعليهوآله» ، لا يتنافى مع إجلاله وتعظيمه له ..
أو لعله نظر إلى قانون البداء ، الذي ربما يكون له تأثيره في مثل هذا المورد ، في صورة حدوث أمر يقتضي إظهار معنى في علي «عليهالسلام» ، أو في النبي «صلىاللهعليهوآله» ، أو في سياق آخر ، فينشأ عنه تمكين علي «عليهالسلام» من القيام بثقل النبوة ، أو يقضي بتخفيف ذلك الثقل ، بحيث يتمكن علي «عليهالسلام» من النهوض به.
وأما بالنسبة للسؤال الثاني ، فنقول :
إنه ليس بإمكانننا تحديد ماهية هذا الثقل ، غير أننا نقول :
لا ريب في أن النبي «صلىاللهعليهوآله» يركب الراحلة ، والبغلة ، والفرس ، وغيرها ، ولكنه يعلن : أنه لو اجتمعت ربيعة ومضر على أن يحملوا بضعة منه وهو حي لما قدروا على ذلك.
وهذا معناه : أن للنبوة في مضمونها المعنوي خصوصية تحتم التدخل
الإلهي في قدرة البشر ، لتعجزهم عن حمل النبي «صلىاللهعليهوآله» ، لأن ذلك قد يثير خطرات تسيء إلى معنى النبوة ، ونحن وإن ننزه عليا «عليهالسلام» عن مثل هذه الخطرات ، لأنه نفس النبي «صلىاللهعليهوآله» في طهره وصفائه .. ولكننا لا نستطيع أن ننزه عنها غير علي «عليهالسلام» ممن رأوا ذلك وسمعوه.
هل خيّل إلى علي عليهالسلام؟! :
إن التخييل لعلي «عليهالسلام» هو إراءته عين الواقع ، فلا تخييل للإمام المعصوم خارج دائرة إراءة الحقائق ، فالتعبير بكلمة «خيل إليّ» إن كان يراد به الرفق ببعض ضعفاء النفوس ، الذين قد لا يتمكنون من فهم الأمور بصورة معقولة ومقبولة ، فهو مقبول .. وإن كان الأمر على خلاف ذلك ، فلا بد من الإعراض عن هذه الرواية والأخذ بالروايات التي استبعدت كلمة «خيل إليّ» ، وذكرت أنه لو أراد أن ينال السماء لنالها ، وقد تقدمت.
ومما يشير إلى أن القضية حقيقية ، وليست مجرد تخييل قول النبي «صلىاللهعليهوآله» لعلي «عليهالسلام» : «رفعك محمد ، وأنزلك جبريل» ، فإن من يكون هذا حاله ، لو أراد أن ينال السماء لنالها ، من دون شك ولا شبهة.
تعمل للحق ، وأحمل للحق :
وحين قال النبي «صلىاللهعليهوآله» لعلي «عليهالسلام» : طوبى لك تعمل للحق ، وطوبى لي أحمل للحق .. فإنه يكون قد أوضح لكل قريب وبعيد : أن مباشرة تحطيم الأصنام لم يكن عملا أملته روح التشفي
والإنتقام ، أو دعته إليه الرغبة في جمع كل ثمرات الإنتصار ، والحرص على الإمساك بجميع خيوط المجد والفخار ..
وإنما أملاه عليه واجب الدين والحق ، والإخلاص لله تعالى.
لماذا لم يباشر النبي صلىاللهعليهوآله تحطيم الأصنام؟! :
ثم إن ما يدعو إلى التأمل هنا : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» تولى بنفسه مع أخيه علي «عليهالسلام» هذا العمل مع أنه كان من الممكن أن يوكل هذا الأمر إلى بعض من كان معه من المسلمين .. فلما ذا كان ذلك؟ وما الحكمة فيه؟!.
ونقول :
لعل نفس مبادرة نبي الله «صلىاللهعليهوآله» ووصيه «عليهالسلام» إلى تحطيم مظاهر الشرك في بيت الله تعالى ، يقطع الطريق على أي تأويل أو اتهام لأحد في أن يكون هو الذي بادر إلى تحطيم الأصنام ، أو أنه بالغ وتجاوز الحد في إجراء التوجيهات التي صدرت له من قبله «صلىاللهعليهوآله» بشأنها ..
وقد يدّعى : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» لم يتخذ موقفا حادا منها ، وإنما كان كل همه هو التسلط على مكة ، وقهر قريش ، وكسر عنفوانها. ولعله كان لا يمانع في أن يعتقد الناس بأنها تقرب إلى الله زلفى.
أو لا يمانع في اقتنائها للذكرى ، أو لأي سبب آخر. فجاءت مبادرته لتحطيمها بنفسه ، لتدل على أن وجودها كله مبغوض لله تبارك وتعالى ، ولا يجوز الاحتفاظ بها تحت أي عنوان من العناوين.
لو نزع دلوا من زمزم :
وأما ما ينسب إلى النبي «صلىاللهعليهوآله» من أنه قال : لو لا أن تغلب بنو عبد المطلب (على سقايتهم) لنزعت منها دلوا .. فهو غير ظاهر المعنى.
فأولا : إن مجرد أن ينزع النبي «صلىاللهعليهوآله» دلوا من ماء لا يوجب نزع السقاية من بني عبد المطلب ، ولا أن تصبح الأمور على درجة الفلتان والتسيب ، بحيث يغلبون على سقايتهم.
ويجاب عن ذلك : بما قاله بعض الإخوة من أنه يحتمل أن يتخذ المسلمون من عمل النبي «صلىاللهعليهوآله» سنة ، فينتزع من يشاء منهم دلوا منها ، أو دلاء ، فتذهب السقاية من أربابها.
ثانيا : قد يقال : لو أوجب نزع الدلو من زمزم ذلك لكان أخذ المفتاح من بني شيبة ـ سواء أخذ بالقوة ، أو بالحسنى ـ يوجب نزع حجابة البيت منهم ..
فإن كان «صلىاللهعليهوآله» قد عالج ذلك بإعلانه أن الحجابة لبني شيبة ، وأنه لا يجوز لأحد أن يأخذ المفتاح منهم .. فإنه يمكنه أن يعالج أمر زمزم بنفس الطريقة ، فينزع دلوا من زمزم ، ثم يعلن عدم جواز مزاحمة بني عبد المطلب في أمر السقاية ..
إلا أن يقال : إن ثمة فرقا بين الأمرين ، فإن أخذه «صلىاللهعليهوآله» لمفتاح الكعبة معناه : إرجاع أمر ولاية الكعبة إلى صاحبها الحقيقي ، والاعتراف بولايته على الكعبة معناه : الإعتراف بولايته على كل ما عداها. لأنها تمثل محورية لا مجال لإنكارها في هذا الأمر. فاقتضت المصلحة أن
يتعامل مع بني شيبة بهذه الطريقة.
وليس الأمر في السقاية من زمزم بهذه المثابة ..
ولأجل ذلك لم يكن من المصلحة أن يكتفي بالطلب إلى حامل المفتاح أن يفتحه له .. بل كانت المصلحة في أخذ المفتاح منه ، ثم يكون هو الذي يعطيه إياه بنحو تكون شرعية حجابته للكعبة مستندة إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» دون سواه.
على أن فرقا آخر بين الحجابة والسقاية ، وهو : أنه لا يمكن التعدي على موضوع الحجابة ، ولا مجال لغلبة الناس عليها ، لأنها مرهونة بمفتاح الكعبة ، الذي يكون لدى شخص بعينه ، أما السقاية ، فيمكن لكل أحد أن يستقي من بئر زمزم ، فيمكن الغلبة على الماء.
النداء بتكسير الأصنام في البيوت :
قالوا : ولم يكن رجل من قريش في مكة إلا وفي بيته صنم ، إذا دخل مسحه ، وإذا خرج مسحه تبركا به (١).
وقالوا : ونادى منادي رسول الله «صلىاللهعليهوآله» بمكة : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدعن في بيته صنما إلا كسره أو حرقه (٢).
قال : فجعل المسلمون يكسرون تلك الأصنام.
وكان عكرمة بن أبي جهل لا يسمع بصنم في بيت من بيوت قريش إلا
__________________
(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٨٧٠ و ٨٧١.
(٢) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ق ١ ص ٩٩ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٤٨ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٠٣ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٨٧٠ و ٨٧١.
مشى إليه حتى يكسره. وكان أبو تجراة يعملها في الجاهلية ويبيعها (١).
عكرمة يكسر الأصنام :
ونقول :
إن ما زعموه من أن عكرمة كان يكسر الأصنام في بيوت مكة يثير لدى الباحث أكثر من سؤال حول ما إذا كان هذا الرجل ، الذي يزعمون أنه قاتل المسلمين يوم الفتح ، وفر من المعركة ، مخلصا في فعله هذا أو أنه يتزلف للمسلمين به ، ويخطط للوصول إلى منافع والحصول على امتيازات يطمح إليها .. وهذا هو الأقرب إلى الاعتبار ، إذ كيف انقلب هذا المقاتل للدين ولأهله بين لحظة وأخرى إلى ولي حميم ، ومتحمس صارم وحازم إلى هذا الحد؟!
__________________
(١) راجع : المغازي للواقدي ج ٢ ص ٨٧٠ و ٨٧١.
الفصل السابع :
النبي صلىاللهعليهوآله في داخل الكعبة