الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢١

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢١

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-193-9
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٤

نجس ، فلم أحب أن تجلس على فراش رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

قال : يا بنية لقد أصابك بعدي شر.

فقالت : بل هداني الله للإسلام. وأنت يا أبت سيد قريش وكبيرها ، كيف يسقط عنك الدخول في الإسلام ، وأنت تعبد حجرا لا يسمع ولا يبصر؟

فقام من عندها ، فأتى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وهو في المسجد ، فقال : يا محمد!! إني كنت غائبا في صلح الحديبية ، فاشدد العهد ، وزدنا في المدة.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «فلذلك جئت يا أبا سفيان»؟

قال : نعم.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «هل كان من قبلكم من حدث»؟

قال : معاذ الله ، نحن على عهدنا وصلحنا يوم الحديبية ، لا نغير ولا نبدل.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «فنحن على مدتنا وصلحنا يوم الحديبية لا نغير ولا نبدل».

فأعاد أبو سفيان على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» القول ، فلم يرد عليه شيئا (١).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٠٦ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٧٢ و (ط دار المعرفة) ص ٣ وراجع : مجمع البيان ج ١٠ ص ٥٥٥ و (ط مؤسسة الأعلمي) ص ٤٦٨ والبحار ج ٢١ ص ١٠١ و ١٠٢ و ١٢٦ عن إعلام الورى ج ١ ص ٢١٧ ، والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٧٩٢ و ٧٩٣ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٧٨ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٧ ص ٢٦٢ و ٢٦٣ وتاريخ مدينة دمشق ج ٦٩ ص ١٥٠ و ١٥١ والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج ٤ ص ٣٢١ و (ط مكتبة المعارف) ج ٢ ص ٢٧٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٥٣٢.

٨١

فذهب إلى أبي بكر فكلمه ، وقال : تكلم محمدا ، أو تجير أنت بين الناس.

فقال أبو بكر : جواري في جوار رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

زاد ابن عقبة : والله ، لو وجدت الذر تقاتلكم لأعنتها عليكم.

فأتى عمر بن الخطاب ، فكلمه بمثل ما كلم به أبا بكر.

فقال : أنا أشفع لكم عند رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»!! فو الله ، لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به ، ما كان من حلفنا جديدا فأخلقه الله ، وما كان منه متينا فقطعه الله ، وما كان منه مقطوعا فلا وصله الله.

فقال أبو سفيان : جوزيت من ذي رحم شرا (١).

فأتى عثمان بن عفان فقال : إنه ليس في القوم أحد أقرب رحما منك ، فزد في المدة ، وجدد العهد ، فإن صاحبك لا يرده عليك أبدا.

فقال عثمان : جواري في جوار رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٢).

فأتى عليا «عليه‌السلام» ، فقال : يا علي ، إنك أمس القوم بي رحما ، وإني جئت في حاجة فلا أرجع كما جئت خائبا ، فاشفع لي إلى محمد.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٠٦ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٧٢ و ٧٣ و (ط دار المعرفة) ص ٣ وراجع : مجمع البيان ج ١٠ ص ٥٥٥ والبحار ج ٢١ ص ١٠١ و ١٠٢ و ١٢٦ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٧٩٣ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٧٨ والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج ٤ ص ٣٢١ و (ط مكتبة المعارف) ج ٢ ص ٢٧٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٥٣٣.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٠٧ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٧٣ و (ط المعرفة) ص ٣ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٧٩٣ والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث) ج ٤ ص ٣٢١ و (ط مكتبة المعارف) ج ٢ ص ٢٧٨.

٨٢

فقال : ويحك يا أبا سفيان! والله لقد عزم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه.

فأتى سعد بن عبادة ، فقال : يا أبا ثابت ، أنت سيد هذه البحيرة ، فأجر بين الناس ، وزد في المدة.

فقال سعد : جواري في جوار رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وما يجير أحد على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

فأتى أشراف قريش والأنصار ، فكلهم يقول : جواري في جوار رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ما يجير أحد على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

فلما أيس مما عندهم ، دخل على فاطمة الزهراء «عليها‌السلام» والحسن «عليه‌السلام» غلام يدب بين يديها ، فقال : يا بنت محمد ، هل لك أن تجيري بين الناس؟

فقالت : إنما أنا امرأة ، وأبت عليه (١).

(وفي نص آخر : قالت : إنما أنا امرأة.

قال : قد أجارت أختك ـ يعني : زينب ـ أبا العاص بن الربيع ، وأجاز ذلك محمد.

قالت : إنما ذاك إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الخ ..) (٢).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٠٧ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٧٣ و (ط دار المعرفة) ص ٣ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٧٩٤ والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج ٤ ص ٣٢١ و (ط مكتبة المعارف) ج ٢ ص ٢٧٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٥٣٣ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٧ ص ٢٦٣.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٠٧ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٧٣ و (ط دار ـ

٨٣

فقال : مري ابنك هذا ـ أي الحسن بن علي «عليهما‌السلام» ـ فيجير بين الناس ، فيكون سيد العرب الى آخر الدهر.

قالت : والله ما بلغ ابني ذلك ، أن يجير بين الناس ، وما يجير أحد على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١).

(وفي نص آخر : ما يدري ابناي ما يجيران من قريش) (٢).

(زاد في الحلبية قوله : «قال : فكلمي عليا ..

فقالت : أنت تكلمه.

فكلم عليا فقال : يا أبا سفيان ، إنه ليس أحد من أصحاب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يفتئت على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بجوار») (٣).

__________________

المعرفة) ص ٣ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٧٩٤ وراجع : البحار ج ٢١ ص ١٠٢ و ١٢٦ ومجمع البيان ج ١٠ ص ٥٥٥ و (ط مؤسسة الأعلمي) ص ٤٦٨ وإعلام الورى ج ١ ص ٢١٧ والمصنف للصنعاني ج ٥ ص ٣٧٥ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٧ ص ٣٦٣.

(١) البحار ج ٢١ ص ١٢٦ وإعلام الورى ج ١ ص ٢١٨.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٧٣ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٧٩٣ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٢٦ والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج ٤ ص ٣٢٠ و (ط مكتبة المعارف) ج ٢ ص ٢٧٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٥٣٠ والسيرة النبوية لابن هشام (ط مكتبة محمد علي صبيح) ج ٤ ص ٨٥٦ وعيون الثر ج ٢ ص ١٨٤ وراجع : الإرشاد ج ١ ص ١٣٣ والبحار ج ٢٢ ص ٧٧ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٤٢ وزاد المعاد ج ١ ص ١١٤٧.

(٣) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٧٣ و (ط دار المعرفة) ص ٣.

٨٤

فقال لعلي «عليه‌السلام» : يا أبا الحسن!! إني أرى الأمور قد اشتدت علي فانصحني.

قال : والله ما أعلم شيئا يغنب عنك شيئا ، ولكنك سيد بني كنانة.

قال : صدقت ، وأنا كذلك.

قال : فقم فأجر بين الناس ثم الحق بأرضك.

قال : أو ترى ذلك مغنيا عني شيئا؟

قال : لا والله ، ولكن لا أجد لك غير ذلك.

فقام أبو سفيان في المسجد ، فقال : أيها الناس إني قد أجرت بين الناس ، ولا والله ما أظن أن يخفرني أحد.

ثم دخل على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فقال : يا محمد ، إني قد أجرت بين الناس.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «أنت تقول ذلك يا أبا حنظلة»!!

ثم ركب بعيره وانطلق (١).

وكان قد احتبس وطالت غيبته ، وكانت قريش قد اتهمته حين أبطأ أشد التهمة ، قالوا : والله إنّا نراه قد صبأ ، واتبع محمدا سرّا ، وكتم إسلامه.

فلما دخل على هند امرأته ليلا ، قالت : لقد احتبست حتى اتهمك

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٠٧ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٧٣ و (ط دار المعرفة) ص ٣ والبحار ج ٢١ ص ١٢٦ و ١٢٧ وج ٢٢ ص ٧٧ وإعلام الورى ج ١ ص ٢١٨ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٧٩٤ و ٧٩٥ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٧٨ والمناقب لابن شهر آشوب ج ١ ص ١٧٧ والأنوار العلوية للنقدي ص ٢٠٠.

٨٥

قومك ، فإن كنت مع الإقامة جئتهم بنجح فأنت الرجل.

ثم دنا منها ، فجلس مجلس الرجل من امرأته.

فقالت : ما صنعت؟

فأخبرها الخبر ، وقال : لم أجد إلا ما قال لي علي.

فضربت برجلها في صدره وقالت : قبحت من رسول قوم ، فما جئت بخير (١).

فلما أصبح أبو سفيان حلق رأسه عند إساف ونائلة ، وذبح لهما ، وجعل يمسح بالدم رؤوسهما (كذا) ويقول : لا أفارق عبادتكما حتى أموت على ما مات عليه أبي ، إبراء لقريش مما اتهموه به.

فلما رأته قريش ، قاموا إليه ، فقالوا : ما وراءك؟ هل جئت بكتاب من محمد ، أو زيادة في مدة ما نأمن به أن يغزونا محمد؟

فقال : والله ، لقد أبي علي.

وفي لفظ : لقد كلمته ، فو الله ما رد علي شيئا ، وكلمت أبا بكر فلم أجد فيه خيرا ، ثم جئت ابن الخطاب فوجدته أدنى العدو (وفي رواية أعدى العدو) وقد كلمت علية أصحابه ، فما قدرت على شيء منهم ، إلا أنهم يرمونني بكلمة واحدة ، وما رأيت قوما أطوع لملك عليهم منهم له.

إلا أن عليا لما ضاقت بي الأمور قال : أنت سيد بني كنانة ، فأجر بين الناس ، فناديت بالجوار.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٠٧ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٧٣ و (ط دار المعرفة) ص ٣ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٧٩٥ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٧ ص ٢٦٤.

٨٦

(وعند الحلبي : ثم جئت عليا فوجدته ألين القوم. وقد أشار علي بشيء صنعته ، فو الله ، لا أدري أيغني عني شيئا أم لا) (١).

فقال محمد : «أنت تقول ذلك يا أبا حنظلة»!!

لم يزدني.

قالوا : رضيت بغير رضى ، وجئت بما لا يغني عنا ولا عنك شيئا ، ولعمر الله ما جوارك بجائز ، وإن إخفارك عليهم لهين ، ما زاد علي من أن لعب بك تلعبا.

قال : والله ما وجدت غير ذلك (٢).

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٧٤ و (ط دار المعرفة) ص ٣ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٧٨ وراجع : الإرشاد ج ١ ص ١٣٣ والبحار ج ٢٢ ص ٧٧ والثقات لابن حبان ج ٢ ص ٤٠ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٢٧ والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج ٤ ص ٣٢٠ و (ط مكتبة المعارف) ج ٢ ص ٢٧٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٥٣١ والسيرة النبوية لابن هشام (ط مكتبة محمد علي صبيح) ج ٤ ص ٨٥٧ و (ط دار المعرفة) ج ٤ ص ٢٧ وعيون الأثر ج ٢ ص ١٨٤ وزاد المعاد (ط مؤسسة الرسالة) ج ١ ص ١١٤٧.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٠٧ و ٢٠٨ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٧٤ و (ط دار المعرفة) ص ٣ وراجع : الإرشاد ج ١ ص ١٣٤ وتفسير نور الثقلين ج ٥ ص ٦٩٢ وتفسير الميزان ج ٢٠ ص ٣٨٠ والثقات ج ٢ ص ٤٠ ومجمع البيان ج ١٠ ص ٥٥٥ و (ط مؤسسة الأعلمي) ص ٤٦٩ والمناقب لابن شهر آشوب ج ١ ص ١٧٨ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٢٧ والبحار ج ٢١ ص ١٢٦ و ١٢٧ وج ٢٢ ص ٧٨ وإعلام الورى ج ١ ص ٢١٨ ، والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٧٩٥ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٧٨ والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي)

٨٧

ونقول :

إن لنا هنا وقفات هي التالية :

ترتيب الأحداث :

وقد يظن البعض : أن ثمة تناقضا بين الروايات المتقدمة ، فإنها تارة تقول : إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أرسل إلى قريش يخيرها بين أمور ثلاثة .. فاقترح أبو سفيان عليهم أن يجحدوا حصول أي شيء يمكن فهمه على أنه نقض للعهد ..

وتارة تقول : إن أبا سفيان خرج إلى المدينة بعد خمس ليال فقط من العدوان على خزاعة. فأي ذلك هو الصحيح؟!

غير أننا نقول :

إنه لا تناقض بين تلك الروايات ، ولكن الأمور قد اختلطت على المؤرخين ، فقدموا المتأخر ، وأخروا المتقدم. فاقتضى ذلك إضافة بعض البيانات التوضيحية منهم ، فأوجب ذلك الخلل ، وبدا أن ثمة تناقضا واختلافا بين المرويات.

والحقيقة هي : أنه لو أعيد كل نص إلى موضعه لاستقام السياق وانحل الإشكال بصورة تلقائية ..

والذي نراه : هو أن أبا سفيان خرج إلى المدينة بعد خمسة أيام من

__________________

ج ٤ ص ٣٢٢ و (ط مكتبة المعارف) ج ٢ ص ٢٧٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٥٣٤ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٣ ص ٤٢ والسيرة النبوية لابن هشام (ط مكتبة محمد علي صبيح) ج ٤ ص ٨٥٧ وعيون الأثر ج ٢ ص ١٨٤.

٨٨

المجزرة ، وسار إلى عسفان .. فالتقى ببديل بن ورقاء وصحبه ، وجرى بينه وبينهم ما جرى .. ثم تابع سيره إلى المدينة ، وحاول تعمية الأمور والمكر بالمسلمين بحجة : أنه لم يحضر الحديبية ، ويريد التأكيد على العهد الذي أبرم فيها ، ويزيد من مدته ، فواجه ما لم يكن له بالحسبان ، وعاد يجر أذيال الخيبة والخسران.

ثم جاءت وفود خزاعة فأخبروا النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بما جرى عليهم ، فوعدهم النصر ، وأخبرهم : أنه سيرسل إلى قريش يخيرها بين ثلاثة أمور.

ثم أرسل «صلى‌الله‌عليه‌وآله» رسولا إلى قريش يعلمهم ببوار مكرهم ، وافتضاح أمرهم ، ويضعهم أمام تلك الخيارات المتقدمة ..

فكان اقتراح أبي سفيان يقضي بالإصرار على جحد أية مسؤولية لهم تجاه ما حصل.

سؤال وجوابه :

ولكن السؤال الذي يحتاج إلى إجابة هو : كيف استطاع بديل بن ورقاء وصحبه أن يسافروا إلى المدينة ويعودوا منها ، ويلتقي بهم أبو سفيان في عسفان في غضون أيام يسيرة قد تتجاوز أصابع اليد الواحدة بيسير ، في حين أن المدينة تبعد عن مكة ما يقارب الأربع مائة كيلومتر .. وتحتاج ربما إلى ضعف هذا العدد من الأيام لقطعها ذهابا وإيابا ..

ويمكن أن يجاب : بأن أبا سفيان قد خرج من مكة ـ حسب زعمهم ـ باتجاه المدينة بعد خمسة أيام من المجزرة. ولكن لا شيء يدل على طبيعة سيره ،

٨٩

وكم بقي حتى وصل إلى عسفان؟ وهل تلوّم في طريقه من المنازل المختلفة بضعة أيام؟ أم أنه أسرع السير وواصله؟ فهذا ما لا تذكره الروايات.

فيحتمل إذن : أن يكون قد سار ببطء ، بحيث لم يصل إلى عسفان حتى مرت عدة أيام ، تكون هي والخمسة أيام الأولى التي أقامها في مكة بعد حصول المجزرة كافية لذهاب الركب إلى المدينة وعودته منها على جناح السرعة ، خوفا من افتضاح أمرهم ..

على ماذا ندمت قريش؟! :

إن ندم قريش على عون بني نفاثة لا يخفف من قبح الجريمة التي ارتكبتها ، ولا يبرر أي إجراء تخفيفي في عقوبتها ، لأن هذا الندم لم يكن لأجل إقرارها ببشاعة وفظاعة الجريمة ، وقبح نقض العهد ، بل هو ندم يؤكد إصرارها على ذلك كله والتزامها به ، ويحمل في ثناياه منطق التأييد ، والرضى ، وعدم التورع عن العودة إلى مثله حينما تسنح الفرصة ، وتأمن من عواقبه وتبعاته السيئة عليها ..

فهو ندم قبيح ، ومرفوض ، ويوجب لها المزيد من الخزي ، والمهانة ، والسقوط. إنه ليس ندما ، بل لجاج وإصرار ، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ..

إنه ندم حقيقته الخوف من انتقام المظلومين ، وأن يدان أهل الحق من الظالمين ، وأهل الباطل ..

وخير دليل على إصرار هؤلاء على باطلهم وسيرهم الدائب في خط الجحود والإنكار للحق ، هو موقفهم الرافض للخيارات العادلة التي وضعها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أمامهم.

٩٠

أبو سفيان ينقض العهد :

زعموا : أن أبا سفيان لم يعلم بما تعاقد بنو نفاثة وزعماء من قريش عليه ، وبما صنعوه في خزاعة قبل وقوعه ، ولم يشاوروه في ذلك (١).

وزعموا : أنه كان في الشام آنئذ (٢).

وقيل : شاوروه ، فأبى عليهم (٣).

ولنفترض : أن أبا سفيان لم يرض بنقض العهد ، ولم يشارك فيما جرى ، فإن ذلك لا يعفيه من المسؤولية لأكثر من سبب.

فأولا : قد تقدم : أن بعض الروايات تصرح : بأنه هو صاحب الرأي الذي يقول : إن اللازم هو إنكار حدوث أي شيء على خزاعة ، وجحد هذا الأمر وإبطاله من أساسه. وهذه خيانة عظيمة ، وإهدار لدماء الناس ، واستخفاف بها ..

وثانيا : إنه قد سعى بكل جهده للتستر على هذا الأمر حينما جاء إلى المدينة ليوثق العهد من جديد ..

وأنكر لدى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أن يكون قد حصل أي

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٧١ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٧٨٣ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٠٥ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٣ ص ٤٥٣ والبحار ج ٢١ ص ١٠٨ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٧ ص ٢٦٠ و ٢٧١.

(٢) راجع : البحار ج ٢١ ص ١٢٦ ومناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج ١ ص ١٧٧ وإعلام الورى ج ١ ص ٢١٧ والأنوار العلوية للنقدي ص ١٩٩.

(٣) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٧١ وراجع : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٠١ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٧ ص ٢٥٧.

٩١

حدث يوجب نقض العهد ، وبذلك يكون قد أصبح شريكا في هذا الأمر ، خصوصا وأنه قد اتخذ سبيل المكر بالنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وعمل على خديعته. فهو إن كان لم يبدأ بالغدر ، ولكنه قد حمى الغدرة الفجرة ، المستحلين لحرم الله ، والقتلة لعباد الله.

الخيارات العادلة :

وعن الخيارات التي وضعها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أمام ناقضي العهد نقول :

ألف : إن الخيار الأول هو : أن يدوا قتلى خزاعة. فإن ذلك من أوليات الحقوق الثابتة والمعترف بها لمن يعانون من عدوان كهذا ، حتى في المجتمع الجاهلي. بل إن القتل حين يكون عدوانيا ، وعن سابق عمد وإصرار ، لا يكتفى معه بالمطالبة بالدية ، بل يرتقي الأمر إلى المطالبة بالقصاص من القاتل .. فكيف إذا كانت هناك عهود ومواثيق لا بد من مراعاتها والوفاء بها؟!

فالمطالبة بالدية يمثل إرفاقا كبيرا ، وتبرعا بالعفو عن جرم كبير وخطير ، يراد محاصرة آثاره ، ومنعه من التوسع والانتشار ، لو أريد الإصرار على خيار القصاص أو أريد الاستفادة من حق إسقاط الالتزامات ، واعتبار العهد في حكم المنتهي ..

ب : والخيار الثاني هو : إفساح المجال أمام العدالة لتأخذ مجراها ، وذلك بالتخلي عن الحلف مع أولئك المعتدين والمجرمين ، لينالوا جزاءهم ..

وهو خيار متوافق مع سنة العدل والإنصاف ، ومشوب بالرفق والإحسان لقريش أيضا ، من حيث إنه يظهر تصديقها فيما تدّعيه ، ويغض

٩٢

النظر عن ملاحقتها ، ومجازاتها على ما اقترفته.

وذلك يمثل درسا عمليا لها في الوفاء بالإلتزامات ، وعدم الإنسياق وراء دعوة النزوات والشهوات .. كما أنه يقدم العبرة للناس ، كل الناس ، في أخذ الحق للمظلوم من الظالم ، وقصاص المعتدي .. وكفى ذلك رادعا لهم عن الانسياق وراء بني نفاثة في ارتكاب جرائم مماثلة ، قد يرون أن الظروف تسمح لهم بارتكابها ، وذلك ظاهر لا يخفى.

ج : وأما الخيار الثالث والأخير : فيقوم على فرضية الإصرار على العدوان ، وعلى مناصرة الظالمين والمجرمين .. حيث لا بد من الردع المؤثر وقطع دابر الفساد والإفساد ، فإن آخر الدواء الكيّ ، ومن الإحسان للإنسانية استئصال الغدة السرطانية التي تفتك بالوجود الإنساني كله ..

سياسات يعرفها الجميع :

وقد قرأنا في النصوص المتقدمة : أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح يستبق الأمور ، ويخبر أهل مكة بما ستأتيهم به الرسل عن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، حتى لقد حدد لهم الخيارات التي سيعرضها «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عليهم ..

وهذا معناه : أن سياسات الإسلام المشوبة بالعفو والرفق والرحمة ، والإنصاف ، والمتمثلة بأقوال وأفعال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أصبحت معروفة ، حتى لدى أعدائه.

ومما يدخل في هذا السياق أيضا يقين بني نفاثة بأن محمدا لن يسكت على نقض العهد ، وظلم الأبرياء. كما أن قريشا خافت أن يعلم رسول الله

٩٣

«صلى‌الله‌عليه‌وآله» بما حدث ، لأن عواقب ذلك ستكون غير مرضية لها ..

آراء لا يحسدون عليها :

وحين عرض ابن أبي سرح الخيارات التي يتوقع أن تأتي بها الرسل من عند رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. أدلى أصحاب المواقع ، وأرباب الرأي الحصيف بآرائهم السخيفة والوضيعة ، التي تعبر عن ذهنيتهم وتوجهاتهم ، وآفاق تفكيرهم ، ومنطلقاتهم. فيلاحظ :

ألف : أن سهيل بن عمرو قد عبر عن رأي يظهر طبيعة نظرة أهل الشرك للعهود والمواثيق ، ومدى هشاشتها ، وسقوط محلها وقيمتها عندهم وضعف تأثيرها في التزاماتهم ، فقال : «ما خلة أهون علينا من أن نبرأ من حلف بني نفاثة».

ب : وعبر شيبة بن عثمان عن سوء الظن الذي كان يهيمن على مجتمع أهل الشرك ، فلم يكن يثق أحد منهم بأحد ، ولا يطمئن لسلامة نواياه ، الأمر الذي يضعف من درجة اعتماد بعضهم على البعض الآخر ، ويحد بصورة كبيرة من إقدامهم على أي عمل يصب في مصلحة الآخرين ، فضلا عن أن يضحي في سبيلهم ، أو يؤثرهم على نفسه.

ثم هو يشير إلى : أن منطلقاتهم حتى في مواقفهم المصيرية هي مصالحهم الشخصية وأهواؤهم وتعصباتهم القبليّة ، ومشاعرهم العرقية. فقضاياهم الكبرى تتقزم وتتحجم لتصبح في مستوى الشخص ، لا من حيث مزاياه الإنسانية ، بل بلحاظ مزيته البشرية ، وفي خصوص طبيعة موقعه النسبي ..

٩٤

ج : أما موقف قرظة بن عمرو ، فيعبر عن حمية الجاهلية التي تختزنها نفوسهم ، والتي تهيمن وتطغى على مشاعرهم ، وعلى أحاسيسهم.

د : ثم يأتي موقف أبي سفيان ، الذي يدل على أن تلك النفوس أصبحت قاحلة جرداء ، لا تمر في أجوائها أي نسمة من نسمات الخير ، ولا تجد فيها أي أثر للهدى والصلاح .. بل هي تضج وتعج بخصال ضربت جذورها في أعماق الباطل ، وانطلقت أغصانها في آفاقه ، فكانت ثمارها شرا وجهالة ، وغواية ، وضلالة.

تحديد المتهم بدقة :

ثم يذكر الحديث السابق : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد طلب من ركب خزاعة تحديد مرتكب الجريمة بدقة ، ولم يكتف بعناوين فضفاضة وعامة.

فحين قالوا : إنهم يتهمون بني بكر ، قال لهم : أكلهم؟

قالوا : لا ، ولكن بنو نفاثة فقط ، وعلى رأسهم فلان ..

وبذلك يكون «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد استبعد المنطق العشائري الجاهلي ، الذي يأخذ البريء بذنب المجرم. رغم أن الذين قتلهم بنو نفاثة هم من الصبيان والنساء ، والضعفاء من الرجال ..

عرام بني نفاثة :

وقد وصفت الروايات المتقدمة بني نفاثة : بأن فيهم عراما ، أي : حدة وشدة ، أو شراسة وأذى ..

فهو يخشى ـ إن ودى القتلى الأبرياء الذين سقطوا تحت وطأة البغي

٩٥

والغدر ، ونكث العهود ـ أن يتعرض للأذى من أناس فيهم حدة وشراسة. وهذا التضييع لحق هؤلاء ظلم آخر يحيق بأولئك الضحايا على يد جلاديهم ، وقتلتهم.

بنو نفاثة يعظمون الحرم :

وقد زعم صاحب ذلك الرأي أيضا : أنه ليس في العرب قبيلة أشد تعظيما لبيت الله تبارك وتعالى من بني نفاثة ..

مع أن بني نفاثة أنفسهم ، وفي نفس هذه الواقعة التي أوصلت الأمور إلى هذا الحد ، قد هتكوا حرمة الحرم ، وقتلوا النساء ، والصبيان ، والضعفاء فيه. وحين حاول الناس لفت نظر زعيمهم وقائدهم نوفل بن معاوية نفسه إلى أنه يهتك حرمة الحرم لأن قتل أولئك الأبرياء قد أصبح في داخله ، وقالوا له : إلهك ، إلهك. تفوه بما يدل على إلحاده ، فقال : لا إله لي اليوم ..

فإذا كان هو فعلا أشد الناس تعظيما للبيت والحرم ، فما الذي ننتظره من سائر القبائل التي لا تعظم البيت إلى هذا الحد؟!

الخبر اليقين :

وقد أخبر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالغيب ، حين قال لهم : لكأنكم بأبي سفيان قد جاء يقول : جدد العهد ، وزد في المدة الخ ..

ونقول :

إن قضية مكة ، والتصدي بحزم لممارسات رموز الشرك فيها ، لم يكن تقبّله بالأمر السهل على الناس ، بل كان يحتاج إلى جهد كبير لإقناع الناس بصحة ذلك التصدي ، وصوابيته.

٩٦

ولهذا الإقناع طرقه ، وأساليبه المختلفة ، ولكن أقواها وأعلاها تلك الإخبارات الغيبية التي يخضع لها العقل ، وتتفاعل في أجوائها المشاعر والأحاسيس ، ويعيش القلب معها السكينة والطمأنينة ..

وقد بيّن «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في هذا الإخبار الغيبي المشار إليه أعلاه تفاصيل ما يجري بصورة تامة ودقيقة ، فصرح باسم القادم ، وهو أبو سفيان. وذكر لهم ما يسعى إليه أبو سفيان ، بل هو صرح بعين الألفاظ والعبارات التي سوف يستخدمها ، فقال : قد جاء يقول : جدد العهد ، وزد في المدة.

ثم بيّن لهم نتيجة سعي ذلك الرجل ، وأنه سيرجع ، وهو يجر أذيال الخيبة ، ويحمل معه سخطه ومرارته ..

رؤيا هند بنت عتبة :

وعن رؤيا هند بنت عتبة نقول :

قد عرفنا أن للرؤيا في المنام دورا في هداية الناس ، وفي إقامة الحجة عليهم ، وفي لفت نظرهم لأمور يحتاجون إليها ، وليست الرؤيا مجرد تخيلات عابرة ، ليس لها أثر ..

وقد جاءت رؤيا هند لتحذر مشركي مكة من مغبة هذا البغي الذي يمارسونه ، وتريهم بعض اللمحات عن المصير الذي ينتظرهم ، إن استمروا في اللجاج والعناد ، والسعي لإطفاء نور الله تبارك وتعالى.

أبو سفيان هو المسؤول :

إن أبا سفيان الذي يدّعي : أنه لم يشهد ما جرى لخزاعة ، قد أقر : بأنه لم

٩٧

يغب عما جرى ..

وهذا معناه : ليس فقط أنه كان على علم بما جرى .. بل هو قد شارك في التخطيط والتآمر ، حتى لو سلمنا : أنه كان في الشام حين ارتكاب المجزرة الرهيبة كما ورد في بعض النصوص (١).

إذ لا شيء يمنع من التخطيط والإتفاق على شيء ، على أن يتم التنفيذ في وقت يحدد بعد أيام ، حيث يكون المستهدفون بالمؤامرة في غفلة من ذلك كله ..

وإذا كان أبو سفيان حاضرا فلا نجد مبررا لتجاهله ، وعدم استشارته ، فيما عقدوا العزم عليه.

مع ملاحظة : أن لفعلهم هذا خطورة بالغة على الهدنة التي كانت بينهم وبين النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لأجل الحلف الذي كان له مع خزاعة. خصوصا وأن ذلك لا يعفي أبا سفيان من المسؤولية من اتخاذ موقف تجاه ما يحدث ، سواء علم أم لم يعلم. وقد اعترف هو نفسه بذلك فقال : «لا يحمل هذا إلا علي».

وهذا أمر طبيعي : فإن من يؤسس نهجا ، ويسن سنّة للناس ليعملوا بها ، فإذا عمل بها الناس ، فليس له أن يقول لهم : أنا بريء مما تشركون ..

وقد أقر الشرع هذا المنطق أيضا ، فقد روي عن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أنه قال : من سن سنة حسنة فله أجرها ، وأجر من عمل بها. ومن

__________________

(١) راجع : البحار ج ٢١ ص ١٢٦ وعن مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج ١ ص ١٧٧ وعن إعلام الورى ج ١ ص ٢١٧ والأنوار العلوية للنقدي ص ١٩٩.

٩٨

سن سنة سيئة ، فعليه وزرها ووزر من عمل بها (١).

__________________

(١) راجع : الفصول المختارة للمفيد ص ١٣٦ وروضة الطالبين للنووي ج ١ ص ٧٣ وحاشية رد المختار ج ١ ص ٦٢ ونيل الأوطار ج ٧ ص ١٩٢ ومستدرك الوسائل ج ١٢ ص ٢٢٩ والإختصاص ص ٢٥١ ومنية المريد ص ١٤٥ والبحار ج ٢ ص ٢٤ وج ٧١ ص ٢٠٤ ومستدرك سفينة البحار ج ٥ ص ١٨٤ ومسند أحمد ج ٤ ص ٣٥٧ و ٣٥٩ و ٣٦١ و ٣٦٢ وصحيح مسلم ج ٣ ص ٨٧ وسنن النسائي ج ٥ ص ٧٦ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٤ ص ١٧٦ وفتح الباري ج ١٣ ص ٢٥٦ وتحفة الأحوذي ج ٩ ص ٦٨ ومسند أبي داود ص ٩٣ ومسند ابن الجعد ص ٩٠ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٣ ص ٣ و ٤ وصحيح ابن خزيمة ج ٤ ص ١١٢ وجزء الحميري ص ٢٥ وصحيح ابن حبان ج ٨ ص ١٠١ والمعجم الأوسط ج ٤ ص ٣٤٣ و ٣٨٤ والمعجم الكبير ج ٢ ص ٣١٥ و ٣٢٩ و ٣٣٠ و ٣٤٦ ورياض الصالحين للنووي ص ١٤٣ واللمع في أسباب ورود الحديث ص ٦٨ وكنز العمال ج ١٥ ص ٧٨٠ وفيض القدير ج ١ ص ٦٧٢ وكشف الخفاء ج ٢ ص ٢٥٥ و ٢٥٦ والتبيان ج ١ ص ١٨٧ وج ٣ ص ٥٠٢ وتفسير مجمع البيان ج ١ ص ١٨٦ وج ٣ ص ٣٢٢ وتفسير نور الثقلين ج ١ ص ٧٣ وتفسير الميزان ج ١٢ ص ٢٣٠ وج ١٧ ص ٧٠ وج ١٩ ص ٤٧ وأحكام القرآن للجصاص ج ٢ ص ٥٠٧ وج ٣ ص ١٨٨ ومفردات غريب القرآن للراغب ص ٢٦٣ و ٥٢١ والجامع لأحكام القرآن ج ٢ ص ٨٧ وج ٦ ص ١٤٠ وج ١٩ ص ٩٩ وتفسير القرآن العظيم ج ٣ ص ٥٧٢ وج ٤ ص ٣٦٥ والبرهان للزركشي ج ٢ ص ١٤٤ والدر المنثور ج ٥ ص ٢٦٠ وج ٦ ص ٢٠١ وتفسير الثعالبي ج ٣ ص ٢٠١ والفصول في الأصول للجصاص ج ٣ ص ١٩٨ وأصول للسرخسي ج ١ ص ١١٤ و ٣٨١ والتعديل والتجريح ج ١ ص ١٣ و ٤٥ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٣ ص ٥٤٤ والإستغاثة ج ١ ص ٢٠ والنصائح الكافية ص ١٢٠ والنهاية في غريب الحديث ج ١ ص ١٠٦ ولسان العرب ج ٨ ص ٦ ومجمع البحرين ج ١ ص ١٦٤ وتاج العروس ج ٥ ص ٢٧١.

٩٩

وقال تعالى في إشارة إلى ذلك : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) (١).

تجديد العهد ، وزيادة المدة :

وقد كان طلب أبي سفيان من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» تجديد عهد الحديبية ، والزيادة في المدة ، هو الخدعة التي أعدها هذا الرجل ، ومن ورائه قريش ، للتملص والتخلص من تبعات الجريمة التي ارتكبوها في حق صبيان ونساء وضعفاء خزاعة ..

وذلك بتقدير : أن يكون ذلك الطلب يشير إلى الرغبة في تأكيد العهد ، ومن تكون لديه هذه الرغبة ، فلا يعقل أن يكون قد نقض ما يسعى إلى تقويته!!

ويعزز ذلك ويقويه : طلب الزيادة في المدة ، لأن ذلك يبعّد احتمال نقض العهد أيضا. فإن ناقض العهد لا يعترف بوجوده ، وقريش تعترف بالعهد ، وببقائه ، بل هي ترغب في إطالة أمده ..

وهذا كله يدخل في سياق الإيحاء ببراءة قريش مما جرى لخزاعة. وهو أحد مظاهر جحود ما ظهر من نقضها للعهد ، بالمشاركة في العدوان على خزاعة.

وهو عين الرأي الذي طرحه أبو سفيان ، واستبشرت به قريش ، حينما ائتمروا فيما بينهم حول كيفية الرد على الخيارات التي عرضها النبي «صلى

__________________

(١) الآية ١٣ من سورة العنكبوت.

١٠٠