الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٠

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٠

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-192-0
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٥

٢ ـ إن رواية أبي عامر تذكر : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد علم بما جرى في مؤتة من أبي عامر نفسه ، مع أن النصوص الأخرى تؤكد على أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أخبر الناس وهو على المنبر بما جرى لحظة فلحظة ، حيث خفض الله له كل رفيع ، ورفع له كل خفيض ، حتى رأى ما يجري هناك.

٣ ـ إن الحديث المتقدم عن الرجل المرّي يصرح : بأن خالدا كان في طليعة المنهزمين ، وتبعه الناس في الهزيمة ، وحديث أبي عامر أيضا ذكر أن الناس انهزموا أسوأ هزيمة رآها قط. حتى لم ير اثنين جميعا.

ولكن أبا عامر يدّعي : أن الناس قد تجمعوا بعد تلك الهزيمة ، وهاجموا جيش العدو ، وهزموه.

وهو كلام غير مقبول ، فإنه إذا وقعت الهزيمة ، فسيبقى الجيش المتفوق يلاحق المنهزمين ، ويمعن فيهم قتلا ، وأسرا ، ويطلب الحصول على ما يتركونه من غنائم ..

ولم نر جيشا منتصرا يترك عدوه يفلت من يده ، ويقف ليتفرج عليه وهو ينسحب من الساحة بأمان ، ويمهله حتى تتجمع فلوله ، ثم يعود لمهاجمته من جديد ، خصوصا مع علمه بأن ملاحقة فلول الجيش المنهزم لا تضره ، ما دام أن مصدر الإمداد لهم بعيد عنهم مسيرة أيام كثيرة ، بل لعل عبارات أبي عامر الذي لم ير اثنين جميعا ، تشير إلى حدوث هذا الإمعان في ملاحقتهم لتفريق جمعهم ، وتشتيت شملهم ..

٤ ـ على أن حديث أبي عامر هذا لا يتلاءم مع ما زعموه من أن ابن رواحة قد قتل عند المساء ، فباتوا. وفي اليوم التالي خالف خالد في ترتيب أجنحة الجيش فخاف جيش العدو ، فانهزم.

٨١

٥ ـ إن الهزيمة معناها سعي المنهزمين للخروج من المعركة بأقصى سرعة يقدرون عليها. ولذلك يسعى الفرسان إلى اقتناء السابق من الخيل ، ليتمكن صاحبها من الحركة السريعة في ميدان الحرب ، ومن اللحاق بالمطلوب إذا كان طالبا ومن النجاة عليه إن حز به أمر ، يخاف فيه الهلاك ، فأصبح هاربا ..

فما معنى أن يتمكن أبو عامر من أخذ اللواء في لحظات الهزيمة ، ثم أن يسعى حتى يسبق المقاتلين ، ويصير أمامهم؟! إلا أن يكون أسرع من الطير في الهواء ، ومن السهم في حنايا البيداء؟!

٦ ـ إن حديث أبي عامر يصرح : بأن ثابت بن أقرم الأنصاري أعطى اللواء إلى خالد ، فرفض خالد قبوله : فقال الأنصاري : والله ما أخذته إلا لك ..

مع أن ابن اسحاق يقول : إن ثابتا أخذ اللواء وقال : يا معشر المسلمين ، اصطلحوا على رجل منكم ، فقالوا : أنت.

فقال : ما أنا بفاعل.

فاصطلح الناس على خالد ..

وفي نص ثالث عن أبي اليسر : أنه هو الذي دفع الراية إلى ثابت بن أقرم ، فدفعت (بالبناء للمجهول) إلى خالد ، فهل ذلك يدل على أن الذي دفع الراية إلى خالد هو غير ثابت هذا؟!

وفي جميع الأحوال نقول : أي ذلك هو الصحيح؟!

٧ ـ ما معنى أن يقول ثابت بن أقرم لخالد : ما أخذته إلا لك؟!

فلما ذا أخذه لخصوص خالد؟! ألم يكن في ذلك الجيش من يليق بمقام القيادة غير خالد؟! أم أن لخالد خصوصية لدى ثابت بن أقرم .. أو أنه هو وحده المقبول من قبل المقاتلين؟!

٨٢

والإحتمال الأخير بعيد ، فإن رواية ابن اسحاق قد صرحت : بأنه حين قال ثابت بن أقرم للناس : إصطلحوا على رجل منكم.

قالوا : أنت. ولم يذكروا خالدا ولا غيره.

وهذا معناه : أنه لم تكن لخالد عندهم خصوصية تميزه عن غيره وترجحه على من عداه لقيادة الجيش.

٨ ـ على أن رواية ثابت بن أقرم تصرح : بأن خالدا هو الذي بادر إلى أخذ اللواء بنفسه ، ولم يأخذه له ابن أقرم ، وتصرح أيضا : بأنه أخذه وانهزم به ، فتبعه الناس ..

٩ ـ ثم إن رواية أبي عامر تدّعي : أن ثابتا هو الذي دعا الناس إليه ، فاستجابوا له ، واجتمعوا عنده ، فأعطى اللواء لخالد ..

مع أن أبا هريرة يقول : إن الناس إنما تراجعوا عن الهزيمة استجابة لكلام قطبة بن عامر. وإن كانت رواية ابن كعب بن مالك تذكر : أنهم لم يستجيبوا لقطبة أيضا بل اتبعوا صاحب الراية في هزيمته. وصاحب الراية هو خالد نفسه .. وقديما قيل : لا حافظة لكذوب.

وأغرب من ذلك ، ما زعمه أبو هريرة أيضا : من أن خالدا جعل يصيح بالناس حين انهزموا ، ويدعوهم في أخراهم ، فلم يستجيبوا له ، فلما دعاهم قطبة استجابوا ، مع أن رواية الرجل المرّي تقول : إن خالدا كان أول من انهزم ، ثم تبعه الناس. ومع أن السؤال المحير يبقى ماثلا أمامنا عن السبب في استجابة الناس لقطبة بن عامر ، وعدم استجابتهم لخالد!!

ألا يجعلنا هذا التهافت نظن : أن المهم عند أبي هريرة هو حفظ ماء وجه خالد ، والتصريح بأنه لم ينهزم ، بل المنهزم هم الآخرون؟!.

٨٣

إيهام أم إبهام؟!

وذكرت بعض الروايات المتقدمة : أن ثابت بن أقرم الأنصاري أخذ اللواء ، وجعل يصيح بالأنصار ، ثم سعى به إلى خالد.

ونقول :

لماذا خص صياح ثابت بن أقرم بالأنصار؟ هل يريد الإيحاء بأن الهزيمة إنما وقعت على الأنصار دون المهاجرين؟!

وربما لأجل ذلك أعطى اللواء لخالد ، الذي يعد في جملة المهاجرين دون الأنصار؟!

أم أنه يريد أن يفهمنا : أن المهاجرين لم يحضروا غزوة مؤتة لتقع الهزيمة عليهم. (رغم أن الروايات قد صرحت بأسماء عدد منهم كان قد حضر مؤتة) أم أن ثابت بن أقرم لم يكن يرى أن من حقه أن ينادي المهاجرين ، لأنه كان أنصاريا ، ولم يكن مهاجريا؟!

مع أن هذا باطل أيضا ، ولو صح ، فقد كان بامكانه أن يقول كما ذكرته رواية أبي عامر وغيرها : إليّ أيها الناس .. ولكنها قد غيرت ، لأن هؤلاء الناس يريدون حياكة الأمور بطريقة ذكية ، تجعلها تصب في الاتجاه الذي رسموه ، وتخدم الأهداف التي حددوها .. حتى إذا ما رأوا : أن في تلك الصياغة ما يضر أيضا بمصالحهم ، عادوا إلى التقليم والتطعيم ، والتغيير والتبديل ، وفق ما يحبون ، وعلى حسب ما يشتهون ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

هل اصطلح المسلمون على خالد؟!

وقد تقدم : أن الروايات قد اختلفت في كيفية وصول اللواء إلى خالد ،

٨٤

فهل خصه به ثابت بن أقرم ، وهو إنما اخذ اللواء له؟! أم أن المسلمين اصطلحوا على خالد؟!

ونضيف هنا التساؤلات التالية :

هل كانت هناك فرصة للحوار حول موضوع اللواء ، بعد قتل القادة ، مع أن المسلمين قد اختلطوا بالمشركين؟!

أم ان المقصود هو تشريف خالد ، وإظهار عظمته ، وبخوع الناس لشجاعته ، وتنزهه عن السعي لأخذ اللواء ، وإظهار أنه أعلم بالقتال من غيره ، وأن المسلمين هم الذين حمّلوه هذه المسؤولية؟! وأنه .. وأنه؟!

أم أن المطلوب هو التعتيم على الحقيقة والتشكيك بالنصوص التي صرحت : بأن خالدا بمجرد أن أخذ اللواء ، الذي كان قد سقط على الأرض انهزم به ، فلما رآه المسلمون منهزما تبعوه ووقع المحذور ـ كما صرحت به روايات عديدة ، ومنها رواية ذلك الرجل المرّي ، وغيرها؟!

ثبت خالد مقدارا مّا :

ويريدون إيهام الناس أيضا برواية مصطنعة تقول : إن خالدا نفسه لم ينهزم ، بل انهزم الناس ، فلما أخذ اللواء حمله ساعة .. فثبت للحملات عليه حتى تكركر المشركون ، ثم حمل بأصحابه ففض جمعا من جمعهم. «ثم دهمه منهم بشر كثير ، فانحاش المسلمون ، فانكشفوا راجعين» (١).

__________________

(١) راجع : المغازي للواقدي ج ٢ ص ٧٦٣ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٥٠ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٧٢ والبحار ج ٢١ ص ٦٢ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٤ ص ٢٥٣ وتاريخ مدينة دمشق ج ١١ ص ١٠٧ و ١٠٨ وج ٢ ص ١٥.

٨٥

ونقول :

إن هذه الرواية تريد ان تقول : إن خالدا لم ينهزم ، لا في البداية ولا في النهاية ، بل ثبت ، والذين انهزموا قبل أخذه للواء هم المسلمون ، فلما أخذه ثبت بهم أولا ، ثم ألحق هزيمة بجمع من جمع العدو .. ثم إن المسلمين انحاشوا ، ثم انكشفوا راجعين ، فهم أيضا لم ينهزموا ، بل ما حصل هو مجرد الانحياش ، ثم الانكشاف .. وترك الحرب والرجوع ، مع أننا قد ذكرنا :

١ ـ أن الرواية المتقدمة عن الرجل المرّي الذي كان حاضرا تقول : إن أول منهزم كان في المرة الأولى هو خالد بن الوليد ، ثم تبعه في الهزيمة سائر الناس .. وصرحت روايات عديدة أخرى بهزيمة خالد أيضا.

وفي رواية ابن كعب بن مالك عن رجال من قومه : أن قطبة بن عامر جعل يصيح : يا قوم .. فما يثوب إليه أحد ، هي الهزيمة. ويتبعون صاحب الراية منهزما.

وقد ذكر المرّي : أن صاحب الراية هو خالد ..

٢ ـ وسيأتي : أن أهل المدينة قد واجهوا ذلك الجيش العائد بالطرد ، والإدانة ، والإهانة حتى حثوا في وجوههم التراب ، وعيروهم بالفرار .. وعاشوا حالة من الإحساس بالذلة والذنب ، بلغت بهم حد الاختفاء عن أعين الناس في بيوتهم ، وانقطعوا عن المسجد ، وعن الصلاة مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

٣ ـ إنه إذا انحاش المسلمون وانحازوا إلى جهة بعينها ، وتجمعوا فيها حين دهمهم الكفار ، فلماذا انكشفوا راجعين في هذه اللحظة بالذات .. مع أنهم كانوا ـ حسب زعم هؤلاء ـ قادرين على مواصلة الحرب والقتال ..

٨٦

خصوصا إذا أخذنا بقول الحلبي : «ثم أخذه خالد ، ومانع القوم وثبت ، ثم انحاز كل من الفريقين عن الآخر ، من غير هزيمة على أحدهما» (١). فإن ذلك يتطلب منهم معاودة الهجوم ، لا ترك ساحة الحرب والانكشاف والعودة!!

٤ ـ والغريب في الأمر : أن رواية كعب بن مالك عن نفر من قومه تقول : «فكانت الهزيمة ، وقتل المسلمون ، واتبعهم المشركون».

وهذا معناه : أن الهزيمة كانت هي السبب في استشهاد هذا العدد من المسلمين .. ثمانية أو اثنا عشر أو نحو ذلك ..

وهو يعني أيضا : أن المشركين لم يتركوا المسلمين حين انهزم بهم خالد ، بل لا حقوهم ، وقتلوا عددا منهم.

وهو يدل أيضا : أن أحدا لم يستشهد قبل استشهاد القادة ، رغم استمرار الحرب سبعة ايام ، كما تقدم.

النصر الموهوم :

وعن زعمهم : أن خالدا قد سجل نصرا مؤزرا وعظيما على جيوش الروم .. بل في بعضها : أن الروم قتلوا قتلة لم يقتلها قوم ، وأن المسلمين قد وضعوا اسيافهم حيث شاؤوا ، نقول :

قد نسي الأفاكون : أن أهل المدينة قد طرد ذلك الجيش العائد ، بقيادة خالد. وحثوا التراب في وجوههم ، وهجروهم ، وعاقبوهم أسوأ عقوبة كما سيأتي .. فلو صح انهم قد انتصروا لكان ينبغي أن يلاقوهم بالورود

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٦٧.

٨٧

والأناشيد ، وبالأفراح والزغاريد ، وأن يرفعوهم على الراحات ، ويدوروا بهم في النوادي والساحات.

ولكان يجب على خالد وجيشه أن يعترضوا على استقبال أهل المدينة بالتعنيف والطرد ، وأن يشتكوهم إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ويجهروا بمظلوميتهم وبأنهم معتدى عليهم. فلماذا اختبأوا في بيوتهم ، حتى إن منهم من ترك الحضور للصلاة من شدة الخجل مما حدث وحصل؟!

بل إن المتوقع في مثل هذه الحالة هو أن يبادر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لمنع هذا التجني ، ولجم الظلم الذي حاق بهؤلاء الأبرياء المجاهدين!! ولو بأن يخطب الناس في المدينة ، ويؤنبهم على ظلمهم هذا ، إن لم يتمكن من أن يعاقبهم عليه.

على أن هذا الذي ذكرناه لا يعني أننا نريد أن ننفي أن يكون المسلمون قد أظهروا درجة من الجدية في قتال أعدائهم ، وأنهم قد سجلوا عليهم انتصارات قوية ..

ولكننا نقول : إن ذلك إن كان قد حصل ، فإنما حصل في الأيام أو في الساعات التي سبقت استشهاد القادة ، ولعل جذوته قد اتقدت بعد استشهادهم بصورة أكبر. ولكن خالدا ضيع ذلك ..

على أن من الواضح : أن صياغة الأحداث بهذه الطريقة التي نشاهدها في كتب التاريخ تعطي : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد ألقى بالمسلمين إلى تهلكة عظيمة ، وأن خالد بن الوليد هو الذي نجاهم منها.

وهذه جرأة على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وخروج عن حدود الاعتقاد الصحيح ، ولا نريد أن نقول أكثر من ذلك.

٨٨

المضحك المبكي :

ومن المضحك المبكي حديث الرجل من بني مرة ، الذي أنكر فيه أن يكون خالد قد انهزم .. ثم شرح ذلك ، بأن اللواء سقط بعد قتل ابن رواحة .. واستمرت الحرب قال : «فنظرت إلى اللواء في يد خالد منهزما ، واتبعناه ، فكانت الهزيمة» (١).

فما معنى نفيه هزيمة خالد أولا ، ثم إثباته لها أخيرا. حتى لقد جعل خالدا أول منهزم باللواء فيهم ، ثم تبعه الناس.

وهذه القضية التي جاءت بعفوية تامة ، تظهر إلى أي حد كان هذا الرجل سليم الذات ، فهو ينقاد لمشاعره تجاه خالد أولا ، فلا يرضى بنسبة الهزيمة إليه ، ثم لما أراد بيان ما جرى ساقته عفويته ، وسلامة ذاته ، وصدق لهجته إلى بيان حقيقة ما جرى بدقة ، فظهر التناقض بين ما تدعوه إليه مشاعره من جهة ، وبين ما أظهرته عفويته ، وسلامة نفسه ، وصدق لهجته من جهة أخرى ..

دلالات في تشويش النصوص وتناقضها :

إن من يقرأ تلك النصوص ، وسواها مما سيأتي يخرج مندهشا من شدة اضطرابها ، واختلافها ، حيث إن بعضها حريص على الإيحاء بأن قيادة خالد قد جلبت النصر للمسلمين. مع ظهور أو صراحة قسم وافر منها ، ومؤيد بالشواهد والأدلة على أن هذه القيادة قد جلبت على ذلك الجيش الهزيمة

__________________

(١) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٢٩ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٩ ص ٣٧ وج ٦٨ ص ٨٧.

٨٩

والعار ، حتى من أهلهم وذويهم ..

ولا شك في أن هذا السعي الحثيث ، وهذا الإصرار العجيب على تصوير الهزيمة بأنها فتح ونصر ، بل هي أعظم من النصر في خيبر ، والخندق ، وبدر ـ يدل على أن ثمة استهتارا بالحق والحقيقة ، وقلة حياء ، وانعدام ضمير لدى من يتصدى لهذا الأمر ، ويحرص عليه ..

ولئن ظهر هذا الأمر في هذا المورد بصورة جلية ، فمن السذاجة أن نعتبره المورد الوحيد الذي تعرض لمثل هذا التزوير الفاضح ، بل إن هذه الخيانة قد مورست في سائر مفاصل السيرة وغيرها ، بل هي قد نالت سائر الموارد التي تشبه في دلالاتها وفي إيحاءاتها ما يحرصون على التخلص منه وطمسه في سرية مؤتة ..

وهذه خيانة عظيمة ، بل جناية كبرى على أمة الإسلام ، وعلى البشرية كلها ، حين تصور الأكاذيب والأباطيل على أنها هي الحقائق. وتصبح الحقائق في عداد الأباطيل والترهات ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله.

خالد سيف الله :

وقد زعموا : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد وصف خالدا في سرية مؤتة بأنه سيف من سيوف الله (١) ..

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٦٨ و ٦٧ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٥١ و ١٥٣ ونقله في هوامشه عن المصادر التالية : صحيح البخاري (٤٢٦٢) وعن ج ٧ ص ٦٢ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٣٦٨ وعن المصنف لابن أبي شيبة ج ١٤

٩٠

فسمي بسيف الله منذئذ (١).

فهو غير صحيح ، وذلك لأن خالدا كان حديث عهد بالإسلام ، فإنه أسلم في شهر صفر سنة ثمان ، وذكره بعضهم (٢) ، كما تقدم بيانه في موضعه من هذا الكتاب. وسرية مؤتة كانت بعد ذلك بحوالي ثلاثة أشهر. أي في جمادى الأولى في سنة ثمان (٣).

وقيل : أنه أسلم قبل غزوة مؤتة بشهرين (٤).

وقيل : أنه أسلم سنة سبع (٥).

وقد أفنى عمره في محاربة هذا الدين وأهله ، كما أنه لم يكن مهتما بالالتزام بأحكامه ، والتقيد بشرائعه .. كما ظهر من سيرته في حياة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وبعده.

وقد شكى خالد عمارا إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لكلام جرى

__________________

ص ٥١٣ وعن مسند أحمد ج ٣ ص ١١٣ والسنن الكبرى ج ٨ ص ١٥٤ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٤٢ والطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج ٤ ق ١ ص ٢٥ وعن الكامل في التاريخ ج ٢ ص وتاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ٤١.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٥١ وتاريخ تاريخ الخميس ج ٢ ص ٧٢ والجامع لأحكام القرآن ج ١٦ ص ٢٨٢.

(٢) راجع : البداية والنهاية ج ٤ ص ٢٤٠ وراجع مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٦٢٧ وفيض القدير ج ١ ص ١٩١.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٤٤ ومسند أبي داود ص ١٥٨.

(٤) فيض القدير ج ١ ص ١٩١.

(٥) الإصابة ج ٦ ص ٤١٩.

٩١

بينهما ، فقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : إنه من يعادي عمارا يعاديه الله ، ومن يبغض عمارا يبغضه الله ، ومن سبه سبه الله (١).

ثم إن من يكون سيفا لله ، فلا يبطش بالناس بغير حق كما صنع خالد ببني جذيمة ، حيث قتلهم صبرا ، بعد أن أمنهم ، مع أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أرسله إليهم داعيا لا مقاتلا.

ولما بلغ النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ما فعل بهم ، رفع يديه وقال : «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد» ..

ثم أرسل «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الإمام عليا «عليه‌السلام» ، فودى لهم الدماء ، وما أصيب من الأموال ، حتى إنه ليدي ميلغة الكلب ، وبقيت بقية من المال ، أعطاهم إياها احتياطا لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٢).

__________________

(١) رجال الكشي ص ٣٥ والوسائل (ط دار الإسلامية) ج ٢٠ ص ٢٧٧ وعوالي اللآلي ج ١ ص ١١٣ وأجوبة مسائل جار الله ص ٢٦ والغدير ج ١ ص ٣٣١ و ٣٣٢ وج ٩ ص ٢٧ وفضائل الصحابة ص ٥٠ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ٣٩٠ والسنن الكبرى للنسائي ج ٥ ص ٧٤ والمعجم الكبير ج ٤ ص ١١٢ وكنز العمال ج ١١ ص ٧٢٦ وج ١٣ ص ٥٣٤ وعلوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم ص ٣٠٥ وأسباب نزول الآيات ص ١٠٦ وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج ١ ص ٥٣٠ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٣ ص ٣٩٩ و ٤٠٠ وتهذيب الكمال ج ٢٥ ص ٣٦٦ وسير أعلام النبلاء ج ١ ص ٤١٥ وج ٩ ص ٣٦٧ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٣ ص ٢٣ وإختيار معرفة الرجال ج ١ ص ١٥٠ وجامع الرواة ج ١ ص ٢٩٣ ومعجم رجال الحديث ج ٨ ص ٤١ وج ١٣ ص ٢٨٨.

(٢) تاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ٦٦ ـ ٦٨ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٧٣ وعن السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٥٣ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢

٩٢

وقال النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في فتح مكة لخالد وللزبير : لا تقاتلا إلا من قاتلكما (١) ، ولكن خالدا بسط يده ، وقتل نيفا وعشرين رجلا من قريش ، وأربعة نفر من هذيل ، فأرسل إليه من يردعه عن ذلك (٢).

وقد تابع خالد مسيرته الدموية هذه إلى ما بعد وفاة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

فأغار على قوم الصحابي المعروف مالك بن نويرة ، فأمنهم أيضا ، وصلوا وإياهم ، ثم أخذهم فقتلهم ، وقتل مالك بن نويرة ، ونزا على امرأته في نفس تلك الليلة ، وجعل رأسه أثفية تحت القدر التي كان يطبخ فيها الطعام.

وتكلم عمر بن الخطاب في ذلك عند أبي بكر ، فلم يسمع منه ، وعذر أبو بكر خالدا (٣).

__________________

ـ ص ١٤٧ وتاريخ أبي الفداء ج ١ ص ١٤٥ وأسد الغابة ج ٣ ص ١٠٢ وعن صحيح البخاري ج ٣ ص ٤٨ والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج ١ ص ٤٠٧ وضوء النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ج ٢ ص ١٧ والمحلى ج ٨ ص ١٦٦ والخصال ص ٥٦٣ والمسترشد ص ٤٩٢ والغدير ج ٧ ص ١٦٩ والإمام علي «عليه‌السلام» للرحماني ص ٦٨٨ وكتاب المنمق ص ٢١٧ و (ط مؤسسة الأعلمي) ج ٢ ص ٣٤٢ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٥٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٥٩٢ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٠١.

(١) تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٣٣ والنص والإجتهاد للسيد عبد الحسين شرف الدين ص ٤٩٥ عن السيرة النبوية لابن هشام ج ١٤ ص ١٠٠.

(٢) راجع عبقرية عمر للعقاد ص ٢٦٦.

(٣) تاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ٢٧٨ ـ ٢٧٩ وفي (ط ليدن) ج ٤ ص ١٤١ ، وراجع : وفيات الأعيان ج ٦ ص ١٥ والمختصر في أخبار البشر ج ١ ص ١٥٨ وروضة

٩٣

وقال : تأول فأخطأ .. أو اجتهد فأخطأ ..

وأما بالنسبة لسبب تسمية خالد بسيف الله :

فالظاهر : أن منشأها أبو بكر بن أبي قحافة. فإنه حين ألح عليه عمر بن الخطاب بعزل خالد بن الوليد ، بسبب قتله مالك بن نويرة ، محتجا بأن في سيفه رهقا ..

قال أبو بكر : لا يا عمر ، ما كنت لأشيم سيفا سله الله على الكافرين (١).

وعن سبب هذه التسمية ذكر صاحب البحار : أنه بعد أن قلد أبو بكر الصدقات بقرى المدينة وضياع فدك رجلا من ثقيف يقال له : الأشجع بن مزاحم الثقفي ، وكان له أخ قتله علي بن أبي طالب في وقعة هوازن وثقيف ..

__________________

المناظر (بهامش الكامل في التاريخ) ج ٧ ص ١٦٧ والكامل في التاريخ (ط دار صادر) ج ٣ ص ٤٩ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ١ ص ١٧٩ والخصال ص ٥٦٣ الإمام علي «عليه‌السلام» لأحمد الرحماني الهمداني ص ٦٨٨ وعن البداية والنهاية ج ٤ ص ٣٥٨ وكشف الغمة ج ١ ص ٢٢٠.

وراجع : المبسوط للسرخسي ص ٩٢ وج ٢٠ ص ٢١٤٥ والمحلى لابن حزم ج ٨ ص ١٦٦ والخصال ص ٥٦٣ والمسترشد ص ٤٩٢ و ٤٩٣ وشرح الأخبار ج ١ ص ٣١٠ والإحتجاج ج ١ ص ١٢٤ والبحار ج ٢١ ص ١٤٢ وج ٣١ ص ٣٣٠ والنص والإجتهاد ص ٤٦١ والفايق في غريب الحديث ج ٣ ص ٣٧٩ وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج ١ ص ٥٤٨ وأسد الغابة ج ٢ ص ٩٤ وكتاب المحبر ص ١٢٤ والسيرة النبوية لابن هشام الحميري ج ٤ ص ٨٨٤ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٠١ وغريب الحديث لابن قتيبة ج ١ ص ٣٧٢ و ٣٧٣ والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير ج ٢ ص ٢٧٧ وج ٥ ص ٢٢٦.

(١) راجع نفس المصادر السابقة.

٩٤

فباغت ضيعة من ضياع أهل البيت «عليهم‌السلام» يقال لها «بانقيا» ، واحتواها ، واحتوى صدقات لعلي «عليه‌السلام» ، وتغطرس على أهلها ، يريد الثأر لأخيه يوم هوازن ، فشكوه لعلي «عليه‌السلام» ..

ثم ذكر : أن الفضل بن العباس قتله بعد أن قال لعلي «عليه‌السلام» : قبحك الله وبتر عمرك ...

ولما أراد أصحابه قتل الفضل سل علي «عليه‌السلام» سيفه ، فرمى القوم أسلحتهم.

ثم أتوا أبا بكر برأس صاحبهم ، فجمع المهاجرين والأنصار وحرضهم للخروج على علي «عليه‌السلام» ، فدارت أعينهم في وجوههم وأخذتهم سكرة الموت حسب تعبيره ..

قال : فالتفت إليه عمر بن الخطاب ، فقال : ليس له إلا خالد بن الوليد.

فالتفت إليه أبو بكر ، فقال : يا أبا سليمان ، أنت اليوم سيف من سيوف الله ، وركن من أركانه ، وحتف الله على أعدائه ، وقد شق علي بن أبي طالب عصا هذه الأمة ، وخرج في نفر من أصحابه إلى ضياع الحجاز ، وقد قتل من شيعتنا ليثا صؤولا وكهفا منيعا ، فصر إليه في كثيف من قومك وسله أن يخدل الحضرة ، فقد عفونا عنه ، فإن نابذك الحرب فجئنا به أسيرا (١).

وأما الرواية التي تقول : إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هو الذي أطلق هذه التسمية عليه ، وفي مناسبة حرب مؤتة فهي غير صحيحة ، لأن

__________________

(١) راجع : البحار ج ٢٩ ص ٤٦ ـ ٥٢ عن إرشاد القلوب للديلمي ، والأنوار العلوية ٣١٤ ـ ٣١٦.

٩٥

خالدا انهزم بالناس في مؤتة .. فكيف يعطي النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الأوسمة للمهزوم؟!

وحينما عاد الجيش إلى المدينة جعل الناس يحثون التراب في وجه ذلك الجيش ، ويقولون : يا فرار في سبيل الله ..

ودخل أفراد ذلك الجيش إلى بيوتهم ، ولم يعد يمكنهم الخروج منها ، لأنهم كلما خرجوا صاح بهم الناس : أفررتم في سبيل الله؟! .. كما تقدم.

علي عليه‌السلام سيف الله المسلول :

غير أن الحقيقة هي : أن هذا اللقب : «سيف الله المسلول» هو من مختصات علي عليه‌السلام ، ولكنه سرق في جملة كثيرة من فضائله ، ومناقبه عليه‌السلام ، في غارات شعواء من الشانئين ، والحاقدين ، والمبطلين ، والمزورين للحقائق ..

وقد روي عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، أنه قال : «علي سيف الله يسله على الكفار والمنافقين» (١).

وفي الحديث القدسي ، المروي عن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «وأيّدتك بعلي ، وهو سيف الله على أعدائي» (٢).

وحول تسمية التمر بالصيحاني روي عن جابر : أن سببها هو أنه صاح :

__________________

(١) البحار ج ٢٢ ص ١٩٧ وج ٤٠ ص ٣٣ عن أمالي الشيخ الطوسي ص ٣٢٢ و (ط دار الثقافة) ص ٥٠٦ ومستدرك سفينة البحار ج ٥ ص ٣٣٤.

(٢) البحار ج ٤٠ ص ٤٣ والكافي ج ٨ ص ١١ وإحقاق الحق ج ٦ ص ١٥٣ عن در بحر المناقب (مخطوط) ص ٤٣ ، وراجع ذخائر العقبى ص ٩٢ والمناقب المرتضوية ص ٩٣ والروضة في المعجزات والفضائل ص ١٢٨.

٩٦

«هذا محمد رسول الله ، وهذا علي سيف الله» (١).

وقال خالد بن سعيد بن العاص لعمر ، في أحداث غصب الخلافة : «وفينا ذو الفقار ، وسيف الله وسيف رسوله» (٢).

وفي زيارة أمير المؤمنين ، المروية عن الصادق «عليه‌السلام» : «وسيف الله المسلول» (٣).

وعن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «هذا علي بن أبي طالب ، هذا سيف

__________________

(١) فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب ، لسلمان العجيلي المعروف بالجمل (ط القاهرة) ص ٦٢ وفرائد السمطين (ط دار النعمان ، النجف) ص ١٢٠ ونظم درر السمطين ص ١٢٤ وعن المناوي في شرح الجامع الصغير ، وإحقاق الحق (الملحقات) ج ١٥ ص ٤٢ و ٥٩ وج ٢٠ ص ٥١٨ و ٢٨٣ عن آل محمد للمردي الحنفي ، وعن غيره ممن تقدم. وعن فيض القدير ج ٥ ص ٢٩٣ والأنوار العلوبة ص ١٥٣ والبحار ج ٦٠ ص ١٤٦ ومستدرك سفينة البحار ج ٦ ص ٣٤ وج ١٠ ص ١٤.

(٢) راجع المصادر التالية : الإحتجاج (ط سنة ١٣١٣ ه‍. ق) ج ١ ص ١٩٠ و ١٩١ و ٣٠٠ والصراط المستقيم ج ٢ ص ٨٠ و ٨٢ وقاموس الرجال ج ٣ ص ٤٧٦ و ٤٧٨ و ٤٧٩ والخصال ج ٢ ص ٤٦٢ و ٤٦٣ واليقين في إمرة أمير المؤمنين ص ١٠٨ ـ ١١٠ عن أحمد بن محمد الطبري ، المعروف بالخليلي ، وعن محمد بن جرير الطبري ، صاحب التاريخ في كتابه : مناقب أهل البيت «عليهم‌السلام» والبحار ج ٢٨ ص ٢١٠ و ٢١١ و ٢١٤ و ٢١٩ ورجال البرقي ص ٦٣ و ٦٤.

(٣) مستدرك سفينة البحار ج ٥ ص ٣٢١ وراجع : المناقب لابن شهر آشوب ج ٣ ص ٧٤ والفضائل لابن شاذان ص ٧٧.

٩٧

الله المسلول على أعدائه» (١).

وعن جابر : «علي سيف الله» (٢).

وعن سلمان عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «فأنا رسول الله ، وعلي سيف الله» (٣).

وعنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في حديث له في حق علي : «وسيف الله وسيفي» (٤).

وعن أنس عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : يا معاشر المسلمين ، هذا أسد الله ، وسيفه في أرضه على أعدائه (٥).

ونجد في فصل : الحصار والقتال في غزوة بني قريظة المزيد من المصادر.

من الذي سمى خالدا بسيف الله؟!

فتبين مما تقدم : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الذي لا ينطق عن الهوى

__________________

(١) أرجح المطالب (ط لاهور) ص ٣٨ ومناقب علي «عليه‌السلام» للعيني الحيدر آبادي (ط أعلم بريش ، جهار منار) ص ٥٧ و ٣٧.

(٢) نظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص ١٢٤ وفيض القدير في شرح الجامع الصغير ج ٥ ص ٢٩٣ وينابيع المودة للقندوزي ج ١ ص ٤٠٩.

(٣) فرائد السمطين (مطبعة النعمان ، النجف) ص ٢٩.

(٤) إحقاق الحق ج ٤ ص ٢٩٧ عن مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي.

(٥) ينابيع المودة (ط إسلامبول) ص ٢١٣ وراجع : أرجح المطالب (ط لاهور) ص ١٤ و ٢٩ وإحقاق الحق (الملحقات) ج ٢٠ ص ٢٥٠ عن : آل محمد للمردي الحنفي وج ٤ ص ٢٢٥ عن عدد من المصادر.

٩٨

لا يسمي خالدا بسيف الله ، ما دام أن سيرته ستكون حافلة بمعاصي الله ، والتعدي على عباده ..

وإن أبا بكر ـ فيما يبدو لنا ـ هو الذي منح خالدا هذا اللقب ، وذلك حين طلب منه عمر أن يجازي خالدا على ما فعله بمالك بن نويرة ، فقال له أبو بكر : ما كنت لأشيم سيفا سله الله على أعدائه (١).

ثم جاء عمر بعد ذلك ، وأكد على هذا اللقب لخالد ، مدّعيا : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هو الذي منحه إياه ، حيث يقول :

«ولو أدركت خالدا ثم وليته ، ثم قدمت على ربي ، فقال لي : من استخلفت على أمة محمد لقلت : سمعت عبدك وخليلك يقول لخالد : سيف من سيوف الله ، سله الله على المشركين» (٢).

ثم عملوا على نسبة هذا الكلام إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كما قلنا (٣) ، مع أن الصحيح هو : أن عليا «عليه‌السلام» هو صاحب هذا اللقب.

__________________

(١) راجع : الغدير ج ٧ ص ١٥٨ ـ ١٦٣ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٥٠٣ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٣٥٩ وأسد الغابة ج ٤ ص ٢٩٥ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٥ ص ١٠٥ والإصابة ج ٣ ص ٣٥٧ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٢٠٩ و ٢٣٣ وتاريخ أبي الفداء ج ١ ص ١٥٨.

(٢) الغدير ج ١٠ ص ١٠ وج ٥ ص ٣٦٢ و ٣٦٣ وعن تاريخ ابن عساكر ج ٥ ص ١٠٢ والإمامة والسياسة ج ١ ص ٢٢ وأعلام النساء ج ٢ ص ٨٧٦.

(٣) تهذيب تاريخ دمشق ج ٥ ص ١٠٢ والإمامة والسياسة ج ١ ص ٢٤ والإصابة ج ١ ص ٤١٤ والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج ١ ص ٤٠٨ و ٤٠٩.

٩٩

حديث الهزيمة :

وقد صرحت الروايات : بهزيمة جيش مؤتة ، وصرح عدد منها بأن خالدا كان هو المنهزم الأول ، فلاحظ ما يلي :

١ ـ قال ابن إسحاق عن خالد : إنه لما أخذ الراية : «دافع القوم ، وحاشى بهم ، ثم انحاز ، وانحيز عنه ، وانصرف الناس» (١).

وهو تعبير خجول عن هزيمة الجيش بقيادة خالد ، كما لا يخفى.

٢ ـ وقال الزهري : «فناوش القوم ، وراوغهم ، حتى انحاز بالمسلمين منهزما ، ونجا بهم من الروم» (٢).

٣ ـ ويقول الواقدي في بعض كلامه : «ثم دهمه بشر كثير ، فانحاش المسلمون ، فانكشفوا راجعين» (٣).

٤ ـ وروى ابن كعب بن مالك ، عن نفر من قومه : أنه «لما أخذ خالد اللواء انكشف بالناس ، فكانت الهزيمة ، وقتل المسلمون ، واتبعهم

__________________

(١) السيرة النبوية ج ٤ ص ٢٧ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٥١ وراجع ص ١٥٠ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٦٩ وراجع ص ٦٧ وراجع : ما عن تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٢٢ وعن البداية والنهاية ج ٤ ص ٢٧٩ وعن السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٨٣٤ وج ٢ ص ١٦٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٤٦٢.

(٢) البحار ج ٢١ ص ٥٠ و ٥١ عن الأمالي للطوسي ص ٨٧ و ٨٨ وبشارة المصطفى ص ٤٣٢.

(٣) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٧٦٣ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٧٢ والبحار ج ٢١ ص ٦٢ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٥٠ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٥ ص ٦٨ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٤ ص ٢٥٣ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢ ص ١٥.

١٠٠