الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٠

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٠

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-192-0
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٥

يرى وجه مهاجمه في ظلام الليل :

وقد صرحت الروايات المتقدمة : بأن هجوم أبي قتادة ومن معه كان ليلا ، بعد ان ذهبت فحمة العشاء ، (أي ذهب إقباله وأول سواده (١)) .. فكيف رأى ابن أبي حدرد الرجل الطويل ، وقد جرد سيفه؟! وكيف رآه يمشي القهقري ، ومرة يقبل عليه بوجهه ، ومرة يدبر عنه بوجهه؟!

افتراق الزميلين :

وإذا كان هو قد طارد ذلك الرجل الطويل ، وترك صاحبه ، فلماذا يتركه صاحبه؟! أو لماذا يترك هو صاحبه؟! وإذا كان يراه يذهب كما تقول الراوية ، فلماذا لم يلحق به؟!

الغنائم تحل المشكلات :

ثم إننا لا نستطيع أن نتجاهل ذلك الإنطباع غير المحمود ، الذي تتركه الطريقة التي يزعمون أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد عالج بها مشكلة ابن أبي حدرد ، من حيث أنه اعتمد في ذلك على الغنائم التي سوف تحصل عليها تلك السرية ، وكأن همه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» منصرف إلى حل المشكلات بهذا الأسلوب .. وكأن سراياه كانت سرايا تحصيل أموال ، وحصول على سبايا وغنائم ..

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٩٤ وكنز العمال ج ١ ص ٣٤٠١ وعون المعبود ج ٧ ص ١٨٩ وشرح سنن النسائي للسيوطي ج ١ ص ٢٨٧ والنهاية في غريب الحديث ج ٣ ص ٤١٧ ولسان العرب ج ٢ ص ٤٤٨.

٣٠١

ونحن لا نشك في عدم صحة ذلك ، وأنه لا يمكن أن يكون ذلك محط اهتمامات رسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ولا هو مما يرتكز إليه في وعوده المالية .. بل كان همه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هو الدعوة إلى الله. وتحصين المسلمين ، وحفظهم من كيد اعدائهم ، والمتربصين بهم ..

وعد آخر بسبية متوقعة :

هذا وقد رووا عن عبد الله بن أبي حدرد : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان قد وعد محمية بن جزء الزبيدي بجارية من أول فيء يفيء الله به. فلما رجع أبو قتادة بالغنائم والسبي التي أخذها من غطفان ، في أرض محارب ، جاء محمية بن جزء إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وقال : يا رسول الله ، إن أبا قتادة قد اصاب جارية وضيئة ، وقد كنت وعدتني جارية من أول فيء يفيء الله به عليك.

فأرسل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى أبي قتادة ، وقال : هب لي الجارية ، فوهبها له ، فأخذها ودفعها إلى محمية بن جزء (١).

ونقول :

١ ـ لماذا يطلب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من أبي قتادة أن يهبه الجارية ، ولا يطلب منه أن يبيعها له؟! أليس ذلك هو الأنسب ، من حيث أنه لا تبقى

__________________

(١) راجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٩٣ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٨٧ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٧٨٠ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٧٦ وراجع : الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٣٣ وتاريخ مدينة دمشق ج ٦٧ ص ١٤٩ وعن الإصابة ج ٦ ص ٣٧ والأعلام للزركلي ج ٧ ص ١٨٩ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١٧٦.

٣٠٢

لأحد منة على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟! وهو الأولى ، من حيث تأكيد اليقين بطيب نفسه عن تلك الجارية الوضيئة ، والرضا بالمال الذي يحصل عليه كثمن لها؟!

٢ ـ لماذا اختار ذلك الرجل الموعود خصوص جارية أبي قتادة الوضيئة ، ولم يختر سواها؟!

أو فقل : لماذا يفسح المجال لذلك الشخص ليعيّن هو هذه الجارية أو تلك؟ ولماذا لا يكتفي بمجرد مطالبة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالوفاء بوعده ، باستخلاص أية جارية كانت من صاحبها ، لكي يعطيه إياها؟

٣ ـ ألم يكن لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الصفى من المغانم؟ أليس كان من الطبيعي أن تكون الجارية الوضيئة التي قد يثور حولها خلاف حين الاقتسام ، هي الصفى لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لينقطع بذلك دابر الخلاف فيها ، ويزول الاحساس بالغبن ، والتحاسد لدى سائر المقاتلين الذين لم تكن تلك الجارية من نصيبهم؟!

٤ ـ إن ما يستوقفنا هنا أيضا : أن غطفان لم تحاول اللحاق بأولئك الذين قتلوا رجالها ، وسبوا نساءها ، واستاقوا نعمها وشاءها ، وهم خمسة عشر رجلا فقط ، مع أن مسيرهم طويل ، وليس فيهم من يخشاه فوارس غطفان ، الذين كانوا يعدون بالمئات والألوف ..

سرية ابن أبي حدرد إلى الغابة :

وفي هذه السنة كانت سرية عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي أيضا ، ومعه رجلان إلى الغابة ، لما بلغه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن رفاعة بن قيس يجمع

٣٠٣

لحربه ، فذهب الرجال الثلاثة إلى رفاعة فقتلوه وهزموا عسكره ، وغنموا غنيمة عظيمة. حكاه مغلطاى (١).

وعن عبد الله بن أبي حدرد أنه قال : أقبل رجل اسمه رفاعة بن قيس ، أو قيس بن رفاعة في بطن عظيم من بني جشم ، حتى نزل بقومه ، وبمن معه الغابة ، يريد أن يجمع قيسا على حرب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وكان ذا اسم وشرف في جشم.

فدعاني رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ورجلين من المسلمين فقال : «أخرجوا إلى هذا الرجل ، حتى تأتوني منه بخبر وعلم».

وقدم لنا شارفا عجفاء ، يحمل عليها أحدنا ، فو الله ما قامت به ضعفا ، حتى دعمها الرجال من خلفها بأيديهم ، حتى استقلت ، وما كادت. ثم قال : «تبلغوا عليها واعتبقوها» (٢).

قال عبد الله بن أبي حدرد : فخرجنا ، ومعنا سلاحنا من النبل والسيوف ، حتى إذا جئنا قريبا من الحاضر (عشيشية) ، مع غروب الشمس ، كمنت في

__________________

(١) راجع : كتاب المحبر ص ١٢٣ وعن أسد الغابة ج ٣ ص ٣٣٤ وعن تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣١٧ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٨٥ وعن البداية والنهاية ج ٤ ص ٢٥٤ وعن السيرة النبوية لابم هشام ج ٤ ص ١٠٦٤ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١٧٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٤٢٢ وعن زاد المعاد ج ١ ص ١١١٩.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٨٦ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٧٦ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٩٤ وعن السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ١٠٤٦ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١٧٩ وعن تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣١٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٤٢٢.

٣٠٤

ناحية ، وأمرت صاحبي فكمنا في ناحية أخرى من حاضر القوم ، وقلت لهما : إذا سمعتماني قد كبرت وشددت في ناحية العسكر ، فكبرا ، وشدا معي.

قال : فو الله إنا لكذلك ننتظر غرة القوم ، أو أن نصيب منهم شيئا ، غشينا الليل ، فذهبت فحمة العشاء ، وكان راعيهم قد أبطأ عليهم حتى تخوفوا عليه. فقام صاحبهم رفاعة بن قيس ، أو قيس بن رفاعة. فأخذ سيفه ، فجعله في عنقه ، ثم قال : والله لأتبعن أثر راعينا هذا ، فلقد أصابه شر.

فقال بعض من معه : نحن نكفيك فلا تذهب.

فقال : والله لا يذهب إلا أنا.

فقالوا : ونحن معك.

قال : والله لا يتبعني أحد منكم. وخرج حتى مر بي ، فلما أمكنني نفحته بسهم ، فوضعته في فؤاده ، فو الله ما تكلم ، ووثبت إليه ، فاحتززت رأسه ، وشددت في ناحية العسكر ، وكبرت ، وشد صاحباي وكبرا.

فو الله ما كان إلا النجاء ممن فيه : عندك ، عندك. بكل ما قدروا عليه من نسائهم وأبنائهم ، وما خف معهم من أموالهم ، واستقنا إبلا عظيمة ، وغنما كثيرة (١).

ثم ذكر أنه جاء بالغنيمة إلى رسول الله فأعانه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، منها بثلاثة عشر بعيرا.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٨٧ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٧٦ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٩٤ وعن البداية والنهاية ج ٢ ص ٢٥٤ وعن السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ١٠٤٦ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١٧٩ وعن تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣١٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٤٢٢ وعن زاد المعاد ج ١ ص ١١١٩.

٣٠٥

ونقول :

إن أكثر المفردات التي وردت في هذه السرية قد جاءت في غير السياق الطبيعي ، فلاحظ على سبيل المثال ما يلي :

١ ـ إن راوي هذه الأحداث هو ابن أبي حدرد نفسه ، وهو يدعي أنه حقق بطولات نادرة ، من شأنها أن تصبح حديث النوادي ، للحاضر ، وللبادي ، وأن يحتفي الناس ببطلها وبمساعديه ، ويصبح الرجل المقدم على الأقران ، وأن نسمع الثناء عليه وعليهم من كل شفة ولسان ، حتى من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، في ذلك الوقت ، وفي كل عصر وزمان ..

ولكن كل ذلك لم يكن ..

٢ ـ إذا كان هناك جمع عظيم مجموع ، ومستعد لحرب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وقد هزمه ثلاثة أشخاص فقط ، فإن المتوقع من هذا الجمع العظيم ، أن يعيد الكرة على مهاجميه ، بعد أن يعود إليه صوابه ، وأن يلاحق الذين استاقوا الأبل والشاء ، وأن يراقب حركتهم ، ويسعى إلى الانتقام لنفسه ، ويستعيد كرامته ، ويستنقذ شرفه.

ولكن كل ذلك لم يكن أيضا.

٣ ـ إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إنما أرسل ابن أبي حدرد ورفيقيه في مهمة محددة ، وهي أن يأتوا من رفاعة بن قيس بخبر ، فما معنى أن يشنوا الغارة عليه ، ويقتلوه ، ولم يأمرهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بذلك ..

٤ ـ ما معنى أن يعطيهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في مهمتهم تلك التي تحتاج إلى النشاط والحركة السريعة ، لكونها مهمة استطلاع شارفا

٣٠٦

واحدا؟. ثم أن تكون هذه الشارف عجفاء ، أي لم تستطع أن تقوم بواحد منهم لشدة ضعفها (١).

٥ ـ لماذا أصر رفاعة على الخروج في طلب الراعي ، ولم يوكل ذلك إلى بعض قومه؟! ثم لماذا أصر أن يكون وحده؟! فهل كان غاضبا من قومه ، لائما لهم على تقصيرهم؟!.

أم أن على الرئيس أن يتولى أمر تفقد رعاته ، وأن يبحث عنهم بنفسه؟!

٦ ـ لماذا حمل رأس قيس بن رفاعة معه إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟! وهل جرت عادة السرايا أن يأتوا برؤوس الناس إليه «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟!

وما الذي قاله له رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في ذلك؟! هل قبله منه؟ أم اعترض عليه؟! أم سكت عنه؟!.

٧ ـ من هو الذي جمع هذا الجمع العظيم؟! هل هو قيس بن رفاعة؟ أم هو رفاعة بن قيس؟! ..

وهل يكون مثلا من يستطيع أن يجمع هذا الجمع نكرة ومجهولا إلى هذا الحد؟!

٨ ـ لماذا لم يذكر الرواة لنا عن هؤلاء الذين جمعهم رفاعة بن قيس شيئا ، فلم تعرف قبائلهم ، ولا عرفنا أحدا من الشخصيات التي كانت

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٩٤ وعن البداية والنهاية ج ٢ ص ٢٥٤ وعن السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ١٠٤٦ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١٧٩ وعن تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣١٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٤٢٢ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٨٥.

٣٠٧

معهم ، أو في جملة قياداتهم ..

٩ ـ قد ذكروا : أن ابن أبي حدرد زعم : أنه طلب من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يعينه في مهر زوجته ، فأرسله في هذه السرية ، وأعانه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بثلاثة عشر بعيرا في صداق زوجته (١).

ثم ذكروا : أنه حين طلب منه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» المعونة في ذلك : أرسله مع أبي قتادة في سرية فحصل على ما أراد ، فقد روي عن ابن أبي حدرد نفسه أنه قال :

«لما طلبت منه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الإعانة في مهر زوجتي. قال لي : ما وافقت عندنا شيئا أعينك به ، ولكن قد أجمعت أن أبعث ابا قتادة في أربعة عشر رجلا في سرية ، فهل لك أن تخرج فيها».

ثم ذكر خروجه معهم ، وأنه قتل ذلك الرجل الذي صار يتهكم به ، وأنه رأى في السبي إمرأة كأنها ظبي ، تبين له أنها هي صاحبة ذلك الرجل الذي كان قد قتله ، فراجع (٢).

ويلاحظ : أن ثمة تشابها في مقدار الغنيمة ، بين هذه السرية والسرية التي قبلها ، فحصته كانت في كل واحدة منها ثلاثة عشر بعيرا.

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٩٤ والمستدرك للحاكم ج ٢ ص ١٧٨ والسنن الكبرى ج ٧ ص ٢٣٥ ومجمع الزوائد ج ٤ ص ٢٨٢ وعن المصنف لابن أبي شيبة ج ٣ ص ٣١٩ وبغية الباحث ص ١٥٨ والمعجم الكبير ج ٢٢ ص ٣٥٢ وعن فيض القدير ج ٥ ص ٤٢١ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٤ ص ٣١٠ وعن أسد الغابة ج ٥ ص ١٦٩ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٨٧.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٩٤ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٨٥.

٣٠٨

سرية أبي عبيدة إلى سيف البحر :

وكانت سرية أبي عبيدة إلى سيف البحر ، ليرصدوا عيرا لقريش (١). في شهر رجب في السنة الثامنة للهجرة ، وذلك بعد أن نكثت قريش العهد وقبل الفتح (٢).

قال بعضهم : وكان النكث ـ كما زعم هؤلاء ـ في شهر رمضان (٣).

ولعل الأمر قد اشتبه عليه ، فإن الفتح كان في شهر رمضان ، أما النكث فكان قبل ذلك.

ولعله أراد أن يكتب أن الفتح كان في شهر رمضان ، فكتب بدل ذلك ، أن النكث كان فيه.

وعند ابن سعد : أن هذه السرية كانت في سنة ست أو قبلها ، قبل الحديبية (٤).

__________________

(١) راجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٩١ وعن البداية والنهاية ج ٤ ص ٣١٤ و ٣١٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٥٢٢ وعن صحيح البخاري (ط دار العامرة ـ إستانبول) ج ٦ ص ٢٢٤ وعن صحيح مسلم ج ٦ ص ٦٢ ومسند الحميدي ج ٢ ص ٥٢١ ومسند أبي يعلى ج ٢ ص ٤٥٧ وصحيح ابن حبان ج ١٢ ص ٦٣ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٧٦ والبحار ج ٢١ ص ٦٤.

(٢) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٧٥ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٣٢ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١٧٣ وتاج العروس ج ٥ ص ١٢٥.

(٣) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٧٥ عن ابن العراقي في شرح التقريب.

(٤) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٧٩ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١٧٤ و ١٧٥ وعن فتح الباري ج ٨ ص ٦١.

٣٠٩

وعلى كل حال ، فقد قالوا : بعث رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أبا عبيدة بن الجراح في سرية فيها المهاجرون والأنصار ، وهم ثلاثمائة رجل إلى ساحل البحر ، إلى حي من جهينة ، فأصابهم جوع شديد ، فأمر أبو عبيدة بالزاد فجمع حتى إنهم كانوا ليقتسمون التمرة.

فقيل لجابر : فما يغني ثلث تمرة.

قال : لقد وجدوا فقدها.

قال : ولم تكن معهم حمولة. إنما كانوا على أقدامهم ، وأباعر يحملون عليها زادهم. فأكلوا الخبط ، حتى إن شدق أحدهم بمنزلة مشفر البعير العضة.

فمكثنا على ذلك حتى قال قائلهم : لو لقينا عدوا ما كان بنا من حركة إليه. لما بالناس من الجهد.

فقال قيس بن سعد : من يشتري مني تمرا بجزر. يوفيني الجزر ههنا ، وأو فيه التمر بالمدينة؟

فجعل عمر يقول : واعجباه لهذا الغلام ، لا مال له ، يدّان في مال غيره.

فوجد رجلا من جهينة ، فقال قيس بن سعد : بعني جزرا وأوفيك سقة من تمر بالمدينة.

قال الجهني : والله ما أعرفك. ومن أنت.

قال : أنا قيس بن سعد بن عبادة بن دليم.

قال الجهني : ما أعرفني بنسبك. أما إن بيني وبين سعد خلة ، سيد أهل يثرب.

فابتاع منهم خمس جزر ، كل جزور بوسقين من تمر. يشرط عليه البدوي تمر ذخيرة مصلبة من تمر آل دليم.

٣١٠

قال : يقول قيس : نعم.

قال الجهني : فأشهد لي.

فأشهد له نفرا من الأنصار ، ومعهم نفر من المهاجرين.

قال قيس : أشهد من تحب.

فكان فيمن أشهد عمر بن الخطاب ، فقال عمر : لا أشهد! هذا يدان ولا مال له. إنما المال لأبيه.

قال الجهني : والله ، ما كان سعد ليخني بابنه في سقة من تمر! وأرى وجها حسنا ، وفعالا شريفا.

فكان بين عمر وبين قيس كلام حتى أغلظ له قيس الكلام.

وأخذ قيس الجزر فنحرها لهم في مواطن ثلاثة. كل يوم جزورا. فلما كان اليوم الرابع نهاه أميره وقال : تريد أن تخفر ذمتك ولا مال لك؟

وقال الواقدي : حدثني محمد بن يحيى بن سهل ، عن أبيه ، عن رافع بن خديج ، قال : أقبل أبو عبيدة بن الجراح ومعه عمر بن الخطاب ، فقال : عزمت عليك ألا تنحر ؛ أتريد أن تخفر ذمتك ولا مال لك؟

فقال قيس : يا أبا عبيدة ، أترى أبا ثابت وهو يقضي دين الناس ، ويحمل الكل ، ويطعم في المجاعة ، لا يقضي سقة من تمر لقوم مجاهدين في سبيل الله!

فكاد أبو عبيدة أن يلين له ، ويتركه حتى جعل عمر يقول : اعزم عليه! فعزم عليه ، فأبى عليه أن ينحر.

فبقيت جزوران معه ، حتى وجد القوم الحوت ، فقدم بهما قيس المدينة ظهرا يتعاقبون عليها.

وبلغ سعد ما كان أصاب القوم من المجاعة ، فقال : إن يكن قيس كما

٣١١

أعرفه فسوف ينحر للقوم.

فلما قدم قيس لقيه سعد ، فقال : ما صنعت في مجاعة القوم حيث أصابهم؟

قال : نحرت.

قال : أصبت ، انحر.

قال : ثم ماذا؟

قال : ثم نحرت.

قال : أصبت ، انحر.

قال : ثم ماذا؟

قال : ثم نحرت.

قال : أصبت ، انحر.

قال : ثم ماذا؟

قال : نهيت.

قال : ومن نهاك؟

قال : أبو عبيدة بن الجراح أميري.

قال : ولم.

قال : زعم أنه لا مال لي ، وإنما المال لأبيك.

فقلت : أبي يقضي عن الأباعد ، ويحمل الكل ، ويطعم في المجاعة ، ولا يصنع هذا بي.

قال : فلك أربع حوائط.

قال : وكتب له بذلك كتابا.

قال : وأتى بالكتاب إلى أبي عبيدة ، فشهد فيه ، وأتى عمر فأبى أن يشهد

٣١٢

فيه ـ وأدنى حائط منها يجذ خمسين وسقا. وقدم البدوي مع قيس فأوفاه سقته ، وحمله ، وكساه.

فبلغ النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فعل قيس ، فقال : إنه في بيت جود (١).

ثم روى الواقدي عن جابر بن عبد الله : أن البحر ألقى لهم حوتا مثل الظرب ، فأكل الجيش منه اثنتي عشرة ليلة ، ثم أمر أبو عبيدة بضلع من أضلاعه فنصب ، ثم أمر براحلة فرحلت ، ثم مر تحتها فلم يصبها (٢).

حدثني ابن أبي ذئب ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله ، قال : إن كان الرجل ليجلس في وقب عينه ، وإن كان الراكب ليمر بين ضلعين من أضلاعه على راحلته.

حدثني عبد الله بن الحجازي ، عن عمر بن عثمان بن شجاع ، قال : لما قدم الأعرابي على سعد بن عبادة ، قال : يا أبا ثابت! والله ، ما مثل ابنك صنعت ، ولا تركت بغير مال ؛ فابنك سيد من سادات قومه ، نهاني الأمير أن أبيعه.

قلت : لم؟

قال : لا مال له! فلما انتسبت إليك عرفته ، فتقدمت لما عرفت أنك تسمو على معالي الأخلاق وجسيمها ، وأنك غير مذم بمن لا معرفة له لديك.

__________________

(١) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٧٧ ـ ١٧٨ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١٧٤ و ١٧٥ وعن فتح الباري ج ٨ ص ٦٢ وتاريخ مدينة دمشق ج ٩٤ ص ٤١٢ ـ ٤١٥ وسير اعلام النبلاء ج ٣ ص ١٠٥ و ١٠٦.

(٢) راجع : مسند ابن الجعد ص ٣٨٧ وصحيح ابن حبان ج ٢ ص ٦٥ ورياض الصالحين للنووي ص ٢٨١ وعن نصب الراية ج ٦ ص ٧٠ وعن مسند أحمد ج ٣ ص ٣٠٦ وعن صحيح مسلم ج ٦ ص ٦١.

٣١٣

قال : فأعطى ابنه يومئذ أموالا عظاما (١).

رصد عير قريش لا يصح :

ونقول :

قد ذكروا : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أرسل أبا عبيدة بن الجراح في ثلاث مائة رجل إلى حي من جهينة في ساحل البحر.

وقيل : ليرصدوا عيرا لقريش.

قال الحلبي : «وعليه فتكون هذه السرية قبل الهدنة الواقعة في الحديبية ، لما تقدم أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يكن يرصد عيرا لقريش إلى الفتح.

وتعدد سرية الخبط بعيد ، فلا يقال : يجوز أن تكون سرية الخبط مرتين : مرة قبل الهدنة ، ومرة بعدها. ومن ثم حكم على هذا القول : بأنه وهم الخ ..» (٢).

ونضيف إلى ذلك : أن رصد العير ، إن كان لأجل مهاجمتها وأخذها ، كان ذلك نقضا للهدنة ، ولا يقدم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على ذلك أبدا.

وإن كان لمجرد الاستعلام عن مسيرها ، وعن حالاتها ، فيرد سؤال عن الفائدة في الحصول على هذه المعلومات.

وسؤال آخر عن سبب تجهيز ثلاث مائة رجل لمجرد مهمة رصد ،

__________________

(١) المغازي للواقدي ص ٧٧٤ ـ ٧٧٧ وراجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٩٢ و ١٩٣ وراجع : سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٧٨ وتاريخ مدينة دمشق (ط دار الكتب العلمية) ج ٥٢ ص ٢٧٠.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٩١.

٣١٤

يكفي فيها أقل من عشر هذا العدد.

وسؤال ثالث يفرض نفسه هنا ، عن سبب امتداد إقامة ثلاث مائة شخص ما يقارب الشهرين في تلك المنطقة النائية.

وسؤال رابع عن سبب قصور أزوادهم عن أن تكفيهم في هذه المدة التي يحتاجون إليها لتحقيق مراد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وإنجاز المهمة الموكلة إليهم ..

ثم أن نسأل أخيرا .. إذا كانت المهمة قتالية ، لمن كان في ساحل البحر من جهينة ، فإن كانوا قد أنجزوها فور وصولهم ، فلماذا لم يرجعوا إلى بلادهم مباشرة؟

ولماذا امتدت إقامتهم إلى حين نفذت أزوادهم حتى أكلوا الخبط؟ ثم إلى حين أكلوا شهرا من تلك الدابة البحرية.

وإن كانت تلك المهمة لم تنجز ، ولم يباشروا القتال الذي أمروا بمباشرته ، فلا بد أن نسأل عن سبب ذلك.

على أن الأغرب من ذلك كله .. أن سرية تمتد تحتاج إلى حوالي شهرين لإنجاز مهمتها ، وفيها ثلاث مائة مقاتل ، لا يذكر لنا التاريخ أي شيء عما جرى لها ، وعن أي شيء من إنجازاتها ..

فلا ندري هل حققت نصرا ، أم منيت بهزيمة .. وإن كانت قد ظفرت بالعدو ، فكم قتلت منهم؟ وكم أسرت؟ وما هي الغنائم التي حصلت عليها؟

وإذا كان ثلاثة أشخاص ، أو أربعة عشر شخصا أو نحو ذلك يحققون الإنجازات الكثيرة في سرايا أخرى ، فلماذا لم يستطع هذا العدد الكبير هنا تحقيق أي شيء رغم هذه الكثرة؟!

٣١٥

هدف السرية :

وروي عن جابر أنه قال : إن سبب بعث هذه السرية هو «طلب عير لقريش ، وترصدها. فأقمنا على الساحل حتى فني زادنا ، وأكلنا الخبط حتى تقرحت أشداقنا ، ثم إن البحر ألقى إلينا دابة ، يقال لها : العنبر ، فأكلنا منها نصف شهر حتى صحت أجسامنا» (١).

ونقول :

إننا لا ندري ما معنى أن يرسل «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ثلاث مائة رجل في طلب عير لقريش مع أنه يكفي لأخذ العير ما هو أقل من هذا العدد بكثير ..

إلا إذا فرض : أن قريشا كانت تجهز مئات المقاتلين لحماية قوافلها الاقتصادية.

وإن كان المطلوب كما صرحت به الرواية هو مجرد ترصد تلك البعير ، وليس المطلوب القتال فإن هذا العدد الكبير لا يناسب حالة الترصد والاستطلاع ، لأنه عدد لا يمكن إخفاؤه لمدة طويلة .. بل هو سوف يطير خبره في كل اتجاه ، وسوف يتحاشى الناس من الاقتراب منه .. وفرض توزعهم في الشعاب والجبال ليقوموا بمهمة الرصد ، لا يمنع من افتضاح أمرهم مع طول المدة التي تحتاجها مهمة الرصد هذه .. إلا إن كان الهدف

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٧٥ وراجع : مسند الحميدي ج ٢ ص ٥٢١ و ٥٢٢ وصحيح ابن حبان ج ١٢ ص ٦٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٥٢٢ وعن البداية والنهاية ج ٤ ص ٣١٥ وعن صحيح البخاري ج ٦ ص ٢٣٣ وعن صحيح مسلم ج ٦ ص ٦١ و ٦٢.

٣١٦

من هذه السرية هو الضغط على قريش من الناحية النفسية ، وإيجاد حالة من الخشية والترقب ، وعدم الاستقرار لديها ..

على أن من غير المعقول : في سرية بهذا الحجم ، وتحتاج في إنجاز مهمتها إلى وقت طويل ، أن لا تحمل معها من القوت ما يكفيها طيلة إقامتها إلا أن يكون اعتمادها على الغارة والسلب ، وهذا ما لا يقرهم عليه دينهم وخلقهم ، ولا يقبله وجدانهم ولا يرضاه منهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كما أشرنا إليه أكثر من مرة.

عقلاء .. أم حساد؟! :

إن سعد بن عبادة كان رئيس الخزرج ، وكان من بيت شرف وأريحية وإباء .. وكان قيس نفسه معروفا بالجود والكرم أيضا ..

ولسنا نشك في أن سعدا لا يخذل ولده في موقف كهذا ، بل هو يسر ويفتخر ويتباهى به. وقد قال ذلك الرجل ـ بائع التمر ـ نفسه : والله ، ما كان سعد ليخني بابنه في سقة من تمر.

ولكن اللافت : هو هذا الموقف الحاد الذي اتخذه عمر بن الخطاب ، الذي كان يكفيه أن يسدي النصيحة لقيس فيما بينه وبينه. وأما تقبيح عمله على رؤوس الأشهاد ، ثم التشكيك بوفاء أبيه له ، فلا يرضاه أحد لا سيما وانه يستبطن انتقاصا من سعد ومن قيس على حد سواء ..

ولا نريد أن نفسح المجال لخيالنا ليلا حق دوافع هذا الموقف الحاد ، فنفترض تارة أن الهدف هو صلاح قيس ، وحفظ أموال سعد عن الإهدار والتبذير ..

٣١٧

ثم نناقش في ذلك : بأن هذا ليس من التبذير ولا الإهدار ، بل هو مال تحفظ به النفوس ، وتصان به الأرواح. وإن لم تسخ به نفس سعد بن عبادة ، ولم يف بذمة ولده ، فلا شك في أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نفسه هو الذي سيتولى هذا الوفاء ، ولو من بيت مال المسلمين.

وسيكون «صلى‌الله‌عليه‌وآله» شاكرا لقيس ، مغتبطا بما صنع ، لأنه حفظ جيش المسلمين من الضياع ، وإبعاد الأذى والمتاعب عنه ، حتى لو كانت في أدنى حالاتها أمر محبوب ومطلوب لله تعالى ، ولرسوله ، ولكل عاقل أريب ..

وقد كنا نتوقع أن يبادر عمر نفسه ، أو أمير السرية والمسؤول عن حفظها ـ وهو أبو عبيدة ـ إلى نفس ما فعله قيس. ولكن الأمور سارت على عكس ما توقعناه ، فهما لم يفعلا شيئا ، كما أنهما قد اتفقا على منع غيرهما من فعل أي شيء من ذلك.

وقد زاد الطين بلة ، أن عمر بن الخطاب أبى أن يشهد ليس فقط لم يشهد على صفقة قيس مع ذلك الأعرابي على الجزائر التي أخذها ليطعم الجيش ، وإنما هو لم يشهد حتى على الكتاب الذي كتبه سعد لولده بالحوائط الأربع ، مكافأة له على ما فعل حسبما تقدم.

فهل كان ذلك من حسد اعترى هذا ، أو ذاك ، أو كليهما؟ أم كان قصر نظر ، وعجز عن إدراك هذا الأمر الظاهر البداهة؟ أم أنهم لا يريدون لقيس المعروف بولائه لعلي «عليه‌السلام» أن يذكر بفضيلة أو مكرمة؟

لا ندري ولعل الفطن الذكي يدري.

٣١٨

عدد الجزائر :

قال البخاري : نحر لهم تسع جزائر ، كل يوم ثلاثا (١).

وقيل : نحر لهم ستة جزائر ، كل يوم ثلاثا ثم نهاه أبو عبيدة (٢).

لكن الحلبي يقول : بل نحر ثلاث جزائر ، ثم أيد ذلك بما تقدم عن الواقدي ، من أنه بقي معه جزوران قدم بهما إلى المدينة.

ونقول :

لا ندري كيف أيد القول بأنه نحر لهم ثلاث جزائر من قولهم : إنه بقي

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٧٥ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٩٢ و (ط دار الفكر) ج ٣ ص ٢٠١ وراجع : المصنف للصنعاني ج ٤ ص ٥٠٨ ومسند الحميدي ج ٢ ص ٥٢٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٥٢٢ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٧٧ والسنن الكبرى للبيهقي (ط دار الفكر) ج ١٤ ص ١٥٠ وصحيح البخاري (ط دار إحياء التراث العربي) ج ٨ ص ٤٠٧ وعن صحيح مسلم (ط دار الكتب العلمية) ج ١٣ ص ٧٤ (٤٩٥٦) وسنن النسائي ج ٧ ص ٢٧٣ والسنن الكبرى للنسائي (ط دار الكتب العلمية) ج ٣ ص ١٦٤ واللؤلؤ والمرجان ج ١ ص ٦٢٠ وفتح الباري (ط دار الفكر) ج ٨ ص ٤٠٧ وشرح الزرقاني ج ٤ ص ٢٩٦ وعمدة القاري ج ١٨ ص ١٣ والبداية والنهاية (ط مكتبة المعارف) ج ٢ ص ٢٧٦ وزاد المعاد ج ١ ص ١١٤٢

(٢) راجع : البحار ج ٢١ ص ٦٤ عن الكازروني في المنتقى في مولد المصطفى وراجع : وصحيح البخاري (ط دار إحياء التراث العربي) ج ١١ ص ٣٩ وفتح الباري (ط دار الفكر) ج ١١ ص ٣٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٧٧ والسنن الكبرى للبيهقي (ط دار الفكر) ج ١٤ ص ١٥٦ وعمدة القاري ج ٢١ ص ١٠٤ وتاريخ مدينة دمشق ج ٥٢ ص ٢٧٠.

٣١٩

معه جزوران .. فلماذا لا ينحر لهم تسعة ، ويبقى معه جزوران ، فإن المفروض هو : أنه أطعم الجيش ثلاثة أيام ..

وإذا كان عدد الجيش ثلاث مائة رجل ، فمن المعلوم : أن الجزور الواحد إنما يكفي مائة رجل .. كما ظهر في غزوة بدر ، حيث كشف النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عدد جيش المشركين من ذبحهم يوما تسعا ، ويوما عشرا ، فكان الجيش ما بين تسع مائة إلى ألف .. فهل أطعم قيس في كل يوم مائة رجل فقط ، وأبقى مائتين بلا طعام؟!

مبالغات لا مبرر لها :

وقد أفاضوا ما شاءت لهم قرائحهم في وصف دابة العنبر ، وبيان ضخامتها ، وعظم خلقتها حتى قالوا : «فرفع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم ، فأتيناه ، فإذا هو دابة تدعى العنبر ، فأقمنا عليها شهرا ، ونحن ثلاثمائة حتى سمنّا.

ولقد رأيتنا نغترف من وقب عينيه بالقلال الدهن ، ونقتطع منه القدر كالثور.

ولقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا فأقعدهم في وقب عينها ، وأخذ ضلعا من أضلاعه فأقامها ، ثم رحل أعظم بعير معنا ، ثم ركبه أطول رجل منا (وهو قيس بن سعد) فجاز من تحتها ، وتزودنا من لحمه الوسائق.

فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فذكرنا ذلك له فقال : هو رزق أخرجه الله تعالى لكم.

فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا؟

٣٢٠