الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٠

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٠

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-192-0
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٥

الفصل الثامن :

سرايا حدثت .. إلى فتح مكة

٢٨١
٢٨٢

سرية أبي قتادة إلى بطن إضم :

وفي أول شهر رمضان سنة ثمان أراد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» التوجه الى مكة لفتحها ، بعث أبا قتادة الحارث بن ربعي في ثمانية نفر إلى بطن إضم (١) ، ليظن ظان أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» توجه إلى تلك الناحية ، ولأن تذهب بذلك الأخبار (٢).

وقال بعضهم : بعثنا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى إضم [في نفر من المسلمين] ، أميرنا أبو قتادة الحارث بن ربعي ، وفينا محلم بن جثامة الليثي ، وأنا. فخرجنا حتى إذا كنا ببطن إضم مر بنا عامر بن الأضبط

__________________

(١) بطن إضم : بين ذي خشب وذي المروة ، على ثلاثة برد من المدينة.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢١١ وج ٦ ص ١٩٠ عن محمد بن إسحاق ، ومحمد بن عمر ، وابن سعد ، وابن أبي شيبة ، والإمام أحمد ، والترمذي ، وحسنه ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والخرائطي في مكارم الأخلاق ، والطبراني ، وأبي نعيم ، والبيهقي في دلائلهما ، عن عبد الله بن أبي حدرد ، والطبراني عن جندب البجلي ، وابن جرير عن ابن عمر ، وابن أبي حاتم عن الحسن ، وعبد الرزاق ، وابن جرير. وراجع : تاريخ الخميس ج ٢ ص ٧٦ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٩٥ وراجع : تاريخ مدينة دمشق ج ٦٧ ص ١٤٩ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١٧٧.

٢٨٣

الأشجعي على قعود له ، ومعه متيّع له ، ووطب من لبن.

قال : فلما مر بنا سلم علينا بتحية الإسلام فأمسكنا عنه ، وحمل عليه محلم بن جثامة فقتله لشيء كان بينه وبينه ، وسلبه بعيره ومتيعه.

فلما قدمنا على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وأخبرناه الخبر نزل فينا : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ ..) (١).

فانصرف القوم ولم يلقوا جمعا ، حتى انتهوا إلى ذي خشب. فبلغهم أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد توجه إلى مكة ، فأخذوا على بيبن حتى لحقوا برسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالسقيا (٢).

فقال النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لمحلم : «أقتلته بعد ما قال آمنت بالله»؟

وفي حديث ابن عمر ، والحسن : فجاء محلم في بردين ، فجلس بين يدي رسول الله (ليستغفر له) ، فقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «أقتلته بعد ما قال إني مسلم»؟

قال : يا رسول الله ، إنما قالها متعوذا.

قال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «أفلا شققت عن قلبه»؟

قال : لم يا رسول الله؟

قال : «لتعلم أصادق هو أم كاذب».

قال : وكنت عالما بذلك يا رسول الله. هل قلبه إلا مضغة من لحم؟

__________________

(١) الآية ٩٤ من سورة النساء.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٩٠ وعن مراصد الاطلاع ج ٢ ص ٧٢. وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٧٦ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٩٥ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٣٣ وتاريخ مدينة دمشق ج ٦٧ ص ١٥٠ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١٧٧.

٢٨٤

قال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «إنما كان ينبئ عنه لسانه».

وفي رواية : فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «لا ما في قلبه تعلم ، ولا لسانه صدقت».

فقال : استغفر لي يا رسول الله.

فقال : «لا غفر الله لك».

فقام وهو يتلقى دموعه ببرديه. فما مضت سابعة حتى مات (١).

وفي حديث ابن إسحاق : فما لبث أن مات ، فحفر له أصحابه ، فأصبح وقد لفظته الأرض ، ثم عادوا وحفروا له ، فأصبح وقد لفظته الأرض إلى جنب قبره (٢).

قال الحسن : لا أدري كم قال أصحاب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كم دفناه ، مرتين ، أو ثلاثا؟! (٣).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٩٠ وقال في هامشه : ذكره السيوطي في الدر ج ٢ ص ٢٠١ وعزاه لابن أبي حاتم ، والبيهقي في الدلائل ، عن الحسن. وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٧٦ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٩٥ وراجع : مجمع الزوائد ج ١ ص ٢٧ والمفاريد عن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ص ٤٣ ومسند ابي يعلى ج ٣ ص ٩٢ والمعجم الكبير ج ٢ ص ١٧٧ وعن الدر المنثور ج ٢ ص ٢٠١ وراجع ص ٢٠٢ وأسباب نزول الآيات ص ١١٦.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٩١ وراجع : أسباب نزول الآيات ص ١١٦ وأحكام القرآن للجصاص ج ٢ ص ٣٠٩ وعن الدر المنثور ج ٢ ص ٢٠١.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٩١ وراجع : أسباب نزول الآيات ص ١١٦ وعن الدر المنثور ج ٢ ص ٢٠١.

٢٨٥

وفي حديث جندب ، وقتادة : أما ذلك فوقع ثلاث مرات ، كل ذلك لا تقبله الأرض ، فجاؤوا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فذكروا ذلك له ، فقال : «إن الأرض تقبل من هو شر من صاحبكم ، ولكن الله تعالى [يريد أن] يعظكم» ، فأخذوا برجليه فألقوه في بعض الشعاب ، وألقوا عليه الحجارة.

وسيأتي في غزوة حنين حكومته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بين عيينة بن حصن ، والأقرع بن حابس في دم عامر بن الأضبط (١).

نقول :

إن لنا مع هذا الذي ذكروه وقفات ، نذكرها في ضمن العناوين التالية :

توضيح لا بد منه :

إن الذي يقرأ ما تقدم يحتاج إلى إضافات وتوضيحات تفيده في استكمال ملامح صورة ما جرى ، فيحتاج إلى أن يقال له : إن تلك السرية تبدو وكأنها سرية استطلاعية للجيش الكبير المجتمع ، الذي يريد التحرك نحو مقصد لم يفصح عنه قائده ..

فإذا كانت السرية الاستطلاعية قد توجهت إلى هدف مّا ، فمن

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٣٤ و ٣٣٩ ج ٦ ص ١٩١ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٧٦ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٩٥ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ١١٦ وعن أسد الغابة ج ٢ ص ٢٨٢ وج ٤ ص ٤١٣ وعن جامع البيان ج ٥ ص ٣٠١ وعن تفسير القرآن العظيم ج ١ ص ٥٥٢ وعن الدر المنثور ج ٢ ص ٢٠٠ وعن فتح القدير ج ١ ص ٥٠٢ وعن البداية والنهاية ج ٤ ص ٢٥٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٤٢٦ وأحكام القرآن للجصاص ج ٢ ص ٣٠٩ وتفسير الثعالبي ج ٢ ص ٢٨١.

٢٨٦

الطبيعي أن يظن المراقب للأحداث أن الهدف هو التمهيد ، ورصد الطرق والمسالك التي سيسلكها ذلك الجيش ، أو يمر بالقرب منها. لكي لا تفاجئه كمائن العدو بهجمات قد تؤثر على تماسكه ، وعلى معنوياته ..

وربما يكون الهدف من السرايا الاستطلاعية هو تحديد الهدف الأقصى ، الذي يراد تسديد الضربة القوية له ..

هل كان أبو قتادة عالما بهدف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

ويظهر من ثنايا النصوص التي نقلناها : أن أبا قتادة ومن معه ما كانوا يعلمون إلى أين سيتوجه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

ولذلك قال : فلما انتهوا إلى ذي خشب بلغهم : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد توجه إلى مكة ، فلحقوا به.

وهذا معناه : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد مارس أقصى درجات الحيطة والحذر ، حتى إن نفس سراياه كانوا لا يعلمون بالهدف الذي يريد توجيه الضربة إليه ، ولا يعلمون بخطته الحربية ، ولا بمقاصد تحركاته ، حتى بعناوينها العامة ..

وبذلك يكون قد أعطى درسا عمليا فيما يرتبط بالأسرار الحربية ، على قاعدة ما روي عن أمير المؤمنين في قوله لأصحابه : «إن لكم عليّ أن لا أخفي عنكم سرا إلا في حرب» (١).

__________________

(١) راجع : نهج البلاغة (بشرح عبده) ج ٣ ص ٧٩ والأمالي للشيخ الطوسي ص ٢١٧ والبحار ج ٣٣ ص ٧٦ و ٤٦٩ وج ٧٢ ص ٣٥٤ ونهج السعادة ج ٤ ص ٢٢٩ وميزان الحكمة ج ١ ص ١٢٤ وشرح نهج البلاغة ج ١٧ ص ١٦ ووقعة صفين للمنقري ص ١٠٧.

٢٨٧

نصرت بالرعب :

قلنا في بعض المواضع من هذا الكتاب : إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان يريد أن يفتح مكة من دون إراقة محجمة من دم فيها ، وذلك حفاظا منه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على قدسية البيت الحرام ، الذي يريده الله حرما آمنا ، حتى حين يتخطف الناس من حوله.

فكان أن انتهج سياسة تعرّف أولئك الطغاة ، بقوة الإسلام الحقيقية ، وتزيل عن أعينهم غشاء الغرور والعنجهية ، ليروا الحقائق على ما هي عليه ، بعيدا عن التحجيم تارة ، وعن التضخيم أخرى ..

حتى إذا اتضح لهم ذلك دب الرعب في قلوبهم ، ولم يجدوا عن التراجع عن تلك المواقف المخزية محيصا ، وبذلك يتابع الإسلام مسيرته الظافرة ، ويمارس حقه الطبيعي في الدعوة إلى الله تعالى.

وهذا بالذات هو ما عناه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بقوله : «نصرت بالرعب».

وحين كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من جهة أخرى يمارس أسلوب المفاجأة ، فإنما كان يريد أن يظهر جانبا آخر من قوة الإسلام ، من حيث أن أسلوب الحرب ، وطبيعة الحركة فيها من شأنه أن يضيف المزيد من القدرات المؤثرة في إضعاف العدو ، وفي هزيمته الروحية ، وفي زيادة اندفاع القوات المهاجمة له ، التي تريد تحقيق النصر عليه ..

ولذلك بعث رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أبا قتادة في ثمانية نفر إلى بطن إضم ، ليظن ظان أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يفكر في التحرك بذلك الاتجاه. أو أنه يفكر في معالجة القضايا القريبة منه ، وليس له همة فيما

٢٨٨

هو أبعد من ذلك.

حتى إذا اطمأن العدو ، وانصرف ليفكر في شأن آخر ، باغته رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بجيش قد لا يجرؤ أو لا يقدر على مواجهته حتى وهو في أقصى درجات الاستعداد ، فكيف يواجهه في حال الغفلة والاستنامة ..

بل إنه حتى لو كان العدو ملتفتا إلى حركة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» باتجاه مواقعه ، فإن شعوره بأن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قادر على فتح أكثر من جبهة في آن واحد ، حتى لو كانت إحدى هذه الجبهات هي أعتى قوى الشرك في الحجاز كله ، فإن ذلك سيفسح المجال لخياله ليسرح في آفاق القدرات التي توفرت لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، الذي جرّبت الحرب معه مرات ومرات ، وخسرها كل من جربها.

ابن جثامة تلفظه الأرض :

وقد زعموا : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد رفض أن يستغفر لابن جثامة وأن الأرض قد لفظته.

ونقول :

إننا نتحفظ على قولهم هذا :

فأولا : قد قيل : إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد استغفر له بعد دعائه عليه (١).

ثانيا : إن ابن جثامة قد مات بحمص أيام ابن الزبير (٢).

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٩٥.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٩٥.

٢٨٩

ثالثا : إنهم يقولون : إن رجلا لفظته الأرض اسمه فليت (١). فلعلهم استعاروا هذه الحادثة من ذلك الرجل واتحفوا بها ابن جثامة لأسباب لا يهمنا التعرف عليها.

رابعا : لماذا يستغفر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لأسامة ، كما يدعون ، ويرفض أن يستغفر لابن جثامة؟!

ما معنى أن يطلب «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من الله أن لا يغفر لابن جثامة ، الذي كان يبكي ، ويظهر الندامة ، مع أن الله قد أرسله رحمة للعالمين. ومع أنه قد كان يمكنه أن يجري عليه الأحكام الشرعية التي تتعلق بالقاتل ، إن وجده مدانا فيما أقدم عليه.

ثم إن الله هو الذي يتولى حسابه على نواياه ، إن كان صادقا في توبته ، أو غير صادق فيها.

ملاحظة أخيرة :

ويلاحظ هنا : أن هذه القصة تشبه في عناصرها ، وسياقاتها قصة أسامة بن زيد ، التي تقدم الحديث عنها في الجزء السابق من هذا الكتاب.

فكيف لم يتعظ محلم بن جثامة بما جرى لأسامة؟!

وهل يمكن أن نعتبر أن الشدة التي أظهرها النبي الكريم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على محلم بن جثامة ، ترجع إلى أن ما جرى لأسامة كان يجب أن يردع ابن جثامة وغيره عن ارتكاب نفس المخالفة ، فضلا عن أن يقدم نفس العذر.

__________________

(١) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ١٠ ص ٢٢٢ عن الروض الأنف.

٢٩٠

سرية واحدة أم سريتان؟! :

قد أورد الواقدي سرية أبي قتادة إلى خضرة ، وابن أبي حدرد إلى الغابة في سياق واحد ، معتبرا إياهما سرية واحدة ..

لكنه في السيرة الحلبية جعلهما سريتين.

ونحن لا نريد أن نبذل المزيد من الجهد في تحقيق ذلك ، ولا سيما بملاحظة ما يرد على كثير من المواضع فيهما من الإشكالات التي تزيد في وهنهما ، وإبعادهما عن درجة الاعتماد ..

غير أن لنا الحق في أن نقدم تصورا لما جرى ، ربما يكون قادرا على حل الإشكال فيما يرتبط بوحدة القضية أو تعددها .. وهو : أن يكون ابن أبي حدرد ورجلان آخران قد كلفوا بمهمة قتل رفاعة بن قيس ، فوافق ذلك مسير أبي قتادة ، فضمهم إليه .. فأنجز ابن أبي حدرد ما كلفه به الرسول ، في طريق الذهاب أو العودة ، وشارك في سرية أبي قتادة ، فأصاب ما أصاب من الغنائم في السريتين .. ولأجل ذلك آثرنا الفصل بينهما ، وكأنهما سريتان مستقلتان.

ولكن المهم هو إثبات أصل وجود كثير من هذه السرايا ، ومنها سرية أبي قتادة ، وسرية قتل ابن أبي حدرد لرفاعة .. فضلا عن لزوم إثبات توافق المواقع والمواضع التي يقيم فيها هؤلاء وأولئك ، وإمكانية الإلتقاء في طرقها ومسالكها.

إذ لو كانت هذه القبيلة أو الموقع في الشرق ، وذاك في الغرب ، فإن هذا التصور يسقط عن الاعتبار.

غير أن علينا هنا أن نذكر ما ذكروه ، ثم نشير إلى مواضع النظر فيما

٢٩١

زعموه ، فنقول :

إننا نورد النصوص التي تتحدث عن هذه القضية وتلك أولا ، ثم نعقب عليها بما يقتضيه المقام .. فلاحظ ما يلي :

سرية أبي قتادة إلى خضرة :

عن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي قال : تزوجت ابنة سراقة بن حارثة النجاري وقد قتل ببدر ، فلم أصب شيئا من الدنيا كان أحب إلي من نكاحها ، وأصدقتها مائتي درهم ، فلم أجد شيئا أسوقه إليها ، فقلت : على الله تعالى ورسوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» المعول.

فجئت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فأخبرته ، فقال : «كم سقت إليها»؟

فقلت : مائتي درهم يا رسول الله.

فقال : «سبحان الله ، والله لو كنتم تغترفونه من ناحية بطحان ـ وفي رواية ـ «لو كنتم تغترفون الدراهم من واديكم هذا ما زدتم».

فقلت : يا رسول الله أعنّي على صداقها.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «ما وافقت عندنا شيئا أعينك به ، ولكن قد أجمعت أن أبعث أبا قتادة في أربعة عشر رجلا في سرية ، فهل لك أن تخرج فيها؟ فإني أرجو أن يغنمك الله مهر امرأتك.

فقلت : نعم (١).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٨٥ عن ابن إسحاق ، وأحمد والواقدي وقال في هامشه : أخرجه أحمد في المسند ج ٣ ص ٤٤٨ والبيهقي في السنن ج ٧ ص ٢٣٥ ـ

٢٩٢

وفي حديث محمد بن عمر ، وأحمد. واللفظ للأول : فخرجنا ، ومعنا سلاحنا من النبل والسيوف ، فكنا ستة عشر رجلا بأبي قتادة ، وهو أميرنا. فبعثنا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى غطفان نحو نجد.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «سيروا الليل ، واكمنوا النهار ، وشنوا الغارة ، ولا تقتلوا النساء والصبيان».

قال : فخرجنا حتى جئنا ناحية غطفان (١).

وفي حديث أحمد : فخرجنا حتى جئنا الحاضر ممسين ، فلما ذهبت فحمة العشاء ، قال محمد بن عمر ، قال : وخطبنا أبو قتادة ، وأوصانا بتقوى الله تعالى. وألّف بين كل رجلين ، وقال :

«لا يفارق كل رجل زميله حتى يقتل أو يرجع إلي فيخبرني خبره ، ولا يأتين رجل فأسأله عن صاحبه ، فيقول : لا علم لي به ، وإذا كبرت فكبروا ، وإذا حملت فاحملوا ، ولا تمعنوا في الطلب».

فأحطنا بالحاضر ، فسمعت رجلا يصرخ : يا خضرة ، فتفاءلت وقلت : لأصيبن خيرا ، ولأجمعن إلي امرأتي ، وقد أتيناهم ليلا.

قال : فجرد أبو قتادة سيفه وكبر ، وجردنا سيوفنا وكبرنا معه ، فشددنا

__________________

ـ والحاكم في المستدرك ج ٢ ص ١٧٨ وذكره الهيثمي في المجمع ج ٤ ص ٢٨٢ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٧٧٧ و ٧٧٨ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٩٤ وعن مسند أحمد (ط دار صادر) ج ٦ ص ١١ ومجمع الزوائد (ط دار الكتب العلمية) ج ٦ ص ٢٠٦ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٧ ص ٣٤١.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٨٥ عن ابن إسحاق ، وأحمد والواقدي وراجع : المغازي للواقدي ج ٢ ص ٧٧٨ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٩٣.

٢٩٣

على الحاضر وقاتلنا رجالا ، وإذا أنا برجل طويل قد جرد سيفه وهو يمشي القهقري ، مرة يقبل علي بوجهه ، ومرة يدبر عني بوجهه ، كأنه يريد أن يستطردني فأتبعه ، ثم يقول : يا مسلم ، هلم إلى الجنة فأتبعه.

ثم قال : إن صاحبكم لذو مكيدة ، أمره هذا الأمر. وهو يقول : الجنة الجنة. يتهكم بنا.

فعرفت أنه مستقتل ، فخرجت في أثره ، وناديت : أين صاحبي؟

فقال : لا تبعد ، فقد نهانا أميرنا عن أن نمعن في الطلب ، فأدركته ، وملت عليه فقتلته ، وأخذت سيفه.

وقد جعل زميلي يناديني أين تذهب؟ إني والله إن ذهبت إلى أبي قتادة فسألني عنك أخبرته.

قال : فلقيته قبل أبي قتادة.

فقلت : أسأل الأمير عني؟

قال : نعم ، وقد تغيظ علي وعليك.

وأخبرني أنهم قد جمعوا الغنائم ، وقتلوا من أشرافهم.

فجئت أبا قتادة فلامني ، فقلت : قتلت رجلا كان من أمره كذا وكذا ، وأخبرته بقوله كله.

ثم سقنا النعم ، وحملنا النساء وجفون السيوف معلقة بالأقتاب ، فأصبحت وبعيري مقطور بامرأة كأنها ظبي. فجعلت تكثر الالتفات خلفها وتبكي ، فقلت : إلى أي شيء تنظرين؟

قالت : أنظر والله إلى رجل لئن كان حيا لاستنقذنا منكم.

فوقع في نفسي أنه هو الذي قتلت.

٢٩٤

فقلت : قد والله قتلته ، وهذا والله سيفه معلق بالقتب.

قالت : فألق إلي غمده.

فقلت : هذا غمد سيفه.

قالت : فشمه إن كنت صادقا.

قال : فشمته فطبق.

قال : فبكت ، ويئست (١).

وعن ابن عمر قال : بعث رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سرية قبل نجد ، فخرجت فيها ، فغنمنا إبلا وغنما كثيرة ، فبلغت سهماننا اثني عشر بعيرا ، فنفلنا أميرنا بعيرا بعيرا كل إنسان ، ثم قدمنا على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقسم علينا غنيمتنا ، فأصاب كل رجل منا اثنا عشر بعيرا بعد الخمس ، وما حاسبنا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالذي أعطانا صاحبنا ، ولا عاب عليه ما صنع (٢).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٨٥ و ١٨٦ عن أحمد والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٩٤ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٧٧٨ و ٧٧٩ وعن مسند أحمد ج ٦ ص ١١ و ١٢ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ٢٠٦ و ٢٠٧ وعن عون المعبود ج ٤ ص ٥٩ و ٦٠ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٧ ص ٣٤١.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٨٧ والمجموع ج ١٩ ص ٣٨٣ ونيل الأوطار ج ٨ ص ١٠٨ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٦ ص ٣١٢ والمصنف للصنعاني ج ٥ ص ١٩٠ وراجع صحيح ابن حبان ج ١١ ص ١٦٤ والمعجم الأوسط ج ٥ ص ١٥٥ والمعجم الكبير ج ١٢ ص ٢٩٤ والجامع لأحكام القرآن ج ٧ ص ٣٦٢ وعن الدر المنثور ج ٣ ص ١٦٠ والطبقات الكبرى ج ٤ ص ١٤٦ وعن البداية والنهاية ج ٤ ص ٢٧٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٤٥٤.

٢٩٥

وفي رواية : نفلنا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعيرا بعيرا ، فكان لكل إنسان ثلاثة عشر بعيرا (١).

قال عبد الله بن أبي حدرد : فأتينا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وجئت برأس رفاعة أحمله معي ، فأعطاني رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من تلك الإبل ثلاثة عشرة بعيرا ، فدخلت بزوجتي ، ورزقني الله خيرا كثيرا (٢).

وعند محمد بن عمر ، عن جعفر بن عمر : وقالوا : غابوا خمس عشرة ليلة ، وجاؤوا بمائتي بعير ، وألف شاة ، وسبوا سبيا كثيرا ، وجمعوا الغنائم ،

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٨٧ عن أحمد ، والبخاري ، ومسلم ، وأبي داود وقال في هامشه : أخرجه البخاري ج ٧ ص ٦٥٣ كتاب المغازي وصحيح مسلم ج ٣ ص ٣٦٨ وأحمد في المسند ج ٢ ص ١٠ ـ ٦٢ وراجع : المغازي للواقدي ج ٢ ص ٧٧٩ و ٧٨٠ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٧٦ والمغني ج ١ ص ٤١٧ والشرح الكبير ج ١٠ ص ٧٤١ ونيل الأوطار ج ٨ ص ١٠٨ و ١٠٩ وسنن أبي داود ج ١ ص ٦٢٣ والسنن الكبرى ج ٦ ص ٣١٢ وعن فتح الباري ج ٦ ص ١٦٩ وعن عون المعبود ج ٧ ص ٢٩٨ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٨ ص ٥١٨ ومسند الشاميين ج ٤ ص ١٤٢ وكنز العمال ج ٤ ص ٥٣٦ والجامع لأحكام القرآن ج ٧ ص ٣٦٢ وعن البداية والنهاية ج ٤ ص ٢٧٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٤٥٤.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٨٧ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٧٦ و ٧٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٤٢٣ وعن البداية والنهاية ج ٤ ص ٢٥٥ وعن أسد الغابة ج ٣ ص ٣٣٥ وعن السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ١٠٤٦ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١٨٠.

٢٩٦

فأخرجوا الخمس ، فعزلوه ، وعدل البعير بعشر من الغنم (١).

قال الديار بكري : فقتل من أشرافهم ، وسبى سبيا كثيرا ، واستاق النعم ، فكانت الأبل مائتي بعير ، والغنم ألفي شاة ، وكانت غيبته خمس عشرة ليلة (٢).

ونقول :

المهور الغالية :

والذي لا مجال للإغماض عنه : هو أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد استكثر المهر الذي أعطاه ابن أبي حدرد لزوجته ، ووجه له ما يشبه اللوم لمجرد أنه أصدق زوجته ماءتي درهم ..

ونقول :

١ ـ إن النبي نفسه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أصدق زوجاته ـ كما يقول هؤلاء أنفسهم ـ ضعف هذا المبلغ أو أزيد من ذلك .. فلماذا يعترض على غيره في أمر هو قد سنه للناس؟! وللناس في رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أسوة حسنة ..

٢ ـ على أن ما يزعم أنه قد قاله لابن أبي حدرد : «لو كنتم تغترفون الدراهم من واديكم هذا ما زدتم» ، غير ظاهر الوجه على المستوى العملي ، فإن عمر بن الخطاب قد أمهر زوجته أم كلثوم أربعين ألف درهم ، أو عشرة

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٨٧ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٧٨٠.

(٢) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٧٦ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ١٣٢ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١٧٦ وتاريخ مدينة دمشق ج ٦٧ ص ١٤٩.

٢٩٧

آلاف دينار ، أو أربعين ألف دينار (١).

ثم زادت المهور ، وتنامت حتى بلغت مئات الألوف والملايين.

__________________

(١) راجع : تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٤٩ و ١٥٠ وراجع : جواهر الكلام ج ٣١ ص ١٥ والمبسوط للشيخ الطوسي والسرائر ج ٣ ص ٦٣٧ ط جماعة المدرسين والوسائل ط مؤسسة آل البيت ج ٢١ باب ٩ من أبواب المهور والفتوحات الإسلامية ج ٢ ص ٤٥٥ و ٤٥٦ وأسد الغابة ج ٥ ص ٦١٥ والذرية الطاهرة للدولابي ص ١٦٠ والإصابة ج ٤ ص ٤٩٢ والبداية والنهاية ج ٧ ص ١٥٦ وج ٥ ص ٣٣٠ وميزان الإعتدال ج ٢ ص ٤٢٥ والدر المنثور ص ٦٢ وتاريخ الإسلام للذهبي عهد الخلفاء الراشدين ص ١٦٦ والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج ٤ ص ٤٩١ والطبقات الكبرى لابن سعد (ط دار التحرير) ج ٨ ص ٣٤٠ و (ط دار صادر) ص ٤٦٤ وسير أعلام النبلاء ج ٣ ص ٥٠١ وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج ١٣ ص ٦٢٥ عن ابن سعد ، والبيهقي في السنن ، وابن أبي شيبة ، وابن عساكر ، وابن عدي في الكامل ، وتاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ٢٧٠ (ط مطبعة الإستقامة) والكامل في التاريخ ج ٣ ص ٥٤ ونساء أهل البيت لخليل جمعة ج ١ ص ٦٦٠ والمجموع ج ١٦ ص ٣٢٧ وذخائر العقبى ص ١٧٠ عن أبي عمر ، والدولابي ، وابن السمان ، وإفحام الأعداء والخصوم ص ١٦٥ ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور ج ٤ ص ٢٧٠ وج ٩ ص ١٦١ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٣ ص ٣١٩ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٢ ص ٢٢٧ وعيون الأخبار لابن قتيبة ج ٤ ص ٧١ وعمدة القاري ج ٢٠ ص ١٣٧ وحياة الحيوان ج ١ ص ٤٩٤ وسيرة ابن إسحاق ص ٢٤٩ ومختصر تاريخ دمشق ج ٩ ص ١٦١ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ٢٨ وراجع : تاريخ عمر بن الخطاب ص ٢٦٧ ونهاية الأرب ج ١٩ ص ٣٩١ والسيدة زينب لحسن قاسم ص ٦٤ ونظام الحكومة النبوية (التراتيب الإدارية) ج ٢ ص ٤٠٥ عن المختار الكنتي في الأجوبة المهمة ، نقلا عن الحافظ الدميري.

٢٩٨

وحديث زواج بوران بنت الفضل بن سهل بالمأمون ، وما أنفق في زفافها ، وما جعل نحلة لها ، مما لا يجهله أي مطلع على كتب التاريخ (١).

٣ ـ قد أحل الله سبحانه أن يعطي الرجل للمرأة من المهر ما شاء. وإن كان يستحب تقليل المهر .. ولكن لا يلام ولا يجبه من لم يعمل بالمستحب ..

٤ ـ إن مقدار المهر وخصوصياته قد تفرضه ظروف خارجة عن اختيار الزوج ، وقد يكون منها رغبة الزوجة ، أو رغبة أهلها بتكثير المهر لأسباب خاصة بهم .. فلا يستحق الزوج هذا التأنيب أو اللوم ، إلا إذا ثبت أنه هو قد بادر إلى ذلك على سبيل المباهاة ، أو الشطط ..

تبييت العدو :

وقد ذكرت تلك الرواية : أن المسلمين أغاروا على القوم ليلا .. مع أنه قد تقدم : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ما بيت عدوا ليلا ..

فإذا كان هو لم يفعل ذلك تنزها عنه ، فهل يسمح به لسراياه وبعوثه؟!

الغنائم والأسرى :

والذي يثير الشبهة أيضا هذه الغنائم الكثيرة ، التي بلغت ألفي شاة ، وماءتي بعير ، بل أكثر ، بالإضافة إلى الأسرى والسبايا ، هو أن الغانمين كانوا ستة عشر رجلا فقط .. فكيف استطاعوا أن يحافظوا على كل هذه الغنائم ، وكل هذا السبي من محاولات أصحابها ، استرجاعها ، أو اقتطاع جزء أو أجزاء منها ، من أي جهة أرادوا ..

__________________

(١) الدر المنثور في طبقات ربات الخدور ص ١٠٢ و ١٠٣.

٢٩٩

فإن ستة عشر رجلا إذا تفرقوا حول ذلك الحشد العظيم من الغنائم وغيرها ، وصاروا أفرادا متباعدين حولها ، فإن هجوم أي جماعة من أية جهة كانت ، سوف يكون ناجحا في استعادة ذلك السلب والسبايا ، أو في استعادة كثير منه.

علما بأن كثرة هذه الإبل والغنم ، إن لم تكن تشير إلى كثرة المالكين لها ، فإن مجرد كونهم من قبائل غطفان يكفي على هذه الكثرة فيهم ، ومعها الجرأة أيضا ..

فقد عرفنا : أن عيينة بن حصن الغطفاني كان يتحرك في المنطقة كلها من منطلق كونه قوة رئيسة فيها ، حتى لقد كان المناوئون للإسلام يعرضون عليه أثمانا باهظة جدا ، إذا نصرهم بالألوف من الغطفانيين الذين كانوا تحت أمره وبأمرته.

إذن .. فكيف يمكن أن نتصور ستة عشر رجلا يغيرون على غطفان ، وهي في بلاد بعيدة عن المدينة ـ حتى لقد غاب المسلمون في سريتهم إليها خمس عشرة ليلة ـ ثم يأخذون سبايا وغنائم بهذا الحجم العظيم ، ولا يبادر الأهل والأصحاب ، وأهل النجدة من تلك القبيلة لنجدة من حل بهم المصاب؟! واسترجاع كل أو بعض ما أخذ من سبايا ، وأسلاب؟! خصوصا مع طول المسير ، وليس للمغيرين ظهير ولا مجير ، ولا محام ولا نصير!!

الإحاطة بالحاضر :

وإذا كانت الغنائم والسبايا بهذه الكثرة ، فإن الدائرة التي يكون فيها الحاضر متسعة ، فكيف أحاط ستة عشر رجلا بهم فيها؟! وكيف تعرّف بعضهم على بعض؟ .. وكيف؟ .. وكيف؟ ..

٣٠٠