وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى - ج ٣

نور الدين علي بن أحمد السّمهودي

وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى - ج ٣

المؤلف:

نور الدين علي بن أحمد السّمهودي


المحقق: خالد عبد الغني محفوظ
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-381-8-0
الصفحات: ٢٤٦

سائمته ، وما أراد قربه منها ؛ فيرى أن قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والله أعلم «لا حمى إلا لله ولرسوله» لا حمى على هذا المعنى الخاص ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما كان يحمى إن شاء لمصالح عامة المسلمين ، لا لما حمى له غيره من خاصة نفسه ، وذلك أنه لم يملك إلا ما لا غنى به وبعياله عنه ، وصير ما ملكه الله من خمس الخمس مردودا في مصلحتهم ، وماله ونفسه كان مفرغا في طاعة الله.

حمى أبي بكر وعمر

قال : وقد حمى بعده عمر رضي الله تعالى عنه أرضا لم يعلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حماها ، وقال غيره : حمى أبو بكر رضي الله تعالى عنه ، وحمى عمر الشرف ، قيل : والربذة ، وقيل : حماها أبو بكر ، وقيل : النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولعله حمى بعضها ثم زاد كل منهما بعده فيها شيئا.

وسيأتي عن الهجري أن عمر أول ما أحمى بضرية ، وأن عثمان زاد فيه.

وما حماه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يجوز تغييره بحال ، بل ينسحب عليه حكم الحمى وإن زالت معالمه على الأصح ، بخلاف حمى سائر الأئمة ، قال الشافعي : ويكره أن يقطع الشجر بالمدينة ، وكذا بوجّ من الطائف ، وكذا بكل موضع حماه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والموضع الذي حماه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا شك فيه بالنقيع ، وأما الصيد فلا يكره فيه ، انتهى.

والمراد بالكراهة هنا كراهة التحريم.

وروى ابن عبد البر أن عمر رضي الله تعالى عنه بلغه عن يعلي بن أمية ويقال : أمينة ، وكان عاملا على اليمن أنه حمى لنفسه فأمره أن يمشي على رجليه إلى المدينة ، فمشى أياما إلى صعدة ، فبلغه موت عمر ، فركب.

وروى الشافعي وغيره أن عمر استعمل مولاه هنيا على الحمى ، فقال له : يا هني ضم جناحك للناس ، واتّق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مجابة ، وأدخل رب الصريمة والغنيمة ، وإياك ونعم ابن عفان وابن عوف ، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعا إلى نخل وزرع ، وإن رب الغنيمة يأتيني بعياله فيقول : يا أمير المؤمنين ، يا أمير المؤمنين ، أفتاركهم أنا لا أبا لك؟ فالماء والكلأ أهون عليّ من الدنانير والدراهم ، ألا وأيم الله لعليّ ذلك ، إنهم ليرون أني قد ظلمتهم ، إنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام ، ولو لا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت على المسلمين من بلادهم شبرا.

قال الشافعي : وإنما نسب الحمى إلى المال الذي يحمل عليه في سبيل الله لأنه كان أكثر ما عنده مما يحتاج إلى الحمى.

وعن مولى لعثمان بن عفان أنه كان معه في ماله بالعالية في يوم صائف ، إذ رأى رجلا يسوق بكرين ، وعلى الأرض مثل الفراش من الحر ، فقال : ما على هذا لو أقام بالمدينة حتى يبرد ثم يروح ، انظروا من هذا ، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب ، فقلت : هذا أمير المؤمنين ،

٢٢١

فقام عثمان فأخرج رأسه من الباب ، فإذا لفح السّموم ، فأعاد رأسه حتى حاذاه فقال : ما أخرجك هذه الساعة؟ فقال : بكران من إبل الصّدقة تخلفا فأردت ألحقهما بالحمى ، وخشيت أن يضيعا فيسألني الله عنهما ، فقال عثمان : هلمّ إلى الماء والظل ونكفيك ، فقال : عد إلى ظلك ، ومضى ، فقال عثمان : من أحبّ أن ينظر إلى القوي الأمين فلينظر إلى هذا ، فعاد إلينا فألقى نفسه.

وفي الموطأ عن يحيى بن سعيد أن عمر رضي الله تعالى عنه كان يحمل في العام الواحد على أربعين ألف بعير ، يحمل الرجل إلى الشام على بعير ، ويحمل الرجلين إلى العراق على بعير.

وعن مالك قال : بلغنا أن الخيل التي أعدّها عمر رضي الله تعالى عنه ليحمل عليها في الجهاد ومن لا مركوب له عدتها أربعون ألفا.

وروى بعضهم أن عمر رضي الله تعالى عنه رأى في روث فرسه شعيرا في عام الرّمادة ، فقال : لأجعلن له من عرر النقيع ما يكفيه.

وفي رواية «المسلمون لا يشبعون والشعير في روثك ، لتعالجن عرر النقيع» قال الخطابي : العرر نبت ينبته الثمام.

وقال عبد الرحمن بن حسان في قاع النقيع :

أرقت لبرق مستطير كأنه

مصابيح تخبو ساعة ثم تلمح

يضئ سناه لي سرورا وودقه

بقاع النقيع أو سنا البرق أبرح

وقال كثير بن عبد الرحمن :

فهل أرين كما قد رأيت

لعزّة بالنعف يوما حمولا

بقاع النقيع بصحن الحمى

يباهين بالرقم غيما مخيلا

وقال عبد العزيز بن وديعة المزني :

ولنا بقدس فالنقيع إلى اللّوى

رجع إذا لهث السبيّ الواقع

واد قرارة ماؤه ونباته

يرعى المخاض به وواد فارع

سعد يحرر أهلنا بفروعه

فيه لنا حرز وعيش رافع

وقال أبو سلمى :

لنا منزلان مؤلف الماء مونق

كريم ، وواد يحدر الماء قارع

وداران دار يرعد الرعد تحتها

ودار بها ذات السلم فرابع

وهذا وما قبله يشير إلى ما سبق في العقيق من أن صدوره ما دفع في النقيع من قدس وما قبل من الحرة وما دبر ، فهو يصب في الفرع.

٢٢٢

وقال أبو قطيفة :

ليت شعري وأين مني ليت

أعلى العهد يلبن فبرام (١)

أم كعهدي النقيع أم غيّرته

بعدنا المعصرات والأيام

وقال عبد الله بن قيس الرقيات :

أزجرت الفؤاد منك الطروبا

أم تصابيت إذ رأيت المشيبا

أم تذكرت آل سلمة إذ حلّوا

رياضا من النقيع ولوبا

ثم لم يتركوا على ماء عمق

للرجال الورّاد منهم قلوبا

الفصل السابع

في شرح حال بقية الأحماء ، وأخبارها

حمى الشرف

منها : الشرف ، حماه عمر رضي الله تعالى عنه ، وليس هو شرف الروحاء ، بل موضع بكبد نجد.

قال نصر : الشرف كبد نجد ، وقيل : واد عظيم تكتنفه جبال حمى ضرية والظاهر أنه مراد من غاير بينه وبين حمى ضرية والربذة.

قال الأصمعي : الشرف كبد نجد ، وكانت منازل بني آكل المرار ، وفيها اليوم حمى ضرية ، وفي أول الشرف الرّبذة ، وهي الحمى الأيمن ، والشريف إلى جنبه يفصل بينهما السرير ، فما كان مشرقا فهو الشريف ، وما كان مغربا فهو الشرف ، انتهى.

ويحتمل : أن المراد بقولهم «حمى الشرف والربذة» حمى ضرية والربذة لما سيأتي في حمى ضريّة أنه كان يقال لعامله عامل الشرف ، ولم يفرد الهجري في أحماء نجد الشرف ، ولم يبين له محلا ، وإنما ذكر الربذة وضرية مع ما سيأتي فيهما.

وقال الأصمعي : كان يقال : من تصيّف الشرف ، وتربّع الحزم ، وشتّى الصمّان ؛ فقد أصاب المرعى.

حمى الربذة

ومنها : حمى الرّبذة قرية بنجد من عمل المدينة ، على ثلاثة أيام منها ، قاله المجد ، وفي كلام الأسدي ما يقتضي أنها على أربعة أيام ، قال المجد : وكان أبو ذر الغفاري خرج إليها مغاضبا لعثمان رضي الله تعالى عنهما ، فأقام بها إلى أن مات ، وتقدم قول الأصمعي إنها في

__________________

(١) يلبن : غدير بنقيع الحمى. برام : جبل من أعلام النقيع.

٢٢٣

الشرف وإنها الحمى الأيمن ، وقال نصر : هي من منازل الحاج بين السليلة والعقيق ، أي الذي بذات عرق.

وفي تاريخ عبيد الله الأهوازي أنها خربت في سنة تسع عشرة وثلاثمائة ؛ لاتصال الحروب بين أهلها وأهل ضرية ثم استأمن أهل ضرّية إلى القرامطة ، فاستنجدوهم عليهم ، فارتحل أهل الرّبذة عنها فخربت ، وكان أحسن منزل بطريق مكة.

وقال الأسدي : الرّبذة لقوم من ولد الزبير ، وكانت لسعد بن بكر من فزارة ، ووصف ما بها من البرك والآثار ، وقال : إن بها بئرا تعرف ببئر المسجد بئر أبي ذر الغفاري.

وتقدم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حمى الربذة لإبل الصدقة ، وقيل : أبو بكر ، وقيل : عمر ، وهو المشهور.

وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن عمر حمى الربذة لنعم الصدقة ، ولهذا نقل الهجري عن جماعة أن أول من أحمى الحمى بالربذة عمر بن الخطاب لقصاص الصدقة ، وأن سعة حماه الذي أحمى بريد في بريد ، وأن سرّة حمى الربذة كانت الحرة ، ثم زاد الولاة بعد في الحمى ، وآخر من أحماه أبو بكر الزبيري لنعمه ، وكان يرعى فيه أهل المدينة ، وكان جعفر بن سليمان في عمله الأخير على المدينة أحماه لظهره بعد ما أبيحت الأحماء في ولاية المهدي ، ثم لم يحمه أحد منذ عزل بكار الزبير.

وأول أعلامه رحرحان جبل غربي الزبدة على أربعة وعشرين ميلا منها في أرض بني ثعلبة بن سعد كثير القنان ، وأقرب المياه منه ماء يقال له الكديد حفائر عادية عذاب ، ثم أروم جبل عن يسار المصعد ، ويدعى الجندورة في أرض بني سليم ، وأقرب المياه منه ماء لبني سليم يدعى ذنوب داخل في الحمى على اثني عشر ميلا من الربذة ، ثم اليعملة ، وبها مياه كثيرة ، بينها وبين الربذة ثلاثة عشر ميلا ، ثم عن يسار المصعد هضبات حمر يدعين فوافى بأرض بني سليم ، على اثني عشر ميلا من الربذة ، ثم عمود المحدث ، وهو عمود أحمر في أرض محارب ، بأصله مياه تدعى الأقعسية ، على أربعة عشر ميلا من الربذة ، وهو بلد واسع.

حمى ضرية

ومنها : حمى ضرية قرية سميت باسم بئر يقال لها ضرية ، وقال ابن الكلبي : سميت ضرية بضرية بنت نزار ، وهي أم حلوان بن عمران بن إلحاف بن قضاعة ، وقال الأصمعي : ويقال ضرية بنت ربيعة بن نزار ، وقال نصر : ضرية صقع واسع بنجد ، ينسب إليه حمى ضرية ، يليه أمير المدينة ، وينزل به حاج البصرة ، قال أبو عبيد البكري : ضرية إلى عامل المدينة ، وقال غيره : وهي قرية عامرة قديمة في طريق مكة من البصرة ، وهي إلى مكة أقرب ، غير أنها من أعمال المدينة يحكم عليها وإليها.

٢٢٤

وذكر الأسدي في وصف طريق البصرة ما يقتضي أن ضرية على نحو عشرة أيام من مكة ، وأخبرني أهل المعرفة بها أنها من المدينة على نحو سبع مراحل ، وأنها إلى المدينة أقرب.

وقال ابن سعد : سرية محمد بن مسلمة إلى القرطاء بطن من أبي بكر كانوا ينزلون البكرات بناحية ضرية ، وبين ضرية والمدينة سبع ليال ، انتهى.

وتقدم قول الأصمي في الشرف إن به حمى ضرية ، قال : وضرية : بئر ماؤها عذب طيب ، قال الشاعر :

ألا يا حبذا لبن الخلايا

بماء ضريّة العذب الزلال

ونقل المجد أن أشهر الأحماء وأسيرها ذكرا حمى ضرية ، وكان حمى كليب بن وائل فيما يزعم بعض بادية طيئ ، قال : وذلك مشهور عندنا بالبادية يرويه كابر عن كابر ، وفي ناحية منه قبر كليب معروف إلى الآن.

قلت : وأخبرني بذلك رئيس أهل نجد ورأسها سلطان البحرين والعطيف فريد الوصف والنعت في جنسه صلاحا وإفضالا وحسن عقيدة أبو الجود أجود بن جبر أيده الله تعالى وسدده ، وقال : إن قبر كليب هناك معروف عند العرب يقصدونه ، قال : ودلني عليه بعضهم لأقصده ، فقلت : وهو واحد من الجاهلية.

ونقل الهجري أن أول من أحمى الحمى بضرية عمر بن الخطاب ، أحماه لإبل الصدقة وظهران الغزاة ، وأن سروح الغنم العادية من ضرية ترعى على وجوهها ثم تؤوب بضرية ، وذلك ستة أميال من كل ناحية ، وضرية في وسط الحمى ؛ فكان على ذلك حياة عمر وصدرا من ولاية عثمان ، ثم كثر النعم حتى بلغ أربعين ألف بعير ، فضاق عنه الحمى ، فأمر عثمان أن يزاد ما يسع إبل الصدقة وظهران الغزاة ، فزاد زيادة لم يحددوها ، إلا أن عثمان رضي الله تعالى عنه اشترى ماء من مياه بني ضبيعة كان أدنى مياه غنى إلى ضرية يقال له البكرة عند هضبات يقال لها البكرات على نحو عشرة أميال من ضرية يذكرون أن البكرة دخلت في حمى عثمان ، ثم لم تزل الولاة تزيد فيه ، واتخذوه مأكلة ، ومن أشدهم فيه انبساطا ومنعا إبراهيم بن هشام المخزومي ، زاد فيه وضيّق على أهله ، واتخذ فيه من كل لون من ألوان الإبل ألف بعير ، ولم تزل حواط الحمى يقاتلون عليه أشدّ القتال ، ويكون فيه الدماء ، وقاتل مرة حواط بن هشام ورعيان أهل المدينة وهم أكثر من مائتي رجل ناسا من غنى على ماء لغنى يقال له الساه قتالا شديدا ، فظفر الغنويون ، فقتلوا منهم اثني عشر رجلا ، ثم صالحوهم على العقل ، لكل واحد مائة من الإبل ، فقال بعض الغنويين :

يا لغني إنه عقل النّعم

وليس بالنّوم وترجيل اللّمم

وكان ناس من الضباب قدموا على ولد عثمان ، فاستسقوهم بالبكرة فأسقوهم ، فلم تزل بأيديهم.

٢٢٥

وحفر عثمان عينا في ناحية أرض غنى خارجة عن الحمى بناحية الماء الذي يقال له نفي على نحو خمسة عشر ميلا من أضاخ ، وفقرت لها بها فقر كبيرة ، وابتنى عماله عندها قصرا أثره بين قرب واردات مقبل ، ولم تجر ، فتركها العمال ، فلم يحرك ذلك السيح إلى اليوم.

ودفنت غنى في فتنة ابن الزبير عنصر العين وتلك الفقر ، فنسيت عيونه وكل ما سلف من أضاخ في شرقيها تميمي.

وأدنى مياه بني تميم إلى أضاخ ماء يقال له أضيح لبني الهجيم ، وقد دفن منذ دهر ، فقال ناس من بني عبد الله بن عامر لأصهار لهم من بني الهجيم : نحن نستسقي لكم آل عثمان فنسقى ، فرغبوا في ذلك ، فأجابهم آل عثمان ، فاستظعن الهجيميون قومهم إليه ، فلقيهم رعاء غنى ، فسألوهم ، فقالوا : إن بني عثمان ولّونا أمره ، وبلغ الخبر من بينهم من غنى ، فتواعدوا أن ينزلوا أدنى منازلهم من بقي ، فاجتمع منهم جمع كثيف ، وعلم بنو الهجيم أنهم إن ثبتوا يعظم البلاء ، فظعنوا ليلا إلى بلادهم ، وخاف بعضهم أن يدرك فتركوا به الرحال وما ثقل وبهما في أرباقه يعني العرى التي يشد بها البهم ، فغضب أصهار الهجيميين ، واستغضبوا آل عثمان ، فلما قدم الحسن بن زيد المدينة ومعه بعض أصهار الهجيميين فقالوا لآل عثمان : نجئ لكم بخيار تميم ومشايخ أضاخ يشهدون لكم ، فاستعدى آل عثمان الحسن بن زيد على غنى ، وسألوه المحاكمة بأضاخ لقربها من بني تميم ، وكلم آل عثمان عبد الله بن عمرو بن عبسة العثماني ، فاجتمعوا عند أبي مطرف عامل الجيش بأضاخ ، وولي الخصومة من غنى الحصين بن ثعلبة أحد بني عمرو الذين امتدحهم ابن عرندس بالأبيات الآتية ، فصار كلما جاء العثماني بشاهد من تميم جاءه الغنوي بشاهدين يخرجانه من قيس ، فلحق العثماني بأهله ، فلم يزل بقي مواتا. وهذه الخصومة في سنة خمسين أو إحدى وخمسين ومائة.

واحتفر عبد الله بن مطيع حفيرة هي في أيدي الضباب على بريد من ضرية على طريق أضاخ للمدينة في ناحية شعبي ، وكان الكنديّون يسقون ، وماؤهم يسمى الثريا ، ومنهم العباس بن يزيد الذي هجاه جرير بقوله :

أعبدا حلّ في شعبي غريبا

ألؤما لا أبا لك واغترابا

إذا حلّ الحجيج على قنيع

يبيت الليل يسترق العتابا

وقنيع : ماء للعباس الكندي على ظهر محجّة أهل البصرة في داره من دارات الحمى يقال لها دارة عسعس ، فلما أجلى الكنديون عن قنيع تنازعت بنو أبي بكر بن كلاب وبنو جعفر ، فقالت أبو بكر : نحن أحق بماء حلفائنا ، وقال الجعفريون : هو عند بيوتنا فنحن

٢٢٦

أحق به ، فجمع بعضهم لبعض بملتقى قنيع ، وكان سيد بني جعفر عبود بن خالد ، ورأس أبي بكر معروف بن عبد الكريم وأخته زوجة عبود أم ولده طفيل ، وكان طفيل من أشد بني جعفر على أخواله ، فخرجت أمّه ليلا لقومها ، فقالت : أشد بني جعفر لكم عداوة ابن أختكم ، فإنه معلم بحبه حرمر ، فليكن أول قتيل ، ثم تداعى القوم للصلح على تحكيم سلمة ابن عمرو العريقي ، وكتبوا بذلك وأشهدوا وتواعدوا أن يتوافوا عنده بأربعين من كل بطن ، ثم نزلوا بسلمة عند الأجل ، فأقام أياما ينحر لهم كل يوم جزورا ، ويعطف بعضه على بعض ، ويزهدهم في قنيع ، فقالوا : إنا لم نجئ لتنحر لنا إبلك ، فقال : حياكم الله يا بني كلاب ، أتيتموني في أمر عار ذكره وأهجن ، ولست بحاكم حتى أعقد لنفسي أن لا تردّوا أنتم ولا من وراء كم حكمي ، فأخذ عليهم الطلاق والعتاق والمواثيق ، ثم قال : أراكم يا بني كلاب كلكم ظالم ، تقطعون أرحامكم في غير مائكم ، لا أرى لأحد منكم فيه حقا ، فرضوا جميعا ، فامتدحه شعراؤهم ، وكان شريفا حسن العلم بالسنن.

قال عقيل بن عرندس الكلابي يمدحه وأهل بيته بني عمرو بقصيدة منها :

يا أيها الرجل المعني شبيبته

تبكي على ذات خلخال وأسوار

خيرتنا وبنى عمرو فإنهم

ذوو فضول وأحلام وأنظار

هينون لينون أيسار بنو يسر

سوّاس مكرمة أبناء أيسار

من تلق منهم فقد لاقيت سيدهم

مثل النجوم سرى في ضوئها الساري

وقال فيه وفي أخيه جامع أحد بني بكر :

إذا ما غنى فأخرتها قبيلة

فإن غنيّا في ذرى المجد أفخر

وكم فيهم من سيد وابن سيد

ومن فارس يوم الكريهة مسعر

هم رتقوا الفتق الذي كان باديا

وقاموا بأفق الحق ، والحقّ أنور

فرحنا جميعا طائعين لحكمه

وهل يدفع الحكم الجليل المنور

واحتفر بعض بني حسن بن علي بالحمى ، واتخذ إلى جنب حفرته عينا ساحت ثم خرجت في غربي طخفة بشاطئ الريان على ثلاثة عشر ميلا من ضرية ، وهي بيد ناس من بني جعفر ثم من بني ملاعب الأسنة من جهة بني أختهم الحسنيين.

وكان لبني الأردم ـ وهم من بني تميم بن لؤي ـ ماء قديم على طريق أهل ضرية إلى المدينة على ثمانية عشر ميلا من ضرية يسمى الجفر ، ومعهم نفر من بني عامر بن لؤي ، فاحتفر سعيد بن سليمان الساحقي العاري عينا وأساحها وغرس عليها نخلا كثيرا على ميل أو نحوه من حفر بني الأدرم بدارة الأسود جبل عظيم أسود ، وهي عامرة كثيرة النخل.

ولما ولى إبراهيم بن هشام المدينة احتفر بالحمى حفيرة لهضب اليمنى على ستة أميال من

٢٢٧

ضرية على طريق البكرة إلى ضرية ، سماها النامية ، وأخرى بناحية شعبي بين ضرية وحفر بني الأدرم على سبعة أميال من ضرية بواد يقال له فاضحة لأنه انفضاح أي انفراج واتساع بين جبال.

ولما هلك ابن هشام احتفر جعفر بن مصعب بن الزبير حفيرة إلى جنب حفيرة ابن هشام بفاضحة ، ونزلها بولده حتى مات ، فأقام ابنه محمد بمنزلة أبيه حتى خرج محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن حسن فخرج مع محمد ، فلما قتل هرب إلى البصرة ، ثم رجع إلى فاضحة ، وتزوج من بني جعفر ثم بني الطفيل فأولد عبد الله فزوّجه ابنة القاسم بن جندب الفزاري ، وكان علما من أعلام العرب ينزل باللواء ، وكان القاسم لا يسير أبدا ، ولم يكن حج قط ، ولا يكاد يقدم ضرية ، وأولاد عبد الله من ابنته في بقية من أموالهم بفاضحة.

واحتفر عبد الله حفيرة إلى جنب حفيرة جده ، ودفن حفيرة ابن هشام ، وأخفى مكانها.

واحتفر جرش مولى ابن هشام حفيرة على ميلين أو ثلاثة من حفر بني الأدرم وحفرة المساحقي سماها الجرشية ، ثم اشتراها ناس من ولد رافع بن خديج من الأنصار ، وأحدثوا بقربها حفيرة بقطيعة السلطان ، فنازعهم محمد بن جعفر بن مصعب بحق بني الأدرم ، وكان من أشد الرجال ، فقاتلهم وحده ، فاجتمعوا فأصابه رجلان منهم بفرعين خفيفين في رأسه ، فأخذهما أسرى حتى أقدمهما ضرية ، واستعدى عليهما الحسن بن زيد بالمدينة ، فضربهما بالسياط ، ثم عفا عنهما ، واختصموا في الجرشية والحفيرة حتى قضى لبني الأدرم والمساحقي ، فكلمهم الناس فسبقوهم بهما ، وكان الأنصاريون أهل عمود وماشية ، فلما كانت الفتنة أكلتهم لصوص قيس من كلاب وفزارة ، فلحقوا بطيئ وناسبوهم ، فأمنوا مدة ، ثم غارت عليهم لصوص طيئ فتفرقوا وتركوا البادية ، وكانت بنو الأدرم وبنو بجير القرشيون قد كثروا بالحفر ، ثم وقع بينهم شر ، وكان جيرانهم من قيس يكرمونهم ، فلما تفاسدوا جعل بعضهم يهيج اللصوص على بعض ، فنهبهم بنو كلاب وفزارة ، وقتلوا بعض رجالهم ، فلحقوا بالمدينة ، وتفرقوا ، وقال عبد الجبار المساحقي لبني فزارة فيما فعلوا بالقرشيين :

مهلا فزارة مهلا لا أبا لكم

مهلا فقد طال إعذاري وإنذاري

في أبيات :

وكانت ضرية من مياه الضباب في الجاهلية لذي الجوشن الضبابي والد شمر قاتل الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما ، وكانت مسلمة الضباب يروون أن ذا الجوشن قال في الجاهلية :

٢٢٨

دعوت الله إذ سغبت عيالي

ليجعل لي لدى وسط طعاما

فأعطاني ضريّة خير بئر

تمجّ الماء والحب التؤاما

ووسط : جبل على ستة أميال من ضرية يطأ الحاج المصعد خيشومه ، وبناحيته اليسرى دارة سعتها ثلاثة أميال أو أربعة ، وقنيع في أعلاها ، وهي بين وسط وعسعس ويقال لها أيضا : دارة عسعس ، وعسعس : جبل أحمر مجتمع في السماء بهيئة رجل جالس له رأس ومنكبان.

وأما عين ضرية وسيحها فيقال : إنه كان لعثمان بن عنبسة بن أبي سفيان ، وهو الذي حفرها واغترس النخل وضفر بها ضفيرة بالصخر لينحبس الماء ، وهو سد يعترض الوادي فيقطع ماءه وينحبس زمانا ليكون أغزر للعين ، فلما قام أبو العباس كان ذلك فيما قبضوا ، ففي آخر ولاية أبي العباس وكانت تحته أم سلمة المخزومية من بني جعفر بن كلاب وقد أحالها معروف بن عبد الله عليه فأكرمه فسأله أن يقطعه عين ضرية فأقطعه ، وكان بدويا ذا زرع ، فلما أرطب نخلها نزلها بأهله ، وكانت نعمه ترد عليه ، وسأله ناس من ضريّة أن يعريهم من نخله ، فأعراهم ، وصار يجني للضيفان من الرطب ، ويحلب لهم من إبله ، فمكث نحو شهرين ، فأتاه ضيفان بعد ما ولي الرطب ، فأرسل فلم يؤت إلا بقليل ، وقال له الرسول : ذهب الرطب إلا ما ترى ، فقال : يسوؤني أن أعود على ضيفاني من نخلكم ، وكان قيمه على العين زرع قثاء وبطيخا ، فأتاه بشيء منه ، فقال : قبح الله ما جئت به ، احذر أن يراه عيالي ، وكره النخل ، وأراد بيعه ، فاشتراه منه عبد الله الهاشمي عامل اليمامة بألفي دينار ، ثم ولاه جعفر بن سليمان إذ سأله إياه ، فأحدث بسوق ضرية حوانيت جعلها سماطين داخلين في سماطي ضرية الأولين فيهما نيف وثمانون حانوتا ، فربما جمعت غلة الحوانيت والنخل والزرع ثمانية آلاف درهم في السنة ، وكان شأن الحمى عند ولاة المدينة عظيما ، كانوا يستعملون عاملا وحده ، وكانت إصابته فيه عظيمة ، وكان لحواطه سلطان عظيم ، وحواط كل ناحية : سادة القوم وأشرافهم ، وكان يقال لعامل الحمى : عامل الشرف.

وأقرب أجبل الحمى للمصعد ـ أي أقرب ما ترى من جباله ـ جبل الستار على طريق البصرة ، أحمر مستطيل فيه ثنايا تسلك ، ومنه طريق البصرة ، بينه وبين أمرة خمسة أميال ، وهو في دار غنى في ناحية هضب الأشق ، وبالأشق مياه : منها الريان في أصل جبل أحمر طويل ، ومن هضب الأشق هضبة في ناحية عرفج يقال لها الشيماء ، وفي غربي الأشق سواج الطريق تطأ خيشومه.

ومتالع : جبل أحمر عظيم عن يمين أمرة ، على ثلاثة أميال منها البثاءة بينها من أكرم أعلام العرب موضعا.

٢٢٩

ولما ولي أبو خليد العبسي خال الوليد عمل ضرية نزلها وحفر في جوف النّتاءة في حق غني فقيره ، فلما ولي بنو العباس هدمت غنى تلك الحفرة وسوّوها بالأرض.

ولبني عبس ماء في شعب يقال له الأسودة ، ولهم بالحمى ماء يقال له ضحح في إبط رميلة الحسى حسى بن حصبة ، ولهم الحاء بها نخل كثير ، ولهم مياه أخرى ، ثم الأقعس ، ثم تليه هضبات تدعى قطبيات في إقبال البئر ، ثم يليها هضبات يقال لها العرائس في بلد كريم من الوضح في إقبال البئر أيضا ، وبين العرائس جبل يقال له عمود الكور.

شعر : جبل عظيم في ناحية الوضح ، وعنده ماء يقال له الشطون ، أكثر الشعراء من ذكره ، قال الخضري :

سقى الله الشطون شطون شعر

وما بين الكواكب والغدير

وعن يسار العرائس بالوضح جبال بينهن آبار صغار سود علاهن الرمل مشرفات على مهزول ، وهو واد في إقبال البئر ، وهن تسمين العثاعث ، ذكرهن ابن شوذب في شعر مدح به السرى ، فقال من أبيات :

بربا العثاعث حيث واجهت الربا

سند العروس وقابلت مهزولا

ثم يلي العثاعث ذو عثث واد يصبّ في التسرير ، ويصب فيه وادي مرعي وهو بناحية الحمى ، ثم يليه نضاد ، وهو بطرف البئر الشرقي في حقوق عنى ، ويلي البئر جبال كثيرة سود بعضها إلى بعض ، ومنها تخرج سيول التسرير ، وبنضاد وذي عثث تلتقي سيولها ، والحثحاث والبقر بأقبال نضاد ، وهما المعنيان بالحمى ، ثم بلى الأقعس عن يسار المصعد هضب اليلبين ، وأقرب المياه إليه ماء يقال له اليلبين ، وبين هضب اليلبين والربذة نيف وعشرون ميلا ، ثم يلي هضب اليلبين عن يسار المصعد الجمارة قنان سود بينها وبين الربذة خمسة عشر ميلا ، في مهب الشمال عن الربذة ، وبينهما هضب يقال لها سنام ، ثم يلي الجمارة جبال سود تدعى الهاربية ، بينها وبين الربذة أربعة عشر ميلا ، ثم هضب المنحر ، ثم رحرحان.

انتهى ما لخصته مما نقله الهجري ، وقد أكثر الشعراء وغيرهم من ذكر هذا الحمى وأعلامه وأخباره.

وحكى ابن جني في النوادر الممتعة عن المفضل بن إسحاق قال هو أو قال بعض المشيخة : لقيت أعرابيا فقلت : ممن الرجل؟ فقال : من بني أسد ، فقلت : فمن أين أقبلت؟ قال : من هذه البادية ، قلت : فأين مسكنك منها؟ قال : مساقط الحمى حمى ضرية بأرض ها لعمر الله ما نريد بها بدلا ولا عنها حولا ، قد نصحتها الغدوات ، وحفتها الفلوات ، فلا يملولح ترابها ، ولا يمعر جنابها ، ليس فيها أذى ولا قذى ، ولا وعك ، ولا موم ، ولا

٢٣٠

حمى ، فنحن فيها بأرفه عيش وأرغد معيشة قلت : وما طعامكم؟ قال : بخ بخ ، عيشنا والله عيش يعلل حاديه ، وطعامنا أطيب طعام وأمرؤه وأهنؤه : الفثّ والهبيد والفطس والصليب والعنكث والعلهز والذآنين والطراثيث والحسلة والضباب ، وربما والله أكلنا القد ، واشتوينا الجلد ، فما نرى أن أحدا أحسن منا حالا ، ولا أخصب جنابا ، ولا أرخى بالا ، فالحمد لله على ما بسط علينا من النعمة ، ورزق من حسن الدّعة ، أو ما سمعت قائلنا يقول :

إذا ما أصبنا كلّ يوم مذيقة

وخمس تميرات صغار كوانز

فنحن ملوك الناس شرقا ومغربا

ونحن أسود الناس عند الهزاهز

وكم متمنّ عيشنا لا يناله

ولو ناله أضحى به جدّ فائز

قلت : فما أقدمك هذه البلدة؟ قال : بغية ليه ، قلت : وما بغيتك؟ قال : بكرات أضللتهن ، قلت : وما بكراتك؟ قال : أبقات عرصات هبصات أرنات أواب ، عيط عوائط ، كوم فواسج ، أعزبتهن قفا الرحبة رحبة الخرجا ، ضجعن مني فحمة العشاء الأولى ، فما شعرت بهن إلى أن ترجل الضحى ، فقفوتهن شهرا ما أحسّ لهن أثرا ، فهل عندك جالية عين أو جابية خبر؟ لقيت المراشد وكفيت المفاسد.

الموم ـ بالضم ـ البرسان. والفث ـ بالفاء ثم المثلاثة ـ حب يعالج ويطحن ويؤكل في الجدب.

والهبيد : حب الحنظل ينقع في الماء ويعالج حتى يحلو. والفطس ـ بالسكون ـ حب الآس. والصليب ـ آخره موحدة ـ الودك. والعنكث ـ بالمثلاثة ـ نبت خشن شائك يعالجه الضب بذنبه حتى يتحات ويلين ثم يأكله. والعلهز : دم ووبر يلبك ليؤكل في الجدب.

والذآنين ـ بالمعجمة ـ جمع ذؤنون ، نبت معروف ، والطراثيث ـ بالطاء المهملة ومثلثتين بينهما مثناة تحتية ـ جمع طرثوث نبت أحمر. والحسلة ـ كقردة ـ جمع حسل ، وهو ولد الضب ، والعرص والهبص والأرن : النشاط ، أواب : جمع آبية ، وهي التي ضربت فلم تلقح ، عيط عوائط : بمعناه وكوم فواسج : سمان. وأعزبتهن : بيت بهن عازبا عن الحي. قفا الرحبة : خلفها الخرجا : موضع به حجارة فيها سواد وبياض. وضجعن : عدلن وملن ؛ وجابية خبر : أي طريق خارقة.

حمى فيد

ومنها : حمى فيد ـ بالفاء ثم المثناة التحتية ـ منزل بنجد في طريق الحاج العراقي ، فيه سوق وبرك ونخيل وعيون ، قيل : سميت بفيد بن حام ؛ لأنه أول من سكنها.

وقال ابن جبير : إنه خرج من المدينة النبوية يوم السبت صحبة الركب العراقي فوصلوا فيدا صبيحة الأحد التاسع من خروجهم ، وقال الأسدي : فيد بطيئ لبني نبهان ، وبه أخلاط

٢٣١

من أسد وهمدان وغيرهم ، وبه ثلاث عيون : عين النخل احتفرها عثمان بن عفان ، والأخرى تعرف بالحارة في وسط الحصن والسوق احتفرها المنصور ، والثالثة تعرف بالباردة على الطريق خارج المنزل حفرها المهدي ، وبفيد آبار كثيرة قصيرة الرشا ، انتهى.

وقال الهجري : وأما حمى فيد وصفته فلم أجد أحدا عنده علم ممن كان أول من أحماه ، ولا كم كانت منعته أول ما أحمى ، إلا أن فيدا كان موضعه الذي هو به اليوم فلاة من الأرض بين بني أسد وطيئ ، وكانت إلى جبل طيئ أقرب ، فذكر أهل العلم ممن لقيت من أهله أنه التقطت به ركبتان كانتا جاهليتين ، التقطهما أناس من بني أبي سلام ومعهم نفر من طيئ وهم يرعون هناك في ولاية بني مروان ، وأن أول من حفر به حفرا في الإسلام أبو الديلم مولى لفزارة ، فاحتفر العين التي هي اليوم قائمة وأساحها وغرس عليها ، وكانت في يده حتى قام بنو العباس فقبضوها ، فهي اليوم في أيديهم.

قلت : وكأنه لم يقف عل ما ذكره الأسدي من عين عثمان رضي الله تعالى عنه ، ولعله أول من أحماه.

قال الهجري : وأما أجبل حمى فيد فأولها على طريق الكوفة بين فيد والأجفر جبل يقال له الجبيل أحمر عظيم ، على ستة عشر ميلا من فيد في أرض بني أسد ، ليس بين فيد والكوفة جبل غيره ، ثم يليه الغمر جبل أحمر طويل على عشرين ميلا من فيد ، عن يسار المصعد لمكة ، وإلى جنبه ماء يقال له الرخيمة ، وماء يقال له الثعلبية ، وكل ذلك في الحمى ، ثم عن يسار المصعد قبة سوداء تدعى أذنة ، على ستة عشر ميلا من فيد ، في أرض بني أسد ، وفي ناحيتها في الحمى مياه يقال لها الوراقة ، ثم عن يسار المصعد هضب الوراق لبني أسد ، وفي ناحيته مياه يقال لها أفعى ، ومياه يقال لها الوراقة ، ثم جبلان أسودان يدعيان القرنين في أرض بني أسد ، على ستة عشر ميلا من فيد ، والطريق إلى مكة تتوسطهما ، ثم عن يمين الطريق للمصعد جبل أسود يقال له الأحول في أرض طيئ ، على ستة عشر ميلا من فيد ، وأقرب مياهه أبضة في حرة سوداء ، ثم عن يمين المصعد جبل يقال له دخنان بأرض طيئ ، على اثني عشر ميلا من فيد ، ثم جبل يقال له الغبر ، ثم جبلان يقال لهما جاش وجلذية لطيئ ، على أكثر من ثلاثين ميلا من فيد ، وهاهنا اتسع الحمى وكرم ، ثم الصدر على سبعة أميال وثلاثين ميلا من فيد ، ثم صحراء ليس بها جبل يقال لها صحراء الخلة ، عن يمين الأجفر ، على ستة وثلاثين ميلا من فيد وأقرب مياهها الجثجاثة.

ثم يليها على المحجة أكمة مشرفة على الأجفر. ثم سويقة هضبة حمراء طويلة في السماء ، وهي في الحمى في أرض الضباب ، على ثلاثين ميلا أو أكثر من ضرية ، وهي التي عنت جمل بنت الأسود الضبابية ، وذلك أنها جاورت بني الهدر في أعلى بلاد الضباب ،

٢٣٢

وهي متعالية لهم واد رغاث يقال له كراء في علياء دار بني هلال على ليلتين من الطائف ، وكانت بنو هلال ينهضون على أهله ، حتى جمعت لهم الضباب جمعا وقتلوا منهم وسبوا ، وجاءوا ببعضهم إلى الحمى فهابوهم.

وللضباب ملك آخر يقال له العرّى بناحية بيشة قرب تبالة ، فجاورت جمل بني الهدر في تلك الناحية ، وأغارت لصوصهم على عكرة لها يوم الأضحى ، واغتنموا تشاغل الناس بالعيد ، فقالت جمل وكان بليغة :

بنى الهدر ما ذا تأمرون بعكرة

قلائد لم تخلط بخبث نصابها

تظل لأبناء السبيل مناخة

على الماء يعطى درّها ورقابها

أقول وقد ولّوا بهيت كأنه

مناكب حوضي رملها وهضابها

ألهف على يوم كيوم سويقة

شفى غل أكباد فساغ شرابها

بنى الهدر لو كنتم كراما وفيتم

لجارتكم حتى يحين انقلابها

ولكنما أنتم حمير حساءة

مجدّعة الأذناب غلب رقابها

فأشارت بقولها «كيوم سويقة» إلى وقعة كانت للضباب مع عامل ضرية مهروب الهمداني من قبل زياد بن عبيد الله الحارثي ، وذلك أن عاملا له مع حواط الحمى وجدوا نعما للضباب في الحمى بناحية سويقة فطردوها أقبح الطرد ، فركبوا في أثره ، فأصابوه بضرب ، وعقروا راحلته ، فأتى عامل ضرية ، فخرج بجنده وسخر رجالا معه من أهل ضرية كرها حتى لقي نعما للضباب فيها بعضهم ، فأسر نفرا منهم ، فبلغ الضباب ، فأدركوه بسويقة فكر عليهم ، فنادوا : يا أهل ضرية ، أنتم مكرهون فاعتزلوا ، ونادوه أن خل سبيل أصحابنا وما أصيب منا بالذي أصبنا منك ، فتراموا بالنبل حتى فنيت ، ثم اقتتلوا فانهزم ، وأدركوه فقطعوه بالسيوف ، وقتلوا نفرا من أصحابه ، ورجعوا بالأسرى.

ثم يلي سويقة جبل ذو قنان كثيرة ، ليس بالحمى أكبر منه إلا أن يكون شعبي ، وهو جبل أسود ، في أرض الضباب ، كثير المعادن من التبر ، كان به معدن يقال له النجادي ، كان لابن أبي بحّاد ، لم يعلم في الأرض مثله ؛ فعن شيخ من موالي خزاعة أنه خرج منه ما لم يسمع بمثله ، ورخص الذهب بالعراق والحجاز لما أن كثر حتى قل نيله لغلبة الماء عليه قربه به قرية عظيمة ، وكان له عامل مفرد يخرج من المدينة.

كبد منى

ثم كبد منى : قنة عظيمة مفردة شرقي منى ، وهو جبل يشرف على ما حوله ينظر إليه الحجاج حين يصدرون عن مرة ، وبين حليت ومني جبل يقال له قادم ، وإلى جنبه قويدم ، وبهما مياه يقال لها القادمة من أطيب ماء بالحمى وأرقه ، يضرب بها المثل في العذوبة ، بينها

٢٣٣

وبين منى دارة الفهيدة التي عقرت لها ناقة المنسرح وعقر لها ما عقر ، وذلك أنه كان تمثالا لا يكاد يبين ، وله صريمة يحلب عقيلتها لأمه ، فكانت حياتها لأن الناس أشتوا ، فبينا هو بدارة الفهيدة في ولاية ابن هشام إذ دخلت الحمى فتركها فباتت فرآها بعض الحواط من الموالي ، فطرد الصريمة أقبح الطرد ، فعرض له المنسرح ليكفه ، ولا سلاح معه ، فطعن الناقة التي يحلبها المنسرح لأمه في ضرعها فاختلط لبنها بدمها ، فحلف لا يسكن الحمى ولا يمس رأسه دهن حتى يعقر إبل من عقر ناقته ، فتوجه إلى قومه ، فأخبرهم خبره ، وطلب سيفا قاطعا لا يقع في شيء إلا خرج منه ، فأعطوه إياه ، فأتى إبلا للمولى مهاري ، فقال للراعي : أنا رسول مولاكم وهو بضرية يأمركم أن تعقلوا خيار إبلكم فإنه نصيحكم لأمر حدث ، وأخرج لهم عقلا ، فصدقوه وحلبوا له ناقة ، فوضع الإناء ، فقالوا : ألا تغتبق ، قال : دعوه حتى يبرد ، قال : وإنما كرهت أن أشرب اللبن وأعقر إبله.

فلما غفلوا عنه أهراقه ، وعقلوا من خيار الإبل نحو ثلاثين ، فلما ناموا استلّ سيفه وضرب ناقة على حقيبتها فمضى حتى فلق ضرعها ، وتواثبت الإبل ، فطفق في المعقلة عقرا حتى أتى عليها ، وقطع بعضها العقل فتبعها فما أدرك بعيرا إلا عقره ، وفطن الرعاء فرأوا ما يعمل السيف ، فولوا هربا ، ثم دفن سيفه بالحمى ، وكان أعز عليه من نفسه ، وأرسل يخبر أهله ، وركب صاحب الإبل في الناس حتى نظروا إليها ، وقال الرّعاء لا نعرفه إلا أنه بمقام ، فعرف أنه المنسرح ، فأمر ابن هشام بطلبه ، وأخذ إخوته وأهل بيته فحبسوا ، فسمع ، فجاء إلى العامل فقال : حلّ هؤلاء فأنا بغيتك ، فحبسه وخلّاهم ، ورفعه في وثاق إلى ابن هشام ، وخرج معه بعض أهل بيته ، قالوا : فلما قدمنا المدينة جعل يأتينا الرجل الشريف فيسألنا عن السيف ، ويقول : أرأيتم إن خلّصت صاحبكم وضمنت عنه تأتوني بالسيف ، فننكر ولا نقر بشيء من أمر السيف ، فتوعّده ابن هشام وسأله أن يقر ، فأبى ، وكلم أصحابه نفر من بني مخزوم في أن يؤخذ صاحبهم بالبينة أو يحلف ، فسأل ابن هشام خصمه البينة ، فلم يقمها ، فأمر بيمينه عند المنبر الشريف.

فلما قرب من المنبر وذكر له ما يحلف عليه ، واندفع يحلف ، شرح الله لسانه فقال : أحلف بالله لأنا عقرت إبل فلان بيدي ، ولقد برئ منها غيري ، فردوه إلى ابن هشام ، وابتدرته قريش كل يقول : عليّ الإبل ، طمعا في السيف ، ثم اختلف علماء غنى ؛ فقال بعضهم : احتمل ذلك رجل من قريش ، وخلي سبيله ، وخرج معه رسول للسيف ، فطلبه فلم يقدر عليه ، وانطلق لسانه من يومئذ فسمي المنسرح.

ثم يلي كبد مني هضب الأشق. هذا آخر ما لخصته من كتاب الهجري.

٢٣٤

قد تم ـ بحول الله تعالى ، وقوته ، ومعونته ـ الجزء الثالث من كتاب «وفاء الوفا ، بأخبار دار المصطفى» للعلامة السمهودي ، ويليه ـ إن شاء الله سبحانه ـ الجزء الرابع ، وهو نهاية الكتاب ، ومطلعه «الفصل الثامن ، في بقاع المدينة ، وأعراضها ، وأعمالها ، ومضافاتها ، وأنديتها ، وجبالها ، وتلاعها» نسأل الذي لا يعين على الخير سواه أن يمن علينا بإكماله ، ويوفقنا بفضله إلى إتمامه ؛ إنه ولي ذلك كله ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

٢٣٥

فهرس الجزء الثالث

الباب الخامس في مصلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الأعياد وغير ذلك من المساجد التي صلى فيها ، وفيه سبعة فصول         ٣

الفصل الأول في المصلّى في الأعياد ، وفيه أطراف...................................... ٣

أول عيد صلاه النبي بالمصلى........................................................ ٣

مكان مصلى العيد................................................................ ٣

تعدد موضع صلاة العيد........................................................... ٤

المسافة بين مصلى العيد وباب السلام ألف ذراع....................................... ٤

تحديد المواضع التي صلى فيها العيد.................................................. ٥

مصلى العيد بالصحراء............................................................. ٧

كيف صلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم العيد؟..................................................... ٩

ذكر من أحدث منبر في مصلى العيد................................................. ٩

أول من خطب قبل صلاة العيد.................................................... ١٠

بيان طريقي ذهاب النبي للمصلى ورجوعه........................................... ١٢

الفصل الثاني في مسجد قباء ، وفضله ، وخبر مسجد الضّرار........................... ١٦

تأسيس مسجد قباء............................................................. ١٦

ما جاء في أن الصلاة فيه تعدل عمرة............................................... ١٧

تفضيل الصلاة في مسجد قباء على بيت المقدس..................................... ١٩

إتيان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم مسجد قباء..................................................... ١٩

المكان الذي كان الرسول يصلي فيه بمسجد قباء...................................... ٢١

تجديد مسجد قباء............................................................... ٢٤

بيان ما ينبغي أن يزار بقباء من الآثار تتميما للفائدة دار سعد بن خيثمة................ ٢٦

٢٣٦

دار كلثوم بن الهدم.............................................................. ٢٦

ما جاء في بيان طريقه صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى قباء ذاهبا وراجعا طريق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلي قباء ذاهبا وراجعا..... ٢٧

ذرع الطريق..................................................................... ٢٧

ما جاء في مسجد الضّرار مما ينوّه بقدر مسجد قباء بناة مسجد الضرار.................. ٢٨

حرق مسجد الضرار............................................................. ٢٨

أسماء بناة مسجد الضرار.......................................................... ٢٩

الخلاف في موضع مسجد الضرار.................................................. ٣٠

الفصل الثالث في بقية المساجد المعلومة العين في زماننا بالمدينة الشريفة وما حولها.......... ٣١

مسجد الفضيخ................................................................. ٣٢

مسجد بني قريظة................................................................ ٣٤

مشربة أم إبراهيم................................................................ ٣٥

مسجد بني ظفر................................................................. ٣٦

مسجد الإجابة................................................................. ٣٨

مسجد الفتح................................................................... ٣٩

المساجد التي حول مسجد الفتح................................................... ٤٣

مسجد بني حرام الكبير........................................................... ٤٤

كهف بني حرام................................................................. ٤٥

مسجد القبلتين................................................................. ٤٦

مسجد السقيا.................................................................. ٤٧

مسجد ذباب (الراية)............................................................ ٤٩

مسجد القبيح.................................................................. ٥١

مسجد في ركن جبل عينين........................................................ ٥١

مسجد العسكر................................................................. ٥٢

مسجد أبي ذر الغفاري........................................................... ٥٣

مسجد أبي بن كعب (بني جديلة) (البقيع).......................................... ٥٤

٢٣٧

مساجد المصلى................................................................. ٥٥

مسجد ذي الحليفة.............................................................. ٥٥

مسجد مقمل................................................................... ٥٥

الفصل الرابع في المساجد التي علمت جهتها ، ولم تعلم عينها بالمدينة الشريفة مسجد أبي بن كعب      ٥٦

مسجد بني حرام................................................................ ٥٦

مسجد الخربة................................................................... ٥٦

مسجد جهينة.................................................................. ٥٦

مسجد بن غفار................................................................ ٥٧

مسجد بني زريق................................................................ ٥٨

مسجدان لبني ساعدة............................................................ ٥٨

سقيفة بني ساعدة............................................................... ٥٩

مسجد بني خدارة............................................................... ٦٠

مسجد راتج.................................................................... ٦٠

مسجد واقم.................................................................... ٦١

مسجد القرصة.................................................................. ٦٣

مسجد بني حارثة............................................................... ٦٣

مسجد الشيخين (البدائع)........................................................ ٦٣

مسجد بني دينار................................................................ ٦٤

مسجد بني عدي ، ومسجد دار النابغة............................................. ٦٥

مسجد بني مازن................................................................ ٦٥

مسجد بني عمرو................................................................ ٦٦

مسجد بقيع الزبير............................................................... ٦٦

مسجد صدقة الزبير.............................................................. ٦٦

مسجد بني خدرة................................................................ ٦٧

٢٣٨

مسجد بني الحارث.............................................................. ٦٨

مسجد بني الحبلى............................................................... ٦٨

مسجد بني بياضة............................................................... ٦٨

مسجد بني خطمة............................................................... ٦٩

مسجد بني أمية الأوسي.......................................................... ٦٩

مسجد بني وائل الأوسي......................................................... ٧٠

مسجد بني واقف................................................................ ٧٠

مسجد بن أنيف................................................................ ٧١

مسجد دار سعد بن خيثمة....................................................... ٧١

مسجد التوبة................................................................... ٧٢

مسجد النور.................................................................... ٧٢

مسجد عتبان بن مالك.......................................................... ٧٣

مسجد ميثب (صدقة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم).................................................. ٧٣

مسجد المنارتين................................................................. ٧٣

مسجد فيفاء الخبار.............................................................. ٧٤

مسجد بين الجثجاثة وبئر شداد................................................... ٧٤

الدور التي صلى بها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم................................................... ٧٥

دار الشفاء..................................................................... ٧٥

دار الضمري.................................................................... ٧٥

دار بسرة....................................................................... ٧٥

دار أم سليم.................................................................... ٧٦

دار أم حرام.................................................................... ٧٦

الفصل الخامس خروج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلا إلى البقيع....................................... ٧٧

من فضل البقيع................................................................. ٧٩

الفصل السادس قبر إبراهيم ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم....................................... ٨٢

٢٣٩

قبر عثمان بن مظعون............................................................ ٨٤

قبر رقية بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم...................................................... ٨٥

قبر فاطمة بنت أسد رضي الله تعالى عنها أم علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه....... ٨٥

القبور التي نزلها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم....................................................... ٨٦

قبر عبد الرحمن بن عوف.......................................................... ٨٨

قبر سعد بن أبي وقّاص........................................................... ٨٨

قبر عبد الله بن مسعود........................................................... ٨٨

قبر خنيس بن حذاقة السهمي..................................................... ٨٨

قبر أسعد بن زرارة أحد بني غنم بن مالك بن النجار.................................. ٨٩

قبر فاطمة بنت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم...................................................... ٨٩

قبر بعض أبناء الإمام علي بن أبي طالب............................................ ٩٢

المتوكل يأمر بهدم قبر الحسين بن علي............................................... ٩٣

قبر ابنها الحسن بن علي ، ومن معه................................................ ٩٤

تسمية من دفن مع الحسن........................................................ ٩٥

دفن علي بالبقيع................................................................ ٩٥

دفن رأس الحسين بن علي......................................................... ٩٥

قبر العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه....................................... ٩٥

قبر صفية بنت عبد المطلب رضي الله تعالى عنها..................................... ٩٥

قبر أبي سفيان بن عبد المطلب..................................................... ٩٦

قبر عبد الله بن جعفر الطيار...................................................... ٩٧

قبور أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورضي الله تعالى عنهن........................................ ٩٧

قبر أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه.................................. ٩٨

قبر سعد بن معاذ الأشهلي رضي الله تعالى عنه...................................... ٩٩

قبر أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه........................................... ٩٩

بيان المشاهد المعروفة اليوم بالبقيع وغيره من المدينة الشريفة............................. ٩٩

٢٤٠