وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى - ج ٣

نور الدين علي بن أحمد السّمهودي

وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى - ج ٣

المؤلف:

نور الدين علي بن أحمد السّمهودي


المحقق: خالد عبد الغني محفوظ
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-381-8-0
الصفحات: ٢٤٦

قال المطري ، وتبعه من بعده ، بعد بيان إحرامه صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند ما انبعثت به راحلته من عند المسجد : فينبغي للحاج إذا وصل إلى ذي الحليفة أن لا يتعدى في زاوية المسجد المذكور وما حوله من القبلة والمغرب والشام ، بحيث لا يبعد عما حول المسجد ، وإن كثيرا من الحجاج يتجاوزون ما حول المسجد إلى جهة المغرب ، ويصعدون إلى البيداء ، فيتجاوزون الميقات بيقين.

قلت : لم يبين نهاية ذي الحليفة. وقوله «حول المسجد» لا ضابط له ، ولا يلزم من نزوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمسجد وما حوله انحصار ذي الحليفة في ذلك ، وسنشير إلى زيادة في ذلك في ترجمة ذي الحليفة ، مع بيان المسافة التي بينها وبين المدينة.

قال المطري : وهذا المسجد هو المسجد الكبير الذي هناك ، وكان فيه عقود في قبلته ، ومنارة في ركنه الغربي الشمالي ، فتهدمت على طول الزمان.

قال المجد : ولم يبق منه إلا بعض الجدران وحجارة متراكمة.

قلت : جدد المقر الزيني زين الدين الاستدار بالمملكة المصرية تغمده الله برحمته هذا الجدار الدائر عليه اليوم ، لما كان بالمدينة معزولا عام أحد وستين وثمانمائة ، وبناه على أساسه القديم ، وموضع المنارة في الركن الغربي باق على حاله ، وجعل له ثلاث درجات من المشرق والمغرب والشام ، في كل جهة منها درجة مرتفعة ، حفظا له عن الدواب ، ولم يوجد لمحرابه الأول أثر لانهدامه ، فجعل المحراب في وسط جدار القبلة ، ولعله كان كذلك ، واتخذ أيضا الدرج التي للآبار التي هناك ينزل عليها من يريد الاستقاء.

وطول هذا المسجد من القبلة إلى الشام اثنان وخمسون ذراعا ، ومن المشرق إلى المغرب مثل ذلك.

مسجد آخر بذي الحليفة

قال المطري : وفي قبلته مسجد آخر أصغر منه ، ولا يبعد أن يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى فيه أيضا ، بينهما مقدار رمية سهم أو أكثر قليلا ، انتهى.

قلت : ويؤخذ مما سيأتي عن الأسدي أنه مسجد المعرّس ، والله أعلم.

مسجد المعرس

ومنها : مسجد المعرس ـ قال أبو عبد الله الأسدي في كتابة وهو من المتقدّمين يؤخذ من كلامه أنه كان في المائة الثالثة بذي الحليفة عدة آبار ومسجدان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فالمسجد الكبير الذي يحرم الناس منه ، والآخر مسجد المعرّس ، وهو دون مصعد البيداء ناحية عن هذا المسجد ، وفيه عرّس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم منصرفه من مكة.

قلت : ليس هناك غير المسجد المتقدم ذكره في قبلة مسجد ذي الحليفة على نحو رمية سهم سبقي منه ، وهو قديم البناء بالقصّة والحجارة المطابقة ؛ فهو المراد.

١٦١

وفي صحيح البخاري في باب المساجد التي على طريق المدينة والمواضع التي صلّى فيها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن نافع أن عبد الله أخبره أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «كان ينزل بذي الحليفة» حين يعتمر ، وفي حجته حين حج» ـ تحت سمرة في موضع المسجد الذي بذي الحليفة ، وكان إذا رجع من غزو كان في تلك الطريق أو حجّ أو عمرة هبط بطن واد ، فإذا ظهر من بطن واد أناخ بالبطحاء التي على شفير الوادي الشرقية فعرّس ثمّ حتى يصبح» ليس عند المسجد الذي بحجارة ولا على الأكمة التي عليها المسجد ، وكان ثم خليج يصلي عبد الله عنده في بطنه كثب كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم يصلي فدحا فيه السيل بالبطحاء ، حتى دفن ذلك المكان الذي كان عبد الله يصلي فيه.

قال الحافظ ابن حجر : قوله «بطن واد» أي وادي العقيق.

قلت : ورواه ابن زبالة بلفظ «هبط بطن الوادي ، فإذا ظهر من بطن الوادي أناخ بالبطحاء التي على شفير الوادي الشرقية».

ورواه المطري من غير عزو ، وقال فيه «هبط بطن الوادي وادي العقيق» وأظنه من الرواية بالمعنى ، وهو يقتضي أن يكون المعرّس في شرقي وادي العقيق فلا يكون بذي الحليفة ، فيتعين أن يكون المارد بطن واد في وادي العقيق ؛ إذ المعرس ذو الحليفة.

ففي الحج من صحيح البخاري عن ابن عمر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «كان يخرج من طريق الشجرة ، ويدخل من طريق المعرس» وأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «كان إذا خرج إلى مكة يصلي في مسجد الشجرة ، وإذا رجع صلّى بذي الحليفة ببطن الوادي وبات حتى يصبح».

وفيه أيضا من طريق عقبة عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه أرى وهو في معرّسه بذي الحليفة ببطن الوادي قيل له : إنك ببطحاء مباركة ، وقد أناخ بنا سالم يتوخّى المناخ الذي كان عبد الله ينيخ يتحرّى معرّس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو أسفل من المسجد الذي ببطن الوادي ، بينه وبين الطريق وسطا من ذلك.

قلت : والمسجد المتقدم ذكره ببطن الوادي ، فلعله المراد ، ويكون المعرس بقربه من المشرق.

وروى يحيى عن ابن عمر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قيل له وهو بالمعرس نائم يعني معرس الشجرة : إنك ببطحاء مباركة.

قلت : فيتأيد به ما تقدم لإضافته المعرس إلى الشجرة ، ولا يشكل ذلك ببعد هذا المسجد عن الطريق التي تسلك اليوم إلى المدينة ؛ لما تقدم من رواية ابن عمر في اختلاف طريق الشجرة وطريق المعرّس.

وروى البزار بسند جيد عن أبي هريرة نحوه ، فقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «كان يخرج من طريق الشجرة ، ويدخل من طريق المعرس».

١٦٢

وفي صحيح أبى عوانة حديث «كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخرج من طريق الشجرة إلى مكة ، وإذا رجع رجع من طريق المعرس».

وروى بعضهم عن نافع أنه انقطع عن ابن عمر حتى سبقه إلى المعرّس ، ثم جاء إليه فقال : ما حبسك عني؟ فأخبره ، فقال : إني ظننت أنك أخذت الطريق الأخرى ، ولو فعلت لأوجعتك ضربا ، وهذا لحرصه على الاتباع في النزول هناك ، وقد أميتت هذه السنة.

وروى ابن زبالة عن عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «كان إذا خرج إلى مكة يسلك على دار جبر بن علي ، ثم على منازل بني عطاء ، ثم في بطحان ، ثم في زقاق البيت ، حتى يخرج عند موضع دار ابن أبي الجنوب بالحرة».

قلت : وهذه الأماكن غير معروفة بأعيانها ، والله أعلم.

مسجد شرف الروحاء

ومنها : مسجد شرف الرّوحاء ـ قال البخاري عقب ما تقدم من رواية نافع وأن عبد الله حدّثه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «صلّى حيث المسجد الصغير الذي دون المسجد الذي بشرف الرّوحاء».

وقد كان عبد الله يعلم المكان الذي فيه صلّى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول : ثم عن يمينك حين تقوم في المسجد تصلى ، وذلك على حافة الطريق اليمنى وأنت ذاهب إلى مكة ، بينه وبين المسجد الأكبر رمية بحجر أو نحو ذلك.

ورواه يحيى بلفظ : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «صلّى إلى جانب المسجد الصغير الذي دون المسجد الذي بشرف الرّوحاء» وقد كان عبد الله يعلم المكان الذي صلّى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعواسج ، يكون عن يمينك حين تقوم في المسجد ، وباقيه كلفظ البخاري.

وروى ابن زبالة عن ابن عمر قال : صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بشرف الروحاء على يمين الطريق وأنت ذاهب إلى مكة ، وإلى يسارها وأنت مقبل من مكة.

قلت : وهذا المسجد هو المعنى بقول الأسدي : وعلى ميلين من السيالة مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقال له مسجد الشرف ، قال : وبين السيالة والرّوحاء أحد عشر ميلا ، وبينها وبين ملل سبعة أميال ، وهي لولد الحسين بن علي بن أبي طالب ولقوم من قريش ، وعلى ميل منها عين تعرف بسويقية لولد عبد الله بن حسن ، كثيرة الماء عذبة ، وهي ناحية عن الطريق ، قال : والجبل الأحمر الذي يسرة الطريق حين يخرج من السيالة يقال له ورقان ، يسكنه قوم من جهينة يقال : إنه متصل إلى مكة لا ينقطع ، وذكر آبارا كثيرة بالسيالة.

وقوله «وعلى ميلين من السيالة» أراد من أولها ، ولهذا قال المطري : شرف الروحاء هو آخر السيالة وأنت متوجه إلى مكة ، وأول السيالة إذا قطعت شرف ملل ، وكانت الصخيرات صخيرات التمام عن يمينك ، وقد هبطت من ملل ثم رجعت عن يسارك واستقبلت القبلة ،

١٦٣

فهذه السيالة وكانت قد تجدد فيها بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عيون وسكان ، وكان لها وال من جهة والي المدينة ولأهلها أخبار وأشعار ، وبها آثار البناء وأسواق ، وآخرها الشرف المذكور ، والمسجد عنده ، وعنده قبور قديمة كانت مدفن أهل السيالة ، ثم تهبط في وادي الروحاء مستقبل القبلة ، ويعرف اليوم بوادي بني سالم ، بطن من حرب عرب الحجاز ؛ ثم ذكر ما سيأتي.

قلت : وتلك القبور التي عند المسجد مشهورة بقبور الشهداء ، ولعله لكون بعضهم دفن فيها ممن قتل ظلما من الأشراف الذين كانوا بالسيالة وبسويقة ، كما يؤخذ مما سنشير إليه في ترجمة سويقة.

مسجد عرق الظبية

ومنها مسجد عرق الظّبية ـ قال المطري عقب قوله «ثم يهبط في وادي الروحاء مستقبل القبلة» ما لفظه : فتمشي مستقبل القبلة وشعب على يسارك ، إلى أن تدور الطريق بك إلى المغرب وأنت مع أصل الجبل الذي على يمينك ، فأول ما يلقاك مسجد على يمينك كان فيه قبر كبير في قبلته فتهدم على طول الزمان ، صلّى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويعرف ذلك المكان بعرق الظبية ، ويبقى جبل ورقان على يسارك ، قال : وفي المسجد الآن حجر قد نقش عليه بالخط الكوفي عند عمارته الميل الفلاني من البريد الفلاني ، انتهى.

وقال الأسدي : وعلى تسعة أميال ـ يعني من السيالة ـ وأنت ذاهب إلى الرّوحاء مسجد للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقال له مسجد الظبية ، فيه كانت مشاورة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقتال أهل بدر ، وهو دون الروحاء بميلين ، انتهى.

وقال المجد في ترجمة الشرف : إن في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها «أصبح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الأحد بملل على ليلة من المدينة ، ثم راح فتعشى بشرف السيالة ، وصلّى الصبح بعرق الظبية».

وروى ابن زبالة عن عمرو بن عوف المزني قال : أول غزوة غزاها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا معه غزوة الأبواء ، حتى إذا كان بالرّوحاء عند عرق الظبية قال : هل تدرون ما اسم هذا الجبل؟ يعني ورقان ، قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : هذا حمت جبل من جبال الجنة ، اللهم بارك لنا فيه ، وبارك لأهله فيه ، تدرون ما اسم هذا الوادي؟ يعني وادي الروحاء ، هذا سجاسج ، لقد صلّى في هذا المسجد قبلي سبعون نبيا ، ولقد مرّ بها ـ يعني الروحاء ـ موسى بن عمران في سبعين ألفا من بني إسرائيل عليه عباءتان قطوانيتان على ناقة له ورقاء ، ولا تقوم الساعة حتى يمر بها عيسى بن مريم حاجا أو معتمرا ، أن يجمع الله له ذلك.

ورواه الطبراني ، وفيه كثير بن عبد الله حسّن الترمذي حديثه ، وبقية رجاله ثقات ، إلا أنه قال فيه عقب قوله «وبارك لأهله فيه» وقال للروحاء هو سجاسج وهذا واد من أودية

١٦٤

الجنة ، لقد صلّى في هذا الوادي قبلي سبعون نبيا ، ولقد مر به موسى عليه‌السلام عليه عباءتان قطوانيتان على ناقة ورقاء في سبعين ألفا من بني إسرائيل حاجين البيت العتيق ، ولا تقوم الساعة حتى يمر بها عيسى بن مريم عبد الله ورسوله. ورواه يحيى بنحوه ، إلا أنه قال : لقد صلّى قبلي في هذا الموضع سبعون نبيا ، ورواه الترمذي بلفظ : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في وادي الروحاء ، وقال : لقد صلّى في هذا المسجد سبعون نبيا.

قلت : وآثار هذا المسجد موجودة هناك.

مسجد آخر بالروحاء

ومنها : مسجد بالروحاء ، ذكره الأسدي ، وغاير ما بينه وبين ما قبله وما بعده.

وقال الواقدي في غزوة بدر : ثم سار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى أتى الروحاء ليلة الأربعاء النصف من شهر رمضان ، فصلى عند بئر الروحاء.

وسيأتي في ترجمة الروحاء أنه كان بها آبار متعددة ، فلم يبق منها اليوم سوى بئر واحدة ، والله أعلم.

مسجد المنصرف (الغزالة)

ومنها : مسجد المنصرف ، ويعرف اليوم بمسجد الغزالة ، وهو آخر وادي الروحاء مع طرف الجبل ، على يسارك وأنت ذاهب إلى مكة.

قال المطري : ولم يبق منه اليوم إلا عقد الباب.

قلت : وقد تهدم أيضا ، ولم يبق إلا رسومه.

وقال الأسدي : وعلى ثلاثة أميال من الروحاء ، يعني وأنت قاصد مكة ، مسجد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سند الجبل ، يقال له مسجد المنصرف ، جبل على يسارك تنصرف منه في الطريق ، انتهى.

وقال البخاري : عقب ما قدمناه في مسجد الشرف من رواية نافع : وأن ابن عمر كان يصلي إلى العرق الذي عند منصرف الروحاء ، وذلك العرق انتهاء طرفه على حافة الطريق دون المسجد الذي بينه وبين المنصرف وأنت ذاهب إلى مكة ، وقد ابتنى ثمّ مسجد فلم يكن عبد الله يصلي في ذلك المسجد ، كان يتركه عن يساره ووراءه ويصلي أمامه إلى العرق نفسه.

قلت : توهّم بعضهم أن المراد عرق الظبية ، وليس كذلك ؛ لتغاير المحلين ، ورأيت بخط بعضهم هنا : العرق جبل صغير.

وروى ابن زبالة عن ابن عمر قال : صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بشرف الروحاء ، وبالمنصرف عند العرق من الروحاء.

وفي رواية ليحيى عن ابن عمر أنه كان يصلي إلى العرق الذي عند منصرف الروحاء ،

١٦٥

وذلك العرق أثناء طريقه على حافة الطريق ، دون السبيل الذي دون ثنية المنصرف وأنت ذاهب إلى مكة ، قال نافع : كان عبد الله يروح من الروحاء فلا يصلي الظهر حتى يأتي ذلك المكان فيصلي فيه الظهر.

وقال المطري عقب ما تقدم عنه في هذا المسجد : إن عن يمين الطريق إذا كنت بهذا المسجد وأنت مستقبل البادية موضعا كان عبد الله بن عمر ينزل فيه ، ويقول : هذا منزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان ثمّ شجرة كان ابن عمر إذا نزل هذا المنزل وتوضأ صبّ فضل وضوئه في أصل الشجرة ، ويقول : هكذا رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يفعل ، وودّ أنه كان يدور بالشجرة أيضا ثم يصبّ الماء في أصلها ، اتباعا للسنة ، وإذا كان الإنسان عند هذا المسجد المعروف بمسجد الغزالة كانت طريق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى مكة على يساره مستقبل القبلة ، وهي الطريق المعهودة قديما ، ثم السقيا ، ثم ثنية هرشى ، وهي طريق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، قال : وليس بهذا الطريق اليوم مسجد يعرف غير هذا الثلاثة مساجد ، يعني سوى مسجد ذي الحليفة.

قلت : سببه هجران الحجّاج لهذا الطريق ، وأخذهم من طرف الروحاء على البادية إلى مضيق الصفراء ثم إلى بدر ، وذكر لي بعض الناس ممن سلك تلك الطريق أن كثيرا من مساجدها موجود ، وسيأتي أني ظفرت برؤية مسجد طرف قديد الآتي ذكره ، والله أعلم.

مسجد الرويثة

ومنها : مسجد الرويثة ـ قال البخاري عقب ما تقدم عنه من حديث نافع : وأن عبد الله حدثه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان ينزل تحت سرحة ضخمة دون الرويثة عن يمين الطريق ووجاه الطريق في مكان بطح سهل حتى يفضي من أكمة دوين بريد الرويثة بميلين ، وقد انكسر أعلاها ، وانثنى في جوفها ، وهي قائمة على ساق ، وفي ساقها كثب كثيرة.

وقوله «بريد الرويثة» أي : الموضع الذي ينتهي إليه البريد بالرويثة ، وينزل فيه ، وقيل : البريد سكة الطريق ، ورواه ابن زبالة بنحوه ، وفي رواية له «صلى دون الرويثة عند موضع السرحة».

وقال الأسدي : وفي أول الرويثة مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال : وبين الرّوحاء والرويثة ثلاثة عشر ميلا ، وقال في موضع آخر : ستة عشر ميلا ونصف ، ووصف ما بالرويثة من الآبار والحياض ، قال : ويقال للجبل المشرف عليها المقابل لبيوتها «الحمراء» وللذي في دبرها عن يسارها قبل المشرق «الحسناء».

مسجد ثنية ركوبة

ومنها : مسجد ثنية ركوبة كما سيأتي من رواية ابن زبالة في مسجد مدلجة تعهن أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم

١٦٦

«صلّى في ثنية ركوبة ، وبنى بها مسجدّا». وسيأتي أن ركوبة ثنية قبل العرج للمتوجه من المدينة على يمين ثنية العابر وثنية العابر هي عقبة العرج ، والعرج بعدها بثلاثة أميال كما سيأتي ، ولم يذكر الأسدي هذا المسجد.

مسجد الأثاية

ومنها : مسجد الأثاية ـ بالمثلثة والمثناة التحتية ـ كالنواية على الراجح.

روى ابن زبالة عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «صلّى عند بئر الإثابة ركعتين في إزار ملتحفا به».

قال المطري : الأثاية ليست معروفة.

قلت : عرفها الأسدي فقال ، في وصف طريق الذاهب لمكة : إن من الرويثة إلى الحي أربعة أميال ، ثم قال : وعقبة العرج على أحد عشر ميلا من الرويثة ، ويقال لها : المدارج ، بينها وبين العرج ثلاثة أميال ، وبها أبيات ، وبئر عند العقبة ، وقبل العرج بميلين قبل أن ينزل الوادي مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعرف بمسجد الأثاية ، وعند المسجد بئر تعرف بالأثاية ، انتهى.

وقال المجد : الأثاية موضع في طريق الجحفة ، بينه وبين المدينة خمسة وعشرون فرسخا ، وفيه بئر ، وعليها المسجد المذكور ، وعندها أبيات وشجر أراك ، وهو منتهى حد الحجاز ، انتهى.

وهو موافق لما ذكره الأسدي ؛ فإن منتهى حد الحجاز مدارج العرج ، وهي بقربها.

وروى أحمد برجال الصحيح عن عمير بن سلمة الضمري أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «مرّ بالعرج فإذا هو بحمار عقير ، فلم يلبث أن جاء رجل بهر ، فقال : يا رسول الله ، هذا رميتي فشأنكم فيها ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا بكر رضي الله تعالى عنه يقسمه بين الرفاق ، ثم سار حتى أتى عقبة الأثاية فإذا بظبي فيه سهم وهو حاقف في ظل صخرة ، فأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجلا من أصحابه فقال : قف هاهنا حتى يمر الرفاق لا يرميه أحد بشيء». ومقتضى ما سبق من صنيع الأسدي أن يكون هذا في رجوعه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مكة ، خلاف ما اقتضاه صنيع الهيتمي حيث ترجم عليه بجواز أكل لحم الصيد للمحرم إذا لم يصده أو يصد له.

مسجد العرج

ومنها مسجد العرج ـ روى ابن زبالة عن صخر بن مالك بن إياس عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «صلّى في مسجد العرج ، وقال فيه» يعني من القيولة ، وأسقط المطري هذا المسجد ، وجعله المجد الذي بعده ، وهو مردود ، ولم يتعرض له الأسدي.

١٦٧

مسجد المنبجس

ومنها : مسجد بطرف تلعة من وراء العرج ، ووقع في نسخة المجد وخط الزين المراغي «بطريق تلعة» وهو تصحيف لأن الذي في صحيح البخاري وكتاب ابن زبالة طرف بالفاء.

قال البخاري ، عقب ما تقدم عنه في مسجد الرويثة من رواية نافع ، وأن عبد الله حدثه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى في طرف تلعة من وراء العرج ، وأنت ذاهب إلى هضبة ، وعند ذلك المسجد قبران أو ثلاثة ، وعلى القبور رضم من حجارة عن يمين الطريق ، عند سلمات الطريق ، بين أولئك السلمات كان عبد الله يروح من العرج بعد أن تميل الشمس بالهاجرة فيصلي الظهر في ذلك المسجد.

ورواه ابن زبالة إلا أنه قال فيه : من وراء العرج وأنت ذاهب إلى رأس خمسة أميال من العرج في مسجد إلى هضبة.

وقال الأسدي : وعلى ثلاثة أميال من العرج قبل المشرق مسجد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقال له مسجد المنبجس قبل الوادي ، والمنبجس : وادي العرج ، وعلى ثمانية أميال من العرج حوضان على عين تعرف بالمنبجس ، انتهى. ولعله المسجد المذكور.

مسجد لحي جمل

ومنها : مسجد لحي جمل ـ قال الأسدي : وعلى ميل من الطلوب مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بموضع يقال له «لحى جمل» قال : والطلوب بئر غليظة الماء بعد العرج بأحد عشر ميلا ، والسقيا بعد الطلوب بستة أميال ، قال : وقبل السقيا بنحو ميل وادي العاند ، ويقال له وادي القاحة ، وينسب إلى بني غفار ، اه.

فتلخص أن هذا المسجد قبل السقيا والقاحة وبعد العرج بالمسافة المذكورة.

ويؤيده أن ابن زبالة روى في سياق هذه المساجد حديث أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «احتجم بمكان يدعى لحى جمل بطريق مكة وهو محرم».

وفي رواية له «احتجم بالقاحة وهو صائم محرم» ففيه بيان قرب ذلك من القاحة ، ولكن رأيت يحيى ختم كتابه بحديث ابن عمر في هذه المساجد وبآخر النسخة ما صورته : نقل من خط أحمد بن محمد بن يونس الإسكاف في آخر الجزء : قلت : إنه لم يذكر في هذا الحديث المسجد الذي بين السقيا والأبواء الذي يقال له مسجد لحى جمل ، انتهى.

وهو يقتضي أنه بعد السقيا بينها وبين الأبواء ، ويوافقه قول عياض : قال ابن وضاح : لحى جمل في عقبة الجحفة. وقال غيره : على سبعة أميال من السقيا.

ورواه بعض رواة البخاري «لحيي جمل» أي بالتثنية ، وفسره فيه بأنه ما يقال له لحيي جمل أي في حديث «احتجم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلحيي جمل».

١٦٨

وقال المجد : هي عقبة على سبعة أميال من السقيا.

وفي كتاب مسلم أنه ماء.

مسجد السقيا

ومنها : مسجد السقيا ـ روى ابن زبالة في سياق المساجد التي بطريق مكة من حديث عوف بن مسكين بن الوليد البلوي عن أبيه عن جده أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «صلّى في مسجد بالسقيا».

وقال الأسدي ، بعد ما تقدم عنه في المسافة بين الطلوب والسقيا : وبالسقيا مسجد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الجبل ، وعنده عين عذبة ، ثم ذكر أن بالسقيا أزيد من عشر آبار ، وأن عند بعضها بركة. ثم قال : وفيها عين غزيرة الماء ، ومصبها في بركة في المنزل ، وهي تجري إلى صدقات الحسن بن زيد ، عليها نخل وشجر كثير ، وكانت قد انقطعت ثم عادت في سنة ثلاث وأربعين ومائتين ثم انقطعت في سنة ثلاث وخمسين ومائتين ، قال : وعلى ميل من المنزل موضع فيه نخل وزرع وصدقات للحسن بن زيد فيها من الآبار التي يزرع عليها ثلاثون بئرا ، وفيها ما أحدث في أيام المتوكل خمسون بئرا ، وماؤهن عذب ، وطول رشائهن قامة وبسطة ، وأقل وأكثر.

ثم وصف ما بعد السقيا فقال : وعلى ثلاثة أميال من السقيا عين يقال لها تعهن انتهى.

وفي حديث أبي قتادة في الصحيح بركة بتعهن ، وهو مقابل السقيا ، وسيأتي في ترجمة تعهن ما قيل من أنها قبل السقيا ، مع بيان أن المعروف اليوم أنها بعدها.

مسجد مدلجة تعهن

ومنها : مسجد مدلجة عهن ـ روى ابن زبالة عن صخر بن مالك بن إياس عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «صلّى بمدلجة تعهن ، وبنى بها مسجدّا ، وصلّى في ثنية ركوبة ، وبنى بها مسجدّا».

قلت : لم يذكره إلا الأسدي ، وقد سبق عنه أن تعهن بعد السقيا بثلاثة أميال.

مسجد الرمادة

ومنها : مسجد الرمادة ـ قال الأسدي : ودون الأبواء بميلين مسجد للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقال له «مسجد الرّمادة» وذكر ما حاصله أن الأبواء بعد السقيا لجهة مكة بأحد وعشرين ميلا ، وأن في الوسط بينهما عين القشيري ، وهي عين كثيرة الماء ، ويقال للجبل المشرف عليها الأيسر «قدس» وأوله في العرج ، وآخره وراء هذه العين ، والجبل الذي يقابلها يمنة يقال له «باقل» ويقال للوادي الذي بين هذين الجبلين «وادي الأبواء» انتهى.

١٦٩

مسجد الأبواء

ومنها : مسجد الأبواء ـ قال الأسدي بعد ما تقدم في وصف ما بين الأبواء والجحفة : إن الجحفة بعد الأبواء بثلاثة عشر ميلا ، قال : وفي وسط الأبواء مسجد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذكر بها آبارا وبركا ، منها بركة بقرب القصر ، قال : وإذا جزت وادي الأبواء بميلين كان على يسارك شعاب تسمى «نلعان اليمن» وذكر أن ودّان ناحية عن الطريق بنحو ثمانية أميال ، ينزل به من لا ينزل إلا الأبواء ، فمن أراده رحل من السقيا إليه ، وبه عيون غزيرة عليها سبعة مشارع وبركة قديمة ، ثم يرحل منه فيخرج عند ثنية هرشي بينها وبين ودّان خمسة أميال ، وقد عمل لهذه الطريق أعلام وأميال أمر بها المتوكل.

قلت : وكلا الطريقين عن يسار طريق الناس اليوم بأسفل ودّان وهي معطشة لا ماء بها إلا ما يحمل من بدر إلى رابغ.

مسجد البيضة

ومنها : مسجد يسمى بالبيضة ـ قال الأسدي : وعلى خمسة أميال وشيء من الأبواء مسجد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقال له البيضة.

مسجد عقبة هرشي

ومنها : مسجد عقبة هرشى ـ قال الأسدي : وعلى ثمانية أميال من الأبواء عقبة هرشى ، وعلم منتصف الطريق ما بين مكة والمدينة دون العقبة بميل ، وفي أصل العقبة مسجد للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حد الميل الذي مكتوب عليه سبعة أميال من البريد ، انتهى.

قال البخاري ، عقب ما تقدم عنه في المسجد الذي بطرف تلعة من رواية نافع : وأن عبد الله حدثه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزل عند سرحات عن يسار الطريق في مسيل دون هرشي ، ذلك المسيل لاصق بكراع هرشى ، بينه وبين الطريق قريب من غلوة ، وكان عبد الله بن عمر يصلي إلى سرحة هي أقبل السرحات إلى الطريق ، وهي أطولهن.

مسجد الجحفة

ومنها : مسجدان بالجحفة ـ قال الأسدي ، في وصف ما بين الجحفة وقديد ، بعد ذكر ما بالجحفة من الآبار والبرك والعيون : وفي أول الجحفة مسجد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقال له غورث ، وفي آخرها عند العلمين مسجد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقال له مسجد الأئمة.

مسجد غدير خم

ومنها : مسجد بعد الجحفة ، وأظنه مسجد غدير خم ـ قال الأسدي ، بعد ما تقدم عنه : وعلى ثلاثة أميال من الجحفة بسرة عن الطريق حذاء العين مسجد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبينهما الغيضة ، وهي غدير خم ، وهي على أربعة أميال من الجحفة ، انتهى.

١٧٠

وقال عياض : غدير خم تصب فيه عين ، وبين الغدير والعين مسجد للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، انتهى.

وأخبرني مخبر أنه رأى هذا المسجد على نحو هذه المسافة من الجحفة ، وقد هدم السيل بعضه.

وفي مسند أحمد عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه قال : كنا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنزلنا بغدير خم ، فنودي فينا الصّلاة جامعة ، وكسح لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تحت شجرة فصلى الظهر ، وأخذ بيد علي وقال : ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : بلى ، قال : فأخذ بيد علي وقال : اللهم من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، قال : فلقيه عمر بعد ذلك فقال : هنيئا يا ابن أبي طالب ، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة ، وعن زيد بن أرقم مثله.

مسجد طرف قديد

ومنها : مسجد ذكر الأسدي أنه قبل قديد بثلاثة أمثال ، وذكر أن خيمتي أمّ معبد الخزاعية وموضع مناة الطاغية في الجاهلية على نحو هذه المسافة.

قلت : وقد عثرت في مسيري إلى مكة على مسجد قديم قرب طرف قديد ، وهو مرتفع عن يمين الطريق ، مبني بالأحجار والقصّة ، يظهر أنه هذا المسجد.

مسجد عند حرة خليص

ومنها : مسجد عند حرة عقبة خليص قال الأسدي : من قديد إلى عين ابن بزيع وهي خليص على ثمانية أميال وشيء ، وذكر آبارا كثيرة بقديد ، قال : وعقبة خليص بينها وبين خليص ثلاثة أميال ، وهي عقبة تقطع حرّة تعترض الطريق يقال لها ظاهرة البركة ، والشجر ينبت في تلك الحرة ، وعند الحرة مسجد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

مسجد خليص

ومنها : مسجد خليص قال الأسدي : خليص عين غزيرة كثيرة الماء ، وعليها نخل كثير ، وبركة ، ومشارع ، ومسجد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

مسجد بطن مر الظهران

ومنها : مسجد بطن مرّ الظّهران قال البخاري ، عقب ما تقدم عنه في مسجد عقبة هرشى من رواية نافع : وأن عبد الله بن عمر حدثه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «كان ينزل في المسيل الذي في أدنى مرّ الظّهران قبل المدينة ، حين يهبط من الصفراوات ، ينزل في بطن ذلك المسيل عن يسار الطريق وأنت ذاهب إلى مكة ، ليس بين منزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين الطريق إلا رمية بحجر».

١٧١

قال المطري ، في وصف هذا المسجد : إنه بوادي مرّ الظهران حين يهبط من الصفراوات عن يسار الطريق وأنت ذاهب إلى مكة ، قال : ومر الظهران هو بطن مرّ المعروف ، وليس المسجد بمعروف اليوم ، انتهى.

وقال الزين المراغي : ويقال : إنه المسجد المعروف بمسجد الفتح ، انتهى.

وقال التقي الفاسي : المسجد الذي يقال له مسجد الفتح بالقرب من الجموم من وادي مر الظهران ، يقال : إنه من المساجد التي صلّى فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم ذكر ما قاله المراغي.

ثم قال : وممن عمر هذا المسجد على ما بلغني أي جدد عمارته أبو علي صاحب مكة ، وممن عمره بعد ذلك الشريف حياش ، قال : وبيضه في عصرنا ورفع أبوابه صونا له الشريف حسن بن عجلان ، انتهى.

وهذا المسجد ينظره الذاهب من الجموم إلى مكة عن يساره عند المسيل.

وقال الأسدي : بين مكة وبطن مر سبعة عشر ميلا ، وببطن مر مسجد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبركة للسيل طولها ثلاثون ذراعا ، وربما ملئت هذه البركة من عين يقال لها العقيق ، قال : وبحضرة هذه البركة بئران.

مسجد سرف

ومنها : مسجد سرف ـ بفتح السين المهملة ، وكسر الراء ـ وهذا المسجد به قبر ميمونة رضي الله تعالى عنها ، شاهدته وزرته ؛ إذ المرويّ أنها دفنت بسرف ، بالموضع الذي بني عليها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه.

وفي حديث أنس أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم «كان لا ينزل منزلا إلا ودّعه بركعتين» وقال الأسدي ما لفظه : ومسجد سرف على سبعة أميال من مر ، وقبر ميمونة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم دون سرف ، اه. والمعروف ما قدمناه.

قال التقي الفاسي : من القبور التي ينبغي زيارتها قبر أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية ، وهو معروف بطريق وادي مر ، قال : ولا أعلم بمكة ولا فيما قرب منها قبر واحد ممن صحب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سوى هذا القبر ؛ لأن الخلف تأثر ذلك عن السلف.

مسجد التنعيم

ومنها : مسجد بالتنعيم قال الأسدي : والتنعيم وراء قبر ميمونة بثلاثة أميال ، وهو موضع الشجرة ، وفيه مسجد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفيه آبار ، ومن هذا الموضع يحرم من أراد أن يعتمر. ثم قال : ميقات أهل مكة بالإحرام مسجد عائشة ، وهو بعد الشجرة بميلين ، وهو دون مكة بأربعة أميال ، وبينه وبين أنصاب الحرم غلوة ، اه.

قلت : وبالتنعيم عدّة مساجد : اثنان منها اختلف في المنسوب منهما لعائشة رضي الله تعالى عنها ، ولم يذكر التقي ولا غيره بالتنعيم مسجدّا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

١٧٢

قال التقي في ذكر مسجد عائشة : وهذا المسجد اختلف فيه ، فقيل : هو المسجد الذي يقال له مسجد الهليلجة ، لشجرة هليلجة كانت فيه وسقطت من قريب ، وهو المتعارف عند أهل مكة على ما ذكره سليمان بن خليل ، وفيه حجارة مكتوب فيها ما يؤيد ذلك ، وقيل : هو المسجد الذي بقربه بئر ، وهو بين هذا المسجد وبين المسجد الذي يقال له «مسجد علي» بطريق وادي مر الظهران ، وفي هذا أيضا حجارة مكتوب فيها ما يشهد لذلك ، ورجّح المحبّ الطبري أنه المسجد الذي بقربه البئر ، وهو الذي يقتضيه كلام إسحاق الخزاعي وغيره ، قال : إن بين مسجد الهليلجة وأول الأعلام سبعمائة ذراع وأربعة عشر ذراعا بذراع الحديد ، وذرع ما بينه وبين المسجد الآخر ثمانمائة ذراع واثنان وسبعون ذراعا بالذراع المذكور ، اه.

والأقرب لكلام الأسدي أن مسجد عائشة رضي الله تعالى عنها هو مسجد الهليلجة ؛ لكونه أقرب إلى أعلام الحرم من الثاني ، ولعل المنسوب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو مسجد عليّ أو المسجد الثاني.

عمرات الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم

ورأيت عن بعضهم : روى ابن عباس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم اعتمر أربع عمر : عمرة الحديبية ، وعمرة القضاء ، وعمرة التنعيم ، وعمرة الجعرانة.

قلت : وذكر التنعيم غير معروف ، والمعروف في الرابعة أنها التي مع حجّته ، فلعل المراد من نسبتها إلى التنعيم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل مكة فيها من جهته.

مسجد ذي طوى

ومنها : مسجد ذي طوى ـ قال البخاري ، عقب ما تقدم عنه في مسجد بطن مرّ من رواية نافع : وأن عبد الله حدثه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «كان ينزل بذي طوى ، ويبيت حتى يصبح يصلي الصبح حين يقدم مكة» ومصلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك على أكمة غليظة ليس في المسجد الذي بنى ثم ، ولكن أسفل من ذلك ، على أكمة غليظة ، وأن عبد الله حدثه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «استقبل فرضتي الجبل الذي بينه وبين الجبل الطويل نحو الكعبة فجعل المسجد الذي بني ثم يسار المسجد بطرف الأكمة ، ومصلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أسفل منه على الأكمة السوداء ، تدع من الأكمة عشرة أذرع أو نحوها ، ثم تستقبل الفرضتين من الجبل الذي بينك وبين الكعبة ، انتهى.

قال المطري ، وتبعه من بعده : وادي ذي طوى هو المعروف بمكة بين الثنيتين.

قلت : ويعرف عند أهل مكة اليوم كما قال التقي بما بين الحجونين ، وهو موافق لقول الأزرقي : بطن ذي طوى ما بين مهبط ثنية المقبرة التي بالمعلى إلى الثنية القصوى التي يقال لها الخضراء تهبط على قبور المهاجرين ، انتهى.

١٧٣

وقال الأسدي ، في وصف ما بين مسجد عائشة رضي الله تعالى عنها ومكة : فج بعد مسجد عائشة رضي الله تعالى عنها بنحو ميلين ، وعقبة المذنبين بعد فج بميل يسرة عن الطريق ، وطريق ذي طوى إلى المسجد نحوا من نصف ميل ، وقال في موضع آخر : يستحب الصلاة بمسجد ذي طوى ، وهو بين مسجد ثنية المذنبين المشرفة على مقابر مكة وبين الثنية التي تهبط على الحصحاص ، وذلك المسجد ثنية زبيدة ، انتهى.

الفصل الرابع

في بقية المساجد التي بين مكة والمدينة بطريق الحاج في زماننا ، وبطريق

المشبان ، وما قرب من ذلك ، وما حل صلى‌الله‌عليه‌وسلم به من المواضع ، وإن لم يبن مسجدّا

دبّة المستعجلة

فمنها : موضع بدبّة المستعجلة ـ بفتح الدال المهملة وتشديد الموحدة ـ وهو الكثيب من الرمل.

روى ابن زبالة عن محمد بن فضالة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزل بالدّبّة دبة المستعجلة من المضيق ، واستقى له من بئر الشعبة الصابّة أسفل من الدبة ، فهو لا يفارقها أبدا

قال المطري : والمستعجلة هي المضيق الذي يصعد إليه الحاج إذا قطع النازية وهو متوجه إلى الصفراء ، يعني من أعلى فركان خيف بني سالم.

شعب سير

قال : وذكر ابن إسحاق أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزل بشعب سير وهو الشعب الذي بين المستعجلة والصفراء ـ وقسم به غنائم أهل بدر ، ولا يزال فيه الماء غالبا ، انتهى.

قلت : الذي قاله ابن إسحاق كما في تهذيب ابن هشام : ثم أقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من بدر حتى إذا خرج من مضيق الصفراء نزل على كثيب بين المضيق وبين النازية يقال له سير إلى سرحة ، وقسم هناك النّفل.

قلت : وهو صريح في أن سير بعد مضيق الصفراء للجائي من بدر ، وبعده النازية ، فإن كانت المستعجلة هي مضيق الصفراء فهو يقتضي أن سير بينها وبين النازية ، فهو مخالف لما ذكره المطري من أنه بين المستعجلة والصفراء ، فليحمل مضيق الصفراء على غير المضيق الذي هو المستعجلة ، ويكون مضيق الصفراء هنا من ناحية أسفل الخيف ؛ لأن الذي ذكره المطري في شعب سير هو المعروف اليوم ، ولأني رأيت في أوراق لم أعرف مؤلفها أن شعب سير هو النزلة التي كانت للحاج إذا رجع عن المستعجلة ونزل في فركان الخيف.

قال : وهناك بركة قديمة ، وهو الشعب بين جبلين يعرف بجبال المضيق علو الصفراء ، وبينه وبين المستعجلة نحو نصف فرسخ ، انتهى. والبركة والموضع معروفان كما وصف ،

١٧٤

ولعل سير هذا هو المعبر عنه في رواية ابن زبالة بالدبة ؛ لأنها مجتمع الرمل ، وقد سماه ابن إسحاق كثيبا ، ويؤخذ منه أن الخيف كله أعلاه ، وأسفله هو مضيق الصفراء.

ذكر عدة مساجد

ومنها : مسجد بذات أجدال ، ومسجد بالجيزتين من المضيق ، ومسجد بذفران ، وموضع بذنب ذفران المقبل.

وروى ابن زبالة عن ابن فضالة قال : صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمسجد بذات أجدال من مضيق الصفراء ، ومسجد بالجيزتين من المضيق ، ومسجد بذفران المدبر من البناء ، وصلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذنب ذفران المقبل الذي يصبّ في الصفراء ، قال : فحفرت بئر هنالك يقال : إنها في موضع جبهة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلها فضل في العذوبة على ما حواليها.

قلت : مضيق الصفراء تقدمت الإشارة إليه قريبا ، وذفران : واد معروف قبل الصفراء بيسير ، يصب سيله فيها ، ويسلكه الحاج المصري في رجوعه من المدينة إلى ينبغ ، فيأخذ ذات اليمين ويترك الصفراء يسارا.

قال ابن إسحاق ، في وصف مسيره صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى بدر : فلما كان بالمنصرف ـ أي عند مسجد الغزالة ـ ترك طريق مكة بيسار ، وسلك ذات اليمين على النازية يريد بدرا ، فسلك في ناحية منها حتى جزع ـ أي قطع ـ واديا يقال له رجفان بين النازية وبين مضيق الصفراء ثم على المضيق ، ثم انصب حتى إذا كان قريبا من الصفراء ، ثم ذكر أنه بعث من يتجسس له الأخبار.

قال : ثم ارتحل ، فلما استقبل الصفراء ـ وهي قرية بين جبلين ـ سأل عن جبليها : ما أسماؤهما؟ فقالوا : يقال لأحدهما المسلح ، وقالوا للآخر : هذا مجرى ، وسأل عن أهلهما فقيل : بنو النار وبنو حراق ، بطنان من بني غفار ، فكرههما صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمرور بينهما ، وتفاءل بأسمائهما وأسماء أهلهما ، فترك الصفراء يسارا ، وسلك ذات اليمين على واد يقال له ذفران.

مسجد ذفران

قلت : وبذفران اليوم مسجد يتبرك به على يسار من سلكه إلى ينبع ، فأظنه مسجد ذفران ، ورأيت قبل الوصول إلى طرف ذفران الذي يلي الصفراء على يمين السالك في طريق مكة يريد الصفراء ، رأيت عليها مسجدّا مبنيا بالجص مرتفعا عن الطريق يسيرا ، يتبرك الناس بالصلاة فيه ، وليس بقربه مساكن ؛ فالظاهر أنه أحد المساجد المذكورة ، ورأيت أمام محرابه قبرا قديما محكم البناء ، ولعله قبر عبيدة بن الحارث بن المطلب ، فقد ذكر ابن إسحاق وغيره أنه مات بالصفراء من جراحته التي أصابته في المبارزة ببدر ، ولم يذكروا محل دفنه ، إلا أن

١٧٥

ابن عبد البر قال عقبه : ويروى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما نزل مع أصحابه بالنازيين قال له أصحابه : إنا نجد ريح مسك ، فقال : وما يمنعكم وهاهنا قبر أبي معاوية؟ يعني عبيدة بن الحارث ، انتهى. والنازيين غير معروف اليوم.

وقال المطري ، عقب ذكر وفاة عبيدة بالصفراء : فدفنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بها ، وكان أسنّ بني عبد مناف يومئذ ، وأظن مستنده في ذكر الدفن بها موته بها مع قول هند بنت أثائة في رثائه على ما نقله ابن إسحاق :

لقد ضمّن الصّفراء مجدّا وسوددا

وحلما أصيلا وافر اللّبّ والعقل

عبيدة ، فابكيه لأضياف غربة

وأرملة تهوى لأشعث كالجدل

وقال الزين المراغي : إنه مات بالصفراء من جراحته ، فإن قبره بذفران ، هكذا رأيته بخطه ، ولم أقف على مستنده في ذلك ، والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يسلك ذفران في رجوعه من بدر ؛ لأنه رجع على الصفراء ، لكنه مرّ بطرف ذفران الذي يصب فيها.

مسجد الصفراء

ومنها : مسجد بالصفراء روى ابن زبالة عن طلحة بن أبي جدير أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في مسجد الصفراء.

قلت : ذكر لي بعض الناس أن هذا المسجد معروف بالصفراء يتبرك به.

مسجد ثنية مبرك

ومنها : مسجد بثنية مبرك ـ روى ابن زبالة عن الأصبغ بن مسلم وعيسى بن معن أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى مطلعه من ثنية مبرك ، في مسجد هناك بينه وبين دعان ستة أميال أو خمسة.

قلت : ثنية مبرك : معروفة تسلك إلى ينبغ في المغرب من جهة أسفل خيف بني سالم من ذات اليمين ، وطريق الصفراء ذات اليسار.

مسجد بدر

ومنها : مسجد بدر ـ كان العريش الذي بنى لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم بدر عنده ، وهذا المسجد معروف اليوم بقرب بطن الوادي بين النخيل ، والعين قريبة منه ، وبقربه في جهة القبلة مسجد آخر يسميه أهل بدر ، مسجد النصر ، ولم أقف فيه على شيء.

مسجد العشيرة

ومنها : مسجد العشيرة ـ معروف ببطن ينبع ، وهو مسجد القرية التي ينزلها الحاج المصري ينبع ، في ورده وصدره.

روى ابن زبالة عن عليّ بن أبي طالب أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في مسجد ينبع بعين بولا.

١٧٦

قلت : والعين اليوم جارية عنده ، لكن لا تعرف بهذا الاسم.

قال المجد : وهذا المسجد اليوم من المساجد المقصودة المشهورة ، والمعابد المشهودة المذكورة ، تحمل إليه النذور ، ويتقرب إلى الله بالزيارة له والحضور ، ولا يخفى على النفس المؤمنة روح ظاهرة على ذلك المكان ، وأنس يشهد له بأنه حضرة سيد الإنس والجان.

مساجد الفرع

ومنها : مساجد ثلاثة بالفرع ـ بضم الفاء ـ يمر بها من سلك طريقها إلى مكة.

روى ابن زبالة عن أبي بكر بن الحجاج وغيره أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزل الأكمة من الفرع ، فقال في مسجدها الأعلى ، ونام فيه ، ثم راح فصلى الظهر في المسجد الأسفل من الأكمة ، ثم استقبل الفرع فبرّك فيها ، وكان عبد الله بن عمر ينزل المسجد الأعلى فيقيل فيه ، فيأتيه بعض نساء أسلم بالفراش ، فيقول : لا ، حتى أضع جنبي حيث وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جنبه ، وأن سالم بن عبد الله كان يفعل ذلك ، وروى أيضا عن عبد الله بن مكرم الأسلمي عن مشيخته أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزل في موضع المسجد بالبرود من مضيق الفرع ، وصلّى فيه.

مسجد الضيقة

ومنها : مسجد بالضيقة وكهف أعشار ـ روى ابن زبالة عن أبي بكر بن الحجاج وسليمان بن عاصم عن أبيه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى في مسجد في الضيقة مخرجه من ذات حماط. وذكر الزبير ذات الحماط في الأودية التي تصبّ في وادي العقيق في القبلة مما يلي المغرب قرب البقيع ، ثم روى هذا الحديث. وذكر أيضا في هذه الأودية كهف أعشار ، كما سيأتي عنه ، ثم روي عن أبي بكر بن الحجاج وسليمان بن عاصم عن أبيه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزوة بني المصطلق نزل في كهف أعشار وصلى فيه.

مسجد مقمل

ومنها : مسجد مقمل ، بوسط النقيع حمى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على يومين من المدينة في جهة درب المشبان.

روى ابن زبالة عن محمد بن هيصم المزني عن أبيه عن جده أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أشرف على مقمل ظرب وسط النقيع ، وصلّى عليه ، فمسجده هنالك.

قال أبو هيصم المدني : وكان أبو البحتري وهب بن وهب في سلطانه على المدينة بعث إليّ بثمانين درهما فعمرته بها.

قال أبو علي الهجري : إن مقملا على ظرب صغير ، على غلوة من برام ، عليه المسجد المذكور ، ووهم المجد فعدّه في مساجد المدينة.

١٧٧

الفصل الخامس

في بقية المساجد والمواضع المتعلقة به ص

مسجد العصر

فمنها : مسجد العصر ، وعصر سيأتي أنه على مرحلة من المدينة.

قال ابن إسحاق : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين خرج من المدينة إلى خيبر سلك على عصر ، فبني له فيها مسجد ، ثم على الصهباء.

قال المطري : مسجد عصر من مشهوري المساجد التي صلّى فيها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند خروجه إلى خيبر.

مسجد الصهباء

ومنها : مسجد بالصهباء ، وهي على روحة من خيبر.

روى مالك عن سويد بن النعمان رضي الله تعالى عنه أنه خرج مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام خيبر ، حتى إذا كانوا بالصهباء ـ وهي من أدنى خيبر ـ نزل فصلى العصر ، ثم دعا بالأزواد ، فلم يؤت إلا بالسويق ، فأكل وأكلنا ، ثم قام إلى المغرب فمضمض ومضمضنا ، ثم صلى ولم يتوضأ ، قال المطري : والمسجد بها معروف.

قلت : وقد قدمنا قصة رد الشمس عنا عند ذكر مسجد الفضيخ من مساجد المدينة.

مسجدان قرب خيبر

ومنها : مسجدان بقرب خيبر أيضا قال الأقشهري ، ومن خطه نقلت وبنى له صلى‌الله‌عليه‌وسلم مسجد بالحجارة حين انتهى إلى موضع بقرب خيبر يقال له المنزلة ، عرّس بها ساعة من الليل فصلى فيها نافلة ، فعادت راحلته تجرّ زمامها ، فأدركت لترد فقال : دعوها فإنها مأمورة ، فلما انتهت إلى موضع الصخرة بركت عندها ، فتحوّل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الصخرة ، وتحوّل الناس إليها ، وابتنى هنالك مسجدّا ، فهو مسجدهم اليوم.

مسجد بين الشق ونطاة

ومنها : مسجد بين الشق والنطاة من خيبر روى ابن زبالة عن حسن بن ثابت بن ظهير أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أتى خيبر ، ودليله رجل من أشجع ، فسلك به صدور الأودية ، فأدركته الصلاة بالقرقرة ، فلم يصل حتى خرج منها ، فنزل بين أهل الشق وأهل النطاة ، وصلّى على عوسجة هناك ، وجعل حولها الحجارة.

مسجد شمران

ومنها : مسجد بشمران ـ روى ابن زبالة عن إبراهيم بن جعفر عن أبيه قال : صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على رأس جبل بخيبر يقال له شمران ، فثم مسجده من ناحية سهم بني النذار ، قال المطري : ويعرف هذا الجبل اليوم بشمران.

١٧٨

مساجد تبوك

ومنها : مساجد غزوة تبوك ـ قال ابن رشد ، في بيانه : بنى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين تبوك والمدينة نحو ستة عشر مسجدّا ، أولها بتبوك وآخرها بذي خشب ، وذكر ابن زبالة نحو هذه العدة ، وقال ابن إسحاق : كانت المساجد معلومة مسماة ، وسردها أربعة عشر مسجدّا ، وخالف في تعيين بعض مواضعها لما ذكره ابن زبالة ، وذكرها الحافظ عبد الغني وزاد عن الحاكم مسجدّا.

وقد اجتمع لنا من مجموع ذلك عشرون مسجدّا :

فالأول : بتبوك ، قال ابن زبالة : ويقال له مسجد التوبة ، قال المطري : وهو من المساجد التي بناها عمر بن عبد العزيز ، قال المجد : دخلته غير مرة ، وهو عقود مبنية بالحجارة.

الثاني : بثنية مدران ـ بفتح الميم وكسر الدال المهملة ـ تلقاء تبوك.

الثالث : بذات الزراب ـ بكسر الزاي ـ على مرحلتين من تبوك.

الرابع : بالأخضر ، على أربع مراحل من تبوك.

الخامس : بذات الخطمى ، كذا في تهذيب ابن هشام ، ومشى عليه المجد ، وفي كتاب المطري «بذات الخطم» بفتح الخاء المعجمة ثم طاء مهملة على خمس مراحل من تبوك.

السادس : ببألى ـ بالموحدة المفتوحة ، ثم همزة ولام مفتوحتين ـ على خمس مراحل أيضا منها ، قاله المطري ، وكذا هو في تهذيب ابن هشام ، وفي نسخة ابن ربالة بنقيع بولا.

السابع : بطرف البتراء ، تأنيث أبتر ، قال ابن إسحاق : من ذنب كواكب وقال أبو عبيدة البكري : إنما هو كوكب جبل هناك ببلاد بني الحارث بن كعب.

الثامن : بشق تاراء ـ بالمثناة الفوقية والراء ـ زاد ابن زبالة : من جويرة.

التاسع : بذي الحليفة ، قاله ابن زبالة وغيره أيضا ، وهو غريب لم يذكره أصحاب البلدان.

العاشر : بذي الخليفة ، لم أر من جمعه مع الذي قبله إلا المجد ، وقال : إنه بكسر الخاء المعجمة ، وقيل بفتحها ، وقيل بجيم مكسورة ، وقيل بحاء مهملة مفتوحة ، واقتصر في أسماء البقاع على كسر الجيم ، والذي في تهذيب ابن هشام ذكر هذا المسجد بدل الذي قبله ، وعكس ابن زبالة.

الحادي عشر : بالشوشق ، قاله الحافظ عبد الغني عن الحاكم ، قال المجد : وكأنه تصحيف.

الثاني عشر : بصدر حوضي ـ بالحاء المهملة ، والضاد المعجمة ، مقصور كما وجد بخط ابن الفرات ، واقتصر عليه المطري ، وقال المجد ـ مع ذكره لذلك في أسماء البقاع : إنه بفتح

١٧٩

الحاء والمد موضع بين وادي القرى وتبوك قال : وهناك مسجده صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، انتهى. وهو مخالف لما ذكره هناك من المغايرة بين مسجد ذي الحليفة وبين مسجد صدر حوضي في ذنب حوضي ومسجد آخر في ذي الحليفة من صدر حوضي ، والمغايرة هي التي في تهذيب ابن هشام ، ولعله صدر حوضي هو المعبر عنه بسمنة في رواية ابن زبالة ، فإنه كما سيأتي ماء قرب وادي القرى ، وفي نسخة المجد في حكاية روايته : ومسجد بذنب حويضي بدل قوله بسمنة.

الثالث عشر : بالحجر ، وذكر ابن زبالة بدله العلاء ، وكلاهما بوادي القرى.

الرابع عشر : بالصعيد صعيد قزح.

الخامس عشر : بوادي القرى ، وقال الحافظ عبد الغني ، في مسجد الصعيد : وهو اليوم مسجد وادي القرى.

قلت : فهذا والذي قبله بوادي القرى ، وفي رواية ابن زبالة : ومسجدان بوادي القرى أحدهما في سوقها والآخر في قرية بني عذرة ، فلعل هذا هو الذي بقرية بني عذرة ، والذي قبله هو الذي بالسوق ، لكن المجد غاير بين الثلاثة أخذا بظاهر العبارة ، ولأن في رواية أخرى لابن زبالة «صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المسجد الذي بصعيد قزح من الوادي ، وتعلمنا مصلاه بأحجار وعظم ، فهو المسجد الذي يجتمع فيه أهل الوادي».

السادس عشر : بقرية بني عذرة ، لم يذكره ابن إسحاق ، وذكره ابن زبالة كما تقدم.

السابع عشر : بالرقعة ، على لفظ رقعة الثوب ، قال أبو عبيد البكري : أخشى أن يكون بالرقمة ـ بالميم ـ من الشقة شقة بني عذرة ، وقال ابن زبالة بدله : بالسقيا ، قال المجد في أسماء البقاع : والسقيا من بلاد عذرة قريبة من وادي القرى.

الثامن عشر : بذي المروة ، قال المطري : وهو على ثمانية برد من المدينة ، كان بها عيون ومزارع وبساتين أثرها باق إلى اليوم.

قلت : وسيأتي في ترجمتها ما جاء في نزوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بها.

التاسع عشر : بالفيفاء فيفاء الفحلتين ، قاله المطري ، كان بها عيون وبساتين لجماعة من أولاد الصحابة وغيرهم.

قلت : وسيأتي في ترجمة الفحلتين أنهما قنتان تحتهما صخر على يوم من المدينة.

العشرون : بذي خشب على مرحلة من المدينة ، ولفظ رواية ابن زبالة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى تحت الدومة التي في حائط عبيد الله بن مروان بذي خشب ، فهنالك يجتمعون.

وفي سنن أبي داود أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزل في موضع المسجد تحت دومة ، فأقام ثلاثا ، ثم خرج إلى تبوك ، وإن جهينة لحقوه بالرحبة ، فقال لهم : من أهل ذي المروة؟ قالوا : بنو رفاعة من جهينة ، فقال : قد قطعتها لبني رفاعة ، فاقتسموها ، فمنهم من باع ومنهم من أمسك فعمل.

١٨٠