بنزولها في الأنصار (١) ، وقيل بأبي بكر (٢).
ولم يرو أحدّ التفسير بهذين القولين الأخيرين عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، واختار أوّلهما السّدّي ، كما ذكره الرازي ، بحجّة أنّ الأنصار هم الّذين نصروا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (٣).
وفيه : إنّ المراد بالآية : النصرة في المستقبل ، وهي لم تختصّ بالأنصار ، بل لم تختصّ بهم في أوّل الأمر ؛ لمشاركة المهاجرين لهم في النصرة.
وأمّا من زعم نزولها بأبي بكر ، فبحجّة أنّه حارب المرتدّين ؛ وستعرف ما فيه ..
والحقّ أنّها نازلة بأمير المؤمنين (٤) ؛ لأمور :
الأوّل : ورود رواية الفريقين به ؛ فقد عرفت رواية الثعلبي له ، ولكنّ ابن تيميّة أنكرها (٥) ، ولم يحضرني « تفسير الثعلبي » حتّى أظهر بطلان إنكاره ، إذ لا شكّ أنّ المصنّف رحمهالله لا يتعمّد الكذب بخلاف ابن تيميّة ؛ فإنّا سبرنا أحوالهما ، وعرفنا صحّة نقل المصنّف دونه ، كما ستعرف.
ويؤيّد صحّة رواية الثعلبي ما ورد عن أمير المؤمنين ، أنّه قال يوم
__________________
(١) تفسير السدّي : ٢٣١ ، تفسير الطبري ٤ / ٦٢٥ ح ١٢٢٠٥ ، تفسير الثعلبي ٤ / ٧٩ ، تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٢٢.
(٢) تفسير الطبري ٤ / ٦٢٣ ح ١٢١٨٤ ـ ١٢١٩١ ، تفسير الثعلبي ٤ / ٧٨ ، تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٢٣.
(٣) تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٢٢ ، وانظر : تفسير السدّي : ٢٣١.
(٤) انظر : تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٢٥.
(٥) انظر : منهاج السنّة ٧ / ٢١٣.
البصرة : « والله ما قوتل أهل هذه الآية حتّى اليوم » ، ثمّ تلاها (١).
ومثله عن عمّار وابن عبّاس (٢) ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
الثاني : انطباق أوصاف من يأتي به الله ـ المذكورة في الآية ـ على أمير المؤمنين عليهالسلام دون غيره.
أمّا عدم انطباقها على أبي بكر ، فظاهر ؛ ولو لقوله تعالى : ( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) (٣) ، فإنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال يوم خيبر بعد ما رجع أبو بكر وعمر منهزمين : « لأعطينّ الراية غدا إلى رجل يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، كرّار غير فرّار » (٤) ، وهو ظاهر ، بل صريح في التعريض بمن
__________________
(١) انظر : الإفصاح في الإمامة : ١٢٥ ، مجمع البيان ٣ / ٣٤٤.
(٢) انظر : الصراط المستقيم ١ / ٢٨٨ وفيه : عن عمّار وحذيفة ، الصوارم المهرقة : ٨٤.
(٣) سورة المائدة ٥ : ٥٤.
(٤) تاريخ اليعقوبي ١ / ٣٧٥ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٨٠ ح ٢١٧ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ للخوارزمي ـ : ١٧٠ ح ٢٠٣.
أمّا جملة ذيل الحديث : « كرّار غير فرّار » فقد رويت في بعض المصادر بلفظ : « غير فرّار » فقط ، أي من دون كلمة « كرّار » ، وفي مصادر أخرى روي بدلها ألفاظ أخرى مختلفة تفيد معناها ، مثل : « يفتح الله عليه » و« لن يرجع حتّى يفتح الله عليه » و« لا يردّها حتّى يفتح الله عليه » ، وغيرها ؛ جاءت كلّها في أمّهات مصادر الجمهور ؛ فانظر مثلا :
صحيح البخاري ٥ / ٨٧ ح ١٩٧ وص ٨٨ ح ١٩٨ وص ٢٧٩ ح ٢٣٠ ، تاريخ البخاري ٢ / ١١٥ رقم ١٨٨١ ، صحيح مسلم ٧ / ١٢٠ ـ ١٢٢ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٣ ح ١١٧ ، سنن الترمذي ٥ / ٥٩٦ ح ٣٧٢٤ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٤٦ ح ٨١٤٩ ـ ٨١٥١ وص ١٠٨ ـ ١١٣ ح ٨٣٩٩ ـ ٨٤٠٩ ، مسند أحمد ١ / ٩٩ و ١٣٣ و ١٨٥ وج ٤ / ٥١ ـ ٥٢ وج ٥ / ٣٣٣ و ٣٥٣ ، فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٦٩٧ ح ٩٥٠ وص ٧٢١ ـ ٧٢٢ ح ٩٨٧ ـ ٩٨٨ وص ٧٣٤ ـ ٧٣٥ ح ١٠٠٩ وص ٧٤٦ ح ١٠٣٠ وص ٧٥٠ ذ ح ١٠٣٦ وص ٧٥٢ ح ١٠٣٧ وص ٧٦٤ ح ١٠٥٤ وص ٧٩١ ح ـ
فرّ ، وأنّه ليس على هذه الأوصاف.
وأمّا عدم انطباقها على الأنصار وأهل اليمن والفرس ، فلظهور الآية في أنّ من يأتي به الله ؛ إمام شجاع ، ذو حزم وتقوىّ وتواضع ؛ لأنّ قوله
__________________
ـ ١٠٨٤ وص ٨١٨ ح ١١٢٢ وص ٨٤٩ ـ ٨٥٠ ضمن ح ١١٦٨ ، مسند أبي داود الطيالسي : ٣٢٠ ح ٢٤٤١ ، مصنّف عبد الرزّاق ٥ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨ ح ٩٦٣٧ وج ١١ / ٢٢٨ ح ٢٠٣٩٥ ، سنن سعيد بن منصور ٢ / ١٧٨ ـ ١٧٩ ح ٢٤٧٢ ـ ١٤٧٤ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٦ ح ١٥ وص ٤٩٧ ح ١٧ وص ٥٠٠ ح ٣٧ ، أنساب الأشراف ٢ / ٣٥٥ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٥٩٤ ح ١٣٧٧ ـ ١٣٨٠ ، مسند البزّار ٢ / ١٣٥ ـ ١٣٦ ح ٤٩٦ وج ٣ / ٢٨١ ح ١٠٧٢ وص ٣٢٤ ضمن ح ١١٢٠ ، مسند أبي يعلى ١ / ٢٩١ ح ٣٥٤ وج ١٣ / ٥٢٢ ح ٧٥٢٧ ، تاريخ الطبري ٢ / ١٣٦ ـ ١٣٧ ، مسند الشاشي ١ / ١٤٥ ـ ١٤٦ ضمن ح ٨٢ وص ١٦٥ ـ ١٦٦ ضمن ح ١٠٦ ، السيرة النبويّة ـ لابن حبّان ـ : ٥٢٢ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٤٣ ـ ٤٥ ح ٦٨٩٤ ـ ٦٨٩٦ ، المعجم الكبير ٦ / ١٥٢ ح ٥٨١٨ وص ١٦٧ ح ٥٨٧٧ وص ١٩٨ ح ٥٩٩١ وج ٧ / ١٣ ح ٦٢٣٣ وص ١٦ ـ ١٧ ح ٦٢٤٣ وص ٣١ ح ٦٢٨٧ وص ٣٥ ح ٦٣٠٣ وص ٧٧ ح ٦٤٢١ وج ١٨ / ٢٣٧ ح ٥٩٤ و ٥٩٥ وص ٢٣٨ ح ٥٩٦ ـ ٥٩٨ ، المعجم الأوسط ٦ / ١١٦ ح ٥٧٨٩ ، المعجم الصغير ٢ / ١١ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٤٠ ح ٤٣٤٢ وص ١١٧ ح ٤٥٧٥ وص ١٤٣ ح ٤٦٥٢ وص ٤٩٤ ح ٥٨٤٤ ، حلية الأولياء ١ / ٦٢ وج ٤ / ٣٥٦ ، معرفة الصحابة ١ / ٨٥ ح ٣٣٢ و ٣٣٣ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٦ / ٣٦٢ وج ٩ / ١٣١ ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٤ / ٢٠٥ ـ ٢١٣ ، تاريخ بغداد ٨ / ٥ رقم ٤٠٣٦ ، الاستيعاب ٣ / ١٠٩٩ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٧٦ ـ ١٨٥ ح ٢١٣ ـ ٢٢٤ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ للخوارزمي ـ : ١٦٧ ح ٢٠١ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٨١ ـ ١٢٣.
وفي ذلك يقول حسّان بن ثابت :
وكان عليّ أرمد
العين يبتغي |
|
دواء فلمّا لم
يحسّ مداويا |
شفاه رسول الله
منه بتفلة |
|
فبورك مرقيّا
وبورك راقيا |
وقال : سأعطي راية
القوم فارسا |
|
كمينا شجاعا في
الحروب مجاريا |
يحبّ إلها والإله
محبّه |
|
به يفتح الله
الحصون الأوابيا |
فخصّ لها دون
البريّة كلّهم |
|
عليّا وسمّاه
الوليّ المواخيا |
تعالى : ( أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ) (١) بمعنى أنّه متواضع للمؤمنين تواضع وال عليهم وإمام لهم ، إذ لا معنى لتعدية الأذلّة ب « على » المفيدة للعلوّ لو لا تضمّن الأذلّة معنى الولاية.
وهو أيضا عزيز على الكافرين ، أيّ ظاهر العزّة عليهم والعظمة في أعينهم ؛ لكونه ذا سلطان.
وهو أيضا يجاهد في سبيل الله ؛ لكونه مقداما شجاعا تقيّا.
ولا يخاف لومة لائم ؛ لحزمه ومقدرته.
وإذا ضممنا إلى ذلك قوله تعالى : ( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) ، تعيّنت إرادة أمير المؤمنين.
ولا ينافي إرادته التعبير بالقوم وصيغ الجمع ؛ إمّا لصحّة القصد إلى تعظيمه بذلك ، كما هو في القرآن وغيره كثير ، كما تشهد له آية المباهلة ، أو للإشارة إلى أنّه ذو أتباع.
كما لا ينافيها التعبير ب « سوف » ، خلافا للفضل ؛ لما عرفت من دلالة الآية على أنّه سبحانه يأتي بذي ولاية وسلطان ، وعليّ عليهالسلام إنّما صار كذلك في المستقبل ، فجاهد حينئذ.
وبنحوه أجاب الرازي عن إشكال إرادة أبي بكر من الآية ؛ لأنّ جهاده متأخّر (٢).
الثالث : إنّ الآية التي بعدها ، وهي قوله تعالى : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ
__________________
(١) سورة المائدة ٥ : ٥٤.
(٢) انظر : تفسر الفخر الرازي ١٢ / ٢٣.
وَرَسُولُهُ ) (١) الآية ، نازلة بأمير المؤمنين عليهالسلام (٢) ، فينبغي أن تكون هذه الآية كذلك لترتبط الآيتان ، ولدخولهما في خطاب واحد منفرد عمّا قبله وبعده ، وهو : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ... ) (٣) الآيتان.
الرابع : الأخبار المقتضية لنزولها بعليّ عليهالسلام ..
فمنها : المصرّحة بأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ».
قال أبو بكر وعمر : أنا هو؟
قال : « لا ، ولكنّه خاصف النعل » ؛ يعني عليّا.
أخرجه أحمد في « مسنده » ، عن أبي سعيد من طريقين (٤).
وأخرجه الحاكم عنه أيضا من طريقين في « المستدرك » (٥) ، وصحّحه على شرط الشيخين.
ونقله في « كنز العمّال » (٦) ، عن أبي يعلى في « مسنده » ، وابن أبي شيبة ، وأبي نعيم في « الحلية » ، وابن حبّان في « صحيحه » ، والضياء في
__________________
(١) سورة المائدة ٥ : ٥٥.
(٢) انظر : تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٢٨ ، الكشّاف ١ / ٦٢٤ ، وراجع ج ٤ / ٢٩٧ وما بعدها من هذا الكتاب.
(٣) سورة المائدة ٥ : ٥٤.
(٤) ص ٣٣ من الجزء الثالث من طريق ، وص ٨٢ منه من طريق آخر. منه قدسسره.
وانظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٧٩٠ ح ١٠٨٣.
(٥) ص ١٢٣ من الجزء الثالث [ ٣ / ١٣٢ ح ٤٦٢١ ]. منه قدسسره.
(٦) ص ٣٩١ من الجزء السادس [ ١١ / ٦١٣ ح ٣٢٩٦٧ وج ١٣ / ١٠٧ ح ٣٦٣٥١ ]. منه قدسسره.
« المختارة » ، كلّهم عن أبي سعيد (١).
ورواه النسائي في خصائصه (٢).
وهو يستلزم أن يكون من يأتي به الله لحرب المرتدّين هو عليّ لا أبو بكر ؛ لأنّ حرب أمير المؤمنين على التأويل دون أبي بكر ، فلا بدّ أن يكون المنذر في الكتاب العزيز بحربه هو عليّ عليهالسلام.
ومنها : الأخبار الكثيرة التي أنذر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيها الناس بعليّ خاصّة ، وقال : « لتنتهنّ أو ليبعثنّ الله رجلا ... » ، يعني به عليّا ، فالأنسب أن يكون هو المنذر به في الآية.
نقل في « كنز العمّال » (٣) ، عن أحمد وابن جرير ، قال : وصحّحه ، وعن سعيد بن منصور في « سننه » ، عن عليّ عليهالسلام ، قال : « جاء النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أناس من قريش ، فقالوا : يا محمّد! إنّا جيرانك وحلفاؤك ، وإنّ ناسا من عبيدنا قد أتوك ، ليس بهم رغبة في الدين ، ولا رغبة في الفقه ، إنّما فرّوا من ضياعنا ، وأموالنا ، فارددهم إلينا.
فقال لأبي بكر : ما تقول؟
قال : صدقوا ، إنّهم لجيرانك وحلفاؤك.
فتغيّر وجه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ثمّ قال لعمر : ما تقول؟
قال : صدقوا ، إنّهم لجيرانك وحلفاؤك.
__________________
(١) انظر : مسند أبي يعلى ٢ / ٣٤١ ح ١٠٨٦ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٧ ح ١٩ ، حلية الأولياء ١ / ٦٧ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٤٦ ح ٦٨٩٨.
(٢) خصائص الإمام عليّ عليهالسلام : ١١٢ ح ١٥٠.
(٣) ص ٣٩٦ من الجزء السادس [ ١٣ / ١٢٧ ح ٣٦٤٠٢ ]. منه قدسسره.
فتغيّر وجه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فقال : يا معشر قريش! والله ليبعثنّ الله عليكم رجلا قد امتحن الله قلبه بالإيمان فيضربكم على الدين ، أو يضرب بعضكم.
فقال أبو بكر : أنا يا رسول الله؟
قال : لا.
قال عمر : أنا يا رسول الله؟
قال : لا ، ولكنّه الذي يخصف النعل ؛ وكان أعطى عليّا نعلا يخصفها (١).
ومثله في خصائص النسائي (٢).
ونقل في « الكنز » نحوه ، عن الخطيب (٣) ..
وعن الترمذي ، قال : وقال : حسن صحيح (٤) ..
وعن ابن جرير ، قال : وصحّحه (٥) ..
وعن الضياء في « المختارة » (٦) ..
وعن ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، والحاكم في « المستدرك » ،
__________________
(١) انظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٨٠٦ ح ١١٠٥ ، ولم نجده في سنن سعيد ابن منصور.
(٢) خصائص الإمام عليّ عليهالسلام : ٣٩ ح ٣٠.
(٣) ص ٣٩٣ من الجزء المذكور [ ١٣ / ١١٥ ح ٣٦٣٧٣ ]. منه قدسسره.
وانظر : تاريخ بغداد ٨ / ٤٣٣ رقم ٤٥٤٠.
(٤) كنز العمّال ١٣ / ١٧٣ ح ٣٦٥١٨ ، وانظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٩٢ ح ٣٧١٥.
(٥) كنز العمّال ١٣ / ١٧٣ ح ٣٦٥١٨.
(٦) ص ٤٠٧ منه أيضا [ ١٣ / ١٧٣ ح ٣٦٥١٨ ]. منه قدسسره.
ويحيى (١) بن سعيد (٢).
وقد قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في بعضها : « يا معشر قريش! لتنتهنّ أو ليبعثنّ الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين ، قد امتحن الله قلبه على الإيمان » ..
وفي بعضها : « لن تنتهوا يا معشر قريش حتّى يبعث الله عليكم رجلا امتحن الله قلبه بالإيمان ، يضرب أعناقكم وأنتم مجفلون عنه إجفال النعم » (٣).
وروي في « الاستيعاب » ، بترجمة أمير المؤمنين عليهالسلام ، عن معمر ، عن ابن طاووس ، عن أبيه ، عن المطّلب بن عبد الله بن حنطب ، قال :
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لوفد ثقيف حين جاءه : « لتسلمنّ أو لأبعثنّ رجلا منّي ـ أو قال : مثل نفسي ـ فليضربنّ أعناقكم ، وليسبينّ ذراريكم ، وليأخذنّ أموالكم ».
قال عمر : فو الله ما تمنّيت الإمارة إلّا يومئذ ، وجعلت أنصب صدري له رجاء أن يقول : هو هذا.
__________________
(١) كذا ورد في « كنز العمّال » ، وهو تصحيف ، والصواب هو : عبد الغني بن سعيد المصري الأزدي ، الحافظ النسّابة ، المولود سنة ٣٣٢ ، والمتوفّى سنة ٤٠٩ ه ، صاحب كتابي « المؤتلف والمختلف » و« إيضاح الإشكال » الذي نقل عنه المتّقي الهندي هذا الحديث في « كنز العمّال » ؛ فلاحظ!
انظر : سير أعلام النبلاء ١٧ / ٢٦٨ رقم ١٦٤.
(٢) ص ٤٠٨ منه أيضا [ ١٣ / ١٧٣ ح ٣٦٥١٨ و ٣٦٥١٩ ]. منه قدسسره.
وانظر : مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٧ ح ١٨ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ١٤٩ ح ٢٦١٤.
(٣) كنز العمّال ١٣ / ١١٥ ح ٣٦٣٧٣ ، وانظر : تاريخ بغداد ١ / ١٣٤ رقم ١ وج ٨ / ٤٣٣ رقم ٤٥٤٠.
[ قال : ] فالتفت إلى عليّ ، فأخذ بيده ، ثمّ قال : « هو هذا ، [ هو هذا ] » (١).
وفي « الصواعق » ، بعد الحديث الأربعين من أحاديث فضل عليّ ، عن ابن أبي شيبة ، عن عبد الرحمن بن عوف ، قال : لمّا فتح رسول الله مكّة انصرف إلى الطائف ... ـ إلى أن قال : ـ ثمّ قام خطيبا وقال : « والذي نفسي بيده لتقيمنّ الصلاة ولتؤتنّ الزكاة أو لأبعثنّ إليكم رجلا منّي ـ أو : كنفسي ـ يضرب أعناقكم ».
ثمّ أخذ بيد عليّ عليهالسلام ، ثمّ قال : « هو هذا » (٢).
وعن « مسند أحمد » وغيره ، أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : « لتنتهنّ يا بني وليعة (٣) أو لأبعثن إليكم رجلا كنفسي ، يقتل المقاتلة ، ويسبي الذّرّيّة ».
فالتفت إلى عليّ فأخذ بيده ، وقال : « هو هذا » (٤).
__________________
(١) الاستيعاب ٣ / ١١٠٩ ـ ١١١٠ ، وانظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٧٣٣ ـ ٧٣٤ ح ١٠٠٨ ، أنساب الأشراف ٢ / ٣٦٤ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ للخوارزمي ـ : ١٣٦ ح ١٥٣ ، الرياض النضرة ٣ / ١١٩.
(٢) الصواعق المحرقة : ١٩٤ ، وانظر : مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٨ ب ١٨ ح ٢٣.
(٣) وليعة : بطن من كندة ، من القحطانية.
انظر مادّة « ولع » في : القاموس المحيط ٣ / ١٠١ ، لسان العرب ١٥ / ٣٩٦ ، معجم قبائل العرب ٣ / ١٢٥٣.
وقال ابن سعد في الطبقات الكبرى ١ / ٢٦٢ : « قدم وفد حضر موت مع وفد كندة على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهم بنو وليعة ملوك حضر موت : حمدة ومخوس ومشرح وأبضعة ، فأسلموا ... ».
(٤) رواه أحمد في مسنده كما في ينابيع المودّة ١ / ٤٢ ح ٢١ وص ١٦٦ ح ٣ و ٤ ، ورواه كذلك في فضائل الصحابة ٢ / ٧٠٦ ح ٩٦٦ ، وانظر : مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٩ ب ١٨ ح ٣٠.
.. إلى غير ذلك من الأخبار التي تفيد أنّ عادة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الإنذار بعليّ (١) ، فتحمل عليه الآية ؛ لأنّ إنذاره من إنذار الله تعالى ، وما كان ينطق عن الهوى ، إن هو إلّا وحيّ يوحى (٢) ..
ولو كان أبو بكر صالحا لذلك لما ردّه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، مع أنّه يعلم من قول أبي بكر : « صدقوا ... إنّهم جيرانك وحلفاؤك » أنّه ليس ممّن لا يخاف لومة لائم ؛ فلا يكون مرادا بالآية هو وأشباهه.
كما إنّه يعلم من ردّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم له ، بعد وصفه لمن يبعثه بأنّه امتحن الله قلبه بالإيمان ، أنّه ليس على هذا الوصف ، وإلّا لما ردّه ، فلا يكون ممّن يحبّ الله ويحبّه الله ؛ إذ لا يكون كذلك إلّا صاحب الإيمان الكامل الممتحن قلبه به ؛ وحينئذ فلا يكون مرادا بالآية.
وأيضا : فقد جعل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في بعض هذه الأحاديث وغيرها عليّا منه أو كنفسه ، فيكون هو الأحقّ بالأوصاف المذكورة في الآية وبإرادته منها.
هذا ، وممّا يستوقف الفكر ويستثير العجب قول عمر : « صدقوا » بعد ما تغيّر وجه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من قول أبي بكر!!
ولكنّه ليس بأعجب من قوله : « إنّ الرجل ليهجر » (٣)! إلى كثير من أقواله وأفعاله معه.
__________________
(١) انظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٩٢ ح ٣٧١٥ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٢٧ ح ٨٤٥٧ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٧ ح ١٨ وص ٤٩٨ ح ٢٣ وص ٥٠٦ ح ٧٤ ، مجمع الزوائد ٧ / ١١٠ ، كنز العمّال ٤ / ٤٤١ ح ١١٣١١.
(٢) إشارة إلى سورة النجم ٥٣ : ٣ و ٤.
(٣) تقدّم تخريجه مفصّلا في ج ٤ / ٩٣ ه ٢ من هذا الكتاب ؛ فراجع!
وما أدري كيف استباح هو وصاحبه أن يجعلا للكافرين على المؤمنين سبيلا ، ويردّا من آمنوا بالله ورسوله ، ملكا وخدما لمن كفر بهما؟!
وكيف مع هذا يكونان إمامين للناس ، ويؤمنان على الأمّة ونفوسها وأموالها؟!!
ثمّ إنّ حجّتهم على إرادة أبي بكر من الآية بحربه للمرتدّين ممنوعة ؛ لأنّ من حاربهم إمّا كافر بالأصل ، كأصحاب مسيلمة وسجاح ؛ أو مؤمن حقّا ، كبني حنيفة ، فإنّه حاربهم لامتناعهم من أداء الزكاة إليه إنكارا لخلافته ، وتمسّكا ببيعة أمير المؤمنين عليهالسلام يوم الغدير ، كما ستعرف إن شاء الله تعالى.
هذا ، وقد ناقش الرازي بإرادة أمير المؤمنين عليهالسلام من الآية ، بل زعم دلالتها على فساد مذهب الشيعة!! ..
قال ما حاصله : إنّه لو كان المقصود بالآية عليّا ـ وكان هو الإمام ـ ، ومن لم يقل بإمامته ليس بمؤمن ـ كما يزعم الشيعة ـ ، لحارب أبا بكر ؛ لقوله تعالى : ( مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ ... ) (١) الآية.
فإنّ كلمة ( مَنْ ) في معرض الشرط ، فتفيد العموم ، فيقتضي أنّ كلّ من ارتدّ يأتي الله بقوم يردّونهم عن كفرهم ويبطلون شوكتهم ، ولم نجد الأمر كذلك ، فإنّ أبا بكر وأصحابه على شوكتهم ، بل وجدنا الأمر على الضدّ ، فإنّ الشيعة هم المقهورون(٢).
__________________
(١) سورة المائدة ٥ : ٥٤.
(٢) انظر : تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٢٢.
وفيه : إنّ الإنذار إنّما هو بذي الولاية والسلطان ـ كما عرفت ـ ، فلا تلزم محاربة أمير المؤمنين عليهالسلام لأبي بكر ، وأجاب به الرازي بنفسه عن إشكال إرادة أبي بكر من الآية ، حيث إنّه لم يحارب المرتدّين حين نزول الآية إلى أن تولّى الخلافة (١).
فالمراد : إتيان ذي سلطان لحرب كلّ من ارتدّ عن دينه في وقت سلطانه ؛ ولذا صحّ عندهم إرادة أبي بكر مع أنّه لم يحارب كلّ مرتدّ ، كالأسود العنسي (٢) ؛ لأنّه قتل زمن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ وكغسّان (٣) ، فإنّ عمر حاربهم في وقته كما قيل (٤) ..
مضافا إلى إمكان أن يكون معنى الآية مجرّد تحذير من يرتدّ ، وإنذاره بالحرب أعمّ من أن يقع أو لا يقع.
والله العالم.
* * *
__________________
(١) انظر : تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٢٣.
(٢) هو : عبهلة بن كعب بن غوث ، ذو الخمار ، مشعوذ من أهل اليمن ، ادّعى النبوّة ، قتل سنة ١١ ه.
انظر : البداية والنهاية ٦ / ٢٣٠ ، تاريخ الطبري ٢ / ٢٤٧.
(٣) غسّان : هم أولاد عمّ الأنصار ـ الأوس والخزرج ـ ، وهم نصارى العرب أيّام هرقل ، وكان جبلة بن الأيهم ـ وكنيته : أبو المنذر الغسّاني الجفني ـ ملك غسّان ، وهو آخر ملوكهم ، فكتب إليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كتابا مع شجاع بن وهب يدعوه إلى الإسلام ، فأسلم ، وقيل : لم يسلم قطّ ، وقيل : أسلم بعد ما شهد اليرموك مع الروم أيّام عمر بن الخطّاب ، ثمّ ارتدّ نصرانيّا وترحلّ بأهله حتّى دخل أرض الروم ، توفّي في زمن معاوية ، قيل : سنة ٤٠ ، وقيل سنة ٥٣ ه.
انظر : المنتظم ٤ / ٧٧ حوادث سنة ٥٣ ه ، مختصر تاريخ دمشق ٥ / ٣٦٨ رقم ٢٠٦ ، البداية والنهاية ٨ / ٥١ حوادث سنة ٥٣ ه.
(٤) انظر : الكامل في التاريخ ٢ / ٣٤٤ حوادث سنة ١٥ ه.
٢٣ ـ آية : ( أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ )
قال المصنّف ـ قدسسره ـ (١) :
الثالثة والعشرون : قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ) (٢).
روى أحمد بن حنبل ، أنّها نزلت في عليّ عليهالسلام (٣).
* * *
__________________
(١) نهج الحقّ : ١٨٦.
(٢) سورة الحديد ٥٧ : ١٩.
(٣) انظر : فضائل الصحابة ٢ / ٧٧٧ ـ ٧٧٨ ح ١٠٧٢ وص ٨١٤ ـ ٨١٥ ح ١١١٧.
وقال الفضل (١) :
لا شكّ أنّ عليّا من الصدّيقين والشهداء ، والظاهر أنّ الآية نزلت في جماعة من الصدّيقين والشهداء ، ويمكن أن تكون نازلة في الخلفاء ؛ وإن صحّ نزولها في عليّ ، فهي من فضائله ، وليس دليلا على مدّعى النصّ.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٢٤٥.
وأقول :
لا شكّ أن ليس كلّ مؤمن صدّيقا ؛ لأنّ الصدّيق كثير التصديق وكامله ؛ ولا شهيدا ، وهو ظاهر ؛ فلا بدّ أن يراد الخصوص.
وقد علمنا من الأخبار أنّه ليس في هذه الأمّة صدّيق غير عليّ عليهالسلام ، فلا بدّ أن يكون هو المراد بخصوصه من الآية ، أو الأعمّ منه ومن صدّيقي الأمم الثلاثة.
فقد نقل السيوطي في « الدرّ المنثور » ، بتفسير سورة « يس » ، عن أبي داود ، وأبي نعيم ، وابن عساكر ، والديلمي ، بأسانيدهم عن أبي ليلى ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« الصدّيقون ثلاثة : حبيب النجّار مؤمن آل يس ، الذي قال : ( يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ) (١).
وحزقيل مؤمن آل فرعون ، الذي قال : ( أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ ) (٢).
وعليّ بن أبي طالب ، وهو أفضلهم » (٣).
__________________
(١) سورة يس ٣٦ : ٢٠.
(٢) سورة غافر ٤٠ : ٢٨.
(٣) الدرّ المنثور ٧ / ٥٣ ، وانظر : معرفة الصحابة ١ / ٨٦ ـ ٨٧ ح ٣٤٠ ، شواهد التنزيل ٢ / ٢٢٣ ـ ٢٢٦ ح ٩٣٨ ـ ٩٤٢ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٤٣ وص ٣١٣ ، فردوس الأخبار ٢ / ٣٨ ح ٣٦٨١ ، كفاية الطالب : ١٢٤ ، ذخائر العقبى : ١٠٨ ، الرياض النضرة ٣ / ١٠٤ ، كنز العمّال ١١ / ٦٠١ ح ٣٢٨٩٨.
ورواه الرازي باختصار في تفسير سورة « المؤمن » عند قوله تعالى : ( وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ ) (١) (٢).
وحكى السيوطي أيضا في تفسير سورة « يس » ، عن البخاري في تاريخه ، عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « الصدّيقون ثلاثة : حزقيل مؤمن آل فرعون ، وحبيب النجّار صاحب آل يس ، وعليّ بن أبي طالب » (٣).
وحكاه في « كنز العمّال » (٤) ، عن ابن النجّار ، عن ابن عبّاس.
ونقل المصنّف رحمهالله حديث أبي ليلى في « منهاج الكرامة » ، عن أحمد في مسنده ، والديلمي ، وابن المغازلي (٥).
وأنكر ابن تيميّة كونه من أصل « المسند » ، وزعم أنّه من زيادات القطيعي ، أخرجه من طريقين ثمّ ناقش في سندهما (٦).
وقد عرفت أنّ المناقشة في سند الأخبار الواردة في فضل أمير المؤمنين عليهالسلام غير صحيحة ؛ لما أوضحناه في المقدّمة من أنّ الاعتبار يشهد بوثاقة رجالها في تلك الأخبار ؛ على أنّ الرواية إذا كثرت طرقها حكم
__________________
(١) سورة غافر « المؤمن » ٤٠ : ٢٨.
(٢) تفسير الفخر الرازي ٢٧ / ٥٨.
(٣) الدرّ المنثور ٧ / ٥٣.
(٤) ص ١٥٢ من الجزء السادس [ ١١ / ٦٠١ ح ٣٢٨٩٧ ]. منه قدسسره.
(٥) منهاج الكرامة : ١٣٦ ، وانظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٧٧٧ ـ ٧٧٨ ح ١٠٧٢ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ لابن المغازلي ـ : ٢٢١ ح ٢٩٣ ـ ٢٩٤ ، فردوس الأخبار ٢ / ٣٨ ح ٣٦٨١ ، وانظر كذلك : مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ للخوارزمي ـ : ٣١٠ ح ٣٠٧.
(٦) منهاج السنّة ٧ / ٢٢٤ ـ ٢٢٥.
باعتبارها ، وإن لم تصحّ أسانيدها ، فقد سمعت من تعرّض لها (١).
ومرّ في الآية الثالثة عشرة ما هو بمعناها ، وهو كثير من الأخبار القائلة : إنّ سبّاق الأمم ثلاثة (٢) ، فلا وجه للتشكيك بها.
ويشير إلى هذه الروايات الأخبار المصرّحة بأنّ الصدّيق الأكبر هو أمير المؤمنين عليهالسلام ؛ كرواية الحاكم في « المستدرك » (٣) ، عن عبّاد بن عبد الله الأسدي ، عن عليّ عليهالسلام ، قال : « إنّي عبد الله ، وأخو رسوله ، وأنا الصدّيق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلّا كاذب ... » الحديث.
ثمّ قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين.
وتعقّبه الذهبي بقوله : « [ كذا قال ] ، ليس هو على شرط واحد منهما ، بل ولا [ هو ] بصحيح ، بل حديث باطل ، فتدبّره. وعبّاد ، قال ابن المديني : ضعيف ».
وفيه : إنّه لا اعتبار بتضعيف ابن المديني له مع توثيق غيره له ، كالحاكم (٤) ، ولو التفتنا إلى هذه التضعيفات لم يصحّ لهم حديث ، ولا أدري ما الذي أنكره الذهبي من الحديث حتّى حكم ببطلانه مع شواهد صحّته الكثيرة؟!
__________________
(١) انظر : ج ١ / ٧ وما بعدها من هذا الكتاب.
وراجع : تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات : ٢٤ ـ ٣٠ ، الحلقة ١٦ ، المنشورة في مجلّة « تراثنا » ، العدد ٦١ ، السنة ١٦ ، المحرّم ١٤٢١ ه ؛ فقد صحّح السيّد عليّ الحسيني الميلاني ـ حفظه الله ـ في الصفحات المشار إليها من مبحث الآية الكريمة : ( أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ) بعض أسانيد الحديث ، وأثبت اعتبارها على ضوء كلمات علماء الجرح والتعديل من الجمهور.
(٢) انظر الصفحة ٢١ وما بعدها من هذا الجزء.
(٣) ص ١١٢ من الجزء الثالث [ ٣ / ١٢٠ ـ ١٢١ ح ٤٥٨٤ ]. منه قدسسره.
(٤) وانظر : الثقات ـ لابن حبّان ـ ٥ / ١٤١.
وقد نقل في « كنز العمّال » هذا الحديث (١) ، عن ابن أبي شيبة ، والنسائي في « الخصائص » ، وابن أبي عاصم في « السنّة » ، والعقيلي ، وأبي نعيم في « المعرفة ».
ونقل أيضا (٢) ، عن العقيلي ، ومحمّد بن أيّوب الرازي ، أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام قال على منبر البصرة : « أنا الصدّيق الأكبر ».
ونقل في « الكنز » أيضا (٣) ، عن الطبراني ، عن سلمان وأبي ذرّ معا ، وعن البيهقي وابن عديّ ، عن حذيفة ، أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال في حقّ عليّ عليهالسلام : « إنّ هذا أوّل من آمن بي ، وهو أوّل من يصافحني يوم القيامة ، وهذا الصدّيق الأكبر ، وهذا فاروق هذه الأمّة ، يفرّق بين الحقّ والباطل ، وهذا يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظالمين ».
ونحوه ب « إصابة » ابن حجر ، بترجمة أبي ليلى الغفاري ، وزاد في أوّله : « ستكون بعدي فتنة ، فإذا كان كذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب ، فإنّه أوّل من آمن بي ... » .. الحديث (٤).
__________________
(١) ص ٣٩٤ من الجزء السادس [ ١٣ / ١٢٢ ح ٣٦٣٨٩ ]. منه قدسسره.
وانظر : مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٨ ح ٢١ ، خصائص الإمام عليّ عليهالسلام : ٢١ ح ٦ ، السنّة : ٥٨٤ ح ١٣٢٤ ، الضعفاء الكبير ٣ / ١٣٧ رقم ١١٢٠ ، معرفة الصحابة ١ / ٨٦ ح ٣٣٩.
(٢) ص ٤٠٥ من الجزء المذكور [ ١٣ / ١٦٤ ح ٣٦٤٩٧ ]. منه قدسسره.
وانظر : الضعفاء الكبير ٢ / ١٣٠ ـ ١٣١ رقم ٦١٦ ، وكذا : البداية والنهاية ٧ / ٢٦٦ ، ذخائر العقبى : ١٠٨.
(٣) ص ١٥٦ منه أيضا [ ١١ / ٦١٦ ح ٣٢٩٩٠ ]. منه قدسسره.
وانظر : المعجم الكبير ٦ / ٢٦٩ ح ٦١٨٤ ، الكامل في ضعفاء الرجال ٤ / ٢٢٩ رقم ١٠٤٦ ؛ وانظر أيضا : تاريخ دمشق ٤٢ / ٤١ ـ ٤٣ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٠٢.
(٤) الإصابة ٧ / ٣٥٤ رقم ١٠٤٧٨.
فإذا ثبت أنّ عليّا عليهالسلام هو أكمل الأمّة تصديقا ، وجب أن يكون أفضلهم ، ولا سيّما هو أفضل صدّيقي أمم الأنبياء ، والأفضل هو الإمام ، ولكنّ القوم سرقوا هذا الاسم ونحلوه إلى أبي بكر ، فسمّوه صدّيقا!
ولمّا علم الله سبحانه ذلك منهم ، أثبت دليلا واضحا على كذبهم ، وهو ما ألحقه بهذا الوصف من وصف الشهداء.
وهذه السرقة ليست بغريبة منهم ، فإنّهم سرقوا أيضا وصف الفاروق من أمير المؤمنين عليهالسلام إلى عمر ، فقد صرّح بأنّ عليّا هو الفاروق ... الحديث المتقدّم وغيره ، كالذي نقله في « كنز العمّال » (١) ، عن أبي نعيم ، عن أبي ليلى ، أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « ستكون بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب ، فإنّه الفاروق بين الحقّ والباطل ».
وقال الطبري في « المنتخب من كتاب ذيل المذيّل » ، المطبوع في ذيل تاريخه ، ص ٩ : « قال ابن سعد : أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن صالح بن كيسان ، قال : قال ابن شهاب : بلغنا أنّ أهل الكتاب كانوا أوّل من قال لعمر : الفاروق ؛ وكان المسلمون يؤثرون ذلك من قولهم ، وما بلغنا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ذكر من ذلك شيئا » (٢).
* * *
__________________
(١) ص ١٥٥ من الجزء السادس [ ١١ / ٦١٢ ح ٣٢٩٦٤ ]. منه قدسسره.
وانظر : معرفة الصحابة ٦ / ٣٠٠٣ ح ٦٩٧٤ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٤٥٠.
(٢) المنتخب من كتاب ذيل المذيّل : ١١ ؛ وانظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ٢٠٥ ، تاريخ المدينة ـ لابن شبّة ـ ٢ / ٦٦٢ ، تاريخ الطبري ٢ / ٥٦٢ ، تاريخ دمشق ٤٤ / ٥١ ، مناقب عمر ـ لابن الجوزي ـ : ٣٠ ، أسد الغابة ٣ / ٦٤٨.
٢٤ ـ آية : ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ ... )
قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ (١) :
الرابعة والعشرون : قوله تعالى : ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً ) (٢).
روى الجمهور ، أنّها نزلت في عليّ عليهالسلام ، كانت معه أربعة دراهم ، أنفق في الليل درهما ، وبالنهار درهما ، وفي السرّ درهما ، وفي العلانية درهما (٣).
* * *
__________________
(١) نهج الحقّ : ١٨٧.
(٢) سورة البقرة ٢ : ٢٧٤.
(٣) تفسير الحبري : ٢٤٣ ح ١٠ ، المعجم الكبير ١١ / ٨٠ ح ١١١٦٤ ، تفسير الثعلبي ٢ / ٢٧٩ ، ما نزل من القرآن في عليّ : ٤٣ ، تفسير الماوردي ١ / ٣٤٧ ، أسباب النزول : ٤٩ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ لابن المغازلي ـ : ٢٤١ ح ٣٢٥ ، محاضرات الأدباء ١ / ٦٨٠ ، تفسير البغوي ١ / ١٩٧ ، الكشّاف ١ / ٣٩٨ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ للخوارزمي ـ : ٢٨١ ح ٢٧٥ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٥٨ ، شواهد التنزيل ١ / ١٠٩ ـ ١١٥ ح ١٥٥ ـ ١٦٣ ، تفسير الفخر الرازي ٧ / ٩١ ، أسد الغابة ٣ / ٦٠١ ، تفسير القرطبي ٣ / ٢٢٥ ، تفسير ابن كثير ١ / ٣٠٨ ، الدرّ المنثور ٢ / ١٠٠.