دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٥

الشيخ محمد حسن المظفر

دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمد حسن المظفر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-358-6
الصفحات: ٤٢٦

.. إلى نحو ذلك ممّا هو بالهذيان أشبه! (١).

* * *

__________________

ـ بيت في قريش ، كان بزّازا يدور في السوق حاملا على رقبته أثوابا ليبيعها ، مضافا إلى إشفاقه من تقديم صدقة يسيرة بين يدي نجواه ؛ فدعوى كثرة إنفاقه تخرّص سقيم!

انظر : تاريخ دمشق ٣٠ / ٣٢١ و ٣٢٢ و ٣٢٤ ، الكامل في التاريخ ٢ / ١٨٩ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٢ / ٤٥ ، الأعلاق النفيسة : ٢١٥.

(١) راجع كتاب تشييد المراجعات ٢ / ٥ ـ ٤٥ ، فقد فصّل السيّد عليّ الحسيني الميلاني البحث هناك حول السورة الكريمة واختصاصها بأهل البيت عليهم‌السلام والرّد على الشبهات المثارة.

٦١

١٩ ـ آية : ( وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ ... )

قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ (١) :

التاسعة عشرة : قوله تعالى : ( وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ) (٢).

روى الجمهور ، عن مجاهد ، قال : هو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام (٣).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٨٥.

(٢) سورة الزمر ٣٩ : ٣٣.

(٣) تفسير الحبري : ٣١٥ ح ٦٢ ، ما نزل من القرآن في عليّ ـ لأبي نعيم ـ : ٢٤٠ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٢٣٥ ح ٣١٧ ، شواهد التنزيل ٢ / ١٢٠ ـ ١٢٢ ح ٨١٠ ـ ٨١٥ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٥٩ و ٣٦٠ ، كفاية الطالب : ٢٣٣ ، تفسير القرطبي ١٥ / ١٦٧ ، تفسير البحر المحيط ٧ / ٤٢٨ ، فتح القدير ٤ / ٤٦٣ ، الدرّ المنثور ٧ / ٢٢٨.

٦٢

وقال الفضل (١) :

جماهير أهل السنّة على أنّ الآية نزلت في أبي بكر الصدّيق (٢) ، وإن صحّ نزوله في عليّ المرتضى فهو من فضائله ، ولا يدلّ على النصّ.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ١٧٩.

(٢) تفسير الطبري ١١ / ٥ ح ٣٠١٤٤ ، تفسير الفخر الرازي ٢٦ / ٢٨٠ المسألة الأولى ، الدرّ المنثور ٧ / ٢٢٨.

٦٣

وأقول :

حكى السيوطي في « الدرّ المنثور » عن ابن مردويه ، أنّه أخرج عن أبي هريرة : ( وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ ) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ( وَصَدَّقَ بِهِ ) عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام (١).

ونحوه في « منهاج الكرامة » للمصنّف ، عن مجاهد ، من طريق ابن المغازلي (٢).

وفيه أيضا عن مجاهد ، من طريق أبي نعيم ، مثل ما هنا (٣)

فيكون الجميع متّحدا في المراد ، وأنّ المقصود بثاني الوصفين أمير المؤمنين عليه‌السلام ، لا أنّه مقصود بهما معا كما يتوهّم ممّا نقله أبو نعيم ، كما أنّه ليس المقصود بالوصفين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحده ؛ لقوله تعالى في تتمّة الآية بصيغة الجمع : ( أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) (٤).

فإذا أريد بمن صدّق به أمير المؤمنين ، دلّ على إمامته ؛ لأنّ ذكره خاصّة بالتصديق مع كثرة المصدّقين يدلّ على أنّه الكامل في التصديق ، وأنّه الصدّيق الأكبر.

ولا ريب أنّ الكامل فيه دون غيره هو الأفضل ، والأفضل أحقّ بالإمامة ، ولا سيّما أنّ كامل التصديق أرعى لما صدّق به ، وأمسّ في حفظ

__________________

(١) الدرّ المنثور ٧ / ٢٢٨.

(٢) منهاج الكرامة : ١٣٤ ، وانظر : مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٢٣٥ ح ٣١٧.

(٣) منهاج الكرامة : ١٣٤.

(٤) سورة الزمر ٣٩ : ٣٣.

٦٤

الدين والحوزة.

على أنّ الله سبحانه قد شهد لمن جاء بالصدق ، ولمن صدّق به ، بالتقوى على الإطلاق ، فقال في تتمّة الآية : ( أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) ، وهو يقتضي العصمة ، ولا معصوم مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير عليّ عليه‌السلام بالإجماع ، فيكون هو الإمام ؛ لما سبق من اشتراط العصمة بالإمام (١).

ولا ينافي دلالته على العصمة قوله تعالى بعد هذه الآية : ( لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَالَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ ) (٢) ؛ إذ ليس المراد ب‍ ( أَسْوَأَالَّذِي عَمِلُوا ) هو المحرّمات ؛ لعصمة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جزما ، بل المراد أسوأه عند قومهم ، فإنّ الله سبحانه يكفّره (٣) ؛ أي يغطّيه عنهم بنصرهم على الكافرين ، وإحسانهم إليهم ، وإظهار شرفهم وفضلهم ؛ ولذا قال تعالى في الآية التي بعدها : ( أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ... ) (٤).

وأمّا ما نسبه الفضل إلى الجماهير ، فكذب عليهم ؛ ولذا لم يذكره الزمخشري في « الكشّاف » ، وهو حقيق بذكره لو كان قولا لجماهيرهم ، لا سيّما وهو في فضل أبي بكر ، ولم يذكره أيضا غيره ممّن اطّلعنا على تفسيره.

__________________

(١) راجع ج ٤ / ٢٠٥ وما بعدها من هذا الكتاب.

(٢) سورة الزمر ٣٩ : ٣٤ و ٣٥.

(٣) كفر الشيء كفرا وكفّره : ستره ، وأصل الكفر : تغطية الشيء تغطية تستهلكه! ومنه سمّي الكافر كافرا ؛ لأنّه مغطّى على قلبه ؛ انظر : تاج العروس ٧ / ٤٥٠ مادّة « كفر ».

(٤) سورة الزمر ٣٩ : ٣٦.

٦٥

نعم ، نسبه الرازي إلى جماعة (١) ، وهو غير معنى الجماهير ، ولو سلّم فأيّ عبرة بقول جماهيرهم الناشئ من الهوى ، فإنّه كما ورد عندهم نزولها في أبي بكر ، ورد عندهم نزولها في أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فلم اختار الجماهير أو الجماعة نزولها في أبي بكر ، مع عدم صحّة الرواية الدالّة عليه كما اطّلعنا على سندها؟!

فإنّ الطبري رواها في تفسيره « جامع البيان » ، عن عمر بن إبراهيم بن خالد ، عن عبد الملك بن عمير ، عن أسيد بن صفوان (٢).

وقد نقل الذهبي في « ميزان الاعتدال » عن الدارقطني ، أنّ عمر بن إبراهيم كذّاب ؛ وعن الخطيب ، أنّه غير ثقة ؛ ثمّ ذكر بترجمة عمر أنّ أسيدا مجهول (٣).

ونقل بترجمة عبدالملك ، عن أحمد ، أنّه ضعّف عبد الملك جدّا ، وقال أيضا : ضعيف يغلط ، وقال ابن معين : مخلّط (٤).

مضافا إلى أنّ لفظ الرواية ، كما صرّح به السيوطي في « الدرّ المنثور » ( الذي جاء بالحقّ ) محمّد ، ( وصدّق به ) أبو بكر (٥) ، وهو غير لفظ الآية ؛ لأنّ لفظها : ( وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ ).

هذا ، ومن المضحك ما ذكره الرازي في المقام ، قال : « أجمعوا على أنّ الأسبق الأفضل ؛ إمّا أبو بكر ، وإمّا عليّ ، وحمل هذا اللفظ على أبي بكر

__________________

(١) انظر : تفسير الفخر الرازي ٢٦ / ٢٨٠ المسألة الأولى.

(٢) تفسير الطبري ١١ / ٥ ح ٣٠١٤٤.

(٣) ميزان الاعتدال ٥ / ٢١٦ ـ ٢١٧ رقم ٦٠٥٠ ، وانظر : تاريخ بغداد ١١ / ٢٠٢ رقم ٥٩٠٥.

(٤) ميزان الاعتدال ٤ / ٤٠٥ ـ ٤٠٦ رقم ٥٢٤٠.

(٥) الدرّ المنثور ٧ / ٢٢٨.

٦٦

أولى ؛ لأنّ عليّا عليه‌السلام كان وقت البعثة صغيرا ، فكان كالولد الصغير الذي يكون في البيت ، ومعلوم أنّ إقدامه على التصديق لا يفيد مزيد قوّة وشوكة.

أمّا أبو بكر فإنّه كان رجلا كبيرا في السنّ ، كبيرا في المنصب ، فإقدامه على التصديق يفيد مزيد قوّة وشوكة في الإسلام ، فكان حمل اللفظ على أبي بكر أولى » (١).

فإنّ مزيد الشوكة لا ربط له بالأولوية المذكورة ؛ لأنّ التصديق فرع المعرفة والتقى لا الشوكة ؛ ولذا مدح الله سبحانه من جاء بالصدق وصدّق به : بالتقوى (٢) ، فقال : ( أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) (٣).

ومن المعلوم أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام أقرب إلى المعرفة والتقوى من أبي بكر ، فإنّه لم يعبد صنما قطّ ، خلافا لقومه ، وعبدها أبو بكر مدّة من عمره ؛ وطهّره الله سبحانه من الرجس ، ولم يطهّر أبا بكر ؛ وصلّى مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبع سنين قبل أبي بكر وغيره (٤).

ولا منافاة بين الصغر وبين المعرفة والكمال ؛ ولذا دعاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الإسلام وهو صبيّ ، فكان أخصّ الناس به وأطوعهم له ، وجعله خليفته ووزيره عند ما جمع عشيرته الأقربين في أوّل البعثة ودعاهم إلى الإسلام (٥) ، كما سيجيء.

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ٢٦ / ٢٨٠ المسألة الثانية.

(٢) انظر : تفسير الطبري ١١ / ٦.

(٣) سورة الزمر ٣٩ : ٣٣.

(٤) انظر : مسند أحمد ١ / ٩٩ ، المعجم الأوسط ٢ / ٢٤٠ ح ١٧٦٧ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٢١ ح ٤٥٨٥.

(٥) انظر : مسند أحمد ١ / ١١١ و ١٥٩ و ٣٣١ ، مسند البزّار ٢ / ١٠٥ ـ ١٠٦ ح ٤٥٦ ، المعجم الأوسط ٣ / ٢٤١ ح ٢٨٣٦.

٦٧

كما جعل الله يحيى نبيّا وآتاه الحكم صبيّا ، وكذلك عيسى ويوسف وسليمان ، وقد مدح الله الحسنين وهما طفلان بقوله سبحانه : ( إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ ... * ... وَيَخافُونَ يَوْماً ... * وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ ... * إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ ... ) (١) الآيات.

ولو سلّم دخل الشوكة والقوّة والمنصب بأولوية الوصف بالتصديق ، فأيّ قوّة وشوكة لأبي بكر ، وهو من أرذل بيت في قريش ، كما قاله أبو سفيان (٢)؟!

وأيّ منصب له ، وهو كان خيّاطا ومعلّما للصبيان (٣)؟!

فأين هو من أسد الله ورسوله ، وابن سيّد البطحاء ، الذي إن لم يزد الإسلام بنفسه قوّة فباتّصاله بأبيه وتعلّقه به؟!

بل قد عرفت أنّ شهادة الله سبحانه بالتقوى لمن صدّق بالصدق تدلّ على عصمته ، ولا معصوم غير عليّ بالإجماع ، فتتعيّن إرادته بالآية.

* * *

__________________

(١) سورة الإنسان ٧٦ : ٥ و ٧ ـ ٩.

(٢) انظر : الاستيعاب ٣ / ٩٧٤ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٢ / ٤٥.

(٣) انظر : الأعلاق النفيسة : ٢١٥ ، كنز العمّال ٤ / ٣٣ ح ٩٣٦٠ ، الصوارم المهرقة : ٣٢٤ ، الصراط المستقيم ٣ / ١٠٤.

٦٨

٢٠ ـ آية : ( هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ )

قال المصنّف ـ نوّر الله ضريحه ـ (١) :

العشرون : قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ) (٢).

عن أبي هريرة ، قال : مكتوب على العرش : لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، محمّد عبدي ورسولي ، أيّدته بعليّ بن أبي طالب (٣).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٨٥.

(٢) سورة الأنفال ٨ : ٦٢.

(٣) انظر : المعجم الكبير ٢٢ / ٢٠٠ ح ٥٢٦ ، حلية الأولياء ٣ / ٢٧ ضمن رقم ٢٠٢ ، تاريخ بغداد ١١ / ١٧٣ رقم ٥٨٧٦ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٢٣ ـ ٢٢٨ ح ٢٩٩ ـ ٣٠٤ ، الشفا ١ / ١٧٤ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٦٠ ، كفاية الطالب : ٢٣٤ ، الرياض النضرة ٣ / ١٣١ ، فرائد السمطين ١ / ٢٣٥ ـ ٢٣٧ ح ١٨٣ ـ ١٨٥ ، تهذيب الكمال ٢١ / ١٨٨ رقم ٧٩٢١ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٢١ ، الدرّ المنثور ٤ / ١٠٠.

٦٩

وقال الفضل (١) :

جاء في روايات أهل السنّة ـ ولا شكّ ـ أنّ عليّا من أفاضل المؤمنين ، ومن خلفائهم وأئمّتهم.

ولمّا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مؤيّدا بالمؤمنين ، كان تأييده بعليّ من باب الأولى ، ولكن لا يدلّ على النصّ المدّعى.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ١٩٥.

٧٠

وأقول :

قال السيوطي في « الدرّ المنثور » : أخرج ابن عساكر ، عن أبي هريرة : « مكتوب على العرش : لا إله إلّا أنا وحدي ، لا شريك لي ، محمّد عبدي ورسولي ، أيّدته بعليّ » (١).

ونقل في « كنز العمّال » نحوه ، عن ابن عساكر عن أبي الحمراء ، وعن الطبراني عن أبي الحمراء ، وعن العقيلي عن جابر (٢).

ونقل المصنّف الحديث في « منهاج الكرامة » ، عن أبي نعيم ، عن أبي هريرة ، ثمّ قال أبو هريرة : وذلك قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ) يعني بعليّ (٣).

ونقل في « ينابيع المودّة » عن أبي نعيم ، بأسانيده عن أبي هريرة وابن عبّاس وإمامنا الصادق عليه‌السلام ، أنّهم قالوا : نزلت هذه الآية في عليّ عليه‌السلام ، وأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « رأيت مكتوبا على العرش .... » (٤) الحديث بعينه.

وذكر في « الينابيع » أيضا ، أنّ أبا نعيم روى نحوه عن أنس بن

__________________

(١) الدرّ المنثور ٤ / ١٠٠ ، وانظر : تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٦٠.

(٢) ص ١٥٨ من الجزء السادس [ ١١ / ٦٢٤ ح ٣٣٠٤٠ ـ ٣٣٠٤٢ ]. منه قدس‌سره.

وانظر : تاريخ دمشق ١٦ / ٤٥٦ ذيل الرقم ١٩٨٩ ، المعجم الكبير ٢٢ / ٢٠٠ ح ٥٢٦ ، الضعفاء الكبير ١ / ٣٣ رقم ١٥ وج ٢ / ٨٦ رقم ٥٤٠.

(٣) منهاج الكرامة : ١٣٤.

وانظر : ما نزل من القرآن في عليّ ـ لأبي نعيم ـ : ٨٢.

(٤) ينابيع المودّة ١ / ٢٨١ ـ ٢٨٢ ح ٣.

٧١

مالك (١)

فإذا كان أمير المؤمنين عليه‌السلام هو المراد ب‍ ( بِالْمُؤْمِنِينَ ) في الآية ، دلّ على أنّه بمنزلة جميع المؤمنين في الإيمان والتأييد للنبيّ ؛ للتعبير عنه بصيغة الجمع العامّة ، فيكون أفضلهم وإمامهم ، خصوصا مع كتابة اسمه الشريف وتأييده على العرش ..

فقول الفضل : « لا شكّ أنّ عليّا من أفاضل المؤمنين ... » إلى آخره ، ظلم لأمير المؤمنين بجعله من الأفاضل ، والآية والرواية تدلّان على الأفضلية.

كما إنّ قوله : « ولمّا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مؤيّدا بالمؤمنين ... » إلى آخره ، خلاف مقصود الآية والرواية ، من كونه بمنزلة جميع المؤمنين في التأييد ؛ لأنّه العمدة والمتّبع ؛ ولذا قرنه الله سبحانه بنصره ، وزيّن به عرشه.

ولا ينافي إرادة أمير المؤمنين من ( بِالْمُؤْمِنِينَ ) في الآية ، قوله تعالى بعدها : ( وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ... ) (٢) الآية ؛ وذلك لأنّ الاستخدام (٣)

__________________

(١) ينابيع المودّة ١ / ٢٨٢ ذ ح ٣.

(٢) سور الأنفال ٨ : ٦٣.

(٣) الاستخدام : هو أن يذكر لفظ له معنيان ، فيراد به أحدهما ، ثمّ يراد بالضمير الراجع إلى ذلك اللفظ معناه الآخر ؛ أو يراد بأحد ضميريه أحد معنييه ، ثمّ بالآخر معناه الآخر ..

فالأوّل كقوله :

إذا نزل السماء بأرض قوم

رعيناه وإن كانوا غضابا

أراد بالسماء : الغيث ، وبالضمير الراجع إليه من « رعيناه » : النبت.

والثاني كقوله :

فسقى الغضى والسّاكنيه وإن هم

شبّوه بين جوانحي وضلوعي

٧٢

باب واسع.

* * *

__________________

ـ أراد بأحد الضميرين الراجعين إلى « الغضى » ـ وهو المجرور في « الساكنيه » ـ : المكان ، وبالآخر ـ وهو المنصوب في « شبّوه » ـ : النار ؛ أي : أوقدوا بين جوانحي نار الغضى ؛ يعني نار الهوى التي تشبه نار الغضى.

والاستخدام الذي عناه الشيخ ١ ، المستعمل في الآية الكريمة ، من القسم الأوّل.

انظر : التعريفات ـ للجرجاني ـ : ٢١ ـ ٢٢.

٧٣

٢١ ـ آية : ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ )

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ (١) :

الحادية والعشرون : قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (٢).

روى الجمهور أنّها نزلت في عليّ عليه‌السلام (٣).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٨٥.

(٢) سورة الأنفال ٨ : ٦٤.

(٣) انظر : ما نزل من القرآن في عليّ ـ لأبي نعيم ـ : ٩٢ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٣٠ ح ٣٠٥ و ٣٠٦.

٧٤

وقال الفضل (١) :

ظاهر الآية أنّها في كافّة المؤمنين ، ولو صحّ نزوله في عليّ يكون من فضائله ، ولا دلالة لها على النصّ المدّعى.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ١٩٦.

٧٥

وأقول :

ـ مع أنّ الدليل مفسّر للمراد فيقدّم على الظهور ـ إنّا نمنع ظهورها بما ذكره ، بل ظاهرها الخصوص ؛ إذ ليس كلّ مؤمن متّبعا على الإطلاق ، فتكون « من » للتبعيض لا للبيان.

وحينئذ ، فينبغي إرادة أمير المؤمنين عليه‌السلام خاصّة ، حتّى لو لم ترد الرواية بإرادته ؛ إذ لا اتّباع على الإطلاق من غيره.

وحينئذ ، فتدلّ الآية على إمامته ؛ لأنّ الاتّباع المطلق يقتضي العصمة ، وهي شرط الإمامة ، ولا عصمة لغيره بالإجماع.

على أنّ الله سبحانه لمّا قرنه بنفسه المقدّسة ، وأخبر عنه ـ لا غيره من المسلمين ـ بأنّه حسبه ، دلّنا على فضله وامتيازه على كلّ أحد ، فيكون هو الإمام.

والمراد : حسبك الله ناصرا (١) ، وعليّ متّبعا ، فلا تذهب نفسك حسرات على من لم يتّبعك.

ويحتمل ـ كما هو الأقرب ـ أن يكون المراد : إنّهما حسبه في النصرة ، ولا يلزم الشرك كما زعم ابن تيميّة (٢) ؛ لأنّه كقوله تعالى : ( فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ... ) (٣) (٤).

__________________

(١) انظر : لسان العرب ٣ / ١٦٣ مادّة « حسب ».

(٢) منهاج السنّة ٧ / ٢٠١ ـ ٢١١.

(٣) سورة التحريم ٦٦ : ٤.

(٤) انظر : تفسير الدرّ المنثور ٨ / ٢٢٤.

٧٦

وليست نصرة غير الله عزّ وجلّ إلّا بإقداره ، وكون عليّ حسب النبيّ في النصرة ، لا ينافي حاجة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى غيره ، ولا حاجة عليّ عليه‌السلام إلى الناصر بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ هو ككون الله حسبه ، أريد به عدم الاعتداد بنصرة غيره ؛ لضعفها ، أو لعدم الخلوص التامّ بها ؛ ولذا فرّ المسلمون عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عدّة مواطن (١) ، فلا يرد ما أشكله ابن تيميّة ، وقد أساء القول وجاهر بنصبه.

ثمّ إنّ الرواية التي ذكرها المصنّف رحمه‌الله هنا قد نقلها هو في « منهاج الكرامة » عن أبي نعيم (٢) ، ونقلها غيره ، كصاحب « كشف الغمّة » (٣) ، عن عزّ الدين عبد الرزّاق المحدّث الحنبلي (٤).

__________________

(١) السير والمغازي ـ لابن إسحاق ـ : ٣٣٢ ، المغازي ـ للواقدي ـ ١ / ٢٣٧ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ٣٦٦ ، تاريخ الطبري ٢ / ٦٩ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٥٢ ، شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢٩٣ وج ١٤ / ٢٧٦ وج ١٥ / ١٩ ـ ٢٥ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٣ ، السيرة النبويّة ـ لابن كثير ـ ٣ / ٥٥ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٢٤ ، السيرة الحلبية ٢ / ٥٠٤ وج ٣ / ٦٧.

(٢) منهاج الكرامة : ١٣٥ ، وانظر : ما نزل من القرآن في عليّ ـ لأبي نعيم ـ : ٩٢.

(٣) كشف الغمّة ١ / ٣١٢.

(٤) هو : أبو محمّد عزّ الدين عبد الرزّاق بن رزق الله بن أبي بكر بن خلف الرّسعني الحنبلي ، ولد برأس عين الخابور سنة ٥٨٩ ، وتوفّي بسنجار سنة ٦٦١ ؛ محدّث ، مفسّر ، فقيه ، متكلّم ، أديب ، شاعر ، سمع الحديث ببلده وببغداد ودمشق وغيرها ، ولي مشيخة دار الحديث بالموصل ، من تصانيفه : رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز ، مقتل الشهيد الحسين ، درّة القاري ، مطالع أنوار التنزيل ومفاتح أسرار التأويل ، مختصر الفرق بين الفرق.

انظر : تذكرة الحفّاظ ٤ / ١٤٥٢ رقم ١١٥٢ ، العبر ٣ / ٣٠٢ ، البداية والنهاية ١٣ / ٢٠٠ ، الذيل على طبقات الحنابلة ٤ / ٢٢٢ رقم ٣٨٦ ، طبقات المفسّرين ـ للسيوطي ـ : ٥٥ رقم ٥٦ ، طبقات المفسّرين ـ للداوودي ـ ١ / ٣٠٠ رقم ٢٧٧ ، شذرات الذهب ٥ / ٣٠٥ ، كشف الظنون ١ / ٤٥٢ و ٧٤٣ و ٩١٣ وج ٢ / ١٧١٥.

٧٧

٢٢ ـ آية : ( فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ )

قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ (١) :

الثانية والعشرون : قوله تعالى : ( فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) (٢).

قال الثعلبي : نزلت في عليّ عليه‌السلام (٣).

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٨٦.

(٢) سورة المائدة ٥ : ٥٤.

(٣) عمدة عيون صحاح الأخبار : ٣٥١ ح ٤٩٣ عن الثعلبي ، وانظر : تفسير البحر المحيط ٣ / ٥١١.

٧٨

وقال الفضل (١) :

ذهب المفسّرون إلى أنّها نزلت في أهل اليمن (٢).

وقيل : لمّا نزلت هذه الآية سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن هذا القوم ، فضرب بيده على ظهر سلمان فقال : « هذا وقومه » (٣).

والظاهر أنّها كانت نازلة لقوم لم يؤمنوا بعد ؛ لدلالة : ( فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ ) على هذا ، وعليّ كان ممّن آتاه الله من أوّل الإسلام ، فكيف يصحّ نزوله فيه؟!

وإن سلّمنا ، فهو من فضائله ، ولا يدلّ على النصّ المدّعى.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ١٩٩.

(٢) انظر : تفسير الطبري ٤ / ٦٢٤ و ٦٢٥ ح ١٢١٩٨ و ١٢٢٠٠ ـ ١٢٢٠٤ ، تفسير الثعلبي ٤ / ٧٨ ، تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٢٢ ، تفسير البيضاوي ١ / ٢٧١.

(٣) تفسير الثعلبي ٤ / ٧٩ ، تفسير الكشّاف ١ / ٦٢١ ، تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٢٢ ، تفسير البيضاوي ١ / ٢٧١.

٧٩

وأقول :

ينبغي هنا بيان أمرين :

الأوّل : معنى الارتداد ؛ والظاهر أنّ له معنيين :

حقيقيا : وهو الانقلاب عن الدين بمخالفة بعض أصوله ؛ كالشهادتين عند الجميع ، والإمامة عند الإماميّة.

ومجازيا : وهو مخالفة بعض أحكام الدين المهمّة.

ويحتمل أن يراد بالآية : الأوّل ؛ لأنّه الأصل في الاستعمال .. والثاني ؛ بدعوى القرينة ، بأن يراد بالارتداد تولّي الكافرين والتقاعد عن الجهاد ، بقرينة حكم الآية التي قبلها بأنّ من تولّاهم منهم.

الثاني : مورد نزولها ؛ وقد اختصّت أخبارنا في نزولها بأمير المؤمنين عليه‌السلام ، أو المهديّ عجّل الله فرجه (١) ، ولا يبعد إرادتهما معا.

وأمّا روايات القوم ، فقد جاءت بنزولها بعليّ ، كما نقله المصنّف رحمه‌الله عن الثعلبي (٢) ، وبنزولها في أهل اليمن (٣) ، ونزولها في الفرس (٤) ، وقيل

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ١٧٧ ـ ١٧٨ ، تفسير فرات الكوفي ١ / ١٢٣ ح ١٣٣ ، مجمع البيان ٣ / ٣٤٣ و ٣٤٤.

(٢) منهاج الكرامة : ١٣٥.

(٣) مرّ تخريج ذلك في الصفحة السابقة ه‍ ٢.

(٤) مرّ تخريج ذلك في الصفحة السابقة ه‍ ٣.

٨٠