٨٢ ـ ما في القرآن آية [( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )]
إلّا وعليّ رأسها
قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ (١) :
الثانية والثمانون : في مسند أحمد بن حنبل : قال ابن عبّاس : « ما في القرآن آية [ يا ( أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) ] إلّا وعليّ رأسها وقائدها وشريفها وأميرها ، ولقد عاتب الله أصحاب محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم في القرآن ، وما ذكر عليّا إلّا بخير » (٢).
وعنه : « ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل في عليّ » (٣).
وعن مجاهد : « نزل في عليّ سبعون آية » (٤).
__________________
(١) نهج الحقّ : ٢٠٩.
(٢) لم ينكر الفضل كونه من أحاديث « المسند » ، وكذا ابن تيميّة ، إلّا أنّه ادّعى كونه من زيادات القطيعي ، لكنّا لم نجده في « المسند » المطبوع ، والله العالم بالسبب! وقد وجدناه في فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٨١٢ ـ ٨١٣ ح ١١١٤.
وانظر : المعجم الكبير ١١ / ٢١٠ ـ ٢١١ ح ١١٦٨٧ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٦٣ ، تاريخ الخلفاء ـ للسيوطي ـ : ٢٠٣ ، الرياض النضرة ٣ / ١٨٠ ، ذخائر العقبى : ١٦٠ عن « المناقب » لأحمد.
(٣) انظر : تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٦٣ ، كشف الغمّة ١ / ٣١٤ عن ابن مردويه في « المناقب » ، شواهد التنزيل ١ / ٣٩ ح ٤٩ ، تاريخ الخلفاء : ٢٠٣.
(٤) شواهد التنزيل ١ / ٣٩ ـ ٤١ ح ٥٠ و ٥١ ، كشف الغمّة ١ / ٣١٤ عن ابن مردويه في « المناقب ».
وعن ابن عبّاس : « ما أنزل الله آية وفيها : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلّا وعليّ رأسها وأميرها » (١).
* * *
__________________
(١) حلية الأولياء ١ / ٦٤ رقم ٤ ، شواهد التنزيل ١ / ٥١ ـ ٥٢ ح ٧٨ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ للخوارزمي ـ : ٢٦٦ ـ ٢٦٧ ح ٢٤٩ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٦٢ ـ ٣٦٣ ، كفاية الطالب : ١٣٩ ـ ١٤٠ ، مجمع الزوائد ٩ / ١١٢ ، كشف الغمّة ١ / ٣١٤ عن ابن مردويه في « المناقب ».
وقال الفضل (١) :
هذه أخبار لو صحّت دلّت على فضائل عليّ ، وكلّ ما ينقله من مسند أحمد بن حنبل ، فهو يدلّ على أنّ أهل السنّة لا يألون جهدا في ذكر فضائل أمير المؤمنين.
ولو كان النصّ موجودا في إمامته ، لكانوا يروونه وينقلونه ولا يكتمونه ، فعلم أن لا نصّ هناك!
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٤٨١.
وأقول :
نقل المصنّف رحمهالله في « منهاج الكرامة » حديث أحمد (١) ، فأنكر ابن تيميّة أن يكون من أصل « المسند » ، وزعم أنّه من زيادات القطيعي ، ثمّ ناقش في سنده (٢).
ونحن لا يهمّنا إثبات كونه من أصل « المسند » ، فإنّ القطيعي أيضا معتبر النقل عندهم (٣).
وأمّا ضعف سنده ب ( زكريّا بن يحيى الكسائي ) ، فقد سبق جوابه في المقدّمة ، لا سيّما ولا داعي لهم إلى الطعن ب ( زكريّا ) إلّا روايته فضائل أهل البيت ومثالب أعدائهم ، وهو كما سبق في المقدّمة دليل وثاقته (٤).
على أنّ الحديث ونحوه مستفيض عن ابن عبّاس (٥) ، وروي عن غيره (٦) ..
__________________
(١) منهاج الكرامة : ١٣٧.
(٢) منهاج السنّة ٧ / ٢٣٢.
(٣) قال الذهبي في ميزان الاعتدال ١ / ٢٢١ رقم ٣١٩ بترجمة القطيعي : صدوق في نفسه ، مقبول.
وقال الخطيب : لم نر أحدا ترك الاحتجاج به.
وقال الحاكم : ثقة مأمون.
وقال كذلك في سير أعلام النبلاء ١٦ / ٢١٢ رقم ١٤٣ : قال السلمي : سألت الدار قطني عنه ، فقال : ثقة زاهد قديم ، سمعت أنّه مجاب الدعوة.
(٤) انظر : ج ١ / ٧ وما بعدها من هذا الكتاب.
(٥) انظر ما مرّ آنفا في الصفحة ٣٦١.
(٦) تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٦٢ ـ ٣٦٣ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ للخوارزمي ـ : ٢٦٦ ـ ٢٦٧ ح ٢٤٩ ، ينابيع المودّة ١ / ٣٧٦ ـ ٣٧٧ ح ١٣ و ١٤.
فقد نقل في « كنز العمّال » (١) ، عن أبي نعيم ، عن ابن عبّاس ، قال : « ما أنزل الله آية ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلّا وعليّ رأسها وأميرها ».
ونقل فيه (٢) ، عن أبي نعيم أيضا ، عن ابن عبّاس ، قال : « ما أنزل الله سورة في القرآن إلّا وكان عليّ أميرها وشريفها ، ولقد عاتب الله أصحاب محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وما قال لعليّ إلّا خيرا ».
ونقل ابن حجر في « الصواعق » (٣) ، عن الطبراني ، وابن أبي حاتم (٤) ، عن ابن عبّاس ، قال : « ما أنزل الله ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلّا وعليّ أميرها وشريفها ، ولقد عاتب الله أصحاب محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم في غير مكان وما ذكر عليّا إلّا بخير ».
ونقل في « كشف الغمّة » ، عن ابن مردويه نحو ذلك من عدّة طرق ، عن ابن عبّاس وحذيفة (٥).
وهو دالّ على إمامة أمير المؤمنين ؛ لأنّ المراد بكون عليّ عليهالسلام رأسها
__________________
(١) ص ١٥٣ من الجزء ٦ [ ١١ / ٦٠٤ ح ٣٢٩٢٠ ]. منه قدسسره.
وانظر : حلية الأولياء ١ / ٦٤ رقم ٤.
(٢) ص ٣٩١ من الجزء ٦ [ ١٣ / ١٠٨ ح ٣٦٣٥٣ ]. منه قدسسره.
وانظر : معرفة الصحابة ـ لأبي نعيم ـ ١ / ٨٥ ح ٣٣٤.
(٣) في الفصل ٣ من الباب ٩ [ ص ١٩٦ ]. منه قدسسره.
وانظر : المعجم الكبير ١١ / ٢١٠ ـ ٢١١ ح ١١٦٨٧ ، تفسير ابن أبي حاتم ١ / ١٩٦ ح ١٠٣٥.
(٤) لقد أشرنا في الصفحة ٢٤١ ه ٢ من هذا الجزء أنّ ابن تيميّة قد مدح ابن أبي حاتم وتفسيره ، مصرّحا بأنّ لابن أبي حاتم لسان صدق ، وأنّ تفسيره خال من الموضوعات ، ومتضمّن للمنقولات التي يعتمد عليها في التفسير ، وبأسانيد معروفة!
انظر : منهاج السنّة ٧ / ١٣ و ١٧٨ ـ ١٧٩.
(٥) كشف الغمّة ١ / ٣١٤ و ٣١٧.
وأميرها : هو كونه رأس من خوطب بها ، وهم المؤمنون ، وأنّه أميرهم وإن لم يكن داخلا معهم في الخطاب في بعض الآيات ، كقوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ ) (١) ..
وقوله سبحانه : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ) (٢) ..
.. إلى غير ذلك ممّا عاتب الله به المؤمنين (٣).
ولو سلّم أنّ مراد ابن عبّاس : دخول أمير المؤمنين معهم في الخطاب بجميع تلك الآيات ، فلا بدّ من تخصيصه بغير هذا النحو من الآيات ؛ لقوله : « وما ذكر عليّا إلّا بخير ».
هذا ، وقد استنهضت ابن تيميّة حميّة النصب لمعارضة هذه الأخبار ، فمخض زبد الباطل ، وروى ما افتراه بعض أسلافه من النواصب ، من أنّ الله تعالى أنزل في عليّ عليهالسلام : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ) (٤) ، بدعوى أنّه صلّى وهو سكران ، فقرأ وخلط (٥)!
وكيف يصدّق حديث يكذّب خبر الله سبحانه بطهارة عليّ عليهالسلام
__________________
(١) سورة الصفّ ٦١ : ٢.
(٢) سورة الممتحنة ٦٠ : ١.
(٣) كقوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ ) سورة آل عمران ٣ : ١١٨.
وقوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ ) سورة المائدة ٥ : ٨.
(٤) سورة النساء ٤ : ٤٣.
(٥) منهاج السنّة ٧ / ٢٣٧.
وإذهاب الرجس عنه (١)؟! والخمر رجس كما صرّح به الكتاب العزيز (٢) ، لكنّ القوم لم يبالوا بتكذيب الله ورسوله إذا صدّقوا هواهم (٣)!!
وقد اجترأ هذا الناصب على إمام الحقّ وسيّد الخلق بما هو أعظم من ذلك (٤) ، ضاعف الله تعالى له جزاء ما عمل ، إنّه خير الحاكمين.
وما أكثر ما لغا في المقام بنقل أخبار قومه التي لا تقوم حجّة على خصمه ، وبذكر الأمور الواهية التي لا يليق بنا نقلها وردّها.
ثمّ إنّ من جملة ما نقله المصنّف رحمهالله قول ابن عبّاس : « ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل في عليّ عليهالسلام » ، وهو ممّا نقله ابن حجر في « الصواعق » (٥) عن ابن عساكر (٦).
ويشهد لصحّته وصحّة قول مجاهد ـ الذي ذكره المصنّف (٧) ـ الأخبار المستفيضة الدالّة على نزول ما سبق من الآيات وغيرها فيه.
بل حكى ابن حجر أيضا ، عن ابن عساكر ، عن ابن عبّاس ، أنّه
__________________
(١) في قوله تعالى : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٣.
(٢) في قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ ... ) سورة المائدة ٥ : ٩٠.
(٣) قد حقّق رائد المحقّقين العلّامة الأكبر السيّد حامد حسين النيسابوري اللكهنوي واقع الحال في هذه القضيّة ، وأثبت أن الغرض من وضع النواصب هذا الخبر هو التغطية على الحقيقة ، وهي إصرار المشايخ وكبار الأصحاب على شرب الخمر حتى بعد تحريمها ، ومن شاء التفصيل فليرجع إلى كتاب ( استقصاء الإفحام في الردّ على منتهى الكلام ).
(٤) منهاج السنّة ٧ / ٢٣٢ و ٢٣٧.
(٥) في المقام السابق [ ص ١٩٦ ]. منه قدسسره.
(٦) انظر : تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٦٣.
(٧) انظر الصفحة ٣٦١.
قال : « نزل في عليّ ثلاثمئة آية » (١)
بل في « ينابيع المودّة » عن الطبراني ، عن ابن عبّاس ، أنّه قال : « نزل في عليّ أكثر من ثلاثمئة آية في مدحه » (٢)
وأنت تعلم أنّ كثرة نزول الكتاب بمدح شخص ـ ولو لأدنى مناسبة ـ دليل على فضله على غيره ، وعظمته عند الله سبحانه ، والأفضل هو الإمام ، لا سيّما وقد كانت الآيات مختلفة البيان ، فبعضها يفيد تفضيله ، وبعضها يفيد عصمته ، وبعضها وجوب اتّباعه ، وبعضها أنّه المسؤول عن ولايته ، إلى غير ذلك ممّا سبق.
وأمّا قول الفضل : « إنّ ما ينقله المصنّف رحمهالله عن مسند أحمد يدلّ على أنّ أهل السنّة لا يألون جهدا في ذكر فضائل أمير المؤمنين ، وأنّه لو كان نصّ في إمامته لنقلوه » ..
فباطل ؛ إذ كيف يروون ما يرونه نصّا مع ما عرفت في المقدّمة من أحوال ملوكهم وعلمائهم وعوامّهم مع من يروي له فضيلة (٣)؟!
فكيف بمن يروي ما يرونه نصّا عليه؟!
وقد عرفت أيضا في الآية الخامسة والعشرين ، أنّ الزمخشري حكم بكراهة الصلاة على آل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا أفردوا بالذكر ؛ لأنّه يؤدّي إلى الاتّهام بالرفض ، مع اعترافه برجحان الصلاة عليهم بالكتاب والسنّة (٤).
__________________
(١) الصواعق المحرقة : ١٩٦ ، وانظر : تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٦٤ ، تاريخ بغداد ٦ / ٢٢١ رقم ٣٢٧٥.
(٢) ينابيع المودّة ١ / ٣٧٧ ح ١٥.
(٣) راجع ج ١ / ٧ وما بعدها من هذا الكتاب.
(٤) انظر الصفحة ١٠٩ من هذا الجزء.
فكيف يروي أحدهم النصّ الصريح على إمامة عليّ عليهالسلام؟!
بل كيف يروون النصّ عليه وهو خلاف مذهبهم؟! كما يشهد له ما في « مسند أحمد » (١) ، حيث أخرج عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : يهلك أمّتي هذا الحيّ من قريش.
قالوا : فما تأمرنا يا رسول الله؟
قال : لو أنّ الناس اعتزلوهم.
قال عبد الله بن أحمد : قال أبي في مرضه : « إضرب على هذا الحديث ، فإنّه خلاف الأحاديث عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم » يعني قوله : « اسمعوا وأطيعوا واصبروا » (٢).
فأنت ترى أنّ أحمد أمر بالضرب على هذا الحديث مع صحّة سنده عندهم ؛ لمخالفته للأحاديث الدالّة على السمع والطاعة لأئمّة الجور والضلالة ، فكيف يروي هو أو غيره ما يعتقدونه نصّا على إمامة أمير المؤمنين عليهالسلام وخلافته للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، المستلزم لظلم الأوّلين له وبطلان خلافتهم؟!
وما روى أكثر الخصوم فضائل أهل البيت إلّا لتوهينها ، أو دفع وصمة النصب الخبيثة عنهم ، أو للفخر بالاطّلاع ، أو غير ذلك من الغايات الفاسدة.
ومع ذلك ترى جملة ممّن رواها ساقطا عندهم إذا توهّموا فيه حبّ أهل البيت عليهمالسلام ، وإن كان من أعلامهم!
__________________
(١) ص ٣٠١ من الجزء الثاني. منه قدسسره.
(٢) مسند أحمد ٢ / ٣٠١.
فكان من إتمام الله تعالى الحجّة عليهم أن أجراها على ألسنة أقلامهم ؛ لئلّا يقولوا يوم القيامة : ( إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ ) (١).
ولا يضرّها الطعن بالسند ؛ لصحّة الكثير منها عندهم ، واستفاضة أكثرها ـ مع ما بيّنّاه في المقدّمة (٢) ـ.
كما لا يضرّها توهين الدلالة ، فإنّ الكثير منها صريح الدلالة ، وما آفتها إلّا عناد المخاصمين ، كما عرفته في جملة ممّا سبق ، وتعرفه في حديث المنزلة والثقلين ونحوهما.
ولو نقلوا أحاديث فضائل أمير المؤمنين عليهالسلام على وجهها ، لظهر لك كيف دلالتها على إمامته! حتّى إنّهم لم ينقلوا من نصّ الغدير إلّا اليسير ، وأخفوا أكثر ما فيه الصراحة الذي يقطع كلّ غافل بوجوده ؛ إذ لا يمكن أن يجمع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم نحو مئة ألف من المسلمين ويقوم فيهم بحرّ الحجاز وقت الظهيرة على منبر يقام له من الأحداج (٣) ، ويخطبهم لداعي حضور أجله وهو لا يقول إلّا : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » (٤) ، أو بزيادة قليلة عليه ، ومع ذلك لا يريد إلّا بيان أنّ عليّا ناصر لمن كنت ناصره أو نحوه ، ما أظنّ أنّ عاقلا يرتضيه!!
__________________
(١) سورة الأعراف ٧ : ١٧٢.
(٢) انظر : ج ١ / ٧ وما بعدها من هذا الكتاب.
(٣) الأحداج : جمع الحدج : أي الحمل ، والحدج : من مراكب النساء يشبه المحفّة ، ويقال : أحداج وحدوج ، والحدوج : الإبل برحالها.
انظر : لسان العرب ٣ / ٧٧ مادّة « حدج ».
(٤) انظر : ج ١ / ١٩ ـ ٢٢ من هذا الكتاب.
٨٣ ـ آية : ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ )
قال المصنّف ـ أجزل الله ثوابه ـ (١) :
الثالثة والثمانون : روى الحافظ محمّد بن موسى الشيرازي (٢) من علماء الجمهور ، واستخرجه من التفاسير الاثني عشر ، عن ابن عبّاس في قوله تعالى : ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ) (٣) ، قال : « هم : محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ، هم أهل الذكر والعلم والعقل والبيان ، وهم أهل بيت النبوّة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ؛ والله ما سمّي المؤمن مؤمنا إلّا كرامة لأمير المؤمنين (٤).
ورواه سفيان الثوري ، عن السّدّي ، عن الحارث (٥).
* * *
__________________
(١) نهج الحقّ : ٢١٠.
(٢) كذا في الأصل وفي « نهج الإيمان » لابن جبر ، الذي ينقل عنه العلّامة قدسسره ؛ والظاهر أنّ الصحيح هو : محمّد بن مؤمن الشيرازي ؛ انظر : معجم المؤلّفين ٣ / ٧٤٥ رقم ١٦٢١٧.
(٣) سورة النحل ١٦ : ٤٣ ، سورة الأنبياء ٢١ : ٧.
(٤) أخرجه محمّد بن مؤمن الشيرازي في « المستخرج من التفاسير الاثني عشر » كما في كفاية الخصام : ٣٣٨.
(٥) رواه الحسكاني بهذا الإسناد في شواهد التنزيل ١ / ٣٣٤ ح ٤٥٩ وص ٣٣٥ ـ ٣٣٧ ح ٤٦٠ ـ ٤٦٦ ؛ وانظر مؤدّاه : تفسير الطبري ٧ / ٥٨٧ ح ٢١٦٠٣ ، تفسير الثعلبي ٦ / ٢٧٠ ، تفسير ابن كثير ٢ / ٥٥١ ، تفسير الآلوسي ١٤ / ٢١٧ ـ ٢١٨ ، ينابيع المودّة ١ / ١٤٥ ـ ١٤٦ الآية التاسعة.
وقال الفضل (١) :
ليس هذا من روايات أهل السنّة ، وهي أشياء تدلّ على فضيلة آل العباء ، وهذا أمر لا ريب فيه ، ولا ينكره إلّا المنافق ، ولا يعتقده إلّا المؤمن الخالص ، ولكن لا يثبت به النصّ.
* * *
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٤٨٤.
وأقول :
الحافظ المذكور هو من علماء القوم ، والتفاسير الاثنا عشر من أشهر تفاسير قدمائهم كما سيذكرها المصنّف رحمهالله في « مطاعن الصحابة ».
فإنكار الفضل لكونه من روايات تفاسيرهم إنكار بارد ، وظنّي أنّه لم ير كتاب الحافظ المذكور ، وأنكر رجما بالغيب.
ويعضد هذه الرواية ما نقله في « ينابيع المودّة » (١) ، عن تفسير الثعلبي (٢) ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال عليّ عليهالسلام : نحن أهل الذكر.
و« الذكر » في القرآن قد أطلق على معنيين مناسبين للمقام ، نبّه عليهما إمامنا الصادق عليهالسلام وقال : « نحن أهل الذكر » (٣) بكلا المعنيين :
أحدهما : رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال تعالى في سورة الطلاق : ( قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ ) (٤) (٥).
وثانيهما : القرآن ، وهو في الكتاب العزيز كثير ، كقوله تعالى : ( وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) (٦) وقوله تعالى :
__________________
(١) في الباب التاسع والثلاثين [ ١ / ٣٥٧ ح ١٢ ]. منه قدسسره.
(٢) انظر : تفسير الثعلبي ٦ / ٢٧٠.
(٣) تفسير القمّي ٢ / ٣٥٩ ؛ وروي لفظ الحديث عن الإمام أبي جعفر الباقر عليهالسلام في : تفسير فرات ١ / ٢٣٥ ح ٣١٥ ، تفسير العيّاشي ٢ / ٢٨٢ ح ٣٢ ، مجمع البيان ٦ / ١٥٠.
(٤) سورة الطلاق ٦٥ : ١٠ و ١١.
(٥) انظر : تفسير فرات ١ / ٢٣٥ ح ٣١٧ ، تفسير القمّي ٢ / ٣٥٩ ، مجمع البيان ٦ / ١٥٠ وج ١٠ / ٤٣.
(٦) سورة النحل ١٦ : ٤٤.
( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) (١) (٢).
ومن الواضح أنّ أهل البيت : أهل الذكر ، بكلا المعنيين ، كما سبق عن إمامنا عليهالسلام (٣) ؛ لأنّهم أهل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأهل القرآن ؛ لأنّ علم القرآن عندهم ، وهما الثقلان اللذان لا يفترقان.
والأظهر إرادة المعنى الثاني في قوله تعالى : ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ) ، ولا ينافي إرادة الأوّل دخول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في أهل الذكر على الرواية التي نقلها المصنّف رحمهالله ؛ لصحّة إطلاق أهل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على ما يشمله تغليبا (٤).
وعلى كلا المعنيين ، فأمر الله سبحانه بسؤالهم ، دليل على أنّ لهم العلم الوافر ، والامتياز والفضل على الناس ، فتكون الإمامة فيهم ، مع أنّ قوله في الحديث : « والله ، ما سمّي المؤمن مؤمنا إلّا كرامة لأمير المؤمنين » ، قد تضمّن من بيان الفضل على غيره ما لا يوازيه بيان.
وقريب منه قوله : « هم أهل الذكر ، والعلم ، والعقل ، والبيان ... » إلى آخره.
* * *
__________________
(١) سورة الحجر ١٥ : ٩.
(٢) انظر : تفسير العيّاشي ٢ / ٢٨٢ ح ٣٢ ، مجمع البيان ٦ / ١٥١ وج ١٠ / ٤٣.
(٣) وانظر : تفسير فرات ١ / ٢٣٥ ح ٣١٦.
(٤) انظر : الكافي ١ / ٣٢٧ ح ٧٦١.
٨٤ ـ آية : ( عَمَّ يَتَساءَلُونَ )
قال المصنّف ـ قدسسره ـ (١) :
الرابعة والثمانون : وعن الحافظ في قوله تعالى : ( عَمَّ يَتَساءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ) (٢) ، بإسناده إلى السّدّي ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ ولاية عليّ يتساءلون عنها في قبورهم ، فلا يبقى ميّت في شرق ولا غرب ، ولا في برّ ولا بحر ، إلّا ومنكر ونكير يسألانه عن ولاية أمير المؤمنين عليهالسلام بعد الموت ، يقولون للميّت : من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟ ومن إمامك؟ (٣)
وعنه : عن ابن مسعود ، قال : « وقعت الخلافة من الله تعالى لثلاثة نفر :
آدم ، في قوله تعالى : ( إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) (٤).
وداود : ( إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ ) (٥).
وأمير المؤمنين : ( لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ
__________________
(١) نهج الحقّ : ٢١١.
(٢) سورة النبأ ٧٨ : ١ و ٢.
(٣) انظر : شواهد التنزيل ٢ / ٣١٨ ح ١٠٧٥ ، مناقب آل أبي طالب ٣ / ٩٦ ، نهج الإيمان : ٥٠٧.
(٤) سورة البقرة ٢ : ٣٠.
(٥) سورة ص ٣٨ : ٢٦.
مِنْ قَبْلِهِمْ ) (١) ، داود وسليمان (٢) ..
( وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ ) (٣) ، يعني : الإسلام ..
( وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ ) ، يعني : من أهل مكّة ..
( أَمْناً ) ، يعني : في المدينة ..
( يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ) ، يعني : يوحّدونني ..
( وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ ) ، بولاية عليّ ..
( فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) (٤) ، يعني : العاصين لله ولرسوله ».
وهذا كلّه نقله الجمهور واشتهر عنهم وتواتر (٥).
* * *
__________________
(١) سورة النور ٢٤ : ٥٥.
(٢) في نهج الحقّ : « يعني : آدم وداود » وفي نسخة منه : « يعني : داود وسليمان » ، والأوّل هو الصواب ، والثاني وما في المتن تصحيف.
(٣) سورة النور ٢٤ : ٥٥.
(٤) سورة النور ٢٤ : ٥٥.
(٥) انظر : شواهد التنزيل ١ / ٧٥ ـ ٧٦ ح ١١٤ ، ونحوه في تفسير أبي عبيدة والطائي كما ذكره في مناقب آل أبي طالب ٣ / ٧٧ ـ ٧٨ ، نهج الإيمان : ٣٨٩ ـ ٣٩٠ ، الصراط المستقيم ٢ / ٤٧.
وقال الفضل (١) :
ما ذكر أنّ المراد ب ( عَمَ ) : عليّ ، فلا يصحّ بحسب المعنى والتركيب ، ويكون هكذا : « عليّ يتساءلون ، عن النبأ العظيم » ، وأنت تعلم أن هذا تركيب فاسد.
وأمّا ما ذكر من السؤال في القبر عن ولاية عليّ ، فلم يثبت هذا في الكتاب ولا السنّة ، ولو كان من المسؤولات في القبر ، لكان ينبغي أن يعلمنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتواتر واشتهر كما اشتهر باقي أركان الإسلام.
وأمّا ما نقل عن ابن مسعود ، أنّه وقعت الخلافة من الله لثلاثة : آدم ، وداود ، وعليّ ؛ فآدم وداود قد صرّح باسمهما في الخلافة فيالقرآن.
وأمّا أن يكون المراد من قوله : ( لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ ) عليّ فحسب ، فغير ظاهر ، ولا خبر صحيح يدلّ على هذا ، بل الظاهر يشمل الخلفاء الأربع وملوك العرب في الإسلام ..
فإنّ ظاهر الآية : أنّ الله وعد المؤمنين بأن يجعلهم خلفاء الأرض ، وينزع الملك من كسرى وقيصر ويؤتيه المؤمنين ، وهذا مضمون الآية ، وما فسّره في الآية فكلّه من باب التفسير بالرأي.
وما ذكر أنّ كلّ الأشياء التي ذكرها نقله الجمهور ، واشتهر عنهم ،
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٤٨٥.
وتواتر ؛ فهذا كذب أظهر وأبين من كذب مسيلمة الكذّاب ؛ لأنّ مراده من الجمهور : أهل السنّة والجماعة ، وليس كلّ ما ذكر متواتر عند أهل السنّة ، وكأنّه لا يعلم معنى التواتر.
* * *
وأقول :
ما ذكره في صدر كلامه دليل الغفلة أو المغالطة ؛ إذ لا يتصوّر أحد أنّ الرواية ، أو ذكر المصنّف رحمهالله نزول الآية في عليّ عليهالسلام يقتضي كون مجموع الجار والمجرور عليّا ، ضرورة أنّ صريح الرواية أنّ المراد بالمجرور ، وهو « ما » الاستفهامية : ولاية عليّ عليهالسلام ، التي هي النبأ العظيم.
ويحتمل أن يكون النبأ العظيم عليّا نفسه ، وأنّه المسؤول عنه ، لكن لمّا كان السؤال عنه لأجل التقرير بولايته ، عبّرت الرواية بالسؤال عن ولايته ، وأشار الشاعر إلى أنّه المراد بالنبأ العظيم بقوله [ من الوافر ] :
هو النبأ العظيم وفلك نوح |
|
وباب الله وانقطع الخطاب (١) |
وأمّا ما زعمه من عدم ثبوت السؤال عن ولاية عليّ في القبر ، فيكفي في ثبوته هذه الرواية المؤيّدة بالأخبار السابقة في الآية الحادية عشرة (٢) ، وهي قوله تعالى : ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) (٣).
وأمّا قوله : « ولو كان من المسؤولات [ في القبر ] ، لكان ينبغي أن يعلمنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتواتر ... » ..
__________________
(١) البيت للناشئ الصغير من قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين الإمام عليّ عليهالسلام ، مطلعها :
بآل محمّد عرف
الصّواب |
|
وفي أبياتهم نزل
الكتاب |
انظر : نسمة السحر ٢ / ٤٠٧ ، وأخرج ياقوت الحموي قسما من القصيدة في معجم الأدباء ٤ / ١٤٨.
(٢) انظر الصفحات ٧ ـ ١٢ من هذا الجزء.
(٣) سورة الصافّات ٣٧ : ٢٤.
فيرد عليه : إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أعلمهم به ، كما في هذه الرواية ونحوها ، وقد تواتر عندنا ، وإنّما لم يتواتر عندهم ؛ لأنّه على خلاف رأي ملوكهم.
وكيف لا يسأل عن ولاية عليّ وإمامته ، والإمامة كالنبوّة من أركان الإيمان وأصول الدين كما سبق (١)؟!
فإذا كان عليّ عليهالسلام هو المسؤول عن إمامته ، فيقال للميّت : من إمامك؟ ، كان هو الإمام لا من قبله ، وإلّا لوقع السؤال عنه بالأولويّة.
وأمّا ما رواه المصنّف رحمهالله عن ابن مسعود ، فيؤيّده أنّ الاستخلاف المذكور في قوله تعالى : ( لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ ) مسند إلى الله تعالى ، وهو مطابق بظاهره لمذهبنا في الإمامة ، لا لمذهب القوم فيها ؛ فإنّها عندهم إنّما تثبت بالاختيار لا باستخلاف الله سبحانه ، مع أنّ الآية صريحة بتمكين الخليفة من دين الله الذي ارتضاه ، وهو فرع العلم بالدين كلّه ، والخلفاء الثلاثة ليسوا كذلك.
وأظهر منهم بعدم الإرادة ، بقيّة ملوك العرب ، كمعاوية ويزيد والوليد وأشباههم ، بل الظاهر دخولهم في قوله تعالى بعد هذا القول : ( وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) (٢) كما بيّنه الزمخشري بقوله في تفسير الآية : « أنجز الله وعده ، وأظهرهم على جزيرة العرب ، وافتتحوا بعد بلاد المشرق والمغرب ، ومزّقوا ملك الأكاسرة ، وملكوا خزائنهم ، واستولوا على الدنيا ، ثمّ خرج الّذين على خلاف سيرتهم ، فكفروا بتلك النعم ، وفسقوا ، وذلك قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثمّ يملّك الله من يشاء ،
__________________
(١) انظر : ج ٤ / ٢١١ وما بعدها من هذا الكتاب.
(٢) سورة النور ٢٤ : ٥٥.